بعد تأجيل دام ستة أشهر لتنظيم الانتخابات الرئاسية في الصومال، تارة بذريعة أسباب فنية وتارة لضغوطات إدارية، شهدت العاصمة مقديشو، في الـ8 من فبراير/شباط 2017، انتخابات رئاسية حضرها مسؤولون إقليميون ومراقبون دوليون، وكانت تحت أعين سفراء عرب ومفوضين من الأمم المتحدة؛ ما أعطى الانتخابات الأخيرة زخمًا واهتمامًا كبيريْن وسط إجراءات أمنية مشددة رافقها حظر للتجوال في مقديشو استمر في فترة الانتخابات التي حُسمت أخيرًا بفوز المرشح، محمد عبد الله فرماجو، ليصبح تاسع رئيس للبلاد منذ الاستقلال عام 1960.
تقدَّم أربعة وعشرون مرشحًا للانتخابات الرئاسية، ثم تناقص العدد ليصبح واحدًا وعشرين شخصًا، وكان من أبرزهم الرئيس المنتهية ولايته، حسن شيخ محمود، الذي ذهبت إليه كل ترجيحات الفوز قبل أن يبرز كل من شيخ شريف أحمد ومحمد عبد الله فرماجو. وقد اتسمت فترة رئاسة فرماجو للحكومة الصومالية، عام 2010، إبَّان عهد شريف أحمد بالعمل على إعادة "البوصلة" السياسية للصومال، وتمثَّل ذلك في طرد مقاتلي حركة الشباب من مقديشو جزئيًّا، وتوفير رواتب الجيش الصومالي المثقل بمرارة الأوضاع المعيشية في البلاد.
انتخاب فرماجو رئيسًا للبلاد بأغلبية أصوات أعضاء البرلمان ومجلس الشيوخ، شكَّل علامة فارقة في أذهان الكثير من المتابعين؛ إذ لم يكن من المتوقع فوز مرشح لا يحظى بمباركة الدول الإقليمية، أو لديه أيضًا رصيد من التجاذبات مع منظمات الأمم المتحدة التي تُعنى بالصومال وتتخذ من نيروبي مقرًّا لها. ومع فوز الرجل يتساءل الكثيرون: هل أعطى الصومال نموذجًا للتداول السلمي السياسي؟ وهل سيتطور الأمر إلى دولة يسودها الاستقرار والأمن بعد عقود من التناحر الداخلي الذي جعل من الصومال نموذجًا للدولة الفاشلة في العالم؟
في التقرير التالي، نحاول -قدر الإمكان- معالجة عوامل فوز الرئيس فرماجو، وأبرز الملفات التي تنتظر الرئيس الجديد، رغم وجود ملفات كثيرة ليس من السهل تجاوزها بين عشية وضحاها، فضلًا عن مستقبل البلاد في ظل التوازنات والمعادلات السياسية الجديدة التي أفضت إليها الانتخابات الرئاسية الصومالية الأخيرة.
عوامل فوز الرئيس فرماجو: قراءة في النتائج
مثَّلَ المشهد الذي تناقلته وسائل الإعلام أثناء إعلان الرئيس المنتهية ولايته، حسن شيخ محمود، تنازله عن الانتقال للجولة الثالثة من التصويت، وتوسُّط الرئيس المنتخب الرئيسين السابقين، تجربةً ديمقراطية جديدة على دولة الصومال التي لا تختلف عن أغلب دول القارة الإفريقية؛ حيث غالبًا يصعب على قادتها تسليم السلطة حتى ولو بعد خسارتهم في الانتخابات الرئاسية، وليس المشهد الغامبي وما جرى فيه من تجاذبات سياسية كادت أن تغرق غامبيا كلها مجددًا في أتون حرب مريرة بالبعيد عنَّا، لولا قبول الرئيس جامع، قبيل ساعة الصفر، إخلاءَ القصر بعد وساطة موريتانية-غينية، ويبدو أن دروس المشهد الغامبي كانت حاضرة بقوة في أذهان السياسيين الصوماليين.
في حضور حوالي 328 نائبًا يمثِّلون البرلمان الصومالي بغرفتيه: العليا والسفلى، ومع تقدم واحد وعشرين مرشحًا للانتخابات الرئاسية الصومالية بعد انسحاب ثلاثة مرشحين، كان الرئيس، حسن شيخ محمود، المنتهية ولايته قد تصدر الجولة الأولى بـ88 صوتًا، في مقابل 72 صوتًا لفرماجو، بينما حاز المرشح، شريف شيخ أحمد، 49 صوتًا، وحصل المرشح الرابع، عمر عبد الرشيد، على 37 صوتًا، قبل أن يتصدر الرئيس فرماجو الجولة الثانية بـ186 صوتًا بنسبة 56% من أصوات غرفتي البرلمان والشيوخ، متقدمًا على أقرب منافسيه، الرئيس المنتهية ولايته، والذي حصل على 97 صوتًا، أي نسبة 28% من مجموع أعضاء الغرفتين، ليفوز بمقعد الرئاسة بعد أن آثر الرئيس السابق، حسن شيخ محمود، عدم الانتقال إلى الجولة الثالثة من الانتخابات(1). أدَّى الرئيس الجديد للصومال اليمين القانونية أمام النواب، مطلقًا في الوقت ذاته وعوده لمواجهة الفساد وبناء دولة مؤسسات صومالية حديثة.
كان الانطباع السائد في الشارع الصومالي تجاه ترشح الرئيس فرماجو للانتخابات الصومالية إيجابيًّا بالنسبة له؛ فمنذ تخليه عن منصب رئاسة الحكومة الصومالية، عام 2010، نتيجة تفاهمات عُرفت بـ"تفاهمات كمبالا" كانت نابعة من خلافات سياسية بين الرئيس شريف شيخ أحمد، ورئيس البرلمان آنذاك، شريف حسن، وقد أدت إلى عزل فرماجو، فمنذ ذلك كان الشعب يقابله بالورود والزغاريد أينما حلَّ، وهو ما أكسبه شعبية منقطعة النظير، وقد خلقت تلك الشعبية صورة ذهنية إيجابية في أذهان الكثيرين تجاه الرجل الآتي من أميركا.
كانت هذه الشعبية التي يحظى بها فرماجو نتيجة إنجازاته الملموسة إبَّان تولِّيه منصب رئاسة الحكومة، إلى جانب قراراته الحاسمة؛ حيث طالب مثلًا المجتمع الدولي بنقل جميع هيئات الأمم المتحدة من مكاتب العاصمتين الكينية نيروبي والإثيوبية أديس أبابا إلى العاصمة مقديشو(2)، هذا إلى جانب صرف رواتب الجيش باستمرار رغم أنها لم تدُمْ أكثر من ستة أشهر، إلا أن هذا الأمر ولَّد قناعة راسخة لدى الكثيرين بأنه رجل يحمل همًّا وطنيًّا رغم قلَّة الإمكانيات المادية التي تخدمه.
كل تلك الأجواء الشعبية للرئيس الجديد، والتي سبقت الانتخابات، أثَّرت على أعضاء الغرفتين، وكان البعض منهم يرى في انتخاب فرماجو مطلبًا شعبيًّا يجسِّد استجابة لرغبات الناس وتطلعاتها بعد سنين عجاف عديدة، وهو ما دفع أعدادًا كبيرة منهم في الجولة الثانية من الانتخابات إلى جانب تفاهمات سرية بين مسؤولي حملته الانتخابية وبعض النواب، إلى التحول نحو صفه في التصويت.
وسبق أن رشَّح فرماجو نفسه في انتخابات عام 2012 لكنه لم يتمكن من الفوز في الانتخابات، وهو ما دفع عددًا من المراقبين إلى استبعاد فوزه في الانتخابات التي جرت يوم الأربعاء 8 فبراير/شباط 2017(3)، ويتساءل الكثير من المتابعين لشأن الانتخابات في الصومال: لماذا لم يفز فرماجو في استحقاق 2012 والتي خاضها ضد الرئيس المنتهية ولايته حسن شيخ محمود؟ ولماذا لم يستقطب هذا العدد الهائل من نواب البرلمان الصومالي رغم أنه كان يتمتع بالشعبية الجارفة من قبل الشعب الصومالي؟
ويرد البعض على هؤلاء بأن الفوز الذي حققه الرئيس المنتخب حاليًّا، جاء نتيجة رغبة من مجلسي البرلمان والشيوخ في إبعاد سلفه بعد عهدة دامت أربع سنوات لم يكن أداؤه فيها مقنعًا. كما أن برنامج فرماجو الانتخابي ساعده كثيرًا على استقطاب أصوات البرلمان، بحسب ما يُرجِّحه البعض، وكان برنامجًا شاملًا تضمَّن محاور مهمة تمس حياة المواطن العادي وتعالج قضايا تشغل باله والمتمثلة في الأمن، ووحدة البلاد، وتماسك المجتمع الصومالي. هذا إلى جانب أفكاره الشعبوية القومية والتي دائمًا تتجذَّر في وحدة المجتمع الصومالي واستقلالية مصيره سياسيًّا وإداريًّا(4).
إذن، هي جملة عوامل أسهمت في فوز فرماجو بالانتخابات الرئاسية في الصومال، وهي عوامل كفيلة بأن تقود الرجل إلى تأسيس دولة صومالية مختلفة عن الحكومات الشكلية التي أضافت للمشهد السياسي الصومالي أبعادًا جديدة من الصراع السياسي وفتحت آفاقًا جديدة لمشاكل أخرى قد تحتاج إلى عقود لتذليل عقباتها.
أبرز الملفات التي تنتظر الرئيس الجديد
يتساءل المراقبون للشأن الصومالي عن أولويات الرئيس الصومالي الجديد، وعن أبرز الملفات التي سيبدأ بها؛ فالمواطن الصومالي البسيط يتمنى حصول إنجازات ملموسة تقدمها الحكومة الصومالية المقبلة، في ظل تصاعد موجات الطموح والتطلع الشعبي بعد صعود فرماجو إلى سُدَّة الحكم في الـ16 من فبراير/شباط 2017. ولعل العناصر التالية تشكل معالم الملفات الشائكة التي ستكون بين يدي الرئيس فرماجو:
ملف الأمن والمصالحة
الأمن والمصالحة ملفان مرتبطان لا ينفصلان عن بعضهما البعض، فتثبيت دعائم الأمن في بلد مزَّقته الحروب الأهلية مرهون بمصالحة قوية وناجعة بين الأطراف الصومالية، وخاصة بين الميليشيات القبلية في القرى والأرياف في جنوب ووسط البلاد، فالحرب القبلية في تلك المناطق لا تزال مشتعلة بين الحين والآخر، وهي صراعات تندلع أحيانًا بين الميليشيات لأتفه الأسباب.
فيما يتعلق بالملف الأمني، فإن الرئيس الجديد يواجه عدَّة معضلات، لعل أبرزها مواجهة حركة الشباب المجاهدين، التي تسيطر على بعض أجزاء من الأراضي الصومالية وتنشط بعملياتها لاسيما في وسط وجنوب البلاد، بالإضافة إلى توفير الأجور لقوات الشرطة والجيش الصومالي، علاوة على تقديم المزيد من التدريب لهما(5).
كما أن مواجهة حركة الشباب التي تسعى للإطاحة بالحكومات الصومالية منذ عام 2007 ليس أمرًا سهلًا؛ فرغم أن فرماجو يتمتع بشعبية واسعة في الصومال فإنه من الممكن أن يقلِّل من فرص تواجد حركة الشباب في النسيج المجتمعي عدا المناطق الحاضنة لها في الأقاليم الجنوبية من البلاد، فنجاح فرماجو في كبح جماح حركة الشباب في عام 2011 وطردها من العاصمة مقديشو، كانت تجربة بالفعل استنزفت على الأقل قدرات الجيش الصومالي والقوات الإفريقية العاملة في البلاد. وإعادة هذه التجربة مجددًا ستستدعي دون شك ضخَّ دماء جديدة في صفوف الجيش الصومالي من خلال ترتيب صفوفه وتسليحه بالعقيدة العسكرية، إلى جانب رفع معنوياته من خلال العناية به وتوفير الرواتب والسلاح اللازم له.
أما ملف المصالحة بين الأطراف الصومالية فكان من ضمن الأجندة السياسية والبرنامج الانتخابي لفرماجو، لكن الإشكالية تكمن في نوعية وشكل المصالحة التي ستجمع الأطراف على طاولة المفاوضات، ورغم أن كل رئيس منتخب يسعى في بداية عهدته إلى تنظيم مصالحة بين الصوماليين، لكن مع مرور الوقت يصبح هذا البرنامج مجرد ورقة قديمة في أجندات سياسية انتخابية فقط.
وبحسب الخبراء، فإنه في حال تمكن الرئيس الجديد في المئة يوم الأولى من تنصيبه من تحقيق سلام أكيد في العاصمة مقديشو التي ما فتئت تعرف التفجيرات الانتحارية، فإنه من المتوقع أن يسعى لفرض هيبة الدولة في الأقاليم الأخرى، بالإضافة إلى أن المصالحة بحدِّ ذاتها تحتاج إلى من يرعاها ويستخدم سياسة العصا والجزرة لفرضها بين القبائل الصومالية.
ومن خلال ما أشرنا إليه سابقًا نستخلص جملة من التحديات التي تواجه الرئيس بهذا الملف ويمكن حصرها بالبنود الآتية:
- ترتيب الجيش الصومالي وفق التوازنات والمعادلات القبلية الموجودة في البلاد، من دون أن تطغى عشيرة واحدة على تشكيلته، وتوفير الإمكانيات والمعدات اللازمة له.
- محاربة حركة الشباب المعارضة من خلال استراتيجية عسكرية تختلف عن الأجندات والشعارات العسكرية التي تمت تجربتها سابقًا ولم تنجح في القضاء على الحركة.
- العمل مع القوات الإفريقية التي حاربت حركة الشباب منذ تسع سنوات على الأقل، والتي تتألَّف من: أوغندا (5800 جندي)، وبوروندي (5432 جنديًّا)، وكينيا (4652 جنديًّا)، وجيبوتي (960 جنديًّا)، وسيراليون (850 جنديًّا).
- العمل بجد نحو تنظيم مصالحة حقيقية بين الأطراف الصومالية وحل المشاكل التي تؤجج النار بين القبائل في البلاد.
ملف بناء مؤسسات الدولة
بعد سقوط الدولة المركزية عام 1991، لم تقم لمؤسسات الدولة الفعلية قائمة بفعل الحرب التي أتت على الأخضر واليابس، كما لم يفلح أي رئيس صومالي بعد ذلك في محاولة رد الاعتبار إليها، فالمؤسسات الحكومية الراهنة، وخاصة القضاء والتعليم والصحة، هشَّة بالكامل، كما أنها ليست مؤسسات يمكن أن يعوِّل عليها رجل الشارع في تحقيق مطلبه قضائيًّا أو تعليميًّا وصحيًّا. إذن بناء تلك المؤسسات سيستغرق من عمر الحكومات المقبلة في فترة حكم فرماجو وقتًا كبيرًا، فهناك عدة عقبات ستواجه الرئيس في تأسيس تلك المؤسسات أو حتى تنظيم ما هو موجود حاليًّا.
ومن أجل بناء مؤسسات فاعلة يواجه الرئيس جملة من العقبات، أبرزها:
- موجة الفساد المستشري في هرم المؤسسات الحكومية، وهي عقبة تحتاج إلى حل جذري من خلال إدارة حكيمة وقيادة تتصف بالعدل من دون الانحياز لطرف دون غيره.
- مواجهة النفوذ الموازي للدولة وخاصة من قبل الشركات الخاصة والشخصيات النافذة؛ ما يعني أن فرماجو سيصطدم بالشركات ذات المصالح الخاصة وبالسياسيين الذين سيصبحون خارج الحكومة المقبلة(6).
- مراعاة التوازنات القبلية في تقسيم المناصب في المؤسسات الصومالية وهي عقبة تحتاج إلى إجراء مراجعات قبلية وسياسية، وهو ما كان دومًا يشل العمل المؤسساتي؛ إذ لا يتم اختيار أشخاص ذوي كفاءة عالية في إدارة تلك المؤسسات التي تخدم الشعب الصومالي.
عملية بناء مؤسسات الدولة وخاصة الخدمية منها، لها أهميتها القصوى بالنسبة لشعب عانى ويلات الحرب الأهلية وجرَّب مرارة الأزمات الإنسانية لسنوات عجاف، ورأت أطراف دولية عدة أن فوز فرماجو يحقق للصومال بناء مؤسساته ومحاربة الفساد والسعي نحو بناء مستقبل أكثر استقرارًا للبلاد، وأكدت الولايات المتحدة تطلعها للعمل مع الرئيس الجديد وتقديم الدعم الكامل له في كل المستويات خاصة ما يتعلق بالمصالحة الوطنية وإعادة بناء مؤسسات الدولة، ومعضلة الأمن في الصومال(7).
ملف العلاقات الإقليمية والدولية
تشكِّل العلاقات الإقليمية والدولية، وخاصة من الأطراف الفاعلة في المسألة الصومالية وعلى رأسها إثيوبيا، ذات التأثير المباشر على الأزمة الصومالية، إحدى أولويات الرئيس الجديد، فمنذ عقود كانت أديس أبابا تؤثِّر بشكل مباشر على ما يجري في الصومال، وكانت طرفًا فاعلًا في الأزمة الصومالية منذ عقدين، وذلك من خلال فاعلين في الداخل متحالفين معها، كأمراء الحرب وكانتونات الولايات الفيدرالية، ولا يخفى على أحد أنها الفاعلة في تشكيل بعض الإدارات في البلاد، وهو ما يُبرز حجمها القوي في المشهد السياسي الصومالي.
وتعتبر إثيوبيا الدولةَ القوية في القرن الإفريقي والمدعومة من قبل الولايات المتحدة وحليفتها إسرائيل؛ وتعاني بقية الدول المجاورة من الضعف والنزاعات الداخلية والقبلية مثل السودان وإرتيريا وكينيا، وهو ما جعلها كيانات غير مؤثرة في المعادلة الصومالية(8).
إن التعامل مع الملف الاثيوبي أحد أولويات الرئيس الجديد، نظرًا لحجم تأثير أديس أبابا في المشهد السياسي الصومالي، وكان الرئيس حسن شيخ، المنتهية ولايته، يتردد بين الحين والآخر على أديس أبابا، وحاول تجنُّب إثارة مشاكل سياسية مع الإدارة الإثيوبية، وهي تجربة ربما سيفعِّلها الرئيس الجديد لترميم العلاقات السياسية مع الجارة الإثيوبية.
ثم إن مسألة دول الجوار وتدخلها في الشأن الصومالي سياسيًّا وعسكريًّا قضية تنتظر الرئيس الجديد من أجل إيجاد استراتيجية سياسية بنَّاءة للتعاطي مع الملفات الإقليمية، ومن خلال تدارك أبعاد هذه العلاقات وتشابكاتها قبل الخوض في تحريك هذا الملف الشائك.
عربيًّا، لم تكن العلاقات بين الصومال والدول العربية ذاتَ حجم كبير؛ فقد اقتصرت على الوعود السياسية وتنفيذ مشاريع إنسانية في الصومال تظل في الغالب حبرًا على ورق، ولم تكن الاستجابة العربية كبيرة بشأن المشاركة في رسم معالم وخارطة الصومال بعد السقوط المدوي له منذ التسعينات، كما لم ترَ الجهود العربية النور في الشأن الصومالي، مما جعل الأزمة الصومالية في المنظور السياسي لقادة العرب مستعصية على الحل، بل إن القادة العرب أحجموا عن المشاركة والتعاطي مع القضايا السياسية الصومالية من دون قصد منذ الألفية الجديدة بعد فشل مؤتمر القاهرة للمصالحة بين الأطراف الصومالية عام 1998.
حاليًّا، يتنامى النفوذ الخليجي في الصومال ويتزايد هذا الاهتمام حينًا بعد الآخر، وهذا الاهتمام الخليجي بالمنطقة تزايد منذ بدء المعارك في اليمن منتصف 2015، وأصبحت منطقة القرن الإفريقي تستقبل اهتمامًا خليجيًّا وخاصة من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، التي تسعى في الآونة الأخيرة إلى إبرام اتفاقية مع أرض الصومال لإنشاء قاعدة عسكرية في مطار بربرة، وهي اتفاقية تستمر لأكثر من عشرين عامًا، رغم أنها أثارت جدلًا في مقديشو.
ويُنتظر من الرئيس الجديد التعامل مع هذا النفوذ الخليجي المتزايد في الصومال، كما أن تلك الدول منفتحة على الصومال أكثر من الدول العربية منذ سنوات، فعبر هيئاتها الإنسانية وبعثاتها السياسية اهتمت بالشأن الصومالي، وتابعت القضية المنسية إنسانيًّا فقط، لكن هل سيتحول هذا الاهتمام الخليجي من خانة الدعم الإنساني للبلاد إلى دعمه سياسيًّا وعسكريًّا مثلما تفعل تركيا التي لا يرى بعض المحللين الصوماليين أنها تسعى إلى أجندات معينة من وراء دعمها للشعب الصومالي؟
مستقبل الصومال في أفق المعادلة السياسية الجديدة
يطمع الصوماليون إلى أن يكون فوز فرماجو بمنصب الرئاسة في البلاد خلاصًا من أزماتهم السياسية والإنسانية والاقتصادية، وعبَّر كثيرون عن فرحتهم بعد انتخابه رئيسًا للصومال، وهو ما يُظهر حجم الالتفاف الشعبي حول الرئيس الجديد، لكن هل سيكون هذا الرجل بالفعل محقِّقًا لتطلعات الشعب الصومالي في الداخل والخارج؟ وهل سيحقق للصومال مستقبلًا سياسيًّا وأمنيًّا يلامس أوضاع السواد الأعظم من المجتمع؟
يرى بعض الخبراء أن مستقبل البلاد مرتبط بكيفية إدارة الأزمات السياسية الراهنة من قبل الرئيس الجديد والفريق الذي سيشكِّله للعمل معه، ففرص النجاح أمامه كبيرة رغم هول التحديات والملفات التي تنتظره، فإذا عيَّن فرماجو رئيس وزراء لحكومته مع مراعاة متطلبات المعادلة السياسية والقبلية في البلاد، إلى جانب مدى حجم وتأثير شخصية رئيس الوزراء الجديد، فربما سيقلِّل ذلك من تداعيات حجم التحديات والملفات التي تنتظره، أما إذا لم يحسن اختيار رئيس حكومته فسيكون ذلك تحديًا آخر قد يفتح بابًا من الخلافات السياسية التي دائمًا تدور بين الرئيس الصومالي ورئيس حكومته، وهي تجربة أعاقت جهود الدولة ونالت من سعيها نحو إرساء دولة صومالية جديدة لمدة ثماني سنوات.
إن الحكومة الصومالية المقبلة، والتي سترى النور في غضون شهر على الأقل، تواجه تحديات ليست هينة، فإرضاء الولايات الفيدرالية ذات الصبغة القبلية، إلى جانب معضلة الأمن والأزمات الإنسانية نتيجة الجفاف والتدهور الاقتصادي كلها ملفات عالقة، وتتراكم في حال عدم إنجاز قدر ملموس من متطلبات الشعب المرهف بتحسين ظروفه المعيشية.
في الخلاصة، إذا نجح فرماجو في تحقيق 10% من جملة وعوده للشعب فإنه سيجتاز تحديات كثيرة، أما إذا لم ينجح في محاربة الفساد وتثبيت الأمن في البلاد، وترميم علاقاته مع الجوار، إلى جانب التعاطي مع الاهتمام والنفوذ الخليجي بالصومال، ولم يشكِّل علاقة قوية مع تركيا، فإن الفترة المقبلة من رئاسته ستنتهي بمشاحنات سياسية هنا وهناك وقلاقل أمنية لا تستثني أحدًا.
___________________________
شافعي ابتدون - كاتب وباحث صومالي
1 – "ماذا بعد أن انتخبت الصومال رئيسها الجديد؟"، (تاريخ الدخول: 12 فبراير/شباط 2017): http://www.manar.com/page-34298-ar.html
2 – "ثلاثة وعشرون مرشحًا لرئاسة الصومال بينهم 3 أوفر حظًّا"، إيه إيه دوت كوم، (تاريخ الدخول: 14 فبراير/شباط 2017):
3 – "من هو الرئيس الصومالي الجديد " محمد عبد الله فرماجو"؟"، قراءات أفريكان، (تاريخ الدخول: 14 فبراير/شباط 2017):
4 – "ما هي الفرص والتحديات أمام المرشح الرئاسي محمد فرماجو؟"، مقديشو سنتر، (تاريخ الدخول: 15 فبراير/شباط 2017):
5 – "الرئيس الصومالي الجديد: تخدمه الشعبية وتخذله الإمكانيات"، الجزيرة نت، (تاريخ الدخول: 15 فبراير/شباط 2017):
http://www.aljazeera.net/news/reportsandinterviews/
7 – "ماذا بعد أن انتخبت الصومال رئيسها الجديد؟، إذاعات، (تاريخ الدخول: 15 فبراير/شباط 2017):
http://ida2at.com/estimation-of-position-what-after-somalia-its-new-elected/
8 – "التجربة الصومالية: رئيس جديد على الطريقة الديمقراطية"، كولاك-أخبار، (تاريخ الدخول: 16 فبراير/شباط 2017):