مراجعة نقدية لنظرية ترتيب الأجندة في سياق البيئة الرقمية للاتصال والإعلام

تقدم الورقة ملخصًا لدراسة موسعة نُشرت في العدد السادس من مجلة لباب، الصادرة عن مركز الجزيرة للدراسات، وتقوم بمراجعة نقدية لنظرية ترتيب الأجندة في سياق البيئة الرقمية الشبكية. وتفترض الدراسة أن بيئة الاتصال الرقمية كان لها تأثير عميق في مرتكزات النظرية، من أهمها زعزعة احتكار وسائل الإعلام التقليدية لعملية ترتيب الأجندة.
البيئة الرقمية حطمت خطية الاتصال لصالح الشبكية التي تتسع لتشمل المؤسسات الإعلامية والجمهور الذي ينتشر على امتداد شبكة الإنترنت (الأناضول)

تراجع الدراسة نظرية ترتيب الأجندة وما تعرضت له من تأثير في ضوء نشوء بيئة اتصال جديدة يسميها الدكتور عزام أبو الحمام، باحث في علوم الإعلام والاتصال وأستاذ سابق في الجامعة العربية المفتوحة (فرع الأردن)، بـ"البيئة الرقمية"؛ لأنها تقوم على التكنولوجيا الرقمية ذات القدرات الهائلة خلافًا للبيئة السابقة التي اعتمدت على الأنظمة التناظرية.

وتقوم نظرية الأجندة على قاعدة مفادها أن جميع الأخبار والمعلومات والصور التي تبثها وسائل الإعلام ما هي إلا حصيلة عملية تأليفية بين اهتمامات الجمهور وبين سياسات وسائل الإعلام، وحيث يتطلع الجمهور إلى تلقي الأخبار والمعلومات والصور التي تتصل بحياته واهتماماته وشؤونه المختلفة، تؤثر وسائل الإعلام في الجمهور من حيث تقدير أهمية الأحداث والقضايا الجارية في المستوى الأول ثم صناعة الأطر التي تحدِّد للجمهور السياق المرغوب للأحداث في المستوى الثاني، ثم تنتهي إلى المستوى الشبكي الذي يعني الربط بين مختلف العناصر المعرفية والتصورية التي تنتج عن مختلف المنابر الإعلامية.

وتستعرض الدراسة بأسلوب نقدي تحليلي الأدب النظري لبحوث نظرية الأجندة وما يتصل بها، وتهتم بمناقشة التحولات النظرية في آليات ترتيب الأجندة في البيئة الرقمية الشبكية. فإذا كان معظم النظريات السابقة برز وتبلور في ظل البيئة الإعلامية التقليدية التي امتازت بسطوة المنظمات الإعلامية ذات الاتصال الهرمي؛ وكانت هذه النظريات صالحة لتأطير تلك العمليات، فنحن الآن -كما يرى الدكتور عزام أبو الحمام- بصدد بيئة إعلامية واتصالية -مغايرة إلى حدٍّ كبير- تقوم على التكنولوجيا الرقمية وعلى الشبكات، ومن ثم يمكن الافتراض أن تحولات البيئة الإعلامية والاتصالية أثَّرت بشكل ما في المنطلقات النظرية لترتيب الأجندة وفرضياتها، ويمكن التعبير عن إشكالية الدراسة بالسؤال الرئيس الآتي: ما تأثير البيئة الإعلامية الرقمية الشبكية في مرتكزات نظرية ترتيب الأجندة وفرضياتها؟

وتكتسب الدراسة أهميتها من أهمية نظرية الأجندة التي تُعَدُّ من أكثر العمليات تأثيرًا في بناء الاتجاهات والتأثير على الأنشطة السياسية والاقتصادية بوجه خاص، وعلى المجال العام بوجه عام. وحسب بعض الباحثين، فإن نظرية الأجندة تعتبر من أهم النظريات إن لم تكن أهمها؛ لأنها تمتاز بالمرونة وقابلية التطور ولعلاقتها الوثيقة بنظريات أخرى. وتزداد أهمية الدراسة في ضوء ما استجد من تطورات تكنولوجية واتصالية وثقافية أثَّرت بدورها على نظرية ترتيب الأجندة؛ ما يستدعي مراجعتها وكشف الجوانب التي تأثرت بفعل البيئة الرقمية التي اجتاحت مجالات الاتصال والإعلام بجميع عناصرها.

وقد توزعت أهم نتائج الدراسة على ثلاثة محاور تمثِّل الأهداف الثلاثة كالآتي:

1. تأثير البيئة الرقمية في جمهور وسائل الإعلام وأثر ذلك على ترتيب الأجندة: أثَّرت البيئة الرقمية في جمهور وسائل الإعلام والذي تغيَّر تعريفه؛ حيث أصبح ذلك الجمهور المتصل بشبكة الإنترنت عوضًا عن مفهوم المتلقي لوسائل الإعلام كما كان معرَّفًا في البيئة السابقة. علاوة على ذلك، فالأفراد والجماعات لا تنطبق عليهم شروط العزلة التي كانت معروفة في البيئة الاتصالية السابقة ما داموا قادرين على التواصل عبر الإنترنت.

وإذا كانت النظرية التقليدية للأجندة قد بُنيت على أساس خطِّي يبدأ من وسائل الإعلام الجماهيري متجهًا نحو الجمهور، فإن البيئة الرقمية حطمت تلك الخطية أو -زعزعتها على الأقل- لصالح الشبكية التي تتسع لتشمل المؤسسات الإعلامية والجمهور الذي ينتشر على امتداد شبكة الإنترنت. ويترتب على ذلك نماذج نظرية لعملية بناء الأجندة مخالفة لما كان معروفًا في البيئة السابقة؛ إذ تميل هذه النماذج لتأخذ شكل الشبكة، أو التشاركية في بناء الأجندة.

2. أهم المفاهيم ذات العلاقة بترتيب الأجندة التي تعرضت لتحولات البيئة الرقمية: قد يكون مفهوم الجمهور من أكثر المفاهيم التي تعرضت لتأثير البيئة الرقمية، فهو أعداد كبيرة عبر العالم تمارس التواصل والتفاعل عبر الشبكة مُتَحَلِّلة من قيود الزمان والمكان ما أضفى عليها مزيدًا من القوة والفاعلية خصوصًا فيما يتصل بوضع الأجندة، في الوقت الذي شهد شكلًا من أشكال التشظي داخل الشبكة الكبرى. 

وتعرضت سلسلة الاتصال نفسها لقدر كبير من التحوير؛ إذ أصبحت هذه السلسلة دائرية الاتصال ذات طابع شبكي يغلب فيها التشاركية والتفاعلية. وثمة مفاهيم أخرى تعرضت للتحولات مثل: الرأي العام، والنخب وقادة الرأي، والمساواة بين المتواصلين، ومفهوم دمج الأجندة. وتعني عملية الدمج هذه أيضًا أن أفراد الجمهور يقومون بأنفسهم على عملية الاختيار والاستنتاج أو البناء لجدول الأجندة، وقد وفرت البيئة الرقمية الشبكية الشروط المُثلى لكل هذه الأنشطة.

3. الاتجاهات البحثية المستجدة في ترتيب الأجندة: يُعَدُّ المنهج الشبكي من أبرز الاتجاهات البحثية على المستويين، النظري والمنهجي، وهو منهج يقوم على التعامل مع العالم الشبكي المبثوث في الإنترنت باعتباره مجتمعًا معقدًا متشابكًا يتبادل التأثير أكان ذلك على مستوى الأفراد والجماعات أم على مستوى المؤسسات الإعلامية.

وبرزت اتجاهات بحثية تعطي للجمهور ولوسائل الإعلام التفاعلي دورًا أكبر أهمية في عمليات الإعلام الأساسية، وهي: حراسة البوابة، وترتيب الأجندة، والتأطير بعد أن تراجع الاتصال الهرمي الخطي الذي كان يمارَس في البيئة الإعلامية التقليدية.

للاطلاع على النص الكامل للدراسة (اضغط هنا) وللاطلاع على عدد المجلة كاملًا (اضغط هنا)

ABOUT THE AUTHOR