الانتخابات الرئاسية في غينيا: تكريس الأزمة وسيناريوهات العنف

يبقى خيار العنف الاجتماعي المفضي إلى احتمال انقلاب عسكري أرجح سيناريوهات مسارات الأزمة في غينيا، ويبقى الانقلاب العسكري بشكل خاص أسرع الطرق الإفريقية لإنهاء أزمات السياسة وطموحات الحكم الفردي.
الشرطة تواجه أنصار زعيم المعارضة الغينية سيلو دالين ديالو في العاصمة كوناكري (وكالة أي بي)

لم تفتح الانتخابات الرئاسية الأخيرة في غينيا كوناكري أية ثغرة إيجابية في جدار الأزمة السياسية والاجتماعية المتفاقمة في هذا البلد الإفريقي الذي عرف الديكتاتوريات والحكم الأحادي عدة عقود، قبل أن يختبر منذ 2010 مسارًا ديمقراطيًّا كثير المزالق والعثرات.

ورغم أن الانتخابات هي في الأصل فرصة للشعب كي يصحِّح الاختلالات ويعيد توزيع الثقة وترتيب منافذ القوة، إلا أنها في الحالة الغينية جاءت تكريسًا للأزمة وترسيخًا للانشقاق، وأضافت إلى الأفق القاتم أبعادًا جديدة قد تفلت زمام التحكم من يد السلطة المنتخبة، وتفتح بوابات الفوضى الشعبية أو الانقلابات العسكرية أمام المشهد السياسي بالغ الاختناق.

أفرزت صناديق الاقتراع في غينيا مأمورية ثالثة للرئيس الحالي للبلاد، ألفا كوندي، بنسبة 59% من أصوات الناخبين، وجاءت هذه النتيجة بعد يومين من إعلان منافسه، سيلو دالين جالو، فوزه بالرئاسة، وتحقيق حلم يسعى إليه منذ 2010 دون أن يتمكن من ذلك(1).

وقد جاء ردُّ كوندي على إعلان سيلو سريعًا وصارمًا؛ حيث فرضت قوات الأمن الغينية حصارًا على منزل زعيم المعارضة، ومنعت الدخول أو الخروج من المنزل، قبل أن تبدأ مؤشرات النتائج إلى الميل لصالح كوندي، ابن الثانية والثمانين ربيعًا، قبل أن ينتهي المطاف بإعلان فوزه بمأمورية ثالثة من ست سنوات(2).

وبوجود سياسييْن يعلن كل منهما أنه الرئيسُ الشرعيُّ للبلاد، تُبْحِر غينيا بسرعة في عمق الأزمة السياسية التي لم تبدأ مع انتخابات 24 أكتوبر/تشرين الأول 2020، وإنْ فاقمتها وزادت من حدتها وقابليتها للخروج عن السيطرة.

جذور متعددة لأزمة متفاقمة

عرفت غينيا كوناكري مسارًا سياسيًّا متأزمًا منذ استقلالها سنة 1958، ولم يكن حكم رئيسها المناضل الكبير، أحمد سيكو توري، ديمقراطيًّا تشاوريًا، بل كان حكمًا أحاديًّا صارمًا، وكان الرئيس الحالي للبلاد، ألفا كوندي، أحد أبرز خصومه السياسيين، ونال بموجب ذلك حكمًا بالإعدام، سنة 1970، وذاق مرارة النفي في سعيه لإرساء الديمقراطية في غينيا(3).

كما واجه كوندي وغيره من السياسيين والرموز الاجتماعية والفنانين عسْفَ الديكتاتورية والحكم الأحادي في حكم الجنرال، لانساني كوناتي، الذي استولى على السلطة في غينيا عقب وفاة سيكو توري، واستمر في الحكم منذ 1984 وحتى وفاته في 2008.

ومع 2008، بدأت غينيا مسارًا جديدًا مع سيطرة النقيب، داديس كامرا، على السُّلطة إثر وفاة كوناتي مُحْيِيًا بذلك تقليدًا غينيًّا سار عليه سلفه الراحل.

وبعد أزمة سياسية مؤلمة، انتهت بمحاولة اغتيال كامرا، وسيطرة وزير العدل، العقيد سيكوبا كوناتي، على السلطة وبداية فترة انتقالية واكبها العالم بكثير من الارتياح والدعم، فاز الرئيس الحالي، ألفا كوندي، بالرئاسة، في 2010، متقدمًا على منافسه الحالي، سيلو دالين ديالو، الذي كان صاحب الرتبة الأولى وبفارق كبير خلال الشوط الثاني، قبل أن تجري رياح الاقتراع بما لم يتوقعه الاقتصادي، دالين، الذي عمل لسنوات طويلة ضمن المراكز السياسية والاقتصادية المتقدمة في الأنظمة التي كان الرئيس، ألفا كوندي، معارضها الشرس وخصمها العنيد.

أسباب الأزمة وآفاقها

رغم أن التأزم السياسي في غينيا ظاهرة مصاحبة للدولة منذ تأسسها إلا أن الأمر تفاقم قطيعة وشقاقًا بين الأطراف السياسية منذ عدة سنوات، لأسباب متعددة، منها:

أولًا: تعديل الدستور: مثَّل دستور 22 مارس/آذار 2019 المعدِّل لدستور 2010 أبرز أزمة سياسية في غينيا خلال الفترة الأخيرة، وقد تضمن الدستور عدة مواد إشكالية، أبرزها:

  • رفع المأمورية الرئاسية إلى 6 سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة، وهو ما فتح أمام كوندي باب المأمورية الثالثة.
  • توسيع صلاحيات رئيس الجمهورية بشكل كبير، وسيطرته على المؤسسة القضائية؛ حيث أصبح تعيين رئيس المحكمة الدستورية وثلث قضاتها من صلاحيات رئيس الجمهورية.
  • تحصين تصرفات رئيس الجمهورية من المساءلة أو التجريم حتى بعد مغادرته للسلطة.
  • تحصين ممارسات الحكومة والسلطات المحلية من المقاضاة أمام المحاكم؛ مما سيوسع دائرة الإفلات من العقاب.
  • توسيع مهام المؤسسة العسكرية لتشمل بعض الجوانب الاجتماعية والاقتصادية المتعددة.

كما تضمَّن الدستور الجديد مواد أخرى من بينها إلغاء عقوبة الإعدام والمساواة بين الرجل والمرأة، وتمكين المرأة من ثلث البرلمان، إضافة إلى مجانية التعليم وإلزاميته.

وقد استطاع كوندي تمرير دستوره المعدل بنسبة أصوات تجاوزت 85%، لكن الإشكال الأكثر إثارة، كان في اعتماد المحكمة الدستورية نسخة معدلة غير تلك التي صوَّت عليها الغينيون؛ مما أثار جدلًا قانونيًّا واسعًا، حسمته المحكمة الدستورية لاحقًا بإضفاء الشرعية على النسخة الأخيرة رغم اختلافها مع الأخرى المصوَّت عليها في 21 مادة(4).

ثانيًا: المأمورية الثالثة: يمكن اعتبار المأمورية الثالثة أزمة العشرية الراهنة في إفريقيا، وقد انقسمت المعارضة تجاه إصرار الرئيس، ألفا كوندي، على الاستمرار في الحكم بين قوى سياسية قررت مقاطعة الانتخابات الرئاسية والتصدي له بالنضال السياسي وأخرى قررت منافسة كوندي انتخابيًّا قبل أن تؤول الأمور إلى النتائج المعلنة يوم 27 أكتوبر/تشرين الأول، بفوز كوندي.

ثالثًا: الفساد وتحكم العائلة: توجه المعارضة الغينية اتهامات قاسية للرئيس، كوندي، بانتهاج الفساد ونشر المحسوبية والرشوة في نظامه السياسي، وبتحكم عائلته وخصوصًا نجله، محمد كوندي، الذي يعمل مستشارًا لوالده.

ويواجه بعض أفراد عائلة كوندي ومقربيه الاجتماعيين قضايا في محاكم أوروبية بتهمة نهب الثروات، وخصوصًا في قطاع التعدين(5).

رابعًا: الطبيعة العنصرية للنظام: يأخذ كثير من خصوم النظام عليه مواصلة الهيمنة العنصرية؛ حيث تتألَّف دوائر القوة والنفوذ في النظام الغيني من تحالف أو تقاسم للسلطة بين قوميتي المالنيكي التي ينتمي إليها الرئيس كوندي وكبار قادة المؤسسة العسكرية، وقومية الصوصو التي ينتمي إليها الوزير الأول وعدد من القيادات السياسية.

خارطة النفوذ ونقاط القوة والضعف

يخضع المشهد السياسي في غينيا لظاهرة التشتت وكثرة العناوين والفعاليات السياسية والجماهيرية، وإن كان المشهد السياسي مستقطبًا بين ركنين أساسيين، هما:

أولًا: جبهة السلطة المؤتلفة حول الرئيس كوندي

ومن أبرز أقطاب هذه الجبهة: القوى الداعمة لكوندي وتشمل من حيث المؤسسات مستويات متعددة تنتظم المؤسسة العسكرية والأمنية والأغلبية البرلمانية والكتلة العليا في المؤسسة القضائية، إضافة إلى حزب تجمع الشعب الغيني وعدد كبير من الأحزاب والتنسيقيات الشبابية والنسائية وقوى المجتمع المدني التي تعلن دعمها وولاءها الخاص للرئيس كوندي.

وتتفاوت أوراق القوة التي تمتع بها السلطة، ومن أبرزها:

  • مركز القوة والتحكم في منافذ السلطة المتعددة، وما يوفره ذلك من تأثير في المشهد وفرض للمواقف وتوسيع هوامش المناورة.
  • التحالفات الاجتماعية المتعددة: والتي عمل كوندي على ترسيخها من خلال بناء شبكة من الولاءات الاجتماعية والأمنية والمالية.
  •  ضعف وتشتت المعارضة واختلاف أجنداتها ومصالحها.

غير أن كوندي يعاني أيضا من نقاط ضعف متعددة، من بينها:

  • هزال الحصيلة التنموية: رغم ثروات غينيا الكبيرة وما استقطبته خلال السنوات المنصرمة من استثمارات هائلة، إلا أن غالبية السكان لا يزالون تحت خط الفقر ولا تزال الخدمات الأساسية من صحة وتعليم وماء بعيدة المنال عن جزء كبير من المواطنين.
  • إشكال المأمورية الثالثة: الذي ينهار بشكل دائم في بلدان إفريقية متعددة، ويكتب نهايات مؤلمة لأغلب الأنظمة التي أصرَّت على السير في هذا الطريق.
  • تأزم العلاقات مع دول الجوار: حيث لا يتمتع كوندي بعلاقات جيدة مع جيرانه، وخصوصًا الدول التي يقودها زعماء من الفولان مثل غينيا بيساو، التي يتهم رئيسها المنتخب، عمر مبالو، الرئيس كوندي بأنه عمل بقوة من أجل منعه من الوصول إلى السلطة.
  • اضطراب المواقف الدولية: فرغم الدعم الكبير الذي يحظى به كوندي من روسيا والصين، ورغم علاقاته الواسعة التي نسجها مع الغرب من خلال مستشاره، رئيس الوزراء البريطاني السابق، توني بلير، وغيره، فإن رهان الغربيين على الأمن بشكل خاص، قد يجعلهم يضحون بكوندي في أي وقت من أجل مصالحهم، خصوصًا أن كوندي سبق أن أفشل عدة جهود دولية للمصالحة بينه وبين خصومه السياسيين(6).

ثانيًا: المعارضة: القوى والرهانات

تتوزع هي الأخرى إلى تنسيقيات وأحزاب وتجمعات جماهيرية متعددة، من بينها:

أ- الجبهة الوطنية للدفاع عن الدستور والتي تضم مختلف الأقطاب والأطراف المناوئة لمأمورية كوندي الثالثة، وتتألف هذه الجبهة، التي تأسست في 3 أبريل/نيسان 2019، من الأحزاب المعارضة والتنسيقيات المدنية، وبعض النقابات والفعاليات الحقوقية المختلفة، وبعض الزعماء الدينيين والفنانين والمثقفين والشباب.

ب- حزب ائتلاف القوى الديمقراطية في غينيا برئاسة زعيم المعارضة، سيلو دالين جالو، المنافس الرئيسي للرئيس، كوندي، ورغم عضوية هذا الحزب في جبهة الدفاع عن الدستور، إلا أنه رفض الالتزام بقرار المقاطعة الذي تبنته الجبهة، وخاض الانتخابات الرئاسية الأخيرة، قبل أن يعلن فوزه بها، في مواجهة فوز معلن رسميًّا لصالح الرئيس، كوندي.

ج- حزب اتحاد القوى الجمهورية برئاسة سيدي توريه: وهو وزير سابق في الأنظمة المتعاقبة منذ العام 1999، ويمثل أحد أبرز الزعماء السياسيين المرموقين في البلاد.

د- حزب الأمل والتنمية: برئاسة لانسانا كوياتي: الذي ينتمي إلى قومية مالينكي وهو وزير أول سابق وسياسي مرموق وأحد أبرز السياسيين الذين قاطعوا الانتخابات الرئاسية الأخيرة(7).

هـ- حزب الاتحاد الديمقراطي لغينيا: برئاسة رجل الأعمال، مامادو سيلا، الذي يقود أكبر كتلة برلمانية للمعارضة في البرلمان، كما يعتبر أحد كبار أثرياء غينيا، وهو أيضًا من بين السياسيين الذين قاطعوا انتخابات 24 أكتوبر/تشرين الأول 2020(8).

وإلى جانب هذه الأحزاب وغيرها، تنشط قوى سياسية متعددة، مثل حركة غينيا البصيرة، وحركة صفارات التناوب السلمي، وغيرها من الفعاليات السياسية والجماهيرية المتعددة المشارب والمتنوعة المنازع.

ورغم التعدد وكثرة العناوين والائتلافات في صف المعارضة، إلا أنها تعيش هي الأخرى أزمة ثقة بين أطرافها، يعزز منها تضارب المصالح وتعدد الرؤوس وغياب القيادة الموحدة، وقد منعت تلك الخلافات الكبيرة المعارضة من توحيد مواقفها أو تبادل الدعم خلال انتخابات 2015(9).

الأبعاد الاجتماعية للأزمة

تعيش غينيا توزعًا عرقيًّا بين قوميات متعددة، وتمثل قومية الفولان الأغلبية المضطهدة في البلاد، رغم تمتعها بنسبة 35-40% من السكان وفق مصادر إحصائية متعددة متقدمة على المالينكي (حوالي 30%، ثم الصوصو حوالي 21%، وبعدها قوميات جروزي وكيسي وتوما بنسب متفاوتة لا تصل جميعها إلى 15%(10).

ويحمل الفولان كثيرًا من الحسرة والألم تجاه ما يرونه حرمانًا لهم من السلطة التي ظلت دُولة بين قوميتي، المالينكي والصوصو، وقد حكم البلاد من القومية الأولى ثلاثة رؤساء منذ استقلالها، سنة 1958.

ومع تنامي المشاعر القومية والدينية في مجتمعات الفولان في غرب إفريقيا، ووصول عدد من أبناء الفولان إلى سدة الحكم في بلدان إفريقيا، يتزايد طموح الفولان الغينيين إلى الوصول إلى السلطة، وهو الحلم الذي عبَّر عنه عدد من قادة هذه القومية منذ الاستقلال وحتى إعلان زعيم المعارضة الفولاني، سيلو دالين، فوزه برئاسة غينيا.

وينضاف إلى هذا بعدان آخران، وهما: الثراء الهائل لقومية الفولان في دول غرب إفريقيا، زيادة على النَّفَس الجهادي الذي بدأ يستقطب عددًا كبيرًا من أبناء هذه القومية التي عُرفت بأنها المحضن الأساسي للإسلام في غرب إفريقيا(11).

وتضفي هذه المطامح المشروعة، والمظالم البارزة طابعًا تـأجيجيًّا للأزمة، التي قد تؤول إلى ما لا تحمد عقباه مع تصاعد أعمال العنف منذ تعديل الدستور، ومنذ إعلان فوز كوندي، خصوصًا إذا استخدمت السلطة المعطى العرقي في حماية أسوارها المتآكلة.

سيناريوهات الأزمة

يمكن الحديث عن ثلاثة سيناريوهات كبرى للمسارات المتوقعة للأزمة السياسية والأمنية في غينيا، ومن أبرزها:

1. الثورة الشعبية: من خلال احتكام المعارضة للشارع وتحريك الساحة رفضًا لاستمرار كوندي في الحكم، مستخدمة في ذلك المظاهرات والمسيرات والاعتصامات وربما الثورة الشعبية الغاضبة، وما من شك في أن مستوى تصدي السلطة لهذا المسار سيكون حاسمًا في صناعة المشهد الختامي، ودون شك سيكون قمع التظاهرات والتصدي لها بالقوة، فرصة لا تُعوَّض للعسكريين للتدخل، لممارسة التقليد الإفريقي العتيق باقتطاف السلطة، كلما توترت العلاقة بين النظام والمعارضة.

وما من شك في أن قوة زخم المظاهرات الجماهيري ليس كافيًا وحده لتحقيق أهدافها في إسقاط النظام، لكنها قادرة على توفير الظروف الكفيلة بتدخل المؤسسة العسكرية، وضغط القوى الخارجية الحريصة على محاصرة انهيار الدول وتوسع مساحات العنف، لإرغام كوندي على الخروج من السلطة، والتمهيد لفترة انتقالية أو حل توافقي يؤول إلى انتخابات رئاسية سابقة لأوانها.

ورغم أن هذا المسار قد بدأ بالفعل في الظهور واحتلال مساحة من الفعل وردَّته في غينيا إلا أنه يواجه عدة عقبات، أبرزها:

  • تباين مشارب المعارضة وتعارض مصالحها وتوزعها اجتماعيًّا وسياسيًّا وأمنيًّا بين دوائر ومعسكرات متعددة.
  • الطبيعة العنصرية للمؤسسة العسكرية: التي تسيطر عليها قومية المالينكي التي ينتمي إليها قادة الجيش الغيني، وغالبية عناصر الكتائب المقربة من كوندي والمكلفة بحراسته والتي عمل على اختيارها من قوميته بشكل انتقائي خاص(12).
  • عمق الشحن العنصري داخل البلاد: مما يجعل الثورة الشعبية مجرد حراك فئوي، لقومية في صف المعارضة ضد أخرى تملك السلطة وزمام الأمن ومنافذ المال.
  • غياب القيادة الإجماعية: حيث يفتقد المشهد المعارض في غينيا تلك الشخصية الجامعة التي تمتع بها الماليون في نضالهم لإسقاط نظام الرئيس السابق، إبراهيما أبو كيتا، وقد رفض مفتي غينيا، الإمام مامادو ساليو كامرا، مطالب قيادات وجماهير معارضة لأن يؤدي دورا مماثلًا لدور الإمام، محمود ديكو، في مالي، معلنًا رفضه لممارسة أي فعل سياسي(13).

2. الانقلاب العسكري: لا يمكن إلغاء فرضية الانقلاب العسكري لأسباب مختلفة، منها أن:

  • الانقلاب قد يمثل فرصة لإنقاذ ألفا كوندي وزمرته المحيطة بها ومصالحهم المشتركة إذا ما تواصل الغضب الشعبي وخرج في المدن الرئيسية عن السيطرة.
  • يمثل الانقلاب العسكري أيضًا فرضية دائمة بالنسبة للداخل والخارج لمنع انهيار غينيا وانجرارها إلى الحرب الأهلية التي طبعت كثيرًا من البلدان الإفريقية خلال العقود المنصرمة.

ويمكن أن يأخذ هذا الانقلاب أحد مسارين:

أولًا: انقلاب قيادة المؤسسة العسكرية: عبر إزاحة الرئيس وتولي وزير الدفاع أو قادة الصف الأول من المؤسسة العسكرية للحكم وإدارة فترة انتقالية، مجددين في ذلك النموذج الموريتاني المتكرر في سنوات 2005-2008 والذي يضمن حماية مصالح المؤسسة العسكرية وضمان تحكمها في صناعة المستقبل السياسي للبلاد.

ثانيًا: ثورة عسكرية: ويبدو النموذج المالي الأخير أقرب مثال على هذا النوع من الانقلابات، وبموجبه يتمكن جيل جديد من المؤسسة العسكرية، وخصوصًا من أصحاب الرتب الوسيطة والقيادات الشبابية، من السيطرة على السلطة وإزاحة النظام السابق والأجيال السياسية والعسكرية القريبة منه، ضمن سلسلة من الوعود والتطمينات الثورية التي تمتص الغضب الشعبي وتتماهى في كثير من مضامينها مع الخطاب المعارض.

وإذا كان الانقلاب العسكري المرتقب بقيادة ضباط أو جنود من قومية الفولان، فإن الأمر قد يفتح بوابة انتقام وتصفية عرقية في البلاد، خصوصًا إذا تصدى له العسكريون من قومية المالينكي.

ولا يمكن استبعاد أي من الخيارين لعوامل متعددة، من أبرزها:

  • أن الانقلابات العسكرية كانت العلاج الناجع إفريقيًّا لمعالجة أزمات الحكم والاضطرابات السياسية.
  • وجود تفهم دولي متزايد للانقلابات العسكرية، ويبدو المسار الذي أخذه انقلاب مالي الأخير مغريًا لكثير من الضباط والجنود الطموحين للقفز من دائرة التنفيذ إلى دائرة السلطة والحكم والنفوذ.
  • وجود قوى دولية كثيرة مناوئة للرئيس كيتا، وخصوصًا من جيرانه: السنغال وغينيا بيساو وسيراليون، التي تتمتع بأغلبية سكانية من قومية الفولان التي ينتمي إليها زعيم المعارضة، سيلو دالين ديالو، وقد تكون مهتمة إلى حدٍّ كبير بإنهاء نظام كوندي مع تحقيق مستوى من الأمن والهدوء في غينيا يمنع تصدير أزمتها السياسية إلى دول الجوار ذات الهدوء الهش والتوافقات السياسية المهزوزة.

3. الخروج المتدرج لكوندي من السلطة: يمكن القول: إن هذا الخيار قد يكون حلًّا مشرِّفًا لكوندي وقد ينال كثيرًا من الدعم والاهتمام الدولي، وبموجب هذا الخيار يمكن أن يؤدي كوندي نصف مأموريته قبل أن يدعو إلى انتخابات رئاسية لا يترشح لها، وبعد أن يصمم مع دائرة النفوذ المحيطة به شكل الحكم ونظام الخلافة الذي سيتولى الحكم من بعده، ويحمي مصالحه. ورغم إمكانية هذا الحل الذي تظهره بعض التلميحات والإشارات التي أعلنها كوندي في بعض خطاباته السياسية أثناء حملته الأخيرة، إلا أنه يواجه أزمة الثقة، ولا يمثل حماية كافية للرئيس المتهم بالفساد والتصفية العرقية والعنصرية من المحاكمة والمتابعة، ولا شك أن التجربة الموريتانية الأخيرة مثال على أن الخروج الانتخابي من السلطة ليس ضمانة كافية للإفلات من المساءلة، وفتح ملفات الفساد وجرجرة الرؤساء إلى المحاكمات ومصادرة الأموال.

ومن بين الاحتمالات المتعددة يبقى خيار العنف الاجتماعي والانقلاب العسكري أرجح سيناريوهات مسارات الأزمة في غينيا، ويبقى الانقلاب العسكري بشكل خاص أسرع الطرق الإفريقية لإنهاء أزمات السياسة وطموحات الحكم الفردي.

ABOUT THE AUTHOR

References

1) غينيا: لجنة الانتخابات تعلن فوز كوندي وسيلو دالين يقرر الطعن، الأخبار، 24 أكتوبر/تشرين الأول 2020، (تاريخ الدخول: 26 أكتوبر/تشرين الأول 2020):

https://alakhbar.info/?q=node/28779

2)- Guinea elections: Alpha Condé wins third term amid violent protests, bbc.com, on October 25, 2020 (accessed in October 27, 2020):

https://www.bbc.com/news/world-africa-54657359

3)- Jean Paul Kotèmbèdouno: L’Etat sans constitution? Projet de constitution approuvé versus Texte falsifié à vocation constitutionnellepublié, Guineeactuelle.com, Mai 2020, (vu le 20/20/2020):

http://guineeactuelle.com/wp-content/uploads/2020/05/Int%C3%A9gralit%C3%A9-de-la-Contribution.pdf

4) نيويورك تايمز: موسم انتخابات في إفريقيا والرؤساء المعمرون يرفضون المغادرة، القدس العربي، 11 أكتوبر/تشرين الأول 2020 (تاريخ الدخول: 20 أكتوبر/تشرين الأول 2020)

https://bit.ly/3mBfSaU /

5)- يُتهم كوندي بالتورط في الفساد، ويواجه مقربون منه قضايا أمام محاكم دولية في هذا المجال، يمكن للازدياد مطالعة هذا التقرير:

The French banker at the centre of a Guinean mining scandal, at france24.com , 16/12/2016. accessed in October 27, 2020):

https://www.france24.com/en/20161216-french-banker-combret-centre-guine…

6) على سبيل المثال، وساطة معهد كوفي عنان:

Guinée : l'opposition de nouveau dans la rue, DW deutsch velle, du 6 Janvier 2020, (vu le 20/20/2020):

https://www.dw.com/fr/guin%C3%A9e-lopposition-%C3%A0-nouveau-dans-la-rue/a-51902651

7) الأزمة السياسية في غينيا 2020م: "تداعيات الانقلاب الدستوري وحلم الخلود في السلطة"، قراءات إفريقية، 13 أكتوبر/تشرين الأول 2020، (تاريخ الدخول: 19 أكتوبر/تشرين الأول 2020):

https://bit.ly/3kK6uBt

8) المصدر السابق.

9) سيدي أحمد ولد الأمير، رئاسيات غينيا.. أي مستقبل للتحالفات السياسية والاصطفافات العرقية؟، مركز الجزيرة للدراسات، 11 أكتوبر/تشرين الأول 2015، (تاريخ الدخول: 25 أكتوبر/تشرين الأول 2020):

https://studies.aljazeera.net/ar/reports/2015/10/201510115335236468.html

10) موقع المعرفة: معلومات عامة عن دولة غينيا، موفع المعرفة، بدون تاريخ نشر، (تاريخ الدخول: 26 أكتوبر/تشرين الأول 2020):

https://bit.ly/31Uxvd

11) سيدي ولد عبد المالك، صعود الفولان في غرب إفريقيا: التفسير والخلفيات، الأخبار، 2 يناير/كانون الثاني 2020، (تاريخ الدخول: 26 أكتوبر/تشرين الأول 2020):

https://alakhbar.info/?q=node/22389

12)-  Gérald Arboit , Guinée : l’élection de tous les dangers, afrique.latribune.fr  10/10/2020, (vu le 20/20/2020):

https://afrique.latribune.fr/think-tank/tribunes/2020-10-10/guinee-l-el…

13)- Elhadj Saliou Camara tranche: "Pourquoi je n'agis pas comme Mahmoud Dicko", africaguinee.com du 4 aout 2020, (vu le 20/20/2020):

https://www.africaguinee.com