المغرب: كوابح التصعيد

السلطة الملكية والمحتجون يجدون مصلحة مشتركة في كبح التصعيد، فالملك يجد أن الرهان المتمثل في تقاسم الصلاحيات، أقل قيمة من كلفة العنف، والمحتجون يخشون على تماسكهم إذا اصطدموا بالشرعية الملكية.
12 June 2011
1_1067593_1_34.jpg

 

مركز الجزيرة للدراسات

بررت السلطات المغربية لجوءها إلى العنف إلى كون حركة 20 فبراير/شباط فقدت استقلاليتها وذلك بتحكم ثلاثة تيارات في مسارها وهي جماعة العدل والإحسان وحزب النهج الديمقراطي المنتمي إلى تيار اليسار الراديكالي والتيار السلفي.
عندما قرر الملك المغربي محمد السادس في خطابه ليلة 9 مارس/آذار 2011 فتح ورش للقيام بإصلاحات مؤسساتية وسياسية عبر تشكيل لجنة أنيطت بها مهمة القيام بمراجعة عميقة لمقتضيات الدستور الذي يجري به العمل في المغرب منذ 13 سبتمبر/أيلول 1996، اعتبرت السلطات الحكومية أن الخطاب الملكي استجاب إلى مطالب حركة شباب 20 فبراير/شباط، ولم يعد هناك بالتالي أي مبرر للتظاهر من جديد، وهو الأمر الذي دفعها إلى استعمال العنف ضد المتظاهرين في الدار البيضاء يوم 13 مارس/آذار الماضي. وأمام الانتقادات الموجهة لسلوك الأجهزة الأمنية، تراجعت السلطات لتسمح بالتظاهر بعد ذلك، حيث لم تسجل تدخلات أمنية في تظاهرات 20 مارس/آذار و24 أبريل/نيسان في مختلف المدن المغربية. غير أن الاستعمال المفرط للقوة سرعان ما عاد ليفرض نفسه يوم 15 مايو/أيار 2011 عندما كان العديد من المتظاهرين من مختلف المدن يعتزمون التوجه نحو مقر المديرية العامة لحماية التراب الوطني بمدينة تمارة جنوب العاصمة الرباط. وقد أعلنت السلطات الحكومية عن عزمها منع التظاهر حتى لو أدى ذلك إلى استعمال العنف، وهو ما ترجمته تلك السلطات فعلاً على أرض الواقع خلال التظاهرات التي اجتاحت العديد من المدن يوم 22 مايو/أيار الماضي. بررت السلطات لجوءها إلى العنف إلى كون حركة 20 فبراير/شباط فقدت استقلاليتها وذلك بتحكم ثلاثة تيارات في مسارها وهي جماعة العدل والإحسان وحزب النهج الديمقراطي المنتمي إلى تيار اليسار الراديكالي والتيار السلفي.

لقد أدى الاستعمال المفرط للعنف تجاه المتظاهرين يوم 22 مايو/أيار الماضي إلى ردود فعل قوية منددة بالسلوك الحكومي، ولم يقتصر التنديد على القوى الحقوقية وبعض القوى السياسية المغربية فقط بل شمل منظمات حقوقية دولية والاتحاد الأوروبي أيضا. وفي اللحظة التي كان يخشى منها أن تتطور المواجهات مع المتظاهرين، لم تلجأ هذه السلطات إلى التدخل خلال التظاهرات يوم 29 مايو/أيار الماضي.

إن السؤال الذي فرض نفسه على المتتبعين يرتبط بتحديد طبيعة الخيار الذي ستعتمده السلطات الحكومية مستقبلا في التعامل مع المتظاهرين؟

كلفة العنف أكبر من العائد
سقف الإصلاح

كلفة العنف أكبر من العائد 

يربط الحكم خياراته بطبيعة خيارات حركة شباب 20 فبراير/شباط، ويؤكد أنه لن يلجأ إلى قمع المتظاهرين إذا ما التزموا بأمرين أساسيين: أولهما، عدم تنظيم التظاهرات في الأحياء الشعبية؛ وثانيهما، الالتزام بسقف المطالب السياسية المحددة في الأرضية التأسيسية لحركة 20 فبراير/شباط.

أما بالنسبة لنشطاء حركة شباب 20 فبراير، فهم يشددون على حقهم في التظاهر كما يشددون على كون التبريرات التي قدمتها السلطات لاستعمالها العنف المفرط تجاه المتظاهرين واهية، تستخدم من قبل تيار من داخل دوائر القرار للالتفاف على مسلسل الإصلاحات.

على أن هناك مجموعة من الأسباب تدفع إلى الاعتقاد بأن السلطات العمومية غير قادرة على الاستمرار في تحمل الكلفة السياسية للاستعمال المفرط للعنف تجاه المتظاهرين:

  • يتجلى السبب الأول في فشل السلطات العمومية لحد الآن في تقسيم مكونات حركة شباب 20 فبراير/شباط، وذلك بمحاولة تأجيج التناقضات بين تلك المكونات، فأصبح هناك حديث عن تيار المستقلين من جهة وتيار المنتمين لتنظيمات سياسية من جهة أخرى، وداخل تيار المنتمين تثار تساؤلات حول القواسم المشتركة التي بإمكانها أن تدفع نشطاء اليسار الراديكالي إلى التعاون والتنسيق مع نشطاء جماعة العدل والإحسان الإسلامية، غير أن الحركة رفضت هذا المنطق وشددت على وحدة مطالبها رغم تنوع مكوناتها كما شددت على استقلاليتها، وهذا الموقف الرافض لمنطق السلطة طال قوى سياسية داعمة لحركة شباب 20 فبراير/شباط رغم تباين مرجعياتها كما يجسد ذلك البيان الاستنكاري الصادر عن حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي وجماعة العدل والإحسان وحزب المؤتمر الوطني الاتحادي وحزب النهج الديمقراطي والحزب الاشتراكي بتاريخ 30 مايو/أيار الماضي، والذي تضمن إدانة لهذا التصعيد من طرف قوات الأمن والمطالبة بمحاكمة المسؤولين عن هذه الانتهاكات الماسة بالحق في الاحتجاج والتظاهر السلمي وبحرية التعبير، واعتبار أنه لا بديل عن خيار الاستجابة لمطالب حركة 20 فبراير/شباط، وإقرار ديمقراطية حقيقية ومحاكمة المسئولين عن الفساد وعن الجرائم السياسية والاقتصادية والاجتماعية و تحميل الجهات المسئولة كافة تبعات هذا التصعيد الأمني.

  • يتجسد السبب الثاني في تخوف السلطات العمومية من أن الاستمرار في استعمال العنف يؤدي إلى تصلب مواقف حركة شباب 20 فبراير/شباط، خاصة أن هناك جهات من داخل السلطة توصي بضرورة إجراء قراءة جيدة تستوعب ما حصل في دول عربية أخرى كتونس ومصر، بحيث أن مطالب المتظاهرين كانت في هاتين الدولتين ذات طابع معتدل في البداية قبل أن يحولها القمع الذي مورس عليهم إلى مطالب تريد إسقاط النظام بدل إصلاحه.

  • يكمن السبب الثالث في  إصرار حركة شباب 20 فبراير/شباط على مواصلة التظاهر سلميا رغم العنف الذي مورس عليها، خاصة بعد توافرها على ورقة ستستخدمها بكل تأكيد لتعبئة المتظاهرين والمتمثلة في وفاة أحد أعضائها (كمال العماري) نتيجة الضرب الذي تعرض له بمدينة آسفي خلال تظاهرات يوم 29 مايو/أيار الماضي، ولذلك، رفعت صورة كمال العماري في مختلف التظاهرات التي شهدتها المدن المغربية يوم 5 يونيو/حزيران، وكان شعارها المركزي: "الشعب يريد.. قتلة الشهيد".

  • يرتبط السبب الرابع بالضغط الذي تتعرض له السلطات الحكومية المغربية من قبل شركائها الغربيين خاصة من داخل الاتحاد الأوروبي والمتمثل في مطالبتها بضرورة احترام حق التظاهر السلمي.

سقف الإصلاح 

لحد الآن يبدو أن حركة شباب 20 فبراير/شباط لازالت ملتزمة بسقف مطالبها السياسية المحددة في أرضيتها التأسيسية والمتمثلة أساسا في المطالبة بمحاربة الاستبداد والفساد واعتماد ملكية برلمانية من خلال إقرار دستور ديمقراطي.
لحد الآن يبدو أن حركة شباب 20 فبراير/شباط لازالت ملتزمة بسقف مطالبها السياسية المحددة في أرضيتها التأسيسية والمتمثلة أساسا في المطالبة بمحاربة الاستبداد والفساد واعتماد ملكية برلمانية من خلال إقرار دستور ديمقراطي، وفي مواجهة اتهامات دوائر الحكم للحركة بكون بعض مكوناتها قد تجاوز سقف المطالب تلك، تصر الحركة على تفنيد تلك الاتهامات، كما تصر على تجريد السلطات من كل الذرائع التي تتوسل بها من أجل قمعها، ومن ذلك ذريعة نقل التظاهرات إلى الأحياء الشعبية؛ وتفاديا لهذا الاصطدام قررت الحركة الابتعاد عن التظاهر في الأحياء الشعبية والعودة إلى التظاهر في الساحات العمومية الكبرى كما جرى ذلك خلال تظاهرات يوم 5 يونيو/حزيران الجاري.

وعلى المدى الأوسع، فإن مرجحات منع التصعيد من الجانبين أقوى، فالسلطة الملكية تمتلك شرعية تاريخية ووطنية ودينية تجعلها محل إجماع وإن كانت المطالب ستتعلق بتقاسم الصلاحيات معها، وحين تكون السلطة مستقرة على قاعدة واسعة من الشرعية لن تحتاج إلى تصعيد العنف للبقاء في الحكم، وأما جانب المحتجين فإنهم إذا طالبوا بإسقاط النظام فسيصطدمون مباشرة بالسلطة الملكية ويعرضون تماسكهم لتصدعات تقضي على قوتهم. ولذلك سيجد الطرفان مصلحة مشتركة في كبح التصعيد، العنف بالنسبة للدولة، والمطالب بالنسبة للمحتجين.