تطمح هذه الدراسة إلى تقديم عرض مُكثَّف للأفكار والتحليلات التي قدَّمها عالم الجغرافيا المصري الشهير، جمال حمدان (1928-1993)، عن الجغرافيا السياسية الليبية، والكشف عن دلالاتها السياسية والاستراتيجية المتجددة، المُعِينة على فهمٍ أعمقَ للصراع في ليبيا وعليها اليوم، ووضْعِها في سياقها التاريخي، بناءً على ما تراكم من معارف بعد صدور كتابه عن ليبيا، الذي يناهز عمره نصف قرن. وتعتمد الدراسة منهج التحليل السياقي المقارِن، فهي تفحص ارتباط نص حمدان عن ليبيا بسياقات الزمان والمكان، وتضعه في سياق الفكر الحمداني بشكل عام، وتقارنه أحيانًا بدراسات مؤلفين آخرين عن الجغرافيا الليبية والتاريخ الليبي، في مسعى للتمييز بين ما صمَد من آراء حمدان وتحليلاته على مدى العقود، وما كان منفعلًا فيه بالسياقات السياسية الظرفية، أو متأثرًا بالخيارات الأيديولوجية التي تبنَّاها، مع الحرص على تجنب الخطايا الكلاسيكية في الجغرافيا السياسية، خصوصًا الجبرية المكانية، والمركزية العرقية.
تبدأ الدراسة، التي أعدَّها الدكتور محمد المختار الشنقيطي، أستاذ الفكر السياسي في جامعة قطر، بمدخل عام يُبيِّن الملامح العامة للفكر الجغرافي لدى حمدان، ومنهجه الفكري المتفرِّد في دراسة الجغرافيا السياسية، ثم يمتد صُلْب الدراسة باسطًا أمَّهاتِ القضايا التي طرحها حمدان في دراسته للجغرافيا السياسية الليبية، والمفاهيم الأساسية التي شكَّلت مفاتيح تصوره التحليلي في هذا المضمار. كما تتضمن الدراسة تحفظاتٍ مبدئيةً على بعض ما ذهب إليه حمدان، ومراجعاتٍ نقديةً لبعض ما طرحه، ثم تنتهي الدراسة بخلاصات عن بعض الأفكار الباقية من تأملات حمدان في الجغرافيا السياسية الليبية، وبعض الدلالات الاستراتيجية للأفكار التي طرحها، وسبُل استثمار تلك الأفكار في إخراج ليبيا من أزمتها الحالية، وفي تحقيق العدل والحرية للشعب الليبي طبقًا لمبادئ ثورة 17 فبراير/شباط 2011.
خصائص الجغرافيا السياسية الليبية الثابتة
توصل البحَّاثة، جمال حمدان، في دراسته للجغرافيا السياسية الليبية إلى بعض الخصائص الثابتة التي تحدد موضعها وموقعها وأبعادها، ويجملها الدكتور محمد المختار الشنقيطي في السمات الآتية:
أ- شريط ونواتان وغلافٌ
من حيث الموضِع: استقرأ حمدان بنية ليبيا الجغرافية الداخلية، بحثًا عن "القاسم المشترك في جغرافية ليبيا السياسية التاريخية"، فوجدها بلدًا فسيحَ الأرجاء، هشَّ البناء، قليل السكان، يتركَّز سكانه على الشريط الساحلي الممتد من طرابلس غربًا إلى طبرق شرقًا، فـ"هذا النطاق المتوسطي هو القطاع المعمور الفعَّال حقيقةً في ليبيا... وهو النواة النووية للدولة". إنه "ذلك الكورنيش الحاسم والحاكم، شارعُ ليبيا الرئيسي والشرياني". وبغضِّ النظر عن التقسيمات الإدارية التي تتابعت على ليبيا منذ الاستقلال إلى اليوم، من الولايات الثلاثة في العصر الملكي، إلى المحافظات العشرة بعد ذلك، فإنها تنقسم طبيعيًّا -في نظر حمدان- إلى أربعة أقاليم في شكل أربعة مربعات، هي: طرابلس، وفزَّان، وبرقة، والكفرة. على أن إقليم فزان يمكن إلحاقه جغرافيًّا بإقليم طرابلس، وإقليم الكفرة يمكن إلحاقه بإقليم برقة.
وبذلك، يختزل حمدان الجغرافيا الليبية في شطرين كبيرين، لكل منهما نواة معمورة وحوض صحراوي يحيط بها: "نواتَا طرابلس وبرقة في الشمال، ثم حوْضَا فزَّان والكفرة في الجنوب". فإقليم طرابلس هو نواة الشطر الغربي ومحيطه هو فزان، وإقليم برقة هو نواة الإقليم الشرقي ومحيطه هو صحراء الكفرة. ويختلف إقليم فزان -المعمور نسبيًّا- عن صحراء الكفرة، ومع ذلك، فإن "المعمور الليبي الحقيقي إنما هو نواتا طرابلس وبرقة". أما صحراء الكفرة فنسبة المعمور منها ضئيلة جدًّا، ولذلك وصفها حمدان بأنها "الرُّبع الخالي الليبي"، تشبيهًا لها بصحراء الربع الخالي الشاسعة، التي تغطي الجزء الجنوبي الشرقي من السعودية.
وقد أنتجت الكثافة السكانية المفرطة على الساحل المتوسطي الليبي اختلالات بنيوية عميقة؛ ذلك أن "القلب السياسي الحيوي النابض للدولة يقع على ضلوعها [=على الشريط الساحلي]، بينما القلب الجغرافي النظري أو الهندسي هو قلب ميتٌ تقريبًا من الناحية البيولوجية". وأدت هذه الاختلالات الديمغرافية إلى تفاوت في التنمية الاقتصادية والاجتماعية بين الشمال الساحلي والجنوب الصحراوي، ونما جرَّاء ذلك إحساس بالغبن في الغلاف الصحراوي الجنوبي، الذي يشكِّل القسم الأعظم من الجغرافيا الليبية، رغم عدد سكانه الضئيل نسبيًّا.
وقد تحدث حمدان عمَّا وصفه بـ"إهمال الأطراف" في ليبيا، ولاحظ وجود "فارق كبير -بل حاد- في مستوى الحضارة، والخدمات، والاهتمام، بين السواحل والدواخل"، أي بين سكان الشريط الساحلي المتوسطي وسكان الفضاء الصحراوي الشاسع، رغم أن الصحراء الليبية ليست عبئًا على الدولة، فقد ظهرت فيها بعض ثروات النفط والغاز، كما أنها "غلاف لنواة الشمال يحميها بالعمق الاستراتيجي". وقد اتضح ذلك جليًّا أيام جهاد الشيخ الشهيد، عمر المختار، للاستعمار الإيطالي.
ب- ثنائية إقليمية مزمنة
من معالم الجغرافيا السياسية الليبية ظاهرة "الثنائية الإقليمية" بين الغرب الطرابلسي، والشرق البرقاوي. وهي ظاهرة ضاربة الجذور في الجغرافيا الليبية والتاريخ الليبي، ولها أبعاد سياسية واجتماعية واستراتيجية كبيرة في الصراع الحالي في ليبيا، وعلى ليبيا. وقد توقَّف جمال حمدان طويلًا عند هذه الثنائية، وكان من نفاذ بصيرته إدراكُه أن هذه الثنائية الإقليمية بين شرق ليبيا وغربها هي "أخطر هذه الجبهات وأثقلها بالنتائج". وكأنما يعيش حمدان بين ظهرانينا اليوم، يقول الدكتور محمد المختار الشنقيطي، ويتابع يوميات الحرب الليبية الدائرة، والانشطار السياسي الحالي بين شرقها وغربها، رغم أنه توفي منذ نحو ثلاثة عقود، وكتب هذا الكلام منذ نحو نصف قرن. فما قصة الثنائية الإقليمية في ليبيا؟ وما جذورها التاريخية، وأبعادها الجغرافية، وآثارها المستقبلية؟
يفْصِل بين الشطرين الليبيين الكبيرين، الغربي الطرابلسي والشرقي البرقاوي، خليجُ (سرت) -الذي يتمدد البحر المتوسط من خلاله فيما يشبه المثلَّث المائي داخل التراب الليبي- ثم الفاصل الصحراوي الممتد منه جنوبًا إلى نهاية الحيز الجغرافي الليبي. وقد شكَّل هذا الحاجز الطبيعي -تاريخيًّا- معضلة وعائقًا من عوائق الوحدة السياسية الليبية، خصوصًا قبل اكتشاف النفط. وقد كشف حمدان الجذور التاريخية لهذه الثنائية الإقليمية الضاربة الجذور في تاريخ ليبيا السحيق، ولاحظ ظاهرة "الثنائية السياسية" الداخلية، و"الاقتسام الثنائي" الخارجي للأرض الليبية بين القوى المحيطة بها، مستغلة هذه الثنائية الداخلية المزمنة، كلما ضعفت السلطة المركزية الليبية. وفي ذلك يقول حمدان: "من أبرز -إن لم تكن أبرز- ملامح التاريخ الجيوبوليتيكي لليبيا اقتسامُها مرارًا وتكرارًا بين أكثر من قوة خارجية، أو استعمار أجنبي، في وقت واحد. وكان هذا الاقتسام عادة ينصرف إلى برقة وطرابلس في الدرجة الأولى. فنحن نستطيع أن نحصر سبع أو ثماني حالات على الأقل وقعت فيها برقة لقوة أجنبية، في حين خضعت طرابلس لقوة أخرى. على الترتيب: برقة الفرعونية مقابل طرابلس الفينيقية، برقة الإغريقية وطرابلس القرطاجَنِّيَّة، برقة البطلمية وطرابلس الرومانية، برقة بيزنطة وطرابلس روما، برقة فارس وطرابلس الفاندال، برقة الفاطمية وطرابلس إفريقية [=تونس]، وأخيرًا، برقة العربية وطرابلس النورمان والإسبان".
وقد دفع هذا الاستقراء التاريخي حمدان إلى الاقتناع بأنه "لا يمكن لهذه الثنائية الملحَّة المتوتِّرة أن تكون مجرد صدفة تاريخية، بل لابد أنها بصورة ما تركيبٌ ما أصيل في كيان ليبيا الطبيعي، هو بلا شك الثنائية الإقليمية بين هاتين الجزيرتين المتباعدتين اللتين تفصل بينهما شُقَّة صحراوية شاسعة". وربما لم يكن إعلان السنوسيين تأسيس إمارة برقة دولة مستقلة، عام 1949، بعيدًا عن طرابلس والإقليم الغربي، سوى عرَض من أعراض هذه الثنائية الإقليمية المزمنة في ليبيا.
ج- وحدة رغم الثنائية
ومع ملاحظة حمدان أن ظاهرة الثنائية الإقليمية تركيبٌ أصيلٌ في الجغرافيا السياسية الليبية، فقد نبَّه إلى أن ليبيا -رغم ذلك- ظلت كيانًا سياسيًّا واحدًا، عبر حقب تاريخية متطاولة، خصوصًا إبان الحكم الروماني والحكم العثماني. فالوحدة السياسية الليبية ضاربة الجذور في أعماق التاريخ؛ إذ ترجع جذورها إلى العصر الروماني، فقد حكم الرومان حوض البحر المتوسط كله بعد استيلائهم على بلاد اليونان على الضفة الشمالية من المتوسط، وعلى الساحل الإفريقي الممتد على ضفته الجنوبية.
وفضلًا عن وحدة الجغرافيا الليبية، فإنها تتسم بانسجام البناء أيضًا؛ فلا يُقِرُّ حمدان بوحدة الجغرافيا السياسية الليبية فحسب، بل يلاحظ كذلك أن "شكلها الهندسي منتظمٌ"، كما هي الحال في دولة مثل مصر، ذات هوية جغرافية وسياسية متماسكة وضاربة الجذور في التاريخ. وفي ذلك، يقول حمدان: "لا شكَّ أن أبرز ما يميز الشكل الجغرافي للدولة [الليبية] اليوم هو الانتظام والاندماج الشديد؛ فليبيا تخرج برقعة سياسية مندمجة ملمومة إلى أقصى حد، تخلو تمامًا من الزوائد والأطراف، أو الأسافين والجيوب الهامشية، بحيث يكاد الشكل الجغرافي للدولة أن يكون مثاليًّا تقريبًا، شأنه في ذلك كثيرًا شأن مصر، المثَل الكلاسيكي لشكل الدولة النموذجي في كتب الجغرافيا السياسية".
الأبعاد الليبية الأربعة
تطبيقًا لنظريته في الأبعاد المتعددة، وجد حمدان أن ليبيا ذاتُ أبعاد أربعة، يمثل كلٌّ منها دائرةً من العلائق التاريخية؛ وهي دائرة المغرب العربي، ودائرة المشرق العربي، ودائرة البحر المتوسط، ودائرة الصحراء الكبرى. وتمتد أوروبا وراء الدائرة المتوسطية، وإفريقيا وراء الدائرة الصحراوية. وتشكِّل كلٌّ من هذه الدوائر الأربعة بُعدًا من أبعاد الذات الليبية، فلا يمكن فهم الجغرافيا السياسية الليبية، والتاريخ السياسي الليبي، دون أخذ هذه الدوائر كلها في الاعتبار.
فهذه الأبعاد الجغرافية والتاريخية هي عصارة الكينونة الليبية "ومن توازنات الشد والجذب بينها تخرج وجهةُ البلد الطبيعية، ويتشكَّل وجهها البشري، وشخصيتها الإقليمية، كما تتحدد بوصلتها السياسية".
وقد قدَّم حمدان تقييمًا لكل من هذه الأبعاد الأربعة، وأهميته لليبيا على الترتيب:
- البُعد المغربي (أو المغاربي بلغتنا اليوم) هو أهم هذه الأبعاد، وهو عمقُ ليبيا التاريخي والبشري؛ ولذلك "يأتي البُعد المغربي في الطليعة من أبعاد ليبيا جميعًا. فمن دائرة المغرب -قطبِ الأساس بلا جدال- استمدَّت ليبيا سكانها الأصليين جنسًا ولغةً وهم البربر [=الأمازيغ]، كما تحدَّدت معظم ملامح حضارتها وطريقة حياتها اليومية".
- ويلي ذلك في الأهمية البعد المشرقي لليبيا، الذي يربطها بمصر والجزيرة العربية، والمشرق العربي بشكل عام. فهذه الدائرة المشرقية "هي الثِّقل المقابل والمغناطيس المضاد [للبُعد المغاربي]، دون أي تعارض أو تناقض مع ذلك. منها استمدَّت ليبيا عروبتها وإسلامها، أو ثقافتها وعقيدتها، بينما كانت ليبيا هي التي قدَّمت العرب والإسلام إلى المغرب وقدَّمته إليهما"(49).
- ثم يلي ذلك البعد الشمالي البحري، وهو بعدٌ مهم "ارتبطت فيه [ليبيا] وقواه منذ فجر التاريخ". لكن هذا البعد كان مصدر تهديد تاريخي لليبيا، كما يقول حمدان؛ حيث كثيرًا ما كانت العلاقة بين ليبيا وجوارها البحري الشمالي "استعمارًا داميًّا، إما استيطانيًّا وإما استراتيجيًّا، إما نهبَ قراصنة، وإما غاراتٍ صليبيةً...". لكن هذا البعد يحمل فرصًا مهمة؛ إذ "يمكن أن يتطور إلى المشاركة في مشروع وحدة البحر المتوسط، والتعاون بين دول الشرق الأوسط ودول غرب أوربا".
- وأخيرًا يأتي البعد الجنوبي الصحراوي الذي يربط ليبيا بجوارها الإفريقي. ويرى حمدان أن هذا البعد هو "أضعفُ أبعاد ليبيا" وأنه كثيرًا ما كان مصدر خطر عليها "منذ القديم" كما هو شأن بُعدها الشمالي البحري. ومع ذلك، "يعطي هذا البعد الإفريقي لليبيا مكانًا ومكانة ملحوظيْن في الوحدة الإفريقية، وفي تدعيم العلاقات العربية-الإفريقية".
وبجانب فكرة الأبعاد الأربعة والمحورين الأفقي والرأسي، يرى الدكتور محمد المختار الشنقيطي أن هناك بعدًا مفقودًا في تحليل حمدان للجغرافيا السياسية الليبية، وهو البعد الأناضولي. فبدلًا من الحديث عن أبعاد أربعة لليبيا، ربما يكون الأدق الحديث عن أبعاد خمس: ثلاثة أبعاد برية (المشرقي والمغربي والإفريقي) وبعدان بحريان (أناضولي وأوروبي). لكن حمدان لم يمنح البعد الأناضولي حقه من الاهتمام، رغم عمقه التاريخي وأهميته الاستراتيجية. ويكفي دلالة على أهمية هذا البُعد ما أشرنا إليه من قبلُ من حُكم عثماني -مباشر وغير مباشر- لليبيا على مدى أربعة قرون، وصيانة العثمانيين للأرض الليبية على مدى تلك القرون من القوى الأوروبية الصاعدة، المحمَّلة بدوافع الثأر التاريخي والنفوذ الاستراتيجي.
إن حمدان وضع البعد الأناضولي ضمن البعد البحري الشمالي، ونظر إلى كل ذلك بمنظور الاحتلال الأجنبي للأرض الليبية، وهو في ذلك يقول: "رغم أنها جاءت مدعوَّة للتحرير، فإن القوة التركية تحوَّلت بالأمر الواقع إلى استعمار تقليدي، وإن يكن من نوع خاص هو الاستعمار الديني، تمامًا كما حدث في الجزائر من قبل وتونس من بعد". وهذه –في نظر الباحث- زلَّة كبيرة من حمدان، تتجاهل الفارق الكبير بين العثمانيين الذين جاءوا إلى ليبيا لتخليصها من تسلط "الفرسان الصليبيين" من الطليان والإسبان، وبين القوى الأوروبية المعادية للشعب الليبي، دينًا وحضارة وثقافة. كما أن الحديث عن "استعمار ديني" في هذا السياق يتناقض تمامًا مع ما أقرَّ به حمدان نفسه من "دور الدين في الصراع والوعي القومي في المغرب العربي كله"، ومع ما لاحظه باحثون غربيون مختصون في الشأن الليبي من عمق الإيمان بالوحدة الإسلامية في ثقافة الليبيين.
ويندرج هذا الموقف السلبي من حمدان تجاه البعد الأناضولي لليبيا ضمن منظور سلبي تجاه الأتراك وكل ما له صلة بهم. وهو يتجاهل الإسهام التركي العظيم في الذبِّ عن حياض الإسلام وبناء الحضارة الإسلامية نحو تسعة قرون، من تنصيب أول سلطان سلجوقي في بغداد عام 1055 إلى عزل آخر سلطان عثماني عام 1924. ولا يكاد يخلو كتاب من كتب حمدان من هذا التحامل والتحيز ضد الأتراك. ففي كتابه "استراتيجية الاستعمار والتحرير" جعل حمدان الدولة الإسلامية حين حكمها العرب "إمبراطورية تحريرية"، بينما جعل الحكم التركي للعالم الإسلامي نوعًا من "الاستعمار الديني" للعالم العربي؛ حيث "جاء الأتراك في مسوح الدين الإسلامي وتحت قناعه!" كما يدَّعي حمدان، الذي يزعم أيضًا أن ما دعاه "الاستعمار التركي" لبلاد العرب كان "استعمارًا عقيمًا في نتائجه وإنجازاته".
والحق أن الهوية التركية –في نظر الدكتور محمد المختار الشنقيطي- لا تختلف عن الهوية العربية في شيء: فكلا الشعبين تصدَّرا في تاريخ الحضارة الإسلامية، فاكتسبا هوية ديناميكية مفتوحة، واندمجت في أحشائهما أعداد لا تُحصَى من الشعوب الإسلامية الأخرى، وأصبحت جزءًا عضويًّا من تكوينهما. وقد أقرَّ حمدان نفسه بأن "أغلب العالم العربي هم -لغويًّا- من المستعربين، لا من العرب أصلًا". ويمكن أن نضيف إلى ذلك أن صُنَّاع مجد مصر الإسلامية -منذ الدولة الطولونية وحتى نهاية عصر المماليك- إنما هم الترك والكرد الأيوبيون، إذا استثنينا الحقبة الفاطمية.
وترجع جذور تحيزات حمدان ضد تركيا والأتراك إلى التمايزات القومية المعاصرة التي نتجت عن تفكيك الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى، وما ترتب عليها من تقطيع الأرحام التاريخية بين العرب والترك، وإدبار بعضهم عن بعض، ونسيان كثير منهم للتجربة الحضارية المشتركة التي جمعت بينهم على مدى القرون. وفي كل الأحوال، فإن إسقاط مقولات الاستعمار والتحرير المعاصرة على إمبراطوريات إسلامية قديمة تجمع مختلف الأقوام الإسلامية غير موفَّق، وما كان ليقع فيه مفكر كبير بمستوى جمال حمدان لولا الهوى القومي، الذي أعمى كثيرًا من العرب والأتراك المعاصرين عن رؤية ما يجمع بينهم من أرحام دينية وتاريخية.
الدلالات الاستراتيجية المتجددة
تتسم العديد من أفكار حمدان عن الجغرافيا السياسية الليبية بالصلابة ومقاومة الزمن، فهي لا تزال تحافظ على قيمتها رغم مرور نحو نصف قرن على كتابتها، والسبب في ذلك هو منهجية حمدان التي تركِّز على العناصر الثابتة من الجسد السياسي، كالموضع والموقع والأبعاد. وفي حالة كتابه عن ليبيا تحديدًا، فإن أفكار حمدان عن المربعات الليبية الأربعة، وعن النواتين وغلافهما الصحراوي، وعن مشكلة اتساع المساحة وندرة السكان، وعن أبعاد ليبيا المتعددة... لا تزال مفاتيح تحليلية ثمينة لأية دراسة سياسية أو استراتيجية للحالة الليبية.
ولا تزال بعض المعادلات الليبية التي تحدث عنها حمدان ثابتة نسبيًّا، فالاختلال بين الوفرة الجغرافية والندرة الديمغرافية لم تتغير كثيرًا منذ أن ألَّف حمدان كتابه قبل نحو نصف قرن، بل إن بعض الدراسات الليبية الحديثة نسبيًّا تشير إلى تراجع النمو الديمغرافي الليبي في العقود الأخيرة، ومنها دراسة للباحث والسياسي الليبي، نزار كعوان، لاحظ فيها تراجع النمو السكاني في ليبيا من 2.8% عام 1995 إلى 1.8% عام 2006، واعتبر "تهديد الفراغ السكاني" أحد التهديدات الاستراتيجية لمستقبل ليبيا، وعبَّر عن خشيته من أن يتم ملء هذا الفراغ من جهة الجنوب أو الشرق.
ويشير الباحث إلى بعض الدلالات الاستراتيجية المتجددة لأفكار جمال حمدان عن الجغرافيا السياسية الليبية، ويكتفي من ذلك بثلاث قضايا كبرى، محلية وإقليمية ودولية، وهي: انبعاث الثنائية الإقليمية من جديد في ليبيا بشكل خطير يهدد وحدة البلاد، والانزياح السياسي في أدوار الأبعاد الليبية وفي آثارها على ليبيا، ثم تجدد التكالب الدولي على ليبيا فيما يشبه الأعوام السابقة على استقلالها.
أولًا: انبعاث الثنائية الإقليمية
إن إحدى أعظم المعضلات التي تعيشها ليبيا اليوم هي التجاذب السياسي الناتج عن الثنائية الإقليمية الضاربة الجذور في الزمان والمكان الليبييْن؛ فثنائية الغرب الطرابلسي والشرق البرقاوي إشكالية موغلة في القدم، وقد تولَّد عن هذه الثنائية -ولا يزال يتولَّد- عددٌ من الحساسيات الاجتماعية والثقافية التي تتجسد أحيانًا في شكل تجاذب سياسي يهدِّد كينونة الدولة الليبية ووحدتها. وكثيرًا ما استغلت القوى الصاعدة في الجوار الليبي والقوى الدولية الطامعة هذه الثنائية، لإضعاف ليبيا، وتسهيل السيطرة عليها، أو على شطر منها على الأقل.
وربما يكون المدخل المناسب للتغلب على إشكالية الثنائية الإقليمية اليوم هو التعامل معها باستراتيجية من شقين: متناقضين في ظاهرهما، ومتكاملين في حقيقة الأمر. أولهما: تدعيم قوة السلطة المركزية، من خلال بناء نواة عسكرية وأمنية وإدارية مهنية وصلبة، ومنقادة للسلطة المدنية الشرعية. وليس هذا بالأمر السهل في ظل الاستقطاب السياسي والعسكري الحالي؛ حيث لا يزال بعض الليبيين متمسكين بسلاحهم بدوافع شتى، كما لاحظ إبراهيم فريحات، فبعضهم بسبب "ضعف الثقة في عملية الانتقال السياسي،" وآخرون بسبب "الحرص على إنقاذ ثورة 17 فبراير/شباط".
والشق الثاني من هذه الاستراتيجية هو المرونة السياسية في توزيع السلطة والثروة بما يرفع الإحساس بالغبن أو التميز، ويُنَمِّي روح الولاء للوطن الواحد. فالانتهازية التي حكَم بها معمر القذافي ليبيا أربعة عقود (1969-2011)، وضرْبه بعض مكونات المجتمع ببعض، رسَّخا البداوة السياسية، والرخاوة الإدارية، والانشطار الإقليمي؛ وهذا أمر يحتاج الليبيون إلى تداركه اليوم. ومن غير علاج ناجع للثنائية الإقليمية، والاستقطاب السياسي والعسكري، سيظل خطرُ الاقتسام الثنائي تهديدًا للدولة الليبية، سواء جاء في شكل تقاسم ناعم للنفوذ، أو اقتسام صلْبٍ للجغرافيا الليبية.
ثانيًا: انزياح الأبعاد الليبية
من الدلالات الاستراتيجية المتجددة قضية الأبعاد الليبية الأربعة التي شرحها حمدان باستفاضة. فهذه الأبعاد الأربعة -التي اعتبرها الباحث خمسًا بإضافة البعد الأناضولي إليها- جعلت ليبيا موقع جذب للقوى الإقليمية في حوض المتوسط وحوله، بل للقوى الدولية البعيدة مثل روسيا وأميركا. وكثيرًا ما وضع هذا التجاذب ليبيا في حالة انكشاف استراتيجي أمام القوى الخارجية. بيد أن تغيُّرًا عميقًا قد جدَّ على هذه الأبعاد منذ أن نشر حمدان كتابه عن ليبيا، عام 1973، فيما يشبه الانزياح السياسي في أدوار هذه الأبعاد وآثارها، فضلًا عن بروز البعد الأناضولي، الذي كان ضامرًا في الماضي، وتجاهله حمدان في كتابه:
- فالبعد المشرقي الذي رآه حمدان سندًا ومددًا طبيعيًّا لليبيا أصبح اليوم خطرًا عليها. ولم يكن ذلك بسبب تغيُّر في الوشائج التاريخية والحضارية العميقة التي تربط الشعب الليبي بشعوب المشرق العربي، خصوصًا في مصر، بل لأن هذا الجوار المشرقي أصبح في موقع المفعول به استراتيجيًّا، منذ اندراج مصر في الفَلَك الأميركي-الإسرائيلي، وارتهان سوريا للسطوة الروسية، وانخراط السعودية في حركة الثورة المضادة. لقد مضت تلك الأيام التي كان فيها الليبيون يلجؤون إلى مصر من همجية الاحتلال الإيطالي الفاشي، ويتخذونها عمقًا استراتيجيًّا لمقاومة ذلك الاحتلال، كما مضت تلك الأيام التي كانت فيها ليبيا ممرًّا للسلاح المصري إلى الثورة الجزائرية المجيدة ضد الاستعمار الفرنسي، وحلَّ محلَّها واقع جديد أصبحت مصر فيه اليوم جسرًا لاحتلال جديد مقنَّع، يسعى لوأد الثورة الليبية، والسيطرة على ثروة ليبيا وقرارها. وهذا الواقع الجديد -وإن كان عارضًا طارئًا- يضع ليبيا في حرج استراتيجي كبير.
- والبعد المغاربي الذي تنتمي إليه ليبيا بشريًّا وجغرافيًّا مشلول الإرادة إلى حدٍّ بعيد في التعامل مع المعضلة الليبية، رغم الإمكانات السياسية والعسكرية الكبيرة التي تمكِّنه من ترجيح كفة الديمقراطية والتحرر في ليبيا. ولعل الجزائر تتحمَّل المسؤولية الكبرى في تراخي الدور المغاربي في ليبيا اليوم؛ فالجزائر هي المعادل المغاربي لمصر في الحالة الليبية من حيث الحجم والقوة، وتمتد حدودها مع ليبيا مسافة شاسعة كامتداد الحدود الليبية المصرية، ويقع عدد من حقول نفطها وغازها قرب حدودها مع ليبيا. لكن الحياد السلبي لا يزال يهيمن على الموقف الجزائري في ليبيا، لأسباب كثيرة، ربما يكون أهمَّها التأثيرُ الفرنسي على النخبة الحاكمة في الجزائر، وخوف هذه النخبة من أي موقف يثير حفيظة فرنسا. وتبقى اتفاقية "الصخيرات" التي رتَّب لها واحتضنها المغرب هي النقطة المضيئة في الموقف المغاربي كله. لكن المغرب ليست له حدود مشتركة مع ليبيا، ولا يملك أكثر من المبادرة الدبلوماسية التي قد لا ترحب الجزائر بنجاحها، نظرًا للحساسية السياسية العدَمية المزمنة بين البلدين منذ عقود، بسبب الخلاف على الصحراء.
- والبعد الجنوبي الإفريقي الذي اعتبره حمدان أضعف أبعاد ليبيا لم يعد اليوم ضعيف التأثير فيها. والسبب هو أن هذا البعد أصبح امتدادًا للبعد الشمالي في تأثيره على ليبيا، بسبب النفوذ الفرنسي في الدول الإفريقية جنوب ليبيا (خصوصًا تشاد والنيجر). ورغم أن هذا البُعد يحمل إمكانات لبناء جسور سياسية مهمة، بحكم الترابط الإسلامي بينه وبين ليبيا، إلا أن ضعف الدول الإفريقية المجاورة لليبيا من جهة الجنوب، وارتهان إرادتها السياسية لفرنسا، جعل أثرها على القضية الليبية يتراوح بين السلبي المضرِّ، والسالب الذي لا وزن له. أما السودان -الذي يجمع بين البُعدين، الإفريقي والعربي- فقد اتسم تأثيره في الصراع الليبي الحالي بالسلبية الشديدة، واستمدَّ منه الخارجون على الشرعية الليبية بعض المدد من المقاتلين المرتزقة، تبعًا لمواقف دول عربية وغربية منخرطة في الثورة المضادة لمطامح الشعب الليبي وغيره من الشعوب العربية.
- أما البعد البحري الأوروبي فهو مزيج من الأطماع الاستعمارية العتيقة، والارتباك في التعامل مع الحالة البركانية على الضفة الجنوبية من البحر المتوسط بشكل عام. ففرنسا هي أشد الدول عداوة لمطامح الشعب الليبي إلى الحرية والديمقراطية واستقلال القرار. وتنظر فرنسا تقليديًّا إلى ليبيا باعتبارها منطقة فراغ داخل إقليم تهيمن عليه الاستراتيجية الفرنسية، ولم تفتأ فرنسا تطمح إلى إدراج ليبيا ضمن مناطق نفوذها المحيطة بليبيا من جهة الغرب (تونس والجزائر)، ومن جهة الجنوب (النيجر وتشاد). فما لاحظه حمدان من خطر البعد البحري على ليبيا يتجسد اليوم أكثر ما يتجسَّد في السياسة الفرنسية. ورغم أن هناك دولًا أوروبية أخرى أقل عداوة وأكثر تفهمًا -في الظاهر- لمطامح الشعب الليبي، فإن البعد البحري الأوروبي عمومًا كان -ولا يزال- خطرًا على حرية ليبيا واستقلال قرارها.
- ويبقى البعد الخامس البحري الناضولي أأناضولي -الذي أغفله حمدان- هو أهم هذه الأبعاد اليوم، وأعمقها أثرًا في المعادلة الليبية. فالاتفاق بين تركيا وليبيا على تحديد حدود المياه الاقتصادية الخالصة بين البلدين، وعلى عدد من أوجه التعاون الاستراتيجي الأخرى، فتح الباب لتغيير المعادلة الداخلية الليبية لصالح التحول الديمقراطي واستقلال القرار، وفجَّر إمكانات كامنة للتعاون المثمر، قد تغيِّر مصائر الشعوب المسلمة التي تطوِّق البحر المتوسط من الجنوب، والشرق، وشمال الشرق. فالحلف الاستراتيجي بين تركيا وليبيا يمثِّل مكسبًا استراتيجيًّا للطرفين وللإقليم كله، كما يرى الدكتور محمد المختار الشنقيطي، بالنظر إلى تأثيره على أمور كبرى، منها: غاز شرق المتوسط، ومستقبل الثورات العربية، والعلاقات التركية-المغاربية، والعلاقات التركية-الأوروبية. كما أن هذا الحلف قد يكون عاصمًا من تقسيم ليبيا على خطوط الثنائية الإقليمية القديمة بين شرقها وغربها؛ ذلك أن بقاء ليبيا موحَّدة مصلحة استراتيجية تركية؛ لأن الشرق الليبي هو المواجه للسواحل التركية، ومن دونه لا يكون لاتفاقية المياه الاقتصادية بين البلدين قيمة قانونية كبيرة.
والعبرة المهمة من هذه الانزياحات السياسية والاستراتيجية في الأبعاد الليبية، هي أن هذه الأبعاد، رغم ثباتها الجغرافي، فإن أثرها الاستراتيجي غير ثابت؛ فما كان بُعدًا مشرقيًّا مساندًا لقوة ليبيا أصبح خصمًا من قوَّتها اليوم، وما كان بُعدًا مغاربيًّا وعمقًا استراتيجيًّا لليبيا يتَّسم اليوم بسلبية وعجْز تجاه الصراع الليبي. وما كان بعدًا جنوبيًّا إفريقيًّا أصبح مُلْحَقًا بالبعد الشمالي في وجهه الفرنسي. أما ما كان جزءًا ثانويًّا من بُعد ليبيا البحري -وهو تركيا- فقد أصبح اليوم أهمَّ الأبعاد الليبية وأعمقها أثرًا استراتيجيًّا. وقد يحمل المستقبل تبدلاتٍ سياسيةً في أدوار هذه الأبعاد الليبية الخمسة، وتأثيرها في المعادلة الداخلية الليبية، خصوصًا إذا تبدَّلت المعادلة السياسية الداخلية في مصر والجزائر لصالح الانتقال الديمقراطي وحكم الشعوب. وفي كل الأحوال، فإن ثبات الجغرافيا ينبغي قراءتُه في ضوء تحوُّل الاستراتيجيات، وتبدُّل الاستراتيجيات ينبغي تأطيره بعوامل الثبات الجغرافي.
وخلصت الدراسة إلى أن الأفكار الكبرى التي طرحها جمال حمدان لا تزال تحتفظ بالكثير من قيمتها في فهم الصراع في ليبيا وعليها اليوم، خصوصًا إذا وُضعت هذه الأفكار في سياق الزمان، ونُظر إليها نظرة مرنة، تميِّز بين ثوابت الجغرافيا وتحولات السياسة. وقد استدركت الدراسة على حمدان تجاهله للبعد الأناضولي من أبعاد ليبيا، وأضافت هذا البعد الخامس إلى الأبعاد الليبية الأربعة التي ذكرها. كما تحفَّظتْ الدراسة على موقفه الأيديولوجي تجاه الأتراك بشكل عام. وفي هذا الموقف تحديدًا يبدو أن جمال حمدان -على عُمْق تحليلاته وسعَة اطلاعه- لم يستطع التخلص تمامًا مما دعاه الباحث: الخطايا الكلاسيكية في الجغرافيا السياسية، وأهمها: الجبرية المكانية، والمركزية العرقية. ففي دراسته الموسوعية عن "شخصية مصر"، وفي دراسته عن ليبيا -بشكل أخفَّ- تبدو الجبرية المكانية حاضرةً في تفكيره. وفي حديثه عن الأتراك وتاريخهم، تبدو المركزية العرقية طاغيةً على تحليلاته ضمن جميع كتبه. وهذا أمرٌ من المهم أن ينتبه له دارسو حمدان والمعجبون بسيرته العلمية والعملية، وهم اليوم كثير.
ومع هذه الاستدراكات والتحفظات، يبقى جمال حمدان شخصية علمية ذاتَ نظرة ثاقبة، وتظلُّ نظَراته ونظرياته في الجغرافيا السياسية العربية عميقة ومثيرة للتفكير والتدبُّر. وعسى أن يجد تراث هذا المفكر اللامع اهتمامًا جديدًا، يتجاوز ما هو شائع اليوم من تمجيد عبقريَّته الشخصية، والتحسُّر على حياته الصعبة، والتوجُّع على وفاته المُفْجعة، إلى استثمار أفكاره، وتقويمها، ونقدها، ثم البناء عليها، من أجل تحقيق عالَم أفضل وأنبلَ على أرض العروبة والإسلام. فتلك كانت رسالةَ الحياة بالنسبة لجمال حمدان، والهمَّ الأهمَّ من وراء جهده واجتهاده.
للاطلاع على النص الكامل للدراسة (اضغط هنا) وللاطلاع على عدد المجلة كاملًا (اضغط هنا)