في المواجهة الأخيرة: الفرص التي توفرها المقاومة الفلسطينية

تقدم هذه المواجهة فرصة تاريخية للعالم الإسلامي ليعيد رسم حضوره على الخارطة الدولية، كما تقدم فرصة مضاعفة لـ"محور المقاومة" بشرط أن يرتفع شكل ومستوى حضوره في هذه المواجهة، وهو ما لم يتحقق إلى الآن. صحيح أنه من الصعب قراءة مواقف "محور المقاومة" بالنظر إلى المقطع الزماني الحالي فقط، لكن هذا المقطع سيكون فارقًا فيما يتعلق بالمرحلة اللاحقة له، على صعيد الحضور والتأثير السياسي والجيوسياسي.
20 May 2021

معطيات كثيرة تجعل هذه الجولة من المواجهة بين المقاومة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي مختلفة ونوعية. وقد نقلت الصراع إلى مستويات استراتيجية جديدة سيكون لها أثرها في موازين القوى وتشكُّل المنطقة في المستقبل. أظهرت المقاومة الفلسطينية تطورًا لافتًا على صعيد الاستعداد والمقدرة العسكرية والتخطيط والتنفيذ، فضلًا عن غطاء شعبي فلسطيني وعربي وإسلامي وإنساني غير مسبوق، وهو ما أعاد القضية الفلسطينية إلى الواجهة كقضية مركزية في الوجدان العربي والإسلامي والإنساني.

وهذه المواجهة وهي تقدم فرصة تاريخية للعالم الإسلامي ليعيد رسم حضوره على الخارطة الدولية، تقدم فرصة مضاعفة لمحور المقاومة بشرط أن يرتفع شكل ومستوى حضوره في هذه المواجهة وهو ما لم يتحقق إلى الآن. صحيح أنه من الصعب قراءة مواقف "محور المقاومة" بالنظر إلى المقطع الزماني الحالي، لكن هذا المقطع سيكون فارقًا فيما يتعلق بالمرحلة اللاحقة له، على صعيد الحضور والتأثير السياسي والجيوسياسي.

لا تنكر المقاومة الفلسطينية أن ما وصلت إليه من قدرات جاء نتيجة تكديس للخبرة والإنجازات. ولعبت إيران وتلعب دورًا مهمًّا فيه، لكن وفي الوقت ذاته اعتمدت المقاومة الفلسطينية على كثير من الإمكانيات الداخلية، التي جرى استثمارها نتيجة تبادل الخبرة مع "الإخوة في محور المقاومة"، كما يؤكد أحد قادة الحركة.

ومع ذلك، تبقى كل الجهود قاصرة ما دام العالم الإسلامي لم يوفق في إيجاد برنامج مشترك لمواجهة هذا العدوان، على الرغم من أن جرائمه تجاوزت فلسطين ومارس اعتداءات واغتيالات في شتى بقاع العالم الإسلامي، ومن أمثلة ذلك الزواري في تونس وفهد البطش في ماليزيا وعلماء عراقيون وفخري زادة في إيران.

في الموقف الإيراني

يتسم الموقف الإيراني من القضية الفلسطينية بالثبات والوضوح وتعبِّر عن ذلك بدعم سياسي ومالي وعسكري، وتكاد تكون الدولة الوحيدة، إضافة إلى السودان في عهده السابق، من ساندت المقاومة الفلسطينية بالسلاح.

ألقت الثورة السورية بأثر سلبي على علاقات حماس وإيران، وقرأت حماس ما يحدث في الساحة السورية وتفاعلت معه بشكل جعل إيران ترى أن حماس انحازت لمحور آخر بعد الخروج من دمشق، ومع ذلك لم يبادر أي من الطرفين إلى قطع العلاقة.

حدث تصادم في المصالح واعتبرت إيران أن حماس شاركت في الثورة السورية، وهو ما أحدث فتورًا وما يشبه القطيعة السياسية. لكن اللافت أن العلاقة العسكرية بين الجهاز العسكري والحرس الثوري لم تنقطع، واستمر الحرس في تقديم خبراته لمقاتلي حماس، وبقي قاسم سليماني مصرًّا على بقاء الخط الساخن مفتوحًا بين فيلق القدس والجناح العسكري في الحركة.

تبعًا لمراجعات كثيرة، جرى قرار بإعادة توثيق العلاقة بين الجانبين وتعزيزها، تبعًا لطبيعة الرؤية الاستراتيجية لما يحدث في المنطقة وما تتجه إليه. ورغم وجود خلافات وقراءات مختلفة تجاه عدد من القضايا، تعاملت إيران بحذر عال مع المقاومة الفلسطينية في مجال بيان موقفها تجاه نقاط الخلاف ولم تفرض على حماس اشتراطات سياسية أو عسكرية أو أيديولوجية أو طائفية. ويُحظر الحديث في الجانب المذهبي، في معسكرات التدريب وفي الدورات المتقدمة، وهو أمر جرى الاتفاق عليه بين حماس وإيران.

وفي مجال الدعم العسكري، وضعت إيران شرطًا واحدًا مفاده "ألا يُستخدم السلاح أو التدريب أو الخبرات التي يجري نقلها في غير الساحة الفلسطينية وفي غير المواجهة مع إسرائيل". ومع ما وصلت إليه الثورة السورية، جرى تحييد النقاش في الموضوع السوري وإبعاده عن موضوع العلاقات بين حماس وإيران.

وبينما كانت إيران تضع ثقلها في القضية الفلسطينية، مارست الأنظمة العربية سياسة التخلي عن القضية الفلسطينية، بل إن بعضها صار يجرِّم دعم المقاومة الفلسطينية ويعاقب عليه قضائيًّا. وفي الخليج، ومع تصاعد العداء مع إيران والنظر إلى حماس كجسم إخواني تابع لحركة الإخوان المسلمين، مارست بعض الأنظمة الخليجية انحيازًا لإسرائيل، واندفعت في موجة تطبيع تصب في مصلحة الاحتلال الإسرائيلي، وتصدَّرت الإمارات موجة التطبيع هذه، وجرى اعتقال أعضاء في حماس موجودين بصورة رسمية، كما حدث مع هاني الخضري في السعودية.

وظهر أن إيران هي الجهة الوحيدة التي تدعم مسار المقاومة المسلحة، وامتازت مواقف قطر وتركيا سياسيًّا ودافعت عن العلاقة مع حماس وإن كانت ليست دول مواجهة مع إسرائيل. ومن الملاحظ أنْ لا قطر ولا تركيا اعترضتا على علاقة الحركة مع إيران.

عندما حدثت الحرب في 2014، تعهدت إيران بإعمار ما دمرته إسرائيل ودفعت أكثر من 200 مليون دولار لتجاوز ما خلَّفته الحرب. أسهمت إيران في تطوير سلاح المقاومة الفلسطينية، وقد طورت إسرائيل الجيل الرابع من دبابات ميركافا، والسلاح الوحيد القادر على التعامل معها هو صاروخ الكورنيت الإيراني. لقد كان للإيرانيين دور كبير في دعم القدرات العسكرية للمقاومة الفلسطينية، من حيث تمويل البنية وتصنيع الصواريخ. أما الخطة الدفاعية فقد تمت صياغتها بعد العمل لأشهر بين المقاومة الفلسطينية وحزب الله والحرس الثوري.

ومع تراجع إيصال السلاح بفعل استهداف قنوات التهريب، استطاع الإيرانيون إرسال الخبرات الفنية اللازمة لتصنيع السلاح المضاد للدبابة الإسرائيلية، وبفضل ذلك فإن حماس اليوم تمتلك سلاح ردع ضد إسرائيل. وبفضل المساعدة الإيرانية طوَّرت المقاومة استراتيجية للمواجهة: أنفاق كفؤة وعميقة تنقل الصواريخ من شمال غزة إلى جنوبها. واليوم لدى المقاومة الفلسطينية صواريخ تغطي كل فلسطين من شمالها إلى جنوبها.

ومع تطور المقاومة تسليحيًّا، أصبحت المعركة البرية هي المعركة الحقيقية التي يتوجس الاحتلال الإسرائيلي منها؛ حيث تكون المواجهة في الخروج من الأنفاق، وهو ما يعني خسائر كبيرة له.

ورغم أن حركة حماس أكدت في أكثر من موقف أن علاقتها مع إيران ليست موجهة إلا إلى إسرائيل، وأنها لن تكون موجهة ضد أية دولة أخرى، إلا أن دولًا عربية كانت دائمًا تضع شرط قطع العلاقة مع إيران كمقدمة لتقديم الدعم.

ترى الحركة أن العلاقة مع إيران تُحدث توازنًا في العلاقة مع الدول المنخرطة في مشاريع إسرائيلية، وبعد إعادة إحياء العلاقة بينهما نضج نوع من تقدير موقف مشترك بالتزامن مع "صفقة القرن" بعد عدة اجتماعات بين قيادات من حماس وقيادات إيرانية على أعلى المستويات كان من ضمنها اجتماعات مع القائد الأعلى في إيران، آية الله علي خامنئي.

وقدمت الحركة للأتراك والإيرانيين وجهة نظرها بشأن الصفقة التي هي رؤية نتنياهو بدعم من الإدارة الأميركية وقيادات خليجية، بغية إنتاج حلف إسرائيلي/سعودي/إماراتي، اقتصادي وعسكري، يكون موجهًا ضد إيران وتركيا.

بعد الانقلاب الذي حدث في مصر وأطاح بحكومة الدكتور مرسي، مرَّت حماس بفترة صعبة جدًّا، وساءت العلاقة وتدهورت مع السعودية ومع السودان. ولاحقًا، سعت الحركة بشكل ملحوظ لتجاوز خلافاتها مع الجانب المصري. لقد اشترطت السعودية على الحركة قطع العلاقة مع إيران دون تقديم شيء، وكانت سابقًا قد عرضت قطع العلاقة مع إيران وأن تتكفل بتغطية مكانها سياسيًّا وماليًّا دون الجانب العسكري؛ وهو ما رفضته الحركة. في المقابل، استعادت حماس العلاقة مع إيران وحافظت على علاقات مميزة مع تركيا وقطر.

الفرص المتاحة

  • على المستوى النظري، قد يكون تطور الحالة الفلسطينية فرصة لإيران في إطار المواجهة مع "إسرائيل"، خاصة أن طهران تؤكد أن ملفات عدَّة مفتوحة مع الإسرائيليين، بعد ضربات موجعة وجَّهتها لإيران وفي مقدمتها استهداف البرنامج النووي واغتيال العلماء الإيرانيين. لكن ذلك رهن بقرار سياسي داخلي، وقد تكون القوى الممانِعة مع لرفع مستوى المواجهة داخل إيران تنطلق من رغبتها في عدم التصعيد لإنجاح مسار بشأن البرنامج النووي، وعند مراجعة التعليقات والتصريحات داخل الساحة الإيرانية نجد أنها مستغرقة بصورة واضحة في مستجدات الانتخابات الرئاسية القادمة في يونيو/حزيران 2021. وفي حين تركز الصحف ذات التوجه الأصولي على مجريات المواجهة في فلسطين بصورة واضحة نجد تركيزًا على الشأن الداخلي الإيراني وحالة التجاذب القائمة بشأن مفاوضات الاتفاق النووي في الصحف الإصلاحية والصحف المحسوبة على تيار الاعتدال. 
  •  لكن، وكما أن الحالة الفلسطينية تمثل فرصة لإيران فهي أيضًا تمثل فرصة ثمينة لكل العالم العربي والإسلامي، لتحقيق مكاسب سياسية واستراتيجية، خاصة أن المقاومة تؤكد قدرتها على الصمود لمدة ستة أشهر وأنها إلى الآن لم تستخدم قدراتها الاستراتيجية من الأسلحة. مطلوب ليس فقط من إيران، بل من مجمل العالم الإسلامي أن يرفع سقف الدعم وشكله.
  • تقدم تركيا دعمًا سياسيًّا وشعبيًّا قويًّا وواضحًا للقضية الفلسطينية، وهي لا تستطيع التحرك في إطار موضوع التسليح على غرار إيران، بفعل انخراطها في الناتو وطبيعة علاقاتها مع الغرب وكذلك إسرائيل. لكن المقترح التركي فيما يتعلق بالقدس يحتاج إلى مراجعة، ومقترح "إدارة القدس من قبل لجنة مؤلَّفة من ممثلين عن الديانات الثلاثة (الإسلام والمسيحية واليهودية) يشكِّل مساسًا بهوية القدس حيث إنها -وبما تؤكده الدراسات الأثرية- هوية إسلامية/مسيحية. ولا يوجد ما يسند المزاعم اليهودية فيها. ولذلك، فإن القوى الإسلامية المقربة من تركيا في العالم العربي عليها أن تفتح نقاشًا جديًّا مع الجانب التركي بشأن هذه المسألة.
  • من الواضح أن الوضع القائم اليوم يحتاج إلى إعادة تقييم من قبل محور المقاومة للتخطيط لكيفية تكاتف القوى باتجاه مواجهة التهديد وهذا يستوجب من أصحاب هذا المشروع أن يكون لديهم مواقف مختلفة. ومن ذلك موضوع فتح الجبهات، صحيح أن حزب الله أعلن أنه رهن إشارة المقاومة الفلسطينية، لكن من غير المعقول أن تحمل غزة وحدها عبء جرائم الاحتلال الصهيوني. في المواجهة التي حدث في 2008 و2009، قدَّم الشعب الفلسطيني في غزة خلال أيام 1400 شهيد، والمواجهة الحالية بالنظر إلى وحشية الآلة العسكرية الصهيونية واستهدافها للمدنيين، تشي بأعداد كبيرة من الشهداء، وفتح الجبهات سيقلب المعادلة بدون شك.
  • من مصلحة الدول العربية أن تتخلى عن سياسية التخلي عن القضية الفلسطينية وتجريم المقاومة واتهامها بالعمالة لإيران، ومن مصلحتها أن تعيد بناء علاقتها مع المقاومة (حماس والجهاد الإسلامي) وبشكل غير مشروط.

*تستند الباحثة في المعلومات التي قدمتها في هذا التعليق على عدد من الحوارات والمقابلات التي أجرتها مع قيادات في حركة المقاومة الإسلامية (حماس) ومسؤولين إيرانيين في الملف الفلسطيني، في إطار كتاب تعمل عليه حول العلاقة بين حماس وإيران.

ABOUT THE AUTHOR