الجهاديون المغاربة: جدل المحلي والعالمي

صدر عن مركز الجزيرة للدراسات، في الأول من يناير/كانون الثاني 2021، كتاب رقمي جديد بعنوان "الجهاديون المغاربة: جدل المحلي والعالمي"، لمؤلفه الدكتور محمد مصباح، رئيس المعهد المغربي لتحليل السياسات، والزميل المشارك ببرنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في معهد تشاتام هاوس في لندن.
1 January 2021
(الجزيرة)

صدر عن مركز الجزيرة للدراسات، في الأول من يناير/كانون الثاني 2021، كتاب رقمي جديد بعنوان "الجهاديون المغاربة: جدل المحلي والعالمي"، لمؤلفه الدكتور محمد مصباح، رئيس المعهد المغربي لتحليل السياسات، والزميل المشارك ببرنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في معهد تشاتام هاوس في لندن.

يحاول المؤلف، من خلال كتابه، فهم سياقات ومبررات تحوُّل بعض المغاربة نحو العنف الديني والتحاقهم بالجماعات "الجهادية المتطرفة"، ويقترح إطارًا تفسيريًّا لفهم الحالة الجهادية المغربية يدمج العامل الدولي بالمحلي.

يستعرض الكتاب البيئة السياسية الدولية وعلاقتها بالتطرف وعولمة الإرهاب، ويلقي الضوء على البيئة السياسية المغربية بصفة خاصة ومقاربتها الأمنية والاجتماعية والدينية لمكافحة التنظيمات الجهادية. كما يدرس التيارات الجهادية المغربية نفسها، فيسلِّط الضوء على أفكارها وتنظيماتها وآليات اشتغالها، ليقدم في النهاية صورة لبيئة الجهاديين المغاربة والأسباب التي جعلتهم رقمًا لافتًا في منظومة الجماعات والتنظيمات الجهادية العابرة للحدود.

في تتبعه لنشأة التيارات الجهادية المغربية، يسلِّط المؤلف الضوء على العلاقة بين التيار الإسلامي المغربي عمومًا وجماعة الإخوان المسلمين في مصر خلال الخمسينات والستينات، ويخلص إلى أن الإسلاميين المغاربة تأثروا على المستوى النفسي والفكري بما حدث من قمع أمني وسجن وتعذيب وتشريد لنظرائهم المصريين، فباتوا يعيشون في مجتمعهم "نفسية المحنة"، رغم أنهم لم يعانوا ولم يُضطهدوا، كما هي الحال في مصر.

وينتقل الكتاب إلى الحديث عن السلفية الجهادية على وجه الخصوص، فيتحدث عن علاقتها بالسلفية الجهادية في دول الخليج وما أحدثه انقسام شيوخها على خلفية حرب الخليج الثانية؛ الأمر الذي فسح المجال أمام السلفية الجهادية المغربية لأن يكون لها مرجعيتها واستقلالها الخاص.

ثم ينتقل المؤلف للحديث عن أثر فترة الجهاد الأفغاني على تنامي النزعة الجهادية عند جماعات العنف الديني المغربية، ويصف تلك الفترة بأنها كانت بمنزلة "فرصة تاريخية" لولادة "الجهادية العالمية" عمومًا والجهادية المغربية على وجه الخصوص، لأنها وفرت -على حدِّ وصفه- "أرضية مناسبة لبروز جيل جديد من المتطوعين المتحمسين الذين يمزجون بين الأعمال الإغاثية-الإنسانية والأنشطة القتالية".

ومن الحالة الأفغانية التي تركت بصمتها على التيارات الجهادية إلى ما حلَّ بالعراق بعد الغزو الأميركي عام 2003. فقد كان هذا البلد أيضًا، كأفغانستان، بيئة مناسبة استقطبت الجماعات الجهادية الراغبة في القتال ومن بينها الجماعات المغربية.

ولا يغفل الكتاب دور أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001 في الولايات المتحدة الأميركية وما أسفرت عنه من تفجيرات نُسبت لتنظيم القاعدة، فيقول: إن هذه الأحداث رفعت أسهم هذا التنظيم وزعيمه، أسامة بن لادن، وسط الجهاديين المغاربة وأصبح هذا النهج العنيف يمثل عامل جذب بالنسبة لهم.

ثم يصل الكاتب إلى الحادثة الأبرز في تاريخ الجماعات الجهادية المغربية والمقصود بها تفجيرات الدار البيضاء التي وقعت يوم 16 مايو/أيار من العام 2003، وما خلَّفته من قتلى وجرحى وإثارة للفزع. وبعد أن يورد تفاصيل تلك الأحداث يكثِّف الضوء على منفذيها، ويدرس متوسطات أعمارهم وخلفياتهم التعليمية والاجتماعية والاقتصادية والمناطق الجغرافية التي أتوا منها وعاشوا فيها ومستوى المرافق والخدمات في هذه المناطق ومدى حضور السلطات فيها، ليخلص في النهاية إلى أن الغالبية العظمى من منفذي هذه التفجيرات كانت أعمارهم تدور حول الثلاثين عامًا، وأنهم نشؤوا وتربوا في بيئات مهمشة تعاني فقرًا وحرمانًا وتسود بين أهلها البطالة، كما أنها تعد من المناطق الرخوة من الناحية الأمنية؛ الأمر الذي هيأ بيئة مناسبة لنشوء وازدهار الجماعات الجهادية المغربية وانتقالها من بيئتها المحلية إلى أن تكون جماعات عابرة للحدود. 

وبعد استعراض تفجيرات الدار البيضاء وتحليل معطياتها وأبعادها، يورد المؤلف في كتابه ملامح الاستراتيجية الجديدة التي اتبعها المغرب للتعامل مع الجماعات الجهادية؛ فيتحدث عن تشديد السلطات الأمنية يدها على تلك الجماعات، وإطلاق مشاريع للتنمية الاقتصادية في المناطق المهمشة، وتبني سياسة دينية جديدة أُطلق عليها "مشروع إعادة هيكلة الحقل الديني" بهدف مأسسة هذا المجال وضمِّه لمجال نفوذ الدولة وسيطرتها، فضلًا عن احتكار الرمزية الدينية في يد الملك باعتباره "أميرًا للمؤمنين".

ويستمر الكتاب في تتبع الحالة الجهادية المغربية فيصل إلى مرحلة الربيع العربي وأثرها على تلك الجماعات، وهي ما يسميها المؤلف بـ"النقلة النوعية الثالثة للجهادية" ابتداء من سنة 2011 مع عسكرة "الربيع العربي" وما ارتبط به من عنف لاسيما في الثورة السورية؛ حيث أدت هذه الأحداث إلى ولادة الجيل الثالث من الجهادية العالمية. وقد سلَّط الكتاب الضوء على الجوانب التي ترتبط بهذا الموضوع، سواء من خلال عرض أدوات الاستقطاب والدوافع والأسباب التي تفسر تنامي الظاهرة، وتحليل ووصف المجموعات المسلحة التي كان المغاربة أعضاء فيها، ثم أخيرًا مقاربة الدولة لمسألة المقاتلين المغاربة في الخارج، ليخلص في النهاية إلى أن السلفية الجهادية وسَّعت من رقعة اشتغالها واكتسبت مع الثورة السورية أرضًا خصبة للتعبئة والتدريب وملاذًا آمنًا لمئات المقاتلين من جنسيات مختلفة، ضمنهم مئات المغاربة. واستخلص الكاتب من ذلك أن الظاهرة الجهادية في المغرب لم تكن بمعزل عن الديناميات الجيوستراتيجية التي يعيشها العالم العربي، وفي هذا الصدد يقول: إن "جذور الجهادية العالمية تنبع من المظالم البنيوية المتجذرة في البيئة السياسية والاجتماعية منذ عقود من الزمن، وهي تتغذى من مظالم حقيقية ومتخيلة، تتكون من ضلعين: أولًا: الهيمنة الغربية على العالم الإسلامي. وثانيًا: نتيجة فشل بناء نموذج للتداول السلمي على السلطة في العالم العربي".

وعن أوضاع التيار الجهادي في المغرب راهنًا، يذكر الكتاب أن هذا التيار يعيش حالة من الانكماش النسبي نتيجة الضربات الأمنية المتتالية ونتيجة أيضًا للتحولات الفكرية التي عاشها عدد من رموزه وأعضائه بعد تجربة السجن. ومع هذا، فالكتاب يشير إلى بعض القضايا التي يقول المؤلف إنها لم تُحَلَّ بعد، مثل دور المقاتلين المغاربة الموجودين في بؤر التوتر بعد انتهاء الحرب في سوريا، وموضوع العائدين من تلك البؤر التوتر، ورجوع عدد من الجهاديين للنشاط بعد قضائهم فترة السجن، ومدى توفر السلطات في المغرب على استراتيجية للتعامل مع هذه الظاهرة تتفادى بها الوقوع في الأخطاء السابقة.

ويختم المؤلف كتابه بالحديث عن المقاربة الأمنية الاستباقية الحالية التي تعتمدها السلطات المغربية، ويقول: إنها كانت ناجعة في تفكيك عشرات الخلايا الإرهابية وإحباط عدد من الهجمات الإرهابية المحتملة، ولكن يبدو أنها لم تستطع تجفيف منابع التطرف، بحيث لا تزال الظروف الموضوعية التي أنتجت ظاهرة التطرف هي نفسها لاسيما التهميش الاقتصادي والاجتماعي وحالة الاختناق السياسي، كما أن اعتماد القمع وحده لم ينجح في إقناع العديد من الجهاديين بالتخلي عن أفكارهم. ومن هنا -والكلام للمؤلف- فقبل معالجة العوامل العميقة التي تنتج التطرف، من المهم فهم الظاهرة فهمًا عميقًا لأن الفهم سابق على الفعل، وما لم يتم فهم الظاهرة الجهادية من خلال استعمال أدوات تحليلية ونظرية مناسبة فإن التصدي للظاهرة سيبقى معتمدًا على نفس المقاربة السابقة التي أثبتت محدوديتها.

يمكن للراغبين في قراءة الكتاب وتحميله زيارة الرابط التالي: (اضغط هنا

ABOUT THE AUTHOR