مقدمة
عبَّر الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، عن شعوره بالإحباط(1) للفشل في تحقيق النصر في الحرب في أفغانستان أمام فريق عمله والشعب الأميركي. فبعد مراسم أداء اليمين لتولي مقاليد الرئاسة، أصدر الرئيس ترامب تعليمات لفريق عمله لإجراء مراجعة شاملة للخيارات الاستراتيجية في أفغانستان. كما كان ترامب خلال حملته الانتخابية معارضًا علنيًّا لسياسة سلفه باراك أوباما بالإبقاء على الجنود الأميركيين في أفغانستان، معتبرًا التواجد الأميركي هناك إهدارًا للأموال(2) والدماء(3)، ولكن في تحول ملحوظ عن موقفه الأولي حول أفغانستان، قرَّر ترامب الإبقاء على التواجد العسكري للولايات المتحدة في ذلك البلد مع عدم وجود أي إطار زمني متوقع للخروج منه. ومع إهدار الكثير من الأموال والدماء الأميركية في أفغانستان، فإن أحد الأخطاء الجوهرية التي ارتُكبت تمثَّل في أن "الاستغلال الأمثل للأموال" لم يؤخذ بعين الاعتبار في سبيل منع إراقة الدم الأفغاني، ولم يكن هذا المبدأ أبدًا محورًا للنقاشات الاقتصادية الدائرة في الولايات المتحدة. تبحث هذه الورقة الاستراتيجية الأميركية الجديدة في أفغانستان وجنوب آسيا، والضرورات الاقتصادية لهذه الاستراتيجية، كما تبحث الدور الهندي على هذا الصعيد وطبيعة استجابة الحكومة الأفغانية لهذه التطورات.
أفغانستان: الذرائع الدائمة
خلال حملته الانتخابية، استشهد(4) ترامب بالمبرر الذي ساقه أوباما، وهو عدم ترك أفغانستان لتصبح ملاذًا آمنًا للإرهابيين، إلا أنه كي لا تصبح أفغانستان ملاذًا آمنًا يتعين إقامة دولة أفغانية فاعلة وقادرة على ترسيخ الأمن والاستقرار والنظام وكذلك غرس روح التمكين في نفوس الناس من خلال تعزيز الحَوْكَمَة الرشيدة والحد من الفساد وتوفير الخدمات العامة على أيدي الحكومة الأفغانية، وهذا بحد ذاته يعني الحاجة للوجود الأميركي لدعم جهود تلك الحكومة في بناء مؤسسات الدولة، وهو ما لم يلفت الانتباه الأميركي نوعًا ما، على الرغم من أن السبيل الوحيد لتحقيق النصر العسكري والسياسي في أفغانستان يتمثَّل في أن يصبح الأمن والتنمية والحَوْكَمَة الرشيدة الهدف المنشود للسياسات هناك.
لذلـك، يتعين اتباع عدة مسارات لضمان استدامة السلام في أفغانستان، فحزمة الدعم المقدمة من المجتمع الدولي يسيطر عليها بشكل واسع التنمية التي يقودها العسكر، والتي في خلفيتها تضيع الأولويات المشتركة للشراكة بين حكومتي أفغانستان والولايات المتحدة. تاريخيًّا، أية استراتيجية نحو أفغانستان تكون النخبة السياسية والحكومة محورها، دون أي مكونات إرضائية لكسب قلوب وعقول جماهير الشعب، باءت بالفشل. لذلـك، مما لا غنى عنه القيام بشكل متزامن بتزويد الحكومة الأفغانية بما تحتاج إليه لتأدية مهامها والوفاء بوعودها من جهة وكذلك توفير فرص اقتصادية حقيقية أمام جماهير الشعب الأفغاني التي قهرها الإحباط من جهة أخرى.
في أفغانستان اليوم هناك علامات استفهام كثيرة حول الانتقال الأمني والسياسي، أما على الصعيد الاقتصادي فقد شهدنا الانكماش المحتوم للاقتصاد الأفغاني، فمعدل النمو البالغ 9% والذي أساسه في الغالب وجود القوات الأجنبية في البلاد، هبط بشكل مفاجئ إلى 0.8% فقط. وفي ضوء هذه الخلفية القاتمة وتراجع دور الشراكة المدنية من قبل الدول الأجنبية، هناك شكوك حول ما إذا كانت العملية الانتقالية ثلاثية الأبعاد ستتمخض عن قاعدة متينة يُبنى عليها العقد الزمني المقرر لهذا التحول.
وبالرغم من ذلـك، فإن أجندة الإصلاح الخاصة بالحكومة الأفغانية قد بدأت تتمتع ببعض الزخم، فالشعب الأفغاني يتوقع من حكومة الوحدة الوطنية ضمان أن الآليات المركزية للرقابة على مكافحة الفساد لن تتحول فرصة لممارسات فساد مركزي.
لقد اشترطت الاستراتيجية الأميركية الجديدة لتقديم الدعم الأميركي لأفغانستان ضرورة إجراء إصلاحات حقيقية. ولقد حظيت حكومة الوحدة الوطنية حتى الآن بتحقيق بعض النجاحات في مسيرتها الإصلاحية. ومع اكتساب جهود الرئيس، أشرف غني، لمكافحة الفساد بعض الزخم، يبدو أن نوعًا من جنون العظمة الظاهر قد سيطر على بعض الساسة الأفغان الفاسدين؛ فهم يفسرون تلك الجهود على أنها بمثابة الانتقال من عصر الولائم إلى عصر المجاعات. ومن أجل الوفاء بالوعود المقطوعة تجاه المجتمع الدولي، فقد لجأ الرئيس، غني، إلى منهجية قديمة؛ فهو يتوقع بشكل كامل أن تقوم كل من هيئة إصلاح الخدمة المدنية، والهيئة القومية للمشتريات، وكذلك وكالة مكافحة الفساد الجديدة، بتحقيق نجاحات باهرة من خلال ما مُنحت من صلاحيات. ولقد أظهر تقرير(5) حديث نشرته المنظمة الدولية لمكافحة الفساد (تريس) أن أفغانستان قد قطعت خطوات هائلة في حربها ضد الفساد، لكن هل ستنتصر حكومة الوحدة الوطنية في حربها بالقضاء الكامل على القوى المحتمل تشكلها التي تهدد شرعية الحكومة؟ هذا هو التحدي الحقيقي المنتظر.
في الوقت ذاته، فإن التركيز المستمر من قبل الرئيس، غني، على دبلوماسية الاقتصاد لوضع آليات وأدوات اقتصادية لتحقيق الكفاءة في إدارة شؤون الدولة واعتبار الدبلوماسية الاقتصادية الأساسَ الحقيقيَّ للسياسة الخارجية، قد يُثبت جدواه في إعادة الاستقرار إلى أرض أفغانستان. وبالرغم من بعض التحديات، فإن الطبيعة المتفردة لتأييد الرئيس للمصالح الاقتصادية لترسيخ موقع أفغانستان في النظام الإقليمي تدفع بالميزان الأفغاني نحو التفاؤل.
ولتقوية الدولة الأفغانية، فإن الدعوات السياسية لتقاسم العبء والالتزام في دوائر القيادة العليا، وكذلك تقاسم المسؤوليات الاقتصادية والعسكرية يتطلب دعمًا فعالًا من قبل المجتمع الدولي. وبالتزامن مع إعادة صياغة الجهود العسكرية والمدنية وتوجيه أموال الدولة نحو الجمع بين البنية الأساسية المادية وغير المادية (الصلبة والناعمة) في القطاع الصناعي عبر مشروعات طويلة الأجل، فإن تعديل النمط الاقتصادي المسيطر على أفغانستان من خلال الحَوْكَمَة الاقتصادية يمكن أن يُغير من الطبيعة الهشة للتقدم والنمو، ويحافظ على الشرعية، ويحقق السلام المستدام وأن يحدث نقلة نوعية في مستوى الفقر المثبط للعزيمة. إضافةً إلى ذلـك، وحيث إن الفقر والبطالة وغياب الأمن تُمثِّل أبرز التحديات الاقتصادية لأفغانستان، فإن التصدي الفعال لها يكمن في الالتزام التام بالسياسات الاقتصادية التي تهدف إلى تعزيز مصالح جماهير الشعب.
إن الالتزام المُجدَّد بالتنمية الاقتصادية في أفغانستان، وإن يكن من خلال المساعدات التنموية من الدولة غير الغربية حليفة الولايات المتحدة (أي الهند) يُنظر إليه على أنه الطريق الأكثر قبولًا في الاستراتيجية الأميركية الجديدة لأفغانستان. إن وضع الولايات المتحدة نهاية للقبول الضمني بتدخل الهند في أفغانستان ومنح دور أكثر اكتمالًا في التنمية الاقتصادية لأفغانستان سيؤدي إلى رفع مستوى فهم الاستراتيجية الأميركية الجديدة. علاوة على ذلـك، إن لم يؤدِّ الدعم الأميركي المقدَّم في أماكن أخرى إلى التشجيع على "عمل المزيد" ضد الجماعات المسلحة، فإن على النخب في البيت الأبيض أن تنظر في إعادة توزيع المخصصات بصورة مختلفة تجاه تنمية الاقتصاد الأفغاني.
من ناحية أخرى، لا يزال بعض مسؤولي الحكومة(6) الأميركية يعارضون الانخراط الاقتصادي الصيني في أفغانستان، ويذكرون في غالب الأحيان أن بكين تدخل مجانًا على أكتاف الجنود الأميركيين؛ حيث "تضحي الولايات المتحدة بدمائها وأموالها"، في حين تحصد الصين ثمار الفرص الاقتصادية السانحة في أفغانستان. الآن باتت الهند شريكًا للولايات المتحدة في أفغانستان، وعليها أن تساعد أفغانستان في تنمية اقتصادها، وربما تحظى بامتيازات في بعض الفرص الاقتصادية. لقد بدأت الهند بالفعل في جني ثمار الأرباح الاقتصادية والدبلوماسية لدبلوماسيتها الاقتصادية الفعالة في جنوب آسيا. والسؤال بشأن حجم ومدى الأهداف الاستراتيجية التي يمكن للهند أن تحققها من خلال توسيع قنواتها الاقتصادية في الدولة والحياة العامة في أفغانستان سيبرز للإجابة عليه مستقبلًا.
يجب ألا يغفل أي منا حقيقة أن التفوق الاقتصادي والطبيعة التوسعية التي تتمتع بها الهند يمكن أن توفر إمكانية تحول اقتصادي كبير في أفغانستان. وللحد من موجة الصراع والحفاظ على المكاسب العسكرية، من خلال آلية تعزيز، يجب اتباع استراتيجية اقتصادية بالتزامن مع الاستراتيجية العسكرية. هذا التزامن سيساعد الحكومة الأفغانية على خلق مصدر دخل خاص بها لتحقيق درجة ما من الاستقرار المالي وتخفيف العبء على المجتمع الدولي.
في السابق، لم تكن جهود الهند في أفغانستان تحظى بالتشجيع الحقيقي من قِبَل الولايات المتحدة وقوى حلف (ناتو) الموجودة في أفغانستان؛ لأنهم كانوا دومًا تحت وطأة الشعور بالحساسية تجاه شكاوى باكستان ومظالمها. ولكن بموجب التوازن الاستراتيجي الجديد يبدو أن دور الهند يكتسب مركزية في سياسات الحساب الإقليمي، وهو ما يعطي الضوء الأخضر لتوسيع الانخراط الاقتصادي للهند في أفغانستان. إن الطريق نحو تحقيق الاستقرار في أفغانستان يكمن في استمرار عزيمة المجتمع الدولي والحكومة الأفغانية، كما يكمن أيضـًا في مدى التزام الهند بمواصلة الدفع بثقلها خلف مشروعات البنية التحتية العملاقة. كما أن التلاقي المتزامن للأهداف الأميركية والهندية قد بدأ يتشكل في وسط وجنوب آسيا، وبهذا فقد آن الأوان لأفغانستان أن تغتنم هــذه الفرصة وإعادة اصطفاف ضروراتها القومية مع كل من واشنطن ودلهي. وبالتعاون مع حلفائها الغربيين، قامت الولايات المتحدة باحتلال أفغانستان لتحقيق نتائج، ولكنها لم تفلح على الإطلاق في بلوغ هذا الهدف حتى اليوم. ولكن بعد عملية تقويم تاريخية جاءت في وقتها، تجاوزت مناطق الدفء المتمثلة في القوى الغربية والأصدقاء لتصل إلى الهند سعيًا وراء إيجاد حل حقيقي للصراع الأفغاني. ولوضع نهاية حضارية للصراع في أفغانستان وللحيلولة دون تحوله إلى أزمة دائمة، فإن قبول الواقع الحالي المتمثل في الاستثمار في نوع من بناء الدولة، بات هو الحل الفعال الوحيد.
قدرات الهند بصفتها قوة إقليمية
تُشكِّل صادرات الهند إلى أفغانستان نحو 27 في المئة من اقتصاد نيودلهي، وهي بذلك ثاني أكبر مصدر لكابل، ومنذ مطلع القرن الحادي والعشرين، واصلت الروابط التجارية بين الهند والولايات المتحدة توسعها بوتيرة منتظمة. وبلغ الفائض التجاري للهند مع التجارة الأميركية 30 مليار دولار. وتتوقع واشنطن قيام نيودلهي بتخصيص مكان في فائضها الاستراتيجي مقابل الولايات المتحدة لتنمية أفغانستان. كما أن تلاقي المفاهيم الاستراتيجية لكل من الولايات المتحدة والهند تجاه أفغانستان وكذلـك تجاه المنطقة يشكِّل عاملًا مهمًّا في تحقيق التعاون السياسي اللازم لجلب الاستقرار والتنمية إلى تلك المنطقة بشكل عام، وإلى أفغانستان بشكل خاص.
الرئيس الأفغاني أشرف غني ورئيس وزراء الهند ناريندرا مودي، وحديث عن تنامي الدور الهندي في أفغانستان (غيتي) |
وفي سعيها لترسيخ نفوذها في السياق السياسي في المنطقة، حرصت الهند وبشكل مستمر على إبراز صورة قوتها الناعمة عن طريق تقديم الدعم لحلفائها الاستراتيجيين، ليس فقط جيرانها المباشرين، ولكن أيضـًا في مناطق أخرى متفرقة من العالم. وخلال العقد الزمني الأخير، قدمت الهند للحكومة الأفغانية نحو 2 مليار دولار(7) في مشاريع تنمية البنية التحتية، وبناء القدرات، وبرامج تدريب مختلفة للقوى الوطنية الأفغانية، ولقد كان لهذا الأمر -بلا شك- أثر واقعي وأثر رمزي على الأوضاع في أفغانستان.
تشاطر القيادة الأفغانية الهند مصلحتها في بناء أفغانستان بصفتها الجسر البري الذي يربط جنوب آسيا بوسطها؛ فكلتاهما حريصتان على الاضطلاع بدورهما في استكمال مشروعات الطاقة الإقليمية، وعلى وجه الخصوص مشروع "طريق الحرير الجديد" ومشروع "خط أنابيب الغاز (تابي)" الرابط بين تركمانستان، وأفغانستان، وباكستان، والهند. وستؤدي هذه المبادرات إلى نقل موارد آسيا الوسطى غير المستغَلة إلى الأسواق التي تفتقر إلى الطاقة في كل من الهند وباكستان.
لقد باتت نيودلهي عضوًا فاعلًا في التكتلات الاقتصادية والسياسية الإقليمية؛ فقد انضمت مؤخرًا بصفتها عضوًا جديدًا إلى "منظمة شنغهاي للتعاون"، وبهذا احتلَّت موقعًا يؤهِّلها لتعزيز التكامل الاقتصادي الإقليمي. قد يكون من المبكر ولكن على الهند النظر في توقيع اتفاقيات واسعة النطاق مع أفغانستان في قطاعات التجارة، والاستثمار، والربط والاتصال، وكذلـك الأمن. في العام 2005، نجحت الهند في إدخال أفغانستان إلى اتحاد جنوب آسيا للتعاون الإقليمي (سارك)، وكانت هذه هي الخطوة المهمة الأولى نحو إدراج أفغانستان في شبكة تعاون إقليمي. ومع ذلـك، وحتى يومنا هذا فإن الاستراتيجيات المتشعبة لأعضاء (سارك) أصحاب النفوذ حوَّلت هذا التكتل إلى منصة مملة وكئيبة ولم تساعد أفغانستان بالطريقة المثلى.
علاقة أمن الإمداد بأفغانستان
سيستغل الرئيس ترامب أفغانستان كقاعدة انطلاق في عملياته ضد الجماعات المتمردة، وهذا بحد ذاته نقلة جوهرية في الاستراتيجية الأميركية الجديدة، إلا أن النوايا الخفية لإدارة أوباما كانت ترمي إلى تحويل أفغانستان إلى مركز إقليمي لربط النقل والعبور. إن تلافي السياسات هذا يُحدث أصداءً مختلفة بشكل كامل. وكان قد سَبَقَ للولايات المتحدة الأميركية أن أعلنت عن نيتها تحويل أفغانستان إلى "تقاطع طرق" للانخراط الاقتصادي والفرص التجارية. كما أكد الجنرال(8) في الجيش الأميركي آنـذاك، ديفيد بترايوس، على ضرورة تبني الاستراتيجية السليمة واستغلال جميع أدوات القوة لتمكين أفغانستان من استعادة دورها التقليدي مركزًا للنقل والعبور في المنطقة. ولكن أفغانستان لا تزال غارقة في الصراعات والعنف، وهذا مأزق طبيعي أمام التكامل الإقليمي.
وبعد التدخل في أفغانستان، فإن عملية "الحرية الدائمة" التي دشنتها الولايات المتحدة أدت إلى تغيير النسيج الجغرافي لأفغانستان تاريخيًّا وذلك عن طريق فتح حدودها الشمالية(9) أمام التجارة ذات المسارات الطويلة لأول مرة منذ العام 1930، ولكن هذا الانفتاح لم يمتد صوب الجنوب؛ حيث الصراعات لا تزال مستعرة.
إن انعدام الثقة المتأصل والقديم بين الدول الإقليمية يلقي بظلاله القاتمة على القرارات الاقتصادية اللازمة لتحقيق التكامل وتغيير مصير جنوب آسيا وأفغانستان؛ ففي غياب الثقة المتبادلة كشرط مسبق، من الصعب أن نتوقع نجاح استكمال المشاريع الإقليمية العملاقة التي تحركها قوى سوقية جامدة ولاسيما أن تلك المشاريع هي بمثابة طوق النجاة وعصب التنمية الاقتصادية. أفغانستان المستقرة مهمة ليس فقط بالنسبة لأفغانستان ولكن أيضـًا بالنسبة للاقتصادات النامية في المنطقة؛ لأن النمو لا يتحقق بمعزل عن الآخرين أو في ظل وجود عداء، كما أن ما يجري في أفغانستان يمكن أن يكون له أثر كبير على فرص النمو في اقتصادات جنوب آسيا.
إن ضمان أمن الإمداد من خلال أفغانستان إلى باقي دول المنطقة يتطلب روح شراكة إقليمية بين تلك الدول؛ الأمر الذي يوحي بوجود دافع لتكييف هيكل التعاون نظير أولويات كل لاعب إقليمي. بالنسبة لأفغانستان كي تقوم بتحسين انسجامها الاستراتيجي في الحسابات الإقليمية فيما يخص السياسات، يتعين عليها أن تقدِّم بعض الريادة الفعالية بشكل قادر على تعزيز أسباب الإجماع الإقليمي.
يوجد اقتصادان عملاقان في آسيا (الصين والهند) في حالة من التنافس الشديد في سعي لإحكام القبضة على المصالح الجيوسياسية والاقتصادية في آسيا الوسطى والشرق الأوسط. ولقد انجذبت الهند نحو ميناء تشابهار الإيراني للاستثمار في إعادة بناء أفغانستان، وهذا سيفتح فصلًا جديدًا من التعاون بين كابول ودلهي، وقد نتج عن ذلـك بالفعل زيادة في الصادرات الإيرانية إلى أفغانستان لتبلغ 3 مليارات دولار في العامين 2012/2013. كما أن استثمارات الصين في ميناء غاوادار الباكستاني ستساعد أفغانستان أيضـًا في أن تلعب دور الجسر الرابط للمنطقة بأسرها. كما أن تبني منهج نفعي تجاه أفغانستان سيحقق مكسبًا للطرفين وسيخلق جوًّا صحيًّا للنمو الاقتصادي في المنطقة.
خلاصة
لقد أقرَّت السياسة الأميركية بأهمية موارد الطاقة في آسيا الوسطى والإمكانات الاقتصادية التي ستقدمها في الأسواق العالمية وفي المنطقة على حدٍّ سواء. ولقد صرَّح مساعد وزير الخارجية الأميركي(10) عن وسط وجنوب آسيا بهذا التصريح في العام 2007. ومن أجل إنقاذ دول آسيا الوسطى من الاعتماد التاريخي على البنية التحتية الروسية، فإن إحدى استراتيجيات الولايات المتحدة تتمثَّل في زيادة عملياتها للتنمية والتنويع في موارد الطاقة وخطوط الإمداد في تلك المنطقة.
لا يمكن لخطوط الإمداد بالطاقة أو لغيرها من المشروعات الإقليمية الجذابة أن تزدهر في ظل وجود صراعات وقلاقل وغياب الاستقرار في المنطقة. كما أن الأسلوب التقليدي في الوصول إلى أفغانستان من منظور محصِّلة صفرية محفوف بالمخاطر والتبعات، التي قد تشكِّل عائقًا كبيرًا أمام المنطقة بأسرها من حيث اللحاق بالركب الاقتصادي. من المهم بالنسبة لأفغانستان أن تدرك أن الدوافع الاقتصادية الخارجية تشكِّل بصورة متزايدة ملامح السياسات الأجنبية للدول الإقليمية تجاه أفغانستان، ولهذا، يتعين على أفغانستان أن تضع حلولًا اقتصادية متنوعة كقواعد حقيقية لدبلوماسيتها وأن تحرص على تمهيد الطريق نحو ضمان انخراط آمن للدول الإقليمية في أفغانستان.
___________________________________
لطف الله لطف، خبير ومحلل اقتصادي بوزارة المالية في أفغانستان
1- DipNote Bloggers, “U.S Department of state official blog”, 22 August 2017,(accessed 22 August 2017):
2- Kimberly, Amadeo, “Cost of Afghanistan War: Timeline, Economic Impact”, the balance, 22 August 2017 ,(accessed 22 August 2017):
https://www.thebalance.com/cost-of-afghanistan-war-timeline-economic-impact-4122493
3- Adam, Taylor, “149,000 people have died in war in Afghanistan and Pakistan since 2001, report says”, washingtonpost, 3 June 2015, (accessed 22 August 2017):
4- Nick, Wadhams, “Trump Embraces Afghanistan Ideas That Failed Obama, Bush”, Washington Post, 22 August 2017, (accessed 28 August 2017):
5- “TRACE Releases Updated Edition of the TRACE Bribery Risk Matrix; Introduces Substantive and Methodological Improvements”, prnewswire, 12 October 2017, (accessed 17 October 2017):
6- Erica, Downs, “China Buys into AfghanistanSAIS Review”, Volume XXXII, No. 2 (Summer-Fall 2012), p. 65-84.
7- Seema, Guha, “India announces $1 billion in developmental assistance to Afghanistan, now how about some defence equipment?”, firstpost, 15 September 2016, (accessed 22 August 2017):
8- S. Frederick Starr & Andrew C. Kuchins, “The Key to Success in Afghanistan - A Modern Silk Road Strategy”, silkroadstudies, May 2010, (accessed 17 October 2017):
9- “The Northern Distribution Network and Afghanistan, CSIS”, csis, 6 January 2010, (accessed 17 October 2017):
https://www.csis.org/analysis/northern-distribution-network-and-afghanistan
10- “A Regional Overview of South Asia, the House Committee on Foreign Affairs; Subcommittee on Middle East and South Asia”, state.gov, 7 March 2007, (accessed 17 October 2017):
https://2001-2009.state.gov/p/sca/rls/rm/2007/81528.htm