مصر: تشريح انقلاب عسكري عربي في القرن الحادي والعشرين

لا تزال مصر تعيش مناخًا من القلق وفقدان اليقين السياسي والأمني. لم يستطع نظام 3 يوليو/تموز تحقيق الاستقرار الذي كان يأمله عند الإطاحة بالرئيس المنتخب، ولا توطيد شرعيته في وعي عموم المصريين. تشرح هذه الورقة ما حدث وتبحث المسارات المحتملة لمستقبل لمصر.
1 September 2013
20139192334485734_20.jpg

لا تزال مصر تعيش مناخًا من القلق وفقدان اليقين السياسي والأمني، ولم يستطع نظام 3 يوليو/تموز تحقيق الاستقرار الذي كان يأمله عند الإطاحة بالرئيس المنتخب، ولا توطيد شرعيته في وعي عموم المصريين؛ ولا استطاع كسب تأييد دولي ملموس. فما الذي حدث يوم 3 يوليو/تموز؟ ولماذا؟ وكيف؟ وما هي المسارات المحتملة لمصر اليوم؟

المحيط الإقليمي والدولي

تشكلت، تدريجيًا، منذ ما بعد انتصار الثورتين التونسية والمصرية ثلاث كتل قوة رئيسية في المشرق العربي-الإسلامي: كتلة مؤيدة لحركة الثورة والتغيير، تضم الدول التي نجحت فيها حركة الثورة والقوى السياسية المندرجة في مسار الثورة، ووجدت تعاطفًا وتأييدًا من تركيا وقطر؛ وكتلة تسعى لاستعادة الوضع الراهن السابق (status quoante)، وتضم السعودية والإمارات وبعض دول الخليج الأخرى والأردن؛ وكتلة ذات طابع طائفي، تسعى للحفاظ على مكتسبات التوسع الجيو-سياسي التي حققتها في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وتضم إيران والعراق وسورية وحزب الله.

سلكت هذه الكتل سلوكًا معقدًا وليس كمحاور جيو-سياسية قاطعة. وتقاطعت مصالح بعضها البعض في أكثر من دائرة وحول أكثر من قضية. بيد أن هذه التقاطعات، لم تستطع حجب الصراع المحتدم بين الكتل الثلاث.

خلال العام الممتد من صيف 2012 إلى الصيف الحالي، تفاقم الصراع بين الكتل الثلاث، بيد أن الانتصار الكبير للتكتل الأول الداعم للثورة والتغيير تحقق في مصر.

تجلى صدام الكتل الثلاث مؤخرًا في عدة مواقع:

  1. سورية: حيث دفعت إيران بقوات حزب الله بصورة صريحة وفجة لحماية النظام من السقوط. ووضعت دول عربية كل ثقلها المالي والتسليحي، لدعم قوى الثورة السورية والتحكم في عملية التغيير السياسي بعد سقوط نظام الأسد.
  2. العراق: عملت الضغوط والإغراءات السياسية، من جهة، والاستخدام الهائل للمال، من جهة أخرى، وتقديم بعض التنازلات الوقتية للأكراد، من جهة ثالثة، على إضعاف حركة الاحتجاج السنية.
  3. بالرغم من أن حركة الاحتجاج التركية في ميدان تقسيم، بدأت لأسباب بيئية فعلاً، إلا أنه سرعان ما تدفقت إلى الاحتجاجات جموع شيعية وعلوية كبيرة، وتحولت إلى حركة لإسقاط حكومة العدالة والتنمية.
  4. وأخيرًا مصر؛ حيث التُقطت مجموعة شبان صغيرة وغاضبة، باسم تمرد، من قِبل رجال أعمال وسياسيين ورجال دولة سابقين وأجهزة دولة مناهضة للرئيس، لتصبح أداة للإطاحة بإدارة مرسي وحكومته.

في معظم الحالات السابقة، لم تلعب الولايات المتحدة الأميركية بالضرورة دورًا مباشرًا، ولكن الواضح أن مواقفها مالت لجهة تحجيم نفوذ ودور الكتلة الأولى، وليس بالضرورة إخراجها كلية من ساحة التدافع.

بنية الانقلاب

كان المصريون منقسمين قبل ثورة يناير/كانون الثاني 2011، وعادوا لانقسامهم بعد توافق الثورة القصير. وليس ثمة شك في أن عملية عزل الرئيس مرسي بقوة الجيش قد أُنجزت في لحظة تجل صارخ لهذا الانقسام. ولكن ما شهدته مصر يوم 3 يوليو/تموز لم يكن نتيجة هذا الانقسام فلم يكن تفاقم الانقسام السياسي في البلاد سوى لحظة مواتية لقرار الدولة إعادة فرض سيطرتها على مصر ما بعد ثورة يناير/كانون الثاني 2011.

في ثورة يناير/كانون الثاني 2011، أطاح المصريون بنظام حكم استبدادي، ولكن الثورة لم تمس مؤسسة الدولة المصرية الهائلة، مترامية الأطراف.

كانت الثورة في مصر حدثًا سريعًا، وكان من الضروري أن تبدأ مباشرة عملية إصلاح شاملة لجهاز الدولة، وإخضاعها لإرادة الثورة. ولكن العملية لم تبدأ؛ أولاً، لأن البلاد اختارت إطارًا دستوريًا، أو شبه دستوري، للمرحلة الانتقالية، ولم تنتهج طريقًا ثوريًا. تنحى الرئيس مبارك عن منصبه، وسلّم مقاليد الحكم للمجلس الأعلى للقوات المسلحة؛ وهو ما ارتضته البلاد وقواها السياسية. أما السبب الثاني، فيتعلق بتلاشي لحظة الوحدة والتوافق بين القوى السياسية، وعودة الانقسام في صورة أكثر تفاقمًا هذه المرة. الانقسام هو سمة الاجتماع السياسي العربي-الإسلامي منذ منتصف القرن التاسع عشر، ولكنه في هذا السياق، سياق مسألة الدولة الحديثة ومعضلة إصلاحها، يحمل دلالة بالغة الأهمية.

وهذا ما جعل فوز مرسي بالرئاسة انقلابًا صارخًا على ميراث الدولة الحديثة وعلاقتها بالتيار الإسلامي السياسي. بفعل الانقسام السياسي الفادح بعد انتصار الثورة، لم تتشكل قوة ضغط كافية أثناء حكم المجلس الأعلى للقوات المسلحة لإصلاح الدولة وتطويعها للحكم الديمقراطي الذي جاءت به ثورة يناير/كانون الثاني.

بمجيء مرسي للرئاسة، أصبح الانقسام السياسي حجر عثرة في طريق عملية الإصلاح، كما أن انحياز القوى السياسية الليبرالية وشبه الليبرالية، القومية والوطنية-المصرية التقليدية، لجهاز الدولة القديم، فرض قيودًا إضافية. ولذا، فقد جاءت خطوات الإصلاح بطيئة ومتعثرة؛ وتحولت إلى أزمة سياسية طاحنة في البلاد.

يحتفظ هذا الكيان الهائل، الذي نصفه بصورة تجريدية بالدولة، بخطاب وتقاليد ومواريث خاصة، تؤسس معًا لشبكة بالغة التعقيد من المصالح، وليس من السهل لتيار سياسي غريب على مؤسسة الدولة، أن ينتقل من الهامش إلى المتن، ويمسك بمقاليد الدولة. الحقيقة، أن الانتقال كان نظريًا وحسب، ولم يصبح فعليًا بعدُ في نهاية عام مرسي الرئاسي الأول.

ما بعد الانقلاب

وبالرغم من التوقعات المبكرة بأن أوضاع البلاد ستستقر سريعًا، وأن القوى السياسية المعارضة للإطاحة بالرئيس وخارطة طريق 3 يوليو/تموز سرعان ما ستقبل بالأمر الواقع، وتلتحق بالعملية السياسية الجديدة، فإن الحركة الشعبية المعارضة، استمرت بلا هوادة. واجه النظام جموع المحتشدين في رابعة العدوية بمجزرة مبكرة، وعندما فشل العنف في إخماد حركة المعارضة، لجأت السلطات الأمنية إلى حملة الاعتقالات واسعة النطاق، ونفذت عملية فض الاعتصامين بقسوة بالغة وغير مسبوقة في تاريخ مصر الحديث، استمرت طوال نهار الأربعاء 14 أغسطس/آب، وانتهت بمقتل آلاف من المعتصمين وإصابة آلاف أُخر.

بيد أن فض اعتصامي القاهرة الكبرى لم يأت بالنتائج التي توخاها قادة النظام؛ فقد عادت حركة الاحتجاج والتظاهر بقوة وتصميم بالغين، لتطول كافة أنحاء البلاد، مستخدمة تكتيكات حراك في الشارع جديدة.

مصر إلى أين؟

ثمة احتمالات أربعة رئيسة لما يمكن أن تتجه إليه أوضاع مصر:

  1. أن يستطيع نظام 3 يوليو/تموز توطيد أقدامه، واستعادة الاستقرار، بقوة السلاح وأساليب القمع المختلفة، بغض النظر عن نجاحه في إقناع أغلبية المصريين بشرعيته.
  2. أن يتم التراجع كلية عن الانقلاب وجملة الإجراءات التي اتخذها نظام 3 يوليو/تموز منذ إطاحة مرسي. مثل هذا الاحتمال لا يمكن تحققه بدون قرار من القيادة العامة للقوات المسلحة، القوة المسيطرة في النظام الجديد، ويتطلب تصاعدًا واتساعًا كبيرًا للحركة الشعبية، وتفاقمًا متزايدًا للأزمة المالية/الاقتصادية، وضغوطًا خارجية ملموسة.
  3. أن يتم التوصل إلى توافق تفاوضي بين مسؤولي النظام الجديد، سيما قيادة القوات المسلحة، من جهة، والتحالف الوطني لدعم الشرعية، الذي يقود حركة المعارضة الشعبية، من جهة أخرى.
  4. أن تنحدر البلاد إلى حالة أكثر تفاقمًا من عدم الاستقرار السياسي، المصحوب بانفجار للعنف المسلح. في حال فشلت محاولات التوصل إلى اتفاق تفاوضي، واتجه النظام الجديد إلى إقصاء الإخوان المسلمين والقوى السياسية المتحالفة معهم، فستدخل مصر مرحلة غير منظورة النهاية من عدم الاستقرار السياسي، المثقل بمناخ من القمع والإرهاب السياسيين.

 لقراءة نص الورقة كاملاً اضغط هنا