قُتل في الثلاثين من يونيو/حزيران 2019، في حيفا، سولومون تيكا (شاب إسرائيلي من أصول إثيوبية (يهود الفلاشا) يبلغ من العمر 19 عامًا) برصاص ضابط شرطة إسرائيلي كان حينها خارج الخدمة. ادعى الضابط أنه شهد شجارًا بين مجموعة من الشباب الإثيوبيين، بينما كان في نزهة برفقة أفراد أسرته، مضيفًا أنه تعرض لقذف بالحجارة على أيدي أولئك الشباب حينما حاول التدخل لفض ذلك الشجار. وقال الضابط، إنه وبدافع الخوف على سلامة أفراد أسرته أطلق الرصاص على الأرض، إلا أن الرصاصة ارتدت لتصيب تيكا بجروح قاتلة.
قبل بضعة أشهر، وتحديدًا في يناير/كانون الثاني 2019، قُتل شاب إثيوبي آخر يُدعى يهودا بيادغا (24 عامًا) خلال مواجهة مع قوات الشرطة. يُضاف هذان القتيلان إلى قائمة طويلة من الشبان ذوي الأصول الإثيوبية الذين تعرضوا لما تعتبره الجالية الإثيوبية إفراطًا في استخدام القوة والتنميط العنصري واعتقالات واسعة في صفوف أبناء الجالية، ومن ثم توجيه اتهامات جنائية تستهدفهم ناهيك عن وحشية الشرطة في التعامل معهم. وقد دفعت هذه الأحداث بآلاف من أبناء الجالية الإثيوبية، وبعض من مناصريهم وحلفائهم، إلى النزول إلى الشوارع في عدة "مدن إسرائيلية" شهدت موجة من الاحتجاجات تصاعدت في الثاني من يوليو/تموز 2019 لتتحول إلى مواجهات مع الشرطة. أغلق المحتجون الطرق في مدن عدة وأحرقوا إطارات السيارات واشتبكوا مع قوات الشرطة التي ردت عليهم بإطلاق قنابل الغاز المسيل للدموع وقنابل صوتية واعتقلت أعدادًا كبيرة منهم. خلَّفت تلك المواجهات أكثر من مئة جريح في صفوف رجال الشرطة و80 من المتظاهرين، بالإضافة إلى اعتقال أكثر من مئة متظاهر.
أثارت تلك الاحتجاجات مجددًا قضية التمييز ضد المجتمع الإثيوبي داخل إسرائيل، فعلى امتداد السنوات الماضية، ومنذ تسعينات القرن الماضي، توالت احتجاجات الجالية الإثيوبية ضد عدد من القضايا قامت على التمييز ضد الإسرائيليين من أصل إثيوبي. وبلغ الإحباط بسبب سوء المعاملة منتهاه خلال المظاهرات الأخيرة التي تمت تغطيتها إعلاميًّا على نطاق واسع، وقابلتها الحكومة الإسرائيلية بوعود بالتدخل عبر العمل على تغيير سياستها في هذا الصدد، وعملت على تخصيص تمويل لمعالجة بعض "المظالم" التي يعيشها المجتمع الإثيوبي/الإسرائيلي. ومع ذلك، فإن الإصلاحات والتدخلات السياسية لم تُثمر سوى بعض النتائج المحدودة.
هذا، وقد شكَّلت في السنوات الأخيرة، وفي كثير من الأحيان، وحشية الشرطة تجاه الشباب الإثيوبيين الحافز لهم على الاحتجاج، وهي تعكس حجم العنصرية المُمنهجة والراسخة في المجتمع الإسرائيلي، كما يقول الإسرائيليون المنحدرون من أصول إثيوبية، والتي يتعرضون لها بشكل يومي.
يسعى هذا التقرير(1) إلى تأطير الاحتجاج الأخير ضمن سياقه، وذلك عبر استكشاف واقع المجتمع الإثيوبي/الإسرائيلي الحالي بربطه بإشكاليات الحرمان الاجتماعي والاقتصادي في ضوء دورات التمييز الممنهج والتنميط العرقي الشامل من قبل مؤسستي الشرطة والقضاء، بالإضافة إلى استمرار نهج التهميش. وفي الوقت الذي اعتُرف فيه داخل إسرائيل بوجود تلك العقبات الهيكلية السائدة، وبينما تواصل الحكومة الإسرائيلية والجمهور الإسرائيلي التعبير عن درجة معينة من التضامن مع مطالب المجتمع الإثيوبي في إسرائيل، فإن حراك المجتمع الإثيوبي يكشف عن حجم -التحدي الأساسي- العنصرية والتمييز داخل المجتمع الإسرائيلي. وطالما بقي حراك الإثيوبيين من أجل مساواتهم في الحقوق مع باقي الإسرائيليين، ضمن إطار القضية اليهودية الداخلية، فإنه سيظل ضمن الشرعية (الإسرائيلية) وسيلقى الدعم الرمزي والمادي على حدٍّ سواء، من الحكومة الإسرائيلية ومن قبل غالبية الإسرائيليين أيضًا. أما إذا تم تأطير ذلك الحراك، مثلما فعل بعضهم خلال احتجاج يوليو/تموز 2019، عن طريق ربطه بالنضال من أجل المساواة في الحقوق المدنية والسياسية في إسرائيل -والذي يضم أيضًا المجموعات غير اليهودية مثل المواطنين من عرب فلسطين أو طالبي اللجوء السياسي- فإنه سيخسر دعم الكثيرين داخل إسرائيل.
تناقش خاتمة هذا التقرير مفارقة الإدماج -إدماج مختلف شرائح المجتمع- في إسرائيل. كما تجادل أيضًا بأن الربط بين الكفاح ضد العنصرية والمساواة بين مختلف المجتمعات المهمشة -اليهودية وغير اليهودية- يشكِّل تحديًا أكبر لحكومة بنيامين نتنياهو اليمينية المتطرفة والخطاب القومي الموغل في الإقصاء.
من الممكن أن تؤدي الاحتجاجات المحصورة في إطار طائفي (مجتمعي ضيق) إلى تحقيق تحسن تدريجي، وغالبًا محدود، في شروط عيش المجتمع الإثيوبي، لكن تلك الاحتجاجات لن يكون لها تأثير كبير في القضاء على جذور بنية وثقافة العنصرية عندما تكون هي ذاتها مؤطَّرة ضمن منطق المجموعات (اليهودية) المدمجة والمجموعات (غير اليهودية) غير المدمجة في المجتمع اليهودي في إسرائيل.
خلفية عن المجتمع الإثيوبي/الإسرائيلي
بدأ استقدام اليهود الإثيوبيين بأعداد متزايدة إلى إسرائيل منذ عقد سبعينات القرن الماضي. في العام 1973، اعتبر الحاخام عوفاديا يوسف، كبير الحاخامات السفارديم في إسرائيل في حينها، أن الجالية اليهودية في إثيوبيا -المعروفة باسم "بيتا إسرائيل" أو "الفلاشا"- هي يهودية على مذهب "الهالاخاه"؛ وبالتالي، فإن أتباع هذه الطريقة باتوا مؤهلين للاستقدام والحصول على الجنسية الإسرائيلية وفقًا لمقتضيات "قانون العودة الإسرائيلي". هذا، ويمكن تقسيم موجات الاستقدام إلى إسرائيل إلى ثلاث فترات: الفترة الأولى ما بين 1984-1985، عندما وصل حوالي 8000 إثيوبي كجزء مما سُمي بـ"عملية موسى" التي أطلقتها الحكومة الإسرائيلية حينها. ثم تلتها الموجة الثانية في الفترة ما بين 1990-1991 حيث تم نقل حوالي 20.000 شخص عبر رحلات بالطائرات إلى إسرائيل في العملية المسماة "عملية سليمان". أما منذ بداية الألفية الثالثة، فتراوحت معدلات الاستقدام ما بين بضع مئات إلى أكثر من 3000 شخص في العام الواحد(2). ثم ومع نهاية العام 2017، بلغ عدد المقيمين من أصل إثيوبي في إسرائيل 148.700 شخص، وُلد حوالي 59? منهم في إثيوبيا، بينما وُلد حوالي 41? منهم في إسرائيل لأب من أصل إثيوبي. (انظر الرسم البياني رقم (1) حول استقدام الإثيوبيين اليهود)(3).
الرسم البياني رقم (1): نسبة استقدام الإثيوبيين اليهود في الفترة ما بين 1984-2017.
الرسم البياني رقم (1): نسبة استقدام الإثيوبيين اليهود في الفترة ما بين 1984-2017 المصدر: الباحث |
تحديات بنيوية: الفجوات الاجتماعية والاقتصادية
في أعقاب موجات الاستقدام الكبيرة، ابتكرت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة مجموعة متنوعة من البرامج لاستيعاب المجتمع الإثيوبي وإدماجه في نسيج المجتمع الإسرائيلي. لكن، وبالرغم من تسجيل بعض التحسينات على الفرص والظروف الاجتماعية والاقتصادية للإسرائيليين المنحدرين من أصل إثيوبي، إلا أن الفجوة بينهم وبين بقية المجتمع اليهودي الإسرائيلي لا تزال هائلة. فعلى سبيل المثال، كان الإسرائيليون الإثيوبيون، بحلول عام 2016، أفقر فئات الشعب اليهودي المختلفة؛ حيث بلغت نسبة الأسر الإثيوبية/الإسرائيلية القابعة تحت خط الفقر 23?، بينما لم تتخط تلك النسبة معدل 13? لعموم السكان اليهود. المجموعة الوحيدة التي كانت أسوأ وضعًا هم مواطنو إسرائيل من العرب الفلسطينيين، حيث بلغت معدلات الفقر في أوساطهم حوالي 50?(4). أما من حيث مؤشر متوسط الدخل، فإن الإسرائيليين المنحدرين من أصول إثيوبية يأتون في أسفل السلم من بين السكان اليهود، حيث بلغ متوسط الدخل، في العام 2017، بين الرجال الإسرائيليين عمومًا 11.928 شيكل شهريًّا، مقابل 8.247 شيكل شهريًّا فقط للمواطنين من أصل إثيوبي (7.237 شيكل للرجال العرب). وينطبق الشيء نفسه على عمالة المرأة، حيث يبلغ متوسط الدخل 8.188 شيكل في الشهر، مقارنة بـ 5.568 شيكل للنساء من أصل إثيوبي (و3.707 شيكل للنساء العربيات)(5). (انظر الرسم البياني رقم 2 و2.1: متوسط الدخل الإجمالي العام وفقًا للإثنية والجنس)(6)
متوسط الدخل الإجمالي العام حسب الإثنية 2017 (الرجال) المصدر: الباحث |
متوسط الدخل الإجمالي العام حسب الإثنية 2017 (النساء) المصدر: الباحث |
يمثِّل التحصيل العلمي مؤشرًا آخر يعكس الفجوات القائمة بين عموم "السكان الإسرائيليين" والإسرائيليين من ذوي الأصول الإثيوبية. فبالرغم من تسجيل منحى تصاعدي بين طلاب المدارس الثانوية من الإثيوبيين، إلا أن أعدادهم لا تزال أقل بالمقارنة مع نظرائهم من الإسرائيليين الآخرين. فعلى سبيل المثال، في العام 2008، حصل حوالي 35? فقط من الطلاب الإثيوبيين على شهادة الثانوية العامة، ومع أن تلك النسبة ارتفعت لديهم في العام 2017 لتبلغ 61.9?، إلا أن معدل النجاح بين عامة السكان في تلك السنة بلغ مستوى 78.7?. وتزداد الفجوة اتساعًا عندما يتعلق الأمر بشروط الالتحاق بالجامعة. ففي العام 2017، استوفى 39.7? فقط من الطلاب المنحدرين من أصول إثيوبية شروط الالتحاق بالجامعة، في حين كان المعدل بين عموم السكان 68.6? (انظر الرسم البياني رقم 3 أدناه).
الرسم البياني رقم 3 (7) حول التحصيل العلمي.
الرسم البياني رقم 3 (7) حول التحصيل العلمي. المصدر: الباحث |
ترسم المؤشرات الاجتماعية الأخرى صورة مماثلة للتهميش الذي يلاقيه المجتمع الإثيوبي، فعلى سبيل المثال، تتجاوز معدلات الطلاق في المجتمع الإثيوبي ضعف معدلات الطلاق بين عموم السكان اليهود، كما أن نسبة العائلات المكونة من عائل واحد تزيد أيضًا عن ضعف النسبة المسجلة بين عامة السكان (& و12% على التوالي). ولا يزال المجتمع معزولًا جزئيًّا حيث إن 88? من الزيجات هي بين أفراد المجتمع الإثيوبي، كما أن غالبية الإثيوبيين يعيشون في أحياء غالبية سكانها إثيوبيين وبشكل ما مفصولين اجتماعيًّا.
التمييز والتنميط
يمكن أن تُعزى بعض الثغرات، فيما يتعلق بالظروف الاجتماعية والاقتصادية، إلى صعوبات الهجرة والانتقال من نظام الاقتصاد الريفي إلى نظام اقتصادي نامٍ في بلد متقدم. غير أن السبب الرئيسي الآخر يكمن في فشل السياسات الإسرائيلية وسوء إدارتها لعمليات الاستيعاب والإدماج داخل المجتمع(8). ومن دواعي زيادة قلق المجتمع الإثيوبي هو وجود الكثير من الأدلة التي قدمها المجتمع الإثيوبي نفسه، بالإضافة إلى معاهد البحوث والمنظمات غير الحكومية والهيئات الحكومية، التي تبين أن الإثيوبيين/الإسرائيليين تعرضوا للتمييز الهيكلي والثقافي. وهذا التمييز، بمختلف أنواعه، يمكن ملاحظته في الحلقات المتكررة من سوء المعاملة وكذلك في الإحصاءات المتعلقة بالشرطة، واستهداف المحاكم غير المتناسب لأفراد المجتمع الإثيوبي.
التمييز الهيكلي: في العام 2016 صدر أمر حكومي بإنشاء اللجنة الوزارية المشتركة المعنية بالقضاء على العنصرية ضد الإسرائيليين المنحدرين من أصول إثيوبية، وأصدرت تلك اللجنة، التي ضمت ممثلين عن الوزارات الحكومية والهيئات العامة والهيئات غير الحكومية والنشطاء الاجتماعيين وممثلين عن المجتمع الإثيوبي، تقريرًا، في يوليو/تموز 2016، راجعت فيه بعض أشكال التمييز الصارخة التي واجهها المجتمع الإثيوبي(9). فعلى سبيل المثال، وحتى قبل استقدامهم إلى إسرائيل، كانت الجالية اليهودية الإثيوبية تمثل محور نقاش حول صحة هويتها اليهودية، حيث تساءل بعضهم، داخل المؤسسة الحاخامية الإسرائيلية، عما إذا كان المجتمع الإثيوبي يهوديًّا أصيلًا وفق القانون اليهودي.
فبُعيد قدومهم إلى إسرائيل، واجهت شريحة كبيرة من المجتمع الإثيوبي تمييزًا شديدًا من قبل الحاخامات، وطُلب من الكثير منهم إعلان "اعتناقهم" اليهودية رمزيًّا وإرسال أبنائهم إلى المؤسسات التعليمية الدينية الأرثوذكسية. ويشكو المجتمع الإثيوبي من عدم معاملتهم باحترام ومن التمييز ضدهم في الخدمات الدينية مثل الزواج (إذ لا يزال الزواج والطلاق في إسرائيل خاضعًا لسيطرة حصرية للمحاكم الدينية)، ولا يزال الزعماء الدينيون -المسمون قسيم- وكذلك الحاخامات الأرثوذكس من أصل إثيوبي يواجهون، ومنذ فترة طويلة، رفض الاعتراف بهم ويعانون من التمييز ضدهم من قبل المؤسسة الحاخامية.
هذا، وقد كُشف النقاب في العام 1996، عن قيام منظمة "ماغن ديفيد أدوم" الإسرائيلية (وهي منظمة توازي منظمة الصليب الأحمر) بالتخلص سرًّا من الدم الذي جُمع من متبرعين إثيوبيين، وذلك بسبب خوفها من تلوثه بفيروس "نقص المناعة" الذي قالت: إنه منتشر بكثرة بين "المهاجرين" المنحدرين من أصول إفريقية. وكذلك استمر هذا النهج لاحقًا، حيث لم يُقبل تبرع بالدم من أشخاص وُلدوا قبل عام 1977 في إفريقيا وشرق آسيا ومنطقة البحر الكاريبي حتى عام 2017 على الأقل، قبل أن يتعرض هذا السلوك للانتقاد.
وأصبحت مؤسسة الرعاية الصحية محور جدال آخر في عام 2013 عندما زعمت تقارير إعلامية أن النساء الإثيوبيات خضعن لعمليات حقن بموانع للحمل خلال فترة إقامتهن في معسكرات انتقالية داخل إثيوبيا، وكذلك بعد قدومهن إلى إسرائيل على حد سواء، وأن ذلك تم دون أن يُقدَّم لهن شرح للآثار الجانبية أو البدائل الممكنة ودون الحصول على موافقتهن المسبقة. ومن بين الممارسات العنصرية الصارخة الأخرى أيضًا: عمليات فصل النساء الإثيوبيات عن النساء غير الإثيوبيات في أجنحة معينة للأمومة في المستشفيات أثناء عمليات التوليد -وهي ممارسة نددت بها وزارة الصحة عام 2016- وامتناع بعض المدارس عن قبول الطلاب الإثيوبيين فيها؛ وارتفاع معدلات إحالة الأطفال الإثيوبيين إلى مؤسسات تعليمية خاصة أو مدارس داخلية. أما فيما يتعلق بالتوظيف، فقد تبين من مسح أجرته لجنة تكافؤ الفرص في التوظيف عام 2013 وشمل 400 من أرباب العمل، أن استعداد أصحاب العمل لتوظيف الإثيوبيين/الإسرائيليين هو الأقل مقارنة باستعدادهم لتوظيف جميع السكان الآخرين، إذ بلغ 5.6% فقط. وفيما يتعلق بالإعلام، وجدت الدراسات نقصًا كبيرًا في تمثيل الصحفيين الإثيوبيين داخل المؤسسات الإعلامية، وسجلت أيضًا نقصًا واضحًا في التقارير الإعلامية المهتمة بقضايا المجتمع الإثيوبي اليهودي، إلى جانب انتشار مخيف للصور النمطية والمسبقة عندما تتم تغطية قضايا تتعلق بالمجتمع الإثيوبي من قبل وسائل الإعلام(10).
- التنميط العرقي والضبط الأمني: حثَّ إسرائيليون إثيوبيون في السنوات الأخيرة مجتمعهم مرارًا على الاحتجاج على وقائع وحالات رأوا فيها استهدافًا من قبل الشرطة للشبان الإثيوبيين، حتى إنه قد سبق الاحتجاج الجماهيري الأخير في يوليو/تموز 2019 احتجاجات أخرى، من أهمها تلك المظاهرات التي خرجت ما بين أبريل/نيسان ويونيو/حزيران 2015 (11). حيث انتشر حينها تسجيل فيديو يُظهر شرطيًّا ومتطوعًا في الشرطة وهما يُبرحان جنديًّا إثيوبيًّا/إسرائيليًّا ضربًا، وهو ما دفع بالآلاف من الجالية الإثيوبية ومناصريهم إلى النزول إلى الشوارع، وانتقد المحتجون "وحشية الشرطة" ضد المجتمع الإثيوبي، وانتقدوا كل أشكال التمييز الأخرى وسوء معاملة الدولة والمجتمع الإسرائيلي لهم. في الواقع، ووفقًا لنشطاء، فقد مات بين عامي 1997 و2019، ما لا يقل عن 11 إثيوبيًّا/إسرائيليًّا بسبب مواجهات مع الشرطة -قُتل بعضهم مباشرة على أيدي رجال الشرطة وآخرون انتحروا على إثر سوء معاملتهم من قبل قوى "إنفاذ القانون"(12).
أنشئت في أعقاب احتجاجات العام 2015، اللجنة الوزارية المشتركة للقضاء على العنصرية ضد الإسرائيليين من أصول إثيوبية، بغية جمع معلومات عن حالات التمييز وتقديم توصيات للتدخل في هذا الخصوص. وقد أكدت بيانات اللجنة ادعاءات المجتمع الإثيوبي حول إفراط الشرطة في استخدام القوة. كما وجدت اللجنة أن "النسبة المئوية للقضايا الجنائية المرفوعة ضد مواطنين من أصل إثيوبي وعدد لوائح الاتهام الموجهة إليهم غير متناسبة، وبشكل غير طبيعي، مع نسبتهم ضمن عدد سكان البلاد. و"بينما يشكِّل الإثيوبيون 1.6? من إجمالي السكان، وحوالي 2? من السكان القصر، فإنه في العام 2014-2015 كانت نسبة 3.2? من جميع السجلات الجنائية مفتوحة ضد إثيوبيين/إسرائيليين. وعلاوة على ذلك، فإن ما نسبته 3.5? من لوائح الاتهام الجنائية في إسرائيل قُيدت ضد إثيوبيين. أما الوضع بالنسبة للقصر من الإثيوبيين فكان أسوأ؛ حيث كانوا يمثلون 7.6? من جميع السجلات الجنائية الجديدة التي تم فتحها ضد متهمين قُصر، و8.5? من جميع لوائح الاتهام المُقيدة ضد القصر عام 2015(13).
استجابة لتوصيات اللجنة، أُنشئ، في عام 2017، وحدة حكومية لتنسيق جهود مكافحة العنصرية، وكُلفت بـ"منع واستئصال العنصرية المؤسسية القائمة في المكاتب الحكومية والمؤسسات العامة، على أساس لون البشرة والعِرق والجنسية والدين واتجاه جميع الفئات المجتمعية في إسرائيل، وذلك عن طريق تغيير السياسات والممارسات التنظيمية بهدف تعزيز المساواة والتماسك الاجتماعي داخل دولة إسرائيل". واتفق على أن تكون مجالات نشاط اللجنة الثلاث على النحو التالي:
1. تلقي شكاوى من المواطنين الذين عانوا من حالات العنصرية المؤسسية أو كانوا شهودًا عليها، وإحالة تلك الشكاوى إلى السلطات المختصة ومراقبة سير التعامل مع الشكاوى.
2. العمل على تحقيق تغييرات منهجية من خلال "متابعة تنفيذ مختلف القرارات الحكومية المتخذة ضد العنصرية، وتحديد السياسات التي تنشئ أو تكرر أو تسمح بالعنصرية، والممارسات العنصرية التي تتطلب تغييرًا منهجيًّا، وقيادة هذه التغييرات في المكاتب الحكومية والقطاعات الخدمية العامة.
3. رفع منسوب الوعي والإدراك من خلال "تطوير المعرفة المهنية والقانونية والبحثية حول موضوع العنصرية، كأساس لتطوير التدريبات والمشاورات وعمليات التغيير في القطاعات الخدمية العامة وداخل مختلف وزارات الحكومة"(14).
أظهر تقرير نشاط الوحدة لعام 2018 أن المجتمع الإثيوبي لا يزال يتعرض لتمييز منهجي ولاستهداف من قبل الشرطة. فمن بين 230 شكوى عن ممارسات عنصرية وحالات تمييز تلقتها الوحدة في عام 2018 فإن ما نسبته 40% تقدم بها إثيوبيون إسرائيليون (و32? تقدم بها مواطنون عرب)، وقد شملت هذه الممارسات: حوادث التمييز في الحصول على الخدمات والتمييز في التوظيف والبيانات والمنشورات العنصرية وسلوك الشرطة والعنصرية في نظام التعليم. كما أظهرت بيانات الشرطة والتي جمعتها الوحدة عام 2018 انخفاضًا في عمليات الاعتقال وفتح السجلات الجنائية والتهم الجنائية المرفوعة ضد القصر الإثيوبيين، إلا أنها لا تزال بمعدلات غير متناسبة مع أعدادهم من مجموع السكان. وكشفت البيانات نفسها أيضًا أن عدد السجلات الجنائية التي تم فتحها والتهم الجنائية المرفوعة ضد البالغين الإثيوبيين قد زادت (انظر الشكلين 4 و4.1 أدناه)(15). وأكد التقرير على وجوب التغيير المنهجي في أربعة مجالات، وهي: التوظيف والتعليم والمؤسسة الدينية والشرطة. وفيما يتعلق بمعاملة الشرطة، رصد تقرير صادر عن جمعية اليهود الإثيوبيين في ديسمبر/كانون الأول 2018، زيادة بنسبة 20? في التهم الجنائية المرفوعة ضد مواطنين من أصل إثيوبي بين 2014-2017(16).
الرسمان البيانيان رقم 4 و4.1: بيانات الشرطة 2015-2018(17)
الرسمان البيانيان رقم 4 و4.1: بيانات الشرطة 2015-2018(17) المصدر: الباحث |
الإدماج والإقصاء وتناقضات مكافحة العنصرية في إسرائيل
ما يمكن استخلاصه ومن الوهلة الأولى، أن ما صدر من بيانات خاصة بالتمييز أو مكافحته يؤكد صحة الشكاوى المقدمة من المجتمع الإثيوبي وبشكل كبير. واعترافًا بهذه الحقيقة، كان رد فعل الجمهور والحكومة، على كل موجة من موجات احتجاجات المجتمع الإثيوبي في إسرائيل، داعمًا لها إلى حد كبير. وصحب ذلك اتخاذ إجراءات ملموسة، وإن كانت محدودة، لمحاولة إيجاد الحلول أو الاستجابة لقضايا محددة أثارت غضب المجتمع الإثيوبي/الإسرائيلي.
وهذا لا ينفي أن احتجاجات ما قبل عام 2019 التي شملت قطع طرق واشتباكًا مع الشرطة قد لقيت انتقادًا وامتعاضًا من قبل عامة الناس، ولكن فقط القليل عارض تعبير المجتمع الإثيوبي عن شكاواه "المُبررة"، وما جاء من انتقادات فقد تركز وإلى حد كبير على طريقة الاحتجاج نفسها. وفي الوقت الذي كان فيه التقدم بطيئًا للغاية، كما يتضح من تقرير وحدة تنسيق جهود مكافحة العنصرية، فإن تصريحات ممثلي الحكومة -بمن فيهم رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، ووزراء آخرون- عبَّرت دائمًا عن التعاطف مع المجتمع الإثيوبي. وقد سارع نتنياهو، في يوليو/تموز 2019، وكما فعل على إثر احتجاجات الإثيوبيين الإسرائيليين السابقة أيضًا، إلى التعبير عن دعمه للمجتمع الإثيوبي والتزامه بمحاربة حالات العنصرية ضدهم(18). وكما يلاحظ الباحث، ديفيد بارترام، فإن السياسات العلاجية المتبعة للنظر في شكاوى المجتمع "غالبًا ما فشلت في تحقيق الأهداف المعلنة، وهي تعمل فقط على مستوى رمزي كدليل على انتماء الإثيوبيين ... وهناك إجماع بين اليهود الإسرائيليين (بمن فيهم النخب السياسية) على انتماء الإثيوبيين إلى إسرائيل. وعادة ما تؤدي حالات العنصرية ضد الإثيوبيين إلى إدانة عامة فورية وواسعة النطاق وإلى عكس السياسات"(19).
ولكن، تؤكد هذه الردود أيضًا وجود تحديات تتصل "بالعنصرية" و"الإقصاء" من حيث المفهوم والممارسة، في سياق السياسة الإسرائيلية والنظام السياسي الإسرائيلي. فنفس السياسيين الذين ينتقدون العنصرية والتمييز ضد المجتمع الإثيوبي -مثل بنيامين نتنياهو ووزير الأمن العام، جلعاد أردان، ووزير العدل السابق، أياليت شاكيد، على سبيل المثال لا الحصر- نجدهم في نفس الوقت من بين أكثر المؤيدين للإقصاء والتمييز ضد المجتمعات الأخرى، وبشكل أكثر منهجية ضد العرب الفلسطينيين من "مواطني إسرائيل". إلى جانب تصريحاتهم العدائية الصريحة ضد المواطنين العرب الفلسطينيين في إسرائيل، فإن هؤلاء الأشخاص، تحت حكم نتنياهو، شجعوا على إشاعة مزاج عام معادٍ، بل وتبنَّوا أيضًا مشروع قانون يبرر التمييز ويضفي عليه طابعًا رسميًّا. ربما كان إقرار قانون أساسي عام 2018 يعتبر دولة إسرائيل الوطنية للشعب اليهودي هو أهم هذه القواعد وأبعدها مدى(20). هذا القانون التي حظي بتغطية إعلامية واسعة النطاق وغير مسبوقة، رفع من الطابع اليهودي للدولة مع تهميش المبادئ الأخرى المنصوص عليها في إعلان الاستقلال الإسرائيلي مثل الديمقراطية والمساواة بين جميع المواطنين بغضِّ النظر عن الدين والعرق والجنس. وقد نص القانون، على وجه الخصوص، صراحةً على تفضيل المستوطنات والمجتمعات اليهودية على المستوطنات غير اليهودية(21).
ما دامت الجالية الإثيوبية تؤكد على يهوديتها وانتمائها لـ "الأمة اليهودية"، فإن ظاهرة التمييز والعنصرية ستكون مكروهة من قبل السياسيين اليمينيين ومن عموم المناخ السياسي في إسرائيل، وواجبة الاستئصال، وستُستأْصَل في نهاية المطاف. وهذه الاستراتيجية الإثيوبية التي تشدد على الانتماء لإسرائيل من النادر أن توجد لدى الجماعات غير اليهودية في البلاد. في الواقع، وجدت دراسة أُجريت عام 2016 أن المواطنين الإثيوبيين والعرب يتبعون، في كل يوم جديد، استراتيجيات مختلفة للغاية لمواجهة التفرقة العنصرية والتمييز ضدهم، ففي حين "يعتبر الإثيوبيون أن ما يعايشونه يوميًّا من تفرقة عنصرية إنما هو جزء من وضعهم المؤقت كمجموعة هاجرت حديثًا من دولة نامية، ويتفاعلون وفقًا لذلك مع محاولات إثبات قيمتهم كأفراد وصولًا إلى استيعابهم في النهاية"، فإن الدراسة وجدت أن "الفلسطينيين ينظرون إلى الخط الفاصل بينهم وبين الأغلبية اليهودية على أنه محكم الإغلاق نسبيًّا، وبالتالي فإن محاولات إدماجهم بالكامل لن تكون مجدية في الغالب، ويرون في التضامن فيما بينهم وفي التعليم سبيلين لتحسين مكانتهم داخل المجتمع(22).
ومع ذلك، فقد بدأ بعض الشباب من الناشطين الإثيوبيين، في السنوات الأخيرة، يرون أن كفاحهم مشابه، بل ويمكن أن يتشابك أيضًا مع كفاح مجموعات أخرى غير يهودية في مواجهة العنصرية والتهميش المُمنهج، وذلك على غرار المواطنين العرب الفلسطينيين في إسرائيل وطالبي اللجوء الأفارقة. وعلى الرغم من أن هذه التفسيرات والأشكال المتقاطعة من النشاط لا تزال محصورة لدى أقلية في المجتمع الإثيوبي، إلا أنها تجعل الفروق الدقيقة والواضحة، بين الجماعات اليهودية والمجموعات غير اليهودية، بالغة التعقيد في سياق نظام الحكم الإسرائيلي (القائم على يهودية الدولة)(23).
ظهرت مفارقات وحدود مكافحة العنصرية، والعمل على إدراج الإثيوبيين في سياق ثقافة سياسية عنصرية مهيمِنة واستبعاد مجموعات أخرى -على وجه التحديد: المواطنون الفلسطينيون غير اليهود وكذلك المجموعات الأخرى مثل طالبي اللجوء الأفارقة- من خلال التعامل مع احتجاجات يوليو/تموز 2019، فبينما كان المتظاهرون الإثيوبيون الإسرائيليون يغلقون الطرقات الرئيسية ويشتبكون مع الشرطة، كان بعض السياسيين اليمينيين وشخصيات إعلامية يحاولون النيل من شرعية المحتجين من خلال ربطهم بالجماعات والمنظمات المطالبة بتعزيز الحقوق المدنية المتساوية للجميع (بما في ذلك حقوق المواطنين غير اليهود والمقيمين داخل إسرائيل). وقد ادَّعى عمدة القدس السابق وعضو الكنيست عن حزب الليكود الحاكم، نير بركات، أن "صندوق إسرائيل الجديد"، وهو مؤسسة تدعم الديمقراطية والمساواة في الحقوق داخل إسرائيل، "يذكي نيران" التظلم الإثيوبي(24). كما أشارت منصات وشخصيات يمينية أخرى -من ضمنهم يائير نتنياهو نجل رئيس الوزراء- أيضًا إلى تمويل الصندوق لإثيوبيين ومنظمات المجتمع المدني التي شاركت في المظاهرات، معتبرة أن الاحتجاجات كانت في الواقع غير شرعية ومسيسة، وأنها جزء من مؤامرة تستهدف الحكومة اليمينية(25). كان الادعاء يقوم، على وجه الخصوص، على ربط تلك المنظمات بين مطالب الجالية الإثيوبية وبين نضال الفلسطينيين العرب من أجل المساواة في الحقوق. أما الإعلامي، أفري جلعاد، الذي يعمل أيضًا مذيعًا رئيسيًّا في الحملة الإعلامية الحالية المناهضة للحركة العالمية لمقاطعة إسرائيل(BDS) ، فقد اقترح -مازحًا- أن يرتدي اليهود الإثيوبيون قبعات خاصة تسمح للشرطة بتمييزهم عن طالبي اللجوء الأفارقة غير اليهود، الذين ادعى أنهم جماعات إجرامية(26).
كان لربط الاحتجاج الإثيوبي بالمنظمات التي تدافع عن حقوق الجماعات الأخرى، غير اليهودية، تأثير سلبي على إدراك الشارع العام للاحتجاجات وعلى ردود الفعل تجاهها كذلك. هذا، وقد أبلغ مركز بيرل كاتزنيلسون، الذي يراقب خطاب الكراهية على وسائل التواصل الاجتماعي العبرية، عن ارتفاع حاد في خطاب الكراهية الذي يستهدف المجتمع الإثيوبي لدى السكان القريبين من موقع المظاهرات، كما ذكرت صحيفة جيروزاليم بوست أنه "في حين تمثل التعليقات العنصرية ضد الإثيوبيين/الإسرائيليين على وسائل التواصل الاجتماعي 1% فقط في المتوسط من مجموع ما رصده المركز من خطابات الكراهية، فإن الأسبوع الماضي شهد ارتفاع هذا الرقم إلى 40% مسجلًا أعلى ذروة له". وقد حدد المركز تسييس الاحتجاجات، من قبل السياسيين الذين ربطوا بين تلك الاحتجاجات وبين المنظمات اليسارية، كسبب لبلوغ منسوب خطاب الكراهية ذروته. وقالت نائبة رئيس المركز: إن "السبب في وجود مستوى منخفض عمومًا من الكراهية عبر الإنترنت ضد المجتمع الإثيوبي/الإسرائيلي حتى الآن هو أنه كان يُنظر إلى تلك الاحتجاجات دائمًا ضمن اعتبارات غير سياسية، وأن الإثيوبيين اليهود جزء أصيل من المجتمع الإسرائيلي". غير أن نائبة رئيس المركز أوضحت أنه "تم في هذا الأسبوع كسر الحدود، ووجد المجتمع الإثيوبي نفسه خارج حدود إسرائيل ليلتقي مع العرب واليساريين، بل وحتى مع الدروز"(27).
خاتمة
لا يمكن إنكار أن قضية الجالية اليهودية الإثيوبية في إسرائيل كانت نتيجة إخفاق سياسة الحكومة وسياسة التمييز المنهجي على حد سواء. من الواضح أن البيانات المتاحة من جانب الهيئات الحكومية ومعاهد البحوث والمنظمات المجتمعية تكشف الفجوات الاجتماعية والاقتصادية الحادة القائمة بين المجتمع الإثيوبي وبقية السكان اليهود في إسرائيل، فضلًا عن الاستهداف المباشر وغير المتناسب من قبل الشرطة والنظام القضائي للجالية الإثيوبية اليهودية في إسرائيل، وحالات العنصرية الصريحة والتمييز المتعمد ضد أفراد المجتمع الإثيوبي من قبل مؤسسات الدولة وأرباب العمل ورجال التعليم ووسائل الإعلام حتى في المعاملات اليومية وعلى مستوى الأفراد. وكونه يهودي الانتماء فإن المجتمع الإثيوبي يعتبر جزءًا من الأمة اليهودية، وبالتالي فإنه يتلقى احترامًا ظاهريًّا، كما تُبذل جهود تهدف إلى تكامله وتحسين وضعه المهمَّش من قبل الحكومة القومية المتشددة الحاكمة حاليًّا ومن قبل المناخ السياسي القومي في إسرائيل على حدٍّ سواء. ومع ذلك، فقد كشفت احتجاجات يوليو/تموز 2019، بوضوح شديد، عن الطبيعة المعقدة لجهود مكافحة العنصرية ضد المجتمع الإثيوبي من قبل حكومة وثقافة سائدة ملتزمتين باستبعاد وتمييز مجموعات أخرى داخل النظام السياسي الإسرائيلي.
وما دام الإثيوبيون/الإسرائيليون يؤكدون على انتمائهم للأمة اليهودية -على سبيل المثال، بالتأكيد على معدلات مشاركتهم المرتفعة في الخدمة العسكرية وعلى مشاعرهم القومية وتضامنهم مع الأغلبية اليهودية في إسرائيل- فقد يستمرون في الحصول على مواقف تعاطف عامة ودعم معلن من الحكومة الإسرائيلية. من ناحية أخرى، وكما توضح ردود الفعل المسجلة تجاه الاحتجاج الأخير، فإنه إذا قام بعض أفراد المجتمع الإثيوبي نفسه، أو إذا قام السياسيون اليمينيون ووسائل الإعلام، بالربط بين نشاطات الإثيوبيين من أجل المساواة في الحقوق وضد سوء المعاملة من قبل الدولة وقوات الأمن التابعة لها وربط كل ذلك بحقوق الجماعات غير اليهودية، فإن الشرعية الممنوحة لمطالب المجتمع الإثيوبي يمكن أن تتأثر بشكل كبير.
من الممكن بالفعل أن تبدأ أعداد أكبر من المجتمع الإثيوبي في التعبير عن مكافحة العنصرية والتمييز بعبارات شاملة تؤكد أن المجتمع الطبقي الذي يعامل فيه الناس بشكل مختلف، بسبب العرق أو الدين أو الخلفية القومية، هو مجتمع عنصري بطبيعته، وحتى لو أن الاعتراف بوجود التمييز وتحقيق المساواة سيسير حينها ببطء. لقد بدأ هذا الاتجاه بالفعل بين بعض النشطاء داخل المجتمع الإثيوبي وقوبل بالتضامن من قبل جماعات حقوقية أخرى مناهضة للعنصرية ومطالبة بالمساواة في الحقوق. ومع ذلك، فإن رد الفعل المناوئ لهذا الربط جاء مكثفًا أيضًا ما قد يثني غالبية الإثيوبيين الإسرائيليين عن ربط مطالباتهم بمطالبات الآخرين.
والحال هذه، حتى لو تمكن المجتمع الإثيوبي من تحقيق مكاسب معتبرة على صعيد مؤشرات التقدم الاجتماعي والاقتصادي، وعلى صعيد معاملة الشرطة، والتمثيل في المؤسسات العامة، والتقبل داخل المجتمع الإسرائيلي، وبما يفوق بكثير ما حققه المواطنون العرب الفلسطينيون (حيث إن وضعهم في هذه المؤشرات حاليًّا متطابق إلى حد بعيد مع وضع المجتمع الإثيوبي)، فلن يكون ذلك بالضرورة انتصارًا على العنصرية. لأن فصل نضال المجتمع الإثيوبي اليهودي في إسرائيل عن النضال من أجل المساواة في الحقوق المدنية والسياسية للجميع، سيؤدي ببساطة إلى رفع مستوى هذا المجتمع بالنسبة إلى المجموعات الأخرى المهمشة، ويرتقي به إلى وضع أعلى بقليل ضمن الأغلبية المهيمنة، لكنه لن ينهي العنصرية في إسرائيل لأن مجموعات من المواطنين، لا ينتمون إلى الجسم الوطني الوهمي، ستظل على هامش المجتمع وستظل تواجه نفس أشكال التمييز التي يواجهها ويعاني منها المجتمع الإثيوبي/الإسرائيلي حاليًّا.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*ليهي بن شطريت، أستاذ مساعد، كلية دراسات الشؤون العامة والدولية- جامعة جورجيا.
ملاحظة: أُعِدَّ النص في الأصل لمركز الجزيرة للدراسات باللغة الإنجليزية وترجمه إلى العربية د. كريم الماجري.
(1) I would like to thank Anaya Rana for research assistance on this report.
(2) “The Integration of Ethiopian Immigrants in Israel.” Report by the Institute of Immigration and Social Integration, Ruppin Academic Center. August 2014, p. 2. https://bit.ly/2tqLbLy
(3) “The Ethiopian Population in Israel – Data in Celebration of the Sigd Holiday.” Israeli Central Bureau of Statistics. November 5, 2018. https://bit.ly/2JKiTVF
(4) “Risk of Poverty Report” Adva Center, February 2019. p.19-20. https://bit.ly/30J8teO
(5) “Social Report 2018” Adva Center. p. 24. https://bit.ly/2VmcbsD
(6) “Social Report 2018” Adva Center. p. 24. https://bit.ly/2VmcbsD
(7) “The Ethiopian Population in Israel – Data in Celebration of the Sigd Holiday.” Israeli Central Bureau of Statistics. November 5, 2018. https://bit.ly/2JKiTVF
(8) See for example: Offer, Shira. (2007) "The Ethiopian community in Israel: Segregation and the creation of a racial cleavage." Ethnic and Racial Studies 30.3 pp.461-480.
(9) Report by The Inter-Ministerial Committee for the Elimination of Racism against Israelis of Ethiopian Descent, July 2016. pp. 24-40. https://bit.ly/2XZcVJf
(11) On these developments in the Ethiopian community’s pattern of protest and political consciousness see Burstein, A. and L. Norwich (2018). "From a Whisper to a Scream: The Politicization of The Ethiopian Community in Israel." Israel Studies 23.2. pp. 25-50.
(12) Aderet, O. “The Ethiopian community counts 11 dead following confrontations with the police. These are their stories. Haaretz July 4, 2019. https://bit.ly/2Y08I8a
(13) Report by The Inter-Ministerial Committee for the Elimination of Racism against Israelis of Ethiopian Descent, July 2016. pp. 75-76.
(14) The Government Unit for Coordinating the Struggle Against Racism, 2018 Activity Report. p. 11. https://bit.ly/2W6vF8O
(16) “Statistical Analysis of Police Data 2014-2019,” IAEJ Report, December 2018. https://bit.ly/2Y7Byil
(17) Data from: The Government Unit for Coordinating the Struggle Against Racism, 2018 Activity Report. p. 49-56.
(18) For a selection of Netanyahu’s denouncements of racism against the Ethiopian community see: “Netanyahu: Tekah’s death is a tragedy but we will not tolerate violence.” Ynet, June 2, 2019. https://bit.ly/2NBR1ao ;“Netanyahu to the Ethiopian community: ‘We are fighting resolutely expressions of racism and discrimination.” Maarive. July 7, 2019. https://bit.ly/30U2Udl ;“Prime Minister Netanyahu convened the ministers’ committee for the advancement and integration of Israelis of Ethiopian descent.” The Prime Minister Office Website, September 17, 2018. https://bit.ly/2SxcHTG ;“Netanyahu at the ministers’ committee for the integration of Israelis of Ethiopian descent: ‘We will correct over-policing.’” JDN.co.il, June 2, 2015. https://bit.ly/2JIYYqi ;“Netanyahu: We will uproot police violence against the Ethiopian community.” Walla.co.il, May 4, 2015. https://bit.ly/2JWraon
(19) David Bartram (2011) “Migration, Ethnonationalist Destinations and Social Divisions: Non-Jewish Immigrants in Israel.” Ethnopolitics, 10:2, p. 124.
(20) Halbfinder, D. and I. Kershner (2018) “Israeli law declares the country the ‘nation-state of the Jewish People.’” New York Times, July 19, 2018. https://nyti.ms/2NWyIZH
(21) Full text of the Basic Law can be found on the Knesset website here: https://bit.ly/2Gn8v4Q
(22) Guetzkow, J. and I. Fast (2016) "How symbolic boundaries shape the experience of social exclusion: A case comparison of Arab Palestinian citizens and Ethiopian Jews in Israel." American Behavioral Scientist 60.2, p. 150.
(23) See for example the writings of Ethiopian-Israeli activist Efrat Yerdy: Yerday, E. (2017) “Recognising the discrimination Ethiopian Jews face in Israel is a step in the right direction.” Middle East Eye, March 31, 2017. https://bit.ly/30NjZFW
(24) Jeremy Bob, Y. (2019) “Is Barkat for or against the New Israel Fund?” Jerusalem Post, July 10, 2019 (link). https://bit.ly/2Y6XGsX
(25) For a few examples see: “Yair Netanyahu: Ethiopian community's protests funded by 'German Money'” Ynet, July 7, 2019. https://bit.ly/2LBco9P ;“Riklin: The media, leftist journalist and organizations are behind the protests.” Maariv, July 3, 2019 (link); https://bit.ly/2SuZzyB ;“The objective of the organization accompanying the Ethiopian protest: ‘A total alternative to the right.’” Makor Rishon July 4, 2019 (link); https://bit.ly/329GiHn ;Leftist organizations are behind the demonstrations,” Arutz 7, July 3, 2019 (link); https://bit.ly/2Z53Qew ;Left-wing groups accused of 'hijacking' Israeli-Ethiopian protests,” Israel Hayom, July 8, 2019. https://bit.ly/2JIZoNo
(26) “’You should wear a pointy hat: Statement by Avry Gilad about the Ethiopian community is raising a storm,’” Haaretz, July 4, 2019. https://bit.ly/32Lyls8
(27) Sharon, J. (2019) “Online incitement rises massively against Ethiopian-Israelis,” Jerusalem Post, July 9, 2019. https://bit.ly/2M4lYBC