بوكو حرام: ديناميات صعود وتراجع جماعة عنفية في نيجيريا

تحاول الرؤية التحليلية لهذا التقرير الوقوف على نهج بوكو حرام العنيف، وكيف أثَّرت مختلف الديناميات التي حكمت مقاربات المجتمع والدولة في صعود وتراجع هذه الجماعة التي باتت مادة أبرز عناوين وسائل الإعلام بتنفيذها سلسلة من الهجمات على أهداف عسكرية ومدنية.
c8ae7e452737435880ad04eccf3d674c_18.jpg
نيجيريا تعيش توترًا أمنيًّا مستمرًا بسبب هجمات بوكو حرام (رويترز-أرشيف)

مقدمة 

مثَّلت حملة العمليات الإرهابية التي شنَّتها جماعة بوكو حرام بدءًا من العام 2009 أكبر تحد أمني واجهته نيجيريا، رغم أن تصاعد وتيرة الصدامات التي عمَّت البلاد بين رعاة المواشي والمزارعين بالكاد غطت على التمرد. لقد تطور هدف الجماعة الأيديولوجي من مجرد الدعوة إلى اتباع نموذج إسلامي متزمِّت في شمال نيجيريا إلى تبني فكرة تأسيس دولة إسلامية في غرب إفريقيا، بشكل عام، ومنطقة بحيرة تشاد بشكل خاص. في العام 2002، بدأت حملة عمليات العنف التي أطلقتها بوكو حرام متخذة شكل عصيان أقل تنظيمًا وإحكامًا، ومع حلول العام 2015 باتت الجماعة تُصنَّف على أنها "التنظيم الإرهابي الأخطر في العالم"(1). يُعتقد أن هذا التمرد الوحشي في سنته العاشرة قد خلَّف ما لا يقل عن 100 ألف قتيل، وتسبَّب في تهجير أكثر من 2.6 مليون ساكن، ويتَّم أكثر من 52.311 طفلًا، ورمَّل 54.911 امرأة. أما الخسائر المادية فبلغت ما يقرب من 9 مليارات دولار(2). 

إذن، كيف ومتى أصبحت العمليات الإرهابية التي تشنها جماعة بوكو حرام قضية جدية تدعو للقلق في نيجيريا وخارجها؟(3)

لقد بذلت الحكومات النيجيرية المتعاقبة جهودًا هدفت لاحتواء عنف بوكو حرام، كما التحقت البلدان الأخرى الواقعة في منطقة بحيرة تشاد -وهي تشاد والكاميرون والنيجر- التي طالها ذلك العنف، بالحرب المعلنة على بوكو حرام بالإضافة إلى سلسلة من المبادرات الداعمة التي قدَّمها المجتمع الدولي. وكانت جهود هذه البلدان، ومن ساندوها في حربها تلك، السبب المباشر في تراجع عنف بوكو حرام منذ العام 2015. يحاول هذا التقرير، بشكل سريع، دراسة النهج العنيف الذي سلكته جماعة بوكو حرام، ويسعى إلى شرح الديناميات الاجتماعية وتلك المتعلقة بالدولة وبالمجتمع الدولي، التي أسهمت على حدٍّ سواء في صعود وتراجع بوكو حرام. 

صعود بوكو حرام 

تعني كلمة بوكو حرام "التعليم الغربي حرام"، وهو الاسم الذي اشتُهرت به جماعة أهل السنة للدعوة والجهاد، والتي أُعيد تسميتها في مارس/آذار من العام 2015 بـ"الولاية الإسلامية في غرب إفريقيا". وتؤمن الجماعة بأن التأثير الغربي هو السبب وراء فشل الدولة وانتشار الفساد السياسي والتخلف التنموي والفقر وغياب العدالة والمساواة في شمال نيجيريا، وترى الجماعة في العودة إلى معين الإسلام طريقًا أوحد للخلاص من ذلك الوهن(4). لقد مثَّل ضعف قدرة مؤسسات الدولة النيجيرية على توفير ما يحتاجه الشعب النيجيري من مقومات الحياة، مقرونًا بسوء الإدارة الحكومية، السبب الرئيسي في ظهور بوكو حرام ومن ثم تحوُّل نهجها وصولًا إلى اكتسابها الجرأة على تحدي الدولة. كما أن مستوى التخلف المزري الذي يغرق فيه شمال نيجيريا، وما يصاحبه من انقسام بين التوجهين الغربي والإسلامي، أسهم في تغذية الأزمة. هكذا إذن وُلدت بوكو حرام، في العام 2002، باعتبارها جماعة منشقة تحت إمرة الشيخ محمد يوسف. 

بالإضافة إلى شيطنة الدولة وترويج حملة حشد ضدها، دخلت بوكو حرام في سلسلة من المواجهات المسلحة مع قوات الأمن في الفترة ما بين 2002 و2009، لتبلغ تلك المواجهات ذروتها بإعلان انتفاضة عام 2009، أي خلال حقبة حكومة الرئيس عمر موسى يار أدوى(5). وقد وُوجِهت تلك الانتفاضة بقمع وحشي من قبل قوات الأمن، وأدت إلى مقتل المئات من عناصر بوكو حرام وتصفية زعيمها، محمد يوسف، على أيدي رجال الشرطة في عملية نُفِّذت خارج إطار القانون. خَلَفَ يوسف في زعامة الجماعة أبو بكر شيكاو، فتحوَّلت بوكو حرام على يديه إلى منظمة سرية تتبنى استراتيجية الإرهاب والتمرد على الدولة منذ العام 2010. وقد طُبعت فترة زعامة شيكاو لبوكو حرام بالدموية، حيث قادت عصيانًا طال المدنيين بشكل مباشر وأدى إلى اغتيالات وهجمات وعمليات تفجير واختطاف رهائن، إلى جانب تنفيذ عمليات تسلل عبر الحدود واستهداف سكان البلاد المجاورة وبسط النفوذ وفرض السيطرة على أقاليم داخل دولة نيجيريا. ثم كان أن طوَّرت بوكو حرام قدراتها على التمرد والمواجهة عبر الاستقطاب والتجنيد، وتمكنت في بعض الأحيان من ضم مقاتلين إلى صفوفها من نيجيريا والكاميرون والنيجر وتشاد، بل وحتى من خارج هذه البلدان. وقد جاهرت الجماعة بدعمها لتنظيم القاعدة في العام 2010، ثم أعلنت ولاءها لتنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا في العام 2015. كما عُرف عن أعضائها تلقيهم تدريبات على أيدي مدربين من تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، التي تنشط عبر الساحل وشمال إفريقيا، وكذلك على أيدي مدربين من حركة الشباب في شرق إفريقيا. 

تمكنت الجماعة من تصنيع قنابل وقذائف محلية، بالإضافة إلى حصولها على أسلحة دولية من خلال شبكة تهريب عبر منطقة الساحل تم نسجها وتطوير أساليب عملها في ظل انهيار نظام القذافي في ليبيا، وتنفيذ عمليات مداهمة ونهب أسلحة من مخازن مخافر الشرطة والقواعد العسكرية في كل من نيجيريا والكاميرون. لقد كانت جماعة بوكو حرام مدعومة في الأصل من قبل بعض السياسيين الذين سعوا إلى توظيفها لتحقيق أهداف سياسية في نيجيريا. ومع مرور الوقت، استطاعت الجماعة تنويع مصادرها المالية لتشمل دعمًا ماليًّا من تنظيمات إرهابية أجنبية، والسطو على البنوك والاستيلاء على قطعان الماشية وتجارة المخدرات والابتزاز والمشاركة في تجارة التهريب وجباية الضرائب وعمليات الاختطاف مقابل فدًى للإفراج عن الرهائن. استطاعت بوكو حرام توفير ما يزيد عن 10 ملايين دولار من عمليات الاختطاف والفدية، وقد بلغ مجموع الفِدى التي دفعتها حكومة الكاميرون ما بين 2013 و2014 ما مجموعه 3.57 ملايين دولار، في حين وصلت قيمة الفدى التي دفعتها حكومة نيجيريا في الفترة ما بين 2017 و2018 ما يُقدَّر بـ7 ملايين دولار(6). 

اتجاهات عنف بوكو حرام 

أصبحت عمليات بوكو حرام العنيفة أكثر تنظيمًا وتعقيدًا منذ 2009، خاصة في حقبة حكم الرئيس غودلاك جوناثان. وتُظهر الإحصاءات المسجلة في قاعدة بيانات الإرهاب العالمي أن بوكو حرام، في الفترة ما بين 2009 و2015، كانت خلف تنفيذ 1639 هجمة إرهابية أودت بحياة 14436 ضحية، بالإضافة إلى 6051 جريحًا و2063 رهينة تم اختطافها في نيجيريا(7). وتُعد عملية اختطاف 276 تلميذة من قرية شيبوك، في أبريل/نيسان 2014، أوسع عملية اختطاف من نوعها إلى حدِّ الآن، والتي أعقبها إطلاق حملة دولية تحت اسم "أعيدوا بناتنا". هذا، وقد أعلنت الحكومة الفيدرالية أن الأزمة أثَّرت على 14.8 مليون نيجيري، وأودت بحياة 23.461 شخصًا، وخلَّفت أكثر من 5 آلاف مفقود، ومليونَي نازح داخلي، علاوة عن تكبُّد اقتصاد منطقة شمال شرقي نيجيريا خسائر تُقدَّر بـ1.66 تريليون نايرا (حوالي 5 مليارات دولار)(8). وفي الفترة الممتدة من 2009 إلى 2017، سجَّلت قاعدة بيانات تحديد أماكن الصراعات المسلحة ورصد الحوادث 2445 حادثة هجومية أو دفاعية أو استراتيجية مرتبطة ببوكو حرام مخلِّفة مقتل 28.168 شخصًا في نيجيريا (انظر الرسم البياني رقم 1). ومع بلوغ التمرد ذروته في بدايات يناير/كانون الثاني 2015، كان المتمردون يسيطرون على ما يقرب من 20 ألف ميل مربع من الأراضي النيجيرية- أو ما يعادل مساحة بلجيكا. 

الرسم البياني رقم 1: خط بياني لعمليات بوكو حرام والخسائر البشرية الناجمة عنها بين عامي 2017-2009

المصدر: قاعدة بيانات تحديد أماكن الصراعات المسلحة ورصد الحوادث(9) (ACLED)

ثمة مزاعم بأن عنف بوكو حرام، وما يرتبط به من خسائر، قضية غير محددة بشكل جازم. ربما يكون هذا هو السبب الذي يفسِّر ما تحمله التقارير المتوفرة وقواعد البيانات المنشورة غالبًا من أن أعداد ضحايا عمليات بوكو حرام الإرهابية تفوق 20 ألفًا عامة، أو هي، في التقارير الأكثر تفصيلًا، ما بين 20 و30 ألفًا. ففي منتصف العام 2017، أعلنت حكومة ولاية بورنو أن أزمة بوكو حرام كانت خلف تكبدها خسائر مادية لحقت بالبنايات والبنى التحتية قُدِّرت بـ1.9 تريليون نايرا (أو ما يعادل 5.2 مليارات دولار)، بما فيها تدمير مليون مسكن و5 آلاف فصل مدرسي في الولاية(10). وكانت بوكو حرام قد اختطفت آلافًا من الأشخاص بمعدل يفوق بكثير ما دمرته من آلاف المباني. لكن قدرة الجماعة على السيطرة وبسط النفوذ على الأراضي وشنِّ هجمات واسعة النطاق بدأت في التضاؤل منذ العام 2015. وكما هو مبين في بيانات الرسم رقم (1)، فإن أزمة بوكو حرام بلغت ذروتها في 2015. وتُظهر قاعدة البيانات العالمية أن هناك تراجعًا في معدلات هجمات الجماعة بنحو 8%، وفي معدلات الاختطاف بنحو 23%، كما تراجع عدد الضحايا بنسبة 30% في الفترة ما بين 2014 و2015. 

مع تحسن في أداء الحملات المضادة للتمرد التي قادها الجيش النيجيري وجهود القوات المشتركة متعددة الجنسيات، سُجِّل التراجع الأبرز لعنف بوكو حرام في فترة حكم الرئيس محمد بخاري، في حين سمح انقسام الجماعة باستعادة أجزاء من الأقاليم المحتلة، بالإضافة إلى مصرع الآلاف من مقاتلي الجماعة وتحرير مئات المختَطفين. لكن، ومع كل ذلك، فقد أثبتت الجماعة قدرتها على الصمود بالرغم من زعم الرئيس بخاري أنها قد "هُزمت على المستوى التقني" و"تدهورت بشكل كبير" و"دُمِّرت بشكل كامل". فقد استطاعت الجماعة تنفيذ أكثر من 60 هجومًا في منطقة بحيرة تشاد خلال الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2018، أوقعت ما يزيد عن 200 قتيل(11). في 19 من فبراير/شباط 2018، اختطف فرع تنظيم الدولة الإسلامية في ولاية غرب إفريقيا، التابع لبوكو حرام، 105 تلميذات من معهد الفتيات الحكومي للعلوم والتقنية، في مدينة دابشي، ولاية يوبي. وكان سيناريو الاختطاف قد اتبع نفس أسلوب عملية اختطاف تلميذات شيبوك في أبريل/نيسان عام 2014. وفي الوقت الحالي، تركِّز بوكو حرام على تنفيذ عمليات انتحارية وعمليات اختطاف. 

خلفيات تراجع جماعة بوكو حرام 

وفقًا لما أشرنا إليه أعلاه، فإن ثمة عوامل عدة تسببت في تراجع بوكو حرام باعتبارها جماعة عنفية في نيجيريا. يتمثل أحد تلك العوامل في الأزمة الداخلية العالقة التي تواجهها الجماعة؛ حيث تسبب الصراع القائم حول الزعامة والسلطة داخل بوكو حرام، على إثر مقتل محمد يوسف بين كلٍّ من شيكاو وخليل برناوي ومامان نور، في ظهور انقسام فصائلي داخل الجماعة، وكان ذلك عاملًا رئيسيًّا في تشكيل تنظيم "أنصارو"، الذي يُعرف أيضًا باسم جماعة أنصار المسلمين في بلاد السودان، وذلك في يناير/كانون الثاني من عام 2012(12). ثم شهدت الجماعة لاحقًا، وتحديدًا في شهر أغسطس/آب 2016 اختلافات عَقَدية وأيديولوجية وغيرها حول تحديد الأهداف والتكتيكات أدت إلى انقسام كبير في صفوف القيادات الأولى، وكان من نتيجة ذلك ظهور ما لا يقل عن ثلاث فصائل يسيطر كل واحد منها على عدد من الخلايا. يتزعم أبو بكر شيكاو إحدى تلك الفصائل، في حين يقود فصيل الدولة الإسلامية في ولاية غرب إفريقيا نجل محمد يوسف، أبو مصعب البرناوي، وقد عيَّنه تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام. وهناك أيضًا تكهنات بوجود فصيل ثالث متحالف مع فصيل البرناوي لكنه ليس تابعًا للدولة الإسلامية، يتزعمه مامان نور(13). يوجد أيضًا، ضمن فصائل أخرى، فصيل أصغر حجمًا وأقل تأثيرًا مثل فصيل بوكار ماينوك. وعلى أية حال، ومع أنه بالإمكان إرجاع التشظي الفصائلي الداخلي في بوكو حرام إلى خلافات زعامات الصف الأول حول العقيدة والأهداف والتكتيكات للجهاد الإسلامي، إلا أنه من المهم الإشارة إلى أن حرب الاستنزاف التي اندلعت بين تلك الزعامات انعكست سلبًا على قدرة الجماعة على اجتذاب مقاتلين جدد. ودفعت تلك الانشقاقات داخل الجماعة بعض المتمردين إما إلى الاستسلام أو إلى تغيير الولاء أو حتى التفاوض مع الحكومة. 

ثمة أيضًا عامل آخر على غاية من الأهمية وهو تناقص القاعدة الشعبية للجماعة. في الواقع، تراجع الدعم القاعدي للجماعة مع ازدياد وتيرة عمليات العنف العشوائية التي ارتكبها مقاتلوها. فقبل ثورة 2009، كان عدد الموالين -التابعين- للحركة يُقدَّر بحوالي 280 ألفًا(14)، بينما تراوح عدد أعضائها ومنتسبيها خلال ذروة حملتها العنيفة ما بين 15 و50 ألفًا(15). وتجدر الإشارة هنا إلى أن معظم النخب السياسية والتقليدية في شمال البلاد تتعاطف مع بوكو حرام وتبرر ظهورها وتقترح محاورتها سياسيًّا أو تقديم تنازلات لحل الخلاف(16). 

خلال تلك الفترة، شجب الجيش النيجيري الدعم المجتمعي للتمرد ولجأ إلى تنفيذ حملة عقابية ضد الأهالي، بينما في ذات الوقت، كانت عمليات بوكو حرام العنيفة، الهادفة إلى فرض السيطرة على الإقليم، تتسم بوحشية قصوى. ومع وقوعهم بين مطرقة (بوكو حرام) وسندان قوة (الجيش) اختار كل من النخب وعامة الشعب تحويل دعمهم للجيش بحكم أن سلامتهم كانت في الميزان، وكانت النتيجة أن انضم العديد من الشبان إلى الحرب ضد بوكو حرام وشكَّلوا قوة دفاع مدنية مشتركة لدعم جهود القوات الأمنية(17). 

أسهم أيضًا ردُّ الدولة المتمثل في زيادة أعداد الجنود والدخول في جولات مفاوضات سياسية في تراجع عنف بوكو حرام. وبالنظر إلى الدعم المبدئي الذي حظيت به الجماعة، فقد عانى الجيش النيجيري من سلسلة انتكاسات بسبب مقاربته القاسية في التعامل مع الجماعة وأنصارها، وأيضًا بسبب طبيعة الأزمة العابرة للحدود وضعف مستوى التعاون من قبل دول الجوار وغياب الرؤية في الاستجابة السياسية وتسييس القضية. إذن، كان للجهود المتضافرة في معالجة بعض تلك المخاوف والزيادة غير المسبوقة في عدد الجنود أن ضيقت الخناق على بوكو حرام منذ العام 2015. فقد قفزت أعداد القوات المكلفة بعمليات مكافحة الإرهاب في شمال شرقي البلاد من 3 آلاف جندي عام 2012 إلى 8 آلاف في عام 2013، ثم بلغت 20 ألفًا عام 2014 لترتفع مع بداية عام 2015 إلى 25 ألفًا، لتصل في العام 2017 إلى ما بين 40 و50 ألف جندي(18). في الفترة الأخيرة، نجحت قوات الجيش النيجيري في حربها ضد الجماعة؛ حيث تمكنت من قتل عناصرها وتدمير قواعد التمرد وتعطيل شبكاته اللوجستية، بالإضافة إلى تحرير الرهائن. لكن الحكومة الفيدرالية لجأت أيضًا إلى التفاوض ودفع فدًى مقابل الإفراج عن 103 فتيات اختُطفن من مدرسة شيبوك عام 2017 و104 فتيات أخريات اختُطفن من مدرسة دابشي عام 2018، كما عرضت عفوًا عن عناصر بوكو حرام التائبين. وقد أثار سعي الحكومة إلى التفاوض مع المتمردين العديد من الانتقادات والسخرية والتشكيك من قبل الرأي العام. 

في الواقع، أثارت الطريقة والأسلوب الجريئان اللذان تمت بهما عملية اختطاف تلميذات مدرسة دابشي ومن ثم عملية تحريرهن الناجحة لاحقًا وإعادتهن إلى أهاليهن في وضح النهار وسط هتافات الإعجاب من قبل السكان المحليين، مخاوف عدة. وفي مارس/آذار 2018، أطلقت أعرق الصحف النيجيرية، الغارديان، استفتاء على موقعها الرقمي لاستطلاع الرأي العام حول تحرير فتيات مدرسة دابشي، وطرحت على المُستفتى آراؤهم فيما يتعلق بتحرير 101 فتاة الاختيار بين الخيارات التالية: (أ) مساندة حكومة الرئيس بخاري، أو (ب) مساءلتها، أو (ج) إعادة انتخابها، أو (د) إقالتها. وتُظهر البيانات في الرسم البياني رقم 2 نتائج 464 من المستطلعة آراؤهم إلى حدود الساعة 3:50 في عصر ذلك اليوم. 

الرسم البياني رقم (2) يوضح رد فعل الرأي العام على عملية المفاوضات التي أُطلق على إثرها سراح فتيات مدرسة دابشي المختطفات

تعكس حقيقة أن أكثر من 37%من المستطلعة آراؤهم صوَّتوا على ضرورة مساءلة الرئيس بخاري و33% صوتوا على إقالته، مشاعر الإحباط العميق من حكومته، وتعبِّر بصراحة عن مشاعر التشكيك أكثر من مشاعر تقدير جهود الحكومة. 

أخيرًا، أسهم التعاون الدولي المقدَّم في تراجع مستوى عنف بوكو حرام؛ فقد أعلنت نيجيريا الحرب على بوكو حرام وأطلقت حملة عسكرية واسعة النطاق ضدها في 2013، فالتحقت دولة الكاميرون بتلك الحملة في 2014 ثم النيجر وتشاد في 2015، وفي العام 2015 بلغ عدد القوات التي حشدتها هذه البلدان الثلاثة لمواجهة بوكو حرام حوالي 15 ألف جندي. ثم شكَّلت البلدان الأربعة، مع جمهورية بنين، قوات مشتركة متعددة الجنسيات قوامها 8.700 جندي نفَّذت عام 2016 دوريات للحد من أنشطة المتمردين العابرة للحدود. وقد تلقت دول المواجهة دعمًا استخباراتيًّا ومساعدات مالية محدودة، بالإضافة إلى إمدادات بالسلاح من مختلف بلدان العالم لدعم قدرات قواتها في مكافحة المتمردين. 

خاتمة 

درس هذا التقرير خط نهج بوكو حرام العنيف، وكيف أثَّرت مختلف الديناميات التي حكمت مقاربات المجتمع والدولة والمجتمع الدولي في صعود وتراجع الجماعة. وبالرغم من الادعاءات المتكررة حول تدهور قدرات بوكو حرام القتالية وتحجيمها وهزيمتها، فإن الجماعة استطاعت أن تكون مادة أبرز عناوين وسائل الإعلام بتنفيذها سلسلة من الهجمات على أهداف عسكرية ومدنية على حد سواء. 

بالمقارنة مع ما كانت عليه عمليات بوكو حرام، فقد يكون تحجيم قدراتها على فرض السيطرة على الأرض وشل قدرتها على تنفيذ هجمات واسعة النطاق من أبرز المؤشرات القابلة للقياس على تراجع الجماعة. لكن من الصعب التكهن بما إذا كان هذا التراجع نهائيًّا أم مؤقتًا، لكنه يجب أن يبقى قضية مثيرة لقلق الحكومات في منطقة بحيرة تشاد. وفي الوقت الذي تتصاعد فيه الضغوط ضد تنظيم الدولة الإسلامية في معاقله في العراق وسوريا وليبيا، فإن منطقة الساحل والصحراء قد تكون وجهة جاذبة للمقاتلين الأجانب الذين يحتمل التحاقهم بأي من فصائل بوكو حرام مستقبلًا. إذا ما تحقق مثل هذا السيناريو، فإن ذلك التراجع المزعوم قد يبدو مؤقتًا وليس نهائيًّا. 

تحتاج الحكومة النيجيرية، في سعيها لمنع عودة بوكو حرام إلى سابق نشاطها، إلى الاستثمار الجدي في التنمية البشرية خاصة في الشمال الشرقي للبلاد، ومعالجة أهم القضايا المهمة، التي شكلت منطلقات للتمرد، مثل الفقر والتهميش والعزل وغيرها من نقاط الضعف التي استغلها أصحاب أيديولوجيا التطرف لتجنيد المنتسبين والجنوح إلى التطرف. 

من المهم لقوات الأمن النظامية الاستمرار في تنفيذ عمليات مكافحة التمرد في إطار من المحاسبة والمهنية، مع مواصلة تطوير قدراتها في جمع المعلومات الاستخباراتية التي يمكنها تهيئة ردود فعل استباقية ومناسبة في توقيتها وفعاليتها. كما يجب توطيد ورفع مستوى التعاون بين نيجيريا ودول الجوار في مجال تبادل المعلومات الاستخباراتية وتسيير عمليات تمشيط ومراقبة على الحدود المشتركة. هذا، بالإضافة إلى ضرورة مواصلة وتوسعة مجالات دعم المجتمع الدولي للبلدان المعنية بمكافحة الإرهاب في بحيرة تشاد.

___________________________________

فريدوم أونووها، أستاذ محاضر أول في قسم العلوم السياسية في جامعة نسوكا النيجيرية

صامويل أويوول، أستاذ محاضر في قسم العلوم السياسية في الجامعة الفيدرالية أويي إيكيتي، ولاية إيكيتي، نيجيريا

 

ملاحظة: أُعد النص في الأصل باللغة الإنجليزية لمركز الجزيرة للدراسات، ترجمة د. كريم الماجري إلى اللغة العربية.

ABOUT THE AUTHOR

References

1 - Institute for Economics and Peace, Global Terrorism Index, (IEP, New York, 2015).

2 - Tukur, Sani, “Shocking Revelation: 100,000 killed, two million displaced by Boko Haram Insurgency, Borno Governor Says”, Premium Times, 13 February 2017.

3 –Onapajo, Hakeem, “Has Nigeria Defeated Boko Haram? An Appraisal of the Counter-Terrorism Approach under the Buhari Administration”, Strategic Analysis, 41(1), (2017), p. 61-73.

4 – Amusan, Lere and Oyewole, Samuel, “Boko Haram terrorism in Nigeria: A Reflection on the Failure of Democratic Containment”, Politeia, 33 (1) (2014), p. 35-59.

5 - Onuoha, Freedom, “The Islamist challenge: Nigeria’s Boko Haram crisis explained,” African Security Review, 19(2) (2010), p. 54-67.

6 - Oyewole, Samuel, and Onuoha, Freedom, “Boko Haram’s Abduction of Dapchi Schoolgirls: Context, Controversy and Concerns”, African Security Review (forthcoming).

7 – “Global Terrorism Database (GTD), 1970–2015”.

http://www.start.umd.edu/gtd

8 - “Rebuilding the North East: The Buhari Plan Volume I”, Prepared by the Presidential Committee on the North East Initiative (PCNI), June 2016

9 – Armed Conflict Location & Event Data Project (ACLED), 1997-2018”.

http://www.acleddata.com

10 - “Boko Haram destroyed one million houses, 5,000 classrooms, N1.9 trillion properties in Borno-Official”, Premium Times, 8 August 2017.

11 ACLED, 1997-2018

12 - Zenn, Jacob, “Leadership Analysis of Boko Haram and Ansaru in Nigeria”, CTC Sentinel 7(2), (2014), p. 22–29.

13 - Onuoha, Freedom, “Split in ISIS-Aligned Boko Haram Group,” Al Jazeera Center for Studies, Reports, 27 October 2016.

14 - Danjibo, N.D. Islamic Fundamentalism and Sectarian Violence: The ‘Maitatsine’ and ‘Boko Haram’ Crises in Northern Nigeria, (Institute of African Studies, Ibadan, 2009).

15 - Oyewole, Samuel, “Boko Haram: Insurgency and the War against Terrorism in the Lake Chad Region”, Strategic Analysis, 39(4), (2015), p. 428–432.

16 Tunde, “Govt must dialogue with Boko Haram, says Senator”, The Guardian, 27 December 2012, (Visited on 12 April 2018):

http://thenationonlineng.net/govt-must-dialogue-with-boko-haram-says-senator/

17 - Thurston, Alexander, Boko Haram: The History of an African Jihadist Movement, (Princeton University Press, New Jersey, 2017), p. 207.

18 - Oyewole, Samuel, “Making the Sky Relevant to Battle Strategy: Counterinsurgency and the Prospects of Air Power in Nigeria,” Studies in Conflict & Terrorism, 40(3), (2017), p. 211-231.