يشكِّل مسلحو "ولاية وسط إفريقيا" بحكم موقعهم الجغرافي، حلقة وصل بين بوكو حرام في نيجيريا ومنطقة بحيرة تشاد وبين حركة الشباب في الصومال و"جبهة شرق إفريقيا" بتنزانيا، وهو ما يعني أن حركات العنف بغرب إفريقيا ستكون مربوطة بحركات العنف في شرق القارة.
تشهد الحدود الشرقية لجمهورية الكونغو الديمقراطية عنفًا وقتالًا وصراعًا مسلحًا منذ أزيد من عقد، ويُعرف هذا العنف إعلاميًّا بصراع شمال كيفو، (كيفو محافظة في شرق الكونغو الديمقراطية). إن أطراف هذا الصراع هم فصائل من الجيش الأوغندي جيد التسليح والذي ينسق عملياته مع جيش الكونغو الديمقراطية ضد مسلحي "ولاية وسط إفريقيا" التابعة لتنظيم الدولة الإسلامية والتي عُرفت سابقًا باسم تحالف القوى الديمقراطية.
وحسب بعض التقارير، فإن القوات الأوغندية قد أطلقت على تحركها العسكري داخل أراضي الكونغو الديمقراطية اسم "عملية شجاع" (Opération Shuja)، وهي عملية تؤكد على أن الرئيس الأوغندي، يوري موسيفيني، بات أحد أبرز الفاعلين في النظام الإقليمي في دول وسط إفريقيا إلى جانب الرئيس الرواندي، بول كاغامي، الذي طالما اتهمته جمهورية الكونغو الديمقراطية بأنه اللاعب الرئيسي في زعزعة استقرار الكونغو من شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية.
إن جمهورية الكونغو الديمقراطية، وهي مستعمرة بلجيكية السابقة، رغم اتساع مساحتها وغنى أراضيها بالمواد الأولية، باتت اليوم أحد أبرز نقاط التوتر في القارة الإفريقية، ولا أدلَّ على ذلك من أن منطقة شمال كيفو، وخصوصًا مدينة بَنِي وغابات إيتوري، باتت ملاذًا للعناصر الجهادية ومهدًا لتدخل الجيوش الأجنبية وخصوصًا الجيش الأوغندي.
وكثيرًا ما تعرض الجيش الكونغولي للنقد بسبب الفساد المستشري في المؤسسة العسكرية وما يطبعها من اختلاس كبار الضباط للأموال المخصصة للحرب في منطقة كيفو، وهو ما دفع بالرئيس فيليكس تشيسكيدي، بعد زيارته، في يونيو/حزيران 2021، للجبهة القتالية بكيفو بوصف ما يقوم به الضباط هناك بأنه "مافيا" يجري تنفيذها داخل القوات المسلحة الكونغولية وكذلك في مؤسسات البلاد. ولذلك انزلقت البلاد، وهي تبحث عن حلول للصراع في حدودها الشرقية، إلى السماح لجيش دولة أخرى -وهي أوغندا- بالتوغل داخل أراضيها، واللجوء إلى الآخرين لحل مشاكل البلاد الأمنية.
جذور الأزمة: الخيوط المتداخلة
يعود جزء كبير من أزمة كيفو بشرق جمهورية الكونغو الديمقراطية إلى نزوح الفصيل الأوغندي المتمرد، تحالف قوى الديمقراطية، من أراضي بلاده، أوغندا، وتوغله داخل الأراضي الكونغولية. وتحالف قوى الديمقراطية، كان في الأصل حركة سياسية عسكرية أوغندية معارضة، لكنها وسَّعت مجالها متمددة من أوغندا نحو جمهورية الكونغو الديمقراطية المجاورة وخصوصًا محافظة كيفو بشرق البلاد، ويتمركز عدد من مسلحي تحالف القوى الديمقراطية بمدينة بَنِي الواقعة على مشارف غابات "إيتوري" بمحافظة كيفو، ويطلقون على بَنِي "مدينة التوحيد والموحِّدين".
وقد بات هذا التحالف محسوبًا على الحركات الإسلامية ذات التوجه العنفي تحت زعامة جميل موكولو قبل أن يعتقل في تنزانيا، سنة 2015، ويُسلَّم لدولته، أوغندا، ليتم قتله، وليتولى مكانه الإمام موسى بالوكو الذي أعلن، سنة 2016، مبايعة تنظيمه لأبي بكر البغدادي، الزعيم السابق لتنظيم الدولة، ويصبح اسمه: "ولاية وسط إفريقيا" التابعة للدولة الإسلامية، ويعتبر الفصيل الذي يقوده الإمام موسى بالوكو من أجود الفصائل الإفريقية المحسوبة على تنظيم الدولة تسليحًا وأشدها فتكًا.
كان تحالف قوى الديمقراطية عند تأسيسه نهاية تسعينات القرن الماضي عبارة عن مجموعة من الفصائل العسكرية المناهضة للنظام الأوغندي في كمبالا، وتضم تلك الفصائل حينها الجيش الوطني لتحرير أوغندا وجيش تحرير أوغندا المسلم ومسلحين من جماعة التبليغ. وقد أصبح الإمام موسى بالوكو، المنحدر من قبيلة موكونجو الأوغندية والكاثوليكي السابق الذي اعتنق الإسلام، أحد أبرز شخصيات تحالف قوى الديمقراطية. وقد التف حوله الكثير من أعضاء تحالف القوى الديمقراطية بعد أن أعلنوا تمردهم على كمبالا. وقد تمركز التنظيم بغرب أوغندا قريبًا من الحدود مع الكونغو الديمقراطية حيث التضاريس المثالية للتنظيمات المسلحة؛ فهناك تنتشر الغابات الكثيفة الملائمة للعمليات العسكرية المباغتة وطريقة العصابات في الكرِّ والفرِّ. وقد ظل تحالف قوى الديمقراطية بعيدًا عن الإعلام متجنبًا استغلال وسائل التواصل الاجتماعي عكس غيره من التنظيمات الجهادية؛ لذلك لا نجد في الإعلام ولا عند مراكز البحث الكثير من المعلومات عن هذا التنظيم. والملاحظ أنه منذ 2010 تمركز مسلحو تحالف قوى الديمقراطية في غرب أوغندا وشرق الكونغو الديمقراطية، ووجدوا لهم حواضن اجتماعية هناك.
ومع 2013، بدأ الحديث عن سعي التحالف لتجنيد الشباب الأوغندي، ومن ثم توسعت عملياتهم العسكرية في جبهتين: أوغندا دولتهم الأصلية، وفي الكونغو الديمقراطية مكان استضافتهم الجديد وهو ما بات يُعرف إعلاميًّا بحرب شمال كيفو.
وإذا كان تحالف قوى الديمقراطية في الأصل يتألَّف من متمردين أوغنديين مسلمين يعارضون نظام الرئيس يوري موسيفني، إلا أنه اليوم تجاوز هذا التوصيف وأصبح تنظيمًا عابرًا للحدود يعتبر نفسه فرعًا من تنظيم الدولة، ويسمي نفسه "ولاية وسط إفريقيا"، وصار مع الوقت من أعنف المجموعات المسلحة في أوغندا وجمهورية الكونغو الديمقراطية وربما يتمدد إلى دول مجاورة. ولا ينفصل هذا التنظيم المتمدد في هذه المنطقة عن عداوات قوية بين المجموعات الإثنية المحلية، بل إنه، شأنه في ذلك شأن التنظيمات الجهادية في منطقة الساحل الإفريقي، له بُعد محلي، ويعبِّر بشكل أو بآخر عن مظالم المجموعات العرقية المحلية التي تعرضت في فترات طويلة للتهميش والإقصاء، كما حُرمت من الخدمات التنموية لدولة.
موسى بالوكو: الشخصية المحورية داخل التنظيم
يعتبر موسى بالوكو الزعيم الحالي للتنظيم الجهادي على الحدود الأوغندية-الكونغولية، وقد تولى منصب الزعامة بعد اعتقال زعيمها السابق، جميل موكولو، في تنزانيا، عام 2015، وتسليمه لدولته أوغندا ومن ثم مقتله هناك. وقد صعد نجم هذا المقاتل الأربعيني في تحالف قوى الديمقراطية وتولى مناصب قيادية عديدة، فكان كبير القضاة الشرعيين للجماعة، وتولى إصدار أحكام تعاقب الخارجين على نسق التنظيم، كما عُيِّن مسؤولًا عن تأطير وتكوين المجندين الجدد الذين انضموا إلى التحالف.
وما إن أُلقي القبض في تنزانيا على الزعيم المؤسس، جميل موكولو، سنة 2015، حتى أخذ موسى بالوكو مكانه قائدًا عسكريًّا وزعيمًا روحيًّا لتحالف قوى الديمقراطية. وقد قام بالوكو بعد توليه القيادة بتجنيد المزيد من المناصرين، وربط تحالف القوى الديمقراطية علنًا مع الجماعات الجهادية المعروفة مثل تنظيم الدولة الإسلامية. كما أطلق على جيشه اسم "معسكر المدينة" ودخل في مواجهات دامية مع الجيشين، الكونغولي والأوغندي، وظلت غابة إيتوري بشرق الكونغو الديمقراطية ملاذه الآمن هو ومسلَّحيه.
وتصفه بعض التقارير بأنه عنيف وسريع الغضب، وأنه لا يتورع عن اختطاف المدنيين وتجنيد الأطفال وتنفيذ عمليات قتل جماعي للمدنيين رميًا بالرصاص. وربما تكون تكتيكات التخويف الصارمة هذه سببًا في تعزيز سلطته داخل تحالف قوى الديمقراطية.
مآلات الوضع الأمني في منطقة وسط إفريقيا
في الوقت الذي يتوغل فيه الجيش الأوغندي داخل أراضي جمهورية الكونغو الديمقراطية منفِّذًا عمليته التي أطلق عليها "عملية شجاع"، قام مسلحو تحالف قوى الديمقراطية في أواسط نوفمبر/تشرين الثاني الماضي بتنفيذ عدة انفجارات داخل العاصمة الأوغندية، كمبالا؛ بهدف إرباك الجيش وخلط الأوراق على المخابرات الأوغندية، خصوصًا أن أحد الهجومين استهدف الشرطة والآخر استهدف البرلمان بالعاصمة كمبالا. وشهد شهر أكتوبر/تشرين الأول قبل ذلك تفجيرات عديدة نفذها انتحاريون من "تحالف القوات الديمقراطية".
والواقع أن بؤرة التوتر بشرق جمهورية الكونغو الديمقراطية واستقطابها لحركات تمارس العنف باسم الإسلام أمرٌ قد ينسحب على جيرانها في رواندا وبوروندي وأوغندا، خصوصًا أن تقريرًا للمفوضية السامية لشؤون اللاجئين، صدر في يونيو/حزيران 2021، ذكر أن تحالف قوى الديمقراطية قتل حوالي 200 مدني، وتسبب في نزوح حوالي 40 ألف شخص في مدينة بَنِي بشرق الكونغو الديمقراطية منذ يناير/كانون الثاني 2021، كما وجَّه عمليات لأهداف حكومية وأممية.
ومن غير المستبعد أن يحقق التحالف بين الجيش الأوغندي والجيش الكونغولي انتصارًا عسكريًّا على مسلحي "ولاية وسط إفريقيا"، غير أن هذه التنظيمات تعوَّدت أنها قد تخسر المعركة ولكنها لا تخسر الحرب.
وفي حالة ما إذا قَوِيَ مسلحو "ولاية وسط إفريقيا" فإنهم سيشكِّلون، بحكم موقعهم الجغرافي، حلقة وصل بين بوكو حرام في نيجيريا ومنطقة بحيرة تشاد وبين حركة الشباب في الصومال و"جبهة شرق إفريقيا" الموجودة بشمال تنزانيا، وهو ما يعني أن حركات العنف بغرب إفريقيا (منطقة الساحل ونيجيريا ومنطقة بحيرة تشاد) ستكون مربوطة بحركات العنف في شرق القادة (بالصومال وتنزانيا وكينيا)؛ وذلك عن طريق "ولاية وسط إفريقيا" التي تتمركز في قلب القارة الإفريقية.