الدولة والدين في الدستور المغربي بين الحماية والاحتماء: من حراسة الدين إلى تديين السياسة

تبيِّن الدراسة الدور الجوهري للدين في البناء الدستوري المغربي والممارسة السياسية؛ حيث يتداخل الدين والدولة عن كثب في الدستور، وهو يعمل (الدستور) على حماية الدور الذي يلعبه الدين في الحياة العامة، سياسيًّا أكثر منه اجتماعيًّا. وترى الدراسة أن الطلب على الدين في نص الدستور وفي تنزيله هو طلب سياسي وليس إيمانيًّا أو ثقافيًّا، وأن الدور السياسي للدين لا يتعلق باستغلال الدين في الأزمات السياسية، بل يظهر عن طريق استدخال الدين بشكل مؤسساتي في الحياة السياسية.
الطلب على الدين في الدستور وفي تنزيله هو طلب سياسي وليس إيمانيًّا أو ثقافيًّا (الجزيرة)

رغم أن الخوف من الدين هو موضوع مُسْتَبْطَن في الفكر الدستوري الحديث، إلا أن جميع الدول بما فيها العلمانية تُعالج قضية الدين مباشرة في الدساتير المعاصرة، بل لا يوجد دستور واحد يمتنع أو يغفل الإشارة إلى الدين، "فمن بين 194 دستورًا يوجد اليوم 186 تذكر كلمة "الدين"... وما مجموعه 114 دستورًا، أي 58.7%، تذكر مصطلحات، مثل: "الله"، أو "الإلهي"، أو "آلهة أخرى"(1). وفي هذا قد يرتبط الدستور ارتباطًا وثيقًا بدين معين. على العكس من ذلك، قد يتضمن الدستور العديد من الأديان، أو يصمت بشأن مسألة الدين، أو يرسم خطًّا واضحًا بين الدين والدولة.

عربيًّا، بعد حراك 2011 وحتى سنة 2013، أصبح دور الدين في الدساتير موضوعًا ساخنًا؛ حيث ظهر الاستخدام الخطابي/الرمزي للمفاهيم الدينية في النصوص الدستورية كجزء من النضال من أجل تحديد هوية الدولة، ولعل هذا "التضخم الإسلامي" يجد تفسيره في صعود تيارات الإسلام السياسي في بلدان الربيع العربي بما في ذلك حتى تلك التي لم تشهد ثورات مثل المغرب.

وعلى العموم، فقد تعاملت حكومات هذه البلدان مع قضية وضع الإسلام في دساتيرها من خلال استراتيجية سياسية ذات شقين: فمن ناحية، عملت دول كالمغرب وتونس على استخدام لغة غامضة تُعرِّف الإسلام كدين للدولة، وفي بعض الأحيان، ذهبت دول، مثل مصر، إلى تحديد الشريعة الإسلامية كمصدر للتشريع، وإِنْ على اختلاف في مستويات هذه المصدرية.

والمغرب بتبنيه للاستراتيجية الأولى في مقابل استبعاده للثانية، يظل مختلفًا عن البلدين المذكورين معًا (تونس ومصر)، بدرجتين مختلفتين طبعًا؛ حيث حافظ دستوره الأخير لسنة 2011 على نفس نهج الدساتير السابقة، بما ظل يعنيه من استمرار ربط الأيديولوجية القومية للنظام الملكي بالرموز الإسلامية مع إبقاء التأثيرات القانونية السياسية الإسلامية الفعلية مغمورة قدر الإمكان.  

في هذا الإطار، تناقش الدراسة الابتكار الدستوري المغربي الذي ينتقل بالحاجة لحماية الإسلام في الدستور إلى شرعية إسلامية حمائية للملكية في حلبة الصراع السياسي. وتفترض الدراسة أن الدور السياسي للدين أو ما يُصطلح على تسميته "تَدْيِين السياسة" لا يكون متعلقًا باستغلال الدين بشكل مباشر في الأزمات السياسية، بل يظهر في الحالة المغربية عن طريق استدخال الدين المحمي بالدستور بشكل مؤسساتي في الحياة السياسية.

ويكثف موضوع الدراسة الإشكاليات الفرعية في هذا الحقل الاستفهامي: هل اعتراف الدستور بالإسلام دينًا للدولة يتضمن حماية نشطة لوجود وممارسة الدين؟ وما شكل الحماية التي يُقرِّرها الدستور للدين؟ هل هي حماية لوحدة الدين أم حماية للحرية الدينية؟ كيف تتمظهر الحماية الدستورية للدين في ظل عدم الحياد الديني للدولة؟ وما حدود هذه الحماية؟ وكيف يجيب الدستور تنصيصًا وتأويلًا وتنزيلًا عن الجدل بين ترحيل الدين إلى المجال الخاص أو تعبير الدين عن الحياة العامة؟ وهل حراسة الدولة للدين هي مدخل للتوظيف السياسي للدين؟ وما الآليات المؤسسية والقانونية المسخرة لذلك؟

1. إطار نظري ومنهجي

سيكون الغرض من هذا المبحث التمهيدي محدودًا؛ إذ يهدف إلى تقديم نبذة عن الأدبيات المحيطة بالجدل حول علاقة الدين والدولة في ضوء النظام الدستوري، وتحديدًا علاقة الملكية بالدستور، وكيف تؤثر على دراسة الدين والسياسة والمجتمع.

في حقبة ما قبل استعمار المغرب، كان الإسلام هو الأساس الوحيد لحكم سلطان البلاد. لكن بعد الاستقلال حيث تحولت السلطنة إلى مملكة، وحتى الآن، "شهد المغرب علاقة تكافلية ملحوظة بين نظامين مختلفين للسلطة"(2): السلطة التقليدية للسلطان كزعيم ديني للدولة، والملك كرئيس للدولة الحديثة في المغرب. الأولى هي وظيفة للتطور التاريخي للسلطة المخزنية مُشْبَعَة بشرعية رمزية متجذرة في الإسلام، في حين أن الأخيرة هي نتاج ثانوي للإرث الاستعماري الفرنسي في المغرب(3).

فقد حافظت السلطة المخزنية على هياكلها السياسية التقليدية اللازمة لإضفاء الشرعية عليها. وفي الوقت نفسه، قامت بإصلاح مؤسساتها نحو إدارة حديثة داخل ملكية دستورية للواجهة. من الناحية الرمزية، يتم تصنيف الإسلام ضمن الأشكال المختلفة لشرعية السلطة الملكية؛ حيث الملك هو الإمام، ومفهوم الإمامة أو الخلافة يتأسس بناء على مفهوم الأمة، الذي ارتبط "تاريخيًّا بمفهوم القيادة السياسية للجماعة المسلمة"(4)، والذي يدمج في تعريفه هذا من منطلق ديني، منطلقًا علمانيًّا أيضًا بوصف الأمة كنموذج مدني للقومية، أي ينظر إلى الأمة كجماعة سياسية وجماعة اجتماعية في نفس الآن.

إن إعادة اختراع الأيديولوجيا السلطانية التي تقوم على المماثلة بين الحاكم والإله، والتي خضع لها المغرب في العهد الاستعماري، لم تحل بعده في مرحلة الاستقلال دون استمرار ربط الملكية بالإسلام، والذي صار يعني ارتباط الملكية بالمفهوم الديني للسلطة، ولذلك لم يستطع إصدار أول دستور للبلاد أن يُغيِّر الطبيعة التقليدية لسلطات الملك. فالدستور الذي خضع للسيطرة الملكية جعل سلطة الملك هي الموجِّهة من منطلق مبدأ وحدة القوة؛ حيث الملك هو القوة الثابتة الوحيدة، في حين أن جميع القوى السياسية الأخرى عابرة، وهو ما مكَّن في المستقرِّ من هيمنة الملك على جميع جوانب السلطة السياسية.

وبحكم أن فكرة الدستور نفسها غريبة عن الثقافة العربية الإسلامية؛ حيث تم استيرادها من أوروبا بعد مرحلة أَسْلَمَة الدستور، فقد تأثر أول دستور للمغرب المستقل بالدستور الفرنسي لعام 1958، و"بذل الملك الحسن الثاني جهدًا لدفع الملكية التقليدية باتجاه بنى برلمانية. وقد أقام دستور 1962 برلمانًا مؤلَّفًا من مجلسين"(5) وحكومة موازية؛ ليعمل على تكديس النظام لصالحه من خلال استثماره مع السلطة القومية والدينية، وتكييفه "مع هيكل دستوري يمكنه، بطبيعته المركزية وشبه الرئاسية، أن يستوعب ملكا قويًّا، مشابهًا لرئيس فرنسا، يحكم جنبًا إلى جنب مع رئيس وزراء أضعف. وإلى هذا الهيكل الدستوري الأوروبي المعترف به، أضاف الحسن الثاني ومستشاروه جسمًا قوميًّا إسلاميًّا دمج بين أشكال سياسية قانونية غربية وأعراف دينية قومية أُعيد ابتكارها"(6).

لكن على الرغم من الحداثة المفترضة في الدولة المغربية إلا أنها لا تخلو مطلقًا من دعائمها التقليدية الدينية، فحتى الدولة الحديثة وهي تسمح بانغراس الأعراف العلمانية في مؤسساتها، فإنها لم تسع إلى التخلي عن الاستخدام العتيق للإسلام الرسمي لشرعنة السلطة السياسية.

هكذا إذًا، ومع أن الدستور المغربي يدمِج النمط الغربي للحكومة في نظام الحكم، فإنه يحافظ على المبادئ التقليدية للسلطة وفي مقدمتها مبدأ الشورى، لكن الملك الحسن الثاني فَهِم الشورى كنصيحة غير ملزمة، في الوقت الذي تُرادف الديمقراطية حكمَ الأغلبية الملزمة؛ حيث "شبَّه الملك دور البرلمان بمجلس الشورى، وهو منتدى للتشاور يقدم له المشورة والاقتراحات"(7)، أي إنه اتساقًا مع التقاليد الإسلامية، فالبرلمان والمجالس المحلية المنتخبة هي فقط فروع استشارية للسلطة الملكية.

ومن الجوانب الإسلامية للملكية المغربية التي عمل الدستور على وسمها بالطابع المؤسسي هناك مفهوم التفويض. وإذا كانت الممارسة القضائية هي إعادة صياغة دستورية للممارسة التقليدية للتفويض؛ حيث يقوم الخليفة المكلف إلهيًّا بإقامة العدل؛ فإن "ممارسة التفويض هي مفتاح في القانون الإسلامي كآلية أساسية تسمح بالمرور من النظام الديني إلى النظام السياسي الانتدابي"(8)؛ حيث "تمَّ تفويض صلاحيات ظلَّ الملك يمارسها في الدساتير السابقة، فهي سلطات مفوَّضة لا مُفوَّتة، أو متنازَل عنها نهائيًّا، وهو ما يعني أن المفوَّض له، طبقًا لنظرية التفويض، يمارسها وفق الحدود المرسومة له سلفًا من قبل المفوِّض"(9)، وبذلك، فجوهر التفويض واحد سواء تعلق الأمر بتفويض أفقي تم بموجب مقتضيات دستورية مستجدة، أو تفويض عمودي يمارسه الملك بمقتضى الدستور الساري من خلال الظهائر التي تُوقَّع بالعطف من لدن رئيس الحكومة.

كما تنفرد الملكية في النظام الدستوري المغربي بسلطة التحكيم التي هي وظيفة دينية موجودة في الفقه تحت شعار "رأي ولي الأمر يرفع الخلاف"، وزمنية أيضًا، حتى لو لم تنص عليها مباشرة دساتير ما قبل 2011(10)، أمكن استنباطها من مبدأين ميَّزا هذا النظام، هما: مبدأ وحدة السلطة المستمد من التقاليد السلطانية والفكر السياسي الإسلامي، ومبدأ الفصل بين السلطات الذي تمتد جذوره في الفكر الليبرالي الغربي؛ ذلك أن "الأول يؤكد وحدة السلطة السياسية ويُحدد القنوات التي ستنتشر من خلالها. والثاني، الأكثر تقييدًا، الموجود بشكل خاص على مستوى النظام الفرعي الدستوري، يسمح بفصل الهيئات والتعاون بين الوظائف السياسية، ولكن فقط [...] ضمن حدود كبيرة"(11)، وهو ما يفيد بأن الأول يوافق واحدية الملكية، في مقابل انطباق الثاني على المتعدد من باقي المؤسسات، وبذلك فسُموُّ الملك على هذه الأخيرة هو الذي يؤهِّله في نهاية المطاف كي يكون حَكَمًا بينها وعليها.

وفي نهاية المطاف، فإن صياغة الدستور في السياق المغربي متعلقة بتعزيز نظام هجين للدولة يعكس غموض العلاقة بين المَأْسَسَة والسلطوية؛ حيث من جهة ضمنت "الأصولية الدستورية" إعادة أَسْلَمَة الدولة العتيقة وإضفاء الطابع الرسمي على طقوس السلطة وإحياء النظم التقليدية القديمة، ومن جهة أخرى، مكَّن التحديث الدستوري من دمج هذه النظم في نسيج المؤسسات السياسية الحديثة. وهكذا، تدرَّج تفصيل الدستور من تقنين الحكم السلطاني إلى إبراز الوجه الأليف للسلطوية عبر إظهارها بملامح ديمقراطية، وكل ذلك في إطار دستورانية تزايدية تشير إلى نجاح استمرار تقسيط الاستدامة الدستورية على مراحل رغمًا عن الأزمات والنكسات أو الإخفاقات الواضحة التي يرتبط بها الدستور الناشئ في كل مرة.

ومن اللافت، أن التجربة الدستورية المبكِّرة في المغرب لم تثر أسئلة العلاقة بين النص الدستوري والشريعة الإسلامية، ويرجع ذلك جزئيًّا إلى أن الدستور قدَّم نفسه متسقًا مع رمزية الدين في البناء الدستوري، ومن ثم فهو غير ذي صلة بتطبيق الشريعة الإسلامية، وقد تماهت مع ذلك الدراسات الدستورية والسياسية الأولى التي انهمكت في مناقشة الأصول المتشابكة للدولة المغربية الحديثة، من خلال تسليط الضوء على كيفية ضخ الملكية في مرحلة ما بعد الاستعمار للرمزية الإسلامية في الدستور والتفكير في أبعادها الأوسع في المجال السياسي(12).

وقد ركزت أطروحات الباحثين الرواد على إمارة المؤمنين بتأسيسها على نظرية الإمامة وذلك انسجامًا مع الفصل 19 التاريخي من دساتير ما قبل 2011، الذي ظل فيه الملك هو "الممثل الأسمى للأمة" بما تحمله هذه العبارة من دلالات دينية، علمًا بأن دساتير 1970 و1972 و1992 و1996 لم تكن أكثر من محض وقائع دستورية تعديلية للدستور التأسيسي الأول لسنة 1962؛ حيث التغييرات الطارئة عليه لم تستطع زحزحة بنيته العميقة. وهو ما جعل تحليل الفصل 19 المُخلَّد أحد انشغالات القانون الدستوري المغربي الذي ظل يقرن مركزية الدين في الدستور بإمارة المؤمنين عبر الفصل المذكور.

وبالرغم من أهمية التراكم العلمي للتراث الفكري الذي خلَّفته دراسات الباحثين الأوائل في الموضوع وكذا الباحثين الذي تقمصوا أطروحاتهم أو حاولوا تطويرها(13)، وشكَّلت إطارًا تأسيسيًّا للكتابة الدستورية في هذا المجال، إلا أنها كانت محكومة بالوثائق الدستورية لما قبل 2011، فضلًا عن أنها اختارت الاستئناس بالمقاربة الوصفية النظرية والتركيز على المدرسة التقليدية النصية المعتمدة على المقترب القانوني في عرض فصول الدستور التي تستوعب الأسس الدينية، وهي مقاربة على الرغم من أهميتها في تحليل مضمون النص الدستوري، غير أنها تبقى في حاجة إلى مقاربة أو مقاربات أخرى تتكامل معها، كما هو الشأن بالنسبة للمقاربة التحليلية التي تنفتح على حقول معرفية أخرى كحقل علم الاجتماع السياسي لترصد الممارسة وتطرح إشكالات تزاوج بينها وبين النظرية، وتأخذ بعين الاعتبار الإشكالات العملية التي تفرزها الممارسة السياسية في سياق النص الدستوري.

ولهذا، تجتهد هذه الدراسة في تقديم مقاربة إضافية تفكِّك موضوع العلاقة بين الدولة والدين دستوريًّا وسياسيًّا، وذلك انطلاقًا من مقاربة الإشكاليات الممتدة في النظام الدستوري (مكانة الدين في الدستور، السلطة الدينية، الحرية الدينية، مرجعية الدين في النظام القانوني)، أو تلك المستحدثة جزئيًّا مع دستور 2011 في ظل كونه امتدادًا لعمق الدستور الأصلي، وهي (تمثيلية الملك للدولة بدل الأمة المترتبة عن فصل حقل الملكية الدستورية عن حقل إمارة المؤمنين، الدين أمام سمو المرجعية الدولية).

الجدول (1) يقارن المقتضيات ذات الصلة بالدين في دستور 2011 والدساتير التي قبله(14)

المرحلة

علاقة الإسلام بالدولة

السلطة الدينية

الحرية الدينية

المرجعية الداخلية للدين

الدين أمام المرجعية الخارجية الدولية

 

قبل دستور 2011

الإسلام دين الدولة

الملك أمير المؤمنين

 

ضمان حرية العبادة في مقابل عدم الاعتراف بحرية المعتقد

 

غياب التنصيص على المرجعية الداخلية للشريعة

عدم الاعتراف بسمو المرجعية الدولية على المرجعية الداخلية

 

دستور 2011

اعتراف مقيد بسمو المرجعية الدولية على المرجعية الداخلية

وهكذا، تسعى الدراسة إلى إعادة اكتشاف دور الدين في النظام الدستوري المغربي المتجدد، وامتداداته إلى النظام السياسي باعتبار الأول فرعًا للثاني، وستبيِّن أن الدين يُقنِّن رمزيًّا السياسةَ على خلفية إضفاء الشرعية عليها أكثر مما يُقنِّن القضايا الاجتماعية. كما أن الدراسة لا تُعطي الأولوية للنص الدستوري على سياق الثقافة السياسية، بل تعتمد مقاربة سوسيوسياسية للدين في الدستور، وباعتبار هذا الأخير وثيقة قانونية وسياسية لن تكتفي الدراسة بمحض استنطاق مضمون مختلف النصوص الدستورية المتعلقة بالدين الإسلامي، بل ستجهد في بناء نسق من التحليل المنظم لتشخيص الخطاب والممارسة السياسيين المصاحبين لها، وذلك في ارتباط بجدلية الخطاب والفعل، أي النص/الممارسة.

كما تم الاعتماد في تصميم هذه الدراسة على المنهج القانوني وتكامله مع منهج دراسة الحالة بالتركيز على دراسة الظاهرة الدينية في الدستور الأخير لسنة 2011، وذلك لإبراز جديد المناقشات الدستورية التي تدور حول العلاقة بين الدين والدولة بشكل عام، من خلال فحصٍ مزيدٍ ومُدقَّق للطريقة التي عالج بها الدستور المغربي التوترات المتعلقة بالدين، في إطار ما يُعرف بالطريق الدستوري الثالث الذي يتوسط بين نفي أو استبعاد الدين تمامًا والتزام دستوري تام بالدين الإسلامي.

2. الوضع الدستوري للدين وآثاره القانونية

يدخل الدين ضمن التراث الدستوري للبلد، ولهذا فالمبدأ الدستوري المتعلق بالدين لا يمكن أن يُكتب بشكل متراجع عمَّا بلغه في الدساتير السابقة، بل يُكتب بنفس الكيفية أو أكثر في كل دستور. وضمن هذا السياق، حافظ الدين الإسلامي على مكانة قارة في هيكلة الدساتير المغربية، بل صارت هذه المكانة مزيدة مع الوثيقة الدستورية الأخيرة، التي عملت على "توطيد مكانة الدين في الدستور؛ حيث أحالت على الدين الإسلامي أكثر من الدساتير السابقة"(15).

الجدول (2) يوضح مواقع ألفاظ الدين في دستور 2011(16)

مواقع ذُكر فيها لفظ "إسلام"

مواقع ذكر فيها لفظ "إسلامي" أو إسلامية"

 

 

الفصل 3: الإسلام دين الدولة...

- الفقرة 2 من التصدير: "المملكة المغربية دولة إسلامية...، الموحدة بانصهار كل مكوناتها العربية-الإسلامية، و...الهوية المغربية تتميز بتبوُّء الدين الإسلامي مكانة الصدارة...".

- الفقرة 4 من التصدير: "...أواصر الانتماء إلى الأمة العربية والإسلامية...".

- الفقرة 3 من الفصل 1: "تستند الأمة في حياتها العامة على ثوابت جامعة، تتمثَّل في الدين الإسلامي السمح...".

- الفقرة 5 من الفصل 7: "لا يجوز أن يكون هدفها (الأحزاب) المساس بالدين الإسلامي، أو...".

- الفقرة 3 من الفصل 41: "يعتبر المجلس (العلمي الأعلى) الجهة الوحيدة المؤهلة لإصدار الفتاوى، استنادًا إلى مبادئ وأحكام الدين الإسلامي الحنيف، ومقاصده السمحة".

- الفصل 64: "لا يمكن متابعة أي عضو من أعضاء البرلمان...بمناسبة إبدائه لرأي أو قيامه بتصويت خلال مزاولته لمهامه، ما عدا

إذا كان الرأي المعبر عنه يجادل في النظام الملكي أو الدين الإسلامي، أو ...".

- الفصل 175: "لا يمكن أن تتناول المراجعة (مراجعة الدستور) الأحكام المتعلقة بالدين الإسلامي، و...". 

لقد ظلت ديباجة الدساتير تصف المغرب كدولة إسلامية، وبقيت الصيغة المتعلقة بالإسلام في المتن ثابتة، حيث احتفظت بعبارة "الإسلام دين الدولة"، لكن أُعِيد ترقيمها من الفصل السادس في دستور 1996 إلى الفصل الثالث في دستور 2011. ولعل التبكير بهذا التنصيص في المراجعة الدستورية الأخيرة ليس مسألة شكلية أو اعتباطية وإنما أُرِيد منه إبراز المكانة المتقدمة للإسلام في الدستور الجديد.   

أ- الحماية الدستورية للدين

باستثناء الاعتراف في ديباجة الدستور بالمكوِّن العبري كأحد الروافد الدينية للهوية الوطنية، فإن الإشارة إلى الإسلام دينًا للدولة في الفصل الثالث من الدستور ينفي إمكانية التنوع الديني، رغم اقترانها في نفس الفصل بأن "الدولة تضمن لكل واحد حرية ممارسة شؤونه الدينية".

من الواضح أن الدستور الجديد يعتبر أكثر انفتاحًا مقارنة بالدساتير السابقة التي كانت تُعلي الهوية الانتقائية (عربية وإسلامية)(17)، لكن رغم أن الديباجة التي صارت جزءًا من الدستور وسَّعت روافد الهوية الوطنية، إلا أنها أكدت في نفس الوقت على المكانة المتقدمة للإسلام فيها. ذلك أن علاقة الدولة بالإسلام في الدستور تقوم على نظام التفضيل الديني، الممهور في الديباجة بتبوء الدين الإسلامي لمكانة الصدارة في الهوية المغربية، ولذلك فهذه العلاقة تؤثر على التمتع بالحقوق والحريات الدينية حتى وإِنْ كان منصوصًا عليها في العهد الدولي للحقوق المدنية ويلتزم بها المغرب(18)، بحيث تستوجب فقط أن لا تؤدي إلى التمييز ضد أتباع معتقد محدد على الخصوص وهم أقلية اليهود المغاربة، وهو ما يعكسه التأكيد على "قيم الانفتاح والاعتدال والتسامح والحوار والتفاهم المتبادل" جنبًا إلى جنب مع إفراد الهوية الإسلامية للبلاد بالتميُّز. فـ"اليهود، كأفراد، يتمتعون بالحقوق السياسية عينها التي يتمتع بها أبناء البلد المسلمون ولكنهم كجماعة، لا يستفيدون إلا من حرية العبادة"(19).

وهكذا، فمن جهة أولى، لا يعترف الدستور المغربي صراحة بحرية الضمير، لكن في نفس الوقت نجد أن القانون الجنائي لم ينص بشكل صريح ومباشر على معاقبة فعل تغيير الديانة، ومع ذلك فالممارسة القضائية، تعتمد على فصول تعاقب على الجرائم المتعلقة بالعبادات، وهي الفصول من 220 إلى 223 من مجموعة القانون الجنائي(20)، للمعاقبة على هذا الفعل، وذلك مثلما "حكمت محكمة الاستئناف بمدينة فاس، في فبراير/شباط 2014، على مغربي تحوَّل إلى المسيحية، وحُوكِم ابتدائيًّا بثلاثين شهرًا حبسًا وغرامة مالية قدرها خمسة آلاف درهم لأجل محاولة نشر الدين المسيحي بين شباب مسلمين"(21).

وبالعودة إلى الفصل 220 المشار إليه أعلاه، نلاحظ أنه يعاقب على من يستعمل وسائل الإغراء أو الاستغلال لزعزعة عقيدة مسلم أو تحويله إلى ديانة أخرى، غير أنه لا ينص صراحة على معاقبة المتحوِّل نفسه إلى ديانة أخرى؛ ذلك أن "التحوُّل من الإسلام إلى دين آخر لا يعتبر مسألة عقيدة شخصية فحسب، بل والأهم من ذلك، عمل سياسي؛ لأنه يهدد نسيج المجتمع، خاصة في الحالات التي يكون فيها علنيًّا..."(22)، ليس فقط عبر أعمال التبشير، وإنما حتى من خلال التنصل العلني من العقيدة الإسلامية، وذلك حينما ينص القانون على معاقبة "كل من عُرف باعتناقه الدين الإسلامي، وتجاهر بالإفطار في نهار رمضان، في مكان عمومي، دون عذر شرعي"(23). بعبارة أخرى، يُعاقَب على التحوُّل الديني كجريمة؛ لأنه تم اعتباره كعمل من أعمال التمرد السياسي الذي يُعرِّض المجتمع بأكمله للخطر(24).

ومن جهة أخرى، فإن الإشارة إلى الإسلام في الدستور نُظِّمت من خلال ترويج الدولة لنسخة معينة من الإسلام تتناسب مع مصالحها، من خلال المحافظة على هوية إسلامية متجانسة يُراد منها أن تُسهم في شرعية الدولة حتى ولو كان ذلك على حساب تقييد حرية الممارسة الدينية أو حرية التعبير الديني بالنسبة للأغلبية المسلمة. لذلك لا تزال الحكومة تواصل رقابتها على المدارس القرآنية لضمان أن التدريس بها يعتمد العقيدة السُّنِّية، ولم تُرخِّص أيضًا لجماعة شيعية للتسجيل في إطار جمعوي. كما تواصل الحكومة مطالبة المساجد بالإغلاق أمام العموم بعد وقت قصير من أوقات الصلاة اليومية لمنع استخدام بناياتها لما وصفته بالنشاط غير المصرح به. وفضلًا عن ذلك، يستمر الحظر المفروض على جماعة العدل والإحسان الدينية ليس فقط بسبب مواقفها السياسية، ولكن على الخصوص بسبب موقفها من الإسلام الرسمي بما في ذلك معارضتها لتفسير الدولة للإسلام السُّنِّي ولتضخُّم السلطة الروحية للملك(25).

كذلك يرخي الدين بثقله الدستوري في قضية المساواة بين الجنسين، فمع أن الدستور يعترف بالمساواة في الحقوق والحريات بين الرجل والمرأة، إلا أنه لا يمكن تصور ذلك إلا في نطاق أحكام الدستور وثوابت المملكة بحسب الفصل 19 من الدستور(26)؛ حيث لا يمكن أن تمتد هذه المساواة إلى ما يتعارض مع أحكام الإسلام القطعية من قبيل المساواة في الإرث بين الرجل والمرأة.

ورغم مصادقة المغرب على الاتفاقيات الدولية ذات الصلة، فإن الدستور ينص على موضعة الاتفاقيات الدولية في مرتبة أدنى من الدستور وهوية المملكة، وذلك في تناقض مع الاعتراف في نفس الوقت بسُمُوِّها، على خلفية هاجس حراسة الخصوصية المحلية سيما في بعدها الديني الذي يفرض حدودًا دستورية للالتزامات الدولية للمغرب(27).

ولا تقتصر القيود المفروضة على قضية المساواة النوعية بمقتضى الدين على المواطنين العاديين، بل تشمل حتى أفراد العائلة الملكية فيما يتعلق بحق وراثة العرش؛ حيث ينص الفصل 43 من الدستور في شأن ولاية العهد على حصر انتقال المُلك لفائدة الذكور من أبناء الملك أو من أقربائه في حالة لم يكن له أبناء، وذلك طبقًا لطريقة تولية العرش التي يبيُّنها نفس الفصل(28).

كما يحمي الدستور الدين من الاستغلال السياسي الحزبي، حيث ينص الفصل 7 منه على أنه "لا يجوز أن تُؤَسَّس الأحزاب على أساس ديني..."، ليس فقط لأن ذلك قد يؤدي إلى الاستقطابات الطائفية، ولكن لأن من شأنه التلاعب بالعاطفة الدينية للمواطنين في الاستحقاقات الانتخابية، ولهذا يُحظَر على الأحزاب توظيف الدين في التنافس الانتخابي. وقد سبق للمجلس الدستوري (المحكمة الدستورية حاليًّا) أن ألغى نتيجة فوز حزب العدالة والتنمية، ذي المرجعية الإسلامية، بثلاثة مقاعد عن الدائرة الانتخابية المحلية "طنجة-أصيلة" على خلفية استخدام الرموز الدينية في حملة الانتخابات البرلمانية، عام 2011(29). وفضلًا عن ذلك، يُحصِّن الدستور مركز الدين في مواجهة انزلاق خطاب أو ممارسة الفاعل السياسي الحزبي، وذلك بحسب نفس الفصل السابق الذي يؤكد أنه "لا يجوز أن يكون هدفها المس بالدين الاسلامي، أو بالنظام الملكي..."، ونذكر في هذا السياق واقعة حلِّ الحزب الشيوعي المغربي، سنة 1960(30)، حتى قبل صدور الدستور، واستنادًا فقط إلى المادة الثالثة من ظهير الحريات العامة(31)، وذلك بعد اتهام السلطة له بمناهضة المؤسسات الدينية للبلاد.

ويذهب الدستور بعيدًا فيما يتعلق بحماية الدين ضد الإساءة، وذلك حينما ينص في الفصل 64 منه على إمكانية إسقاط الحصانة البرلمانية بمناسبة إبداء العضو البرلماني لرأي خلال مزاولته لمهامه، إذا كان هذا الرأي يجادل في الدين الإسلامي، على غرار المجادلة في النظام الملكي أو الإخلال بالاحترام الواجب للملك.

في الأخير، تتعزَّز الحماية الدستورية للدين الإسلامي بجعل أحكام الدستور المتعلقة به غير قابلة للتعديل أو التغيير إلى جانب أحكام أخرى ينص عليها الفصل 175 من الدستور(32). فهذا المقتضى الدستوري الذي ينتمي إلى البنية الدستورية الصلبة وهدفه الرئيسي هو صيانة دور الإسلام أمام الإصلاحات الدستورية المتعاقبة، هو كذلك "وسيلة لتقديس العناصر الأساسية للثقافة الدستورية للبلد من خلال تجنب قابليتها للتعديل...والرغبة في توفير حماية أكثر دقة لهذه القيم الأساسية المستمدة من تاريخ البلد ومن السياقات التي تمت بموجبها الموافقة على الدستور"(33). وبالرغم مما يعكسه من انسجام عميق مع مكانة الدين في النظام الدستوري وخارجه؛ فإنه محكوم بوظيفة الاستخدام لتحقيق النية الكامنة وراء التصميم الدستوري. ذلك أن عدم القابلية للتعديل هاته مطلوبة ليس فقط لذات الدين كعنصر مستقل، ولكن أساسية كذلك في ذاته كتابع للملكية، ما دام الدين مصدرًا أساسيًّا لشرعيتها. وفضلًا عن ذلك، صُمِّم بند تخليد الأحكام المتعلقة بالدين الإسلامي، حتى من دون تفصيلها، "لمقاومة الضغوط المحتملة لإضفاء الطابع الإسلامي على القانون"(34) من خلال الحفاظ على شلل الدين عن النفاذ إلى النظام القانوني، وهو ما جعل هذا الأخير "يتعايش مع تقلُّص التأثير الفعلي للشريعة في التشريع"(35).

ب- الإسلام في الدستور عقيدة وليس شريعة

إن أحد مجالات التركيز في فهم العلاقة بين الدين والدستور هي الدرجة التي يُلزِم فيها الدستور القانون بالدين. والسؤال ذو الصلة هنا هو مدى تأثير مبادئ أي دين على القانون(36)، وهو ما جعل في السياق الإسلامي مسألة تطبيق الشريعة، أي حصر مصادر التشريع في الشريعة، هي في التحليل الأخير محنة الدستور(37).

بالنسبة للمغرب، فإن إسلامية الدولة في الدستور لا تعني أَسْلَمَتَها أو إقامة أحكامها على الدين، فالتنصيص الدستوري على أن دين الدولة هو الإسلام لا يستصحبه معنى أن السلطات الحاكمة تستلهم أحكام الإسلام في المجال السياسي أو تعتمد بالضرورة قوانين الشريعة الإسلامية.

كان النفوذ الفرنسي في المغرب قد أوجد فكرة العلمانية القانونية، وحتى بعد الاستقلال كان على دولة عربية مثل المغرب، تأمل في مواجهة التحديات الاقتصادية الداخلية الكبرى من خلال زيادة الروابط مع الغرب، أن تستجيب للمخاوف الغربية بشأن وجود إطار قانوني وسياسي يتماشى مع القواعد والأشكال الغربية. وهكذا تم وضع النظام الدستوري للمغرب من النموذج الفرنسي؛ حيث كان الخبراء القانونيون الفرنسيون يعملون استشاريين رئيسيين في كل وثيقة دستورية قبل عام 2011(38). ضمن هذا السياق، "عملت البنود الدستورية والاستراتيجيات ذات الصلة على ربط النظام بالإسلام بشكل رمزي، [...] وعلى إبعاد البلاد عن الشريعة نحو معايير قانونية عالمية أكثر"(39)، وذلك على أساس الجمع بين القانون العلماني والقانون المستوحى من الدين.

فقد أثَّر تأميم الإسلام على التقاليد الدينية التي أُعِيد بناؤها لكي تكون ضمن سياسات الدولة المتنوعة؛ إذ عملت الدولة على تحديث الإسلام بشكل خاص بما يسمح بانفتاح المجتمع على العالم الحديث، وهو ما أهَّله لاستقبال القوانين الحديثة خاصة الفرنسية منها. وفي هذا الإطار، خضع قانون الأحوال الشخصية لنزعة إحيائية، أي إعادة التعبير عن التقليد بطريقة حديثة، فتم مزج مفهوم الأحكام قطعية الثبوت والدلالة في تراث الفقه الإسلامي بفكرة النظام العام الفرنسية الممهورة بالقواعد الآمرة، وهو ما قطع الطريق على إمكانية تغيير هذا القانون بشكل عميق.

لقد تفادى الدستور التنصيص على الدين باعتباره المصدر الرئيس أو مصدرًا أساسيًّا للتشريع، أو حتى أحد مصادر التشريع، أو مجرد أن تكون مبادئ الشريعة مصدرًا للتشريع. ربما أمكن تفسير ذلك بالتخوف من الاستغلال السياسي، أو الحزبي أو المصلحي الضيق، أو التخوف من أن تؤدي التأويلات بالمسألة إلى اتجاهات طائفية أو مذهبية ضيقة، غير أن تفسير الدستور على ما هو عليه من الصمت المشار إليه أعلاه، لم يسمح سوى بتطبيق محدود للشريعة في البلاد في المسائل المدنية؛ حيث "توقف مشروع تقنين الشريعة عند مدونة الأحوال الشخصية (مدونة الأسرة حاليًّا)، ولم يُجاوِزها إلى غيرها؛ إذ عجز عن إخراج قوانين إسلامية أخرى كانت الحاجة ماسَّة إليها بعد الاستقلال، وعلى رأسها القانون الجنائي"(40).

وقد تم ربط تعطيل تقنين الشريعة بقصره فقط على مادة الأحوال الشخصية "بأحوال ومبررات عديدة، منها على سبيل المثال: نفوذ الفنيين الأجانب الذين استمر وجودهم بعد الاستعمار، والموقف الأيديولوجي للشريعة الذي مثَّلته بعض النخب العلمانية التي استلمت السلطة في البلاد العربية بعد الاستعمار، والتهيُّب من المشروع، والخوف على الاستقرار القانوني..."(41)، أو ربما لوجود إجماع على عدم التورط في التناقضات غير القابلة للحل من خلال طرح أسئلة مبدئية(42).

إذن، ولو أن الدستور ينص على الإسلام دينًا وهوية للدولة، إلا أن "امتثال التشريع للشريعة ليس مطلوبًا بشكل صريح، وفي نفس الوقت يمكن أن تُلهِم الشريعة القوانين دون مواجهة أية عقبات دستورية"(43). ذلك أن الصمت الدستوري في هذه المسألة يفيد الإباحة في حالة ما اتجهت إرادة المشرع إلى أَسْلَمَة القانون، بمعنى أن الأمر متروك للمبادرة التشريعية وليس للدستور نفسه. وهي الإرادة التي تكونت مع تمرير قانون الأبناك التشاركية الذي أدمج المعاملات المالية الإسلامية في النظام البنكي وذلك في ظل الحكومة التي يقودها حزب العدالة والتنمية(44)، لكن بعد تلقي الضوء الأخضر من الملك.

إن إمساك الملك بالسلطة الدينية هو ما ظل يعزل الخيارات التشريعية لحزب العدالة والتنمية التي يمكن أن تُسْتَلْهَم من الشريعة الإسلامية؛ ما جعل الحزب يعجز عن تحويل شعار مرجعيته الإسلامية إلى مشروع تشريعي لاستبدال القانون بخطابه الدعوي الأخلاقي، علمًا بأن عدم وجود أحكام دستورية مُلزِمة بتطبيق الشريعة لا يمنع الأغلبية البرلمانية من تقديم مقترحات قوانين مستوحاة من الشريعة الإسلامية، ولذلك يُغطِّي الحزب هذا العجز بخوض معارك الهوية الدينية بدعوى إخلاء مسؤوليته أمام الجمهور، في الوقت الذي يُعَدُّ هذا المسلك حقيقة هروبًا من مهمة تقديم مقترحات قوانين إسلامية الروح على الأقل، وفي نفس الوقت يعكس عدم استعداد الحزب للمواجهة مع الملكية في المجال القانوني.

لكن، وعلى الرغم من أن الدستور يحيل الدين صراحة إلى المجال الخاص ويتكتَّم عن التصريح بإحالته إلى المجال العام، فإن وضع الدين على منصة الدولة يؤدي إلى اعتبار الأخيرة للإسلام الحديث كقانون للأخلاق العامة، وهو ما يظهر من خلال تجريم العلاقات الجنسية خارج إطار الزواج(45)، أو ما يسمى العلاقات الجنسية الرضائية، بحسب دعاة الحريات الفردية من التيار العلماني؛ ذلك أن جوهر هذا التجريم يوافق تحريم الزنا في الشريعة الإسلامية.

إن هيمنة الإسلام في الدستور المغربي لا تقترن بإشارة إلى المعيارية الإسلامية (شريعة أم فقه)، فالإسلام كدين للدولة هو في الأساس إطار وطني مرجعي؛ حيث في الواقع الدين الإسلامي في "نسخته المعتدلة" هو أحد العناصر الموحِّدة للدولة [...] إن ما يميز النظام الدستوري المغربي خلافًا للمواقف التي تكون فيها الشرعية الدينية لرئيس الدولة هي الطبيعة الفائقة لتحديد معيارية الإسلام كمرجع قانوني، يميل الدور التنفيذي لرئيس الدولة كثيرًا نحو التحكيم، في حين أن دوره كسلطة دينية عليا سيُمارَس بطريقة قوية وشاملة(46). فبدلًا من توسيع النطاق المؤسسي للشريعة، أبدع النظام الملكي وفق استراتيجية دستورية في تصوير نفسه كمحاكاة حديثة للحكم الإسلامي التاريخي من خلال مؤسسة إمارة المؤمنين.

3. سيطرة الملكية على الدين وآثارها السياسية

تقع الملكية في النظام السياسي المغربي بين الله ورسوله من جهة والدستور من جهة أخرى، أي إن الشرعية الدينية للملك متعالية على شرعيته الدستورية. فالدستور ليس سوى المعراج الذي تتنزَّل عبره سلطة الملك الروحية على المجال الوضعي السياسي؛ إذ الدستور هو الذي ينقل الملك من الحيز الديني بوصفه صاحب رسالة هداية إلى الحيز المدني بوصفه سائس شؤون الناس؛ ولهذا فالملك الدستوري هو في نهاية المطاف امتداد للعمق الخليفي.

ويربط الدستور الإسلام بالملكية من خلال مؤسسة إمارة المؤمنين التي تُقدِّم الملك كمرجعية دينية للإسلام تعتبر جماعة المسلمين أنهم مدينون بالولاء السياسي للخليفة الشرعي للنبي. فعبر اختلاف وتعدد دساتير البلاد ظل الملك يحوز تلك القوة الاستثنائية التي تخولها له هذه المكانة الروحية.

وإذا كان الإسلام دين الدولة لا يرتب سوى آثار محدودة جدًّا في النظام القانوني، كما رأينا في المحور السابق؛ فلأن وضعه الدستوري صُمِّم كأيديولوجية للنظام السياسي، وأداة لتنظيم وإضفاء الشرعية على الوظائف والقرارات الروحية للملك.

أ- السلطة الدينية مجال محجوز للملك

تُعَدُّ السلطة الروحية امتيازًا ملكيًّا بمقتضى إمارته للمؤمنين، وإذا كان انتساب الملك للبيت النبوي الشريف رافدًا لصفة أمير المؤمنين، فإن هذه الأخيرة تُكتسب بعد تحقق البيعة الشرعية للملك السلطان. وهكذا، ليس الدستور المصدر الوحيد لشرعية الملك، بل إنه يستمد شرعيته قبل ذلك من عقد البيعة الذي يتميز عن التعاقد الانتخابي، ويمكِّنه من "الاحتفاظ بمسافة واضحة تجاه "المشروعية الانتخابية"، فالمؤسسة الملكية ليست مؤسسة "منتخبة" ولكنها مؤسسة "مبايعة""(47).

وبالرغم من أن البيعة ممارسة دينية إلا أنها لا تخضع لمبدأ الشورى الإسلامي؛ لأنها تأتي بعد ولاية العهد التي تحدد مسبقًا أهلية الاستخلاف، ولذلك فالجواب عن سؤال جدوى البيعة ما دام الدستور حسم طريقة انتقال المُلك، يوجد في كون أهمية البيعة تكمن ليس فقط في المعنى الذي تتضمنه ولكن على الخصوص في الطريقة التي تتم بها. فعقد البيعة يُتيح للملك التظاهر بالحكم كخليفة حقيقي لرسول الله باعتباره سبطه، كما يخوِّله الظهور بأنه الممثل الوحيد للشعب المغربي الذي بايعه على السمع والطاعة عبر ممثليه. أما تجديد طقوسها في كل سنة بمناسبة ذكرى اعتلاء الملك العرش، فيُراد منه ترميم ولاء النخب للعرش وإشباع الملك بالقدسية والبركة. وجدير بالذكر، أن البيعة لا تتوقف عند حدود الرمزية بل يمكنها أن تولِّد قرارات سياسية، وخير مثال على ذلك، استناد الملك الراحل، الحسن الثاني، على إقرار محكمة العدل الدولية بوجود روابط البيعة بين سكان الصحراء وملوك المغرب، ليتخذ قرارًا بتنظيم حدث المسيرة الخضراء التي مكَّنت المغرب من استكمال وحدته الترابية بإجلاء الاستعمار الإسباني من الصحراء. 

إذن، فالإمامة العظمى للملك، الموسومة بإمارة المؤمنين والمُدَسْتَرَة في الفصل 41، تُخوِّله الفاعلية المطلقة في صناعة السياسة الدينية، والملك بهذه الصفة لا يدافع عن الدين فحسب، وإنما يمثِّل الدين بعبارات تنفيذية. وفي هذا الإطار، لا توجد مساحة للمجتمع للمشاركة في تشكيل القرار الديني؛ حيث هذه المشاركة مقيَّدة دستوريًّا وسياسيًّا، ومثبطة اجتماعيًّا وثقافيًّا. فلا يمكن معارضة القرارات الروحية للملك أو حتى مناقشتها رسميًّا، ولا تغيير القضايا الدينية ولو بشكل قانوني. فالملك هو الذي يرسم حدود التغيير الديني، وذلك مثلما فعل عندما قرر مراجعة قانون الأسرة سنة 2003.

وإذا كان الملك أعلن بمناسبة هذا الإصلاح أنه "لا يمكنني بصفتي أميرًا للمؤمنين أن أُحِلَّ ما حرَّم الله وأُحرِّم ما أَحلَّه"(48)، وهو ما يترجم عدم إمكانية توقيع الملك على قوانين القمار والاتجار في المشروبات الكحولية مثلًا، فإن هذه المقولة صارت نقطة مرجعية في تأطير حدود النقاش العام حول المسائل الدينية بين مكونات المجتمع المغربي، خاصة في ظل الاستقطاب بين الإسلاميين والعلمانيين حول قضايا خلافية تستحضر البُعد الديني من قبيل الإجهاض وعقوبة الإعدام.

وبالعودة إلى الفصل 41 من الدستور، فهو ينقل السلطة الدينية للملك من المستوى الروحي (إمارة المؤمنين) إلى المستوى التنفيذي (رئاسة الدولة)، ويخوِّل أمير المؤمنين العالِمية (الملك كعالِم)، وذلك حينما أسند إليه رئاسة المجلس العلمي الأعلى "الذي يتولَّى دراسة القضايا التي يعرضها عليه. ويعتبر المجلس الجهة الوحيدة المؤهلة لإصدار الفتاوى المعتمدة رسميًّا، بشأن المسائل المحالة عليه..."، وتتفرع عنه مجالس علمية إقليمية يعتبر رؤساؤها بمنزلة الممثلين الرسميين للسياسة الدينية التي يصنعها الملك.

يُبايَع الملك كأمير للمؤمنين، وتُقرن هذه الإمارة السلطة الدينية بالسلطة الزمنية في شخص الملك، وذلك رغم المُمايزة التي استحدثها دستور 2011 في الفصلين 41 و42 على التوالي بين أمير المؤمنين والملك الدستوري خلافًا لخاصية المُماهاة بينهما التي حافظ عليها الفصل 19 من الدساتير السابقة، ولو أن الدستور يُميِّز على أساس ذلك بين "جسمين" للملك ويسعى إلى تقليل احتمال الخلط بين سلطات هذا وذاك.

وينص الفصل 41 على أن الملك يمارس "الصلاحيات الدينية المتعلقة بإمارة المؤمنين، والمُخولة له حصريًّا، بمقتضى هذا الفصل، بواسطة ظهائر"، وهو مستجد مثير في دستور 2011؛ إذ بموجبه أصبح الملك باعتباره أميرًا للمؤمنين شريكًا للبرلمان في التشريع في مجال القانون، وقد صدرت مجموعة من الظهائر بمنزلة قوانين، وعلى الرغم من أنها تندرج في مجال القانون فإنها لم تمر عبر البرلمان(49).

ويوقِّع الملك شخصيًّا على الظهائر التي ينص عليها الفصل 41، بينما يشير الفصل 42 إلى إمكانية تفويض توقيع الظهائر في شأن ممارسة الملك لاختصاصه كرئيس الدولة إلى رئيس الحكومة، غير أن ذلك "لا يرمز إلى تمييز كبير في الطبيعة"(50) بين الظهائر. فالظهير الذي يجسِّد السلطة التقديرية لقرارية الملك، يعتبر أحد مصادر التشريع ويتمتع بالسمو ليس على القانون العادي وإنما على الدستور نفسه، فهو إذ يُطبَّق كقانون فإن عمقه الديني يجعله في منزلة المحصَّن ضد الخضوع للطعن الإداري والقضائي.

وفي واقع الأمر، فإن إمارة المؤمنين لا تشكِّل مجرد بند تشريفي أو رمزي فحسب، بل مرجعية أساسية لمنح أعمال وتصرفات وسلوكيات الملكية المختلفة حصانة مطلقة، وسموًّا جامعًا في مجموعة من المحطات السياسية؛ الأمر الذي جعلها ملكية فوق عادية(51). فقد أفردها دستور 2011 وخلافًا للدساتير السابقة بفصل خاص وأعطاها أهمية أكبر، وبهذا فهي ليست مجرد اختصاص ديني وإنما سلطة شاملة.

ب- تَأَدْيُن الدولة ودين الدولة النشط في السياسة

إن الهدف من ضبط المجال الديني بالارتكاز على إمارة المؤمنين لا ينحصر في إضفاء الشرعية على النظام السياسي وإنما ينزاح إلى ضبط المجال السياسي كذلك؛ فقد "أصبح الملك بصفته أمير المؤمنين يتبوَّأ مكانة مقدسة داخل النظام السياسي المغربي، تتجاوز النص الدستوري، وتتعداه لتفرض على الفاعلين السياسيين اعتبار الملك -بصفته أميرًا للمؤمنين- فوق المساءلة والمحاسبة، ولا ينطبق عليه فصل السلط، ويتمتع باختصاصات واسعة تستمد مشروعيتها -بالإضافة إلى الدستور- من الإرث السلطاني...."(52).

ويعزى غياب فصل السلط العمودي بين الحقل الديني والحقل السياسي لدى المؤسسة الملكية أو يجد تفسيره في كونها غير "محدودة بالزمن، بل تتزامن والزمن. لعل التعبير السائد في الملكيات "مات الملك، عاش الملك" يزكِّي هذا الطرح. بمعنى أن الملك يموت والمؤسسة دائمة ومستمرة، لأن دوامها من دوام الدولة"(53).

وما دام الملك يحوز سلطتين، دينية وسياسية، فيمكنه توحيدهما، و"مركزه هذا مماثل لوضع بابا الكنيسة الكاثوليكية، الذي تُودع بين يديه أيضًا هذه الشرعية المزدوجة. فعلى سبيل المثال، عند زيارة البابا فرانسوا للمغرب، في مارس/آذار 2019، تحدث الزعيمان على قدم المساواة في السياسة كما في الدين دون اللجوء إلى ضامن ديني خارجي. على صعيد آخر، عندما زار البابا قبل ذلك بقليل الإمارات، كان من الضروري استدعاء شيخ الأزهر، الطيب، من مصر لإثارة القضايا العرفية والدينية"(54). بينما تؤكد إمارة المؤمنين المرجعية الإسلامية للدولة، وتؤسس في نفس الوقت لدولة السلطنة التي نظَّر لها فقهاء السياسة الشرعية.

وهكذا، فإن ارتداء الملكية عباءة الإمارة لا يكتفي بخلع المشروعية الدينية عليها، وإنما يبرِّر نظام الحكم وسياساته، وهو ما يضفي الطابع الديني على المجال السياسي، ويرفع بالتالي الملك إلى مستوى المتعالي بالفعل السياسي. ذلك أن الحمولة المكثفة في استعمال المشروعية الدينية، كمحدِّد استراتيجي للتأثير في ميزان القوة المؤسساتي الدستوري وتحديد العلاقة بين السلطات تترجمه بشكل قوي وفاعل الخطب الملكية التي تترجم الفعل والسلوك الملكي واقعًا، حيث لوحظ على هذه الخطب الاستعمال المكثف للنصوص القرآنية والأحاديث الشريفة عند مخاطبة الأمة أو نوابها في البرلمان، هؤلاء يعتبرون من منظور الملك في منزلة جهاز لتقديم النصح لأمير المؤمنين الذي يعتبر أبًا للجميع، أب المشرِّع وأب المنفذ وأب الصغير والكبير(55).

لا يكتفي، توسل الدولة الشرعية الدينية، باستخدام المقدس الديني في السياسة، وإنما يمتد ليشمل عند اللزوم التدخل في السياسة باسم الدين، وهي المهمة المنوطة بعلماء دين يحضرون عن المجلس العلمي الأعلى -كمؤسسة دينية يرأسها الملك- في مؤسسات دستورية من قبيل المجلس الأعلى للسلطة القضائية والمحكمة الدستورية، وهو ما يتيح إمكانية "عرض مسائل قد تدخل في اختصاصات مؤسسات دستورية أخرى في حالة تعارضها مع مقتضيات الأحكام المتعلقة بالدين الإسلامي. يمكن إدراج هذه المؤسسة الدينية في إطار المؤسسات الاحتياطية التي يمكن أن يُفعِّلها أمير المؤمنين في سياقات معينة"(56)؛ حيث مما استجد مع دستور 2011 أن أصبح واحد من الستة أعضاء الذين يقترحهم الملك لعضوية المحكمة الدستورية يقترحه عليه الأمين العام للمجلس العلمي الأعلى (الفقرة الأولى من الفصل 130 من الدستور)، وأصبح أعضاء المحكمة الدستورية يُختارون من بين الشخصيات المتوفرة على تكوين عال في مجال القانون، وعلى كفاءة قضائية أو فقهية أو إدارية، والذين مارسوا مهنتهم لمدة تفوق خمس عشرة سنة، والمشهود لهم بالتجرد والنزاهة (الفقرة الأخيرة من الفصل 130 من الدستور). ودلالة هذه المستجدات التأكيد على ضرورة عدم تعارض قوانين المملكة مع أحكام الدين الإسلامي، وأن ذلك أحد معايير مراقبة دستورية القوانين المنوطة بالمحكمة الدستورية.

عمومًا، يُستخدم الدين كأيديولوجيا سياسية للدولة في مواجهة باقي الفاعلين. فمن جهة أولى، لم يكن بمقدور اليساريين في عز قوتهم مواجهة نظام الحكم في ملعبه، ولذلك ظلُّوا يترددون في مناقشة القضايا الدينية الحساسة خوفًا من اتهامهم بالخروج على الدين، بل إن الملك الحسن الثاني اعتبرهم كذلك حتى في قضية غير دينية، وذلك حينما قرر نواب حزب الاتحاد الاشتراكي، سنة 1981، الانسحاب من البرلمان احتجاجًا على تمديد مدة الولاية البرلمانية، حيث اعتبر الملك هذا الموقف "ضد الدستور وضد الجماعة المسلمة"، وأعلن "تبرُّأه منهم بصفته أميرًا للمؤمنين"(57).

ومن جهة أخرى، تسيطر الدولة على الدين ليس فقط لأن الحقل الديني أعقد من الحقل السياسي؛ إذ يضم فاعلين متعددين (جماعات دينية، فقهاء وأئمة، دعاة، زوايا...)، ولكن لاستخدام الدين في تبرير تكتيكات قوية ضد النشاط السياسي الإسلامي المناهض للدولة في ظل وجود اتجاهات دينية متنوعة للممارسة السياسية، حيث لعبت على تناقضات هذا التنوع لتواجه إسلاميي المشروع السياسي بنظرائهم غير المسيسين.

وهنا، ما فتئ الخطاب الديني الرسمي يؤكد على سيادة المذهب المالكي كتفسير "يدخل في باب التوضيح الأيديولوجي لطبيعة إسلام الدولة. لكنه يرفض الاعتراف بتعددية الإسلام المعيش..."(58)، كما تقوم "الحكومة المغربية بترويج أجندة إسلامية محددة واحدة ذات إيحاءات صوفية قوية، من أجل مكافحة أي تفسير آخر للإسلام"(59).

ففي مرحلة تحالف الدولة مع رموز الحركة السلفية، وذلك قبل أن تنقلب عليهم إثر أحداث 16 مايو/أيار 2003 الإرهابية وتعتبرهم، بعد وضع معالم السياسة الدينية الجديدة، في حكم "الخوارج عن التوجه العقدي والمذهبي الرسمي"(60)، وجد القادة السياسيون في التزمُّت الشعائري والوجودي الذي يتلخَّص في تطبيق تعاليم الدين بحرفيته وتكريس الذات للعبادة، احتياطًا كبيرًا من الطاقات والحماسة والتفاني التام لكي تواجه الدولة به القوى الإسلامية المعارضة. فقد أرادت الدولة من خلال الحركات السلفية إفهام أطياف الإسلام السياسي، خصوصًا أتباع العدل والإحسان، أن لا أحد يحتكر الدين الراديكالي أفضل منها(61).

وفي إطار التوظيف السياسي للنخب الدينية الموالية في صراع الدولة مع النخب الدينية المضادة، جاء "خروج الطريقة الصوفية البوتشيشية(62) للتعبئة من أجل التصويت على دستور 2011، من خلال مسيرة حاشدة بمدينة الدار البيضاء، بخطاب مُوَجَّه بالأساس إلى الإسلام الحركي المتمثل في جماعة العدل والإحسان التي اصطفت في صفوف المعارضين للدستور"(63)؛ ذلك أن هذه الطريقة الصوفية تحافظ على تقاطعها مع الدولة من حيث اعتماد منهجها الديني على إحياء العقيدة الأشعرية(64)، والتصوف السُّنِّي الجُنيدي(65)، ولذلك تحظى كغيرها من الزوايا الدينية الصوفية بدعم الدولة، الذي يُقدَّم في شكل هبات باسم الملك إلى الزوايا، أو نِعم سياسية مثل التعيين الملكي لابن زعيم الطريقة البوتشيشية في منصب عامل (حاكم) عمالة مدينة بركان التي تتمركز بها هذه الزاوية(66).

وهكذا، تروِّج الدولة للإسلام الصوفي ليس فقط لأنها تستخدم الصوفية كأداة حاسمة ضد المنافسين السياسيين من الإسلاميين، وإنما كذلك لتأكيد الدور غير المُسَيَّس للصوفية أمام غياب الطموح السياسي لديها؛ حيث تريد الدولة أن يمارس الأفراد دينًا لا يشدِّد على الانخراط في العمل السياسي.

لكن الدولة لا تكتفي بهذه الوكالة في منع التنافس بين الدين والسياسة، بل تعتمد بشكل كبير على بيروقراطيتها الدينية التي تنفذها وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، وذلك من خلال توحيد طريقة طباعة وتلاوة القرآن الكريم، والإشراف على التعليم الديني ومراقبة مدى التزام مدارسه بمذهب وعقيدة إسلام الدولة، ومَهْنَنَة مهمة الدعوة الدينية بتكوين رجال ونساء الوعظ والإرشاد الديني. وفي الوقت الذي تمارس فيه هذه الوزارة، التي تعد من وزارات السيادة، السيطرة على بناء المساجد والوصاية على سيرها، وذلك على خلفية مواجهة ظاهرة تسييس المؤسسات والمنظمات الدينية الرسمية وغير الرسمية أو الدعوة لغير الله فيها، نجد أن هذه المساجد أضحت نسبيًّا بيوتًا للدولة إلى جانب كونها بيوتًا لله؛ حيث "الخطب الدينية التي تُلقى خلال صلاة الجمعة الأسبوعية تكتبها الدولة وعادة ما تغطي مجموعة كاملة من القضايا السياسية والاجتماعية والاقتصادية"(67).

وإلى جانب السيطرة على المجال السياسي، صارت السياسة الدينية انطلاقًا من برنامج تأهيل الحقل الديني تسعى إلى محاربة التطرف والإرهاب من خلال استراتيجية الأمن الديني، ليس فقط داخل المغرب بل حتى خارجه، "خاصة في بلدان الساحل التي تربط المغرب بها علاقة تاريخية وروحية. هذا التدخل في الشؤون الدينية في غرب إفريقيا، كما هي الحال في مالي، تمت الموافقة عليه وتشجيعه من قبل القوى الغربية، وخاصة فرنسا والولايات المتحدة، لتعزيز التسامح"(68). غير أن الأهم في ذلك بالنسبة للمغرب هو توسيع عمقه الإفريقي بغرب القارة في إطار دبلوماسية دينية تستند إلى مكانة الملك محمد السادس كزعيم ديني إقليمي، وهي المكانة التي أشَّر عليها قبلًا اعتراف الزاوية التيجانية في السنغال بملك المغرب كقائد روحي لها(69).

خاتمة

يحتل الدين دورًا جوهريًّا في البناء الدستوري المغربي وما يترتب عليه من تأويل وتنزيل للوثيقة الدستورية، لكن مع استبعاد تام لفكرة الدولة الدينية؛ لأن أُسُس الدولة المغربية الحديثة علمانية، حتى وإِنْ كانت تحافظ على جينات الموروث السياسي السلطاني التقليدي؛ حيث يمزج الدستور بين الالتزام الديني ومقومات الدولة المدنية. صحيح أن المغرب ليس دولة دينية ولكنه ليس دولة مدنية تمامًا، حيث يتداخل الدين والدولة عن كثب في الدستور، ويعمل هذا الأخير على حماية الدور الذي يلعبه الدين في الحياة العامة، سياسيًّا أكثر منه اجتماعيًّا. 

وينخرط الدستور في تثبيت النصوص المتعلقة بالدين الإسلامي بغرض الدفاع عنه وبنية تعزيز السلطة الملكية. وتتحرك هذه الأخيرة بمهارة في الدستور من الوصاية على الدين إلى اكتساب مرجعية دينية خلفية لها تمنحها دعمًا في مواقفها وقراراتها السياسية.

فقد ظل النظام الملكي قائمًا على الشأن الديني ليس فقط بوصفه اختصاصًا حصريًّا، ولكن بالشكل الذي يجعله يوظِّف الدين لصالحه السياسي بحجة حمايته في إطار ما سميناه "تَدْيِين السياسة"، وذلك لمواجهة مختلف التحديات السياسية والأمنية (المعارضة اليسارية، الاستقطاب الأيديولوجي بين الإسلاميين واليساريين، تنامي الإرهاب، مد الإسلام السياسي(.

إن الطلب على الدين في الدستور وفي سياقه هو طلب سياسي وليس إيمانيًّا أو ثقافيًّا، فالدين ليس عقيدة للأمة فحسب، بل كذلك أيديولوجية سياسية لنظام الحكم، ولهذا لا يمكن تصور قيام أي إصلاح ديني في الحاضر والمستقبل، مهما بلغ النظام السياسي من تطور على أساس الحد من استثمار الملكية للمقدس في السياسة دون أن يعني ذلك وقف جمعها بين الدين والسياسة. كما لا يمكن تصور أن يلتزم الإسلاميون بممارسة السياسة في حقلها الطبيعي (أي الساحة السياسية)؛ لأنهم لا يفعلون أكثر من استئناف ما يفعله النظام السياسي من خوض للسياسة بمنطق الدين.

نشرت هذه الدراسة في العدد العاشر من مجلة لباب، للاطلاع على العدد كاملًا (اضغط هنا)

ABOUT THE AUTHOR

References

(1) Asli Ü. Bali and Hanna Lerner, Constitutional Writing Religion and Democracy (Cambridge: Cambridge University Press, 2017), 6.

(2) Mohamed Daadaoui, Moroccan Monarchy and the Islamist Challenge Maintaining Makhzen Power (New York: Palgrave Macmillan, 2011), 41.

(3) Ibid, 47.

(4) لؤي صافي، العقيدة والسياسة: معالم عامة نظرية للدولة الإسلامية، ط 1 (فرجينيا، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، 1996)، ص 107.

(5) موريس دوفرجيه، المؤسسات السياسية والقانون الدستوري الأنظمة السياسية الكبرى، ترجمة جورج سعد، ط 2 (بيروت، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، 2014)، ص 338.

(6) Milinda Banerjee, Charlotte Backerra, Cathleen Sarti, (eds.), Transnational Histories of the Royal Nation (Switzerland: Palgrave Macmillan, 2017), 114.

(7) Anouar Boukhars, Politics in Morocco: Executive Monarchy and Enlightened Authoritarianism (New York: Routledge, 2011), 44.

(8) Daadaoui, Moroccan Monarchy and the Islamist Challenge Maintaining Makhzen Power, 63.

(9) امحمد مالكي، "قراءة في الهندسة العامة للدستور المغربي الجديد (2011)"، مجلة تبين، (المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، قطر، العدد 4، ربيع 2013)، ص 91.

(10) تضمن دستور 2011 في الفصل 42 مستجدًّا يتمثَّل في كون الملك هو الحَكَم الأسمى بين مؤسسات الدولة.

(11) Francesco Biagi, “The Separation and Distribution of Powers Under the New Moroccan Constitution,” in Rainer Grote and Tilmann J. Röder, (eds.), Constitutionalism, Human Rights, And Islam After Arab Spring, (New York: Oxford University Press, 2016), 505.

 (12) يمكن الإشارة إلى أعمال الباحث:

- محمد معتصم، التطور التقليداني للقانون الدستوري في المغرب، (أطروحة دكتوراه الدولة في القانون العام، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بالدار البيضاء، 1988).

- محمد معتصم، الحياة السياسية المغربية (1962- 1991)، ط 1 (الدار البيضاء، مؤسسة إيزيس للنشر، 1992).

(13) يمكن الإشارة على سبيل الذكر إلى:

-هند هروب، مقاربة أسس الشرعية في النظام السياسي المغربي، (أطروحة دكتوراه في القانون العام، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بالرباط، 2006).

(14) بتصرف في:

M. Mohamed Mouaquit, Liberté de Conscience et de Religion (art 9 CEDH, 18 PIDCP), Liberté d’expression (art 10 CEDH, Article 19 PICDCP), )Commission de Venise – Conseil de l’Europe, Strasbourg, 2015), 6.

  (15)الحسين أعبوشي، "جدلية الصراع في شأن الطبيعة الدينية والمدنية للدولة في المغرب"، في الإسلاميون وقضايا المواطن الدولة والمواطنة، ط 1 (بيروت، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات،2017)، ج 2، ص 56-57.

  (16)المجلس الدستوري، المعجم المفهرس لألفاظ الدستور، (الرباط، المجلس الدستوري، 2013)، ص 36-37.

  (17)محمد مدني وإدريس مغراوي وسلوى الزرهوني، دراسة نقدية للدستور المغربي للعام 2011، (ستوكهولم، المؤسسة الدولية للديمقراطية والانتخابات، 2012)، ص 18.

  (18)رغم تنصيص الدستور على مبدأ سمو الاتفاقيات الدولية إلا أنه قيَّده في نفس الوقت بجملة شروط، أهمها أن هذه الاتفاقيات لا تسمو إلا كما صادق عليها المغرب بحيث يمكن أن يكون تصديقها مقرونًا بتحفظات قد تتعارض مع أحكام الدين الإسلامي وفي نطاق أحكام الدستور، حيث يعتبر الدين الاسلامي أحد الثوابت الناظمة لهذه الأحكام، وكذا في نطاق الهوية الوطنية الراسخة للمملكة التي يتبوأ فيها الدين الإسلامي مكانة الصدارة.

 (19)مدني ومغراوي والزرهوني، دراسة نقدية للدستور المغربي للعام 2011، مرجع سابق، ص 19.

 (20)مجموعة القانون الجنائي، كما تم تغييرها وتتميمها بالقانون رقم 33.18، الصادر الأمر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.19.44 بتاريخ 4 رجب 1440 (11 مارس/آذار 2019). الجريدة الرسمية: عدد 6763، بتاريخ 25 مارس/آذار 2019، ص 1612.

(21) Sophie de Peyret, Nation et religion: L’expérience marocaine, (Institut Thomas More, Note 38, Bruxelles, Décembre 2019), 21.

(22) إسماعيل الشطة، الإسلاميون وحكم الدولة الحديثة، ط 1 (لبنان، منشورات ضفاف، 2013)، ص 68.

  (23)الفصل 222 من القانون الجنائي.

(24) الشطة، الإسلاميون وحكم الدولة الحديثة، مرجع سابق، ص 73.        

(25) The U.S Department of State, “Morocco 2016 International Religious Freedom Report,” August 10, 2016, “accessed March 12, 2021”.  http://bit.do/fPE8f.

(26) ينص الفصل 19 على: "يتمتع الرجل والمرأة، على قدم المساواة، بالحقوق والحريات المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية، الواردة في هذا الباب من الدستور، وفي مقتضياته الأخرى، وكذا في الاتفاقيات والمواثيق الدولية، كما صادق عليها المغرب، وكل ذلك في نطاق أحكام الدستور وثوابت المملكة وقوانينها".

 (27)لمزيد من الإيضاحات، يرجى العودة إلى دراسة أعدها الباحث في الموضوع:

-نبيل زكاوي، "العلاقة بين القانون الوطني والقانون الدولي لدى المشرع الدستوري المغربي"، مجلة مسالك في الفكر والسياسة والاقتصاد (المغرب، العدد 45/46، السنة 13)، ص 183- 189.

 (28)ينص الفصل 43 على: "إن عرش المغرب وحقوقه الدستورية تنتقل بالوراثة إلى الولد الذكر الأكبر سنًّا من ذرية جلالة الملك محمد السادس، ثم إلى ابنه الأكبر سنًّا وهكذا ما تعاقبوا، ما عدا إذا عيَّن الملك قيد حياته خلفًا له ولدًا آخر من أبنائه غير الولد الأكبر سنًّا، فإن لم يكن ولد ذكر من ذرية الملك، فالمُلك ينتقل إلى أقرب أقربائه من جهة الذكور، ثم إلى ابنه طبق الترتيب والشروط السابقة الذكر".

 (29)المجلس الدستوري، القرار 856/2012، الصادر بتاريخ 13 يــونــيـو/حزيران 2012، المتعلق بإلغاء انتخاب ثلاثة أعضاء على إثر الاقتراع الذي أُجري في 25 نوفمبر/تشرين الثاني 2011 بالدائرة الانتخابية المحلية "طنجة-أصيلة" (عمالة طنجة-أصيلة). الجريدة الرسمية: عدد 6064 بتاريخ 12 يوليو/تموز 2012، ص 4173.

(30) "قصة منع الحزب الشيوعي المغربي لأنه ضد الإسلام"، 18 سبتمبر/أيلول 2016، اليوم 24، (تاريخ الدخول: 12 مارس/آذار 2021)، http://bit.do/fPE8E.

 (31)تنص المادة الثالثة من ظهير 15 نوفمبر/تشرين الثاني 1958 على منع كل جمعية تؤسس "لغاية أو هدف غير مشروع يتنافى مع القوانين أو الآداب العامة أو تهدف إلى المس بالدين الإسلامي أو بوحدة التراب الوطني أو بالنظام الملكي".

 (32)ينص الفصل 175 من دستور 2011 على: "لا يمكن أن تتناول المراجعة (مراجعة الدستور) الأحكام المتعلقة بالدين الإسلامي، وبالنظام الملكي للدولة، وبالاختيار الديمقراطي للأمة، وبالمكتسبات في مجال الحريات والحقوق الأساسية المنصوص عليها في هذا الدستور".

(33) Valentina Rita Scotti, “Unamendable Constitutional Provisions and the European Common Constitutional Heritage: A Comparison Among Three Waves of Constitutionalism,” in Richard Albert and Bertil Emrah Oder, (eds.), An Unamendable Constitution? Unamendability in Constitutional Democracies, (Switzerland: Springer, 2018), 386.

(34) David Mednicoff, “The Politics of Sacred Paralysis Islam in Recent Moroccan and North African Constitutions,” in Asli Ü. Bali and Hanna Lerner, (eds.), Constitutional Writing, Religion and Democracy. 1st ed. (Cambridge: Cambridge University Press, 2017), 327.

(35)  Ibid.

(36) Markus Böckenförde, Nora Hedling, Winluck Wahiu, (eds.), A Practical Guide to Constitution Building, (Sweden: International Institute for Democracy and Electoral Assistance, 2011), 6.

 (37)خلدون حسن النقيب، "محنة الدستور في الوطن العربي: العلمانية والأصولية وأزمة الحرية"، في الدستور في الوطن العربي عوامل الثبات وأسس التغيير، ط 1 (لبنان، مركز دراسات الوحدة العربية، 2006)، ص 33.

(38) محمد زين الدين، "دستور 2011: تأملات وإشكالات"، مجلة مسالك في الفكر والسياسة والاقتصاد، (المغرب، عدد مزدوج 19-20، 2012)، ص 24.

(39) Mednicoff, “The Politics of Sacred Paralysis Islam in Recent Moroccan and North African Constitutions,”: 326.

  (40) امحمد جبرون، مفهوم الدولة الإسلامية أزمة الأسس وحتمية الحداثة، ط 1 (بيروت، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2016)، ص 328.

(41)  المرجع السابق، ص 329.

(42)  Grote and  J. Röder, Constitutionalism, Human Rights, And Islam After Arab Spring, 115.

(43) Ibid.

(44) القانون المتعلق بمؤسسات الائتمان والهيئات المعتبرة في حكمها، رقم 103.12، الصادر الأمر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.14.193 بتاريخ فاتح ربيع الأول 1436 (24 ديسمبر/كانون الأول 2014). الجريدة الرسمية: عدد 6328، الصادرة بتاريخ 22 يناير/كانون الثاني 2015. ص 462.

(45) ينص الفصل 490 من القانون الجنائي على أن "كل علاقة جنسية بين رجل وامرأة لا تربط بينهما علاقة الزوجية تكون جريمة الفساد ويعاقب عليها بالحبس من شهر إلى سنة".

(46) Baudouin Dupret, “The Relationship between Constitutions, Politics, and Islam A Comparative Analysis of the North African Countries,” in Rainer Grote and Tilmann J. Röder, Constitutionalism, Human Rights, And Islam After Arab Spring, )Oxford University Press, 2016), 242.

(47) عثمان الزياني، "إشكالية تراتبية الوظيفة التمثيلية في النسق السياسي المغربي: مقاربة في الدلالات والأبعاد على ضوء الفصل 19 من الدستور"، مجلة الحقوق، (المغرب، عدد 2، 2011)، ص 320.

(48) "خطاب صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله بمناسبة افتتاح السنة التشريعية 2003-2004"، 10 أكتوبر/أكتوبر 2003"، parlement.ma، (تاريخ الدخول: 6 مارس/آذار 2021)، http://bit.do/fN3m8.

 (49) هذه أمثلة من الظهائر الشريفة التشريعية التي صدرت بناء على الفصل 41 من الدستور:

- الظهير الشريف رقم 1.13.50 المتعلق بإحداث معهد محمد السادس للقراءات والدراسات القرآنية، الصادر في 21 من جمادى الآخرة 1434 (2 مايو/أيار 2013)، الجريدة الرسمية، عدد 6153، 20 مايو/أيار 2013، ص 4196 .

- الظهير الشريف رقم 1.14.101 في شأن وضع برنامج لمحو الأمية بالمساجد، الصادر في 20 من رجب 1435 (20 مايو/أيار 2014)، الجريدة الرسمية: عدد 6268، 26 يونيو/حزيران 2014، ص 4566.

- الظهير الشريف رقم 1.14.102 المتعلق بإحداث جائزة محمد السادس لبرنامج محو الأمية بالمساجد، الصادر في 20 من رجب 1435 (20 مايو/أيار 2014) الجريدة الرسمية، عدد 6268، 26 يونيو/حزيران 2014، ص 5467.

- الظهير الشريف رقم 1.14.103 المتعلق بإحداث معهد محمد السادس لتكوين الأئمة والمرشدين والمرشدات، الصادر في 20 من رجب 1435 (20 مايو/أيار 2014)، الجريدة الرسمية، عدد 6268، 26 يونيو/حزيران 2014، ص 5470 .

- الظهير الشريف رقم 1.14.104 المنظم لمهام القيمين الدينيين وتحديد وضعياتهم، الصادر في 20 من رجب 1435 (20 مايو/أيار 2014)، الجريدة الرسمية، عدد 6268، 26 يونيو/حزيران 2014، ص 5473 .

- الظهير الشريف رقم 1.15.71 المتعلق بتنظيم جامعة القرويين، الصادر في 7 رمضان 1436 (24 يونيو/حزيران 2015)، الجريدة الرسمية، عدد 6372، 25 يونيو/حزيران 2015، ص 5991 .

- الظهير الشريف رقم 1.15.75 المتعلق بإحداث مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة، الصادر في 7 من رمضان 1436 (24 يونيو/حزيران 2015)، كما وقع تغييره بالظهير الشريف رقم 1.16.81 الصادر في 16 من رمضان 1437 (22 يونيو/حزيران 2016)، المنشورين بالجريدة الرسمية، على التوالي، عدد 6372، 25 يونيو/حزيران 2015، ص 5996، وعدد 6513، 31 أكتوبر/تشرين الأول 2016، ص 7487.

 (50) Hind Arroub, “The King, Religion, the State, and Civil Society in Morocco: Can Think Tanks Help?”, Opuscula, 133, Maecenata Institut für Philanthropie und Zivilgesellschaft, (2020), 9.

(51) محمد الغالي، "بناء الدولة الحديثة بين نظرية إمارة المؤمنين وأطروحات الإسلام السياسي في المغرب قراءة في فرص التعايش والاندماج ومخاطر التنازع"، في الإسلاميون وقضايا المواطن الدولة والمواطنة، مرجع سابق، ص 551.

(52) عبد العالي حامي الدين، "المؤسسة الملكية ومكانة الدين في الدولة"، رؤية تركية (تركيا، عدد 1، 2015)، ص 14.

(53) فؤاد العشوري، "السيادة في المغرب: بين الشرعية الملكية والشرعية الديمقراطية"، المستقبل العربي (مركز دراسات الوحدة العربية، لبنان، عدد 480، فبراير/شباط 2019)، ص 91.

(54)  de Peyret, Nation et religion, 10.

 (55)الغالي، "بناء الدولة الحديثة بين نظرية إمارة المؤمنين وأطروحات الإسلام السياسي في المغرب قراءة في فرص التعايش والاندماج ومخاطر التنازع"، مرجع سابق، ص 548.

 (56)أعبوشي، "جدلية الصراع في شأن الطبيعة الدينية والمدنية للدولة في المغرب"، مرجع سابق، ص 56-57.

 (57)"خطاب المغفور له جلالة الملك الحسن الثاني بمناسبة افتتاح السنة التشريعية 1981-1982"، 9 أكتوبر/تشرين الأول 1981، موقع مجلس النواب، (تاريخ الدخول: 8 مارس/آذار 2020)، http://bit.do/fPE9E.

 (58)عبد الحكيم أبو اللوز، الحركات السلفية في المغرب: بحث أنثروبولوجي سوسيولوجي، ط 2 (بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية، 2013)، ص 378.

(59)  Fait Muedini, Sponsoring Sufism How Governments Promote “Mystical Islam” in Their Domestic and Foreign Policies, (New York: Palgrave Macmillan, 2015), 83.

 (60)أبو اللوز، الحركات السلفية في المغرب، مرجع سابق، ص 384.

(61) المرجع السابق، ص 382.

(62) طريقة دينية صوفية تعود جذورها إلى الشيخ عبد القادر الجيلاني، وتقوم على محورية الشيخ الذي يلهم الأتباع بطريقة تدين تقوم على التزكية الروحية والنفسية.

(63) عبد الإله سطي، "النخب الدينية والسلطة السياسية في المغرب، مقاربة للنخب والنخب المضادة"، مجلة وجهة نظر (المغرب، عدد مزدوج 56-57، ربيع وصيف 2013)، ص 49.

(64) يقصد بالعقيدة الأشعرية نسبة إلى أبي الحسن الأشعري عقيدة أهل السنة والجماعة، القائمة على الوسطية والاعتدال.

(65) المقصود بذلك السير على نهج الفقيه الجنيد في تربية السلوك الفردي بالتصوف وتطهير النفس.

 (66)يوسف حجيلي، "أحمد... نجل الشيخ عاملًا على إقليم بركان"، مغرس عن المساء، (22 مارس/آذار 2009)، (تاريخ الدخول: 10 مارس/آذار 2021)، http://bit.do/fPFaC.

(67) Arroub, “The King, Religion, the State, and Civil Society in Morocco,”: 23.

(68) Ibid, 21.

  (69) محمد مجد، "السياسة الإفريقية للمغرب في ضوء المتغيرات الجديدة"، (رسالة ماجستير في العلاقات الدولية، كلية العلوم القانونية والاجتماعية بسلا، 2013-2014)، ص 35.