بحوث الإعلام في الوطن العربي: مسارات التطوير

تهدف الورقة إلى وضع تصور أولي يسعى إلى تطوير البحث العلمي في الوطن العربي من خلال مجموعة من الاقتراحات التي تساعد على تجاوز بعض الإشكاليات التي يواجهها البحث العلمي في المجال الإعلامي في الوطن العربي. ويُعد التجديد والتطوير سمة مميزة يجب أخذها بعين الاعتبار من أجل المراجعة والتقييم وبخاصة مع التحولات الكبيرة والعميقة التي يواجهها هذا المجال. وخلصت الدراسة الاستطلاعية الكشفية إلى أن التحليلية، والبينية، والتتبعية، والمنهجية، والمستقبلية، إلى جانب تطوير الحركة النقدية العلمية، يمكن أن تكون مسارات مناسبة لتطوير البحث العلمي في المجال الإعلامي.
استمرار النسق النظري الخاص بالإعلام ومساراته التقليدية يعيق بدرجة كبيرة فهم التحولات الجارية وتأثيراتها في الخريطة الإعلامية (الأناضول)

ما البحث؟ السؤال قد يبدو واحدًا في معظم الأحيان، لكن الإجابة قد تكون إلى حدٍّ بعيد مرتبطة بِمَن يسأل. والنتيجة يمكن أن تُفرِز على الأرجح إجابات مختلفة جدًّا. قد تصادف إجابات مثل: نحن نبحث بشكل روتيني عن مواقع مختلفة على الإنترنت للعثور على أفضل مكان لشراء السلع أو الخدمات. وقد يربط البعض البحث بما تقوم به الصحف وقنوات الأخبار التليفزيونية من تقارير وتحقيقات أو استطلاعات رأي حول مواضيع ذات اهتمام عام، مثل: قضايا الانتخابات، والأسعار، ومستوى المعيشة، أو غيرها. وقد تكون إجابة طلاب المرحلة الجامعية أن البحث هو ما نقوم به للعثور على المعلومات التي نحتاجها لإكمال المشاريع أو أوراق البحث المُحددة من خلال شبكة الإنترنت. ويمكن لطلاب الدراسات العليا الذين يعملون على مشاريع بحثية أن يقرروا أن البحث مرتبط بجمع أو تحليل البيانات المتعلقة بمشاريعهم. ومع ذلك، يمكن القول: إن هذه الإجابات لا يمكن أن تعبر عن مفهوم البحث العلمي ما لم تكن لها مساهمة واضحة وجديدة في مسيرة العلم والمعرفة الإنسانية، وتلتزم بطرق بحثية وإجراءات منضبطة ومتفق عليها. وهنا نجد من الضروري تعريف العلم؛ حيث يشير المفهوم إلى مجموعة ممنهجة ومنظمة من المعرفة في أي مجال من المجالات المختلفة يجري الحصول عليها باستخدام "الطرق العلمية"(1).

وانطلاقًا من حقيقة أن البحث العلمي يُعد المصدر المناسب الوحيد لإنتاج المعرفة الإنسانية الأصيلة، وأن هذه المعرفة تتأثر بشكل مباشر بالطرق والأساليب العلمية التي تولدها، فإن مراجعة هذه الطرق والأساليب تكون موضع متابعة دائمة وبخاصة حينما يتعرض مجال البحث لتحولات كبيرة، كما هي الحال في مجال الإعلام، الذي يشهد تحولات غير مسبوقة بسبب تطور التكنولوجيا وتأثيراتها.

وهنا، تكمن مشكلة الدراسة في البحث عن مسارات مقترحة لتطوير البحث الإعلامي في الوطن العربي لتجاوز الفجوة القائمة بين ما يقدمه البحث العلمي على صعيد المعرفة، وكيفية الإفادة منها في حل المشكلات، بالنظر إلى ما ينتج في مناطق أخرى من العالم، لاسيما تلك الدول التي تُهيمن على إنتاج المعرفة في هذا المجال، ومن بينها الولايات المتحدة الأميركية، التي أسهمت بشكل كبير في إنتاج معظم النماذج والنظريات المعروفة التي عملت ولا تزال تعمل على تفسير الظواهر الإعلامية. ويواجه البحث العلمي في الوطن العربي عددًا من المشكلات النظرية والتطبيقية التي تحد من تطور المعرفة الإعلامية، وذلك بسبب النمطية السائدة في الدراسات الإعلامية، وهيمنة أنواع محدودة من الدراسات الإعلامية على حساب أنواع أخرى، إلى جانب غياب الانضباطية في تحديد المناهج والالتزام بمتطلباتها الإجرائية.

وترتكز هذه الدراسة على تساؤل واحد ورئيس، هو: ما المسارات البحثية التي يمكن أن تُشكِّل مدخلًا مناسبًا لتطوير البحث العلمي في الوطن العربي؟ ويحاول الباحث الإجابة على هذا التساؤل من خلال مراجعة رصدية تحليلية لمسارات البحث الإعلامي في المنطقة العربية، بشكل عام، خلال العقود الثلاثة الماضية؛ حيث شكَّلت هذه العقود خبرة الباحث في هذا المجال، ومقارنتها بما هو قائم في مناطق أخرى من العالم.

وتهدف الدراسة إلى تقديم مسارات مقترحة قد تُسهِم في تطوير البحث العلمي في الوطن العربي، من خلال تحديد هذه المسارات التي قد تكون غائبة عن مجال الممارسة البحثية، أو أن التركيز عليها يُعد محدودًا إن لم يكن نادرًا، والتي ربما تكون سببًا وراء تراجع البحث العلمي في منطقتنا. وهذه المسارات قد تشكِّل مقترحات يمكن الإفادة منها في معالجة بعض القصور الذي يواجه البحث العلمي في المنطقة العربية.

وتُعد هذه الدراسة من الدراسات الاستطلاعية الاستكشافية التي تبحث عن تحديد مسارات أولية يمكن أن تُسهِم في تجويد البحث الإعلامي في المنطقة العربية، وتعمل على فتح الأبواب لمزيد من التطلع نحو دراسة سبل تطوير البحث العلمي بصورة أعمق وأكثر تحديدًا. وتعتمد الدراسة المنهج الكيفي، بشقيه الرصدي والتحليلي، لتحديد أبرز المسارات التي يمكن أن تدفع باتجاه تطوير البحث العلمي استنادًا إلى طبيعة المشكلات التي تواجه البحث الإعلامي في المنطقة العربية، وأوجه القصور في الممارسة البحثية في هذا المجال. وترتكز الدراسة على مُحصلة قراءة ذاتية للعديد من الدراسات والبحوث التي أُنجزت خلال العقود الثلاثة الماضية في الوطن العربي.

1. البحث العلمي: المفهوم والمرتكزات

يمكن النظر إلى البحث العلمي باعتباره إجراء مُنظمًا يهدف إلى المساهمة في العلم عن طريق جمع البيانات والمعلومات والعمل على تصنيفها، وتنظيمها، وتفسيرها، وتقييمها بشكل منهجي(2). كما يمكن تعريف البحث العلمي بأنه الطريقة الممنهجة التي تتبِع عددًا من الخطوات المتتابعة ابتداء من معرفة المشكلة وتحليلها، وجمع البيانات وتوثيقها بهدف استخلاص جملة من الحلول المنبثقة عن التحليل، والمقارنة، والإحصاء(3).

وبناء على ما سبق، يمكن تعريف البحث العلمي بأنه نشاط إنساني منظم يقوم على خطوات وإجراءات متتابعة ودقيقة، هدفها البحث عن تفسيرات وحلول للظواهر المختلفة، من خلال الإجابة عن الأسئلة واختبار الفروض للمشكلات البحثية بهدف السيطرة على المحيط والتحكم به.

ويمكن تحديد المرتكزات التي يقوم عليها مفهوم البحث العلمي على النحو الآتي:

أولًا: نشاط مُنظم يستند إلى منهج مُحدد وواضح، مبني على خطوات متتابعة وإجراءات دقيقة.

ثانيًا: نشاط هادف يسعى لفهم المحيط وظواهره المختلفة وتفسيرها والتنبؤ بها من أجل الضبط والتحكم والسيطرة على تلك الظواهر.

ثالثًا: يسعى إلى الإجابة عن عدد من الأسئلة واختبار الفروض في حدود مشكلة مُحددة، بغرض فكِّ الغموض السائد، وتوفير حقائق علمية يمكن الاستناد إليها.

رابعًا: فعلٌ مدروس ومخطط يتسم بالمنطقية والدقة يسعى للبحث في إيجاد حلول للمشكلات التي يواجهها الإنسان والمجتمع، ويتطلب ربطًا واضحًا بالأهداف التي تم تحديدها.

خامسًا: يلتزم بالموضوعية، والجوانب المهنية والأخلاقية في مجال البحث العلمي.

2. العلوم الطبيعية والعلوم الاجتماعية

يرى البعض أن العلم هو كل شيء يتصل بمجالات، مثل: الفيزياء، والكيمياء، والبيولوجيا، والرياضيات، بينما يعتبره آخرون حرفة يمارسها العلماء الذين يرتدون المعاطف البيضاء، ويستخدمون معدات متخصصة في المختبرات. من ناحية أصل الكلمة، اشتُقت مفردة "عِلْم" من الكلمة اللاتينية "scientia" والتي تعني المعرفة. ويشير المفهوم إلى مجموعة منهجية ومنظمة من المعرفة في أي مجال من مجالات البحث يجري اكتسابها باستخدام "الطريقة العلمية" المعروفة. ويهدف العلم إلى إنتاج معرفة علمية. ويُقصد بالمعرفة العلمية مجموعة من القوانين التي يمكن تعميمها، والنظريات التي تعمل على شرح أو تفسير ظاهرة أو سلوك مثير للاهتمام باستخدام الطريقة العلمية. وتشكل القوانين أنماطًا ملحوظة للظواهر أو السلوكيات، بينما النظريات هي تفسيرات منهجية للظاهرة أو السلوك الأساسي. ويمكن تصنيف العلوم إلى فئتين عريضتين(4):

- أولًا: العلوم الطبيعية، وهي علوم الظواهر التي تحدث بشكل طبيعي، مثل: الضوء، والمادة، والأرض، والأجرام السماوية، أو جسم الإنسان. ويمكن تصنيف العلوم الطبيعية إلى علوم فيزيائية، وعلوم الأرض، وعلوم الحياة، وغيرها. وتتكون العلوم الفيزيائية من تخصصات، مثل: الفيزياء (علم الأشياء المادية)، والكيمياء (علم المادة)، وعلم الفلك (علم الأجرام السماوية). وتتكون علوم الأرض من تخصصات مثل الجيولوجيا، أما علوم الحياة فتشمل تخصصات، مثل: علم الأحياء وعلم النبات.

- ثانيًا: في المقابل، العلوم الاجتماعية هي العلوم المعنية بدراسة الإنسان أو المجموعات البشرية، مثل: المجموعات الإنسانية، أو الشركات، أو المجتمعات، أو الاقتصادات، وسلوكياتهم الفردية أو الجماعية. ويمكن تصنيف العلوم الاجتماعية إلى تخصصات: مثل: علم النفس (علم السلوك البشري)، وعلم الاجتماع (علم الجماعات الاجتماعية)، والاقتصاد (علم الشركات والأسواق والاقتصاد)، وغيرها.

وتختلف العلوم الطبيعية عن العلوم الاجتماعية في جوانب متعددة. ويمكن القول: إن العلوم الطبيعية دقيقة للغاية وحتمية ومستقلة عن الباحث الذي يقوم بإجراء الملاحظات العلمية. فعلى سبيل المثال، يجب أن تؤدي التجربة العلمية في الفيزياء، مثل: قياس سرعة الصوت من خلال وسائط معينة، أو مؤشر انكسار الماء، إلى الحصول على النتائج نفسها تمامًا، بصرف النظر عن وقت أو مكان التجربة، أو الشخص الذي يُجريها. فإذا حصل اثنان من الباحثين الذين أجروا نفس التجربة الفيزيائية على قيمتين مختلفتين لهذه الخصائص الفيزيائية، فهذا يعني عمومًا أن أحدهما أو كليهما يجب أن يكون على خطأ.

هذا الوضع لا ينطبق في حالة العلوم الاجتماعية، التي تميل إلى أن تكون أقل دقة أو حتمية في نتائجها. فعلى سبيل المثال، إذا كان الباحث يقيس سعادة شخص ما باستخدام أداة افتراضية، فقد تجد أن الشخص نفسه أكثر سعادة أو أقل سعادة في أيام مختلفة، وأحيانًا في أوقات مختلفة. قد تختلف درجة سعادة شخص ما اعتمادًا على الأخبار التي يتلقاها في تلك الساعة أو اليوم، أو الأحداث التي وقعت في وقت سابق من ذلك اليوم. علاوة على ذلك، لا يوجد جهاز أو مقياس واحد يمكنه قياس سعادة الشخص بدقة كما هي الحال في المقاييس المُستخدمة في العلوم الطبيعية(5).

والسؤال الذي يطرح نفسه هو: هل يُمكن الاستمرار في تطبيق المنهج العلمي على الظاهرة الاجتماعية؟ والجواب: بالطبع نستطيع تطبيق المنهج العلمي رغم الاعتراف بصعوبة دراسة الظاهرة الاجتماعية والإنسانية التي تختلف عن الظاهرة الطبيعية في المجالات التالية:

أولًا: الظواهر الطبيعية ثابتة نسبيًّا؛ الأمر الذي يمكِّن الدارسين من تحديدها وحصرها ودراستها، أما الظواهر الاجتماعية فهي أكثر عُرضة للتغير السريع؛ فالعادات، والتقاليد، والاتجاهات، والقيم، والسلوكيات، كلها متغيرة حسب الزمان والمكان.

ثانيًا: الظاهرة الطبيعية بسيطة ويمكن ملاحظتها وقياسها ماديًّا باستخدام الأجهزة، إلى جانب أن علاقات هذه الظاهرة مع غيرها أيضًا بسيطة ومُحددة ويمكن حصرها وتثبيت المتغيرات المؤثرة فيها، أما الظاهرة الاجتماعية فهي أكثر تعقيدًا وتأثرًا بعوامل كثيرة ومتعددة.

ثالثًا: موقف الباحث أمام الظاهرة الطبيعية موقف موضوعي، لأنه يتعامل مع ظواهر جامدة ليس بينه وبينها علاقات عاطفية أو انفعالية، أما الباحث في الظواهر الاجتماعية فمن الصعب أن يكون موضوعيًّا ومحايدًا بصورة مطلقة.

رابعًا: الظواهر الطبيعية يمكن إخضاعها للتجريب بسهولة، ويمكن تكرار التجربة للتأكد من النتائج، في حين أن إخضاع الظاهرة الاجتماعية للتجريب أمر صعب ويرتبط بعوامل إنسانية وأخلاقية.

خامسًا: يواجه البحث العلمي عقبات قد لا تعيق البحث في مجال العلوم الاجتماعية، ولكنها تحتاج إلى مزيد من التنظيم والدقة والتجرد من قبل الباحث.

وهناك من ينظر إلى العلم بوصفه عملية تفكير وطرح للأسئلة، وليس مجموعة من المعارف. وترتكز هذه العملية على عدة طرق تؤهلنا لمعرفة شيء حول الظواهر المختلفة في محيطنا. فالطريقة العلمية للبحث هي مجموعة من المعايير التي تُحدد كيفية حل النزاعات حول وجهات النظر المختلفة المتعلقة بالواقع. ويُقدم استراتيجية يمكن للباحثين استخدامها عند الاقتراب من سؤال معين. كما يُقدم للمستفيدين القدرة على تقييم نقدي حول كيفية تطوير الأدلة والبراهين واستخدامها للتوصل إلى نتيجة مُحددة(6).   

ويمكن تحديد خصائص الطريقة العلمية في البحث باعتبارها نظامًا يستخدم من قبل العلماء لاستكشاف البيانات، وإنشاء الفروض واختبارها، وتطوير نماذج ومناهج ونظريات جديدة وتأكيد النتائج السابقة أو رفضها مع الأخذ في الاعتبار الفروق في دقة الأساليب المستخدمة في العلوم الطبيعية والاجتماعية، إلا أن هناك بعض السمات الأساسية التي تتشارك فيها العلوم، وتسمى خصائص الطريقة العلمية في البحث، وهي(7):  

أ- الطريقة العلمية التجريبية  

يميل الإنسان العادي إلى التمسك بآراء ليس لها سند علمي، ويقبل مفاهيم وتفسيرات دون تدقيق أو فحص أو إخضاعها للتجريب، بينما يؤمن الباحث بالأفكار والنظريات بعد إخضاعها للتجريب والتدقيق والفحص وإثبات صحتها. وتشير العلوم التجريبية إلى العلم، القائم على الملاحظة، والتحقق من النتائج، إلى جانب قابلية عرضه، ويُنتِج معرفة مُستنِدة على التجريب(8). وتعتمد الطريقة العلمية التجريبية (Empirical Observation) على الملاحظة المباشرة للباحث، ولا تُقيم وزنًا للفرضيات التي تتعارض مع حقيقة ملحوظة ومثبتة، وترفض الطرق التي تعتمد على التأمل والقياس واستخدام العقل، كما أنها تتعارض مع الطرق التي ترتكز على العوامل العاطفية والانطباعية أو غيرها من العوامل الذاتية.   

ب- التجارب العلمية قابلة للتكرار

يقصد بالتجارب القابلة للتكرار (Replicable Experiments)، إذا نجحت نتيجة تجريبية في الكشف عن عملية أو حقيقة أو تأثير، فيجب أن يحدث تكرار هذا النجاح عند إجراء التجربة مرة أخرى، سواء حدث ذلك من قبل الباحث نفسه في الظروف نفسها أو من قبل آخرين، في مكان آخر، باستخدام إجراءات متطابقة(9). ويفترض في الباحثين نشر ما يكفي حول الطرق والإجراءات التي توصلوا من خلالها إلى نتائجهم لإتاحة الفرصة أمام الآخرين لتكرارها والتأكد من المعرفة التي حققتها النتائج.

ج- النتائج مؤقتة

تبقى النتائج التي يجري الحصول عليها من خلال المنهج العلمي مؤقتة (Provisional Results)، فإذا ظهرت بيانات أو معلومات أو حقائق جديدة تتناقض مع ما هو قائم، فيجب الأخذ بالمعرفة الجديدة والاستغناء عن المعرفة القديمة أو تعديلها بما يتفق مع ما هو جديد. والنظريات العلمية هي أيضًا تنبؤية فهي تسمح لنا بتوقع ظواهر غير معروفة، وبالتالي تركيز البحث على مناطق مُحددة بشكل مركز. وإذا كانت نتائج الاختبار تتوافق مع تنبؤات نظرية، فإن النظرية تكون مؤيدة مؤقتًا. وإذا لم يكن الأمر كذلك، فقد ثبت أنها خطأ، يجب أن يجري التخلي عنها أو تعديلها. النظريات العلمية، يجري قبولها مؤقتًا فقط، ومن الممكن دائمًا أن يجري في النهاية دحض النظرية التي لا تصمد أمام الاختبار(10). على سبيل المثال، جرى الاستغناء عن نظرية "الرصاصة" في مجال الإعلام عندما ظهرت أدلة جديدة تتناقض مع المعرفة التي تُقدمها. واليوم علينا أن نختبر بعض النظريات في ظل المستجدات التي حصلت في مجال الإعلام، ومن بينها على سبيل المثال لا الحصر، نظرية حارس البوابة الإعلامية، فالوقائع والمعطيات التي قادت إلى هذه النظرية قد تغيرت بشكل كبير ووجب إعادة اختبارها وربما تعديلها في ضوء النتائج الجديدة.

د- المقاربة الموضوعية

تستند فكرة المقاربة الموضوعية (Objective Approach) إلى أن الادعاءات العلمية موضوعية بقدر ما تصف الحقائق بأمانة. وهناك من يعتقد بأن الموضوعية خرافة أو أسطورة غير قابلة للتحقق، ويفضَّل استبدال مفهوم الدقة بها كونه قابلًا للقياس. ويكمن معنى الموضوعية فلسفيًّا في أن مهمة العلماء والباحثين تقوم على أن هناك العديد من الحقائق الموجودة في هذا الكون، وأن مهمة العلماء والباحثين اكتشافها وتحليلها وتنظيمها، فالعلم موضوعي حين ينجح في اكتشاف الحقائق وتعميمها، والتخلص من المنظور الذاتي أو الانطباعي في النظر إليها. كما أنه يرتبط بمزاعم واقعية علمية، والتي بموجبها يكون هدف العلم هو اكتشاف الحقائق حول العالم، طبقًا لما لدينا من أسباب تجعلنا نؤمن بحقيقة النظريات العلمية المؤكدة(11). فالطريقة العلمية تتسم بالموضوعية، وتعتمد على الحقائق، ولا تقيم وزنًا للميول، أو الرغبات، أو التحيزات. ويجب التسليم بالنتائج كما تظهر نتيجة استخدام مناهج وإجراءات مُحددة ودقيقة باعتبارها نتائج موثوقة.

ه- الملاحظة المنتظمة

يتسم البحث العلمي بأنه منهجي، والطريقة العلمية للبحث تتسم بالتنظيم، أي إنها تعتمد على دراسات مخططة بعناية بدلًا من الملاحظة العشوائية. وتُعد الملاحظة المنتظمة (Systematic Observation) نقطة البداية لأي علم سواء كانت منظمة أو ميدانية، ويقصد بالملاحظة المنتظمة أن تقوم على إجراءات منظمة، ومنهجية، وعلمية. ومع تراكم المعرفة واقتراح التفسيرات، تصبح الملاحظة أكثر تفصيلًا، حين نبحث عن أشياء لم نكن نعرفها من قبل، وهذا يتطلب مزيدًا من الاهتمام في الظروف أو السياق الذي تحدث فيه الملاحظة(12).  

3. تطور البحث العلمي

تشير الأدبيات إلى أن تطور البحث العلمي استلزم فترة طويلة جدًّا لكي يتبلور وينمو، وما زال في حالة تطور مستمر حتى يومنا هذا. فخلال العصور القديمة، كانت للمصريين والبابليين واليونانيين والرومان جهود واضحة في مجال البحث العلمي؛ إذ برع المصريون في علوم التحنيط، والهندسة، والحساب، والطب، والفلك، وأسسوا لعلم المساحة. وفي الحضارة اليونانية، نجح العلماء في وضع مبادئ البحث العلمي وأساسياته، حيث ارتكزت جهودهم على التأمل والنظرة العقلية المجردة بعيدًا عن التجريب. وأسس "أرسطو" لقواعد المنهج الاستدلالي (القياسي)، كما دعا إلى تبني الملاحظة والاستعانة بها في مجال البحث عن الحقائق. وخلال العصور الوسطى، التي امتدت من القرن الثامن إلى القرن السادس عشر، كانت للعلماء العرب والمسلمين جهود واضحة في تبني الملاحظة والتجربة في مجال البحث العلمي، وبذلك فقد تجاوزوا أطروحة أرسطو القائمة على التأمل والمنهج القياسي باتجاه الملاحظة والتجريب(13).

ورغم الجهود المهمة في مجال البحث العلمي، التي سبقت القرن السابع عشر، إلا أن العديد من الدراسات يؤرِّخ لنشأة الطرق العلمية في البحث خلال القرن السابع عشر نتيجة للجهود التي قدمها فرنسيس بيكون (Francis Bacon)، وارتكزت في الأساس على فكرة بناء النتائج وفقًا لمجموعة من الوقائع والملاحظات. وقد أسهم في بناء هذا التوجه العالمان، جون ستيوارت ميل (John Stuart Mill) وكالو برنارد (Callo Bernard). ثم جاء دور نيوتن وجاليليو فظهر المنهج العلمي الذي يجمع بين الاستقراء والاستنتاج أو بين الفكر الذي يمثله الأسلوب القياسي وأسلوب الملاحظة. وقد شنَّ فرنسيس بيكون حملة قاسية ضد المنهج القياسي، ودعا بوضوح إلى اعتماد المنهج التجريبي، ووضع قواعده وخطواته. كما فعل كلود برنارد (Claude Bernard) الشيء نفسه حيث دعا إلى استخدام المنهج التجريبي على أوسع نطاق(14).  

وتقوم الطرق العلمية في البحث على مجموعة من الخطوات المنظمة، كان جون ديوي (John Dewey) قد حددها في كتابه: "كيف نُفكر"، الذي صدر عام 1910. ويرى ديوي أن هذه الخطوات لا تختلف عن خطوات التفكير عند الإنسان وتتضمن الآتي(15):

- الشعور بالمشكلة.

- تحديد المشكلة.

- وضع فروض أو حلول مؤقتة للمشكلة.

- استنباط نتائج الحلول المقترحة.

- اختبار الفروض.

4. البحث العلمي في مجال الاتصال

أما في مجال الاتصال، فقد انطلقت حركة البحث العلمي خلال النصف الأول من القرن العشرين. وقد شهدت المرحلة التي سبقت ذلك جهودًا متنوعة لا يمكن تصنيفها على أنها علمية. فخلال هذه المرحلة لم يكن مصطلح الاتصال قد تبلور مثلما هو خلال الفترات اللاحقة، كما لم يتبلور المفهوم أو الأفكار التي يقوم عليها(16).

وعودة إلى عشرينات القرن الماضي، فقد كان المطبوع، والإذاعة، والفيلم السينمائي مؤسسات قائمة ومزدهرة، فالناس يتابعون الصحف، ويحضرون السينما، غير أن هذه الفترة لم تشهد سوى جهود محدودة للغاية في مجال البحوث التجريبية المنهجية التي أجريت على وسائل الاتصال وآثارها. وخلال الثلاثينات من القرن الماضي، طلب ويليام شورت (William Short)، المدير التنفيذي لمجلس بحوث الصور المتحركة (السينما)، من علماء الجامعات من تخصصات علم الاجتماع وعلم النفس، تصميم سلسلة من المشاريع البحثية التي تدرس تأثير التعرض للأفلام على الأطفال من زوايا مختلفة، والتركيز على طبيعة الجمهور ومحتوى الفيلم.

استخدم الباحثون في هذه الدراسات تحليل المحتوى، وأساليب المسح، والتصميم التجريبي لفحص مواضيع: مثل: محتوى الرسائل، واكتساب المعلومات، وتغيير المواقف، والتأثير، والنتائج الصحية، والسلوك العام، والأخلاقيات، والأحكام وغيرها. وقد تكونت هذه الجهود البحثية من ثلاث عشرة دراسة تم تمويلها من قبل منظمة خيرية معروفة باسم "باين فوند" (Payne Fund).

ويشير ماثيو إيستن (Matthew Eastin) وتيري دورتي (Terry Daugherty) إلى هذه الدراسات باعتبارها جهدًا أوليًّا لتأسيس البحث في مجال وسائل الاتصال، لأنها شكَّلت نظامًا علميًّا موثوقًا وصارمًا واستندت إلى خطوات منهجية يجب الاعتراف بها باعتبارها رئيسة في بحوث الاتصال الجماهيري. وعلاوة على ذلك، وضعت هذه الدراسات المستندة إلى التجربة الأساس لبحوث وسائل الاتصال المستقبلية من خلال التأكيد على التعاون عبر التخصصات (الدراسات البينية) في دراسة تغير المواقف، باستخدام المحتوى، والنمذجة السلوكية، والبناء الاجتماعي، والتحفيز(17).    

ومع الزيادة الملحوظة في وسائل الاتصال المعاصرة، تشكَّل خلال الثلاثينات مجتمع إعلامي سريع التغير؛ إذ استمرت الأسئلة حول وسائل الاتصال وتأثيراتها الثقافية، إلى جانب الأسباب التي تدفع باتجاه استخدام وسائل الاتصال، وكيف يدمج الناس هذه الوسائل في حياتهم اليومية. وبكل بساطة، لم يعرف الباحثون في ذلك الوقت سوى القليل جدًّا عن الكيفية التي يُقرر بها الجمهور اختيار وسائل الاتصال التي يجب أن يتعرض لها عند مواجهة العديد من الخيارات.

وخلال عقد الثلاثينات، كان علماء الاجتماع يهتمون بدرجة كبيرة بتأثير الفيلم. ومع ذلك، برزت الإذاعة باعتبارها وسيلة اتصال معاصرة أخرى بدأت بالصعود والوصول إلى الجمهور. وقد سعى البحث المنهجي الأول الذي أجراه بول لازارسفيلد (Lazarsfeld Paul) وفرانك ستانتون (Frank Stanton) على الراديو إلى فهم الدور الذي تلعبه هذه الوسيلة في حياة الجمهور. ومن هذه الدراسات المبكرة تم تطوير رؤية جديدة يجري من خلالها التعرف على مفهوم الجماهيرية. وبدلًا من النظر إلى الآثار التي تخلِّفها وسائل الاتصال على الجماهير بدأ هذا النهج الجديد في التركيز على كيفية استخدام الجماهير لوسائل الاتصال(18).

وفي مجال الدراسات الصحفية، شهدت الثلاثينات بحوثًا في تاريخ الطباعة، والصحافة، والدوريات. وقد كانت في معظمها دراسات "وصفية سردية غير نقدية". وفي الخمسينات بدأ العمل على دراسة تأثير وسائل الاتصال بما فيها الصحافة، وخلال الخمسينات والستينات تزايد الاهتمام بالدراسات التي اعتمدت التحليل السوسيولوجي، والبحث في خصائص الصحفيين وسماتهم(19). كما تطورت دراسات محتوى وسائل الإعلام باستخدام أداة تحليل المضمون، الذي تم تطوير إجراءاته، واعتبرته دائرة المعارف الدولية للعلوم الاجتماعية منهجًا قائمًا بذاته، وعرَّفته باعتباره منهجًا -وليس أداة- يُستخدَم في دراسة مضمون وسائل الإعلام المطبوعة أو المسموعة أو المرئية وذلك باختيار عيِّنة من المادة موضع التحليل وتصنيفها وتحليلها كمًّا وكيفًا على أساس خطة منهجية منتظمة(20)

ويمكن النظر إلى نشأة البحث العلمي في مجال الاتصال من خلال زاويتين اثنتين(21):

- الأولى: مرتبطة بجهود علماء الاجتماع وعلى رأسهم بول لازارسفيلد، المنتسب إلى مكتب البحوث الاجتماعية التطبيقية (BASR) في جامعة كولومبيا، إلى جانب إلياهو كاتز (Elihu Katz)، وقد تميز البحث العلمي خلال هذه الفترة بالانطباعية والتناقض، وخصوصًا ما هو متصل بنظرية الحقنة أو الرصاصة.

- الثانية: وهي مرحلة اتسمت بتشكيل الوعي الذاتي وقد قادها ولبر شرام (Wilbur Schramm) الذي يُعد المسؤول الأول عن إضفاء الطابع المؤسسي في مجال الاتصال الجماهيري. وقد شاركه هذه المرحلة أربعة من الآباء المؤسسين لعلم الاتصال، وهم: كيرت لوين (Kurt Lewin)، وكارل هوفلاند (Carl Hovland)، وهارولد لاسويل (Harold Lasswell) وبول لازارسفيلد، وينتمي هؤلاء لعلوم النفس، والسياسة، والاجتماع. ويمكن القول: إن دراسات الاتصال تطورت منذ بداية القرن الماضي، وحتى يومنا هذا، تطورًا كبيرًا؛ حيث أمكن رصد أربع مراحل تاريخية مرَّت خلالها جهود البحث العلمي في مجال تأثير وسائل الاتصال الجماهيرية(22).

- المرحلة الأولى: بدأت هذه المرحلة مع نهاية القرن التاسع عشر واستمرت حتى بداية الثلاثينات من القرن الماضي؛ إذ سيطرت نظرية "الرصاصة" أو "الحقنة" في مجال الاتصال، وساد الاعتقاد بأن وسائل الاتصال تمتلك قوة سحرية هائلة ومباشرة وفورية في عملية تشكيل الرأي العام، وتغيير الاتجاهات والسلوك. وافترضت نظرية "الرصاصة" أن جمهور وسائل الاتصال هو جمهور ساكن يمكن التأثير فيه ذهنيًّا وسلوكيًّا دون أن يبدي أية مقاومة. وأظهرت النظرية أهمية المرسل وهيمنته على العملية الاتصالية، وقدرته على التأثير في الجمهور بصورة تلقائية. وقد اتسمت الدراسات خلال هذه الفترة بضعف مناهجها وأدواتها بحيث يمكن نعتها بأنها لم تكن علمية بالمعنى المتعارف عليه الآن.

- المرحلة الثانية: بدأت مع بدايات عقد الثلاثينات، واستمرت حتى الستينات من القرن الماضي. وشهدت هذه المرحلة تطورًا كبيرًا في بحوث الاتصال على صعيدي الأهداف والمنهجيات المستخدمة؛ إذ استخدم الباحثون مناهج علمية أكثر دقة للبحث عن إجابات لأسئلة وفروض أكثر تحديدًا. وظهرت خلال هذه الفترة نظريات التأثير المحدود، التي تفترض أن تأثير وسائل الاتصال على الجمهور هو تأثير غير مباشر، وأن الجمهور ليس ساكنًا بل هو متحرك ونشط، وأن تأثير وسائل الاتصال ليس قويًّا بالدرجة التي تحدثت عنه نظرية الرصاصة، بل إن هذه الوسائل ليست دائمًا السبب الكافي أو الضروري وراء إحداث التأثير في الجمهور المتلقي، ولكنها تعمل مع، أو من خلال بعض العناصر أو الظروف الوسيطة لإحداث التأثير المطلوب.

- المرحلة الثالثة: وهي المرحلة الممتدة من أواخر عقد الستينات وحتى أوائل القرن الحالي؛ حيث ظهر العديد من الفرضيات والنماذج والمناهج التي ألغت المفاهيم ذات الصلة بقوة وسائل الاتصال كما قدمتها نظرية الرصاصة. وبدأ الحديث عن الجمهور باعتباره جمهورًا عنيدًا (Obstinate Audience) يتميز بكونه هدفًا صعبًا لوسائل الاتصال التي يستخدمها الجمهور لإشباع حاجات ورغبات يحددها هو، إضافة إلى كونه صاحب القرار في انتقاء الرسائل التي يرغب في التعرض لها. وبناء على ذلك، فإن هذا الجمهور هو الذي يتحكم في المادة الاتصالية التي يختارها وليس العكس. واستنادًا لذلك، ظهرت النماذج والفرضيات والمناهج الحديثة في مجال الاتصال الجماهيري.

- المرحلة الرابعة: وهي المرحلة التي تلت ظهور شبكة الإنترنت، وبروز ظاهرة الاتصال الرقمي والاهتمام بالتكنولوجيا وآثارها على الخريطة الاتصالية القائمة من جهة، والمجتمع من جهة أخرى. وقد أفرزت هذه المرحلة تحولات عديدة ومفاهيم جديدة لم تكن قائمة من قبل؛ الأمر الذي تطلب العمل على دراسة هذه المفاهيم والتحولات في إطار رؤية مستقلة عمَّا كان قائمًا في هذا المجال من نظريات وتصورات سابقة. إن ظهور وسائل الإعلام الرقمية الجديدة، ولاسيما الأشكال الرقمية والتفاعلية للاتصال، مثل الألعاب الإلكترونية، لا يقترن فقط بالحاجة إلى تطوير "نظرية وسائط جديدة"، ولكنه يفتح أيضًا العديد من الاحتمالات لإعادة فحص الأشكال القديمة والطرق التي يتصورون بها طرق الاتصال والتوزيع والتأليف والنص واستقبال الجمهور. في ضوء الوسائط الرقمية الجديدة والإمكانات الناشئة للتنظير حولها، يمكن القول: إن وظيفة المؤلف، والمبدع، والجمهور، وكذلك المستخدم أو المستلم، هي في الواقع الانخراط في صراع من أجل السيطرة على النص من حيث المشاركة، والخلق والتحول والتوزيع(23).

وفي محاولات أخرى، سعى العديد من الدراسات إلى البحث في استكشاف العلاقة بين استخدام شبكات التواصل الاجتماعي والصحة العقلية لدى الشباب البالغين. وتشير البحوث الحالية إلى وجود علاقة بين زيادة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي وتدهور الصحة العقلية. ويُعد الشباب أكثر مستخدمي هذه الشبكات نشاطًا، ولديهم مخاطر عالية في الغالب لتطوير مشكلات الصحة العقلية؛ مما يجعل هذا الاتصال مقلقًا بشكل خاص. في الوقت الحالي، من غير الواضح كيف ترتبط شبكات التواصل الاجتماعي والصحة العقلية، لذلك تستكشف بعض الدراسات النظريات الفردية والاجتماعية الأسباب وراء هذا الارتباط، وتشمل نظريات، مثل: تأثير السلوكيات المستقرة على الصحة العقلية، والسلوك النازح، وانقطاع النوم بسبب التعرض للضوء الأزرق، وتأثيرات شبكات التواصل الاجتماعي على العلاقات الرومانسية، وتأثيرات وسائل التواصل الاجتماعي على العلاقات الأفلاطونية(24).

وقد قدَّم البحث العلمي مفاهيم ونماذج ونظريات جديدة لكنها ما زالت تحتاج لمزيد من الجهود للتحقق من مبادئها والأساس النظري الذي تنطلق منه، ومن المتوقع أن تهيمن هذه المجالات على البحث العلمي خلال العقود القادمة. وخلال المرحلة الحالية ظهرت اتجاهات حديثة في مجال الاتصال الرقمي استدعت تطوير نماذج ونظريات جديدة يجري اختبارها وفقًا للظواهر الجديدة، كما استدعت ضرورة النظر في المناهج والأساليب البحثية القائمة لتطويرها بحيث تستجيب للتطورات الجديدة مع الأخذ في الاعتبار أن المراجعة الدورية أمر ليس جديدًا. فحين تبرز تحولات مهمة فإن الأمر يستدعي المراجعة على صعيد الأطر النظرية أو الأساليب والمناهج والأدوات البحثية، فقد حدث ذلك عندما ظهرت الإذاعة المسموعة وكذلك السينما وفي حالات أخرى؛ إذ جرت مراجعة الأطر النظرية والأساليب البحثية لتستجيب لمتطلبات المرحلة الجديدة في تفسير الظواهر التي لم يتم اختبارها وفقًا للمعطيات الجديدة.

5. أهمية البحث العلمي

يهدف البحث العلمي إلى اكتشاف القوانين وإنتاج النظريات التي يمكن أن تُفسر الظواهر الطبيعية أو الاجتماعية، أو بعبارة أخرى، بناء المعرفة العلمية. من المهم أن نعرف أن هذه المعرفة قد تكون ناقصة أو ربما بعيدة عن الحقيقة في بعض الأحيان، وقد لا تكون هناك حقيقة واحدة، بل هناك توازن بين "حقائق متعددة". وعلينا أن نعترف أن النظريات، التي تستند إليها المعرفة العلمية، ليست سوى تفسيرات لظاهرة معينة، كما اقترحها أحد العلماء. على هذا النحو، قد تكون هناك تفسيرات جيدة أو سيئة، اعتمادًا على مدى توافق هذه التفسيرات مع الواقع، وبالتالي، قد تكون هناك نظريات جيدة أو سيئة، ويتوقف تقدم العلم بتقدمنا مع مرور الوقت من إنتاج نظريات فقيرة إلى بناء نظريات ثرية، من خلال ملاحظات أفضل باستخدام أدوات أكثر دقة وتفكير منطقي أكثر استنارة(25).

ومن أبرز عناصر أهمية البحث العلمي أنه يُعد متطلبًا أساسيًّا لعمليات التخطيط بجوانبها المختلفة سواء كانت وقائية أو علاجية. ففي الحالة الأولى يعمل البحث العلمي على توفير معلومات وبيانات تُسهِم في التصدي للظواهر السلبية قبل وقوعها. وفي الثانية يُوفر البحث العلمي بيانات ومعلومات تُسهِم في تحديد أفضل الطرق والأساليب لمواجهة المشكلات التي وقعت بالفعل. وتظهر أهمية البحث العلمي كذلك في توفير المعرفة التي تشكِّل ضرورة أساسية لفهم الواقع بما يتضمن من ظواهر مختلفة، ويساعد كذلك في عملية استشراف المستقبل والتنبؤ بما يمكن أن يحدث، وهذه الأهمية تنعكس في إطار الدراسات المستقبلية.

ويعمل البحث العلمي من خلال توفير المعرفة والبيانات على إيجاد حلول للمشكلات وابتكار وتطوير منتجات جديدة. كما يسمح للأفراد والمؤسسات والدول باختبار المعلومات من خلال تحويل النظريات المُجردة إلى واقع عملي. ويُعد البحث العلمي أمرًا مهمًّا وحيويًّا لتطوير المعرفة التي تحرك الاستكشاف والابتكار وتعمل على تعزيزها في المجالات المختلفة؛ الأمر الذي ينعكس على حياة الناس. كما يُقرر البحث العلمي طبيعة المعرفة ودرجة دقتها لتبديد الادعاءات الخاطئة حول ضعف المعرفة وما يترتب عليها.

6. مسارات مقترحة لتطوير البحث العلمي في مجال الإعلام

يمكن النظر إلى تطوير البحث العلمي في المنطقة العربية من زوايا متعددة، من بينها ما يأتي:

أولًا: الوصفية مقابل التحليلية: يجب أن نعترف أن الوصفية هي نوع البحث السائد في غالبية الدراسات في مجال الاتصال في الوطن العربي. والهدف الرئيس من البحث الوصفي هو وصف الظاهرة كما كانت في وقت الدراسة. في هذا النوع من البحوث لا يتحكم الباحث في متغيرات الدراسة، ويعمل على وصفها كما هي، ومن الأمثلة على ذلك دراسة ظواهر، مثل: اتجاهات الجمهور وتفضيلاته، واستخدامه واعتماده على وسائل الاتصال، إلى جانب تحديد خطط وسائل الإعلام والجمهور وصانعي السياسات ومنظمات الأعمال وما إلى ذلك، على الرغم من عدم قدرة الباحثين على التحكم في المتغيرات، وقد تشمل بعض الدراسات محاولات لاكتشاف أسباب المشكلة المحددة. إن طرق البحث المتبعة في إجراء البحث الوصفي هي طرق المسح بجميع أنواعها، بما في ذلك الطرق الارتباطية والمقارنة(26).         

هذا الأمر يستدعي الخروج من دائرة الوصفية إلى رحاب التحليلية؛ إذ يعتمد المنهج التحليلي على تفكيك المتغيرات الأساسية للظاهرة موضع الدراسة، ومن ثَمَّ دراستها بأسلوب متعمق، يجري من خلاله استنباط أسس، أو معايير، أو أحكام، أو قواعد يمكن عن طريقها الوصول إلى تعميمات تساعد في حل المشكلات. ويتطلب ذلك من الباحث استخدام المعلومات والحقائق لتقديم رؤى نقدية تعالج الموضوع في إطار متعمق مع الأخذ في الاعتبار أن العلاقة بين الوصفية والتحليلية هي تكاملية، فالمنهج التحليلي يُعد مكمِّلًا للمناهج الأخرى. في معظم الدراسات العربية التي تستند إلى الوصفية لا يواكبها إطار تحليلي عميق يسعى إلى دراسة الجزئيات بتعمق، واستخدام المعاملات الإحصائية لأغراض الاستنباط من نتائج مُقننة، مع أن البحث في الأجزاء يمكن أن يقود إلى إنتاج نماذج أو نظريات جديدة. كما أن التوسع في التحليلية قد يُخرجنا من معالجة المشكلات العامة إلى معالجة الأجزاء، يضاف إلى ذلك التوسع في استخدام المعاملات الإحصائية المعقدة بالإضافة إلى المعاملات البسيطة.

ثانيًا: المناهج المختلطة "الكيفية والكمِّية" والبنائية

يمكن تعريف المناهج المختلطة في مجال البحث العلمي بأنها "مناهج البحث التي يجمع من خلالها الباحث البيانات ويُحللها، ويدمج النتائج ويستخلص الاستنتاجات باستخدام الأساليب النوعية والكمِّية في دراسة واحدة"، ولا يقتصر البحث على استخدام الأساليب التقليدية لجمع البيانات، ولكنه يسترشد بأساس من الاستقصاء الذي يقوم عليه نشاط البحث نفسه. ويتضمن هذا النوع من الدراسة البعدين الكيفي والكمِّي في آن معًا. ولكن غالبًا ما تنشأ صعوبات عندما يحاول الباحث توضيح كيفية ارتباط العنصرين ببعضهما البعض. وهناك عدم اتساق بين الباحثين حول ما يشكل بحثًا مختلطًا. يرى البعض أنها جمع البيانات الكيفية والكمية وتحليلها. أما الكتابات الأكثر معاصرة فتسعى إلى تطوير فهم لأهمية التكامل بين الطريقتين(27). ويرى الباحث أنه يمكن النظر إلى المناهج المختلطة من زاوية البنائية التي تجمع أكثر من منهج واحد في إطار الدراسة الواحدة كأن يستخدم المنهج المسحي وتحليل المضمون في دراسة واحدة، أو المنهج التاريخي وتحليل المضمون في دراسة أخرى، وربما يستخدم أكثر من منهجين من المناهج البحثية المعروفة في دراسة واحدة.

والبحث الكيفي هو عملية استقصاء طبيعي إلى فهم متعمق للظواهر الاجتماعية في إطار بيئتها الطبيعية. ويركز على الإجابة على تساؤل "لماذا؟" بدلًا من "ماذا؟". ويعتمد على التجارب المباشرة للبشر بوصفها عوامل لصنع المعنى في حياتهم اليومية، بدلًا من الإجراءات المنطقية والإحصائية الرقمية. ويستخدم الباحثون الكيفيون أساليب متعددة لدراسة الظواهر الاجتماعية من بينها السير الذاتية، ودراسة الحالة، والتحليل التاريخي، وتحليل الخطاب، والإثنوغرافيا وغيرها. أما البحوث الكمية فهي الإطار البحثي السائد في العلوم الاجتماعية الذي يستند إلى بيانات رقمية أو رسوم بيانية ويرتبط بمجموعة من الاستراتيجيات، والتقنيات، والافتراضات المستخدمة لدراسة العمليات النفسية، والاجتماعية، والاقتصادية، من خلال استكشاف الأنماط الرقمية. ويتيح هذا النوع من البحث جمع المعلومات الكمية وإجراء تحليلات إحصائية تتراوح بين البسيطة إلى بالغة التعقيد، ويستخدم الاستبانات والملاحظات المنظمة والمقابلات المُقننة لجمع المعلومات. ويستخدم علماء الاجتماع البحث الكمي، بمن في ذلك باحثو علم الاتصال، لمراقبة الظواهر أو الأحداث التي تؤثر على الأفراد(28)

وتُهيمن البحوث الكمية على الإنتاج البحثي العربي في مجال الاتصال بصورة عامة، في حين تقل البحوث الكيفية، ربما لأسباب عديدة من بينها سهولة إنجاز البحث الكمي مقارنة مع البحث الكيفي. والوضع المثالي يقتضي ضرورة إجراء البحوث استنادًا إلى كلتا الطريقتين معًا مع الأخذ في الاعتبار أن بعض الظواهر قد تحتاج لدراستها نوعًا واحدًا فقط يعتمد بشكل أساسي على المعلومات التي يطلبها الباحث. فبعض الظواهر تحتاج إلى تفسير وهذا ما يمكن أن يُقدمه البحث الكيفي، في حين تحتاج بعض الظواهر لتوصيف وهذا ما يُقدمه البحث الكمي. وفوق هذا، فإن الاتجاه نحو المزاوجة بين الكمية والكيفية أمر مطلوب، ومطلوب أيضًا دراسة الظواهر من خلال ربطها بواقعها السياسي والاقتصادي والاجتماعي.

ثالثًا: توسيع دائرة الاهتمام بالمعرفة البينية (عبر التخصصية)

يجادل بعض الباحثين بأن المعرفة "عبر التخصصات" هي الأساس الأكثر نجاحًا لتفسير الظواهر المختلفة، وهي الطريق الواعدة للتقدم العلمي والمغامرة الفكرية، والوعي البشري. ويرى بعض المحللين أن العلم الأكاديمي قد تبنى بالفعل فكرة الالتزام بالدراسات البينية، وأن هناك تحولات تجري بطريقة متسارعة للتحول من الطريقة التقليدية لإجراء البحوث المتجانسة والتخصصية إلى نهج جديد غير متجانس، ومتعدد التخصصات، وأفقي وسَلِس في آن واحد. ويشير آخرون إلى أن تحول الجامعات نحو تعدد التخصصات المتعددة لم يقدم دليلًا تجريبيًّا على أي تغيير أساسي يشمل نظام العلوم في الجامعات. وتشير دراسات إلى أن المعسكر الأخير ربما يكون محقًّا في تشككه فيما أُنجز على صعيد الدراسات البينية في إطار التعليم العالي، كما أن العديد من المبادرات التي تُعد متعددة التخصصات هي، في الواقع، مجرد إعادة تشكيل للدراسات القديمة وأساليب العمل التقليدية التي جرى تجميعها معًا تحت تسمية جديدة بدلًا من إعادة صياغة المفاهيم الفعلية وإعادة تنظيم البحوث الجديدة. والحقيقة هي أن الجامعات تميل إلى التعامل مع التداخل متعدد التخصصات باعتباره اتجاهًا وليس انتقالًا حقيقيًّا، وبالتالي فإن جهودها تبدو مجزأة وغير متماسكة ولا تتسم بالشمولية(29).  

يُعد البحث البيني عبر التخصصي، وهو البحث متعدد التخصصات في العلوم الاجتماعية، موضوعًا حيويًّا ويستقطب نقاشًا واسعًا؛ حيث شكَّل اهتمامًا كبيرًا، وجذب انتباه الباحثين والمؤسسات البحثية بسبب الاهتمام المتزايد به من قبل مراكز البحث والمؤسسات العامة والخاصة، التي تبحث عن حلول متعددة التخصصات للمشكلات التي تواجهها. ومع ذلك، وعلى الرغم من كل الانتشار الذي حققه هذا النوع من البحوث، لكنه لم يتجاوز بعد فكرة الانعزالية والتشرذم المستمر بين التخصصات المختلفة في العلوم الاجتماعية والإنسانية، وخصوصًا في الوطن العربي؛ الأمر الذي وصفه العديد من المؤلفين والباحثين بأنه تقسيم تصنيفي. لقد تم تطوير هذا الاتجاه في البحث لمواجهة المشكلات والتحديات التي تواجهها المجتمعات، ولم يستطع الاتجاه التقليدي في البحث التعامل معها. ويميل العديد من المؤسسات الأكاديمية إلى تضييق مجالات البحث، ومضاعفة أقسامها. وفي الوقت نفسه يمكن دراسة العديد من المشكلات بشكل أكثر فاعلية من خلال المنهج البيني عبر التخصصي بدلًا من دراستها بطريقة منعزلة من قبل تخصصات أكاديمية منفردة، وغالبًا ما يصل العديد منها إلى الاستنتاجات الدقيقة ذاتها. كما أن حقيقة تفضيل العديد من التخصصات الأكاديمية إنشاء مفاهيمها الخاصة لا تساعد كثيرًا في تطوير البعد البيني بين التخصصات المختلفة(30).

وعلى مستوى البحث الإعلامي ما زالت البينية غير واضحة المعالم في النظر إلى المشكلات الإعلامية المختلفة، رغم أن هذه البينية في البحث عن المعرفة لم تعد مطلوبة في الدائرة الاجتماعية والإنسانية وحسب، بل امتدت كذلك إلى العلوم الطبيعية. ومع التطور التكنولوجي أصبح للعلوم الطبيعية مكانتها الواضحة في تفسير الظواهر الإعلامية وبخاصة ونحن نعلم أن الخوارزميات، والذكاء الاصطناعي، وأجهزة الاتصالات الإلكترونية، وشبكة الإنترنت، أصبحت مكونات أساسية في النظر إلى الظاهرة الإعلامية وما تفرزه من تحولات وتغييرات في المفاهيم.

من هنا، يجب العمل على تطوير رؤى جديدة في البحث الإعلامي تأخذ في الاعتبار البحث عن المعرفة البينية عبر التخصصية لتفسير الظواهر الإعلامية، لاسيما بعد التحولات غير المسبوقة التي أحدثتها التطورات التكنولوجية في البناء الإعلامي. إن معالجة النزعة الانعزالية للتخصصات المنفردة، والإفراط في الاعتماد على التخصص منفردًا لتقديم حلول للمشكلات الإعلامية دون الانخراط في الاتجاه البيني متعدد التخصصات قد لا يُقدِّم النتائج البحثية المطلوبة للنظر في الظواهر الإعلامية التي نتجت عن التطور التكنولوجي، أو التحولات المختلفة التي أحدثها في مجال الإعلام. ويبقى السؤال المهم قائمًا: "كيف يمكن أن يتعايش التخصص المنفرد مع الطلب المتزايد باستمرار بضرورة تبني المنهجية البينية عبر التخصصية في مجال البحث الإعلامي؟" هذا السؤال يتطلب مبادرات، مثل مبادرة مركز الجزيرة للدراسات للبحث في الإشكاليات التي تواجه البحث العلمي في المجال الإعلامي على المستوى العربي مع الأخذ في الاعتبار أن هناك العديد من مراكز البحوث في الدول العربية تُقدم نفسها على أنها متعددة التخصصات، ولكن المراجعة الشاملة لمشاريعها ومنشوراتها البحثية تُظهر أنها غالبًا ما تعتمد على الأعمال المنتَجة من قبل أفراد من نفس الخلفيات أو خلفيات مماثلة، بدلًا من تشكيل فرق متعددة التخصصات للنظر في الظواهر المختلفة، ولعل هذا المؤتمر يكون مبادرة حقيقية لنشر ثقافة البينية بين الباحثين العرب ونقطة الانطلاق نحو تطوير منهجيات تساعد في هذا الاتجاه.

رابعًا: تفعيل دور الدراسات التتبُّعية في بحوث الإعلام

تستخدم الدراسات التتبعية (الطولية) (Longitudinal Studies) تدابير مستمرة أو متكررة لمتابعة حالات أو أفراد معينين على مدى فترات طويلة من الزمن، غالبًا ما تكون سنوات أو عقودًا، وهي عمومًا ذات طبيعة رصدية؛ حيث يجري جمع البيانات الكمية أو الكيفية أو كلتيهما حول أية مجموعة من الحالات دون أي تأثير خارجي يمكن استخدامه. هذا النوع من الدراسات مفيد بشكل خاص لتقييم التغيرات التي تحدث على المبحوثين أو الظاهرة موضع الدراسة وتطورها(31).

وتُعد الدراسات التي تعتمد على التصميم التتبعي، أو الطولي الحقيقي، أو القياسات المتكررة لمجموعات مماثلة نادرة جدًّا في مجال الدراسات الإعلامية. ومن خلال نظرة عامة شاملة للبحوث حول استخدام الأطفال لوسائل الإعلام عبر الإنترنت في 18 دولة أوروبية بين عامي 1999- 2006، على سبيل المثال، وجدت دراسة أن هناك مثالين فقط لدراسات تتبعية طولية، والسبب وراء ذلك ربما يعود في الغالب إلى حقيقة أن هذه الدراسات غالبًا ما تكون أكثر تعقيدًا وأكثر تكلفة من الدراسات المقطعية(32).    

في هذا النوع من الدراسات، يقوم الباحث بإجراء دراسة تتبعية من خلال فحص مفردات دراسته ذاتها بشكل متكرر لاكتشاف أي تغييرات قد تحدث على النتائج عبر الزمن أو بسبب تغيير البيئة المحيطة أو غيرها من الأسباب. ويمكن النظر للدراسات التتبعية بوصفها نوعًا من الدراسات الارتباطية حيث يتم جمع بياناتها حول عدد من المتغيرات دون محاولة التأثير عليها. وتُعد هذه الدراسات من الدراسات الشائعة في مجالات الطب، والاقتصاد، والعلوم الاجتماعية. ويمكن للبحث التتبعي أن يستمر لفترات طويلة، ويصمم لتخطيط ومراقبة التغيير بمرور الزمن. وتجمع هذه الدراسات عادة مجموعة من البيانات في بداية الدراسة ثم تجمع البيانات نفسها بشكل متكرر حول الموضوع نفسه طوال فترة الدراسة. وغالبًا ما تستخدم الدراسات التتبعية المسوحات لجمع البيانات النوعية أو الكمية(33).

ويُذكَر أن هذا النوع من الدراسات في مجال الإعلام جرى استخدامه في إنتاج نماذج ونظريات من بينها نظرية وضع الخطة -الأولويات والاهتمامات- (Agenda Setting). كما استخدمت في الدراسات التي هدفت إلى معرفة التغيرات التي تحصل في الاتجاهات والسلوكيات عبر فترات زمنية محددة، فضلًا عن دراسات التأثير.

وعلى مستوى الوطن العربي لم تستخدم هذه الدراسات على نطاق واسع رغم أنها تساعد على دراسة التغييرات والتحولات في الظواهر الإعلامية عبر فترات زمنية ممتدة؛ الأمر الذي يدفع مراكز البحث في المنطقة العربية إلى تبنى مثل هذا النوع من الدراسات، لأنها تسمح بالتحقق من النتائج التي يصل إليها الباحثون إلى جانب معرفة ثبات أو تغير هذه النتائج. كما يساعد هذا النوع من الدراسات على إنتاج نماذج ونظريات جديدة.

خامسًا: الاهتمام بالدراسات الاستشرافية

عَكَس الاهتمامُ بالدراسات البينية، والتداخل عبر التخصصي بين المعارف المختلفة، ظهورَ أساليب ومقاربات جديدة تهدف إلى توسيع دائرة الاهتمام بالبحث الاستشرافي المستقبلي في المجال الإعلامي، وهو في الواقع محدود جدًّا من حيث الاستخدام. لقد باتت البحوث الاستشرافية من الحتميات، وصارت ضرورة لا يمكن تجاهلها بعد كل هذه التحولات المفاهيمية، النظرية والواقعية، التي طرأت على المجال، إلى جانب التغيرات التي رُصِدَت على صعيد الممارسة، وذلك بسبب تسارع التقدم في تقنيات الاتصال(34).

ويمكن النظر إلى الدراسات المستقبلية بوصفها دراسات منهجية لما هو ممكن، ومحتمل، ومستقبلي، بما في ذلك وجهات النظر العالمية والأساطير التي تكمن وراء كل مستقبل. في الخمسين سنة الماضية أو نحو ذلك، انتقلت دراسة المستقبل من التنبؤ بالمستقبل إلى رسم خرائط للمستقبل البديل من أجل تشكيل المستقبل المرغوب. ويتبنَّى الكثيرون الدراسات المستقبلية بهدف التقليل من المخاطر، ولتجنب الظروف المستقبلية السلبية، والانتقال بنشاط لتشكيل مستقبل مرغوب، ورؤى إيجابية، وبالتالي، فإن تحديد المستقبل البديل يُسهِم إلى حدٍّ بعيد في القدرة على التأثير في العالم وبناء المستقبل المنشود(35).

وركزت محاولات ما قبل الحداثة لفهم المستقبل على علم التنجيم. وبشكل عام، كان الغرض من علم التنجيم هو مساعدة الأفراد على تجنب الظروف الخَطِرة من خلال توفير نظام إنذار مُبكر. ومع ذلك، كان الاعتقاد المطلق في النظام الفلكي ضروريًّا، لأن التحذيرات والتنبؤات وكذلك التحليلات النفسية كانت ذات طبيعة عامة، والمستقبل لم يكن محل نزاع. في الدراسات المستقبلية الحديثة، لم يتم دمج التساؤلات ووجهات النظر المتباينة فحسب، بل إنها اعتُبِرَت ضرورية للقوة والمرونة، على عكس التنجيم، الذي يقوم على تبني بدائل. الافتراض الكامن وراء التنبؤ هو أن المستقبل يمكن أن يكون معروفًا بشكل عام إن لم يكن معروفًا بدقة مع مزيد من المعلومات، وبخاصة المعلومات في الوقت المناسب، ويمكن لصانعي القرار اتخاذ خيارات أكثر فاعلية. ويُعد الحصول على مزيد من المعلومات أمرًا مهمًّا بشكل خاص لأن معدل التغيير التكنولوجي قد زاد بشكل كبير. ومع ذلك، فإن الحاجة إلى المعلومات، كما في الأوقات السابقة، يستلزمها الخوف من المستقبل، والشعور بالعجز في مواجهة القوى التي لا يمكننا فهمها، والتي تبدو أكبر منَّا. ويمكن من خلال التنبؤ الأفضل، التحكم في العالم والمستقبل بشكل أكثر فاعلية وبالتالي زيادة الأرباح أو السيطرة(36).

ويمكن تعريف الدراسات المستقبلية بأنها الدراسات التي تتنبأ أو تتوقع المشكلات والقضايا التي ستحدث في المستقبل، وتعمل على رصدها وفهمها والبحث عن حلول لها. وتقوم الدراسات المستقبلية على رؤى علمية، وتصورات مدروسة، ومنهجيات محددة لاستشراف المستقبل، واستخلاص التوقعات، وتحديد البدائل، ورسم السيناريوهات، وتحديد التوجهات بالنسبة لظاهرة معينة. إن غياب هذه الدراسات في المجال الإعلامي قد أفرز صعوبات متعددة في رصد المستقبل وتحولاته؛ الأمر الذي عانت منه معظم المؤسسات الإعلامية العربية التي لم تكن مستعدة لمواجهة التحولات التكنولوجية التي حدثت وشكَّلت لها صدمة كبيرة.

ومن الأهمية بمكان، النظر إلى الدارسات المستقبلية من زاوية أهدافها، وأساليبها، وكيفية استخدامها، لمعالجة القضايا والمشكلات المستقبلية. فهدف الدراسات المستقبلية يتمحور حول توقع ما سيحدث في المستقبل، بحيث يُقدم رؤى واضحة لمسارات التحولات الإعلامية خلال فترات زمنية معلومة. كما يستطيع أن يدرس المتغيرات التي تُشكِّل أساس هذه التحولات والعلاقات المتبادلة فيما بينها. فعلى سبيل المثال، إن المجال الإعلامي مُقبل على تحولات جذرية في المستقبل، وبخاصة نتيجة التوسع في استخدام الخوارزميات و"الروبوتات" في العمل الصحفي؛ الأمر الذي يستدعي دراسات مستقبلية للتعرف إلى التحديات الوظيفية، والمهنية، واللغوية، والأخلاقية التي سيُفرزها الواقع الجديد.

فالدراسات المستقبلية تُنشئ مستقبلًا بديلًا من خلال جعل الافتراضات الأساسية إشكالية، فهي تعمل على وضع تساؤلات عن المستقبل، وتحليل القضايا الناشئة، والسيناريوهات؛ إذ إن القصد هو الخروج من الحاضر وإيجاد إمكانية للتعرف على ما سيحدث في المستقبل وكيفية التعامل معه(37). وهذا يقتضي الأخذ في الاعتبار المزج بين الوصفية والتحليلية، إلى جانب توظيف الكمية والكيفية، واعتماد الدراسات التتبعية، والتركيز على البينية في رصد المشكلات المستقبلية وتحليلها والبحث عن حلول لها.

سادسًا: تفعيل الدراسات والقراءات النقدية العلمية

يستند النقد العلمي إلى مناقشات ومناظرات وحوارات مدعمة بالإثباتات العلمية للدراسات والبحوث الجديدة، يُعرض من خلاله تقييم لهذه الدراسات من حيث أطرها النظرية والمنهجية ونتائجها واستنتاجاتها، وتناقش من زوايا متعددة بناء على ما هو متاح من معلومات سابقة، أو بناء على ما تستند إليه من مداخل نظرية وإجراءات منهجية، فضلًا عن النتائج والاستنتاجات التي توصلت إليها هذه الدراسات. وتُقدَّم كما تُقدَّم أية دراسة علمية وتكون في الأغلب قابلة للنشر، أو تُعرض في إطار مؤتمرات، أو ندوات، أو ورشات منظمة ومخططة لخدمة هذه الأهداف.

ويمكن تعريف النقد لغة بأنه الكشف عمَّا هو صحيح وما هو زائف، ومن الناحية الاصطلاحية هو الكشف عن جوانب القوة أو الضعف في عمل محدد تمهيدًا لإصدار الأحكام النقدية عليه.

ويمكن النظر لمفهوم النقد العلمي من زاوية دراسة النشاط البحثي وتفسيره وتحليله والكشف عن مواقع قوته وضعفه، ودقته وصحة نتائجه، والتزامه بالمناهج والإجراءات العلمية فضلًا عن أهميته في تقديم معرفة جديدة، ويكون ذلك قبل نشر هذه الدراسات أو بعد نشرها.

وهذا النوع من الدراسات يُسهِم في تطوير حركة البحث العلمي بشكل عام، إلى جانب قيامه بدور تقييمي للأعمال العلمية بحيث يجري من خلالها تقديم جوانب النقد المختلفة بهدف تجويد هذه الأعمال بالنظر إلى جوانب القوة والضعف فيها؛ الأمر الذي يساعد على تصحيح المسارات، أو استكمال النواقص، أو استجلاء الغموض. النقد العلمي أو الأكاديمي يعالج المشكلات التي قد تظهر في مجال البحث العلمي من أجل تحسين المعرفة التي نحصل عليها فضلًا عن تحسين دورها في خدمة المجتمع.

ويمكن النظر للنقد العلمي بأنه فن احترافي يقوم على قواعد محددة، يمكن تلخيصها فيما يأتي: مراعاة عدم التحيز لموضوع البحث، واحترام الاستقلال الفكري للمؤلف أو المحرر، وتجنب تضارب المصالح، وتجنب النقد الشخصي، وتقديم المشورة لكل من المؤلف والقراء حول كيفية الإفادة من هذا العمل في الحاضر والمستقبل(38). يُضاف إلى ذلك، خضوع النقد العلمي لقواعد أخلاقية وأُسس مهنية مُنصِفَة، إلى جانب توافر الدقة والأمانة في قراءة البحث وما يُقدمه من معرفة جديدة، فضلًا عن تقييم مداخله النظرية، ومدى إفادَتِهِ من الدراسات السابقة، والتزامه بمنهج واضح ومُحدد.

وتتمحور الحركة النقدية في الوطن العربي حول النقد الأدبي، وهذه تواجه مشكلات عديدة من بينها "الشَّخْصَنَة"، إلى جانب قناعة بعض النقاد بأن ما يطرحونه يمثل الحقيقة المطلقة التي لا تقبل المراجعة، فضلًا عن غياب ثقافة النقد بين الكثير من الذين يعملون في هذا المجال. وعلى صعيد البحث العلمي، فإن حركة النقد العلمي تبدو ضعيفة للغاية، وربما تكون معدومة في إطارها العام، يُستثنى من ذلك ما يتصل بمراجعة رسائل الماجستير والدكتوراه والتي لا تبتعد كثيرًا في سماتها عمَّا يحدث في المجال الأدبي. وهذا بالطبع يدفع باتجاه إنشاء حركة نقدية فاعلة في المجال العلمي تحافظ على مبادئ حاكمة ومواثيق أخلاقية، يكون هدفها خدمة المعرفة وتحسينها بصورة مستمرة وتساعد على إنتاج نماذج ونظريات تُسهِم في تفسير الظواهر الإعلامية في الوطن العربي. هذه المهمة الكبيرة تحتاج لجهود مشتركة ترعاها الجامعات ومراكز البحث في الوطن العربي، الذي يواجه، في الحقيقة، إخفاقات عديدة في مجالات متنوعة تؤثر بشكل مباشر على حركة البحث العلمي وتكوين المعرفة الأصيلة.        

خلاصة

التجديد والتطوير سمتان مميزتان يجب الحرص عليهما والسعي من أجل تفعيلهما، وبخاصة في زمن التحولات والتغيرات التي تترك آثارًا كبيرة. وفي مجال البحث العلمي ومناهجه في المجال الإعلامي يصبح التجديد والتطوير أمرًا مُلِحًّا بعد كل هذه التحولات في الخريطة الإعلامية، وبروز مفاهيم جديدة تتطلب البحث والتدقيق. إن استمرار النسق النظري الخاص بالإعلام ونظرياته، أو تأثيراته، أو مساراته التقليدية، دون الأخذ بالاعتبار التحولات الكبيرة ومن بينها تطور البعد الرقمي والتكنولوجي، ربما يعيق بدرجة كبيرة فهم هذه التحولات وتأثيراتها. وعليه، نحن بحاجة إلى البحث في الإشكاليات التي يواجهها البحث الإعلامي في هذا الاتجاه، وتطوير رؤى نقدية وتحليلية، والبحث في توظيف الاتجاه التحليلي، والبيني، والتتبعي والمستقبلي، والنقدي، إلى جانب التطوير المستمر للمناهج والطرائق المستخدمة لدراسة هذه التحولات وما أفرزته من ظواهر.

ABOUT THE AUTHOR

References

(1) Anol Bhattacherjee, Social Science Research: Principles, Methods, and Practices, 2nd ed. (USA: University of South Florida, 2012), 1. 

(2)a Ceyda Ozhan Caparlar and Asli Donmez, “What is Scientific Research and How Can it be Done?,” Turkish Journal of Anaesthesiology & Reanimation, 44(4), (August 2016): 212-218.         

(3) حسن شحادة، البحوث العلمية والتربوية بين النظرية والتطبيق، ط 1، (القاهرة، مكتبة الدار العربية للكتاب، 2001)، ص 13.

(4) Bhattacherjee, Social Science Research, 2.

(5) Ibid, 1.

(6) Kenneth Hoover and Todd Donovan, The Elements of Social Scientific Thinking, 10th ed. (USA: Cengage Learning, 2011), 3.

(7) Peter Flom, “Five Characteristics of the Scientific Method,” Sciencing, April 16, 2018, “accessed October 27, 2021”. https://bit.ly/3O4WXUr.

(8) Christopher Ikechukwu Asogwa, A Critique of Empirical Knowledge (University of Nigeria, Department of Philosophy, 2013), 2.

(9) John D. Norton, “Replicability of Experiment,” Theoria, 30(2), “accessed October 27, 2021”. https://bit.ly/3rjnuDG.

(10) Responsible Science: Ensuring the Integrity of the Research Process: Vol I, (Washington DC: National Academies Press 1992), “accessed October 27, 2021”. https://bit.ly/3O4Ugm0.

(11) Julian Reiss and Jan Sprenger, “Scientific objectivity,” The Stanford Encyclopedia of Philosophy, October 30, 2020, “accessed October 27, 2021”. https://stanford.io/3Og3lZg.

(12), James W. Michaels W. “Systematic Observation as a Measurement Strategy,” Sociological Focus, Vol. 16, no. 3, (1983): 217–226.

(13) محمد صادق، البحث العلمي بين المشرق العربي والعالم والغربي: كيف نهضوا؟ ولماذا تراجعنا؟، (القاهرة، المجموعة العربية للتدريب والنشر، 2014)، ص 16.

(14) عبد الباسط محمد حسن، أصول البحث الاجتماعي، ط 9 (القاهرة، مكتبة وهبة، 1985)، ص 63.

(15) علي معمر عبد المؤمن، البحث في العلوم الاجتماعية، (القاهرة، المجموعة العربية للتدريب والنشر، 2008)، ص 54.  

(16) Emanuel Kulczycki, Communication History and Its Subjects, (Annals of the University of Craiova, 2011), 134.       

(17) Matthew Eastin and Terry Daugherty, “Past, Current, and Future Trends in Mass Communication Research,” in Marketing Communication: Emerging Trends and Developments, ed. Allan J. Kimmel (Oxford University Press, 2005), 4.  

(18) Ibid, 4.

(19) السيد بخيت، الجديد في بحوث الصحافة، (الإمارات، دار الكتاب الجامعي، 2011)، ص 22.

(20) صلاح عبد الحميد، الإعلام وثقافة الصورة، (القاهرة، مؤسسة طيبة للنشر والتوزيع، 2013)، ص 117.

(21) David Park and Jefferson Pooley, “The New History of Mass Communication Research,” in The History of Media and Communication Research: Contested Memories, ed. David Park and Jefferson Pooley (New York: Peter Lang, 2008), 45.

(22) محمد نجيب الصرايرة، العلاقات العامة: الأسس والمبادئ، (الأردن، مكتبة الرائد للنشر والتوزيع، 2017)، ص 84.

(23) Rob Cover, “New Media Theory: Electronic Gams, Democracy and reconfiguring the Author-audience relationship,” Social Semiotics, Vol. 14 issue 2, (2004): 173.

(24) Amelia Strickland, Exploring the Effects of Social Media Use on the Mental Health of Young Adults. (A thesis submitted for the Major Program in Advertising and Public Relations in the College of Sciences and in the Burnett Honors College at the University of Central Florida, Orlando, Florida, 2014), 14.

(25) Bhattacherjee, Social Science Research, 2.

(26) Ajit Singh, “Significance of Research Process in Research Work,” March 2021, researchgate.net, “accessed October 27, 2021”. https://bit.ly/3KBW5Vk.

(27) Louise Doyle et al., “An overview of mixed methods research,” Journal of Research in Nursing, (2009): 176.

(28) Ahmad Sharique et al., “Qualitative v/s Quantitative Research,” Journal of Evidence Based Medicine and Healthcare, 6(43), (2019): 282-283.  

(29) Diana Rhoten, “Interdisciplinary Research: Trend or Transition,” academia.edu, January 2004, “accessed October 27, 2021”. https://bit.ly/3viB5wu.

(30) Jorge André Guerreiro, Interdisciplinary Research in Social Sciences: a two-way process,” researchgate.net, June 2016, “accessed October 27, 2021”. https://bit.ly/3KCxsHX.

(31) Louise Doyle et al., “An overview of mixed methods research,”: 2.

(32) Elisabeth Staksrud et al., “What Do We Know about Children’s Use of Online Technologies? A Report on Data Availability and Research Gaps in Europe,” January 2007, researchgate.net, “accessed October 27, 2021”. https://bit.ly/3jt5TFh.

(33) Edward Joseph Caruana et al., “Longitudinal studies,” researchgate.net, December 2015, “accessed October 27, 2021”. https://bit.ly/375U7hv.

(34) ليلى فيلالي، توظيف أساليب الدراسات المستقبلية في بحوث الإعلام والاتصال، مجلة المعارف للبحوث والدراسات التاريخية، (جامعة الشهيد حمه لخضر الوادي، كلية العلوم الاجتماعية والإنسانية بالجزائر، العدد 17، 2017).

(35) Sohail Inayatullah, “Futures Studies: Theories and Methods,” researchgate.net, January 2013, “accessed October 27, 2021”. https://bit.ly/3KCzckt.

(36) Ibid.

(37) Ibid.

(38), Ashraf M. T. Elewa, “Criticism in Scientific Research,” researchgate.net, (August 2009), “accessed October 27, 2021”. https://bit.ly/3KzNIJX.