الانتخابات التشريعية بالمغرب 2021 ونهاية القطبية الحزبية

أفرزت الانتخابات التشريعية الأخيرة في المغرب نتائج قد تبدو مفاجئة وغير واقعية للبعض، وخاصة بالنسبة للأحزاب التي شاركت في هاته الانتخابات، ولكنها ليست كذلك إذا أخذنا بعين الاعتبار عددًا من العوامل حاولت هذه الورقة تحليلها.
في تطور مثير مُني حزب العدالة والتنمية بهزيمة كبرى في الانتخابات البرلمانية في المغرب (الجزيرة).

برغم من الظروف الاستثنائية التي فرضها تفشي وباء كوفيد-19 الذي عطَّل الحياة الطبيعية، فقد اتخذ المغرب قراره بإجراء الانتخابات التشريعية بتاريخ 8 سبتمبر/أيلول 2021، وحرصت الدولة على الالتزام بالآجال الدستورية للانتخابات التي شهدت تجديد كافة المؤسسات المنتخبة الوطنية والمحلية والجهوية، من مجالس جماعية ومجالس إقليمية ومجالس جهوية، إضافة إلى انتخابات مجلسي البرلمان (النواب والمستشارين). وشكَّلت هذه الاستحقاقات الانتخابية فرصة لإعادة تشكيل المشهد السياسي. كما جاءت هذه الانتخابات في ظل ظروف داخلية وخارجية مختلفة عن ظروف الانتخابات التي سبقتها.

عاشت المملكة المغربية على امتداد عدة شهور أجواء من التعبئة الشاملة من أجل إنجاح مختلف الاستحقاقات الانتخابية، التشريعية والجهوية والجماعية، باعتبارها محطة تختزل آمال وطموحات واسعة لعموم الشعب المغربي في تعزيز الدينامية التنموية وترسيخ الخيار الديمقراطي، وباعتبار كذلك ما تحمله من رهانات كبيرة مرتبطة بتحصين المكتسبات السياسية التي راكمها المغرب طيلة الاستحقاقات السابقة(1)، وأن البلاد تسير في تجربتها المتراكمة نحو تحقيق مزيدٍ من الممارسة الديمقراطية.

أفرزت الانتخابات التشريعية الأخيرة في المغرب نتائج قد تبدو مفاجئة وغير واقعية للبعض، وخاصة بالنسبة للأحزاب التي شاركت في هاته الانتخابات، ولكنها ليست كذلك إذا أخذنا بعين الاعتبار عددًا من العوامل.

بلغ عدد الأحزاب السياسية المشاركة في هذه الانتخابات حوالي 32 حزبًا سياسيًّا تنافست على نيل أصوات أزيد من 17 مليونًا و983 ألفًا و490 شخصًا، وهو عدد الناخبين المسجلين باللوائح الانتخابية. ويمثل الذكور نسبة 54% من مجموع المُسجلين، فيما تشكِّل النساء 46%، ويتوزع هؤلاء بين الوسط الحضري والقروي، وتشكل الفئة العمرية ما بين 18 إلى 24 عامًا 8%، في حين تشكل الفئة ما بين 25 إلى 34 عامًا 19%، ثم الفئة ما بين 35 إلى44 عامًا، تشكِّل 21%. وتميزت الانتخابات الجماعية والجهوية والتشريعية بالمغرب باهتمام سياسي وإعلامي كبير.

الظروف الداخلية للانتخابات التشريعية بالمغرب

جرى هذا الاستحقاق في ظروف تختلف عن الظروف التي عرفتها المواعيد الانتخابية السابقة، فانتخابات 8 سبتمبر/أيلول 2021، ثالث انتخابات تنظَّم في المغرب بعد الإصلاحات السياسية والدستورية التي عرفتها المملكة خلال 2011؛ حيث أكد أغلب الدارسين والفاعلين في المشهد السياسي المغربي على نزاهة وحياد السلطات العامة في تنظيم الانتخابات وترتيب نتائجها ونضج الممارسة الديمقراطية بالمغرب.

من جهة أخرى، تعد انتخابات 8 سبتمبر/أيلول 2021 خامس انتخابات تنظم في عهد الملك محمد السادس، وفي ظل سياق صحي استثنائي مثقل بتداعيات جائحة فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19)، ووسط إجراءات احترازية لتفادي تأثير الوضعية الصحية المرتبطة بالجائحة على المسار الانتخابي، مما ألزم السلطات العامة بالمغرب بإقرار نظام صحي صارم للوقاية من تفشي كورونا أثناء الحملات الانتخابية لمختلف الأحزاب السياسية المشاركة وكذا يوم الاقتراع، لتفادي تداعيات من شأنها عرقلة السباق أو إلحاق أضرار بالصحة العامة، ووضعت بروتوكولًا احترازيًّا خاصًّا بالحملة الانتخابية وطريقة التصويت، وألزمت كافة المتنافسين وكذلك الناخبين باحترامه.

جاءت هذه الانتخابات في ظل ظروف اقتصادية صعبة يمر بها المغرب، وسياق غير مسبوق يتميز بالأزمة الصحية التي انطلقت في الصين وانتشرت في جميع أنحاء العالم وأثَّرت بشكل عميق على أوروبا الشريك التجاري الرئيسي للمغرب، وكان للإغلاق الشامل الذي فرضه المغرب، مع ارتفاع حالات الإصابة بفيروس كورونا، أثر سلبي على عدد من القطاعات الاقتصادية في المملكة. ورغم أن المغرب فضَّل الحفاظ على صحة مواطنيه وجازف في المقابل باقتصاده، فقد اتخذ جملة من المبادرات والإجراءات واعتمد سياسة استباقية، أسهمت في التخفيف من وطأة الأزمة على الأنشطة الاقتصادية في البلاد، وفي ظل هذه الأرقام والوضعية الاقتصادية وجد المغرب نفسه مضطرًّا لاتباع سياسة التقشف وترشيد النفقات.

إدارة العملية الانتخابية

يتطلب تحليل الانتخابات التشريعية بالمغرب تحليل العملية الانتخابية بمختلف مراحلها، قبل التصويت، ويوم التصويت، وبعد الاقتراع. ولهذا سوف نركز على ضبط قوائم المرشحين، والحملة الانتخابية، ومرحلة التصويت.

ضبط لائحة الترشيحات

أشار القانون التنظيمي رقم 59.11 المتعلق بانتخاب أعضاء مجالس الجماعات الترابية والذي تم تعديله بالقانون التنظيمي رقم 06.21 الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.21.41 بتاريخ 8 رمضان 1442 (21 أبريل/نيسان 2021) والقانون التنظيمي رقم 34.15 الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.15.90 بتاريخ 29 رمضان 1436 (16 يوليو/تموز 2015)، إلى الشروط الواجب توافرها في المترشح لعضوية مجلس جهة فيما يلي:

أن يكون متوفرًا على صفة ناخب، أي أن يكون مقيدًا في اللائحة الانتخابية العامة لأي جماعة من جماعات المملكة وليس بالضرورة في إحدى الجماعات الواقعة في النفوذ الترابي للجهة التي يرغب المعني بالأمر في الترشح لعضوية مجلسها.

أما بالنسبة للمغاربة المقيمين خارج تراب المملكة والمقيدين في اللوائح الانتخابية العامة، فيمكن أن يقدموا ترشيحاتهم برسم أي دائرة انتخابية، أي برسم أي عمالة أو إقليم أو عمالة مقاطعات.

أما بخصوص عضوية مجلس جماعة أو مقاطعة، يشترط في كل شخص يرغب في الترشح الشروط التالية:

  • أن يكون متوفرًا على صفة ناخب، أي أن يكون مقيدًا في اللوائح الانتخابية العامة.
  • أن يتوفر على إحدى العلاقات القانونية التالية مع الجماعة المراد الترشح لعضوية مجلسها:
  • إما الإقامة الفعلية بالجماعة؛
  • أو الازدياد في الجماعة؛
  • أو التوفر على صفة ملزم بالضريبة في الجماعة منذ ثلاث سنوات متصلة على الأقل بخصوص أملاك يتوفر عليها أو نشاط مهني أو تجاري يزاوله فيها؛
  • أو الانتماء إلى الجماعة، أي أن تكون الجماعة أصل المعني بالأمر. ويجب أن يثبت هذا الأصل بولادة الأب والجد.

يمكن للمغاربة المقيمين خارج تراب المملكة والمقيدين في اللوائح الانتخابية العامة، أن يقدموا ترشيحاتهم في إحدى الجماعات التي يخول لهم القانون الحق في التسجيل في لائحتها الانتخابية.

يشترط فيمن يترشح لعضوية مجلس النواب أن يكون ناخبًا ومتمتعًا بحقوقه المدنية والسياسية.

فيما يخص شرط التوفر على صفة ناخب، يتعين التمييز بين حالتين اثنتين:

بالنسبة للدوائر الانتخابية المحلية، فإن شرط التوفر على صفة ناخب لا يعني بالضرورة أن يكون المعني بالأمر مقيدًا في اللائحة الانتخابية للجماعة أو المقاطعة الواقعة في النفوذ الترابي للدائرة الانتخابية المحلية المراد الترشح فيها، وإنما يقصد بذلك القيد في اللائحة الانتخابية لأية جماعة أو مقاطعة من جماعات أو مقاطعات المملكة.

بالنسبة للدوائر الانتخابية الجهوية، فإنه يشترط في الراغب في الترشح برسم دائرة انتخابية جهوية أن يكون مسجلًا في اللائحة الانتخابية العامة لإحدى الجماعات الواقعة في النفوذ الترابي للجهة المعنية بالترشيح.

بناء على نص القانون، قامت الأحزاب السياسية بتقديم مرشحيها إضافة إلى مجموعة من اللوائح المستقلة؛ حيث كشفت وزارة الداخلية المغربية، أن العدد النهائي للتشكيلات السياسية التي دخلت الانتخابات التشريعية بلغ 32 قائمة حزبية. وبلغ عدد لوائح الترشيح على الصعيد الوطني 1704 لوائح. وبالنسبة للدوائر الانتخابية المحلية، يتحدد عدد لوائح الترشيح المقدمة برسمها في 1472 لائحة تتضمن 5 آلاف و46 مترشحًا ومترشحة، أي بمعدل يقارب 17 ترشيحًا عن كل مقعد، مقابل 4 آلاف و742 ترشيحًا سنة 2016.

وفيما يتعلق بالدوائر الانتخابية الجهوية، فإن عدد الترشيحات المقدمة برسمها استقر في 1769 مترشحة ومترشحًا، أي بمعدل يقارب 20 ترشيحًا عن كل مقعد.

وبخصوص الترشيحات النسوية المسجلة برسم انتخاب أعضاء مجلس النواب، فقد بلغت في المجموع 2329 ترشيحًا، أي بنسية 34.17 في المئة من العدد الإجمالي للترشيحات، منها 1567 مترشحة برسم الدوائر الانتخابية الجهوية، و762 مترشحة برسم الدوائر الانتخابية المحلية.

كما يلاحظ، أن 97 لائحة ترشيح مقدمة برسم الدوائر الانتخابية المحلية تترأسها مترشحات بصفة وكيلات للوائح المذكورة.

وفيما يتعلق بأعضاء البرلمان المزاولين مهامهم حاليًّا، فقد بلغ عدد المترشحين منهم برسم انتخاب أعضاء مجلس النواب 225 عضوًا، منهم 206 نواب بمجلس النواب و19 مستشارًا بمجلس المستشارين(2).

الحملة الانتخابية

لوحظ في الحملة الانتخابية خلال استحقاقات 8 سبتمبر/أيلول 2021 أن كل الأحزاب السياسية أجمعت على هدف واحد يتمثل في إقناع الناخبين بضرورة المشاركة الواسعة في الانتخابات، وهذا يدل على المخاوف التي كانت موجودة لدى الأحزاب والسلطة معًا من مقاطعة الناخبين وعزوفهم عن التصويت. لكن مجريات الحملة الانتخابية أبانت عن رداءة الخطاب السياسي لدى أغلب قيادات الأحزاب السياسية المشاركة، وفي نفس الوقت غلبة الطابع الفولكلوري على نشاطات الأحزاب أثناء الحملة عوض تقديم برامجها للناخبين.

يلاحظ على الخطاب الذي اعتمدته جل الأحزاب السياسية المشاركة في الانتخابات هيمنة خطاب الاتهامات حيث سعى كل حزب إلى توجيه أصابع الاتهام والفشل إلى الحزب الآخر خاصة بالنسبة للأحزاب المشاركة في الائتلاف الحكومي (العدالة والتنمية، والتجمع الوطني للأحرار، والحركة الشعبية، والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية).

وأكدت الحملة الانتخابية أزمة التعددية السياسية والتعددية الحزبية من حيث تشابه البرامج الانتخابية للأحزاب في هذه الحملة، فجُلُّ البرامج الحزبية تتشابه إلى حدِّ اغتيال المرجعية الأيديولوجية الحزبية بل إن المهتم يشعر وكأننا أمام برنامج انتخابي واحد لحزب واحد وليس لـ32 برنامجًا انتخابيًّا لـ32 حزبًا أو 32 خطابًا سياسيًّا أو 32 رهانًا استراتيجيًّا أو 32 سلوكًا حزبيًّا مشاركًا الحملة الانتخابية لتاسع أكتوبر/تشرين الأول؛ الأمر الذي يعمِّق ضعف المؤشرات السياسية داخل الحقل الانتخابي الذي يكاد في حالات كثيرة يتحول إلى حقل لا سياسي.

حملة انتخابية دون رهانات استراتيجية

تواصلت الحملة الانتخابية في غياب رهانات سياسية استراتيجية كبرى وواضحة  رغم أهمية الانتخابات التشريعية لثامن سبتمبر/أيلول وما ستفرزه من مؤسسات تشريعية وسلطات تنفيذية. ولعل تغييب الرهانات الاستراتيجية الكبرى في الحملة هو ما سبَّب غياب التنافس السياسي المؤسساتي بين البرامج الانتخابية والمشاريع المجتمعية المتنافسة. ومن المؤسف أن تغيِّب الأحزاب في برامجها الانتخابية التحديات الوطنية والإقليمية والدولية التي تُنظَّم في ظلها هاته الانتخابات، وأن تربط رهاناتها في هذه الحملة بتقديم عروض سياسية للناخبين من أجل الوصول إلى هدف أساسي هو الفوز بالأصوات وبالمقاعد وبالمناصب على حساب الرهانات الاستراتيجية للبلاد وفي مقدمتها قضية الصحراء والإرهاب والتنمية وقضايا الهجرة ورهانات الجهوية المتقدمة وترسيخ الحكامة الترابية والديمقراطية التشاركية وربط المسؤولية بالمحاسبة(3).

تقييد جائحة كورونا للدعاية الانتخابية

انعقدت هذه الاستحقاقات الانتخابية في ظل استمرار تفشي كورونا بالمغرب، وما تسببت فيه من تداعيات على العديد من القطاعات الحيوية، وقيدت سلوكيات يومية عديدة. وخيمت جائحة كورونا على المظاهر الانتخابية؛ إذ شدَّدت وزارة الداخلية على ضرورة تفادي التجمهر وأيضًا الحرص على احترام الإجراءات الاحترازية.

وشددت على ضرورة عدم تجاوز التجمعات الدعائية في الفضاءات العمومية، المُغلقة منها والمفتوحة 25 شخصًا.

كما منعت نصب الخيام وتنظيم الولائم، وعدم تجاوز 10 أشخاص كحدٍّ أقصى خلال الجولات الميدانية، وعدم تجاوز المواكب الدعائية 5 سيارات خلال القوافل الانتخابية.

كما مُنعت الأحزاب خلال حملاتها الانتخابية من توزيع المنشورات على الناخبين في الشوارع والفضاءات العمومية ومقرات السكن، إلا أنه جرى الاحتفاظ باللافتات الدعائية والملصقات الإشهارية.

مرحلة التصويت:

جرى التصويت يوم 8 سبتمبر/أيلول 2021؛ حيث توجه نحو 18 مليون مغربي إلى مكاتب الاقتراع، لاختيار ممثليهم في مجلس النواب وفتحت مراكز الاقتراع أبوابها، عند الساعة الثامنة صباحًا، فيما أغلقت على الساعة السابعة مساء، وخُصِّص 50 ألف صندوق اقتراع لاستقبال أصوات الناخبين.

 وحرصت وزارة الداخلية المغربية على متابعة نسبة المشاركة منذ الساعات الأولى للتصويت وتقديمها للرأي العام، حيث قدمت نسبة المشاركة على الساعة الثانية عشر صباحًا في حدود 12% ثم ارتفعت إلى36 % على الساعة الخامسة عصرًا، مؤكدة على أن عملية التصويت جرت في ظروف جيدة وعادية وفي هدوء واستقرار أمنى.

وتجدر الإشارة، إلى أن نسبة المشاركة في الاقتراع التي أعلن عنها وزير الداخلية، قد بلغت 50.18% على المستوى الوطني. وتميزت الجهات الجنوبية للمملكة بتسجيل نسبة مشاركة مشجعة؛ حيث بلغت هذه النسبة 58.30% على مستوى جهة الداخلة وادي الذهب، و63.76% في جهة كلميم واد نون و66.94% في جهة العيون الساقية الحمراء.

نتائج ودلالات الانتخابات التشريعية

أفرزت الانتخابات التشريعية الأخيرة في المغرب، نتائج قد تبدو مفاجئة وغير واقعية للبعض، وخاصة بالنسبة إلى الأحزاب التي شاركت في تلك الانتخابات، ولكنها ليست كذلك إذا أخذنا بعين الاعتبار عددًا من العوامل. وقبل الشروع في تحليل هذه العوامل لابد أولًا من عرض النتائج الرسمية المفصَّلة للانتخابات التشريعية:

النتائج الرسمية لنسب المشاركة في انتخابات 8  سبتمبر/أيلول 2021

عدد الناخبين المسجَّلين

17 509 127

نسبة المشاركة

50.18%

النتائج الرسمية النهائية للانتخابات التشريعية لسنة 2021 حسب وزارة الداخلية*:

المرتبة

اسم الحزب

عدد المقاعد

1

التجمع الوطني للأحرار

102

2

الأصالة والمعاصرة

86

3

الاستقلال

81

4

الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية

35

5

الحركة الشعبية

29

6

التقدم والاشتراكية

21

7

الاتحاد الدستوري

18

8

العدالة والتنمية

13

9

بقية الأحزاب

12

* انتخاب أعضاء مجلس النواب .. عدد لوائح الترشيح على الصعيد الوطني بلغ 1704 لائحة

نستطيع أن نلخِّص العوامل الرئيسة التي أفرزت هذه النتائج في النقاط الآتية:

أعلن وزير الداخلية المغربي في مؤتمر صحفي عن نتائج الانتخابات التشريعية التي لم تكن مفاجئة للرأي العام. وتتضمن تلك النتائج الدلالات الآتية:

ارتفاع نسبة المشاركة مقارنة مع الاستحقاقات الانتخابية السابقة

 ما يلاحظ حول الانتخابات التشريعية أن نسبة الإقبال في الانتخابات البرلمانية والمحلية بلغت 50.18%، بزيادة طفيفة عن النسبة المسجلة في انتخابات 2016 وهي 43%.

وارتفاع عدد المصوِّتين مقارنة بالمحطات الانتخابية السابقة، مما يعتبر مؤشرًا إيجابيًّا يؤكد اهتمام الناخبين المغاربة بالاستحقاقات الانتخابية، وبترسيخ المسار الديمقراطي للبلاد وإفراز خريطة سياسية جديدة.

ولعل التحدي الأبرز في ظل "انتخابات كورونا" هو تحدي المشاركة العامة؛ إذ كيف يمكن تحفيزها في ظل سياق أزمة متشابكة الأبعاد: سياق أزمة الثقة السياسية حيث الخيارات محدودة أمام الناخبين للمفاضلة الاضطرارية بين أحزاب غير موثوقة أصلًا، علمًا بأن هناك علاقة طردية بين منسوب الثقة في الأحزاب السياسية والمشاركة الانتخابية؛ إذ خلص أحدث تقرير وطني حول مؤشر الثقة في المؤسسات إلى أن "ما يقارب 84 في المئة من المستجوَبين الذين عبَّروا بأنهم لا ينوون التصويت في الانتخابات أكدوا أنهم لا يثقون في الأحزاب"، مع تسجيل أن "الثقة في الأحزاب السياسية تعد من بين أدنى مستويات الثقة التي شملها استطلاع مؤشر الثقة بمتوسط 22 في المئة. ويكمن التصور العام في كون الأحزاب السياسية مهتمة بشكل رئيسي بتراكم السلطة والموارد المالية والامتيازات بدلًا من تمثيل السكان"(4).

ثم هناك سياق الأزمة الصحية التي تفرض الحد من حركة الناخبين، على أن هذا التحدي يؤرق الفاعل الحزبي والدولة على السواء؛ ذلك أنه ليست الأحزاب وحدها من يعبئ الناخبين للتصويت بهدف زيادة مكاسبها من أصواتهم، وإنما حتى الدولة تعمل على ذلك عبر وسائل الإعلام العمومي، فهي تحتاج لإبراز قدرتها على ضمان الاستقرار الانتخابي، الذي لا يعكسه فقط الحرص على تنظيم الانتخابات في موعدها برغم الوضع الصحي الراهن، ولكن أساسًا السعي لتحقيق نسبة مشاركة تؤمِّن عتبة الشرعية الانتخابية، وتكفل بالتالي للدولة أن تستعرض قدرتها على إنجاح الدورة الانتخابية الجارية. ذلك أن العديد من الانتخابات التي أُجريت في دول مختلفة في ظل تفشي كوفيد-19 أبانت أنه "يمكن للفيروس نفسه أن يثني الناخبين عن الإدلاء بأصواتهم ويؤثر على المستويات الإجمالية للإقبال في الوقت الذي ينظر الكثيرون إلى إقبال الناخبين على أنه عامل حاسم يدعم شرعية الانتخابات، ويوفر التفويضات الانتخابية للقادة، وكمقياس لصحة الديمقراطية بشكل عام"(5).

انهيار حزب العدالة والتنمية الإسلامي

في تطور مثير، مُني حزب العدالة والتنمية ذو المرجعية الإسلامية بهزيمة كبرى في الانتخابات البرلمانية في المغرب، بعدما حصد 13 مقعدًا فقط في مجلس النواب مقارنة ب 125مقعدًا في آخر انتخابات عام 2016.

لم تسفر نتائج الانتخابات الأخيرة عن نتائج اعتادها حزب العدالة والتنمية خلال الاستحقاقات الانتخابية الأخيرة خاصة انتخابات (2011-2016)؛ إذ أسفرت الانتخابات عن خسارة كبير لحزب العدالة والتنمية قائد الائتلاف الحكومي في أغلب المدن الرئيسية الكبرى والمعاقل التي تعد محصنة للحزب، وخسارة الحزب بدت مركبة، فهي من ناحية غير مسبوقة ، ومن ناحية أخرى، جاءت في وقت كان يمنِّي نفسه بولايات حكومية ثالثة.

غير أنها على الصعيد السياسي تعني "فضيحة انتخابية" للحزب العدالة والتنمية ذلك أن الانتخابات التشريعية في المغرب نتائجها تحسب بدلالاتها السياسية أكثر منه بنتائجها الفعلية.

وعلى الرغم من أن أنماط التصويت في الانتخابات المغربية طالما ارتبطت بالتصويت على أساس شخصية المرشح وليس موقفه السياسي أو الحزبي، بل قدرته على تقديم الخدمات للمواطنين، بيد أنه من الواضح أن هذه الانتخابات شهدت اتساع أنماط "التصويت العقابي" بسبب السياسة الحكومية لحزب العدالة والتنمية.

إن خسارة حزب العدالة والتنمية خلال الاستحقاقات الانتخابية تعني أن شعبية الحزب قد تراجعت على نحو دراماتيكي، بما قد يعزز من الشعور بعدم شرعية، ربما توضح هذه الانتخابات أن الحزب قد بلغ الحد الأقصى من حيث الحضور السياسي، وأن مرحلة الخفوت التدرجي قد حان موعدها وأن هذه النتائج هي مؤشر على "بداية النهاية" للحزب في المشهد الحزبي المغربي.

ويبدو أن العامل الحاسم في خسارة الحزب أن تكتيكاته لم تعد مقبولة، خاصة من حيث التصريحات الدائمة عن (المؤامرة واستعمال المال والتزوير وجيوب المقاومة...) التي يتعرض إليها الحزب.

على الرغم من أن هزيمة العدالة والتنمية قد تعود إلى تزايد مظاهر ضعفه بعد أن تحول من مؤسسة حزبية تتمتع بالديمقراطية الداخلية إلى حزب تحول الى تبادل الاتهامات والتراشق والاستقالات والصراعات الداخلية فضلًا عن سياسته الحكومية التي لقيت انتقادات واسعة في مختلف مجالات التدبير الحكومي للحزب.

مؤشرات على غياب قطبية الحزبية

أظهرت النتائج النهائية للانتخابات التشريعية تقاربًا في النتائج بين الأحزاب السياسية خاصة حزب التجمع الوطني للأحرار (102) وحزب الأصالة والمعاصرة (86) وحزب الاستقلال (81) مما دفع إلى القول بأن تلك النتائج انتخابات التشريعية 2021 قطعت مع نتائج الانتخابية لسنة 2016 التي أسست لقطبية حزبية بين حزب العدالة والتنمية وحزب الأصالة والمعاصرة، وهي فرضية تستند إلى المؤشرات التالية:

على عكس الانتخابات التشريعية لسنة 2016؛ حيث إن الحزبين المتنافسين، أي حزب العدالة والتنمية وحزب الأصالة والمعاصرة، قد حصلا وحدهما على 227 مقعدًا من مجموع 395 هم عدد أعضاء الغرفة الأولى/مجلس النواب، وهو ما يعادل 57 في المئة، في حين وُزِّعت باقي المقاعد، وعددها 169 مقعدًا على 9 أحزاب سياسية نجحت في الحصول على مقاعد والولوج إلى مجلس النواب، فخلال الانتخابات الأخيرة عرفت تقاربًا كبيرًا في عدد المقاعد المحصل عليها مما يقطع مع القطبية الحزبية؛ حيث يمكن تجميع نتائج ثلاثة أحزاب سياسية، وهي: (التجمع الوطني للأحرار، وحزب الأصالة والمعاصرة، وحزب الاستقلال) للحصول على ما مجموعة حوالي 270 مقعدًا.

التقارب الكبير بين الحزب الثاني (حزب الأصالة والمعاصرة) والحزب الثالث (حزب الاستقلال (، والذي يقدر بـ6 مقاعد؛ حيث حصل الاستقلال على 81 مقعدًا فقط بعدما رفع عدد مقاعده مقارنة مع تشريعيات 2016 إلى 35 مقعدًا، في حين حصل الحزب الرابع (الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية) على 35 مقعدًا متبوعًا بحزب الحركة الشعبية بحوالي 29 مقعدًا.

أخرجت انتخابات 8 سبتمبر/أيلول 2021 حزب العدالة والتنمية من "رقعة الكبار لصالح الأحزاب الأخرى التي شكَّلت خلال الاستحقاقات الانتخابية السابقة صراعًا نحو القطبية مع الحزب الذي كان في موقف انتخابي تنافسي، وبفقدان حزب العدالة والتنمية حوالي 112 مقعدًا، يكون قد التحق بهذا "المنحى التراجعي" ويعود بهذا النتائج حوالي 24 سنة إلى الوراء، أي سنة 1997، لحظة بروز الحزب في الحياة السياسية والحزبية بالمغرب عند دخوله تحت عباءة الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية.

خاتمة

لقد لقيت الانتخابات التشريعية في المغرب إقبالًا شعبيًّا واسعًا وكانت شفافة وديمقراطية إلى حدٍّ كبير وباعتراف المراقبين المحليين والدوليين، فإن هذه المحطة الانتخابية ستلقي بظلالها الكبيرة على استمرار المملكة المغربية في تجربتها الديمقراطية المعاصرة، التي بُنيت على مفردتي الاستقرار والإصلاح والتنمية الاقتصادية، في ظل الاستقطاب العميق في ساحتها السياسية.

ABOUT THE AUTHOR

References

(1) تصريح رسمي لوزير الداخلية للإعلان عن نتائج الانتخابات التشريعية لسنة 2021، وكالة المغرب العربي للأنباء، 9 سبتمبر/أيلول 2021، (تاريخ الدخول: 18 سبتمبر/أيلول 2021):

https://bit.ly/3lC3tEO

(2) بلاغ وزارة الداخلية حول عدد لوائح الترشيح المقدمة على الصعيد الوطني، فيما يتعلق بانتخاب أعضاء مجلس النواب، برسم مجموع الدوائر الانتخابية المحلية والدوائر الانتخابية الجهوية، موقع البوابة الوطنية، 27 أغسطس/آب 2021، (تاريخ الدخول: 15 سبتمبر/أيلول 2021):

https://bit.ly/3zuXJl8

(3) ميلود بلقاضي: الحملة الانتخابية بين التواصل السياسي والمناورات السياسوية، مقال رأي، أحداث إنفو، 1 أكتوبر/تشرين الأول 2016، (تاريخ الدخول: 15 سبتمبر/أيلول 2021):

https://ahdath.info/222093

(4) المعهد المغربي لتحليل السياسات، "مؤشر الثقة في المؤسسات: البرلمان وما وراءه في المغرب: تجديد الثقة من خلال بحث جذور نقصها"، نسخة 2020، ص 78.

(5) نبيل زكاوي: الانتخابات المغربية في مرحلة ما بعد هيمنة حزب العدالة والتنمية: السياقات والتوقعات، ورقات تحليلية-مركز الجزيرة للدراسات، الدوحة، 7 سبتمبر/أيلول 2021، (تاريخ الدخول: 15 سبتمبر/أيلول 2021):

https://studies.aljazeera.net/ar/article/5127