محنة مصر: لعبة سياسية بلا قواعد

اهتز استقرار مصر من جديد نتيجة اضطراب سياسي يتميز، هذه المرة، بتضاؤل قدرة المعارضة على الحشد لكن بتزايد عمليات التخريب والإجرام خلال تحركاتها، ونجاحها في جذب قوى سلفية هامة إلى صفوفها، وفي المقابل قدرة الرئيس محمد مرسي على ضمان تماسك مؤسسات الدولة.
201323105820345621_20.jpg
استقرار مصر اهتز من جديد نتيجة اضطراب سياسي يتميز، هذه المرة، بتضاؤل قدرة المعارضة على الحشد لكن بتزايد عمليات التخريب والإجرام خلال تحركاتها، ونجاحها في جذب قوى سلفية هامة إلى صفوفها (الفرنسية)

لم تكد حدة الأزمة التي خيمت على الوضع السياسي المصري بفعل الخلاف على الإعلان الدستوري المكمل، في نوفمبر/تشرين الثاني–ديسمبر/كانون الأول الماضيين 2012، تتراجع، حتى انحدرت البلاد إلى خضم أزمة جديدة. مصر، في الحقيقة، تعيش أزمة مستمرة منذ تولى د. محمد مرسي رئاسة الجمهورية في نهاية يونيو/حزيران الماضي 2012، لا تكاد تخرج من إحدى حلقات هذه الأزمة حتى تغرق في أخرى.

هذه المرة، ليس ثمة من شرارة يمكن رصدها خلف درجة التوتر المرتفعة في العلاقة بين قوى الأمن ومجموعات من الشبان الذين اقترفت فئات منهم أعمالا تخريبية وإجرامية، أو بين المعارضة المنضوية تحت جبهة الإنقاذ الوطني والرئيس. ما حدث أن ثمة فرصة أُتيحت للتصعيد، سواء بمناسبة إحياء ذكرى الثورة المصرية أو بفعل إعلان الأحكام في قضية مجزرة إستاد بورسعيد الرياضي، التي وقعت في العام الماضي. وكما التصعيد السابق في أزمة الإعلان الدستوري، عادت المعارضة إلى نهجها ذاته، مشككة في شرعية الرئيس ومتقدمة بعدد من الشروط لقبول الالتحاق بالحوار الوطني. خلف ذلك كله، أصبحت اليد الخارجية أكثر وضوحًا، حيث تظافرت التقارير عن تدفق هائل للمال السياسي. وخلف ذلك أيضًا ثمة تحول كبير في موقف حزب النور، أحد أكبر أحزاب التيار السلفي.

فما الذي يجري في الساحة السياسية المصرية، وهل ثمة وسيلة لوضع نهاية لحالة التأزم المستمرة في البلاد؟

ذكرى الثورة ومحاكمة بورسعيد

بالرغم من أن المعارضة أخفقت في تحقيق أهدافها في أزمة نوفمبر/تشرين الثاني–ديسمبر/كانون الأول 2012، وأن الأزمة انتهت بإقرار مشروع الدستور بنسبة أصوات عالية في استفتاء شعبي، رفضت قيادات جبهة الإنقاذ المعارضة الالتحاق بالحوار الوطني. استمرت جلسات الحوار الوطني بمن حضر، ولكن الواضح أن جبهة الإنقاذ لم تكن على استعداد بعدُ للقبول بخيار التفاوض من أجل إيجاد حل لمسائل الخلاف، السياسية منها أو ما يتعلق ببعض المواد المثيرة للجدل في الدستور. ولأن بقايا مجموعات المحتجين لم تُخْلِ ميدان التحرير، فقد ظل الميدان بؤرة توتر بين عدد من الفئات قامت بأعمال تخريبية، من ناحية، وقوات الأمن، من ناحية أخرى.

وكان واضحًا، على أية حال، أن جبهة الإنقاذ تعلّق آمالها على الذكرى الثانية للثورة المصرية، في 25 يناير/كانون الثاني 2013، لحشد القوى من جديد في مواجهة الرئيس والقوى المؤيدة له. وبينما أعلنت المعارضة عزمها التظاهر في ميدان التحرير، أعلن حزب الحرية والعدالة والإخوان المسلمون إحياء ذكرى الثورة بوسائل أخرى، مثل العمل الاجتماعي والخيري والتنموي في أنحاء البلاد المختلفة.

كانت نشاطات المعارضة أخذت تكتسب منحًى عنيفًا منذ أزمة نهاية العام الماضي، ولكن هذا العنف لم يتحول إلى تخريب. في يوم 25 يناير/كانون الثاني، رفعت مسيرات المعارضة المتجهة لميدان التحرير شعارات تدعو إلى اقتحام مجلس الشورى ومجلس الوزراء وإسقاط الرئيس، كما رفعت شعارات مشابهة في عدد من عواصم المحافظات الأخرى. وبالرغم من أن مجموع من احتشدوا في تجمعات المعارضة في كل أنحاء البلاد، بما في ذلك القاهرة، لم يتجاوز المائتي ألف شخص، إلا أن هذه التجمعات سرعان ما ولّدت، أو استترت بها، جماعات شغب، مسلحة وغير مسلحة، هاجمت وزارة الداخلية بوسط القاهرة، وحاولت الوصول إلى مجلس الشورى ومقر رئاسة الوزراء، كما حاولت اقتحام مقار محافظات السويس والإسماعيلية، وأشعلت النار في عدد من المنشآت العامة والمدارس. وقد انتهى اليوم بسقوط عدد من القتلى والجرحى، بما في ذلك ضابط أمن.

كان اليوم التالي، 26 يناير/كانون الثاني 2013، موعدًا مترقبًا لصدور الأحكام في قضية مجزرة إستاد بورسعيد الرياضي في العام الماضي، التي أودت بحياة أكثر من سبعين من المشجعين الرياضيين. وما إن أعلن قضاة محكمة جنايات بورسعيد حكمهم بإعدام 21 من المتهمين، حتى اندلعت حوادث شغب واحتجاج في أنحاء المدينة، تعرض خلالها سجن بورسعيد، حيث يُحتجز المتهمون في مجزرة الإستاد، لهجوم مسلح ومنظم دام عدة ساعات. كانت نتيجة الصدامات مقتل ثلاثين وجرح عشرات آخرين. وبالرغم من أن حدث مدينة بورسعيد لم يكن ذا علاقة بالمعارضة أو بالجدل السياسي في البلاد، فإن توقيت الحدث، من ناحية، ونزوع تجمعات اليوم السابق إلى العنف والتخريب، من ناحية أخرى، خلق تداخلاً بين ما هو إجرامي وما هو سياسي.

معتبرة أنها نجحت في إطلاق موجة ثورية ثانية، أصدرت جبهة الإنقاذ بيانًا لها في وقت مبكر من صباح يوم 26 يناير/كانون الثاني، انتهى إلى مطالبة الرئيس بما يلي:

  1. "... نُحمّل رئيس الجمهورية المسئولية الكاملة عن العنف المفرط الذي استخدمته الأجهزة الأمنية ضد المتظاهرين، ونطالب بلجنة تحقيق محايدة عاجلة لمحاسبة كافة المتورطين في إراقة دماء المصريين. كما تؤكد الجبهة على دعوتها للمصريين بمواصلة التزام السلمية في مظاهراتهم واحتجاجاتهم المشروعة وإدانتها الكاملة لأعمال العنف، وخاصة العنف المفرط الذي أدى إلى سقوط الشهداء". 
  2. تشكيل لجنة قانونية محايدة لتعديل الدستور المشوه فورًا، والاتفاق على المواد التي يجب تغييرها بشكل عاجل. 
  3. تشكيل حكومة إنقاذ وطني تتمتع بالكفاءة والمصداقية للاضطلاع بتحقيق مطالب الثورة، وعلى رأسها العدالة الاجتماعية، بالإضافة إلى الملفين: الأمني والاقتصادي بشكل أساسي ...
  4. إزالة آثار الإعلان الدستوري الاستبدادي الباطل فيما يتصل بالعدوان على السلطة القضائية وانتهاك استقلالها، وإقالة النائب العام الحالي. 
  5. إخضاع جماعة "الإخوان المسلمون" للقانون بعد أن أصبحت طرفًا أصيلاً في إدارة أمور البلاد بغير سند من القانون أو الشرعية."

"في حالة عدم الاستجابة لهذه المطالب المشروعة خلال الأيام القليلة القادمة، فإن الجبهة ستدعو جماهير الشعب المصري للاحتشاد والتظاهر السلمي يوم الجمعة القادم لإسقاط الدستور الباطل، والعمل مؤقتًا بدستور 1971 المعدل، وللشروع الفوري في تنظيم انتخابات رئاسية مبكرة. كما قررت الجبهة عدم خوض الانتخابات البرلمانية القادمة إلا في إطار هذا الحل الوطني الشامل".

خلال اليوم نفسه، السبت 26 يناير/كانون الثاني، دعا الرئيس مرسي مجلس الدفاع الوطني إلى اجتماع طويل، في أول لقاء عمل للمجلس منذ إقراره دستوريًا. لم يكن مرسي على الأرجح يتوقع ردود الفعل العنيفة على أحكام بورسعيد، ولكنه كان قلقًا بالتأكيد من أحداث العنف والشغب في اليوم السابق وتزايد المؤشرات على توجه المعارضة، أو تسترها، على العنف والشغب. وقد أشار البيان الصادر عن المجلس إلى وجود توجه لدى الرئاسة نحو اتخاذ إجراءات استثنائية للتعامل مع حالة فقدان الأمن، وإلى التوكيد على ضرورة الحوار الوطني لحل الإشكاليات السياسية في البلاد. وبدا أن الرئيس يتعامل مع مطالب المعارضة بمزيج من الجدية والتجاهل، الاستجابة وعدم التصديق.

في اليوم التالي، وعلى خلفية من تصاعد العنف في مدينة بورسعيد، ألقى الرئيس خطابًا قصيرًا، أعلن فيه عن حالة الطوارئ في محافظات قناة السويس الثلاث، ودعا إلى حوار وطني شامل، بدون أن يتطرق إلى المطالب التي وضعتها جبهة الإنقاذ. وقد عُرِف فيما بعد أن الدعوات وُجهت إلى 15 شخصية مستقلة وحزبية، بما في ذلك 4 من قيادات جبهة الإنقاذ، لإطلاق الجولة الثانية من الحوار الوطني. وقبل ساعات قليلة من بدء أولى جلسات الحوار، 28 يناير/كانون الثاني، كانت جبهة الإنقاذ قد أعلنت أن التحاقها بالحوار مشروط باستجابة الرئيس لمطالبها المسبقة، وأنها ستدعو إلى مظاهرات تطالب بإسقاط النظام يوم الجمعة 1 فبراير/شباط في حال عدم الاستجابة لشروطها.

المعارضة: سياسة الإنذارات

بالرغم من أن المعارضة خسرت أزمة الإعلان الدستوري/مشروع الدستور، وأن قدرتها على الحشد الشعبي تراجعت بصورة ملموسة، فقد أصبحت أكثر حدة في نشاطاتها وأكثر تصلبًا في مطالبها. وسواء في بيانها الأول في 26 يناير/كانون الثاني، أو البيان المتعلق بالحوار الوطني بعد يومين، استخدمت جبهة الإنقاذ الوطني لغة الإنذار أكثر من لغة الحوار والتفاوض. ثمة عدد من العوامل التي تقف خلف هذا التصلب:

  • الأول: أن الجبهة أصبحت أكثر ثقة بالذات، بعد أن نجحت في الحفاظ على تماسك قياداتها طوال الشهرين الماضيين، بالرغم من التباين الواسع في خلفيات ومطامح هذه القيادات. كان أيمن نور، زعيم حزب غد الثورة، الوحيد الذي ترك صفوف الجبهة في مرحلة مبكرة، مع احتفاظه بموقف معارض؛ ولكن الجبهة، في المقابل، كسبت التزامًا، يبدو صامدًا، من السيد البدوي، زعيم حزب الوفد.
  • الثاني: أن هناك تقارير متضافرة في الساحة المصرية والعربية تؤكد وجود دعم للمعارضة من دولتين عربيتين خليجيتين ودولة إسلامية إقليمية، وأن هذا الدعم ليس سياسيًا وحسب، بل وماليًا أيضًا. لا تتوفر أدلة قاطعة على مثل هذه التدخلات، ولكن هناك عدد من الظواهر وأدلة ظرفية. وليس من الواضح ما هو موقف أجهزة الدولة المصرية من مثل هذه التقارير، سيما أن صحيفة الأخبار المصرية (الثلاثاء، 29 يناير/كانون الثاني) ألمحت إلى وجود معلومات لدى الدوائر الأمنية تفيد بقيام شخصية خليجية بارزة بتمويل اعتصامات المعارضين، وعمليات شراء أسلحة.
  • الثالث: ويرتبط بصورة وثيقة بالعامل الثاني، ويتجلّى بصورة واضحة في متغير متسارع في موقع وموقف حزب النور السلفي، يصب بقوة لصالح جبهة الإنقاذ المعارضة. في تصريح لصحيفة مصر اليوم (14 يناير/كانون الثاني) طالب د. ياسر برهامي، نائب رئيس الدعوة السلفية، التي انبثق عنها حزب النور، الرئيس مرسي بتغيير الحكومة الحالية، واصفًا الحكومة بضعف الأداء وفقدان الكفاءة. وأشار برهامي إلى أن الدعوة السلفية وحزب النور يرحبان بدعوة الشيخ محمد حسان، أحد أبرز الشيوخ السلفيين بمصر، للمّ شمل القوى السياسية والحوار مع جبهة الإنقاذ. وكان حسان التقى يوم 17 يناير/كانون الثاني، في تطور مفاجئ، مع حمدين صباحي وعمرو موسى والسيد البدوي، بحضور الشيخ السلفي محمد حسين يعقوب وعدد آخر من قيادات جبهة الإنقاذ، تحت عنوان البحث في أسباب امتناع جبهة الإنقاذ عن الالتحاق بالحوار الوطني.

أُخذت خطوة الشيخ حسان حينها باعتبارها محاولة لاحتواء الاستقطاب الحاد في البلاد، ولكن التصريحات اللاحقة لبرهامي، أقوى شخصيات الدعوة السلفية وصاحب التأثير الكبير والمباشر على حزب النور، أثارت أسئلة أولية حول ما إن كان موقف الحزب يشهد تحولاً ما. خلال الأسبوع التالي، تصاعدت انتقادات حزب النور للرئيس وللإخوان المسلمين، وتسارعت خطوات اقترابه من جبهة الإنقاذ الوطني ومواقفها المعلنة.

في 24 يناير/كانون الثاني، أشارت الشروق المصرية إلى أن مصادر سلفية أكدت استمرار اللقاءات بين قيادات في حزب النور وأخرى في جبهة الإنقاذ، وأن الطرفين قد ينسقان جهودهما في انتخابات مجلس النواب المقبل أو يعقدان تحالفًا داخل المجلس بعد عقد الانتخابات. وفي اليوم التالي، نقلت صحيفة المصري اليوم عن ياسر برهامي توكيده على أن حزب النور لن ينسق مع الإخوان المسلمين في المقاعد الفردية (التي هي عادة موضع التنسيق بين الأحزاب)، واعتقاده بأن النور منفردًا قادر على حسم المعركة الانتخابية لصالحه. خلال الأيام التالية، بدأ متحدثو حزب النور في البرامج الحوارية تبني مقولات المعارضة التقليدية، مثل "أن قوة سياسية واحدة لن تستطيع إدارة شؤون البلاد"، وأن النور "يقف ضد توجهات أخونة الدولة".

وفي 29 يناير/كانون الثاني، خرج د. يونس مخيون، رئيس حزب النور، في مؤتمر صحفي ليعلن مبادرة الحزب للتعامل مع الأزمة. والمدهش أن مبادرة مخيون تضمنت كافة مطالب جبهة الإنقاذ المعارضة، حرفيًا؛ وهو ما تأكّد في اليومين التاليين في لقاءات مخيون مع قيادات معارضة، بما في ذلك السيد البدوي، زعيم حزب الوفد وأحد قيادات جبهة الإنقاذ، وأيمن نور، زعيم حزب غد الثورة.

التقديرات في العاصمة المصرية هي أن حزب النور تعرض لضغوط هائلة من دولة عربية معروفة باتصالاتها بالجماعات السلفية العربية. وأن هذه الدولة تدفع حزب النور لفك الارتباط كليًا مع الإخوان المسلمين والتحالف مع جبهة الإنقاذ، سواء بتأييد مساعي الجبهة الحالية لإسقاط الرئيس، أو، في حال لم تستطع تحقيق هذا الهدف، التنسيق مع الجبهة خلال الانتخابات ومحاولة حصول الطرفين مجتمعين على أغلبية برلمانية، ومن ثم توافق الطرفين على تشكيل الحكومة المقبلة ومحاصرة الرئيس طوال سنوات عهده المتبقية.

حراك سياسي وآمال ضئيلة

منذ دعا الرئيس مرسي لاستئناف الحوار الوطني، وامتنعت جبهة الإنقاذ عن الالتحاق بالحوار قبل تنفيذ مطالبها، لم تتوقف المبادرات لإيجاد مخرج تفاوضي آخر. المشكلة، أن ليس ثمة مؤشرات ملموسة على أن أيًا من هذه المبادرات يمكن أن يوفر حلاً. متجاهلاً الحوار الوطني الذي تشرف عليه الرئاسة، والذي سبق أن وافق على الالتحاق به، طرح د. عبد المنعم أبو الفتوح، الإخواني السابق وزعيم حزب مصر القوية، مقتَرَحًا للقاء يجمع اثنين من قادة الإخوان وحزب الحرية والعدالة واثنين من قادة جبهة الإنقاذ، بحضوره شخصيًا، لبحث سبل الخروج من الأزمة. ولكن لا الإخوان ولا جبهة الإنقاذ أخذ مقترح أبي الفتوح مأخذ الجد.

عُقدت أولى جلسات الحوار الوطني في 28 يناير/كانون الثاني بمن حضر، وبمقاطعة جبهة الإنقاذ. وقد اتفق المجتمعون، ضمن عدة مسائل، على تشكيل لجنة من سياسيين وفقهاء دستوريين لبحث مواد الدستور موضع الخلاف وسبل تعديل الدستور. ولكن مصادر الحوار أفادت بأن الرئيس لم يقبل بإقالة الحكومة، على أساس أن موعد الانتخابات البرلمانية بات قريبًا، وأن محاولة تشكيل حكومة توافق وطني لن تكون يسيرة أو سريعة. مهما كان الأمر، فإن نتائج جلسة الحوار الأولى لم تُستقبل بأي درجة من الإيجابية في أوساط جبهة الإنقاذ، التي أكدت عزمها على تنظيم مظاهرات احتجاجية يوم الجمعة، 1 فبراير/شباط، بشعارات تطالب بإسقاط النظام والدستور والحكومة.

ولأن المبادرة التي أعلنها يونس مخيون تطابقت مع مطالب جبهة الإنقاذ، فقد سارعت قيادات الجبهة إلى الترحيب بها، بينما علّق عليها المتحدثون باسم الإخوان المسلمين وحزب الحرية والعدالة بفتور لا يخفى. ولا يختلف مصير الاقتراح الذي صدر عن د. محمد البرادعي، أحد قادة جبهة الإنقاذ، والذي دعا إلى لقاء بين قيادة الجبهة والرئيس بحضور وزيري الدفاع والداخلية، عن مصير مبادرة حزب النور. فقد فُهمت الدعوة، فوق عدم عمليتها وتجاهلها للحوار الوطني الرئاسي، بأنها مجرد غزل من البرادعي لقيادة الجيش، وتعبيرًا عن محاولة المعارضة الزج بالجيش إلى ساحة التدافع السياسي. وقد رُفض اقتراح البرادعي من معسكر المؤيدين للرئيس ومن بعض قوى المعارضة، مثل جماعة 6 إبريل.

التحرك الوحيد الذي بدا وكأنه أنتج شيئًا ما، كان الاجتماع الذي عُقد بدعوة من شيخ الجامع الأزهر، د. أحمد الطيب، (31 يناير/كانون الثاني)، وضم قطاعًا واسعًا من القيادات السياسية المعارضة للرئيس والمؤيدة له، ومن الشخصيات العامة ورجال الدين المسلمين والمسيحيين، وعدد من شباب ثورة 25 يناير/كانون الثاني. انتهى الاجتماع إلى صدور بيان قيمي أكثر منه سياسي، أكد على حرمة الدم والتبرؤ من العنف والدعوة إلى المحافظة على سلمية التدافع السياسي. كما اتفق المجتمعون على تشكيل لجنة مصغرة من القادة السياسيين لاستكمال الحوار بين فرقاء الساحة السياسية. وليس ثمة شك أن البيان، الذي عُرف باسم وثيقة الأزهر لنبذ العنف، يشكّل إحراجًا علنيًا للمعارضة، لكن لا يُتوقع أن تؤدي فكرة استمرار الحوار إلى تقدم ملموس.

ما أضاف إلى إحراج المعارضة أنها لم تستطع حشد سوى آلاف قليلة في مظاهرات الجمعة 1 فبراير/شباط، سواء في ميدان التحرير أو في محيط قصر الرئاسة؛ حيث خططت المعارضة للتظاهر والاعتصام. وقد انتهت المظاهرات، بالرغم من التوقيع على وثيقة الأزهر، إلى استخدام المتظاهرين لقنابل المولوتوف وإشعال النار وقذف الحجارة ضد رجال الأمن والحرس الجمهوري.

خلف كل هذا الحراك السياسي، على أية حال، ثمة قناعات مستحكمة، لا يبدو أن أيًا من أطراف الصراع بصدد مراجعتها بعد. وما لم تُراجَع هذه القناعات، فإن مصر باتت بحاجة إلى حسم سريع لحالة الاستقطاب السياسي الحادة ووضع نهاية للأزمة المستديمة، قبل أن تتمكن من التعامل مع التحديات الاقتصادية والمالية الهائلة التي تثقل كاهل البلاد والشعب والدولة.

أي طريق ستختاره مصر؟

خلال أسبوع واحد من اندلاع هذه الحلقة من الأزمة، تضاءلت قدرة قوى المعارضة على الحشد، شيئًا فشيئًا. ما بدأ في 25 يناير/كانون الثاني بعشرات الآلاف، انتهى في 1 فبراير/شباط بآلاف قليلة. وفي الحالتين، لم يتوقف المتظاهرون عند الاحتجاج السلمي. ويبدو أن قلة فقط بين المصريين تدرك الدوافع خلف التصعيد الجديد في التدافع السياسي.

من وجهة النظر هذه، يمكن القول: إن مرسي نجح، تكتيكيًا، في التعامل مع الأزمة. ما ساعده، أن الإخوان ومناصريه عمومًا تجنبوا الشارع أو الاحتكاك بأنصار جبهة الإنقاذ، بغضّ النظر عن حجم هؤلاء الأنصار. ولكن المشكلة ليست هنا. فمنذ توليه مقاليد الحكم، نجح الرئيس بالفعل في التعامل مع التحديات التي فرضت عليه، واحدًا بعد الآخر. المشكلة أن الرئيس ومعسكره اعتاد، كما يبدو، إدارة الأزمات؛ بينما السؤال الذي بات يتطلب إجابة قاطعة هو كيف يمكن وضع نهاية لحالة التأزم المستديمة هذه، وأن يتاح للبلاد فرصة العمل على مواجهة الأعباء المالية والاقتصادية الهائلة.

ما تشير إليه الشواهد أن أطراف الأزمة تختلف حول مسائل لا يستطيع نظام ديمقراطي معالجتها. عندما يعتبر أحد الأطراف أن الدستور الجديد هو دستور جيد وغير مسبوق ويرى الطرف الآخر أن الدستور كارثة ولابد من إسقاطه، بغض النظر عن أصوات الملايين التي أقرته؛ وعندما يعتبر طرف أن لمصر رئيسًا شرعيًا، يخدم مصالح البلاد، بينما يرى الطرف الآخر أن الرئيس فقد شرعيته ولابد من الإطاحة به، تصبح العملية الديمقراطية مستحيلة. ما يزيد الأزمة تفاقمًا أن التدافع لم يعد مصريًا وحسب، بل يبدو أن أطرافًا عربية قد تورطت فيه، وأن لهذه الأطراف أذرعًا سياسية ومالية طويلة، قادرة على التأثير في ديناميات التدافع وفي مواقف بعض أطرافه، بما في ذلك أطراف إسلامية.

أين المخرج إذن؟ أحد الاحتمالات أن يستمر الرئيس في سياسته الحالية؛ بمعنى مواصلة عملية الحوار التي يرعاها للتوصل إلى تعديلٍ ما للدستور ولقانون الانتخابات، مع الحرص على إبعاد الإخوان عن الشارع ودفع أجهزة الدولة لتحمل مسؤولياتها في التعامل مع جماعات العنف والفوضى؛ والمضي قدمًا نحو الانتخابات البرلمانية، لعل قوى المعارضة تدرك في النهاية أن عليها القبول بحقائق الواقع السياسي وتتخلى عن فكرة إسقاط الرئيس وتغيير النظام بقوة الشارع وتوليد الاضطرابات.

الاحتمال الثاني: أن يذهب الرئيس نحو حسم حالة الفوضى والانفلات الأمني، بقوات الأمن، إن أمكن، أو بالسماح لجماهير الإخوان والقطاعات الشعبية المؤيدة بالنزول إلى الشارع لحسم الموقف. سيترتب على مثل هذا الخيار صدامات عنيفة بالتأكيد وخسائر بشرية، حتى إن نجح في استعادة الأمن والنظام؛ وقد يثير ردود فعل دولية لبعض الوقت؛ ولكنه سيعطي رسالة قاطعة لقيادات المعارضة بتوازنات القوى في الشارع، وربما يدفع المعارضة لإعادة النظر في أساليب نشاطاتها وأهدافها.

الاحتمال الأفضل، والخيار العقلاني، بالرغم من ضعف المؤشرات التي تدل على اتجاه الأمور نحوه في الوقت الراهن، هو أن تغير المعارضة من مقاربتها للوضع وتذهب نحو تفاوض وحوار وطني بلا شروط، وأن يؤكد الرئيس والقوى المساندة له التزامهم نتائج الحوار، والعمل على تطبيق هذه النتائج، سياسيًا وتشريعيًا.