العلاقات الإماراتية-الفرنسية ومبررات دعم الحرب في مالي

شهدت العلاقات بين الإمارات وفرنسا تطورًا كبيرًا خلال الأعوام الماضية، ولا يمكن النظر باستغراب كبير إلى التطورات الأخيرة في القفزة النوعية التي طرأت في العلاقات الإماراتية-الفرنسية والتي أفرزت تحالفًا استراتيجيًا عسكريًا هو الأول من نوعه بين بلد طالما أحجم عن التدخل العسكري دون غطاء خليجي أو دولي.
74e8b39094904e8d937bd3c23fdd3044_18.jpg
كان من الأفضل للإمارات محاولة تجنب تقديم الدعم العسكري العلني لفرنسا والذي يأتي وسط اتهامات عديدة لها بلعب دور فاعل في عدم إنجاح الثورة في مصر، وما كان له من أثر سلبي على صورتها في العالم العربي (الجزيرة)

شهدت العلاقات التي يعود تاريخها إلى العام 1971 بين دولة الإمارات العربية المتحدة وفرنسا تطورًا كبيرًا خلال الأعوام الماضية في مختلف القطاعات، كالاقتصاد والتبادل التجاري والاستثمارات والطاقة المتجددة والنووية والنفطية والدفاع والأمن والتربية والثقافة. وتتسم العلاقات الإماراتية-الفرنسية بالتطور المطّرد في مختلف المجالات، ويُعتبر الافتتاح المرتقب لمتحف اللوفر في (أبو ظبي) في عام 2015 تجسيدًا لمشروع تعاون فريد بين البلدين، كما يشهد قطاع التربية والتعليم العالي مزيدًا من التعاون لا سيما بعد افتتاح فرع لجامعة السوربون الباريسية العريقة في العاصمة الإماراتية أبوظبي في عام 2006. وتحتل فرنسا حاليًا المرتبة الثامنة في قائمة الموردين إلى دولة الإمارات، كما يشهد البلدان زيادة متنامية في عدد الزائرين والسياح، كما تعتبر الإمارات شريكًا تجاريًا مهمًا لفرنسا حيث بلغت قيمة الصادرات الفرنسية للإمارات 3,65 (1) مليار يورو في عام 2011، بينما تشير الأرقام إلى أن حجم الاستثمارات الفرنسية في الإمارات يبلغ نحو نصف إجماليها في منطقة الخليج.

"وتعتبر فرنسا ثامن أكبر مورد لمختلف السلع إلى دولة الإمارات في حين توجد 11 (2) شركة إماراتية تستثمر في فرنسا في قطاعات الطيران، والسياحة، والبنوك، والتمويل، وبناء السفن، والعقارات، وتطوير وتشغيل المناطق الصناعية، والأغذية، في حين يصل عدد أفراد الجالية الفرنسية في الإمارات إلى نحو 20 ألف فرد". وهكذا لا يمكن النظر باستغراب كبير إلى التطورات الأخيرة في القفزة النوعية التي حدثت في العلاقات الإماراتية-الفرنسية والتي أفرزت تحالفًا استراتيجيًا عسكريًا هو الأول من نوعه بين بلد طالما أحجم عن التدخل العسكري دون غطاء خليجي أو دولي و فرنسا الطموحة التي تمتلك من المحفزات السياسية والعسكرية والاقتصادية الكثير لتمضي قُدُمًا في تدخلها الحالي في مالي.

تميز العلاقات الفرنسية-الإماراتية

إن العلاقة التي تربط فرنسا ودولة الإمارات العربية المتحدة علاقة قديمة تعود إلى استقلال دولة الإمارات في ديسمبر/كانون الأول 1971، غير أن تلك العلاقة لها أيضًا جذور أقدم؛ فبعض الشركات الفرنسية النفطية مثل "توتال" كانت موجودة قبل ذلك بكثير، تحت اسم "الشركة الفرنسية للبترول" (CFP). ولقد نسج الرئيس جيسكار ديستان منذ البداية مع مؤسس دولة الإمارات الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رحمه الله، علاقات استراتيجية متينة كشفت توجهاً إماراتياً مبكراً نحو رغبة القيادة الإماراتية في إرساء قواعد لهذا التحالف . و في ما يخص مجال الدفاع، فإن العلاقات الثنائية واصلت نموها ضمن إطار اتفاقية الدفاع المبرمة بين الدولتين في عام  1995والتي توجت بإنشاء القاعدة العسكرية الفرنسية عام 2009. 

التعاون العسكري وصفقات السلاح

أثناء زيارته الأخيرة لدولة الإمارات، عرّج الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند في مؤتمره الصحفي على مسألة شراء دولة الإمارات للطائرة الحربية الفرنسية الجديدة "إليزيه"، والتي وصفها بأنها "ممتازة ومزودة بأحدث التكنولوجيات والتقنيات العسكرية الاستباقية". ونبّه هولاند إلى أن القاعدة الفرنسية الموجودة في الإمارات منذ عام 2009 تحتاج لمثل هذا الدعم العسكري، ومن الجيد أن تمتلك دولة الإمارات معدات عسكرية متناغمة.

وذكَّر هولاند بأن العلاقات بين بلاده ودولة الإمارات يمكنها أن تذهب إلى أبعد من ذلك نحو شراكة استثنائية قوية في مختلف المجالات. وأضاف: "إن فرنسا تسعى لإبرام عقود تنافسية في دولة الإمارات، إننا لا نطالب أن يتم تمييز شركاتنا ولكننا ندعو لأن تأخذ مكانها اللائق بين مختلف الشركات العاملة في الدولة خاصة وأن الإمارات هي رابع دولة لها فائض تجاري مع فرنسا". كما حاول هولاند أثناء زيارته الأخيرة إلى العاصمة أبوظبي تسويق الطائرة "رافال"، التي تفكر الإمارات في شراء نحو 60 منها.

استثمارات "الطاقة" الفرنسية في الإمارات

يأتي توقيع الإعلان المشترك بين فرنسا والإمارات بتاريخ 16 يناير/كانون الثاني 2013، بين كل من "مصدر" (3) ووزارة البيئة والتنمية المستدامة الفرنسية بمثابة تتويج للاستثمارات الفرنسية النوعية في دولة الإمارات، وتشمل الاتفاقية الجديدة مجالات التعاون المحتملة في "إطار الإعلان" من حيث تسهيل التطوير المشترك لتقنيات جديدة مجدية تجاريًا، وتبادل الخبرات في مجال السياسات العامة والقوانين، فضلاً عن تنمية رأس المال البشري. من ناحية أخرى، يفتح "الإعلان" الباب أمام إجراء بحوث مشتركة حول مشاريع الطاقة المتجددة وتقنيات الاستدامة، مع تعزيز التعاون القائم حاليًا بشأن الأطلس العالمي للطاقة المتجددة.

الاشتراكية الفرنسية

الاشتراكية الفرنسية التي تحاول استعادة أمجاد فرنسا بالتأكيد على دورها في حماية الإمارات من مخاطر إيرانية محتملة، هي ذات الاشتراكية التي دفعت بفرنسا إلى التدخل العسكري في مالي. وفرنسا الاشتراكية التي تريد حماية مصالحها الاستراتيجية في إفريقيا الغربية والاستفادة من خيرات المنطقة بدءاً من يورانيوم النيجر ومروراً إلى حماية آلاف الفرنسيين الذين يعملون هناك لم تُبد انشغالاً حقيقيًا بمساعدة أحد أفقر شعوب العالم، والذي يرزح تحت نير البنك الدولي ويعاني من الحرمان والتخلّف ويواجه في ذات الوقت ما يدعى بشبح القاعدة. وهكذا تواصل الاشتراكية الفرنسية لعب ذات الدور القديم الجديد في توفير الحماية العسكرية للدولة النفطية الغنية وفي ذات الوقت التدخل العسكري في دولة أخرى غنية بالموارد الطبيعية من خلال حماية نظامها السياسي.

الزيارة الأخيرة للرئيس الفرنسي إلى الإمارات

أكّد هولاند على أن كلاً من فرنسا والإمارات بصدد إنشاء صندوق مشترك يُستخدم في تمويل عدد من المشاريع الاستثمارية المشتركة الكبرى في كلا البلدين، وفي عدد من دول العالم على غرار الصندوقين المشتركين لفرنسا مع كل من الصين و دولة قطر. ونوّه بوجود تفاهم مشترك بين فرنسا ودولة الإمارات لتوسيع التعاون بينهما في مجالات الصناعات العسكرية الدفاعية. وقال: "إن من بين مواضيع الشراكة الاقتصادية التي يسعى لها البلدان ما يتعلق بالصناعات الدفاعية".

ويبدو أن زيارة هولاند إلى الإمارات قد حققت أهدافها بالنسبة لفرنسا التي وجدت نفسها في ورطة حقيقية، حيث جاء توقيت التدخل العسكري الفرنسي المباشر في أزمة مالي مبكراً وقبل أشهر من الموعد الذي كانت تخطط له فرنسا، وهكذا كان دعم دولة الإمارات بمثابة حبل النجاة التي كانت فرنسا تبحث عنه في المنطقة.

دعم إماراتي مالي وعسكري لفرنسا

"لقد حصلنا على دعم الإمارات المادي للعملية العسكرية في مالي ولدينا ذات التوجهات فيما يخص الوضع هناك". هكذا وقف هولاند في دبي معلنًا من هناك أن بلاده قد أصبحت جاهزة مالياً لبدء حربها في مالي. وأفاد هولاند بأن دعم الإمارات العسكري للعمليات الفرنسية في مالي يشمل استخدام القاعدة الفرنسية الموجودة في أبو ظبي، واستخدام بعض المعدات مثل الطائرات الموجودة فيها لاستخدامها في مالي إذا ما دعت الحاجة إلى ذلك. وأوضح أن الإمارات "قد تقدم مساعدة إنسانية ومادية ومالية وربما عسكرية"، وقال: "إن ذلك يعود للإمارات أن تحدد كيف تريد أن تساعدنا". وبيّن أن الدعم الإنساني لدولة الإمارات بشأن الوضع الحالي في مالي يتمثل في دعم المنظمات غير الحكومية التي تناهض التطرف والإرهاب في المنطقة.

وحين سُئل عن مستوى ثقته في الحصول على قوات من دول الخليج لنشرها في مالي؛ قال: "الكل يجب أن يلتزم بمحاربة الإرهاب، نحن واثقون من أن الإمارات ستسير في ذلك الاتجاه أيضًا". وأكد أنه يسعى إلى غطاء مالي خليجي للعمليات العسكرية، في وقت أصرت فيه الدول الغربية على ترك فرنسا وحدها في الميدان، والاكتفاء بتقديم دعم معنوي عن بُعد.

ومن الواضح أن من أهم أهداف فرنسا من هذه الحملة العسكرية في مالي حماية مصالحها في منطقة الساحل الإفريقي الغنية بالثروات، وكذلك الحد من تمدد نفوذ تنظيم القاعدة في تلك المنطقة التي تُعتبر منطقة نفوذ فرنسية، بعدما كانت في الماضي محميات استعمارية لها.

الإمارات في مواجهة انتقادات داخلية متنامية

بعد الهجوم الشديد الذي تعرضت له دولة الإمارات من قبل ناشطين ومواطنين على المواقع الاجتماعية إثر تأكيد الرئيس الفرنسي أنه تلقّى دعمًا ماليًا ولوجستيًا من الإمارات لمساندة عمليات فرنسا العسكرية في مالي، حاولت الإمارات أن تبرر دعمها عبر محاولتها التغطية على دعم الحملة العسكرية من خلال الحديث عن عمليات إغاثة إنسانية ستقوم بها الدولة في مالي؛ فقد صرّح الدكتور أنور محمد قرقاش وزير الدولة للشؤون الخارجية محاولاً إضفاء صفة إنسانية على قرار الدولة تقديم الدعم المالي والعسكري لفرنسا: "إن وزارة الخارجية تواصل التشاور مع الدول المجاورة لمالي والمحيطة بها وكذلك مع المنظمات الدولية المعنية من أجل بذل جميع الجهود الممكنة لتقديم العون لمواطني مالي".

وأكد على أن ما تقدمه دولة الإمارات في هذا الصدد إلى مالي ينبع من إيمانها العميق والثابت بدعم الدول الشقيقة والصديقة تجسيدًا لتعاليم الدين الإسلامي الحنيف التي لا تفرّق بين البشر، وتدعو إلى تقديم الدعم والمساعدة لهم في الأزمات والملمّات والكوارث.

فيما اعتبر مراقبون هذا الدعم بمثابة رشوة من الإمارات لفرنسا حتى تغض دول الاتحاد الأوربي الطرف عن انتهاكات دولة الإمارات المتواصلة لحقوق الإنسان، وخصوصًا بعد صدور قرار من البرلمان الأوروبي (4) يطالب دوله فرض عقوبات على الإمارات لانتهاكاتها حقوق الإنسان.

سيناريوهات الحملة الفرنسية في مالي والموقف الإماراتي

من المبكر التنبؤ بسيناريوهات الحملة العسكرية الفرنسية المدعومة إماراتيًا على المتمردين في مالي، إلا أن مؤشرات تدفعنا إلى عدم إغفال امتداد المسلحين في الجزائر إلى مالي، للدرجة التي يعتبر فيها مراقبون أن معظم الجماعات المسلحة في العديد من الدول الإفريقية ما هي إلاَّ امتداد طبيعي للجماعات المسلحة التي تسيطر بنسبة أو بأخرى على جنوبي الجزائر؛ ما جعل لها امتدادات في الساحل الإفريقي عمومًا، وتحديدًا في كل من مالي وموريتانيا، وربما يكون ذلك السبب الرئيس في زيارة وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون للجزائر مؤخرًا، استباقًا للعملية العسكرية الفرنسية، بغية الحصول على دعم لوجستي من الرئيس بوتفليقة، استبق ذات الدعم الذي وجّهته الإدارة الأميركية للحملة الفرنسية في مالي.
 
وإذا كانت ثمة توقعات بأن ضراوة العملية العسكرية الفرنسية في مالي يمكن أن تحقق بعضًا من أهدافها بتقليص النشاط المسلح في شمالها، إلا أن الجماعات المسلحة قد تتبع عمليات كرّ وفرّ وحرب شوارع، أو ما يُعرف بحرب العصابات، فضلاً عما تحققه ذات الجماعات من مكاسب على الأرض بالتعاطف معها من قبل أبناء الشمال؛ ما يعني أن مالي تكاد تشهد معاناة حقيقية بظهور حالات تهجير، ما سيجعل المجتمع الدولي أمام ظاهرة جديدة للاجئين، والذين سيعانون بدورهم من نقص المؤن الغذائية والاحتياجات الضرورية.

ومما لاشك فيه أن نجاح أو فشل هذه الحملة العسكرية الفرنسية المدعومة من الإمارات ضد المتمردين في مالي سيكون له أثر على مدى تنامي حجم وشكل التعاون العسكري القائم حاليًا بين البلدين؛ إذ إن خروج فرنسا منتصرة في مالي سيعني مزيدًا من فرص هذا التعاون العسكري مع دولة الإمارات، ومزيدًا من التعاون المشترك في المجالات القائمة في الوقت الحالي، وتناميًا أكبر في شكل ومضمون هذا التحالف الاستراتيجي بين البلدين.

لربما أن دولة الإمارات، وفي ظل تراجع دور الجامعة العربية ومجلس التعاون الخليجي اللذين يبدوان وكأنهما قد فقدا الزخم والفعل على الأرض بعد الثورات العربية، وتنامي حجم الخلافات الخليجية-الخليجية حول عدد من القضايا، قد ارتأت أن تبحث عن تحالفات استراتيجية أعمق مع العالم الغربي خاصة في ظل التربص الإيراني المتواصل بالمنطقة والذي لربما استدعى قيام الإمارات بمراجعة استراتيجياتها الدفاعية بشكل أعمق ما أنتج هذا العمق من التحالف بينها وبين فرنسا.

قد يبدو أيضاً أنَّ التحالف الاستراتيجي الإماراتي-الفرنسي مجديًا على المدى القصير ويوفر مصلحة إماراتية آنية لاستمرار التعاون العسكري الإماراتي-الفرنسي في مواجهة إيران، إلاَّ أن التطورات العالمية التي قد تقع مستقبلاً لا يمكن أن تدع هناك مجالاً لضمان مستقبل أية علاقة تحالفية حالية، خاصة إذا نظرنا إلى مستقبل هذه التحالفات في ظل تبدلات سياسية كبرى تتعرض لها المنطقة العربية، وفي ظل تبدل المزاج الشعبي العربي العام في كل قُطر عربي على حدة وبوتيرة متفاوتة، وحينها لربما يجد صانعوا السياسات في دولة الإمارات أنفسهم وفي مرحلة من المراحل أمام معادلات جديدة لا يعدو الوضع الاقتصادي الأوروبي عموماً والفرنسي كجزء منه عن كونه واحدًا من أهم مكوناتها.

وختامًا، من الواضح أن خيار دولة الإمارات في تقديم دعمها المالي لفرنسا في حملتها العسكرية في مالي، لا يقوم فقط على ما وُصف بأنه تفاهم مشترك بين البلدين حول قضايا الأمن العالمي، ولكن القاعدة العسكرية الفرنسية في أبوظبي قد لعبت دورًا حاسمًا في حصول فرنسا على هذا الدعم، ولربما كان من الأفضل لدولة الإمارات -في ظل الاستقطاب السياسي الحاد في المنطقة، وتنامي الحراك المجتمعي "السياسي" فيها، والمتأثر أساساً بما أفرزته الثورات العربية من مفاهيم جديدة- أن تحاول تجنب تقديم الدعم العلني لفرنسا والذي يأتي وسط اتهامات عديدة لها بلعب دور فاعل في عدم إنجاح الثورة في مصر، وما كان له من أثر سلبي على صورتها في العالم العربي.
_____________________________________
مصادر
1- جريدة الاتحاد الإماراتية- 9 يونيو 2012
http://www.alittihad.ae/details.php?id=56172&y=2012&article=full
2- جريدة البيان – بتاريخ 16 يناير 2013
http://www.albayan.ae/across-the-uae/news-and-reports/2013-01-16-1.1804347
3- مدينة مصدر للطاقة المتجددة – أبوظبي- دولة الامارات لاعربية المتحدة
http://www.masdar.ae/en/#masdar
4- Arabian Business.com / 27 Oct. 2012
http://www.arabianbusiness.com/uae-slams-new-eu-verdict-on-human-rights-477634.html