صورة الإسلام والمسلمين في الخطاب الإعلامي الفرنسي: التَّمثُّلات والأبعاد

تقدم الورقة ملخصًا لدراسة موسعة نُشرت في العدد التاسع من مجلة لباب، الصادرة عن مركز الجزيرة للدراسات، وتهدف الدراسة إلى رصد القضايا التي تعاطى معها الإعلام الفرنسي حول الإسلام والمسلمين، وتبحث أُطُرَ ومحددات خطاباته. وتوصلت الدراسة إلى أن الإسلام هو الأكثر تشويهًا من قِبَل الإعلام الفرنسي، كما أن هذه النظرة السلبية نتيجةُ تراكمات الحواجز النفسية وخطاب الكراهية تجاه الإسلام.
الإسلام هو الأكثر تشويهًا مقارنة بالأديان الأخرى، والأكثر تعرُّضًا للإساءة من طرف الإعلام الفرنسي عمومًا (غيتي)

تلاحظ الدراسة أن الإسلام والمسلمين يُقَدَّمَان بصورة سلبية شكلًا ومضمونًا في وسائل الإعلام الغربية. ويرتبط التناول الإعلامي للإسلام والمسلمين بخلفيات فكرية وأيديولوجية، وكذلك بأجندات سياسية، وبعضُه (التناول) برهانات السوق الإعلامية وما تفرضه من منافسة، حيث تُعطَى الأولوية للمنطق التجاري على الاعتبارات الأخرى. كما يعود التعامل مع الإسلام والمسلمين من قِبَل الإعلام وما يُنتِجُه من صور سلبية حولهما؛ إلى فكرة "الأنا" و"الآخر" المختلِف، مثلما أشار إلى ذلك إدوارد سعيد في نقده للاستشراق.

ومن خلال وسائل الإعلام المتحَيِّزة، ينظر الغرب للإسلام والمسلمين نظرة أحادية تقوم على التجانس، والتطرف كأصل في هذه الثقافة. وتُصوِّر هذه الوسائل الإسلامَ والمسلمين في صراع مستمر مع الغرب، وتَقْرِنُهما بالإرهاب، والتطرف، والعنف... وهذا ما يُعرِّضهما للعنصرية، والتمييز، والمعاملة غير الإنسانية.

إن مسألة تَمْثِيل الإسلام والمسلمين من قِبَل الإعلام الغربي، وتحديدًا الفرنسي، هو ما تهدف إليه هذه الدراسة، وذلك للتعرف على صورة الإسلام في وسائل الإعلام الغربية، بكل أبعادها وملامحها، ثم رصد صناعة الخوف من الإسلام والمسلمين في الإعلام الغربي، لتُعرِّج على التناول الإعلامي للإسلام والمسلمين في فرنسا، ثم تحلِّل عيِّنة من المواد الإعلامية في صحيفتي "لوموند" و"لوفيغارو" لمعرفة أنماط خطاباتهما وكيفية صياغتهما لصورة الإسلام والمسلمين في البلاد، في سياق مقتل المعلم الفرنسي صامويل باتي (Samuel Paty) في مدرسة فرنسية.

وترى الدراسة أن الإسلام والمسلمين يتعرضان إلى حملات تشويه متكررة من قبل وسائل الإعلام الغربية، وتتصدَّر القضايا المرتبطة بهما الصفحات الأولى للصحف والمجلات، وكذلك نشرات الأخبار، لإضفاء الأهمية والتركيز عليها، كلما كانت هناك أعمال عنف، والهجمات التي تُوصف بالإرهابية، وضلوع المنتسبين للإسلام فيها. وتصنع هذه التغطية الإخبارية صورة نمطية عن الإسلام والمسلمين غالبًا ما تكون سلبية، في حين يتمُّ تجاهل تسامح الإسلام ونَبْذِه للعنف، وما يحمله من قيم التكافل والتعايش، وكل ما حققته الحضارة الإسلامية، خاصة في مجال العلوم، كما يشير الباحث الفرنسي جاك أتالي (Jacques Attali).

لقد أنتج هذا النوع من التغطية تَمثُّلاتٍ سلبية لدى الفرنسيين تجاه الإسلام والمسلمين، حيث بيَّن استطلاع للرأي أعدَّته المؤسسة الفرنسية للرأي العام (IFOP) أن 43% من الفرنسيين يعتبرون وجود جالية مسلمة تهديدًا لهوية المجتمع الفرنسي، والنسبة نفسها تُعارض بناء المساجد على التراب الفرنسي، في حين أن نسبة 63% تُعارض ارتداء الحجاب في الأماكن العمومية.

مشكلة الدراسة وأهدافها

إزاء هذا التوتر الذي يطبع العلاقة بين الرأي العام الفرنسي والإسلام ومنتسبيه، تأتي هذه الدراسة التحليلية لبحث التَّمثُّل الإعلامي للإسلام والمسلمين عبر الخطابات التي يُنتِجُها الإعلام الفرنسي من خلال التساؤل الآتي: ما أبعاد صورة الإسلام والمسلمين في الخطابات الإعلامية لصحيفتي "لوموند" و"لوفيغارو"؟

وتكتسي الدراسة أهمية علمية انطلاقًا من اهتمامها بمسألة صناعة الصور النمطية من قِبَل وسائل الإعلام، "وقدرتها على تشكيل الإدراك، والمعارف، والاتجاهات نحو العالم، والأشخاص، والمواقف. وقد استرعى هذا المبحث الكثير من العاملين في حقل علوم الإعلام ولا يزال، ونتج عن هذه الجهود منظورات نذكر منها: منظور الغرس الثقافي، ومنظور بناء المعنى، ومنظور الصورة الذهنية.. وكلها حاولت تقديم إجابات حول تأثير وسائل الإعلام وقدرتها على تشكيل الآراء والاتجاهات إزاء القضايا والجماعات، وقد سارت هذه الدراسة في ذات المنحى.

وتُصنَّف الدراسة ضمن البحوث العديدة التي اهتمت بتَمْثِيل الإسلام والمسلمين في وسائل الإعلام الغربية، وصناعة الصور النمطية حولهما، وما يُثيره هذا التَّمْثِيل من جدل يتعلق ببواعث ومبررات الصور السلبية التي يُسَوِّقُها الإعلام الغربي حول الإسلام والمسلمين حسب نتائج الدراسات التي أثارت هذا السؤال. وتهتم هذه الدراسة بمعرفة آليات صناعة الصورة النمطية عن المسلمين والإسلام في الإعلام الفرنسي كنموذج للإعلام الغربي، والأبعاد المشكِّلة لهذه الصورة من حيث البنى والمضامين.

وتسعى الدراسة في سياق تحليل محتوى الخطاب الإعلامي لصحيفتي "لوموند" ولوفيغارو" إلى:

- الكشف عن بنية وطبيعة الخطاب الإعلامي لـلصحيفتين في معالجة قضايا الإسلام والمسلمين.

- التعرف على أهم القضايا التي عالجتها الصحيفتان ولها علاقة بالإسلام والمسلمين.

- معرفة محددات وأطر الخطاب الإعلامي للصحيفتين في تَمَثُّلاتهما للإسلام والمسلمين.

- تحديد الأبعاد الفكرية والنفسية لصورة الإسلام والمسلمين في الخطاب الإعلامي للصحيفتين.

- إبراز الشخصيات الفاعلة في الخطاب الإعلامي للصحيفتين ولها علاقة بتناول قضايا الإسلام والمسلمين.

- تحديد اتجاه صحيفتي "لوموند" و"لوفيغارو" في معالجة المواضيع التي لها علاقة بالإسلام والمسلمين.

- التعرف على ملامح وأبعاد الصورة النمطية للإسلام والمسلمين في الخطاب الإعلامي للصحيفتين.

- التعرف على الخلفيات والأسانيد التي يحتكم إليها الإعلام الفرنسي في إنتاج خطابه حول الإسلام والمسلمين.

وتستخدم الدراسة منهج تحليل المحتوى وتُقدِّم قراءة تحليلية للمواد الإعلامية المتاحة على الموقع الإلكتروني لصحيفتي "لوموند" و"لوفيغارو". وقد تم اختيار عينة الدراسة في الفترة الممتدة بين 1 و30 أكتوبر/تشرين الأول 2020 من أجل الكشف عن الصورة النمطية للإسلام والمسلمين في الخطاب الإعلامي الفرنسي. وقد ركزت الدراسة على عدة فئات للإجابة عن المشكلة البحثية وأبعادها، منها: فئة المصادر المعتمدة في الحصول على الأخبار المتعلقة بالإسلام والمسلمين، وطبيعة القضايا التي تمت معالجتها ولها علاقة بمقدسات المسلمين، واتجاه الصحيفتين نحو الأحداث التي حصلت في فرنسا ولها علاقة بالمسلمين، وأيضًا الشخصيات الفاعلة في الخطاب الإعلامي وأثرها على الرأي العام الفرنسي والعالمي، وغيرها من الفئات المهمة التي تجيب عن تساؤلات الدراسة.

نتائج الدراسة

- استخدمت صحيفتا "لوموند" و"لوفيغارو" الأخبار والتقارير والربورتاجات لإبراز مخاوف المجتمع الفرنسي من تنامي ظاهرة الإسلام المتعصب بطريقة تخدم أجندتهما السياسية والإعلامية.

- ظاهرة صنع الصور النمطية المسيئة للإسلام والمسلمين متجددة، وتروم الصحيفتان ترسيخها في ذهن المتلقي الفرنسي. ويُلاحظ أن الإسلام هو الأكثر تشويهًا مقارنة بالأديان الأخرى، والأكثر تعرُّضًا للإساءة من طرف الإعلام الفرنسي عمومًا.

- اهتمت "لوفيغارو" في تغطيتها لقضايا الإسلام والمسلمين من بوابة سياسية وأيديولوجية بالدرجة الأولى، رافضة وجود المسلمين في فرنسا، بينما قدَّمت "لوموند" تغطية متوازنة وشاملة.

- اهتمت "لوفيغارو" بالخطاب اليميني المعادي للإسلام وللمهاجرين، ووصف مخاطرهما على المجتمع الفرنسي، بينما ركزت "لوموند" على خطاب السلطة السياسية في فرنسا، وأطراف أخرى فاعلة من المسلمين كعميد مسجد باريس، مما كشف عن زاوية نظر أخرى.

- ركزت صحيفة" لوفيغارو" على الانعكاسات الأمنية والاجتماعية لتغلغل المسلمين في المجتمع الفرنسي، وخوف الفرنسيين من تكرار عملية القتل التي طالت معلمًا فرنسيًّا، في حين تعاملت "لوموند" مع الموضوع من باب ضرورة إعادة النظر في تأمين الأراضي الفرنسية وتشديد الرقابة على المسلمين. 

- تنشر "لوموند" عبارات تُعبِّر عن صورة سيئة تجاه الإسلام في سياق حادثة واحدة، بينما تعمل "لوفيغارو" على تضخيم نظرية "الحرب ضد الإرهاب الإسلامي"، وتجدِّد خطابات تقويض المهاجرين من أصول إسلامية للأمن، والحديث عن الحجاب والقوانين التي تحدُّ من ممارستهم للشعائر الدينية الإسلامية مخافة تغلغلهم في المجتمع الفرنسي.

- تقدِّم "لوفيغارو" تمثُّلاتها عن الإسلام وفق سياسة أيديولوجية، فـ"الإرهاب الدموي" يساوي "المسلم"، وتكاد تنعدم الاتجاهات المحايدة، بينما أعطت "لوموند" مساحة لتقديم نظرة المسلم لما يحدث من توتر داخل فرنسا، وردود فعل الشعوب المسلمة حيال تصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.

- حاولت "لوموند" نقل الصورة من عدة زوايا، رغم المخاوف من تنامي القتل، ودفاعها المستميت عن حرية التعبير ومعايير الجمهورية، بينما حاولت "لوفيغارو" نقل صورة مُحرَّفة عن الموضوع أو مُبالغٍ فيها باستدعائها لعمليات إرهابية سابقة، دون أن تعمل على الموضوع في سياقه الجديد.

- اختلف موقف الصحيفتين فيما يتعلق بخطاب السلطة الفرنسية، فقد وصفته "لوموند" بالإيجابي مع تأييد مضمونه، بينما انتقدته "لوفيغارو" وأبرزت الأخطاء التي ارتكبتها الحكومة في تعاملها مع المهاجرين خاصة.

ورغم تباين الخط التحريري والمرجعيات السياسية للصحيفتين، ومنطلقاتهما لقراءة قضايا الإسلام والمسلمين في فرنسا، فإنهما تطرحان نفس المحاذير بشأن تمدُّد الإسلام وتنامي ديمغرافيا المسلمين، وتوسُّع هامش حضور الخطاب والممارسات الإسلامية بأشكالها المختلفة والتعبيرات ذات الصلة في المجتمع الفرنسي. كما يبدو أن تواتر الأحداث التي شهدتها فرنسا خلال الأعوام الخمسة الأخيرة، مثل حادثة "شارلي إيبدو"، في 7 يناير/كانون الثاني 2015، ثم تفجيرات باريس في نوفمبر/تشرين الثاني من العام نفسه، ثم قتل المعلم صامويل باتي، وغيرها من الأحداث؛ دفعت إلى توجيه أصابع الاتهام إلى الجالية المسلمة في فرنسا، وهو ما يجعل موضوع الإسلام والمسلمين الأكثر تداولًا مع كل عملية إرهابية، وتوسيع الاهتمام بالممارسات الإسلامية كالمساجد والحجاب وغيرهما، الأمر الذي يعتبر -بحسب الصحيفتين- تهديدًا واضحًا لهوية الفرنسيين الثقافية وتجاوزًا واضحًا لمعالم الجمهورية.

ولم يؤدِّ اختلاف التوجُّه التحريري للصحيفتين إلى اختلاف موقفهما واتجاههما نحو أهم الفاعلين في تناول مسألة الإسلام وعلاقته بالعمليات الإرهابية؛ إذ تجلت مظاهر الكراهية والخوف من الإسلام التي تتغذَّى من الصورة النمطية المشكَّلَة عنه، وهي الصورة المطابقة للتوجُّه العام الفرنسي من خلال مخاطبة الجمهور نفسيًّا وعاطفيًّا عبر اللغة والصورة، وكذلك من خلال اللعب على وَتَر الثقافة الفرنسية، علاوة على غرس معانٍ تجعل من المسلم والإسلام أكبر خطر يهدد فرنسا وعدوًّا للفرنسيين، وهو ما يثبت أن الصحافة الفرنسية تتبع السياسة الداخلية للدولة في القضايا ذات التعقيد، كما هو الحال بشأن معالجة قضايا الإسلام والمسلمين.

للاطلاع على النص الكامل للدراسة (اضغط هنا) وللاطلاع على عدد المجلة كاملًا (اضغط هنا)

ABOUT THE AUTHOR