مصيدة تعز: استنزاف الموارد والفرص في الاستراتيجيات المتضاربة باليمن

تناقش هذه الورقة العلاقة بين الاستراتيجيات المتضاربة في مدينة تعز اليمنية، والموارد المهدورة والفرص الضائعة، وتستشرف تأثيرات ذلك على مسارات الحرب في اليمن.
28 February 2018
6d45dab9729a48ad930a33d387335f31_18.jpg
الشقاقات السياسية تستنزف تعز (رويترز)

 مقدمة

يتسم الصراع المسلح الدائر في اليمن، منذ نحو ثلاث سنوات، بالتعقيد الشديد، وتضارب استراتيجيات أطراف السلطة الشرعية فيما بينها، مع استراتيجيات قطبي التحالف العربي (السعودية والإمارات) اللذين يُفترض، حسب أهدافهما المعلنة، دعم هذه السلطة، بمكوناتها السياسية المختلفة، خلافًا لموقفهما من استراتيجيات جماعة أنصار الله (الحوثيين)، بوصفهم الطرف المناوئ لكافة الأطراف. 

تعتبر هذه الاستراتيجيات تعز عاملًا مؤثرًا في مسار الصراع لكنه يمثل أيضًا مصدرًا للاستقطاب والتنافس، ويظهر ذلك على أجلى صورة، في الصراعات بين التنظيمات السياسية، وقوى الجيش، والمقاومة الشعبية، ومراكز النفوذ القبلي. كما أن تعز لم تسلم من الاستعمال كمصيدة للاستنزاف، بين المختلفين والمؤتلفين على حدٍّ سواء، وهي حال قد تطول فتزيد الوضع تعقيدًا، كلما زادت الفجوة بين القوى الداخلية والخارجية، التي تتفق، نظريًّا، في دعم السلطة الشرعية ومواجهة انقلاب الحوثيين، وتتباين، عمليًّا، في كيفية تحقيق ذلك. 

يحلِّل هذا التقرير أهمية تعز للأطراف الرئيسية في الصراع باليمن، وأسباب تحولها إلى بؤرة للاستنزاف، ومساعي الإمارات لتحويلها إلى عدن ثانية، وتأثيرات كل ذلك على الصراع الدائر في اليمن. 

استراتيجيات متعارضة 

يمكن إبراز موقع ودور محافظة تعز في استراتيجيات قوى الصراع الدائر في اليمن، من خلال تحديد طبيعة هذه الاستراتيجيات، ومن ثم الانتقال إلى بيان موقع تعز ودورها في تلك الاستراتيجيات. 

تنتهج السعودية والإمارات، بوصفهما قطبي التحالف العربي، اللذين يتحكمان، فعليًّا، في إدارة الحرب ضد جماعة أنصار الله (الحوثيين)، استراتيجية عامة لإدارة الصراع، تتفرع إلى خطط لإدارة المعارك في مختلف الجبهات، بما في ذلك جبهة تعز، التي تركزت فيها المواجهات داخل مركز المحافظة، منذ اندلاعها في أبريل/نيسان 2015، واتسعت دائرتها، تدريجيًّا، لتمتد إلى بعض المديريات الواقعة خارج هذا المركز، كما في مديريات المواسط، والصلو، ومقبنة، وجبل حبشي، ولا يزال الوضع كذلك حتى تاريخ كتابة هذا التقرير(1). 

تتمثل أبرز نقاط الاستراتيجية العامة لإدارة الصراع بالآتي:

  • إحكام السيطرة على مناطق الحدود البرية اليمنية مع المملكة السعودية وتأمينها من التهديدات المختلفة.
  • إحكام السيطرة على مناطق الشريط الساحلي اليمني، من المهرة شرقًا، حتى ميدي غربًا، بما في ذلك الموانئ، والجزر، والمضائق.
  • استنزاف قوى الصراع الداخلية، في جبهات متعددة، وفقًا لمبادئ الإنهاك (الإرهاق والاستنزاف) وإراقة الدم(2).
  • الدفع التدريجي بقوى الصراع الداخلية إلى مركز الدولة، على نحو يتحقق معه العنصر الأول والثاني، كشرط رئيس، والعنصر الثالث كشرط مكمل.
  • إنتاج كيانات سياسية جديدة أو إعادة تأهيل قوى سابقة، ودعمها بتشكيلات عسكرية، لمعادلة نفوذ القوى التقليدية في السلطة الشرعية. 

توجِّه القوى التقليدية في السلطة الشرعية، عملياتها في معظم جبهات تعز حسب مبدأي الإنهاك وإراقة الدم، في مواجهة الحوثيين، لإضعافهم ماديًّا وبشريًّا، في معظم جبهات تعز، لكنه إنهاك لكافة الأطراف المتحاربة أيضًا. 

رغم تعارض توجهات وأهداف القوى التقليدية في السلطة الشرعية فيما بينها، إلا أنها تثابر، لإفشال أي مسعى إماراتي يجعل من تعز نسخة أخرى لمحافظات الجنوب، في الهيمنة على القرار، واستنساخ قوى مناوئة لها، ولقيادة السلطة الشرعية؛ لتبدو هذه الأطراف، كما لو أنها تقاتل في جبهتين: جبهة مواجهة الانقلاب الحوثي، وجبهة مواجهة النفوذ الإماراتي. وتحاول قيادات الوحدات العسكرية المرابطة بتعز، تغطية العجز في الأسلحة والذخائر والإمدادات الأخرى، التي يتعمد التحالف عدم توفيرها، أو التمييز في توزيعها، وكذا مغالبة آثار القطيعة غير المعلنة مع قيادة المنطقة الرابعة بعدن، من خلال الاتصال المباشر برئاسة هيئة الأركان العامة بمأرب، ونائب رئيس الجمهورية، الفريق علي محسن، والاعتماد على مختلف مصادر الدعم المحلي(3). 

من المبالغ القول: إن للحوثيين استراتيجية طويلة الأمد لاستمرار السيطرة على تعز؛ بل كل ما لديهم، أنهم يتبنون خططًا متفرقة قصيرة المدى، تقوم على أشكال متعددة من الاستقطاب للوجاهات الاجتماعية وغيرها، وتغذية الخلافات القبلية(4). أما عسكريًّا، فالواضح أنهم يتخذون وضعًا دفاعيًّا مستميتًا، في إطار خطة أوسع، نسبيًّا، تقوم على إطالة أمد الحرب، للوصول إلى وضع قد تحدثه تحولات داخلية وإقليمية، تخدم موقفهم، وتُعلِي من رصيدهم الشحيح في ما تبقى من مديريات تعز الخاضعة لهم، وامتداد ذلك إلى حدودها مع محافظتي إب والحديدة المجاورتين، للحؤول دون اختراق قوات الشرعية لهذه الحدود، إلا أن ذلك لم يعد ممكنًا، بعد توغل قوات المقاومة التهامية ووحدات عسكرية مدعومة إماراتيًّا، في أراضي محافظة الحديدة، وسيطرتها على مدينتي الخوخة وحيس، والتقدم باتجاه مدينة الجرّاحي، خلال النصف الأول من فبراير/شباط 2018(5). 

جبهة تعز 

يمكن استعراض موقع ودور تعز في استراتيجيات قوى الصراع المختلفة، من خلال بيان ارتباط هذه القوى بتعز، ومحاولاتها الحثيثة لتقوية نفوذها، في مشهد تنافسي قد يصل في بعض الأحيان إلى المواجهة المسلحة بين القوى الداعمة للسلطة الشرعية ذاتها، فوق ما تشهده مناطق كثيرة من تعز، من مواجهات مسلحة مستمرة، بين هذه القوى والحوثيين، منذ ثلاثة أعوام تقريبًا.

(الجزيرة)

أولًا: تمدد الحوثيين

تمثل تعز مركز تنافس حزبي بين مختلف التيارات السياسية اليمنية، ومحط اهتمامها، وقد تجلى ذلك منذ إقرار التعددية السياسية، التي بدأت، رسميًّا، بعد إعادة تحقيق الوحدة اليمنية عام 1990، واشتداد التنافس على مقاعد مجلس النواب (البرلمان)، التي هيمن فيها حزب المؤتمر الشعبي على أغلبية الدوائر الانتخابية بما فيها تعز، تلاه، بفارق كبير، التجمع اليمني للإصلاح، ثم التجمع الوحدوي الناصري، والبعث العربي الاشتراكي، خاصة في آخر انتخابات برلمانية، التي أجريت عام 2004، وبقاء هذا الوضع حتى إصدار الحوثيين ما سمي "الإعلان الدستوري"، في 6 فبراير/شباط 2015، الذي بموجبه حُلَّ البرلمان، لكنهم تراجعوا عن ذلك لفشلهم في تحقيقه(6). 

حتى عام 2011، لم يكن لجماعة أنصار الله (الحوثيين)، حضور سياسي معلن داخل محافظة تعز، وفي اليمن عمومًا؛ فلم تكن الجماعة، آنذاك، تمثِّل كيانًا سياسيًّا، بل جماعة متمردة على النظام الحاكم. ومع اندلاع ثورة فبراير/شباط 2011، اختلطت حسابات ومصالح كافة القوى السياسية، ليبرز الحوثيون كقوة سياسية جديدة متنامية، محددة موقعها ضمن بقية القوى السياسية الأخرى، وذلك من خلال مؤتمر الحوار الوطني عام 2012، الذي مثَّلها فيه أربعة أعضاء من تعز، من أصل 35 عضوًا(7)، وقد نشطت بعد ذلك، في استقطاب الشباب وقوى المجتمع الفاعلة بتعز، عبر مختلف الوسائل، وتجلى ذلك أثناء تشييع جثمان مؤسس الجماعة، حسين بدر الدين الحوثي، في يونيو/حزيران 2013، وفي احتجاجات واعتصامات صنعاء في أغسطس/آب 2014، اللتين برزت فيهما شخصيات دينية، وقبلية، وحزبية، يسارية ومستقلة، تنتمي إلى محافظة تعز(8). 

يرجع عدم لجوء الحوثيين إلى إخضاع تعز بالقوة، أثناء اجتياحهم بقية المحافظات الشمالية، عام 2014، إلى الافتقار للحاضنة الشعبية الكافية لتحقيق ذلك؛ نظرًا للتباين المذهبي والفكري، والخوف من ردود أفعال عنيفة، في وقت ليس من مصلحتهم نشوب أية مواجهات واسعة، ثم بادروا، أواخر مارس/آذار 2015، إلى خطة احتواء ناعمة، تمثَّلت بتعزيز قوات الأمن المركزي، بقوات متنكرة بزي مدني قادمة من صنعاء، دون إحداث أية مواجهات، لكن سرعان ما انكشفت الخطة، ودخلت المدينة في مواجهات عنيفة معهم، تبنَّتها كتيبة من اللواء 35 مدرع، أعلنت ولاءها للرئيس هادي، في أبريل/نيسان 2015(9). وفيما يبدو، أن إقدام الحوثيين على ذلك، كان اضطراريًّا؛ بقصد الحؤول دون أي تحشيد مناوئ، أو الدفع بأية قوات لقطع الطريق المؤدية إلى عدن. 

ثانيًا: مخطط الإمارات

رسمت قوى التحالف استراتيجياتها في التعامل مع تعز، بناء على حلفائها المحليين بالمدينة، الذين تتقاسم معهم مصالح مشتركة، وبخاصة القوى المناوئة للانقلاب الحوثي، لكنه تقاسم للمصالح محدود وظرفي، مما يفسر تخاذل التحالف عن حسم المعركة، وترك وحدات من الجيش في حالة عوز مستمر إلى التسليح والدعم اللوجستي اللازم لتحقيق ذلك. 

لم تتمكن الإمارات من تشكيل قوات حزام أمني، في مركز محافظة تعز ومحيطها الساحلي، بشكل كامل، منذ أواخر عام 2017، من خلال دعم بعض فصائل المقاومة ذات التوجه السلفي، ومحاولة إقناع المحافظ السابق، الذي لم يوافق على ذلك(10)، لكن الإمارات أحكمت سيطرتها على ساحل المحافظة، الممتد من مضيق باب المندب إلى ميناء المخاء، بقوات موالية لها، كجزء من محاولة لم تكتمل، لتحويل تعز إلى محمية خاضعة لها، على غرار مدينة عدن، التي تسيطر عليها بواسطة تشكيلات عسكرية، لا تخضع لقيادة السلطة الشرعية، يطلق عليها اسم "قوات الحزام الأمني"، أو كحال مدن المحافظات الجنوبية الأخرى، التي تسيطر عليها تشكيلات "قوات النخبة" الموالية لها، مع إمكانية استخدام هذه التشكيلات كأدوات قسر لمواجهة قوات الحكومة الشرعية، أو أي كيان آخر قد يعارض سياستها، وذلك على نحو ما حدث في المواجهات المسلحة، التي شهدتها مدينة عدن، في نهاية يناير/كانون الثاني 2018، بين قوات الحزام الأمني وألوية الحماية الرئاسية، في مشهد وصفته الحكومة بأنه انقلاب يقف وراءه المجلس الانتقالي الجنوبي(11). 

يمارس قائد ما يسمى "كتائب أبي العباس"، الجهادي السلفي، عادل عبده فارع، ضغطًا كبيرًا على القوى المناوئة للنفوذ الإماراتي، كحزب التجمع اليمني للإصلاح، وقد تجلَّت بعض مظاهر ذلك في اندلاع العديد من المواجهات المسلحة العنيفة بين مقاتلي هذه الكتائب، التي تتبع، شكليًّا، اللواء 35 مدرع، وبين جنود من اللواء 22 ميكا، الذي يقوده العميد صادق سرحان، المصنَّف، حزبيًّا، من التجمع اليمني للإصلاح(12). 

بعد أحداث ديسمبر/كانون الأول 2017، التي اندلعت، بصنعاء، التي اغتال أثناءها الحوثيون حليفه الرئيس المخلوع، علي عبد الله صالح، انتقل جزء من نفوذ حزبه (المؤتمر الشعبي) وقواته بتعز، إلى سلطة الرئيس هادي، وذهب جزء آخر، شكليًّا، إلى طرف سلطة الحوثيين، وجزء ثالث ذهب، أو ينتظر طرفًا ثالثًا يجري إخراجه برعاية إماراتية ومباركة سعودية، وقد يتزعم هذا الطرف أحد أقرباء الرئيس السابق، علي عبد الله صالح، الذي يمكنها من خلاله تعزيز فرض نفوذها على تعز، بالتعاون مع قياديين في حزب المؤتمر الشعبي، إلى جانب دور المحافظ الجديد، الذي لم يُخْفِ، منذ الشهر الأول لتوليه المسؤولية، ميله للإمارات(13). 

إلى ذلك، تتوالى أنباء عن سعي الإمارات إلى استقطاب قيادتي الحزبين؛ الناصري، والاشتراكي، واستغلال صلاتهما الوطيدة بقادة بعض الوحدات العسكرية، التي تخوض معارك شرسة ضد الحوثيين، داخل مدينة تعز وفي أريافها. 

معضلات الحسم 

يحول دون تحرير تعز، انشغال قوى التحالف بجبهات أخرى أكثر إلحاحًا، علاوة على التحولات، التي أفرزتها أحداث ديسمبر/كانون الأول 2017 وأدت إلى قتل الحوثيين لحليفهم الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح، كذلك التناقضات بين أطراف التحالف بخصوص مستقبل تعز. 

لا تزال الحدود الشمالية، والشمالية الغربية اليمنية مع السعودية، مستعرة بالمواجهات، ولم تتحقق معها سيطرة كاملة لقوات الحكومة الشرعية أو القوات السعودية. كما لا يزال الحوثيون يسيطرون على مساحات واسعة داخل العمق السعودي، على امتداد الحدود الشمالية مع اليمن، ابتداء من قبالة مدينة جيزان شرقًا، إلى نجران غربًا، بأكثر من 100 ميل مربع (259 كم2)، واستغلالها في إطلاق الهجمات على المواقع العسكرية والبلدات السعودية، فيما لا تتعدى ردود القوات السعودية القيام بهجمات متقطعة، في ظل تزايد إطلاق الحوثيين للصواريخ الباليستية، التي تطلق من المناطق الحدودية(14). أما الشريط الساحلي الغربي، فيتوزع بين ميدي (ميناء تحت سيطرة قوات الشرعية)، حتى جنوب مدينة الحديدة الساحلية (ميناء لا يزال خاضعًا لسيطرة الحوثيين). 

إلى ذلك، فإنه في ظل وجود عوامل كثيرة مرتبطة بميدان المعركة، وظروفها، وأطرافها، فإن الحديث عن قرب انتهاء الصراع على تعز، لا يزال بعيدًا، ولا ينبغي الانقياد للجلبة الإعلامية المرافقة لنشاط القوات الحكومية، التي تضخِّم المكاسب المتحققة، فيما الوقائع تشير إلى أن ما تحقق لا يتعدى مساحات محدودة، باستثناء ما يجري من معارك في المراكز الإدارية الواقعة خارج مركز المحافظة، التي لا تخلو من نَفَس حزبي وولاءات فئوية(15)، ورغم ذلك من المتوقع، على المدى المتوسط، تحقيق أمرين: مضاعفة نفوذ السلطة الشرعية في هذه المناطق، لربطها بالمناطق المحررة الأخرى، والعمل على كسر جانب من الحصار المفروض على مركز المحافظة، إذا ما دُعمت القوات، التي تخوض معارك في مديريتي الصَّلْو وخَدِير، للاقتراب من الطريق الرئيس الممتد بين عدن وتعز، وفيما لو تحركت الجبهة الشرقية بالمدينة في الاتجاه ذاته، أما حدوث خلاف ذلك، فإنه يطيل الصراع أكثر. 

حتى الآن، لم يتغير موقف التحالف من بعض قوى السلطة الشرعية الفاعلة في الصراع على تعز، كحزب التجمع اليمني للإصلاح، الذي يعد قوة سياسية ذات نفوذ في صفوف الجيش والمقاومة، رغم ما أُثير حول لقاء قادة هذا الحزب، بوليي عهد السعودية وأبوظبي، بالرياض، في ديسمبر/كانون الأول 2017. وبالتالي، فإن عجلة التحرير ستظل تراوح مكانها؛ لأن قطبي التحالف، يعارضان أن يكون التقدم العسكري بتعز، محسوبًا على هذا الحزب، بحسب ما يُفهَم من مقابلة صحافية مع الرئيس عبد ربه هادي(16)، أما المعارك، التي اشتدت مؤخرًا، فقد تكون استجابة لوعود مقطوعة لدعم هذه القوات بالأسلحة، ومن الراجح أنها تندرج ضمن خطط السيطرة على الحديدة وفق خطط مشتركة بين قيادة هذه القوات، وقيادة القوات المشتركة بالرياض(17). 

ما يمكن تصوره حول مستقبل الصراع الدائرة بتعز، بناء على المواقف المتباينة بين مختلف القوى سواء بين قوات التحالف والحوثيين أو بين قوى التحالف نفسها، وما ترتب على ذلك من عوز قوات الجيش للأسلحة اللازمة، وبقاء بعض المناطق تحت سيطرة الحوثيين، وما يثار من جدل حول إعادة تأهيل قوات جديدة ستدخل ميدان الصراع لمواجهة الحوثيين، كل ذلك يعني أن التحالف يدير الصراع على تعز، لتحقيق مجموعة من الأهداف المؤقتة، هي:

  • إرهاق كافة أطراف الصراع بتعز، بشريًّا وماديًّا.
  • مشاغلة الحوثيين في معارك استنزاف بالقدْر الذي يؤثر على أدائهم في جبهة الحديدة المجاورة.
  • كسب مزيد من الوقت لتشكيل قوات جديدة، تعمل كقوى معادِلة للقوى التقليدية الموالية للسلطة الشرعية، والدفع بها داخل حدود محافظة إب المجاورة، عبر محورين، أحدهما قد يبدأ من تعز.
  • تغذية الانقسامات في أوساط القوى التقليدية، السياسية والعسكرية، وترجيح كفة الموالين للإمارات. 

استنزاف الموارد والفرص الضائعة 

أفقد الصراع الناعم، وأحيانًا الخشن، بين مختلف القوى المناهضة للانقلاب بمحافظة تعز، تأثير هذه المحافظة، في تحديد مصير الحوثيين وسيطرتهم على المحافظات الشمالية المجاورة، وهما: إب والحديدة؛ حيث لم يمكِّن التحالف هذه القوى، لأسباب تتعلق بموقفه من بعضها، إحراز أي تقدم في عملية الحسم(18)، كما عمد، مطلع عام 2017، إلى دفع قوات من المقاومة الجنوبية وقوات سودانية، إلى المناطق الساحلية التابعة لتعز، والالتفاف والتقدم غربًا، عبر مناطق أغلبها سهلية، من باب المندب جنوبًا، حتى ميناء المخاء شمالًا، على البحر الأحمر، قاصدًا بذلك عزل هذه المناطق عن قوى الصراع الدائر في مركز المحافظة، وتعطيل نفوذ قوى الشرعية غير المنسجمة مع توجهاته فيها، وتركها تستنزف ذاتها في معركة منسية مع الحوثيين، في ظل إمكانيات شحيحة، في الأسلحة والذخائر، وانقطاع مرتبات الجنود(19). 

مع تقدم تلك القوات في جبهة الساحل، وإلى جانبها مجاميع من المقاومة التهامية، بقصد الوصول إلى ميناء الحديدة، ومع ما تحقق لها من سيطرة على المدن الواقعة بين الميناء وبين تعز، لم يعد التحالف مهتمًّا بكسر الحصار عن تعز، رغم أهميته في تحقيق مكاسب ثمينة في جبهات أخرى، بل انصبَّ اهتمامه على جعل تعز بؤرة للاستنزاف بضرب الحوثيين بقوات الجيش، وضرب قوات الجيش فيما بينها. والمتوقع أنه لو قُدِّر للقوات المتقدمة باتجاه الحديدة، الاستيلاء على مدينة الجراحي، الواقعة إلى الجنوب منها، فإن تحولات مهمة أخرى قد تقلِّل أكثر من مكاسب تحرير تعز من سيطرة الحوثيين؛ حيث سيكون التركيز على اختراق محافظة إب من عدة محاور، أحدها محور الجراحي(20)، ويكون دور تعز في ذلك ثانويًّا، عبر محور آخر، لكنه قد لا يكون خاضعًا للقوى الفاعلة بتعز، خاصة التي تعارض توجهات الإمارات، المسكوت عنها من قبل السعودية.

قطعًا، لا يعني هذا الطرح، إهمال أهمية تحرير تعز، ولا تجاهل تأثيرها الحقيقي، لكنه يشخِّص الكيفية، التي عمد من خلالها قطبا التحالف، إلى شلِّ ذلك التأثير أو التقليل منه، ولو مؤقتًا، استثمارًا للخلافات بين مختلف قوى الشرعية، خاصة خلافات الجماعات السلفية الموالية للإمارات، مع حزب التجمع اليمني للإصلاح، والتباينات الأخرى بين هذه الجماعات وقوى الجيش، التي نجمت عنها صدامات مختلفة، حول أكثر من مسألة. كما قد تستغل حالة الاحتقان الدائم بين التيارات السلفية وحزب الإصلاح، في الإيقاع بينهما مستقبلًا، بقصد ضرب الاصطفاف الوطني تجاه الانقلاب، أو في إثارة الانقسام حول الهيمنة الإماراتية على الشريط الساحلي لتعز، خاصة ميناء المخاء، الذي يعد ورقة مؤجلة الغليان، بين القوى الموالية للشرعية وقطبي التحالف. 

فيما لو تجاوزت القوى المناهضة للانقلاب بتعز، كافة الخلافات فيما بينها، وفي أقرب وقت، ومضت نحو كسر الحصار عن المدينة، الذي تلوح بوادره من جهة الجبهة الشمالية الشرقية، لأمكن معه وقف تدفق قوات الحوثيين إلى حدود محافظة لحج، التي لا تزال بعض مناطقها تحت سيطرتهم(21)، من خلال قطع الطريق الرئيس الذي يربطها بتعز، ولامتدت معارك التحرير إلى ما تبقى من المناطق الواقعة شمال وشمال شرق تعز، باتجاه الطريق الرئيس الرابط بينها وبين مركز محافظة إب، والسيطرة معها على مطار الجَنَد (مطار تعز).

_____________________________

علي الذهب- باحث في الشؤون الاستراتيجية اليمنية

ABOUT THE AUTHOR

References

1. افترض الباحث هذه الاستراتيجيات وفقًا لمتابعته وقائع الحرب منذ اندلاعها في مارس/آذار 2015. وللمزيد حول محافظة تعز، ينظر: مركز معلومات محافظة تعز. متاح على الرابط، taizgov، (تاريخ الدخول: 7 فبراير/شباط 2018):

http://www.taizgov.com/new

2. للمزيد حول استراتيجيات إدارة الصراع، ينظر: مصباح، عامر، نظريات التحليل الاستراتيجي والأمني للعلاقات الدولية، (دار الكتاب الحديث، القاهرة، 2011)، ص 146- 147.

3. تطرق المفتش العام في الجيش اليمني، اللواء عادل القميري، إلى عدد من المسائل، بما فيها الاستراتيجيات المتبعة في الحرب. للمزيد ينظر: المقابلة الصحافية، التي أجرتها معه صحيفة 26 سبتمبر. تجد ذلك على الرابط، (تاريخ الدخول: 1 فبراير/شباط 2018): 

https://goo.gl/4RSh8X

4. كمثال على ذلك، ينظر محتوى الرابط التالي، يظهر فيه علي أبو الحاكم ( أحد القادة الحوثيين) مع جمع غفير من أعيان محافظة تعز، بتاريخ 24 نوفمبر/تشرين الثاني 2016، (تاريخ الدخول: 8 فبراير/شباط 2018):

 https://www.youtube.com/watch?v=_YaQDaJM3NE

5. تفاصيل التطورات في هذه الجبهة، حتى العاشر من فبراير/شباط 2018، تجدها في موقع الجيش اليمني، على الرابط، (تاريخ الدخول: 11 فبراير/شباط 2018):

 https://goo.gl/yeCDf9

6. للاطلاع على التوزيع الحزبي لمقاعد مجلس النواب بالنسبة لتعز، ينظر: مرصد البرلمان اليمني. متاح على الرابط، (تاريخ الدخول: 2 فبراير/شباط 2018):

http://www.ypwatch.org/members.php

7. للمزيد ينظر: موقع مؤتمر الحوار الوطني الشامل، على الرابط، (تاريخ الدخول: 2 فبراير/شباط 2018):

http://www.ndc.ye/ar-issue.aspx?show=2

8. للمزيد حول أشكال استقطاب وتنامي قوة الحوثيين، ينظر: الذهب، علي، "قوة الحوثيين العسكرية: القدرات والاستراتيجيات"، مركز الجزيرة للدراسات، (تاريخ الدخول: 5 فبراير/شباط 2018):

 http://studies.aljazeera.net/ar/reports/2018/01/180101111910054.html.

9. تفاصيل هذه المواجهات، تجدها في حوار صحافي مع قائد اللواء 35 مدرع، العميد عدنان الحمادي، متاح على الرابط، (تاريخ الدخول: 3 فبراير/شباط 2018):

 https://goo.gl/mbympW

10. نشر تفاصيل ذلك في صفحته عبر فيسبوك، البرلماني اليمني، شوقي القاضي، في أكتوبر/تشرين الأول 2017، وتناولته وسائل إعلامية مختلفة، كاشفًا فيه عن لقاء جرى بين محافظ تعز السابق، علي المعمري، وقيادة التحالف الموجودة بعدن، وأن المحافظ رفض ذلك، حينما اشتُرط عليه تشكيل حزام أمني بتعز، تحت إشراف الإمارات، مقابل الحصول على الأسلحة ووسائل الدعم اللازمة لتحرير المحافظة من الحوثيين. للمزيد حول ذلك، ينظر، almawqea، (تاريخ الدخول: 9 فبراير/شباط 2018):

 http://almawqea.net/news/24447#.Wn-cPLOYPIU

11. انفجر الموقف، عسكريًّا، في 28 يناير/كانون الثاني 2018، بين قوات الحماية الرئاسية، وقوات ما يسمى "الحزام الأمني"، لمدة ثلاثة أيام، وقامت طائرات تابعة لدول التحالف، يعتقد أنها إماراتية، بضرب مقر اللواء الرابع حماية رئاسية، ما سهَّل اقتحامه من قبل قوات الحزام الأمني، ثم احتُوِيَت الأزمة دون حل جذري، تخضع بموجبه قوات الحزام الأمني للجهات الرسمية، في كل من وزارتي الدفاع والداخلية.

12. لا تُبرز هذه الاستقطابات مدى ما وصلت إليه الإمارات من النفوذ فحسب، بل يكشف المخاطر المستقبلية، التي تنتظر تعز؛ بفعل هذه السياسات، التي قد تستغل التناقضات الحزبية، لضرب الكيانات السياسية بعضها ببعض.

13. بعد تعيينه محافظًا لمحافظة تعز، بنحو شهر، أعلن أمين أحمد محمود عبد الحميد، عبر وسيلة إعلام إماراتية، عن عملية عسكرية، لاستكمال تحرير تعز، وقد فُسِّر ذلك بارتهان قراره إلى الإمارات، وتجاوزه وسائل الإعلام الرسمية اليمنية، التي تعبِّر عن السلطة الشرعية، التي وضعته في هذا المنصب.

14. هندرسون، سايمون، "الصراع والتغطية: حقيقة ما يجري في اليمن"، معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، 25 يناير/كانون الثاني 2018، (تاريخ الدخول: 7 فبراير/شباط 2018):

 http://www.washingtoninstitute.org/ar/policy-analysis/view/conflict-and-cover-up-the-real-story-of-what-is-happening-in-yemen

15. تتضح الظاهرة الحزبية في صفوف الجيش بتعز، كأجلى صورة، رغم نفي القادة انتماءهم لأي حزب؛ ومع ذلك لا تزال كل وحدة عسكرية تصنف حزبيًّا، حسب قيادتها، فمثلًا: اللواء 22 ميكا، يصنف بالإصلاحي، واللواء 35 مدرع يصنف بالناصري.

16. "مقابلة صحافية مع الرئيس اليمني، عبد ربه منصور هادي"، القدس العربي، 11 سبتمبر/أيلول 2017، (تاريخ الدخول: 31 يناير/كانون الثاني 2017):

http://www.alquds.co.uk/?p=787740

17. "مقابلة صحافية مع نائب رئيس الجمهورية، الفريق علي محسن"، عكاظ، 4 فبراير/شباط 2018، (تاريخ الدخول: 9 فبراير/شباط 2018):

http://www.okaz.com.sa/article

18. "مقابلة صحافية مع الرئيس اليمني، عبد ربه منصور هادي"، مرجع سابق.

19. لا ينفك قادة الوحدات العسكرية بتعز، عن الشكوى من عدم إمدادهم بالأسلحة الكافية، للمزيد ينظر:

https://yemenshabab.net/interviews/30827

 كما كشف رئيس أركان الجيش اليمني، اللواء طاهر العقيلي، مطلع عام 2018، عن النقص الحاد في أسلحة قواته في مختلف الجبهات، وأشار إلى أنه لم يتلق أي رد من التحالف على طلباته بهذا الشأن، علاوة على مرتبات الجنود. ينظر:

"The army is gaining the upper hand in Yemen’s civil war".

https://www.economist.com/news/middle-east-and-africa/21734028-still-no-end-near-army-gaining-upper-hand-yemens-civil-war

20. يرجح أن تكون هذه القوات من الجيش السابق، ممن انشقوا عن الحوثيين بعد مقتل الرئيس السابق، علي صالح، الذين يجري إعادة تأهيلهم في معسكرات إماراتية بعدن، كما قد يدفع فيها مقاتلون من مقاومة محافظة إب.

21. هذه المناطق، في الأساس، مناطق شمالية، وفقًا للحدود التشطيرية، التي كانت سائدة قبل عام 1990، وقد امتنعت المقاومة الجنوبية من دخولها، بدافع الرغبة في الانفصال أثناء المواجهات مع الحوثيين خلال عامي 2015 و2016.