تواجه الرئيس المصري محمد مرسي ثلاث عقد تتحدى سلطته، عقدة سياسية وعقدة اقتصادية وعقدة أمنية (أسوشيتد برس) |
في 6 مارس/آذار، أصدرت محكمة القضاء الإداري قرارًا بإيقاف الدعوة إلى الانتخابات النيابية وإحالة قانون الانتخابات للمحكمة الدستورية، وذلك في قضية رفعها أحد المواطنين اعتراضًا على القانون. كان القانون الذي أعده مجلس الشورى المصري، الذي يقوم مقام المجلس التشريعي حتى الانتهاء من الانتخابات النيابية، قد أُرسل في نسخته الأولى للمحكمة الدستورية للنظر فيه (طبقًا لأحكام الدستور). أبدت المحكمة الدستورية اعتراضات على النسخة المرسلة، وقام مجلس الشورى بإجراء تعديلات، ولكنه لم يرسل الصيغة الجديدة للمحكمة الدستورية ثانية، بناءً على اجتهاد يقول بأن لا ضرورة لأن ترى المحكمة الدستورية رأيها مرة أخرى.
ولأن الرئيس محمد مرسي، وحزب الحرية والعدالة، الذراع السياسي للإخوان المسلمين، أظهرا حرصًا بالغًا منذ نوفمبر/تشرين الثاني الماضي 2012، عندما اندلعت أزمة الإعلان الدستوري المكمل، على الانتهاء من المرحلة الانتقالية وإكمال بناء مؤسسات الدولة، اعتُبر قرار المحكمة الإدارية بإيقاف الانتخابات التشريعية نصرًا للمعارضة وهزيمة للرئيس ومؤيديه. من منظار شكلي بحت، يبدو القرار مناهضًا لسياسة الإسراع في الخروج من مرحلة فقدان اليقين المؤسساتي التي لم تزل تلف البلاد. من منظار سياسي واقعي، هذا القرار يحقق منافع لصالح الرئيس ومعسكره.
طبقًا للجدول الزمني السابق، كان يُفترض أن تجرى انتخابات مجلس النواب الجديد في مايو/أيار ويونيو/حزيران المقبلين 2013، على أن يعقد المجلس أولى جلساته في مطلع يوليو/تموز. ولكن استجابة مرسي وحكومته لقرار المحكمة الإدارية، على أن يعد مجلس الشورى صيغة جديدة من القانون، يرسلها بعد ذلك للمحكمة الدستورية لإبداء الرأي، يعني أن الانتخابات لن تُجرى قبل أكتوبر/تشرين الأول أو نوفمبر/تشرين الثاني. لكن موسم الامتحانات لطلاب الثانوية والجامعات، ومن ثم حلول شهر الصيام، يجعل من المستحيل إجراء الانتخابات خلال أشهر الصيف، هذا إن استطاع مجلس الشورى الخروج بصيغة القانون الجديد سريعًا ووافقت المحكمة الدستورية خلال مهلة الخمسة وأربعين يومًا التي يعطيها الدستور.
هذه الأشهر الخمسة أو الستة، التي وفرها قرار المحكمة الإدارية بإيقاف العملية الانتخابية لمرسي ومعسكره، هي أشهر ثمينة بلا شك. بعد أن أحدث الدستور تقاسمًا للحكم بين الرئيس ورئيس الحكومة، وأوكل تسمية الأخير إلى الأغلبية البرلمانية، يحتاج مرسي أغلبية مؤيدة له في مجلس النواب الجديد. وفي ظل الصعوبات الحالية التي يواجهها الرئيس في مختلف الجبهات، فإن تأجيل الانتخابات لعدة شهور أخرى قد يساعد الرئيس وحكومته على التعامل مع بعض هذه الصعوبات وتأمين الأغلبية البرلمانية المنشودة.
هذه قراءة في الملفات الثلاثة الرئيسة التي يحتاج مرسي إلى تحقيق نجاح ملموس في التعامل معها، قبل أن تذهب البلاد إلى انتخابات برلمانية.
أولاً: تحدي الاستقرار السياسي
لم تحشد القوى المنضوية في جبهة الانقاذ المعارضة للرئيس مرسي حشودا شعبية كبيرة؛ ولكن الجبهة تضم شخصيات بارزة في الساحة السياسية، وتلتف حولها قطاعات قاهرية من مختلف التوجهات. والأهم من ذلك، أن الإعلام المصري الخاص كله تقريبًا، مدعومًا بأموال هائلة، يدعم معارضة الجبهة للرئيس ومعسكره. طوال الشهور القليلة الماضية، وبغضّ النظر عن حجم الانقسام الشعبي، ولّدت حالة الاستقطاب بين الرئيس والمعارضة صورة حادة من الانقسام في البلاد، وانطباعًا بفقدان الاستقرار.
مرة بعد مرة، أخفقت دعوات الحوار الوطني التي دعا إليها الرئيس في إقناع قادة جبهة الإنقاذ بالالتحاق بالحوار. وبالرغم من تفاوت التصريحات، يتحدث قادة الجبهة عن عدد من الشروط التي لابد من توفرها لبدء حوار مع الرئاسة، مثل إقالة النائب العام الحالي، الذي اختاره الرئيس في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي؛ إقالة الحكومة الحالية وتشكيل حكومة تحالف وطني؛ وتكوين لجنة وطنية لوضع قانون انتخابات مقبول من كافة الأطراف. في المقابل، تقول مصادر الرئاسة: إن موقف الجبهة، التي لا تمثل سوى أقلية، أقرب إلى الإملاءات منه إلى الرغبة في بدء حوار جاد. السؤال الآن هو كيف يمكن للرئيس التعامل مع هذا الملف؟
أحد الخيارات هو الاستجابة لشروط الجبهة، سيما أن أحدها، على الأقل، وهو المتعلق بالنائب العام يبدو وكأنه سيُحل بحكم قضائي.
الثاني: أن يتجاهل الرئيس المعارضة كلية، ويتابع خطواته باتجاه الانتخابات، مؤمّلاً أن تتراجع وتيرة الاستقطاب والحشد السياسي، كما تشير الدلائل الحالية.
الخيار الثالث: أن يحاول الرئيس ومعسكره إقناع قوى وشخصيات معينة بالخروج من الجبهة واتخاذ موقف معارض أقل تشددًا وأقرب للتوافق؛ تمامًا كما حدث مع أيمن نور، رئيس حزب غد الثورة، الذي ترك جبهة الإنقاذ من الأيام الأولى لتأسيسها والتحق بجلسات الحوار الوطني.
ليس ثمة ما يشير إلى أن الرئيس قرر الذهاب إلى خيار محدد للتعامل مع هذا الملف؛ فبالرغم من التقارير التي تفيد بوجود اتصالات ما بين حزب الحرية والعدالة وأطراف في جبهة الإنقاذ، وتقارير أخرى تفيد باستعداد الرئيس لإقالة الحكومة إن تبلور توافق وطني نهائي، فإن خطوة ملموسة لم تُتخذ بهذا الاتجاه أو ذاك. كما أن مواقف جبهة الإنقاذ، التي يبدو أن كلاً من عمرو موسى وحزب الوفد، قد جمّدا نشاطيهما فيها، لم تزل تأتي منها بعض الإشارات التي تُفسّر لدى معسكر المقابل بأنها مسعى إلى إسقاط الرئيس أكثر منها رغبة في التوصل إلى توافق وطني.
ثانيًا: التحدي الأمني
ثمة تقدم طفيف في المناخ الأمني المصري، ولكنه غير كاف لإشعار المواطنين، وشركات السياحة، والمستثمرين الأجانب، بأن الدولة نجحت فعلاً في محاصرة حالة الانفلات المتفاقمة منذ ما بعد اندلاع الثورة المصرية. وبالنظر إلى حالة الاستقطاب السياسي في البلاد، فالواضح أن الملف الأمني يتعلق بمسألتين رئيستين:
الحشد السياسي المنفلت والمتكرر في الميادين والشوارع، والنشاطات الإجرامية البحتة. المشكلة، أن في الكثير من المناسبات والمواقع، لم يعد من السهل التفريق بين الاثنين، سيما بعد أن وجدت عناصر إجرامية في الاحتجاج السياسي مظلة لها.
يترك الملف الأمني أثره على مجمل الحياة المصرية، وعلى عدد من القطاعات الأخرى التي تعاني أصلاً من التدهور. ثمة أحياء في العاصمة وبعض المدن الأخرى، تعيش فقدانًا ملموسًا لشروط الأمن الضرورية؛ حوادث متكررة بصورة مثير للقلق في الطرق السريعة وخطوط السكك الحديدية وطرق العاصمة والمدن الكبرى؛ وقابلية سريعة لتحول أية مظاهرة احتجاج إلى اشتباكات عنف دموي؛ وعودة مناخ التوتر إلى العلاقات بين المسلمين والأقباط.
وصل الملف الأمني ذروته في أحداث الجمعة 22 مارس/آذار، عندما توجهت آلاف قليلة من أنصار المعارضة، انضمت إليهم عناصر إجرامية، ممن يُعرف بالبلطجية، إلى المركز العام للإخوان المسلمين في منطقة المقطم، للاحتجاج على ما تصفه المعارضة بسيطرة الإخوان المتزايدة على الحكم والدولة. ولأن الدعوة للتظاهر كانت علنية منذ عدة أيام، فقد احتشد عدد من شباب الإخوان حول المركز لحمايته. لم تكن قوات الأمن غائبة عن المشهد، ولكنها عجزت في النهاية عن احتواء الموقف. وقد شهدت المنطقة اشتباكات بالغة العنف بين الطرفين، وصلت حتى إلى باحات المساجد، وأوقعت عشرات الجرحى.
بيد أن التطور الذي ينذر بالخطر كان اندلاع صدامات بين المسلمين والأقباط طوال الأسبوع الأول من إبريل/نيسان. بدأت المشكلة باشتباكات في قرية بمحافظة القليوبية، قيل: إن سببها كان قيام شبان مسيحيين برسم صلبان على جدار مسجد القرية، وانتهت بسقوط جرحى وقتلى من الطرفين. ولكن الصدام سرعان ما امتد إلى العاصمة المصرية، عندما هاجمت حشود من المسلمين جنازة القتلى المسيحيين، التي خرجت من الكاتدرائية القبطية بوسط القاهرة. ومرة أخرى، وبالرغم من وصولها منطقة الاشتباكات، لم تستطع قوات الأمن احتواء الموقف بسرعة كافية.
هذه لم تكن حادثة التوتر الطائفي الأولى في العقود الثلاثة الماضية، ولا منذ الثورة المصرية. ولكن، وكما كافة المسائل الأخرى، يلعب مناخ التفلّت الأمني والاستقطاب السياسي دورًا رئيسًا في تفاقم التوترات الطائفية في البلاد. فقرية الخصوص، التي شهدت بداية الصدام الأخير لم تعرف مثل هذه الأحداث بين سكانها المسلمين والأقباط من قبل على الإطلاق. أن تتحول قرية في محافظة القليوبية إلى مركز توتر طائفي يعني أنه لم يعد أي مكان محصنًا ضد الفتنة.
يعود التباطؤ الملحوظ في قدرة الدولة على التحكم في الملف الطائفي إلى عدة أسباب:
-
أن قطاعًا ملموسًا من ضباط وزارة الداخلية، والثقافة السائدة داخل الوزارة، معادية لحكم مرسي، وربما حتى لكل نظام ما بعد الثورة. ولأن الرئيس يواجه معارضة صاخبة، ولا يريد فتح جبهات متعددة، لم يزل مشروع إصلاح الوزارة وإعادة هيكلتها ينتظر تبلور مشروع إصلاحي والقرار لإطلاق هذا المشروع.
-
ولكن حتى الضباط المهنيين يخشون القيام بواجبهم كما ينبغي، وهم يشهدون تصاعد الأصوات بمعاقبة ضباط الأمن ومحاكمتهم بعد كل حادثة مواجهة أمنية.
-
أن المهمة نفسها أكبر بكثير من طاقة المؤسسة الأمنية، نظرًا لأن أجواء الحرية والنشاط السياسي فتحت عشرات الملفات النائمة والمجمدة طوال عقود، إضافة إلى الهامش المتسع أمام العناصر الإجرامية.
ثالثًا: الملف المالي-الاقتصادي
لم يدرك الرئيس المصري حجم العبء الذي يواجهه على المستوى الاقتصادي ومستوى مالية الدولة إلا بعد شهور من توليه منصبه، عندما بدأت تتكشف له ولمستشاريه خفايا جهاز الدولة الأكبر والأكثر خرابًا في المشرق العربي-الإسلامي. اتبع النظام السابق طوال سنوات سياسة "رشوة" جماعية للمصريين، مقابل سكوتهم على عملية النهب غير المسبوقة التي رعتها الطبقة الحاكمة لمقدرات البلاد، وتمهيدًا لتوريث الحكم لنجل الرئيس السابق.
فعلى سبيل المثال، وصل حجم ديْن الدولة الداخلي أكثر من تريليون و200 مليار جنيه مصري عند اندلاع الثورة، بفوائد تتراوح بين 12 و16 بالمائة، نظرًا لأن الفائدة على الجنيه المصري عالية نسبيًا. استُخدمت هذه الديون بصورة أساسية لتمويل الدعم الحكومي لمصادر الطاقة والسلع الأساسية، الذي يستهلك 30 بالمائة من الميزانية السنوية. إضافة إلى الدين الخارجي، المقدر بـ 34 مليار دولار، تجاوز الدين الداخلي الآن التريليون و300 مليار جنيه مصري، نظرًا لحاجات الدولة المتزايدة منذ اندلاع الثورة.
ولكن الأزمة لا تتوقف هنا؛ فقد شهدت البلاد خلال العامين الماضيين هروب مليارات من الدولارات، بصورة شرعية وغير شرعية، سواء من مستثمرين أجانب أو رجالات النظام السابق وطبقة رجال الأعمال الملتفين حوله. في الوقت نفسه، دافعت حكومات ما بعد الثورة، التي شكّلها شفيق وشرف والجنزوري، باستماتة عن سعر مرتفع للجنيه المصري في مقابل الدولار، وربما كان هدفها الحصول على السلم الاجتماعي بترضية المصريين من خلال رفع قدرتهم الشرائية. كلا العامليْن تسبب في استنزاف سريع لاحتياطي النقد الأجنبي وللسيولة المتاحة في السوق من هذا النقد، ما يهدد بالتالي قدرة الدولة على استيراد بعض من السلع الحيوية، مثل السولار والغاز والقمح. حاولت حكومة مرسي مواجهة الأزمة بتحرير سعر الجنيه المصري، من ناحية، وطلب مساعدات في صورة ودائع مالية في البنك المركزي المصري لفترات محدودة من دول صديقة، مثل: قطر وتركيا وليبيا. ولكن لم تحل تماما حتى الآن؛ فقد هوى سعر الجنيه لمستويات غير مسبوقة منذ أكثر من عشر سنوات، كما استمر نزيف الاحتياطي النقدي الأجنبي في البنك المركزي، وإن بمعدلات متراجعة.
على المدى القصير، يصعب الخروج من الأزمة بدون إعادة النظر في منظومة الدعم الحكومي لمصادر الطاقة والسلع الأساسية؛ والحصول سريعًا على القرض الذي يجري التفاوض حوله من صندوق النقد الدولي، البالغ 4,8 مليار دولار؛ وإعادة عجلة الإنتاج والسياحة إلى مستوياتها الطبيعية.
بدأت الحكومة المصرية بالفعل في إعادة النظر في منظومة الدعم، ولكن بإجراءات جزئية وبطيئة، ولم تصل بعد إلى طرح منظومة كاملة، تقنع المصريين بالحرص على تحقيق العدالة الاجتماعية. أما المفاوضات مع صندوق النقد فلم تصل إلى نهايتها بعد، وثمة من يعتقد في أوساط الرئاسة أن الصندوق لم يحصل على الضوء الأميركي الأخضر بعد، وأن واشنطن تستخدم القرض للضغط غير المباشر على الرئيس، لدفعه إلى إجراء مصالحة مع قوى المعارضة. وبخصوص إعادة الحياة لعجلة الإنتاج، بدأت أجهزة الدولة القضائية والمالية والإدارية معالجة ملفات رجال الأعمال المتهمين بالتهرب من الضرائب أو الذين حصلوا على امتيازات غير قانونية من النظام السابق، بهدف التوصل إلى مصالحات مالية معهم وتشجيعهم على العودة للبلاد ومباشرة أعمالهم. ولكن التقدم على الصعيد المالي/الاقتصادي لم يزل بطيئًا، ولم يصل إلى المواطن العادي بعد.
من جهة أخرى، ثمة تطورات إيجابية في الملف الاقتصادي شهدها الأسبوع الثاني من إبريل/نيسان. فقد أشارت بيانات وزارة المالية المصرية إلى ارتفاع ملموس في عائدات الضرائب خلال الأشهر الثماني من أغسطس/آب 2012–مارس/آذار 2013، مقارنة بالوقت نفسه من العام الماضي. ويمكن أن يُعزى هذا الارتفاع إلى ضرائب متأخرة سددها رجال أعمال متهربون، أو إلى رفع مستوى الضريبة على بعض السلع. ولا يقل أهمية أن الصادرات غير النفطية في مارس/آذار 2013 سجلت ارتفاعًا بنسبة 24 بالمائة؛ مما يشير إلى بداية تعاف في عجلة الإنتاج. ولكن الاختراق الكبير في المجال المالي/الاقتصادي جاء بإعلان دولة قطر عن الاتفاق على شراء سندات مصرية بقيمة 3 مليارات دولار، والإعلان عن حصول مصر على قرض بلا فوائد قدره 2 مليار دولار من ليبيا (أي ما يمكن تسميته بوديعة). كلا التطورين أطاحا بقيمة الدولار في السوق السوداء للعملة الأجنبية خلال ساعات، وخلقا مناخًا إيجابيًا في السوق. الخطوة المقبلة في طريق الخروج من عنق الزجاجة هي بلا شك الحصول على قرض صندوق النقد الدولي.
ملفات متداخلة وخيارات صعبة
مواجهة أي من هذه الملفات هو في حد ذاته مهمة بالغة التعقيد؛ ولكن مشكلة مرسي الأعقد تتعلق بتداخل هذه الملفات الثلاثة إلى حد كبير وترابطها، وأن الخيارات المطروحة أمامه كلها صعبة.
تحتاج مصر قرض صندوق النقد للمساعدة في سد عجز الميزانية وتعزيز مقدرات البنك المركزي؛ ولتعزيز ثقة المستثمرين الأجانب ورجال الأعمال المصريين، على السواء، بوضع البلاد الاقتصادي. ولكن القرض وحده لن يكفي إن استمر مناخ التفلت الأمني. من جهة أخرى، وحتى إن وافق صندوق النقد الدولي على تقديم القرض، لن تصل المفاوضات بين مصر والصندوق إلى نهايتها بدون إجراء إصلاح شامل وجوهري لمنظومة الدعم الحكومي، ولكن من جهة أخرى فإن الإصلاحات التي يشترطها صندوق النقد ترفع التكلفة الاجتماعية حيث تزيد عدد البطالين وترفع دعم الحكومة عن سلع حيوية للمصريين، فتثير تذمرهم، فيهددون السلم الاجتماعي. وحتى يتوصل الرئيس المصري إلى حل لهذه المعضلة فإنه بحاجة إلى توسيع قاعدته السياسية بما يجعل غالبية المصريين يقبلون بالأعباء التي ستقع على عاتقهم مقابل الثقة في أن الحكومة ستحسّن أحوالهم قريبًا.
وأما إصلاح الملف الأمني، فإنه معضلة أخرى، فإذا أخّر الرئيس إصلاح هذا القطاع فإن المعارضة ستستعمل جرائم قوات الأمن خلال الثورة لتأجيج المشاعر على الرئيس مرسي وحكومته، أما إذا استجاب الرئيس مرسي لدعوات الإصلاح فإن الإضرابات قد تشلّ قطاع الأمن فتعم الفوضى وتنتشر الجريمة. وحتى يحل الرئيس المصري هذه المعضلة يحتاج إلى توسيع قاعدته السياسية حتى يحد من الاضطرابات التي تحركها أسباب السخط السياسي والاجتماعي فيقل اعتماده على الأمن فيتحرر من الحاجة الماسة اليهم، ويكون بمقدوره إصلاح قطاعهم.
يحتاج حل المسألتين: الأمنية والاقتصادية إلى حل المسألة السياسية لأنه يمنح الرئيس الإجماع الذي يقنع المصريين بقبول تكاليف الإصلاح الاقتصادي ويقلل مخاطر الإصلاح الأمني. علاوة على أن ترك الاستقطاب السياسي يتفاقم، قد يؤدي، في حال فوز المعارضة بأغلبية برلمانية، إلى تشكيل حكومة معادية للرئيس، وتمتلك القدرة حسب الدستوري الحالي على شلّ عمل السلطة التنفيذي بالكامل، فتسود حالة من الفوضى، قد تعصف بكل مرحلة التحول الديمقراطي الجارية.