الجيوبوليتيك الشيعي والمخيلة الجيوستراتيجية الإيرانية: مجالات التأثير وبناء النفوذ

تقدم الورقة ملخصًا لدراسة موسعة نُشرت في العدد الرابع من مجلة لباب، الصادرة عن مركز الجزيرة للدراسات، تبحث سؤالًا إشكاليًّا عن كيفية تشكُّل الجيوبوليتيك الشيعي اليوم، وهل هو ضرورة استراتيجية-دينية لإيران، أم حالة براغماتية لتوظيف المجتمعات الشيعية في خدمة أهدفها وسياساتها.
533b0a7263b44462ac0cdcbacb76c8b7_18.jpg
كان الاهتمام الأساسي للثورة الإيرانية عام 1979 هو بناء هيكل سياسي له امتدادات جغرافية خارج حدود إيران السياسية عبر عملية النمذجة والأدلجة السياسية (رويترز)

تشكَّلت الملامح الأولى للجيوبوليتيك الشيعي مع انتصار الثورة الإيرانية عام 1979، والذي استند إلى طبيعة النظام الثيوقراطي الديني بقيادة المرشد الأعلى للثورة الإيرانية، آية الله الخميني، ويمكن القول في هذا الإطار بأن الثورة الإيرانية من جهة، ونشوء حزب الله اللبناني من جهة أخرى، قد وضعا الجغرافيا السياسية الشيعية في صدارة المشهد السياسي الإقليمي والدولي، كما أعطت الخطابات الدينية-الثورية التي كان يرددها الخميني، والشعارات السياسية التي كان يرفعها قادة الحرس الثوري، قوة دفع كبيرة للمجتمعات الشيعية في العالم الإسلامي لتستشعر وجودها السياسي، والهدف من وراء ذلك هو تشكيل حركة شيعية عابرة للحدود الوطنية مرتبطة بدولة القلب المذهبي/إيران. 

إن الجيوبوليتيك الشيعي هو حالة معبِّرة للمجتمعات الشيعية بطبيعة جيوسياسية، فهو تعبير عن الجغرافيا الشيعية المؤثرة في علاقات القوة الدولية، عن طريق الدفع بالمجتمعات الشيعية إلى الارتباط بالمركزية الإيرانية، ومن ثم تشكيل قوة دولية صاعدة، كما عبَّر عن ذلك محمد جواد لاريجاني، من أن إيران قطب دولي يسعى إلى إعادة تشكيل النظام الدولي على أساس التعددية القطبية، أي إن الجيوبوليتيك الشيعي هو بالأساس مشروع جيوستراتيجي إيراني، يعكس طبيعة الافتراضات الجيوبوليتيكية التي نادى بها المفكر الاستراتيجي، هالفورد جون ماكيندر (Halford John Mackinder) في نظريته الجيوستراتيجية: قلب الأرض (The Heartland Theory)، وهي فكرة استعارتها الثورة الإيرانية لتشكيل مركزية شيعية في العالم الإسلامي، تستند بالأساس إلى إيران باعتبارها "دولة أم القرى"، ونظامها السياسي القائم على نظرية ولاية الفقيه المطلقة.

إن تشكيل حركة شيعية عابرة للحدود الوطنية وتعظيم المجالات الجيوستراتيجية للجيوبوليتيك الشيعي بعد الاحتلال الأميركي للعراق عام 2003، أجبرت إيران على تسخير مقدراتها الوطنية لتحقيق وجود خارطة شيعية متمايزة عن الخارطة السنية في العالم الإسلامي، وعلى الرغم من النجاحات الكبرى التي حققتها الاستراتيجية الإيرانية في جغرافيا ممتدة من أفغانستان حتى شمال إفريقيا، وذلك بفعل محركات فعلها الاستراتيجي والعسكري والاقتصادي والأيديولوجي، إلا أنها واجهت تحديات كبرى عطَّلت الجيوبوليتيك الشيعي بعض الشيء، والتي يأتي في مقدمتها الدور الإيراني في تصاعد حدة الصراعات الطائفية والمذهبية، والمنافسة الجيوبوليتيكية لإيران في العالم الإسلامي، وعلى الرغم من أن المشروع السياسي الإيراني هو مشروع استراتيجي من حيث الشكل، إلا أن جوهره هو مشروع عقائدي يهدف إلى احتواء العالم الإسلامي بدوله ومجتمعاته، سعيًا لبناء المجال الحيوي الإيراني.

تتمثَّل أهمية هذه الدراسة في كونها محاولة لإعادة قراءة الافتراضات الاستراتيجية الإيرانية المتعلقة بالجيوبوليتيك الشيعي، عبر البحث في طبيعة وواقع الأدوار الإيرانية، وانعكاسات ذلك بالنهاية على محصلة الفعل الاستراتيجي الإيراني، بما يتماشى مع دواعي تحقيق رؤية واضحة لطبيعة الأدوار الإيرانية الشاملة، لاسيما وأن إيران تُعَدُّ من القوى الأكثر تأثيرًا في الشرق الأوسط، وانعكاس طبيعة هذا التأثير على الخارطة الجيوستراتيجية الدولية. 

وفي ضوء ذلك تنطلق إشكالية الدراسة من تساؤلات رئيسة عدة، وهي: 

- كيف تَشَكَّل الجيوبوليتيك الشيعي اليوم؟ وكيف شَكَّل ضرورة لبناء المجال الحيوي الإيراني؟

- هل يُشَكِّل الجيوبوليتيك الشيعي ضرورة استراتيجية-دينية لإيران، أم إنه مجرد حالة براغماتية لتوظيف المجتمعات الشيعية في خدمة أهدفها وسياساتها؟

في ضوء الإجابة على هذه التساؤلات المركزية، تذهب فرضية الدراسة إلى إعطاء نظرة شاملة عن الاستراتيجية الإيرانية في محاولة لاستكشاف كل الجوانب الصريحة والضمنية التي تُشَكِّل ملامح الاستراتيجية الإيرانية في إطار الجيوبوليتيك الشيعي.

ومن أجل التوصل إلى فهم واضح للمقتربات العامة التي تُشكِّل افتراضات الجيوبوليتيك الشيعي، اعتمدت الدراسة على المنهج التاريخي للبحث في الدور الذي لعبته أيديولوجيا الثورة الإسلامية في بلورة الجيوبوليتيك الشيعي، ومنهج التحليل النظمي من خلال التطرق إلى الأنساق النظرية والفكرية التي أسهمت في بروز هذا الجيوبوليتيك. وأخيرًا المنهج الوصفي، وذلك عن طريق البحث في السياسات الإيرانية في إطار هذا الجيوبوليتيك، وقد فرضت مجالات الدراسة وأبعادها هذا التعدد المنهجي. 

في حين شملت هيكلية الدراسة عددًا من المحاور الرئيسة التي تمثِّل الإطار العام للبحث، عبر البدء بنظرة عامة وموجزة عن الإطار العام لهذه الدراسة، ومن ثم الإحاطة بالجزئيات التخصصية المتغيرة، التي تحيط بكل جوانبها على امتدادات الجيوبوليتيك الشيعي، ومن ثم مناقشة جدليات الحالة الإيرانية وتأثيراتها، ودورها في تشكيل المقاربات الاستراتيجية المطروحة لتحقيق الجيوبوليتيك الشيعي، وأخيرًا البحث في التحديات الكبرى التي تواجه هذا الجيوبوليتيك وأهدافه.

1. مدخل نظري عام لفهم الجيوبوليتيك الشيعي

شكَّل مفهوم الجيوبوليتيك الشيعي أحد أبرز التمثُّلات النظرية التي وصل إليها العقل الاستراتيجي الإيراني في القرن الحادي والعشرين، وتكفي الإشارة إلى أن الفكر الاستراتيجي الإيراني صاغ العديد من نظريات التمدد والهيمنة المستندة إلى مقومات القوة الجيوبوليتيكية الإيرانية في مختلف مراحلها التاريخية، والتي عبَّرت عن إمكانيات الفعل الاستراتيجي الطامح لبناء المجال الحيوي الإيراني. 

وفيما يتعلق بمفهوم الجيوبوليتيك الشيعي، نلحظ أن الباحث الفرنسي، فرانسوا توال (Francois Thual)، هو أول من استخدم هذا المفهوم عندما نشر كتابه باللغة الفرنسية بعنوان "الجيوبوليتيك الشيعي"، في عام 1995، وتمت ترجمته إلى الفارسية ونُشِر ثلاث مرات في إيران، من قِبل علي رضا قاسم أغا، عام 2000، وحسن سادو، عام 2001، وقطيون ياسر، عام 2003؛ إذ أشار إلى أن المذهب الشيعي مفهوم ذو طبيعة جيوبوليتيكية، على اعتبار أن مجالات الشيعة الجغرافية تؤثِّر على علاقات القوة في جميع أنحاء العالم. فعلى سبيل المثال، يتمتع الشيعة في الخليج العربي بأهمية جيوبوليتيكية، وذلك لوقوعهم على جغرافيا الطاقة العالمية، وهو أمر حيوي لبقاء العالم ونموه الاقتصادي، ومن ثم من الضروري أخذ التوزيع الجغرافي للشيعة ومواقعهم، وكذلك نوع معتقداتهم في الاعتبار، ويخلص إلى أن ظاهرة التشيع أصبحت في واقع الأمر محور الكثير من النزاعات الإقليمية والدولية؛ إذ يقيم معظم الشيعة في مراكز جغرافية سياسية حساسة في العالم، مما منحهم القدرة على القيام بأدوار مؤثرة، وذلك باستخدام الخلفية التاريخية الشيعية وتوزيعهم الجغرافي ومراكز قوتهم من وجهة نظر جيوبوليتيكية(1). 

كما قدمت الباحثة الإيرانية، مايل أفشار، تعريفًا آخر للجيوبوليتيك الشيعي في مقالة نشرتها في يونيو/حزيران 2004، بعنوان "الجغرافيا السياسية الشيعية"، وأشارت إلى أنه في مرحلة ما بعد الحرب الباردة، برزت نظريات نقدية جديدة، أخذت تدرس علم الجيوبوليتيك دراسة نقدية، "وبطرح نظرية صامويل هنتنغتون عن صدام الحضارات، رأينا عملية تسييس للهويات الثقافية والإثنية والدينية والجيوسياسية، وبما أن إيران تمثِّل الأساس للهوية الشيعية، يمكن اعتبارها إذًا مركزًا للعالم الشيعي"(2).

في حين تحدث الباحث الإيراني، محمد رضا حافظ نيا، عن الجيوبوليتيك الشيعي بقوله: إنه مفهوم محدد للبنية الإنسانية والمجتمع الديني الذي له هوية دينية شيعية في العالم، بمعنى الصراع الإنساني الشيعي في العالم، من أجل إعادة بناء الهوية والتماسك الديني على نطاق عالمي، وبناء المركزية الشيعية في العالم مستوحى من موقع القيادة الإيرانية؛ الأمر الذي أدى أيضًا إلى حساسية الهياكل الإقليمية المنافسة، وردود فعلها الحادة على الهيكل الشيعي، ويبدو أن التكوين الشيعي يواصل نضاله السياسي لتحقيق مكانته الطبيعية في الشرق الأوسط وجنوب غرب آسيا. ويضيف: يبدو أن مفهوم الجيوبوليتيك الشيعي مفهوم هجين، شأنه في ذلك شأن مفاهيم أخرى مثل الجيوبوليتيك السُّنِّي، والجيوبوليتيك الكاثوليكي، والجيوبوليتيك اليهودي، والجيوبوليتيك الهندوسي، والجيوبوليتيك الفرنكوفوني، وما إلى ذلك، على اعتبار أن جميع هذه المفاهيم مبنية على هياكل بشرية "دينية، عنصرية، عرقية، سياسية، طبقية ومكانية... إلخ"(3).

وبصورة عامة، يشير مفهوم الجيوبوليتيك الشيعي إلى أن إيران تشكِّل الركيزة الأساسية للعالم الشيعي ضمن إطار الجيوبوليتيك الإسلامي، وتأتي فكرة المركزية الشيعية هنا بنفس الصيغة التي طرحها المفكر الاستراتيجي، هالفورد جون ماكيندر، عندما صاغ نظرية قلب الأرض، التي تتكوَّن من نقطة مركزية هي أوراسيا، وتحيط بها مجالات حيوية أخرى مرتبطة بها، وهو ما يمكن تناوله في إطار الجيوبوليتيك الشيعي عن طريق العديد من النظريات الجيوبوليتيكية التي تم طرحها، والتي يأتي في مقدمتها نظرية "دولة أم القرى" التي طرحها لاريجاني، والذي اعتبر فيها أن إيران تشكِّل الركيزة الأساسية للعالم الشيعي، وهو في ذلك يؤطِّر لنفس الفكرة التي نادى بها ماكيندر عندما تكلم عن المنطقة المحورية في العالم. 

الشكل رقم (1) يوضح بنيوية الجيوبوليتيك الشيعي

 

ويرتبط مفهوم الجيوبوليتيك الشيعي بالعديد من المجالات الجيوستراتيجية الحيوية التي تحيط به، والتي تشكِّل امتدادات جغرافية للمجال الحيوي الإيراني، ويمكن تصنيفها إلى خمسة مجالات جيوستراتيجية، هي: "دول المحيط الشيعي، دول المجال الحيوي الشيعي، دول خاضعة لتأثير سياسة التشيع، دول خاضعة لتأثير العلاقة بين إيران والطرق الصوفية، دول الشتات الشيعي"، ولكل مجال من هذه المجالات الجيوستراتيجية أبعاد جغرافية محددة ومتداخلة في بعض الأحيان.

الشكل رقم (2) يبيِّن المجالات الجيوستراتيجية للجيوبوليتيك الشيعي

 

إن الجيوبوليتيك الشيعي على الرغم من حداثته، إلا أنه شكَّل هدفًا استراتيجيًّا لطالما عملت على تحقيقه الجمهورية الإسلامية في إيران، فكل الطروحات الفكرية التي نادى بها الخميني جاءت في إطار تحقيق هذا المسعى الاستراتيجي الإيراني، الذي يمثِّل في النهاية اللبنة الأساسية لتشكيل الإمبراطورية الشيعية العالمية، التي يقودها الولي الفقيه في إيران، فحتى فكرة ولاية الفقيه هنا تأتي ضمن سياق استراتيجي يهدف إلى إيجاد حالة ربط بين فكرة المركزية الشيعية العالمية-إيران، ومركزية صنع القرار-ولاية الفقيه، الذي يمثِّل مركز الشرعية السياسية في العالم الإسلامي الشيعي، مستندةً في ذلك إلى الظروف التاريخية والسياسية التي مرَّت بها أيديولوجيا الإسلام السياسي الشيعي في إيران(4).

لقد مرَّ الجيوبوليتيك الشيعي، وفقًا للتطورات الاستراتيجية التي شهدتها إيران، بثلاث مراحل أساسية، هي(5):

- المرحلة الأولى: ضعف الجيوبوليتيك الشيعي "منذ القرن التاسع عشر وحتى الثورة الإيرانية، عام 1979".

- المرحلة الثانية: إحياء الجيوبوليتيك الشيعي "من الثورة الإيرانية، عام 1979، وحتى عام 3200، تاريخ احتلال العراق".

- المرحلة الثالثة: صعود الجيوبوليتيك الشيعي منذ عام 2003 وحتى اليوم، وهو التاريخ الذي شكَّل بروز الهوية السياسية الشيعية في العراق، ورفع الضغط عن شيعة هذه الدولة الذين يشكِّلون ثلثي سكانها، ما أوجد فرصة للشيعة للوصول للسلطة وهو ما انعكس إيجابًا على شيعة المنطقة بالكامل، على نحو أدى إلى توسع النفوذ الإقليمي لإيران بعد احتلال العراق، وزيادة مطالب الشيعة في دول المنطقة تحت تأثير وضع العراق.

إن مفهوم الجيوبوليتيك الشيعي شكَّل إطارًا عامًّا لفهم التطور الكبير الذي أصاب الفكر الاستراتيجي الإيراني منذ انتصار الثورة في إيران، بحيث أصبح المخطط الاستراتيجي في إيران يدرس الحدود الجغرافية المحيطة بإيران وأبعادها المختلفة قراءة جيو-مذهبية تُمكِّنه من تحقيق أهداف الأمن القومي الإيراني، في بناء مركزية شيعية إيرانية في إطار العالم الإسلامي، الذي يشهد اليوم منافسة جيوبوليتيكية بين العديد من القوى الإقليمية الممثِّلة لمذاهب وأفكار إسلامية تختلف وتتفق مع الجيوبوليتيك الشيعي من حيث الأهداف والوسائل.

وبالتوافق مع ما تم ذكره في أعلاه، وجدت إيران نفسها ملزمة بالقيام بدور مركزي لإعادة صياغة الجغرافيا المذهبية في العالم الإسلامي، انطلاقًا من الأسس التي يقوم عليها الجيوبوليتيك الشيعي، بهدف بناء المجال الحيوي الشيعي الذي ستُشكِّل إيران مركز القلب بالنسبة له، والمجتمعات الشيعية الأخرى بمنزلة الأطراف، وهو ما يتوافق مع السياقات الجيوبوليتيكية التي نادى بها مفكِّرو الجيوبوليتيك في العصر الحديث، وعلى رأسهم فريدريك راتزل (Friedrich Ratzel)، ورودولف كيلين (Rudolf Kjellen)، وهالفورد جون ماكيندر، ونيكولاس سبيكمان (Nicholas J. Spykman).

2. في النظرية الجيوبوليتيكية الشيعية

إن عملية البحث في النظرية الجيوبوليتيكية الشيعية تُبرز العديد من النظريات والمشاريع الجيوستراتيجية الإيرانية ذات المغزى التوسعي الممتد خارج المدى الجغرافي الإيراني؛ إذ أعطى الموقع الجيوبوليتيكي لإيران ميزة جغرافية كبيرة، بحيث جعل منها همزة اتصال محورية للمجتمعات الشيعية بين شرق العالم وغربه، ووفق هذا المنظور فهي معنية بأن تكون نقطة الارتكاز للقلب المذهبي الذي يُغذِّي الأطراف، هذا فضلًا عن امتلاكها موارد ضخمة دعمت موقعها المذهبي الإقليمي والدولي؛ الأمر الذي جعلها مؤهلة لممارسة تأثير على المجتمعات الشيعية التي تعيش في إطار الجيوبوليتيك الشيعي.

1.2. نظرية القومية-الإسلامية

تمثِّل نظرية القومية-الإسلامية أولى النظريات التي طُرِحت في إطار التنظير للجيوبوليتيك الشيعي، وقد وضعها مهدي بازركان، أول رئيس حكومة في إيران، بعد نجاح الثورة الإيرانية بقيادة الخميني، وكان الهدف الرئيس من وراء طرح هذه النظرية هو إيجاد منافذ استراتيجية جديدة لإيران في إطار العالم الإسلامي؛ إذ نظرًا لطبيعة الشعارات الإسلامية التي رفعتها الثورة الإيرانية، فإن ذلك يعني بأن الطموحات التوسعية لإيران ستبقى حبيسة المجالات الحيوية الشيعية، دون أن تمتد إلى الدول ذات البعد القومي، والحديث هنا عن دول آسيا الوسطى والقوقاز وجنوب شرق آسيا، التي تشترك مع إيران في مشتركات قومية عديدة. إن بازركان، وعلى الرغم من عدم صمود نظريته أمام التيار المحافظ في إيران الذي كان يريد الإطاحة به، لتبنيه أفكارًا ليبرالية من شأنها التأثير على مناصبهم ونفوذهم، نجح في طرح نظريته في خضم المد الثوري الذي عاشته إيران بعد الثورة. 

2.2. نظرية تصدير الثورة الإيرانية

يرتبط مفهوم تصدير الثورة، كما عرَّفها الخميني، ارتباطًا وثيقًا بعالمية سُلطة ولاية الفقيه، وولاية الفقيه كما يؤمن بها ويفسرها، تفرض سلطانها على جميع الدول وتخضع لطاعتها الأمة الإسلامية، وتبسط نفوذها على الجميع، لا تلزم نفسها بأي قانون دولي، ولا يعنيها حرمة جوار أو معاهدة حدود، فلا سيادة تحول دون فرض الأمر الواقع، ولا استقلال يمنع عبور الولاية إلى الدول الأخرى. ويقدِّم مصطلح تصدير الثورة دلالات أخرى، فهو مرادف لكلمة "الفتح" في المفهوم الإسلامي، أي إعادة فتح بلاد الإسلام وإخضاعها بالقوة لحكم الولي الفقيه، وانطلاقًا من المهمة الإلهية المقدسة الملقاة على عاتق الولي الفقيه، فإن إقامة دولة الإسلام العالمية ضرورة شرعية لازمة، وهدف واقعي يتعيَّن النهوض لتحقيقه، ومن واجب الجمهورية الإسلامية في إيران أن تضم إلى أحضانها المسلمين أينما كانوا في هذا العالم، وتصدير ثورتها إلى كل أقاليمه(6).

3.2. نظرية دولة أم القرى

تشير نظرية "دولة أم القرى"، كما صاغها لاريجاني، في كتابه "مقولات في الاستراتيجية الوطنية الإيرانية"، إلى أن إيران ستكون مركز العالم الإسلامي، ومن ثم فهي تمثِّل الدولة القائدة التي تفرز زعيمًا تكون له السلطة والولاية على الأمة الإسلامية جميعًا، على اعتبار أن الدين يقتضي تشكيل أمة إسلامية واحدة، واختيار حكومة لتمثيل هذه الأمة، وعلى هذا الأساس ليس من مصلحة الأمة الإسلامية أن تبقى متفرقة، لأن الهدف هو الوحدة الإسلامية(7). ومن ثم فإن انتصار "دولة أم القرى-إيران" يُعَدُّ انتصارًا للأمة الإسلامية، وإن هزيمتها تمثِّل انهزامًا للأمة الإسلامية، فالحفاظ على "دولة أم القرى-إيران" يعني الحفاظ على نظام الحكومة الإسلامية، والذي يشمل كل أراضي الدولة الإسلامية الواحدة، والتي بسببها تشكَّلت "دولة أم القرى"، التي ستقود هذه الأمة(8).

4.2. نظرية دولة المهدي العالمية

على الرغم من قِدَم نظرية المهدوية، إلا أن الرئيس الإيراني السابق، محمود أحمدي نجاد، جعلها نظرية سياسية يتحرك منها؛ فقد اعتبر أن حكومته هي حكومة مؤقتة، تهيئ الأرضية المناسبة لقيام حكومة المهدي العالمية. ففي كلمة له أمام مؤتمر المهدوية في طهران، عام 2005، قال: "إن الجمهورية الإسلامية ونظام ولاية الفقيه ليس لهما أية مهمة أخرى سوى التحضير لإنشاء حكومة عالمية... إذ سيدير الإمام المهدي الكون عبر هذه الحكومة...."(9). وكانت رؤيته للحكومة الإسلامية تنطلق من أنها تمثِّل الأساس لدولة المهدي العالمية، والتي لابد لها من توفير جميع مقومات القوة لنهوضها ونجاحها، وإن عدم تحقيق هذه الأهداف يعني بقاءها كعقبات رئيسة أمام قيام حكومة المهدي العالمية. 

5.2. مشروع الشرق الأوسط الإسلامي-الإيراني

شكَّل مشروع الشرق الأوسط الإسلامي-الإيراني، الذي طرحته إيران بديلًا لمشروع الشرق الأوسط-الأميركي خلال فترة الرئيس الإيراني الأسبق، محمد خاتمي، أحدث المشاريع الجيوبوليتيكية التي تستهدف ربط المجتمعات الشيعية وباقي الحركات الإسلامية بدولة القلب المذهبي-إيران. ويمكن تعريف مشروع الشرق الأوسط الإسلامي-الإيراني بأنه "مشروع هيمنة إيراني باسم المذهب الشيعي ككل، الهدف منه انتزاع إيران للمبادرة التاريخية أو مهام القيادة الإسلامية في العالم الإسلامي، وبناء إطار مقاوم باسمهم على المستوى الإقليمي الواسع، الذي تعيش فيه شعوب إسلامية، وفي هذه الحالة يكون هدف استخدام تعبير الشرق الأوسط للتغطية على عملية بناء مجال حيوي مذهبي، يقوم على الهيمنة أو القيادة السياسية للدولة الإيرانية"(10).

3. انبعاث الجيوبوليتيك الشيعي والتوسع المذهبي الإيراني

إن انتصار الثورة في إيران، عام 1979، شكَّل البداية العملية للتحول الكبير الذي أصاب الفكر الاستراتيجي الإيراني؛ إذ ازدهرت الإمكانيات الكامنة داخل الإسلام السياسي الشيعي، واكتسبت الطروحات الجيوبوليتيكية للخميني قوة سياسية في إيران، وذلك نظرًا للموقع الجيوبوليتيكي المميز الذي تمتلكه إيران من جهة، ومن جهة ثانية لاحتوائها على احتياطيات هائلة من الطاقة في منطقة الخليج العربي وبحر قزوين، فضلًا عن تشكيلها ما يقرب من 40% من الشيعة في العالم، وهو ما جعلها مركزًا للعالم الشيعي من جهة ثالثة، ومن ثم فإن نجاح الثورة الإيرانية فيها كانت له آثار بعيدة المدى في العالم الإسلامي من جهة رابعة.

إن من الأسباب الرئيسة التي دفعت إيران للتحول من الجيوبوليتيك الإيراني إلى الجيوبوليتيك الشيعي، هي التطورات السياسية التي شهدها العالم الإسلامي، وتحديدًا في الدول التي تحتوي على مجتمعات شيعية بدأت تستشعر وجودها السياسي، وتناغمت مع الأجواء الثورية التي أنتجتها الثورة في إيران، وأعطت دفعة معنوية للمجتمعات الشيعية في البلدان الأخرى، كما هي الحال في لبنان والعراق وأفغانستان والبحرين والسعودية وباكستان، وهيَّأ الأجواء السياسية في هذه البلدان للخروج من حالة رفض العمل السياسي، والبحث عن فرصة لتصحيح الخطأ التاريخي الذي وقعوا فيه. وبعد هذا التطور السياسي النسبي الذي أصاب الجيوبوليتيك الشيعي، نجح الشيعة في معظم دول المنطقة العربية تدريجيًّا في لعب دور أكثر تأثيرًا، والمشاركة الفاعلة في الهياكل السياسية لهذه البلدان.

إن الإمكانات الجوهرية للإسلام الشيعي، ووجود عوامل سياسية مثيرة داخل هذا المذهب، مكَّنت من تقديم تفسير ثوري جديد للإسلام. ومن ناحية أخرى، فإن وجود معتقدات من قبيل الدفاع عن المستضعفين، والعدالة الاجتماعية، وسلطة الرجل الصالح، والوعد الإلهي بقدوم الإمام المهدي، وجميع هذه التفسيرات أعطت مفهومًا جديدًا للإسلام الشيعي، وقدَّمها الخميني على أنها الاستراتيجية التي ينبغي أن تُتبع من أجل إقامة الحكومة الإسلامية العالمية، وبناءً على ذلك بدأت المجتمعات الشيعية تنظم نفسها عسكريًّا وسياسيًّا في منطقة الشرق الأوسط، وهو ما لم يكن ممكنًا في مرحلة ما قبل الثورة في إيران.

ويشير مارتن كرامر (Martin Kramer) في كتابه "المقاومة الشيعية والثورة"، إلى أن المجتمعات الشيعية أنتجت، في الوقت الحاضر، بعضًا من أقوى مفاهيم التمرد الثوري، بحيث أصبح هناك اليوم حزام شيعي يغطي أجزاء من لبنان، وسوريا، والعراق، وأفغانستان، والسعودية، والكويت، والبحرين، وإيران، وباكستان والهند، وينقسم هذا الحزام إلى أغلبية-أقلية شيعية في بلدان مختلفة، وهو بحد ذاته يمثِّل تطورًا كبيرًا في استراتيجية المجال الحيوي الشيعي-الإيراني(11).

ونظرًا للخصائص الجيوبوليتيكية للبلدان الواقعة في إطار الجيوبوليتيك الشيعي، فقد تم وصف هيكلها الطبيعي والإنساني والديني والسياسي كوحدة نشطة وفعَّالة في النظام العالمي؛ إذ شغلت مواضيع مثل الموارد والسكان والموقع الاستراتيجي دول المنطقة عن قضايا عالمية مهمة، مثل الطاقة، والعمليات العسكرية والاستراتيجية، والصراعات والاتجاهات الدينية، والأمن الدولي والتجارة العالمية. فعلى سبيل المثال، يقع الشيعة في الخليج العربي في منطقة حساسة للغاية من الناحية الجغرافية والسياسية؛ إذ يؤدي الخليج العربي باعتباره أكبر مستودع للنفط في العالم، دورًا حاسمًا في المصير الاقتصادي العالمي، ومع ذلك فإن أهمية هذه المنطقة لا تقتصر على وجود مواردها النفطية والمعدنية الكبيرة، بل إن الدور السياسي للخليج العربي من حيث أهميته الأيديولوجية والجيوبوليتيكية والاستراتيجية واضح أيضًا.

وفي سياق ما تقدَّم، يقول غراهام فولر (Graham Fuller) في كتابه "الشيعة العرب، المسلمون المنسيون": من الناحية النظرية، يمكن للشيعة العرب إلى جانب إيران، أن يسيطروا على معظم موارد النفط في الخليج العربي، فإذا ما تمكن الشيعة من الوصول إلى مراكز مؤثرة للسلطة في منطقة الخليج العربي، عندها يمكن للمرء تحليل وفهم الحساسية من تصاعد الهوية الشيعية، ودورها في نجاح الجيوبوليتيك الشيعي(12). 

وتكشف نظرة عامة على الظروف الاقتصادية والسياسية والديمغرافية للمجتمعات الشيعية في العالم الإسلامي، أنه لا يوجد شيعة يتمتعون بالسلطة المطلقة في أي بلد باستثناء إيران، ويعيش معظمهم في حالة من الاضطراب الاجتماعي والسياسي، وقد أدى هذا الوضع إلى احتجاجات سياسية من قبل المجتمعات الشيعية، وتصاعدت هذه الاحتجاجات بدورها مع تصاعد الوعي الاجتماعي الشيعي. وفي هذا الصدد، كان للتطورات الإقليمية والدولية تأثير كبير على استمرار هذه الاحتجاجات، وعلى وجه الخصوص، فتحت الثورة في إيران وانتصارها آفاقًا جديدة للشيعة في العالم الإسلامي، وجعلتهم أكثر أملًا في الصراع من أجل تغيير الوضع الراهن.

4. الهوية الشيعية العابرة للحدود الوطنية والجيوبوليتيك الشيعي

إن التركيز البنائي على الهوية، وخاصة الهويات العابرة للحدود الوطنية مثل الهوية الشيعية، إلى جانب التفاعل بينها وبين مركز الجيوبوليتيك الشيعي-إيران، والبحث في بنية هذه الهوية وجوانبها المعيارية والثقافية في إطار النظام الدولي، له الكثير من الفوائد النظرية لوصف وشرح التطورات السياسية التي مرَّ بها الجيوبوليتيك الشيعي. ففي منطقة الشرق الأوسط، تتعرض الهويات العابرة للحدود الوطنية للخطر، مما يحد من سلوك الدولة، فالتحليل البنائي لصعود الشيعة في العالم الإسلامي، يشير إلى عملية تدريجية من أسفل إلى أعلى، أي من مراحل ما قبل الثورة إلى ما بعد نجاح هذه الثورة، بحيث أصبحت الهوية الشيعية اليوم قادرة على تغيير النظام الإقليمي عبر نشر هويات مذهبية جديدة في العالم الإسلامي عن طريق سياسات التشيع.

ويمكن القول هنا: إن هناك ثلاثة عوامل أسهمت في إحياء الشيعة في منطقة الشرق الأوسط، وهي: أولًا: تقوية الشيعة في لبنان والعراق، وثانيًا: تقوية الشيعة الآخرين في السعودية والكويت والإمارات العربية المتحدة، وثالثًا: صعود إيران السياسي والمذهبي. هذه العوامل الثلاثة عززت القوة الشيعية في الشرق الأوسط، ولعبها دورًا في معادلاتها الإقليمية والدولية؛ إذ أصبحت هناك علاقة منفعة متبادلة بين صعود مكانة إيران السياسية، وأدوار حلفائها في منطقة الشرق الأوسط، وهو ما عزَّز مكانة الهوية الشيعية في الساحة السياسية الإقليمية والدولية.

ونشير هنا إلى أن هناك اختلافات سياسية بين الهويات الشيعية في المنطقة حول كيفية الوصول للسلطة، ففي الوقت الذي وجد فيه الخميني أن السبيل الوحيد للوصول للسلطة هو الثورة، دعا العديد من الزعماء الدينيين الشيعة في العراق أتباعهم إلى الالتزام بقواعد الديمقراطية في سياق الصراع على السلطة بعد الاحتلال الأميركي للعراق عام 2003، والسبب الرئيسي في ذلك، هو وجود أغلبية شيعية في العراق، وكذلك فعل الشيعة في البحرين، في حين نجد أن حزب الله والحوثيين وجدا في العمل المسلح ضرورة ملحَّة لإثبات الهوية الشيعية في لبنان واليمن. 

وفي هذا السياق، من المهم التفريق بين النزعة الشيعية فوق الوطنية بوصفها تيارًا سياسيًّا، والتشيع فوق الوطني بوصفه هوية دينية، ولاسيما في حالات المواجهة مع الهوية السنية، أو المشتركات العقائدية التي تسهم في إعادة إنتاج تلك الهوية لجماعة متخيلة فوق وطنية، أو في المؤسسات الدينية التي تقوم بما يشبه الدور الذي تحدث عنه أنتوني سميث (Anthony Smith)، وهو يتناول وظيفة حراسة هوية الجماعة عبر إنتاج سياسات للتعامل معها(13). 

ويدخل في إطار الهويات الشيعية العابرة للحدود الوطنية بروز "محور المقاومة"، والذي كان يتشكَّل في بادئ الأمر من إيران والعراق وسوريا، ليتحول في مرحلة ما بعد الربيع العربي إلى محور يضم جماعات وحركات مسلحة غير دولتية إلى جانب الدول المذكورة، ولعل هذا التحول في نمط التفكير الأمني الإيراني، جاء نتيجة التحول في نمط توزيع مفردات القوة في الشرق الأوسط، على اعتبار أن ممارستها لم تعد مقصورة على الدول، خصوصًا بعد بروز العديد من الجماعات المسلحة مثل تنظيم "الدولة الإسلامية" وجبهة فتح الشام وغيرها، التي مارست السلطة والإدارة في مناطق نفوذها وسيطرتها سابقًا.

ومن ثم، فإن الدعم الإيراني للجماعات المسلحة في اليمن، والعراق، ولبنان وسوريا، يأتي ضمن توجه إيراني عام، بأن الضرورات الاستراتيجية في القرن الحادي والعشرين، تقتضي إجراء تحول في نمط العمل الاستراتيجي الإقليمي، وتوظيف المزيد من هذه الكيانات والتنظيمات، لسد الشواغر الاستراتيجية التي خلَّفها انهيار سيادة الدول -وتحديدًا في العراق وسوريا- على ترابها الوطني، وهو ما يشير إليه الانتشار الواسع لعدد الفصائل المسلحة في العراق على سبيل المثال، فضلًا عن تجنيد مجموعات أجنبية مثل ألوية "فاطميون" الأفغانية، وألوية "زينبيون" الباكستانية العاملة في سوريا، وتحظى كل هذه الجماعات بدعم شعبي واسع، لأنها تشكِّل غالبًا الجناح العسكري للحركات الاجتماعية التي برزت في البلدان التي تمتلك فيها إيران نفوذًا واضحًا على اختلاف مذاهبها(14).

فقد زادت جهود الحرس الثوري الإيراني لتشكيل حركة شيعية عابرة للحدود، تتألف من جماعات متشددة ونشطة في الشرق الأوسط وجنوب شرق آسيا، من تصلُّب الهويات الطائفية بعد قيام ثورات الربيع العربي، ثم جاءت الأحداث في سوريا والبحرين، التي ترافقت مع صعود تنظيم الدولة في العراق، والتدخل العسكري بقيادة السعودية ضد الحوثيين في اليمن، ليسهم في الشحذ الجماعي للهوية المذهبية في صفوف شيعة منطقة الشرق الأوسط، وقد لاحظ توبي ماثييسن (Toby Matthiesen) هذه الظاهرة المُنبثقة مما وصفه بـالمجال العام الشيعي؛ إذ انتشرت الرموز التي استُخدمت لإسباغ القداسة على الصراعات في سوريا والعراق "على نطاق واسع عبر وسائط التواصل الاجتماعي والأقنية الفضائية الشيعية.. ما عزَّز الهويات الطائفية العابرة للحدود الوطنية"(15).

لا شك في أن المذهب الشيعي محوري في السياسات الإيرانية الداخلية، بيد أن بصماته في الاستراتيجية الإيرانية الخارجية أقل وضوحًا، فالهوية الدينية ومعتقداتها تؤثِّر على المقاربة الإيرانية للسياسات الخارجية، لكنها لا تُمليها، فالدين عامل من العوامل العديدة التي ترفد السلوك الخارجي الإيراني، وغالبًا ما لا يكون احتسابه في صدارة الاعتبارات ولا حتى الثانوية منها، لأن إيران دولة مذهبية. صحيح أن السمة الشيعية لإيران قد تجعل القادة الإيرانيين أكثر استعدادًا لدعم الشيعة خارج إيران، لكن بالمقابل نجد أن الجماعات الشيعية الموالية لإيران هي الأخرى باتت تعتبر نفسها بالفعل رابطة عالمية تحت السلطة الرُّوحية والسياسية للمرشد الأعلى الإيراني، علي خامنئي، ومثل هذه الرؤى تبلورت بفعل وحدة الهدف في نزاعات المنطقة التي كلما طالت، أصبحت تستند أكثر إلى سياسات الهوية الطائفية، وهذا بدوره سيُعزز وينمِّي أكثر الروابط بين إيران ووكلائها في العالم الإسلامي(16).

5. الجيوبوليتيك الشيعي وطموح القوة العظمى 

وجدت إيران في تدخلها وانغماسها في شؤون دول العالم الإسلامي سبيلاً للتحول إلى "قوة عظمى"، وتجسد وثيقة تُعرف باسم "إيران 2005" هذا الهدف، وهي تُعتبر أهم وثيقة قومية وطنية بعد الدستور الإيراني عام 1979؛ إذ تضع التصورات المستقبلية للدور الإيراني خلال عشرين عامًا، والتي تهدف إلى تحويل إيران إلى نواة مركزية ودولة قائدة في منطقة جنوب غرب آسيا "أي المنطقة العربية تحديدًا، التي تشمل شبه الجزيرة العربية وبلاد الشام وسيناء"(17).

وتنص الوثيقة على أن إيران ستحظى بخصوصية على المستوى الدولي، وتتحول إلى قوة دولية، ومصدر إلهام للعالم الإسلامي، على أن ينعكس ذلك إقليميًّا في العام 2025، لتحتل إيران المرتبة الأولى في منطقة جنوب غرب آسيا اقتصاديًّا، وعلميًّا وتكنولوجيًّا، وتصبح نموذجًا مُلْهِمًا ولاعبًا فاعلًا ومؤثرًا في العالم الإسلامي، استنادًا إلى تعاليم الخميني وأفكاره، وبما يعكس هويتها الإسلامية-الثورية، وهو ما يتفق مع ما تم صياغته تحت اسم نظرية "دولة أم القرى"، التي ترى في إيران مركز العالم الإسلامي، وهي أساس الفكر التوسعي الناعم والصلب في الاستراتيجية الإيرانية، بناءً على أساطير دينية وتاريخية. ومن أجل ترجمة هذه الاستراتيجية على أرض الواقع، فإن إيران سعت إلى توظيف التطورات التي تشهدها المنطقة لصالحها، وحين اندلعت ثورات الربيع العربي نهاية عام 2010، حاولت استثمارها لصالحها، واعتبرتها امتدادًا للثورة الإيرانية، أو صحوة إسلامية في المنطقة العربية، كما أطلق عليها خامنئي(18).

إن التوجهات العامة لتحول إيران لقوة عظمى في العالم الإسلامي، كانت قد بدأت منذ اللحظات الأولى لنجاح الثورة في إيران، عن طريق إعلان مبدأ تصدير الثورة، وجعله الركيزة التي تتوكَّأ عليها إيران في تحركاتها الإقليمية، وسعت من ورائها إلى إعطاء زخم استراتيجي كبير لثورتها؛ إذ قسمت دول العالم إلى قسمين: مستكبرين ومستضعفين؛ إذ نظر الخميني ومن معه من قادة الثورة الجدد إلى دول الشرق الأوسط وتحديدًا دول الخليج العربي على أنها حليف لقوى الاستكبار العالمي، فدعا إلى تحويل مدينتي مكة المكرمة والمدينة المنورة إلى مناطق إسلامية دولية، ونُظِّمت على إثر ذلك مؤتمر دولي في لندن عام 1988(19).

ومن ثم، يمكن القول: إن إيران ولغرض فرْض مكانتها ضمن العالم الإسلامي، كانت قد وظَّفت البعد الديني في خدمة استراتيجيتها الإقليمية، وقد مهدت التنظيرات السياسية والفكرية للخميني الاستراتيجية الإيرانية لدور إقليمي تدخلي تكون الغاية النهائية منه تحول إيران إلى مركز للعالم الإسلامي، وهو ما عكسته نظرية "دولة أم القرى" على أرض الواقع، فالدعم السياسي والعسكري لقوى وأحزاب الإسلام السياسي الشيعي في الشرق الأوسط استند إلى الرؤية السياسية للخميني؛ إذ يمكن لإيران أن تنفذ بهدوء من خلال هذه الجماعات إلى المجتمعات الشيعية في دول العالم الإسلامي، ولتحقيق ذلك لم تكتف إيران بالتنظير السياسي، وإنما طوَّعت الجغرافيا والاقتصاد والقوة الناعمة أيضًا، فأصبحت مفردات القوة الإيرانية الشاملة في خدمة الجيوبوليتيك الشيعي. 

فقد عملت إيران على استغلال ما خلَّفه الاحتلال الأميركي للعراق من فراغ استراتيجي في منطقة الخليج العربي لفرض مكانتها كقوة إقليمية، بغية تحقيق طموحاتها الأيديولوجية وأطماعها في الهيمنة، وتخويف جيرانها كهدف على المدى القريب، ثم فرض سيطرتها على العالم الإسلامي كهدف على المستوى البعيد، وترى الولايات المتحدة الأميركية والغرب في هذا التوجه تحديًا لهما، وفي أكثر من موقع، لأن إيران ربما تسعى إلى تدشين نفسها كقوة عظمى إذا ما حدث تغيير جذري في ميزان القوة الإقليمي لصالحها(20).

خارطة رقم (1) توضح التوسع الإيراني بعد احتلال العراق(21)

 

لقد برز الحديث، وبشكل لافت، عن قوة الجيوبوليتيك الشيعي بعد احتلال العراق عام 2003، وقد تزامن ذلك مع وصول تيار سياسي شيعي إلى السلطة في العراق لأول مرة، وصمود حزب الله في حرب لبنان عام 2006، وتصاعد الأحداث الداخلية البحرينية عام 2011، وتمرد الحوثيين في اليمن عام 2014، والانغماس العسكري الشديد في الأزمتين العراقية والسورية بعد بروز تنظيم الدولة. وقد أثارت هذه الإجراءات الإيرانية مخاوف العديد من القوى العربية وعلى رأسها السعودية انطلاقًا من شواهد تاريخية وحديثة، وهو ما دفع هذه القوى إلى اتهام إيران بتبني أجندة توسعية في المنطقة العربية، تسعى إلى التأثير على الدول ذات التعددية المذهبية، بغية زعزعة استقرارها وإثارة الفتن والصراعات الطائفية، أضف إلى ذلك امتلاك إيران لخيوط اللعبة السياسية في العراق وسوريا ولبنان واليمن، ومحاولة توظيفها سياسيًّا واستراتيجيًّا خدمة لمشروعها المذهبي. وإذا كانت إيران قد تراجعت عن هدف تصدير الثورة بالأساليب الصلبة، فإن دبلوماسيتها الناعمة ما زالت تعمل على تحقيق الغاية ذاتها عن طريق تسخير الطائفة والمذهب؛ إذ ترمي من وراء ذلك إلى إقرار نموذج سياسي إسلامي إيراني في السياسة والحكم، للسيطرة على الخليج العربي، باعتباره السبيل الوحيد لقيام الحكومة الإسلامية العالمية(22).

فقد أظهرت إيران وعبر علاقاتها الاستراتيجية-المذهبية قدرة فعلية على فتح عدة جبهات إقليمية في آن واحد، فضلًا عن إعطاء نظامها السياسي فرصة التخلص من الضغوط الداخلية وتحديدًا الاقتصادية والاجتماعية، عن طريق إعادة ترجمة وإنتاج هذه الضغوط على شكل استراتيجية تدخلية تخدم مشروعها التوسعي في إطار المجال الحيوي الإيراني. إن إيران سعت نحو إعادة بناء دورها الدولي، مستغلةً بذلك جملة من المتغيرات التي شهدتها منطقة الشرق الأوسط، بما تملكه من إرث حضاري وثقافي وتأثير معنوي على جوارها الجغرافي، مكَّنها من استغلال ثقلها الجيوبوليتيكي لفرض نفسها كقوة إقليمية؛ إذ بات واضحًا أن التحرك الإيراني الجديد تجاه العالم الإسلامي كان بهدف الحفاظ على أمنها وبناء دورها الجديد فيه(23) بالشكل الذي يجعل الجيوبوليتيك الشيعي جزءًا من دورها الدولي الذي تطمح إليه.

6. التحديات الكبرى التي تواجه الجيوبوليتيك الشيعي

إن التحديات الكبرى التي تقف بوجه الجيوبوليتيك الشيعي لا تقل أهمية عن تلك التي تواجهها إيران اليوم، سواء أكان ذلك على مستوى النظام السياسي، أم على مستوى السياسة الخارجية، فلا يمكن تناول الحالة الإيرانية بصورة متجزئة، على اعتبار أن هناك تكاملًا استراتيجيًّا في طريقة التحرك الإيراني الخارجي. وعلى مستوى الجيوبوليتيك الشيعي، عملت الاستراتيجية الإيرانية على استخدام الكثير من نقاط قوتها في سبيل ترسيخ هذا الجيوبوليتيك فكرًا وتطبيقًا، وذلك بالاعتماد على مجموعة من ركائز القوة الجيوبوليتيكية الإيرانية، كالموقع الجغرافي والنظام السياسي، والقدرة الاقتصادية والعسكرية، والقوة السكانية، إلا أن جميع هذه الركائز لم تمكِّن إيران من تجاوز تحديات أخرى هي خارج إطار القدرة الإيرانية على التعاطي معها، ومن أبرز هذه التحديات: 

أولًا: تحدي الصراع في الجغرافيا الإسلامية

تشكِّل الجغرافيا الإسلامية الميدان الرئيس للجيوبوليتيك الشيعي؛ إذ شهدت هذه الجغرافيا حالة من الانغماس الدولي الذي أنتج بدوره العديد من الأزمات والإشكالات الاستراتيجية التي تعاني منها دول العالم الإسلامي، وتحديدًا أزمات الهوية والانتماء والصراعات العرقية والطائفية، وهو ما أدى بدوره إلى إنتاج أزمات على مستوى العلاقات البينية بين الدول الإسلامية؛ إذ تنظر القوى الدولية وتحديدًا الولايات المتحدة الأميركية إلى الجغرافيا الإسلامية باعتبارها جغرافية صراع واحتواء، وهو ما أشار إليه المفكر الاستراتيجي الأميركي، صامويل هنتنغتون (Samuel Huntington)، في كتابه الصادر عام 1993 بعنوان "صدام الحضارات"، والذي تحدث فيه عن الحضارة الإسلامية التي تمثِّل في نظره إحدى حضارات المواجهة؛ لأنها تحتوي في داخلها على مجموعة من القيم والأفكار التي ترفض الهيمنة الأميركية، ومن ثم ينبغي على الحضارة الغربية الممثلة بالولايات المتحدة الأميركية الاستعداد لمواجهة العدو القادم بعد الاتحاد السوفيتي وهي الحضارة الإسلامية، وهو ما أفرز بدوره عقبة أمام حركة الجيوبوليتيك الشيعي. 

كما أسهمت حالة الصراع الطائفي والمذهبي في الجغرافيا الإسلامية في إنتاج ما يسمى بـ"الجيوفوبيا الشيعية الصاعدة"، والرامية إلى ابتلاع الجغرافيا الإسلامية عبر سعي إيراني جاد لـ"أيرنة" العالم الإسلامي، وهو ما تؤكده أيديولوجيا الثورة في إيران، وعبر مجموعة من الآليات الاستراتيجية منها فكرة تصدير الثورة والدفاع عن المستضعفين، كما تبلورت الارتدادات الجيوبوليتيكية للصراعات الدولية على الجيوبوليتيك الشيعي عبر أطروحة "الهلال الشيعي" الذي وضع الجغرافيا الإسلامية، وتحديدًا السنية، أمام تحدي وجود تقوده إيران؛ الأمر الذي أدى إلى ردات فعل عكسية قادها العديد من الدول الإسلامية، ومنها السعودية اليوم، للوقوف بوجه هذا التحدي الوجودي الذي تمثِّله الاستراتيجية الإيرانية الشاملة.

ومن ثم، فإن خاصية الصراع التي شهدتها الجغرافيا الإسلامية منذ الاحتلال الأميركي للعراق عام 2003، وهو نفس التاريخ الذي شهد البداية العملية لتطبيق طروحات الجيوبوليتيك الشيعي، أنتج الكثير من العقبات الاستراتيجية أمام إيران، ومن أهمها بروز سياسات المحاور والتحالفات ذات الأبعاد الدولية؛ الأمر الذي حيَّد الكثير من الطموحات الجيوستراتيجية الإيرانية في ربط الخطوط الجغرافية بما تحتويه من حدود وبحار بدولة القلب المذهبي-إيران. وعلى الرغم من الإعلان الرسمي الإيراني بأن إيران اليوم تسيطر على العديد من الدول العربية، وتوجد في البحر الأحمر والبحر الأبيض المتوسط حتى المحيط الأطلسي، إلا أنها في النهاية محاولة هروب إلى الأمام لتجاوز العقبات الجغرافية التي تقف بوجه الجيوبوليتيك الشيعي اليوم، وتحديدًا عبر الانتشار الأميركي في مجمل الجغرافيا الإسلامية من جهة، والانغماس الروسي والصيني والأوروبي في شؤون العالم الإسلامي من جهة ثانية، والدور السياسي السعودي والتركي من جهة ثالثة.

ثانيًا: تحدي المنافسة الجيوبوليتيكية 

تحتل إيران موقعًا مركزيًّا في جيوبوليتيك الشرق الأوسط، ليس لاعتبارات أيديولوجية بل لاعتبارات جيوبوليتيكية، يعود ذلك إلى أن الرقعة الجغرافية التي توجد عليها إيران كانت وما زالت في قلب المنطقة ومركز دائرتها المذهبية، ومن ثم فإن هذا الموقع الجيوبوليتيكي أتاح لها التواصل مع العديد من المجتمعات الشيعية أو القريبة من المذهب الشيعي، وهو ما استغلته إيران لتحقيق امتدادات جيوبوليتيكية في مناطق جغرافية بعيدة عنها، وذلك عبر العديد من مشاريع الربط الاستراتيجي سواء أكانت سياسية أم اقتصادية، لاحتواء المجالات الجغرافية عبر سلسلة من الأحلاف العابرة للمذهبية.

هذا الواقع أنتج منافسة جيوبوليتيكية أمام إيران، وتحديدًا من قِبل الأقطاب الأخرى في العالم الإسلامي، والحديث هنا عن تركيا والسعودية؛ إذ اندفعت الدولتان إلى تبني سياسات مواجهة للمشاريع الجيوستراتيجية الإيرانية، فإلى جانب إحياء الجغرافيا العثمانية من قبل تركيا، ذهبت السعودية إلى إحياء مشروع المواجهة العربية، وذلك عبر صيغة التحالف العربي في اليمن، وفي إطار استراتيجية التضييق الجيوبوليتيكي على التمدد الإقليمي الإيراني، سعت كلتا الدولتين إلى الوجود في نفس مناطق الصراع التي توجد فيها إيران سواء أكان هذا الوجود بصورة مباشرة أم غير مباشرة، وتحديدًا في مناطق الصراع الرئيسة كالعراق وسوريا باعتبارهما ركيزة التمدد الجيوبوليتيكي الإيراني.

إن خاصية المنافسة الجيوبوليتيكية أدخلت الجيوبوليتيك الشيعي في حالة سبات استراتيجي لبعض الوقت، خصوصًا وأن هذه المنافسة أخذت بعدًا دوليًّا انعكس سلبًا على الدور الاستراتيجي الإيراني في الشرق الأوسط؛ إذ أدت الأدوار الأميركية في العراق وسوريا إلى تأجيل المشروع الاستراتيجي الإيراني على المستوى القريب، كما أن الدور السعودي في اليمن والبحرين عرقل الطموحات الشيعية على المستوى المتوسط، في حين أنتجت المشاغلة الإسرائيلية لحزب الله في لبنان حالة تشتيت للأدوار الإيرانية في إطار الجيوبوليتيك الشيعي على المستوى البعيد، كما أن العلاقات الإيرانية-الباكستانية، والعلاقات الإيرانية-الأفغانية، هي الأخرى انعكست بصورة غير مباشرة على طبيعة وواقع الأقليات الشيعية في هاتين الدولتين.

وفي نفس السياق، فإن العلاقات الإيرانية-الروسية تشكِّل هي الأخرى تحديًا كبيرًا يقف عائقًا أمام الجيوبوليتيك الشيعي، فعلى الرغم من حالة الترابط السياسي الذي تشهده العلاقات بين البلدين في العديد من الملفات الإقليمية والدولية، والتي يأتي على رأسها الملف السوري، إلا أن هذا الترابط يظل تكتيكيًّا وليس استراتيجيًّا، اقتضته طبيعة الظروف الدولية التي نتجت بعد قيام ثورات الربيع العربي، سواء أكانت على مستوى العلاقات الروسية-الأميركية، أم على مستوى العلاقات الإيرانية-الأميركية، فضلًا عن ذلك يمكن القول: إن هناك فارقًا كبيرًا في طبيعة وجوهر المشروع السياسي الإيراني والروسي، فالأول هو عقائدي ديني مذهبي، أما الثاني فهو سياسي مواجهاتي دولي، فهناك العديد من الإشكالات التي تعتري هذه العلاقة، والتي قد تظهر للعيان بشكل واضح بعد أن تضع الحرب السورية أوزارها في المستقبل المنظور. 

ثالثًا: تحدي القيادة داخل العالم الشيعي

لم تستطع الجمهورية الإسلامية في إيران منذ تأسيسها ولحد الآن أن تقيم علاقة مستقرة وطيبة مع الحوزة العلمية الشيعية في النجف، بسبب موقفها من موضوع ولاية الفقيه بمفهومها الخميني، مما جعل النظام الإيراني في حالة توجس من الحوزة بشكل مستمر، إضافة إلى خلافات أخرى في أساليب إدارة الحكم بين المراجع والنظام السياسي؛ مما أدى إلى سعي النظام الإيراني إلى فرض إقامة جبرية على عدد من المراجع، ومنعهم من التصريح بآرائهم وأفكارهم، والاستمرار بأعمالهم التدريسية والدينية. وكان موقف النظام الإيراني منذ بدء تأسيسه، موقفًا نافيًا لمركزية النجف، معتبرًا إياها الممثل للإسلام المتخلف، غير الثوري والمتهاون، وترجع أسباب ذلك إلى خلفية الصراع بين المنهج الثوري للخميني، والمنهج النجفي القائل بفصل الدين عن السياسة. وصل هذا الموقف ذروته حين طُرحت مرجعية السيد علي السيستاني، بعد وفاة السيد "أبو القاسم الخوئي"؛ حيث وصف أحمد جنتي، خطيب صلاة الجمعة في طهران في ذلك الوقت، السيد السيستاني بالمرجع الإنجليزي، قصد بها أنه "عميل ومتهاون". وقد حذَّر جنتي أيضًا مما أسماه بخروج المرجعية من إيران، وخطورة ذلك على النظام الإسلامي في إيران، وفي المرحلة الثانية، وبعد ما استطاع السيد السيستاني أن يثبت مرجعيته بشكل واسع النطاق في العالم الشيعي بأكمله، بما فيها إيران وحوزة قم، انتهى النظام الإيراني إلى خيار التعامل مع الظاهرة بشكل إيجابي، ومحاولة احتضان ممثلي حوزة النجف في (قم) بمن فيهم الممثل الرسمي للسيستاني، السيد جواد الشهرستاني، الذي أثرى حوزة قم بمؤسساته العلمية والبحثية ودور النشر وغيرها من الفعاليات والنشاطات الحوزوية، خصوصًا أن حوزة النجف كانت آنذاك في أضعف فترات حياتها، مما يفسر سبب عدم بروز صراع بينها والنظام الإيراني آنذاك(24).

وبعد تدخل إيراني قوي في الشأن العراقي بعد عام 2003، ظهر الخلاف جليًّا بين النجف وطهران، ولا نستطيع القول و(قُم)، لأن مدينة قم لم تبق ممثلة للمرجعية، مثلما كانت الحال في زمن الشاه، محمد رضا بهلوي، بل غدت المرجعية الرسمية سلطة قائمة في إيران، ومركزها طهران العاصمة، مع وجود مراجع دين لا يُقِرُّون بمرجعية خامنئي، وفي هذه الحالة يفكرون تفكير مرجعية النجف نفسها كما أشرنا بفصل الدين عن الدولة، أي الابتعاد عن ممارسة السياسة المباشرة، وكان يمثِّل هذا الجانب في إيران آية الله محمد كاظم شريعتمداري، الذي ظل حبيس داره بعد مصادرة مدرسته في قم(25). 

واليوم، هناك العديد من الملفات السياسية والأمنية التي ينظر إليها كل من السيستاني وخامنئي برؤية مختلفة عن الآخر، تتعلق بطبيعة النظام السياسي، وكيفية محاربة تنظيم الدولة، والتظاهرات الاحتجاجية التي يشهدها العراق، أو الموقف من الشخوص السياسية العراقية، أو الحشد الشعبي(26).كما يبرز العديد من المشاكل والاختلافات بين إيران ومرجعية النجف، من خلال العديد من المجالات التي تحاول إيران استغلالها، للتأثير على المرجعية الدينية الشيعية في النجف، كما هي الحال في المواقف المتباينة من الأحزاب أو التيارات، أو حتى القضايا والمسائل التي تخص الشأن الداخلي العراقي، والتي أظهر الكثير منها فروقًا كبيرة بين الطرفين(27)؛ حيث إن الخلافات بين السيستاني وخامنئي ليست جديدة، ولكنها اليوم تبدو أكثر وضوحًا بعدما كانت سرية وبعيدة عن الأنظار، وتجري ضمن حوارات بشأن قضايا دينية وعقائدية وسياسية بعيدة عن الإعلام بين مؤيدي السيستاني ومؤيدي خامنئي، وهذا الخلاف مؤهل للتصاعد مستقبلًا.

رابعًا: تحدي الصورة النمطية عن إيران

تمثِّل الصورة النمطية للدولة الإطارَ العام الذي تتصوره الدول الأخرى عنها في المجتمع الدولي، بمعنى أن لكل دولة صورة تميزها عن غيرها(28). وفي هذا الإطار، تشير الصورة النمطية عن إيران إلى أنها دولة أقامت علاقاتها على أسس مذهبية-صراعية؛ إذ إنها تؤدي دورًا فاعلًا ومؤثرًا في صراعات الشرق الأوسط، كما أنها قدمت الدعم العسكري واللوجستي لأغلب الميليشيات المسلحة في المنطقة، وعلى اختلاف ألوانها وانتماءاتها. ولم يقتصر هذا الدعم على الأسلحة الخفيفة والمتوسطة، وإنما امتد ليشمل الصواريخ ومنصات إطلاقها، كما لم تقتصر خيوط الدعم الإيراني على الجماعات المسلحة ذات التوجه الطائفي الشيعي فقط، وإنما نسجت إيران بصورة أخرى علاقات مع جماعات مسلحة سُنِّية أيضًا. وعلى الرغم من السعي الإيراني لاستغلال علاقاتها مع القوى السنية من أجل إبعاد المسحة الطائفية عنها، إلا أن الثابت هو أن الصورة النمطية تُقدِّمها لاعبًا طائفيًّا إقليميًّا بامتياز، أخذت تفرض وجودها الطائفي-المذهبي بمختلف مسارح الصراع الإقليمي، مع ضرورة التذكير بأن العلاقات الخارجية التي نسجتها إيران لم تكن على مستوى واحد، فالعلاقات على مستوى الخارجية الإيرانية "دولة ودولة" هي مهمة تضطلع بها الحكومة الإيرانية، أما النموذج الثاني للعلاقات "دولة وفاعلين من غير الدول" فهو النموذج الأخطر، وهي مهمة يضطلع بها الحرس الثوري الإيراني، علمًا بأن النموذج الثاني هو الأكثر طغيانًا وفاعلية في الاستراتيجية الإيرانية، كما أنه الركيزة الرئيسة التي تعول عليها إيران في بناء مجالها الحيوي(29). 

إن المرتكز المذهبي والطائفي واضح جدًّا في العمل الخارجي الإيراني، وهو ما تشير إليه السياسات الإيرانية في المنطقة؛ إذ شملت الصورة الطائفية لإيران مختلف جوانب الحالة العربية، فما بين السياسي والثقافي، أخذت الصورة الطائفية لإيران تبرز في إطار العمل العسكري أيضًا؛ إذ تعمل أدوات إيران الطائفية على تحقيق أهدافها في دوائر النفوذ التي تسعى للهيمنة عليها، ولنا في حالة حزب الله في لبنان، أو الحشد الشعبي في العراق، أو الحوثيين في اليمن، أمثلة واضحة على أدوار إيران الإقليمية، بل إن نظام بشار الأسد هو الآخر أخذ يفرض نفسه في إطار المعادلة الطائفية الإيرانية في المنطقة؛ إذ جيشت إيران وفي سبيل الدفاع عن هذا النظام وحمايته من السقوط، كل الجماعات الطائفية الخاضعة لسيطرتها، وتكفي الإشارة إلى أن إيران أسست ميليشيات "مدافعو الحرم" للوقوف بوجه أية محاولة تنال من هذا النظام، بل إن إيران فضلًا عما تقدم سوَّقت حربها في سوريا على أنها جزء من صراع تاريخي ومذهبي، من أجل عدم تكرار المظالم التي تعرض لها الشيعة عبر التاريخ، فهي تعتبر حربها في سوريا حربًا مصيرية لا تقبل الخسارة أبدًا، وتبقى الإشارة إلى أن إيران تمارس استراتيجيتها الخارجية عبر عقليتين، "عقلية الدولة" و"عقلية الثورة"، ففي الوقت الذي تستخدم العقلية الأولى في تعاملها مع الدول والحكومات، فإنها تستخدم العقلية الثانية في علاقاتها مع الميليشيات والجماعات المسلحة، وهو ما جعل صورتها تمتاز بحالة من التعقيد الشديد، فهي عملت على المزاوجة ما بين العقليتين، من أجل الوصول إلى هدف واحد وهو الذات الإيرانية ببعديها، القومي والمذهبي(30).

خاتمة 

إن للظاهرة الشيعية أبعادًا مختلفة، وأحد هذه الأبعاد المهمة هو البعد الجيوبوليتيكي، وبما أنها في السياق الجيوسياسي، فإن العناصر الرئيسة الثلاثة: الجغرافيا والسياسة والسلطة متأصلة في طبيعتها، وعند تقييم الجيوبوليتيك الشيعي يجب أيضًا مراعاة هذه العناصر الأساسية الثلاثة، من أجل التوصل لصورة واضحة حول فكرة المجال الحيوي الإيراني.

وفيما يتعلق بالعنصر الأول وهو الجغرافيا، فنجد أنها مترابطة، ومتماسكة، ومليئة بالقدرات والموارد المختلفة. ومن ناحية أخرى، فإن جغرافيا المناطق الشيعية هي تلك الجغرافيا الخاصة بإيران والمجتمعات الشيعية، وهذه الجغرافيا توفر الأساس لدور مركزي إيراني في المحيط الخارجي، والتعبير عن ردود فعل مناسبة في إطار هذا المحيط. أما العنصر الثاني المتعلق بالسياسة، فهنا تجدر الإشارة أولًا إلى أن التشيع منذ البداية كانت له أفكار وعقائد سياسية محددة؛ إذ خلقت مثل هذه العقائد نوعًا من الثقافة السياسية في أتباع الأيديولوجية الشيعية، وبعبارة أخرى أدت هذه العقائد إلى تنمية الدور السياسي الشيعي الذي تم إحياؤه في العقود القليلة الماضية، وبرز الشيعة كحليف سياسي على الساحة الإقليمية والدولية، وخاصة في إيران، في حين يأتي العنصر الثالث وهو السلطة؛ إذ يربط الشيعة مفهوم السلطة بأدوارهم السياسية؛ حيث يسعى الهيكل السياسي الشيعي إلى استعادة السُّلطة المفقودة، فضلًا عن ذلك يرتبط الدور السياسي للشيعة بهياكل السلطة ويتأثر بها، ويمكن رؤية ظاهرة التسييس الشيعي بوضوح في ظاهرة الثورة الإيرانية، عندما تمكن الشيعة من تشكيل حكومة في إيران، وبرزوا كممثل رسمي على الساحة الدولية، ومع صعود الشيعة في إيران وتشكيل نظام الجمهورية الإسلامية، دخلت المجتمعات الشيعية في علاقات القوة الدولية، ولعبت دورًا حاسمًا في علاقات القوة الإقليمية والدولية.

كان الاهتمام الأساسي للثورة الإيرانية عام 1979، والتي ترمز إلى التسييس الشيعي، هو بناء هيكل سياسي له امتدادات جغرافية خارج حدود إيران السياسية، ومن ثم نقل الحركة الشيعية السياسية/الدينية في إيران إلى الآخرين، عبر عملية النمذجة والأدلجة السياسية، وكانت أولى النماذج السياسية هي في العراق ولبنان، وتحويلها إلى حركات سياسية تستند إلى المذهب لاكتساب السيادة والسلطة، ليس فقط في العالم الإسلامي، ولكن في العوالم الدينية الأخرى. وبمعنى آخر، سعت إيران إلى التأثير في الحركات السياسية الدينية والشعبية التي حدثت في أجزاء مختلفة من العالم في العقود الأخيرة، ومع ذلك، فإن بعض هذه الحركات في العالم الإسلامي السُّني قد حددت موقفها ضد البنية الشيعية، في حين تماهى بعضها الآخر معها، انطلاقًا من وحدة الهدف والمشروع.

وفي هذا الإطار، يمكن الإشارة إلى بعض الملاحظات العامة عن الجيوبوليتيك الشيعي، ومنها:

- ينطوي المفهوم العام للجيوبوليتيك الشيعي على مجموعة من المقومات المادية والمعنوية والفكرية، رسمت عن طريقه إيران طبيعة أدوارها وسياساتها، فما بين السياسي والعسكري والاقتصادي، تدخل مقومات المكانة والتاريخ والجغرافيا، كقنوات أَثْرت العقلية الاستراتيجية الإيرانية بالعديد من الخيارات والمجالات، التي استطاعت عن طريقها أن تنفذ للعديد من مجالات الجيوبوليتيك الشيعي.

- أسهم الجيوبوليتيك الشيعي في عملية انطلاق موجة التسييس المعاصر، المبني على الهوية الدينية، وهي إحدى الوظائف الجيوسياسية التي أداها الشيعة في الوقت الحاضر.

- سَعْي استراتيجية الجيوبوليتيك الشيعي إلى زيادة محاولات التأثير، وتوسيع دائرة نفوذ المناطق الشيعية، انطلاقًا من إيران، كاستراتيجية قابلة للتطبيق لتوحيد المجتمعات الشيعية، وإكسابها مقومات القوة والسيطرة.

- الهدف النهائي للجيوبوليتيك الشيعي تشكيل حكومة إسلامية عالمية، ترتبط ارتباطًا عضويًّا بحكومة الولي الفقيه في إيران.

- شهد الجيوبوليتيك الشيعي ثلاث مراحل تطورية منذ تشكيله: المرحلة الأولى هي البروز السياسي للشيعة ووعيهم الذاتي بانتصار الثورة الإيرانية التي كانت لها هوية مذهبية. بمعنى آخر، في هذه المرحلة الزمنية اكتسبت الثورة الإيرانية شعبية شيعية في العالم الإسلامي. أما المرحلة الثانية فكانت تشكيل منظمات سياسية قائمة على الصحوة الإسلامية في أعقاب الثورة الإيرانية، مثل العراق ولبنان والبحرين. المرحلة الثالثة هي دور الشيعة في الهيكل السياسي للدول، والذي جاء بتحسين تفكير الشيعة وتنظيمهم تدريجيًّا، حتى تمكنوا من الوصول إلى السلطة في بعض البلدان، كما حصل في العراق بعد عام 2003، في حين لا تزال باقي المجتمعات الشيعية تكافح سياسيًّا وعسكريًّا لتقوية موقفها في بلدان المحيط والمجال والشتات الشيعي.

- إن التطورات التي حدثت في العلاقات الإقليمية بعد احتلال العراق، فرضت مراجعات لمفاهيم وفرضيات الفلسفة السياسية الإيرانية وركائز مشروعها الإقليمي، وذلك عن طريق التحول إلى فرضيات الجيوبوليتيك الشيعي، عبر التمسك بالأسس الفكرية للنظرية الخمينية، أي إنتاج عالم إسلامي يحتكم لنظرية ولاية الفقيه الإيرانية.

- ينطوي التاريخ الإيراني منذ نشأة إيران الفارسية وبناء استراتيجيتها الخارجية وحتى عصرنا الراهن، على سلسلة من الحلقات التوسعية في الشرق الأوسط، وبروز ما يسمى الإمبراطورية الفارسية الموازية للإمبراطورية الرومانية والعثمانية في مرحلة لاحقة، واستهدفت هذه الحركات التوسعية تحقيق المصلحة القومية العليا المتمثلة بثلاثية "الثروة، المعتقدات، القوة". وترافقًا مع ذلك، هناك نظريات التوسع الجيوبوليتيكي، إلى جانب المتغير القيمي والديني عبر شعارات تصدير الثورة ونصرة المستضعفين ومحاربة الاستكبار وغيرها، وكذلك المتغير الاجتماعي والسياسي والفلسفي، وترسيخ مبدأ المصلحة الدائمة بدلًا من الصداقة أو العداء الدائم في علاقاتها الإقليمية والدولية، وإن كل هذه المتغيرات المذكورة أثَّرت في إدراك صانع القرار الإيراني للتوسع الخارجي عبر طروحات الجيوبوليتيك الشيعي.

- سعت استراتيجية الجيوبوليتيك الشيعي إلى تقوية الارتباطات الدينية والسياسية مع المجتمعات الشيعية، وتوثيق العلاقة مع حلفاء إيران الإقليميين، وتقديم الدعم لهم بالوسائل كافة، وقد جاء بروز تنظيم الدولة عام 2014، كفرصة لتنفيذ أجندتها ومشاريعها الاستراتيجية، وبذلك زادت من قنوات تأثيرها في الشرق الأوسط سياسيًّا واقتصاديًّا وعسكريًّا.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

د. فراس إلياس، أستاذ في كلية العلوم السياسية بجامعة الموصل، متخصص في شؤون الأمن القومي والدراسات الإيرانية.

ABOUT THE AUTHOR

References

(1) Francois Thual, Geopolitique du chisme, Trans. Katayun Baser, (Tehran: Vistar Publications [In Persian], 2003), 17.

(2) Mayel Afshar Farahnaz, “Shiite geopolitics,” Siast rouz newspaper, May 25, 2004.

(3) Mohammad Reza Hafeznia, Interview with French Conflict Quarterly, May 2015.

(4) نبيل علي العتوم، إيران والإمبراطورية الشيعية الموعودة، ط 1 (لندن، مركز العصر للدراسات الاستراتيجية والمستقبلية، 2013)، ص 35-40.

(5) محمد السلمي، عبد الرؤوف الغنيمي، "الجيوبوليتيك الشيعي... الواقع والمستقبل"، مجلة الدراسات الإيرانية (مركز الخليج العربي للدراسات الإيرانية، الرياض، العدد 1، 2016)، ص 39- 40.

(6) عبد الستار الراوي، "أبجدية تصدير الثورة الإيرانية"، نيسان، 7 أغسطس/آب 2015، (تاريخ الدخول: 1 أغسطس/آب 2019)، https://bit.ly/2mu6Typ. 

(7) محمد جواد لاريجاني، مقولات في الاستراتيجية الوطنية "شرح نظرية أم القرى الشيعية"، ترجمة نبيل علي العتوم، (لندن، مركز العصر للدراسات الاستراتيجية والمستقبلية، 2013)، ص 108-109.

(8) نبيل علي العتوم، إيران ونظرية أم القرى الشيعية، ط 1 (عمان، دار عمار بالتعاون مع مركز أمية للبحوث والدراسات الاستراتيجية، 2017)، ص 101-102.

(9) Kasra Naji, Ahmadinejad: The Secret History of Iran's Radical Leader (Berkeley: University of California Press, 2008), 106.

(10) محمد السيد سعيد، "الشرق الأوسط الإسلامي... الحدود والدلالات!"، الاتحاد، 8 نوفمبر/تشرين الثاني 2006، (تاريخ الدخول: 2 أغسطس/آب 2019)، https://bit.ly/2LXGHYG. 

(11) Martin Kramer, Shi'ism, Resistance, and Revolution (Boulder, Colorado: Westview Press, 1987), 13-16.

(12) Graham E. Fuller, “The Arab Shia: The Forgotten Muslims,” Middle East Policy Council, 2017, “accessed October 9, 2019”. https://bit.ly/2AOAM0x. 

(13) حارث حسن، "العلاقات الشيعية فوق الوطنية والدولة الوطنية في العراق"، في الشيعة العرب... الهوية والمواطنة، ط 1 (بيروت، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2019)، ص 287.

(14) فراس إلياس، مركزية العراق في العقل الاستراتيجي الإيراني، ط 1 (الرياض، المعهد الدولي للدراسات الإيرانية، 2018)، ص 72-73. 

(15) Sardar Falaki, “One of the Commanders of the Syrian Front,” in an Interview with Mashregh News Site, az farmandehan-e jebhe-ye suriyeh dar goftogu ba saiyt-e khabari Mashreq, Bultan News, July 2016, “accessed September 1, 2019”, https://bit.ly/2NEYm7w. 

(16) أفشان استوار، "المعضلات الطائفية في السياسة الخارجية الإيرانية: حين تتصادم سياسات الهوية مع الاستراتيجية"، مركز كارنيغي للشرق الأوسط، 30 نوفمبر/تشرين الثاني 2016، (تاريخ الدخول: 1 سبتمبر/أيلول 2019): https://bit.ly/2CS09Pl 

(17) "الدينــي والسـياسـي فـي الدور الإقليمي الإيراني"، مجلة درع الوطن (الإمارات، مديرية التوجيه المعنوي في القيادة العامة للقوات المسلحة، 2 أبريل/نيسان 2017)، (تاريخ الدخول: 4 أغسطس/آب 2019)، https://bit.ly/30Z7xma.

(18) راشد صالح العريمي، "الحرس الثوري: وجه إيران الحقيقي"، الحياة، 6 مارس/آذار 2017، (تاريخ الدخول: 4 أغسطس/آب 2019):  https://bit.ly/2YBRNbP 

(19) طلال يوسف العدوان، الاستراتيجية الإقليمية لكل من تركيا وإيران نحو الشرق الأوسط (2013-2002)، رسالة ماجستير (غير منشورة)، (تركيا، جامعة الشرق الاوسط، 2013)، ص 147.

(20) سليم كاطع علي، "الموقف الأمريكي من طموحات إيران الإقليمي: صراع أم تنافس؟"، مجلة الفرات (جامعة كربلاء، مركز دراسة التنمية والاستراتيجية، العدد 4، 2008)، ص 9. 

(21) “From Muhammad to ISIS: Iraq’s Full Story,” Wait But Why, September 2014, “accessed August 2, 2019”, https://bit.ly/2YHfjQy. 

(22) فتحي بولعراس، "السياسة الخارجية الإيرانية في الشرق الأوسط: بين الاعتبارات المذهبية والعوامل الجيوبوليتيكية"، مجلة العلوم السياسية، (الجزائر، جامعة محمد خيضر بسكرة، العدد 44، 2016)، ص 276.

(23) فراس إلياس، مركزية العراق في العقل الاستراتيجي الإيراني، مرجع سابق، ص 85. 

(24) Ali Mamouri, “Iran on Quest to Legitimize Velayat-e Faqih in Iraqi Seminaries,” al-monitor, August 2013, accessed September 1, 2019”, https://bit.ly/2pG3bTZ. 

(25) "الولي الفقيه.. مبدأ لا يؤمن به أغلب الشيعة"، العرب، 17 سبتمبر/أيلول 2015، (تاريخ الدخول: 16 سبتمبر/أيلول 2019)، https://rb.gy/654729. 

(26) مصطفى حبيب، "السيستاني وخامنئي...صراع تأريخي يتفجر بشكل سياسي"، نقاش، 3 سبتمبر/أيلول 2015، (تاريخ الدخول: 16 سبتمبر/أيلول 2019)،.  https://bit.ly/3339oYC  

(27) المرجع السابق.

(28) بلخيرات حوسين، "كيف نفهم سياسة إيران الخارجية في الشرق الأوسط؟"، نون بوست، 2 أغسطس/آب 2016، (تاريخ الدخول: 16 سبتمبر/أيلول 2019): https://bit.ly/2kwL9kU. 

(29) استوار، "المعضلات الطائفية في السياسة الخارجية الإيرانية"، مرجع سابق، ص 4.

(30) أحمد عزيز، "إيران ودعم الميليشيا الطائفية.. قوى ناعمة تحركها أوهام تصدير الثورة"، نون بوست، 19 أكتوبر/تشرين الأول 2016، (تاريخ الدخول: 16 سبتمبر/أيلول 2019): https://bit.ly/2m53TIT.