السودان في الحسابات المصرية: الموقع والدور

تُحمِّل القاهرة الخرطوم مسؤولية توتير العلاقات بين البلدين، لأسباب قديمة متجددة وأخرى راهنة، لكنها قد تتفادى التصعيد لحاجتها إلى السودان في تسوية النزاع بخصوص سدِّ النهضة مع إثيوبيا.
7fbd1398494447ae853ade49fe544f05_18.jpg
مصر والسودان: مد وجزر (رويترز)

يرصد هذا التقرير حالة التصعيد الأخيرة في العلاقات المصرية-السودانية لاسيما بعد اتهام الرئيس السوداني، عمر البشير، لمصر بدعمها متمردي درافور بالسلاح عبر جنوب السودان وليبيا. وهو التصعيد الذي سبقته تصعيدات أخرى منها على سبيل المثال لا الحصر: فرض السودان تأشيرة دخول على المصريين وفق قاعدة المعاملة بالمثل. هذه الحوادث العرضية تشير إلى وجود خلافات بنيوية في سياق العلاقات بينهما، بعضها يرتبط مباشرة بالخلافات الثنائية حول ملفات حلايب وشلاتين، وإيواء المعارضة في كليهما ، فضلًا عن قضية التباين بالنسبة لمشكلة سد النهضة وميل الخرطوم تجاه أديس أبابا. أما بالنسبة للخلافات الراهنة على الصعيد الإقليمي فلعل أبرزها تباين المواقف بشأن أزمتي اليمن وليبيا، ناهيك عن جنوب السودان، فضلًا عن التقارب الراهن بين الخرطوم ودول الخليج خاصة السعودية بسبب الحرب في اليمن. وبالرغم من هذا التصعيد، فإن الاستراتيجية المصرية قد تميل إلى التهدئة خاصة فيما يتعلق بملف حلايب، لحاجتها المتزايدة للخرطوم في ملف سدِّ النهضة. وبالتالي، فإن هناك ثلاثة سيناريوهات لتعامل القاهرة مع الأزمة، هي: التصعيد، أو بقاء الوضع كما هو عليه، أو التهدئة، وإذا كان السيناريو الأول مستبعدًا، فإن أيًّا من السيناريوهين الآخرين قد يكون أقرب للتحقق. 

مقدمة 

تشهد العلاقات المصرية-السودانية حالة تصعيد كبيرة في الأونة الأخيرة، لاسيما بعد اتهام الرئيس السوداني، عمر البشير، القاهرة صراحة بدعم متمردي دارفور بالسلاح عبر كلٍّ من جنوب السودان وقوات حفتر في ليبيا بهدف تأجيج الأوضاع في الإقليم الذي يشهد حالة من الهدوء المؤقت منذ أكثر من عام ونصف. وسبقه اتهامات من الخارجية السودانية للقاهرة برفضها، في الأمم المتحدة، إنهاء العقوبات الدولية المفروضة على السودان بسبب أزمة دارفور والتي تنص على حظر توريد السلاح بموجب القرار رقم 1591 لعام 2005، والتي تمدَّد سنويًّا، وكان آخر تجديد للجنة العقوبات بمجلس الأمن في فبراير/شباط الماضي(1). 

وفي المقابل، وجدنا اتهامات من القاهرة للخرطوم بأنها وراء هذا التصعيد بداية من إعادة الحديث مجددًا عن مثلث حلايب وشلاتين، في أبريل/نيسان 2016، ورفع مذكرة لمجلس الأمن بشأنه، مرورًا بفرض تأشيرة دخول على المصريين، في أبريل/نيسان 2017، لمن هم بين سنِّ 18-49، وقبلها حظر استيراد بعض السلع المصرية "الخضر والفاكهة والأسماك" بدعوى عدم ملاءمة المواصفات، أو فرض جمارك على سلع أخرى مثل السيراميك بالمخالفة لاتفاقيات الكوميسا وغيرها. وكذلك زيارة الرئيس، عمر البشير، لإثيوبيا، أوائل أبريل/نيسان 2017، وتأكيده على متانة العلاقات مع أديس أبابا، ودعم بلاده الأمنَ القومي الإثيوبي. كل هذا شكَّل استفزازًا سودانيًّا من وجهة النظر المصرية(2). 

هذه التطورات تطرح العديد من التساؤلات، لعل أبرزها السؤال عمَّا إذا كانت تطورات عرضية لا تمس صميم العلاقات بين دولتين "شقيقتين" يجمعهما نيل واحد، أم أن هناك سياقات بنيوية أعمق، وأن الأحداث الأخيرة ليست إلا انعكاسًا لها؟

ونظرًا لضيق المساحة، فسوف نحاول إلقاء الضوء على أبرز هذه السياقات البنيوية التي تفسر هذه الخلافات، ثم نعرِّج على ملامح الاستراتيجية المصرية بشأنها، ثم أخيرًا، الحديث عن مآلات هذه العلاقات وأبرز السيناريوهات المتوقعة في هذا الشأن. 

أولًا: السياقات البنيوية للخلافات 

تتعدد الاجتهادات والتفسيرات حول أسباب هذا التوتر الناجم عن التصعيد المصري "الرسمي"، بعضها يتعلق بملفات وقضايا ثنائية، وبعضها الآخر يتعلق بالموقف من قضايا خارجية "إقليمية تحديدًا". 

1. الملفات "الثنائية" الشائكة في العلاقات 

‌أ. ملف حلايب وشلاتين

ترى القاهرة أن هذه القضية محسومة من وجهة نظرها ليس من الآن فحسب ولكن منذ عام 1958، ثم تأكد الأمر أواسط تسعينات القرن الماضي بعد محاولة اغتيال الرئيس المصري، آنذاك، حسني مبارك، في أديس أبابا واتهام السودان بذلك. وبالتالي، فهي ترى أن النظام السوداني يسعى من حين لآخر لإثارتها لكسب الرأي العام، ومن ذلك محاولته إجراء الانتخابات بها عام 2010 باعتبارها دائرة انتخابية؛ مما حدا بالقاهرة إلى إدراج حلايب وشلاتين في الانتخابات البرلمانية 2015 تأكيدًا للسيادة عليها. 

وتنبني الحجج المصرية في هذه القضية على ما يلي(3):

  • أن الحدود تحددها الاتفاقيات الدولية وقد حدَّدت اتفاقية الحكم الثنائي بين مصر وبريطانيا، 1899، الحدود بين مصر والسودان بخط عرض 22 شمالًا، والتي تجعل حلايب ضمن الأراضي المصرية.
  • أن قرار الداخلية المصرية، عام 1902، بضم بعض المناطق الداخلة ضمن الحدود المصرية شمال خط 22 تحت الإدارة السودانية بما فيها منطقة حلايب، وفي المقابل ضم بعض المناطق الداخلة ضمن الحدود السودانية جنوب خط 22 تحت الإدارة المصرية، كان لأسباب إنسانية تتعلق بالقبائل المنتشرة على جانبي خط الحدود دون مساس بهذا الخط، أي إنه كان إجراء إداريًّا فقط وليس سياديًّا .
  • أن مصر لم تنقطع عن ممارسة سيادتها على حلايب منذ اتفاقية الحكم الثنائي حتى الآن، ويتجلى ذلك في التواجد الأمني والإداري وممارسة أنشطة تعدينية منذ 1915، وإصدار قرارات التنقيب سواء للشركات المصرية أو السودانية إلى غير ذلك من مظاهر السيادة. 

‌ب. ملف سدِّ النهضة والعلاقة مع إثيوبيا

أحد تفسيرات التصعيد المصري ضد السودان يتمثَّل في محاولة القاهرة الضغط على الخرطوم لتغيير موقفها الداعم لإثيوبيا في ملف سد النهضة، بل ومطالبة القاهرة للخرطوم بلعب دور الوساطة كما حدث قبل توقيع الاتفاق الثلاثي الأخير بشأنه في الخرطوم، في مارس/آذار 2015. فهناك تقارب ملحوظ في العلاقة بين الخرطوم وأديس أبابا اللتين تعتبران شريكتين في محور صنعاء عام 2002، الذي ضمَّ أيضًا اليمن في مواجهة إريتريا. هذا التقارب تمثَّل في دعم الخرطوم لأديس أبابا في ملف السدِّ باعتباره يعود بالنفع على الجميع. بداية هذا التحول في الموقف السوداني كانت في  أغسطس/آب 2014، عندما أصرت إثيوبيا على عدَّة أمور، منها رفض وقف أعمال بناء السد لحين اكتمال الدراسات، وهو ما أكده وزير المياه الإثيوبي خلال اجتماعات القاهرة، أكتوبر/تشرين الأول 2014، بعدم إلزامية النتائج التي تترتب عليها، وأنها وإن كانت تحظى بالاحترام، فإن هذه الدراسات لا تعني إيقاف البناء في السد، وإنما هي مهمة بعد ذلك لملء السد، وتشغيله في المستقبل. وهو ما أيَّده أيضًا وزير المياه السوداني عندما قال للتليفزيون المصري خلال هذه الاجتماعات: إن رأي المكتب الاستشاري ليس مُلزمًا، وليس حكمًا قضائيًّا دوليًّا نافذًا، وإن الاحترام يعني أنه يحال إلى الدول بسيادتها القانونية، لكي تمارس الالتزام(4). 

ولقد ازداد هذا التقارب أواخر أكتوبر/تشرين الأول 2015، بإعلان رئيس الوزراء الإثيوبي، هايلا ماريام ديسالين، أمام برلمان بلاده، عزم حكومته شراء أراضٍ سودانية لتشييد ميناء نهري خاص بها لتسهيل عملية نقل البضائع وعملية التصدير والاستيراد من وإلى إثيوبيا، إضافة إلى ميناء بورتسودان الذي يعد أحد منافد إثيوبيا على البحر الأحمر(5). ثم جاءت زيارة البشير الأخيرة لإثيوبيا وتأكيده على أن الأمن القومي الإثيوبي هو بمثابة أمن قومي للسودان لتصب في هذا الاتجاه أيضًا؛ وهو ما أكدته مصادر دبلوماسية بالخارجية المصرية؛ حيث أشارت إلى أن بعض الدبلوماسيين المقرَّبين من البشير اشترطوا بشكل ضمني، تنازل مصر عن حلايب وشلاتين مقابل قيام السودان بدور استراتيجي لمصلحة القاهرة في أزمة السد(6). 

‌ج. ملف الإخوان

تتهم القاهرة الخرطوم بإيواء قيادات من جماعة الإخوان المسلمين الذين فروا من البلاد بعد الانقلاب، بل إن بعضهم اعتبر الخرطوم نقطة انطلاق لغيرها من الدول كقطر وتركيا، فضلًا عن وجود فريق داخل الحزب الحاكم في السودان لا يزال يرفض الانقلاب العسكري في مصر. وبالرغم من أن البشير اعترف بشرعية السيسي، إلا أن القاهرة ترى في هذا الاعتراف مناورة من رئيس يفتخر بميوله الإسلامية رغم أنه جاء أيضًا بانقلاب عسكري عام 1989(7). 

وليت الأمر يقتصر على ذلك؛ حيث تتهم وسائل الإعلام المصرية الاستخبارات السودانية بالتغافل عن تدريب بعض العناصر المصرية في الأراضي السودانية، وعدم اتخاذ إجراءات كافية ضدها، وهو الأمر الذي نفاه السودان مرارًا(8). 

2. الملفات "الإقليمية" الشائكة في العلاقات

ثمة أربعة ملفات إقليمية شائكة لتفسير التباين في العلاقات بين القاهرة والخرطوم، هي: أزمتا ليبيا، واليمن، فضلًا عن التقارب الخليجي "السعودي" مع الخرطوم، ناهيك عن ملف جنوب السودان الذي ربما يحتاج لتفصيل أكبر ليس مجاله الآن بسبب ضيق المساحة.  

أ‌. الملف الليبي

يمكن القول بوجود تنسيق سعودي-سوداني في أزمة ليبيا في مواجهة التنسيق المصري-الإماراتي؛ فالفريق الأول يؤيد الحل السياسي مقابل تأييد الفريق الثاني الحل العسكري من خلال خليفة حفتر الذي يتم استخدامه كذلك في دعم متمردي دارفور. هذا التباين بين الطرفين يرجع في أحد أبعاده إلى الخلاف بشأن الدور الذي كان مزمعًا للقوات العربية التي كان يُفترض إرسالها لليبيا عام 2015؛ فقد رفضت مصر في حينها مشاركة السودان بها بسبب دعمها للإسلاميين في طرابلس، فيما رأت السعودية أهمية انطلاق هذه القوات من السودان لضمان تحقيق أهداف الجامعة العربية. 

القاهرة تتهم السودان بدعمها لثوار ليبيا منذ اندلاع الثورة على القذافي بسبب الخلافات المتوارثة مع القذافي بخصوص قضية جنوب السودان، واستمر دعم السودان غير المعلن لجماعة فجر ليبيا المناهضة لحفتر في ليبيا، وهي قوات تابعة للمؤتمر الوطني العام الليبي الذي تواجدت فيه قوى إسلامية ومنها جماعة الإخوان المسلمين الليبية التي يناصبها السيسي العداء باعتبارها امتدادًا إقليميًّا للجماعة الأم في مصر، كما أن الخرطوم ترفض الحل العسكري وتؤيد الحل السياسي. وبالرغم من الضغوط الخارجية خاصة الإماراتية على البشير واعترافه بحكومة عبد الله الثني المنبثقة عن برلمان طبرق الموالي لحفتر، إلا أن تقارير أجهزة المخابرات المصرية تشير إلى غير ذلك(9). 

ب‌. الملف اليمني والتقارب الخليجي-السوداني

سعت السعودية تحديدًا للتقارب مع دول القرن الإفريقي وإثيوبيا عبر وساطة السودان بعدما تردد عن تدريب أديس أبابا للحوثيين بسبب العلاقة الوطيدة بين علي صالح وأديس أبابا باعتبار شراكتهم في تحالف محور صنعاء بالإضافة للسودان 2002. كما سعت الرياض عبر بوابة الخرطوم وكذلك مع باقي دول القرن المشاطئة لليمن من ناحية لمواجهة النفوذ الإيراني، وما يطلق عليه المد الشيعي في هذه المنطقة من ناحية ثانية. ولقد استغلت الخرطوم هذه الفرصة، فأعلنت أولًا قطع علاقاتها الدبلوماسية مع إيران، ثم المشاركة بقوات برية في عاصفة الحزم، مقابل رفض مصر المشاركة بقوات في عاصفة الحزم وقيامها في المقابل باستضافة وفد من أنصار الحوثيين وصالح بالقاهرة؛ ما أسهم في إغضاب الرياض في حينها(10). 

وقد اعتبر النظام المصري أن السودان يقدِّم نفسه بديلًا لمصر في شرق إفريقيا، وأنه الحارس الأمين للحدود الغربية لمنطقة الخليج، وربما يتطور صوب نفوذ بحري سوداني وسط البحر الأحمر وجنوبه بدعم سعودي على حساب مصر(11). 

ويبدو أن هذه الوجهة صحيحة إلى حدٍّ كبير من خلال العديد من المؤشرات الاقتصادية تحديدًا؛ فقد وقَّع عدد من رجال الأعمال من دول خليجية عدة صفقات مع حكومة الخرطوم لشراء 1.2 مليون فدان من ا?راضي الزراعية عالية الخصوبة ، كما قامت الحكومة القَطَرية كذلك بتأسيس مشروع مشترك مع الحكومة السودانية لإنتاج القمح والذرة والبذور، وكذلك وقَّع مستثمرون كويتيون من القطاع الخاص اتفاقًا مع الحكومة السودانية لاستزراع نحو 40 ألف فدان في ولاية النيل الأبيض (12). 

ثانيًا: استراتيجية مصر في التعامل مع السودان 

(الجزيرة)

يمكن القول بأن الاستراتيجية المصرية على الأقل على الصعيد الرسمي، لا تسعى للتصعيد مع السودان، بل على العكس تعتمد الاحتواء لأية تصعيدات لفظية أو اتهامات سودانية. وقد اتضح هذا بوضوح في عدة مواقف نذكر منها اثنين على سبيل المثال لا الحصر:

  1. اتهامات البشير لمصر بدعم متمردي دارفور بالسلاح؛ حيث جاء الرد من السيسي بعدها مباشرة بالتأكيد على عدم تدخل بلاده في شؤون دول الجوار باعتباره مبدأَ ثابتًا في سياسة بلاده الخارجية(13)، وهو نفس الأمر الذي أكدته الخارجية المصرية في بيان لها(14).
  2. في موضوع العقوبات، كان الرد المصري بالنفي على الاتهام المباشر لوزير الخارجية السوداني، إبراهيم غندور، لمصر بأنها وراء الإبقاء على العقوبات المفروضة منذ أكثر من 11 عامًا؛ حيث جاء الرد على لسان المتحدث باسم الخارجية المصرية نافيًا ذلك بقوله: إن "مجلس الأمن قد أصدر بالفعل القرار 2340 في 8 فبراير/شباط 2017 بتمديد تلك العقوبات لمدة عام قادم، وإن مصر كانت من أكثر الدول التي قامت بدور فعَّال في اعتماد قرار متوازن يحافظ على المصالح العليا للشعب السوداني الشقيق"، ومؤكِّدًا على أن سفارة مصر بالخرطوم أوضحت للإخوة السودانيين، بما لا يدع مجالًا للشك، أن مصر تتبنى المواقف الداعمة لمصلحة الشعب السوداني، بل طالبهم بتحري الدقة واستيفاء المعلومات من البعثة المصرية في الأمم المتحدة مباشرة. 

استراتيجية التهدئة المصرية ربما تكون لأهداف دبلوماسية تجنبًا لتصعيد مقابل، لاسيما وأن القاهرة قد تكون متورطة بالفعل في موضوع دارفور أو العقوبات. كما يرتبط بهذه الاستراتيجية أولويات الجانب المصري في التعامل مع السودان، وربما تكون هذه الأولويات بحسب الترتيب ما يلي:

  1. محاولة تغيير موقف السودان من موضوع سدِّ النهضة باعتباره الموضوع الأهم والأخطر والذي سيكون له التأثير السلبي المباشر على الشعب المصري من نواح عدَّة، خاصة مع اكتمال عملية البناء وشروع أديس أبابا في عملية ملء الخزان.
  2. حلايب وشلاتين: وهذه ربما لا تشكِّل عنصر قلق حقيقي بالنسبة لمصر لعدة اعتبارات منها السيطرة العسكرية عليها، وبالتالي هي تدرك أن السودان لن يستطيع استردادها بالقوة، وإلا لكان فعل ذلك منذ طرد قواته منها عام 1995. كما أنها تدرك أن المسار القانوني "التحكيم" لن يتحقق إلا من خلال قبول الطرفين به، وبالطبع هي لا توافق حتى هذه اللحظة، وبالتالي قد يكون خيار التفاوض السياسي هو الحل لهذه القضية وغيرها من القضايا الأخرى باعتبارها حزمة تفاوضية واحدة.
  3. موضوع طرد المعارضة الإخوانية تحديدًا، وإن كان هؤلاء لا يشكِّلون تهديدًا حقيقيًّا مقارنة بمن هم في قطر أو تركيا، حسب نظر القاهرة، اللهم إلا إذا كان السيسي يرى في هؤلاء الخطر الأكبر وفق المعلومات الاستخباراتية التي ربما تشير إلى أن السودان يقوم بتدريب فريق من هؤلاء على حمل السلاح.  

ومعنى هذا أن الإشكالية الحقيقية بالنسبة لمصر هي إثيوبيا وليس السودان الذي لابد من كسب وده وعدم التصعيد معه لاستخدامه أداة في هذا الشأن. 

مآلات العلاقة "سيناريوهات المستقبل" 

في ضوء ما سبق، وفي إطار التصعيد الأخير بين الجانبين، خاصة من الجانب السوداني، يبقى التساؤل عن سيناريوهات المستقبل من وجهة نظر مصر. 

يمكن القول بوجود ثلاثة سيناريوهات في هذا الشأن:

الأول: سيناريو التصعيد: خاصة بالنسبة لملف حلايب باعتباره النقطة الشائكة بين الطرفين نظرًا لتقارب القوات المسلحة لكليهما عندها، فضلًا عن ارتباط الموضوع بقضية السيادة. ولكن كما سبق القول، فإن الحديث عن فكرة المواجهة المسلحة ربما يكون أمرًا مستبعدًا من وجهة النظر المصرية لاعتبارات منها الوجود الفعلي المصري بالمنطقة منذ عام 1995، ناهيك عن إدراك مصر أن النظام السوداني يستخدم هذه الورقة مرارًا وتكرارًا من أجل الحصول على مزيد من الشرعية الداخلية، كما أنه لا يريد الدخول في مواجهة عسكرية هو في غنى عنها بالنظر إلى توتر علاقاته مع جنوب السودان من ناحية، ونُذر التصعيد الأخيرة في دارفور من ناحية ثانية. ومن ثم فإن سيناريو التصعيد العسكري مستبعد، ويمكن الاستعاضة عنه بتصعيد لفظي سواء على الصعيد الرسمي أو غير الرسمي. 

الثاني: سيناريو بقاء الوضع الراهن كما هو من خلال استخدام كل طرف الأدوات التي بيده من أجل الضغط على الطرف الآخر لتحقيق أهدافه الملحَّة ومنها التعاون السوداني مع مصر في قضية سد النهضة مقابل حلحلة مصر لمثلث حلايب. هذا السيناريو وارد بصورة كبيرة. 

الثالث: سيناريو التهدئة، وهو يتفق مع السيناريو السابق في الأهداف، لكنه يختلف من حيث الأدوات؛ إذ يفترض أن تقوم مصر بالتهدئة مع السودان من أجل ملف سد النهضة تحديدًا باعتباره الخطر الأكبر على الشعب المصري. ولكي يتم تحقيق ذلك تحتاج القاهرة إلى تبني استراتيجية تعاونية مع السودان تعتمد على الأمور التالية(15):

  1. الدخول في عملية تكامل بخصوص مثلث حلايب حتى يكون نقطة تعاون بدلًا من نقطة صراع وخلاف تؤثر على الاستفادة المتبادلة التي تعود على كلا البلدين جرَّاء هذا التعاون.
  2. تفعيل اتفاقيات الحريات الأربع التي تم توقيعها عام 2004، خاصة في ظل وجود صعوبة حاليًّا في حصول السودانيين على تأشيرات الدخول لمصر مما دفع الراغبين منهم في العلاج والسياحة إلى التوجه للأردن وسوريا. كما أن من شأن ذلك ليس فقط إمكانية إلغاء السودان قرار التأشيرة الأخير، بل تجنب اتخاذ إجراءات تصعيدية أخرى خاصة ما يتعلق بالإقامة والعمل والتملك.
  3. المساهمة في شق الطرق البرية والنهرية لزيادة التبادل التجاري، فضلًا عن الإسراع في بناء خط السكك الحديدية الذي يربط مصر بجوبا وأوغندا حتى جنوب إفريقيا.
  4. محاسبة رجال الأمن المسؤولين عن سوء المعاملة الأخيرة للسودانيين في مصر، وكذلك وقف الحملات الإعلامية التحريضية ضد الخرطوم. 

هذا السيناريو الثالث ربما يكون واردًا أيضًا بصورة كبيرة، لكنه يفترض قدرًا من الاتزان في تعامل النظام المصري مع السودان .

__________________________

بدر حسن شافعي- باحث مصري في القضايا الإفريقية

ABOUT THE AUTHOR

References

1 - حول هذه الأزمة، انظر: "مصر تنفي "دعمها" استمرار العقوبات الدولية على السودان"، بي بي سي العربية، 14 أبريل/نيسان 2017، (تاريخ الدخول: 26 مايو/أيار2017):

http://www.bbc.com/arabic/middleeast-39599649

2- لمزيد من التفاصيل، انظر: شافعي، بدر، "الإخوان" بين مصر والسودان، العربي الجديد، 18 أبريل/نيسان 2017، (تاريخ الدخول: 26 مايو/أيار2017):

https://www.alaraby.co.uk/opinion/2017/4/17/%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%AE%D9%88%D8%A7%D9%86-%D8%A8%D9%8A%D9%86-%D9%85%D8%B5%D8%B1-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%88%D8%AF%D8%A7%D9%86-1#sthash.mXLX4PAG.dpuf

3- حول وجهة النظر المصرية، انظر: حسين، صفوت، "مشكلة حلايب وشلاتين بين السياسة والتاريخ"، مصرس، (تاريخ الدخول: 26 مايو/أيار2017):

http://www.masress.com/almesryoon/230035

4 – رسلان، هانيء، "رؤية نقدية لإدارة أزمة سد إثيوبيا"، مجلة السياسة الدولية، عدد 199، (تاريخ الدخول: 26 مايو/أيار2017): إضغط هنا.

5 – "هل تدفع مصر ثمن التقارب السوداني-الأثيوبي؟"، العربي الجديد، 27 أكتوبر/تشرين الأول 2015، (تاريخ الدخول: 26 مايو/أيار2017): إضغط هنا.

6- لمزيد من التفاصيل، انظر: شافعي، بدر، "الإخوان" بين مصر والسودان، مرجع سابق.

7- شافعي، بدر حسن، "تطورات العلاقات المصرية-السودانية: محاولة للفهم"، المعهد المصري للدراسات الاستراتيجية بإسطنبول، 23 ديسمبر/كانون الأول 2015، (تاريخ الدخول: 26 مايو/أيار2017): إضغط هنا.

8 - الأشقر، أسامة جمعة، "الملفات الساخنة في العلاقات السودانية-المصرية"، الجزيرة نت، 19 أبريل 2017، (تاريخ الدخول: 26 مايو/أيار 2017): إضغط هنا.

9 - لمزيد من التفاصيل، انظر: "انفجار وشيك في العلاقات بين النظام المصري والسودان"، نون بوست، 29 أغسطس/آب 2015، (تاريخ الدخول: 26 مايو/أيار2017): إضغط هنا.

10- لمزيد من التفاصيل حول أسباب مشاركة السودان في عاصفة الحزم، انظر: عوض، شحاتة، "السودان و"عاصفة الحزم": ضرورات واستحقاقات التموقع الإقليمي الجديد"، مركز الجزيرة للدراسات، 8 يونيو/حزيران 2015، (تاريخ الدخول: 26 مايو/أيار 2017): 

http://studies.aljazeera.net/ar/reports/2015/06/201568113221692802.html

11- الأشقر، "الملفات الساخنة في العلاقات السودانية-المصرية"، مرجع سابق. 

12 - عبد الله، عبد الخالق، انعكاسات الربيع العربي على دول مجلس التعاون الخليجي، (المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، الدوحة، 2012)، ص 28 وما بعدها.

13 - انظر رابط الخطاب على اليوتيوب، (تاريخ الدخول: 26 مايو/أيار 2017): 

https://www.youtube.com/watch?v=mhom64Huf98

14- "أول رد من "الخارجية" على اتهام السودان لمصر بدعم متمردي دارفور"، المصري اليوم، 23 مايو/أيار 2015، (تاريخ الدخول" 26 مايو/أيار 2017): 

http://www.almasryalyoum.com/news/details/1138283

15- لمزيد من التفاصيل، انظر: شافعي، بدر، "نحو استراتيجية مصرية تجاه إثيوبيا وسد النهضة"، المعهد المصري للدراسات الاستراتيجية بإسطنبول، 2 ديسمبر/كانون الأول 2015، (تاريخ الدخول 26 مايو/أيار 2017): إضغط هنا.