السلفية الدعوية في المغرب بين الراديكالية والاعتدال

تعالج الدراسة، من خلال السلفية، الإشكال الذي يواجه كل عقيدة دينية، فكما أن الاشتراك في الانتماء إلى العقيدة يحقق تماسكًا أخلاقيًّا كبيرًا، فإن الاختلاف الذي يحدث في فهم أحد عناصر هذه العقيدة يفرز تقاطبًا حديًّا. وفيما يخص السلفية، تفترض الدراسة وجود مسار واضح نحو الاعتدال عند السلفية بالمغرب أمْلته حوادث تفاعلت معها السلفية بإيجابية، لكن هذا المسار ظل مواجهًا براديكالية شديدة.
السلفية تعرف تحولًا من نزعتها الدينية الراديكالية إلى حركة اجتماعية للحفاظ على نفسها في ظل ظروف محلية وعالمية لم تكن في صالحها (الجزيرة)

في هذا البحث لا تعد السلفية نزعة دينية فحسب، بل أيديولوجيا تقوم بالمعارضة الشديدة للتطويرات التي طرأت على مستويين من مستويات الدين: المستوى الفكري والتعبدي، فقد تهتم بعض اتجاهات هذه الأيديولوجيا بعملية إعادة تقنين الدين على المستوى العقائدي، هادفة إلى الترشيد الميتافيزيقي والأخلاقي للعقائد كما هي موجودة بالفعل. وتنشط سلفيات أخرى على المستوى التعبدي، فتعمل على إعادة تقنين الشعائر الدينية بتوحيد نماذجها، وكلماتها، وإشاراتها وإجراءاتها، لكي تتم المحافظة على النشاط الشعائري الأصلي في مواجهة البدع المستجدة(1).

إن المصطلح الديني الذي يوظِّفه السلفيون لوصف نشاطهم هو الدعوة، إنه عمل نضالي وسيلته الأساسية الوعظ الديني البعيد كل البعد عن الإعداد والتأهيل السياسيين (السلفية المسيَّسة)، وهو عمل دائم ومستمر؛ فالسلفية لا تقبل فتور معتقداتها، ولذلك تجد نفسها مدعوة إلى بدل مجهود متواصل لبث أفكارها عن طريق تلقينها.

إن تصنيف السلفية الدعوية أيديولوجيًّا يدفعنا إلى تجاوز كل تحليل يقف عند حدود الاستعراض الموضوعاتي لمذهبية السلفية ويجبرنا على السير تجاه تحليل مساحة الثابت والمتحرك فيها، ليس بغرض الخوض فيما يثيره الموضوع عادة من نقاش ديني أو فلسفي، بل للتعرف على الطريقة التي جرى بها تأويل المعاني للحفاظ على السلطة الخطابية أو لانتزاعها.

إن السلفية الدعوية هي "راديكالية" إلى حدٍّ بعيد بحيث تكون تعاليمها مجموعة منغلقة من الشعائر والموجبات والممنوعات تنبني على ما يشكِّل حجر الزاوية في كل ديانة، ذلك الفرق بين المقدس والمدنس... لكنه وبفعل الزمن والتجديدات المتلاحقة... تظهر مواقف جديدة تُخرج الراديكاليات من طبيعتها، ليجري السير بالتنظيم إلى حركات فكرية تصحيحية تهدف إلى إحداث التغيير في إطار الواقع وممكناته.

وبسبب هذه الراديكالية تبقى العقائد الدينية عصيَّة على التغيير وتتحوَّل بسبب ذلك إلى أيديولوجية باردة وفاترة، لكن اصطدامها بالواقع، يدفع كثيرًا من المجددين إلى إحداث نوع من "المراجعة المستمرة" التي يخفونها تحت ستار شعار "الاعتدال"، وعندما يصبح التفاوت كبيرًا جدًّا بين هذا أو المراجعة وبين المنطلقات الأولية للدين، فإنه يوجد دائمًا بعض المؤمنين الذي ينهضون ضد هذه التغيير الذي يعدونه خيانة.

وفي المحصلة، ينفجر وعاء السلفية ويصبح واقعها متسمًا بالتعدد فتظهر مجموعات كثيرة من المنتسبين للسلفية تختلف مواقفهم من الواقع إلى درجة التناقض أحيانًا. كما قد يختلف مجموعة من الدعاة في مسالكهم الدعوية ومناهجهم الحركية مع تبنِّيهم جميعًا للسلفية، لكننا نعتقد بصلاحية معياري الراديكالية والاعتدال للتمييز بين التيارات التي تتجاذب السلفية. فما مظاهر الراديكالية في السلفية؟ وهل مؤشرات الاعتدال الجديدة معرفية أم عرضية؟

1. تعدد مفاهيم التوحيد

يجد مبدأ التوحيد تَحَقُّقَه عند السلفية، عبر قضيتين رئيستين متلازمتين: إبطال البدع والتقليد والعودة إلى جادة الدين، ومن ثم تحقِّق السلفية ذاتها من خلال عقيدة التوحيد كما وضعها القرآن وفهمها السلف، بحيث يكون السلفي من سَلِم من الشبهات في الاعتقادات، خاصة في مسائل الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وكذلك في مسائل القدر وفضائل الصحابة.

إن كون التوحيد مبدأ ناظمًا للعقيدة السلفية يدفعنا إلى مقارنة هذه الأخيرة مع أصوات إسلامية انطلقت من المبدأ نفسه لكن بأفهام وتوظيفات مختلفة، فبالرغم من انطلاق العديد من الدعوات الإسلامية من فكرة التوحيد، واندراجها كأولوية في مشاريعها الإصلاحية، إلا أن الفكرة لا تكتسب نفس المعنى ولا تؤسس لنفس الأهداف. وتبدأ هذه الأصوات مشاريعها بالإشارة إلى التوحيد، والذي يعني "توحيد الخالق بإخلاص بالعبودية له وتوحيده بتوحيد المرجعية العليا لكتابه ولسُنَّة نبيه صلَّى الله عليه وسلَّم"، إلا أنها تزيد بأنه يجب "اتباع نهج يؤمن بضرورة التحاور والتشاور والتعاون والائتلاف بين المسلمين أهل التوحيد والقبلة، أيًّا كانت الاختلافات بينهم"(2).

لكنها تزيد بالقول: "إن مجتمعنا يعاني من استشراء سرطاني للفرقة والأنانية والانقسامية والتشرذم والتفكك، ولم ينجُ الدعاة وجماعاتهم من تأثيرات هذا الواقع وانعكاساته، ولم ينجحوا بعد.. في التخلص من آثاره، مما يحتم إيلاء الأمر مزيدًا من العناية والألوية والعلاج. وهو ما سعينا إلى التنبيه عليه والالتزام به من خلال كلمة التوحيد"(3).

وجلي من المقتطف انصراف الكلام إلى معان لا يشكِّل مبدأ التوحيد بمعناه الديني سوى مقدمة مسوِّغة لهدف سياسي هو توحيد الدعاة والمبشرين في صف واحد لمعالجة المجتمع من "الأعراض السرطانية". وبذاك يتجاوز مبدأ التوحيد ما يعنيه في السياق السلفي ليكون أقرب لفكرة الوحدة ذات الدلالة السياسية.

أما بعض المثقفين السلفيين، فيسلك منحى آخر في تفسيرهم لمعنى التوحيد، رغم أنه لا يخلو من تبسيط، فبما أن الله أعطى الإنسان العالم الطبيعي ليكتشفه، فإن معرفة الله إذن لا تتيسر من خلال الالتزام بمدوَّنة جاهزة من الأسماء والصفات فحسب، بل إن معرفة الحق لا تتأتى سوى بالاشتغال في حقل العلوم المحضة والطبيعة. لذلك نجد أنه في مقابل الإحالات الكثيرة على مقولات السلف المتصلة بالوحدانية عند السلفيين، تمتلئ كتابات الإسلاميين بالأمثلة والاستشهادات العلمية على وحدانية الله وعظمته(4).

ومن الصيغ الجديدة التي تعطى فكرة التوحيد ما يراه مثقف إسلامي مغربي من أن للتوحيد دلالة أكثر من مجرد رابط عبودية، إنها تتجاوز ذلك لتعطي مختلف مظاهر التدين بعدًا جماليًّا: "فلا إله إلا الله، هي تعبير عمَّا يجده المؤمن في قلبه من تعلق بربه، أي لا محبة إلا لله، ولا مرهوب إلا الله، ولا يملأ عليه عمارة قلبه إلا الله، فلو تابعت الممارسات الدينية في سائر تفاصيل الإسلام لوجدتها جميعًا عملًا وجدانيًّا"(5).

وفي تمييزٍ لفكرته عن الصوفية، يقول: إن "إطلاق العنان لهذه التجربة الوجدانية قد يؤدي إلى تجاوز النصوص التي هي حدود الله، لضبط هذا الفيض الوجداني"(6).

في مقابل هذه الاستخدامات لمفهوم التوحيد، فإن كونه مبدأ ناظمًا للخطاب السلفي أدَّى إلى تمدد المكوِّن العقدي في هذا الخطاب مما أعطاه طابعًا خاصًّا مقارنة بالمشاريع الدعوية الأخرى التي لا تكاد يتردد هذا المكون إلا في مقدمة مشروعها دون التفصيل فيه أو جعله هدفًا نهائيًّا لما يتضمنه من غايات.  

ومن داخل التيار السلفي نفسه، نجد اتجاهًا يروم: "وضع صياغة نموذجية ترتكز على الرصيد المتوافر والكفيلة بإعطاء منهج جديد في البناء العقدي، فالمطلوب إذن حركة تجديدية تتفاعل فيها الدعوة السلفية الموروثة مع الواقع الجديد المتغير"(7).

وفي الواقع، فإن هذا الإعلان لا يتجاوز سقف النوايا بحيث يعود هذا التيار ليطرح موضوع التوحيد كما هو مصوغ في التصور السلفي العام. ففي كل مناسبة، يرى هذا التيار، لابد أن يكون التوحيد موضوع حديث وتذكرة أيًّا كان شاغل الدعاة واهتماماتهم. وانطلاقًا من هذا التوجيه، تحرص المنابر السلفية القائمة على التعريف بالتراث الإسلامي على الدعوة إلى التوحيد في اهتماماتها المتوزعة بين العقيدة والحديث والفقه والأدب والتراجم والمواعظ...(8).

لكن الملاحظ أن مثل هذه النداءات السلفية الداعية إلى التوحيد تظل مفتقرة إلى التأصيل النظري والتأسيس الفلسفي؛ إذ لا تتعدى كونها نداء إلى توسيع الدعوة إلى التوحيد ليكون موضوعًا حاضرًا في كل أنشطة الداعية وتحركاته التي قد تبدو بعيدة عن العقيدة. ولقد أدى هذا النقص إلى ارتباك فكري جعل الخطاب السلفي ينقسم إلى اتجاهين يرتبان عن مفهومهما المختلف للتوحيد نتائج تتصل بطرقهما الدعوية العامة:

- الاتجاه التقليدي الذي يرى أن للتوحيد منطقًا خاصًّا يجعل طرق الدعوة إليه توقيفية، أي إنه يجب اتباع سيرة السلف الصالح في تبليغ التوحيد مهما اختلفت ظروف الدعوة.

- اتجاه جديد يرى أن التوحيد ما انفكَّ يكون شاغلًا للداعي في كل سكناته وحركاته، وأن طرق الدعوة إليه مسألة توفيقية تتماشى مع ظروف الزمان والمكان والمقام والمقال.

2. مناقشة مفهوم البدعة

وعلى الرغم من كل ما يتسم به الخطاب السلفي من وضوح من حيث مبدئه (التوحيد) إلا أنه يبقى مع ذلك قابلًا للتأويل البحثي الذي يرمي إلى اكتشاف رمزيته؛ ذلك أن الحقل الدلالي الذي يفتح عليه مفهوم التوحيد لا يقف عند هذا الموقف الأصولي في الاعتقاد (الاعتقاد بالله كما أخبر به نفسه من غير تأويل)، وإنما يمتد ليشمل ضوابط للممارسة الدينية. فإذا كان الإسلام يقيم العقيدة على مقولة التوحيد، فإن السلوك العبادي ينضبط بهذا المبدأ انضباطًا مطلقًا لا مجال فيه لإشراك غير الله في العبادة بأية طريقة، سواء كانت عبادة أو تقربًا أو دعاء.

هكذا يُعد ضبط الممارسة العبادية ومحاربة البدعة مطمحًا أساسيًّا لمجموع النزعات السلفية بحيث تدرج مجموعة أهداف أساسية تصب في خانة إقرار العبادة الصحيحة ومحاربة البدعة، ومن هذه الأهداف:

- محاولة إحياء السنن التي نُسيت في الأمة وإقامتها بدلًا من البدع والمحدثات التي دخلت من غير الباب الرئيس على حين غفلة منها.

- محاربة البدع بكل صورها وذلك عن طريق الدعوة بالتي هي أحسن.

- توعية الأمة وتعريفها بواقعها وتحذيرها من الإلحاد والشرك وكل الانحرافات العقدية والخلقية.

- ربط الناس بسيرة رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في كل لحظات الحياة.

وعلى المستوى الميداني، تتجسد هذه الأهداف من خلال سلوكيات نموذجية يجب أن يجسدها الأتباع، فليست هذه السلوكيات قصدًا مصرَّحًا به من طرف السلفية فحسب، بل تعمل على إثارتها لدى الأتباع باستمرار، بشكل يجعل من الأهداف البيداغوجية الكبرى لدى السلفية هو أن يعكس أداء الأتباع ذلك السلوك النموذجي المرغوب فيه والتعبير عنه بواسطة سلوكيات قابلة للملاحظة. فالسلفي الحقيقي هو ذلك الشخص الذي يحرص على ظاهر الأشياء، ولا يقبل أن يُنسب إلى التدين شيء بِدعي مخالف لما هو نمطي ومحدد بقواعد.

وفي القاموس السلفي تُطلق كلمة بدعة على كل تلك التجديدات الطارئة على مستوى العبادة، والتي تفتقر إلى شرعية نصِّية واضحة، لكن لما كان عموم المعيار الديني يرصد كل تجاوز للعبادات الشرعية في مفهوم البدعة فيجب تفسير هذا المفهوم وتوضيحه وتمييز استخدامه من طرف السلفيين عن المعنى الذي يكتسبه عند باقي اتجاهات الدعوة الأخرى. فعند السلفيين، يعني مفهوم البدعة المحدثات التي لا أصل لها في القرآن وسلوك الصحابة. أما استعمالاته من طرف الفقهاء، فانصرفت إلى اتجاه آخر ليعني كل مساس بالعناصر التي تمس خصائص الإسلام المحلي(9)، وذلك على خلفية أن كل طعن في التقليد العبادي من شأنه أن يحدث تشويشًا وتصدعًا في صفوف الجماعة، ولذلك رأى هؤلاء أنه من المصلحة المحافظة على الخصوصيات التي تطبع الممارسة العبادية مهما كانت درجتها من الصحة أو الضعف مقارنة مع العبادات الرسمية(10).

ويوظِّف السلفيون مفهوم البدعة كثيرًا في حديثهم عن وسائل الدعوة، خصوصًا عندما يريدون تمييز منهجيتهم الدعوية عن منهجية أطراف دعوية أخرى. فإذا كان الكثير من هذه الأطراف يرى أن تلك الوسائل إنما هي اجتهادية، بما يعني حرية الداعية في اختيار ما يراه مناسبًا من الوسائل التي تحقق الصلاح والهداية للمدعوين، لا يقبل السلفيون ذلك ويصرون على كون وسائل الدعوة مبنية كلها على التوقيف؛ ذلك أن حال الأمة الإسلامية لا يصلح عندهم إلا بما صلح به الأولون وأصلحوا. فالطريق إلى إصلاح الناس هو السبيل الذي درج عليه النبي صلَّى عليه وسلَّم ودرج عليه صحابته. وهذه السبل هي على سبيل التحديد: الخطب المشروعة، مثل خطبة الجمعة والعيدين، والحلقات العلمية، والإفتاء، والجهاد في سبيل الله، والنصيحة لأئمة المسلمين وعامتهم. أما غيرها من الوسائل التي تستعملها الحركات الدعوية الأخرى فهي بدعية، مثل السماع المجرد، وتلحين القصائد، والتغني بها، والتمثيل والمسرحيات، وغيرها مما اعتاد عليه الإسلاميون في أنشطتهم الدعوية. والخلاصة أنه لا يجوز بحال اتخاذ وسائل دعوية غير شرعية لا دليل عليها في السنَّة ولا سوابق لها عند الصحابة.

يدل هذا الاختلاف على وجود نوع من التدين المحدَّد بدقة لدى السلفيين، فبينما يلزم السلفيون أنفسهم بأنواع محددة من العبادات الحصرية، ويعارضون كل تدين متسامح إزاء التطويرات التي تطرأ على الصيغ العبادية الأصلية. ومن داخل الاتجاه السلفي نفسه، نجد اختلافًا في درجة الانتصار لصيغ معينة من العبادات، فإزاء القول السلفي التقليدي بأن الأصل في وسائل الدعوة هو التوقيف، يرى الاتجاه المعتدل خلاف ذلك، ويعتبر أن روح العبادة وسرها ليس هو أن يؤديها المسلم على وجه مخصوص، بل هو امتثال أوامر رسول الله والإذعان لشرع الله تعالى(11)، منتقدًا بذلك الاتجاه الأول بدعوى أن محاربة البدع وذمها أصبح في نظره أكثر أهمية من التربية على العبادات الصحيحة.. ومناديًا بضرورة التدرج في الدعوة وعدم الصدع بها، والتوجه نحو تكوين نخب من شأنها أن تمارس الدعوة على نطاق أوسع. ومن جانبهم، يتَّهم السلفيون التقليديون هذا التيار على خلفية تساهله في نبذ البدع وقبوله التعاون مع المبتدعين، فضلًا عن إغفال إصلاح عقائد العامة.

أما بخصوص التيار السلفي الجهادي، فهو يقيم سُلَّمًا تفضيليًّا بين مختلف العبادات، فيُعد الجهاد، وليس محاربة البدعة العبادية، هو روح العبادة وأن الإقبال عليه هو الذي يحدد درجة الانتماء إلى الإسلام مميِّزًا بذلك بين المسلم العادي الذي يؤدي فرائضه التعبدية، والمؤمن الذي يؤدي عبادة العبادات وهي الجهاد(12). وبذلك استطاع أقطاب السلفية الجهادية أن يزيدوا من راديكالية الأفكار السلفية التقليدية لكي تصبح سامية ومرغوبة بحماس، لكونها لا تقف عند التأدية الصحيحة للشعائر اليومية ومجابهة البدع، ولكنها تتعدى ذلك لتؤهل الفرد للقيام بأعمال أكثر إيمانية تُنفذ ببطولة.  

وعلى العموم، يبقى هذا الاختلاف بين التيارات السلفية استثنائيًّا؛ إذ ينصرف عموم الخطاب السلفي إلى التشديد في ذم البدعة وردها، يدل على ذلك استخدامه بضع نعوت في مواجهته المجدِّدين في مجال العبادة، ومنها: الابتداع والزندقة والضلال.. ففي جواب للشيخ صالح بن عبد الله الفوزان، أحد الرموز السلفية المعروفة، عن سؤال: أيهما أشد: العصاة أم المبتدعة؟ أجاب: "المبتدعة أشد، لأن البدعة أشد من المعصية، والبدعة أحب إلى الشيطان من المعصية، لأن العاصي يتوب، أما المبتدع فقليلًا ما يتوب؛ لأنه يظن أنه على حق، بخلاف العاصي، فإنه يعلم أنه عاص وأنه مرتكب لمعصية. أما المبتدع، فإنه يرى أنه مطيع، وأنه على طاعة فلذلك صارت البدعة والعياذ بالله شرًّا من المعصية، ولذلك يحذِّر السلف من مجالسة المبتدعة، لأنهم يؤثرون على من جالسهم، وخطرهم شديد"(13) إلا على وجه فيه فائدة شرعية مثل دعوتهم إلى الإسلام الصحيح، وتوضيح الحق لهم لعلهم يرجعون(14).

وبشكل استثنائي جدًّا، أجاز بعض العلماء السلفيين مسايرة المبتدعين إذا لحق الشخصَ ضررٌ من إظهارها، مثل التظاهر بالسدل في الصلاة واللباس الإفرنجي، لكنهم لا يسمحون بذلك عندما يتعلق الأمر بالطقس-الفريضة، مثل حلق اللحية أو تهذيبها مهما بلغ الضرر الناجم عن الالتزام بهذه الطقوس، وذلك تطبيقًا لقاعدة السلفية القائلة: "يجوز اتباع المبتدعة في الأمور التي ليست بواجب، ولا يجوز ذلك فيما هو واجب"(15).

3. عقيدة متصلبة

يؤمن السلفية بمبدأين يشكِّلان منبع هذا التصلب:

- رفض الشرك والإصرار على التوحيد الذي يجب أن يخضع له كل سلوك بشري، بحيث يشكِّل مبدأ التوحيد المقياس الذي تقاس به شرعية كل التصرفات والمواقف والأفعال والمقولات حتى ولو لم تكن بالضرورة دينية. فأي نوع من التفكير والفعل لا ينطلق من التوحيد هو نوع من عبادة الذات(16). وبذلك تضع السلفية المسلم أمام طريقين لا ثالث لهما فإما أن يكون سلفيًّا أو لا يكون مسلمًا بإطلاق.

- الرؤية الصارمة جدًّا والملتزمة بحرفية القرآن وفق التقليد الحنبلي، والذي يجعل كل شيء يعود إلى منطوق القرآن والسنة. فرغم أن السلفية لا تكفر التفسيرات المرنة للتراث الفقهي (المدارس الفقهية الأربعة)، إلا أنها تبدو أكثر صرامة في مواجهة التراث الفقهي المعاصر الذي لا يسير وفق الإرث الفقهي وينادي بمراعاة الظروف المستجدة أو ما يسمى "بفقه الواقع"، الذي يقول فيه ربيع المدخلي، أحد الشيوخ السلفيين السعوديين: "إن أغرب ما يقوم به المتحمسون لفقه الواقع يقدمونه إلى الناس وكأنه أشرف العلوم وأهمها وهو في الحقيقة لا يسمى علمًا ولا فقهًا، فأين المؤلِّفون فيه؟! أين علماؤه وفقهاؤه في السابق واللاحق؟! أين مدارسه؟!.. إن فقه الواقع لا يختلف عن مبدأ الصوفية في التفريق بين الشريعة والحقيقة..، ويعتمد على أخبار الصحف التي تحترف الكذب وتقوم على الجهل والهوى والمبالغات وتحريف الكتاب والسُّنَّة"(17).

وبهذا تكون السلفية محاولة نشطة لتكوين أرثوذكسية واحدة لكافة البشر، نوع من الإصرار على تأسيس مذهب فقهي متجانس مع العقيدة، وثورة على الإرث الديني الكلاسيكي واعتماد الإسلام النصوصي الذي يحيل على القرآن والسنة نمطًا لكل تفكير وسلوك(18).

يؤدي الانطلاق من هذين المبدأين إلى اتصاف السلفية بطابع عام، يجعلها نمطًا فكريًّا أحادي الطبيعة، ومجموعة من المقولات القاطعة والحاسمة المكتفية بذاتها التي لا حاجة لها إلى منبِّه خارجي يوقظ وعي الذات السلفية، بل بمجرد الرجوع إلى تعاليم السلف، والالتزام بمعيار ثابت وقيم متجانسة موحدة لا يمكن دحضها تيولوجيًّا إلا من خلال مناهج خارجة عنها وبالخصوص حجج التاريخ والاجتماع، في حين تستطيع الأيديولوجيا تفسير وإعادة تأويل كل المناهج الأخرى بما يلائم اتجاهها العقدي والفكري، وذلك عبر سلسلة من عمليات الحِجاج الدوغمائي، مما يؤدي إلى توسيع سقف العقيدة إلى حدِّ أنها تتحول ذاتها لمنظومة فقهية شاملة تبدِّع المخالِف وتناصبه العداء.

وبالنظر إلى ظروف نشأة السلفية، يتوازى هذا النمط من الفكر والممارسة مع نمط من البيئة الجغرافية الاجتماعية المتميزة، أو لنقل من "البنى التحتية" التي تشكِّل القاعدة المادية الاجتماعية لبنى هذا النوع من الفكر. فالسلفية تجد بيئتها الطبيعية في البادية والريف وفي الربوع الإسلامية الداخلية والنائية؛ حيث المؤثرات الأجنبية الوافدة ضعيفة أو معدومة، وحيث نمط الحياة الاجتماعية والإنتاجية بسيط لا يتطلب حلولًا تركيبية وزيادات. ولهذا يسود هذا النمط الفكري الأحادي الطبيعة، والقاطع الحاسم، والملتزم بمعيار ثابت وقيم متجانسة وموحدة، على عكس الفكر التوفيقي الذي ينشأ في العواصم والأمصار ومناطق العمران والمراكز التجارية ونقاط التبادل الحضاري والتفاعل الثقافي(19).

فعلى مستوى الشكل، يظهر التصلب فيما يعتقده السلفيون من كون اللغة توقيفية، بمعنى أنه: ".. يجب الالتزام بما في الكتاب والسُّنَّة والمأثور عن السلف الصالح من الألفاظ والمصطلحات، وأن يُترك كل لفظ مبتدع، أما استعمال مصطلحات غير السلف فليس إلا فتحًا للمجال أمام المبغضين والضالين"(20).

ويؤدي ذلك لدى السلفيين إلى:

- محاربة أي طريق يُدخل على اللغة العربية ما ليس فيها.

- عدم الكلام بغير اللغة العربية أو إدخال كلمات أعجمية فيها.

- عدم الحاجة إلى غير اللغة العربية في كل أمور الدين والدنيا.

من المفروض، إذن، أن يعبِّر الخطاب السلفي عن نفسه باللغة نفسها التي عبَّر بها السلف عن فهمه للقرآن والسُّنَّة؛ ذلك أن الشرع لم يقرر التعاليم من موجبات وممنوعات فحسب، بل حدَّد اللغة أيضًا، ولهذا يجب استعمالها كما استعملها الشرع وليس بمعانيها العرفية التي تتطور وتتغير بحسب البيئة الاجتماعية، وهو ما يقتضي معرفة لغة الصحابة وتعلمها وهجر ما استجد من تعبيرات حديثة.  

ويؤدي ما ينتج عن هذه النظرة إلى اللغة من تصلب مفاهيمي ومصطلحي إلى برمجة الفكر في قوالب خطابية صارمة ينتج عنها استعمال المخزون المفاهيمي الجامد نفسه الذي يجري توظيفه باستمرار، بحيث يُجابَه أي استعمال لمفردات معاصرة بتأنيب شديد باعتباره خروجًا على الدين ذاته. وهكذا، فإن التصلب العقائدي للسلفية يُحدث تغيرًا في العلاقة مع الدين؛ إذ يُحدث تصلبًا في المفاهيم والتعبيرات مما يجعل اللغة السلفية فقيرة معلوماتيًّا، لكنها فعالة في الحفاظ على وحدة المتن والحد من التأثيرات الاجتماعية على مجمل التنظيم، والتي من الممكن أن يحدثها إدخال مفاهيم وتعبيرات جديدة(21). ولا تدل لغة بهذا الشكل على حضور نظرة معينة للعالم فحسب، بل إنها تنظم الفكر بشكل يقلِّل تفاعل الذهن مع ظواهر الواقع المتغيرة. 

يرافق هذا التصلب اللغوي قدر من العنف الرمزي يتخلَّل الخطاب، فهناك عدوانية لفظية تتمظهر في كثير من التعابير القدحية تجاه الظواهر والأشخاص، لغة تُبقي التابع في حالة تعبئة نفسية دائمة للصراع(22). فمن وراء البنية الاصطلاحية للخطاب السلفي تختبئ روح ثورية رافضة لأي من أنواع التفاعل مع أحد أبرز مظاهر الوجود الإنساني وهو اللغة، فبقدر ما يبدو الخطاب السلفي اصطلاحيًّا في بعض مقاطعه، بقدر ما يبدو صارمًا بل وحتى ثوريًّا في طرق تعبيره، متأثرًا في ذلك بالتحديد الصارم للتوحيد ذلك المبدأ الاعتقادي الذي ينطلق منه على مستوى المضمون.

وعلى مستوى المضمون، يظهر التصلب وتزيد حدته من كون أن تلقين الأيديولوجيا يجري عبر التحذير من الشبهات والبدع والأخطاء العقائدية ومن القائمين بها، فيشب التابع على مهاجمة البدعيين وعلى حب الجرأة وهو يخوض في هذه الأمور منذ بداية التحاقه بالحركة، فقد اعتبر ابن تيمية الرادَّ على أهل البدع مجاهدًا، وبيانَ حال أهل البدع وتحذير الأمة منهم واجبًا(23)، وقد قيل لأحمد بن حنبل: "الرجل يصوم ويصلي ويعتكف أحب إليك أو يتكلم في أهل البدع؟ فقال: إذا قام وصلى واعتكف فإنما هو لنفسه، وإذا تكلم في أهل البدع فإنما هو من المسلمين، وهذا أفضل"(24).

ومن أهم ما ينجم عن التحذير من البدع:

- رفض ما يؤسِّس شرعيته على مجرد العادة والعرف.

- رفض الكرامة، أي الاعتقاد بقدرة بعض الأفراد الذين يتمتعون بقدرات خارقة تجعلهم قادرين على التوسط بين البشر والسماء.

- رفض التقارب مع الأديان الأخرى.

- رفض تقليد العلماء وكافة الاجتهادات سواء كانت زيادات منهجية (كالمذاهب الأربعة) أو ثقافية (الفلسفة)، أو لاهوتية (التصوف)، أو مؤسسية (مؤسسات رجال الدين). بمعنى آخر، إعمال القطيعة مع عشرة قرون من "المذهبية الجامدة"(25).

وقد ضرب الشيخ محمد بن عبد الرحمن المغراوي، زعيم جمعية الدعوة للقرآن والسُّنَّة، مثالًا للتصلب في وجه المخالفين في وصفه لسيد قطب ولجماعة الإخوان المسلمين قائلًا: "قطب هو أحد المنحرفين الذين خرَّجتهم مدرسة الإخوان ما بين داعية على تكفير المسلمين، وما بين داعية على التقريب بين الكفر والإسلام، وما بين داعية إلى التقريب بين الرفض والسُّنَّة، وكلهم أجمعوا على محاربة المنهج السلفي المبارك، وأما سيد قطب فقد جمع أعظم السيئات: وقوعًا في الأنبياء والرسل، ووقوعًا في صحابة رسول الله، ووقوعًا في الحلول... أما بالنسبة لعقيدته في الصفات، فقد وقع في التأويل"(26). ويضيف: "فانظر رحمك الله إلى هذا القلم النتن، كيف يصف صحابييْن جليليْن بالنفاق بالركون على الكذب والغش والخديعة.. بالله عليك أيها القارئ كيف تفلح دعوة تقف مثل هذه المواقف المخزية تجاه حملة الدعوة المحمدية.. زيادة على أنها غارقة في أوحال الحزبية والبدع المقيتة، وكل ما لهذا الرجل من الطامات والبلايا العقدية؟!"(27).

يؤدي التصلب العقدي بالسلفيين إلى تصلب فكري يفتقر إلى المرونة وإلى القدرة على بحث الأمور من جوانب متعددة ومنظورات ومستويات شمولية، ويحجب الرؤية النسبية في الأشياء والظواهر لصالح الاقتصار على ذم الاهتمام بالحقائق التي تتعارض مع الحكم المسبق الذي تحمله العقيدة على الشيء، ومن مبادئ السلفية في هذا الشأن أنه: "لا يجب ذكر محاسن أحد من أهل المبادئ الهدامة والمشبوهة من مضلين وبدعيين وحزبيين، لأننا إذا ذكرناها فإن هذا يغرِّر بالناس، فيحسنون الظن فيهم فيُقبلون على مبادئهم.. ويكون ثناؤه أشد من ضلاله"(28).

ولهذا الانغلاق وظيفة دفاعية في الخطاب السلفي، فعبره تحافظ الأيديولوجيا على تماسكها وتحمي نفسها من التجديدات التي تظهر على خطابات دينية أخرى.

هكذا يؤدي التصلب في الخطاب السلفي إلى خطاب سجن نفسه داخل قاموس مذهبيته الشاملة المميزة له، مقيمًا علاقات نظرية وعملية مع مشروعه الخاص غاية إيجابية وحيدة، متقبلًا للشر والسلب عاملين خارجيين مشخصين في أجزاء اجتماعية وسياسية نقيضة له، بحيث تماثل هذه الطريقة بين الشر والخصم، تدعمه وتكثفه في حضور سياسي اجتماعي، كما لو أن الأمر يتعلق بكيان، بحضور مغاير وخاص، فالشر إذن كامن في كل الجبهات الخارجية(29)، والتي يجب عدم الاختلاط بها لتفادي: "اكتساب شيء من أخلاق المدعوين والذي قد ينتج عن المخالطة أو المشابهة والمشاهدة والاطلاع الفكري على ثقافة الآخرين ونحو ذلك"(30).

إن كثرة اعتناء الرموز السلفية بالجرح والتعديل (وهو علم إسلامي لتحقيق الأحاديث من خلال تعقب الرواة وتحديد مراتب الرواة وأحوالهم)، وإقبال الأتباع السلفيين عليه، وكثرة اشتغالهم به أدى إلى تسرب منهجه إلى الاهتمامات الأخرى في الخطاب السلفي بحيث يقع تمييز المخاطبين كما يتميز الرواة عن بعضهم البعض (كذَّاب، مُدَلِّس...)، فيقع التنبيه على الدوام إلى المخالفين من المبتدعين والتحذير منهم تمامًا كما يقف علماء الجرح والتعديل على جرم طائفة من الرواة بحق الحديث حتى لا يغتر بهم أحد استنادًا إلى ما قرَّرته السُّنَّة بصريح العبارة(31).

تبدو السلفية من خلال هذا التصلب بنيةَ عنف نائمة يشترك فيها جميع التيارات السلفية، فلا يكاد التمييز بين هذه التيارات يظهر عند مقارنة بعضها بالبعض على مستوى بنية الخطاب، اللهم إلا على مستوى ما يفتح عليه هذا الخطاب من سلوكيات، وبالأخص فيما يتعلق بالشرط الموضوعي المتمثل في الموقف من السلطة السياسية تحديدًا، ويكاد هذا الشرط يشكِّل المفصل المميز بين الخطاب الواقف عند حدود العنف أو ذاك المتبني للعنف المادي؛ ذلك أن الحل الديني الذي يصرِّح به خطاب الحركات السلفية المسماة معتدلة، وإن لم يكن ثوريًّا بالمعنى المادي، إلا أنه كذلك من الناحية الرمزية، فالشعور بابتعاد المجتمع عن الدين الصحيح يؤدي إلى تفاديه للعيش على شكل طوائف منعزلة من حيث وجودها الرمزي(32).

إن التصلب هو أيضًا صفة سلوكية للتابع السلفي، بما هو نتيجة لعمليات التنميط التي تقوم بها الأيديولوجيا تجاه الأشخاص أو الجماعات الخارجية(33) بما فيها الجماعات السلفية الأخرى نفسها؛ مما يولِّد درجة من التعصب والتمييز تظهر من خلال العدوان اللفظي بين الجماعات. هكذا يؤدي التصلب دورًا اجتماعيًّا بحيث يجمع الأفراد تحت قواعد عامة واحدة مما يؤدي إلى انسجام المجموعة.

ولهذا التصلب انعكاسات مهمة؛ إذ إنه سمة تستغرق مختلف الأنشطة السلفية بشكل مباشر أو غير مباشر، ومن مظاهر ذلك أن معظم دروس الطائفة موجه نحو التحذير من البدع والطوائف المتبنية لها بشكل ينتج عنه هجوم شرس على مجموعة من صيغ الإسلام:

- الإسلام الشعبي متمثلًا فيما ترسَّب في المجتمع المغربي من عادات دينية، مثل الاحتفال بعيد المولد النبوي وزيارة المقابر والحضرات الصوفية وتقديس الأولياء، وغيرها من المظاهر التي تُعد في النظر السلفي منافية لإسلام السلف حسب المذهب السلفي.

- الإسلام الحركي متمثلًا في الحركات الإسلامية، لما قامت عليه من "انحرافات عقدية ومخالفات لمنهج الدعوة القائم على أولوية مهمة الإصلاح العقائدي والتربوي وهامشية الإصلاح السياسي مقارنة مع هذه المهمة العبادية"(34).

- الإسلام العالم "الذي يسلك منهج التوفيق في كل الأمور الدينية بما فيها العقائدية والعبادية بشكل أضاع معه رسالة الدعوة".

- الإسلام الرسمي لتعصبه لمذهب واحد دون سائر المذاهب.

وعلى عكس مقولة: البُعد عن مواطن الخلاف التي تشكِّل مبدأ ناظمًا في خطاب وعمل الكثير من الحركات الإسلامية، يقول السلفيون بوجوب التشديد على هذه المواطن وإبرازها، لأن السكوت عنها يفتح الأبواب أمام التساهل في الموقف من البدعة والمبتدعة، خصوصًا في جانب العقيدة والتربية الدينية، وترى السلفية أن موقف الحركات الإسلامية من موضوع الخلاف دليل على عدم اهتمام تلك الحركات بجانب العقيدة والدعوة والتربية الدينية(35). ويظهر التصلب أيضًا في تعامل السلفية مع نتاج المدارس العقائدية الإسلامية المخالفة لها (الأشعرية، المعتزلة، المرجئة، الباطنية...)؛ وذلك أن "بيان الحق إزاءها واجب ديني وكتمانه مشابهة لليهود والنصارى والسكوت على ما في الكتب من ضلال وباطل خيانة لله ولرسوله ولكتابه ولجميع المسلمين"(36). لكن السلفيين المغاربة يركزون على الصوفية باعتبارها نمط التدين المسيطر، بحيث يذهب النقد بعيدًا إلى حدِّ وصف الصوفية بأنها تيار هدفه: "...هدم الكيان الإسلامي وتشتيت شمله وتمزيق وحدته وتشويه صورته وثقافته وإدخال أهله في متاهة لا يمكن أن يخرجوا منها".

وبفعل هذا التصلب، تشكِّل السلفية بناء أيديولوجيًّا متماسكًا ومنسجمًا مع منطلقه الاعتقادي، لكن السائد في الجبهات المناوئة للسلفية هي الردود المنطلقة من الخلفيات الدينية. فعلى سبيل المثال، يُعد أحمد بن الصديق الغماري أبرز العلماء المغاربة الذين كلفوا أنفسهم الرد على المذهبية السلفية، وقد قام بذلك انطلاقًا من توجهه الصوفي ورغبته في الانتصار له، مما جعل ردَّه يتسم بالنبرة العدائية نفسها والغلظة في القول، فبداية وجَّه الغماري نقده لرموز المذهب، وفي مقدمتهم ابن تيمية، الذي قال عنه: ".. كان ولوعًا بالجدل شغوفًا بالانتصار لرأيه وهواه محبًّا للظهور على الخصوم بكل وسيلة وطريق سواء كان حقًّا أم باطلًا"(37).

وقال أيضًا في أحد الأئمة السلفيين (الطحاوي): إن لغته "ركيكة بليدة مفخمة معقدة... الطحاوي لولا حفظه وسعة روايته وكثرة إيراده للطرق الغريبة والأسانيد المتعددة لما استحق أن يُذكر بخير على الإطلاق لفرط تعصبه البالغ إلى حدِّ المقت والضلال والعياذ بالله"(38).

كما يصف الغماري كل رموز السلفية بـ"علماء الظاهر الذين يظنون أنهم العلماء الوارثون جهلًا منهم واغترارًا وادعاء وافتراء". وفي النهاية، ينتهي إلى استعراض مزايا الصوفية مقارنة بالسلفية؛ إذ قال: "علماء الظاهر أهل الرسوم وإن بلغوا في التقوى والصلاح والزهد والورع ما عساهم أن يبلغوا كأحمد بن حنبل فإنهم لابد أن يسمعوا من الصوفية معارف لا تخطر ببالهم"(39).

4. الاعتدال الجديد وحدوده

لقد أوقعت تفجيرات 16 مايو/أيار 2003 بمدينة الدار البيضاء العديد من رموز التيار السلفي تحت ضغط إيجاد التبريرات لمواقفهم المتشددة واختياراتهم الفكرية، ونتيجة لذلك، ظهر اتجاهان للتعاطي مع المستجدات:

- اتجاه تقليدي دفعه هذا النقاش إلى المزيد من التصلب ويقوم عليه حاملو العقيدة السلفية والساهرون على حمايتها نصًّا وروحًا، بالدفاع عن توجههم والتصدي للسهام الموجهة إليه، سواء أكان من السلفيين الإصلاحيين أم من الجهاديين.

- سلفية جديدة تحاول إعادة تفسير بعض نصوص التراث السلفي بالتركيز على جوانبه المتسامحة القليلة والمهملة. وقد لوحظ على هذا الخطاب الجديد نزعته الذرائعية القوية، وتظل هامشية بالنظر إلى رسوخ النظرة السلفية التقليدية في الأذهان.

وفي صيف 2008، تعرض التيار السلفي لامتحان جديد بعد أن أغلقت السلطات المغربية مقرات دور القرآن التابعة للتنظيمات السلفية بداعي عملها المعاكس للاختيارات الرسمية في العقيدة (الأشعرية) والمذهب (المالكي)(40). ويُعد هذا الإغلاق الإجراء الصريح والمباشر إزاء السلفية الدعوية في المغرب، وقد اتخذته السلطة إثر الضجة الإعلامية التي صاحبت زواج الصغيرة ذات تسع السنوات، التي صدرت عن المغراوي زعيم تنظيم الدعوة إلى القرآن والسُّنَّة.

لقد جعلت هذه الأحداث السلفيين يدركون أهمية أن تكون لدعوتهم أذرع سياسية وحقوقية، وقد تطلَّب منهم ذلك تغيير قناعاتهم الرافضة للعمل السياسي والتنظيمي. بدأ السلوك الجديد يظهر بالمشاركة في مسيرات حركة 20 فبراير/شباط. وبعد الترحيب الكبير بالآفاق التي فتحها الخطاب الملكي، في 9 مارس/آذار 2011، عن التعديل الدستوري وتصويتهم لصالحه، وفي سياق هذه الديناميكية، أسس السلفيون كيانات حقوقية، ومنها اللجنة المشتركة للدفاع عن المعتقلين الإسلاميين(41) أو تعاملوا مع أخرى(42) بغية رفع الضيم الذي لحق السلفيين. وفي الواقع فقد غيَّرت أحداث الدار البيضاء، 16 مايو/أيار 2003(43) من قناعات السلفيين بخصوص العمل السياسي الذي كانوا يختصرونه في مبدأ عدم الخروج على ولي الأمر؛ مما جعلهم يعيدون النظر في عملهم وتطوير آليات أخرى وأهمها الآليات السياسية والحقوقية. ففي نقد ذاتي، يلاحظ أحدهم أن: "كثيرًا من المواقع التي مورس فيها التشنج والغلظة وعدم الأناة والصبر تراجعت فيها الدعوة وهانت فيها كلمة الحق، لأن النفوس التي تحملها لم تتربَّ على هذا الخلق الرفيع، وقد لا تعرف إلا التشدد مسلكًا والتيئيس شعارًا... لذلك ترى مثل هذه النفوس الهزائم انتصارًا والانتكاسات تقدمًا، فانقلبت حقيقة الدعوة إلى سوق من البغضاء والفرقة والجدال حول أمور ما وضعت مواضعها الحقة لنظهر نصاعتها وأحقيتها"(44). ويصف داعية آخر حال الكثير من الدعاة الذين يتبرؤون من كل مخالف ناقض رأيه رأيهم أو عاكس اختياره اختيارهم، ولا يتورعون من غمزه في عقيدته وعدالته، بل يمتنعون حتى عن السلام عليه، باعتباره بهذه المخالفة صار في عداد المبتدعة(45).

وحتى لا يظهر نقدهم الذاتي صدى للانشقاق التنظيمي يحاول هؤلاء التأصيل للمرونة من باب أنها ليست تنازلًا عن مقتضيات المذهب على عكس أولئك الذين يرون في التصلب: "ممارسة لواجب البراء والهجر بشكل عفوي بعيدًا عن الإطار العلمي الواجب التزامه عند مزاولة أي عبادة"(46).

فبعد أن كان الاجتهاد عند السلفيين لا يعدو أن يكون قيامًا بعمليات متواصلة من النقد الشديد الذي يتم على أساس التقليد ومحاكاة ما يعتبرونه نماذج صحيحة، أصبح يعني التقليل من حدة النقد وعدم توظيفه خارج الضوابط العلمية والمحددات الشرعية. وفي كلتا الحالتين، فإن النقد لا يعني التنازل عن شيء في المذهب. لقد أصبحت السلفية: "لا تدَّعي الحقيقة المطلقة فيما تقول وتنشر، وإن كانت تؤمن بحقيقة ما تقول، ولا تلزم أحدًا باعتناق أفكارها، أو الانحياز لمضامينها"(47).

وجلي من هذا أن النقد لا يتجه إلى صميم المعتقد وجوهر الفكر، وإنما إلى صدوره من أطراف غير مؤهلة وإشهاره في وجه فئات لا يجوز شرعًا ولا عقلًا ممارسة التصلب إزاءها، ومثل ذلك أن التكفير، وهو أقصى درجات التصلب، لا يوجَّه إلى من خالف الحق عن تأويل أو جهل، وإنما إلى من عرف ذلك الحق وعاند(48).

إن التصلب حسب الاتجاهات السلفية المعتدلة قائم على معتقدات خاطئة سائدة عند بعض تيارات الدعوة حول ما يُعد من صميم المعتقد السلفي، لذا ترى هذه الاتجاهات أن التفقه في منطلقات هذه الدعوة ومناهجها هو الكفيل بتجاوز النظرة الجامدة، فما يجب أن يشكِّل الشغل الشاغل للتنظيمات السلفية -حسب هؤلاء- هو الحرص على تكوين المهارات الكفيلة بتقديم السلفية في حلل جديدة تناسب التصورات والذهنيات الجديدة.

والحقيقة أن الدعوات الجديدة نحو اعتماد المرونة في الحكم والتقييم الصادرة من السلفيين لا تعدو أن تكون تصويبًا لهذا التصلب وليس انتقاصًا من حدَّته، إنها إعادة توجيه له، وفيما عدا ذلك يبقى التصلب سمة مميزة لخطاب الناطقين باسم هذا التوجه الديني. فهو إذن كامن على المستوى النظري ومختلف في وروده في مجال الممارسة حسب نوع النشاط الذي يستغرق كل تنظيم سلفي، فإذا كانت درجة التصلب قليلة عند التيارات المشتغلة في مجال التعليم الديني، فإنه بارز عند تلك الناقدة للممارسة الدينية والهادفة إلى إصلاحها بما يوافق المذهب السلفي.

وبهذا يمكننا القول: إن التراث السلفي لا يحتفظ بالكثير من الأفكار التي يمكن أن تستند إليها النزعات المتسامحة الجديدة. ولذلك تقتصر عمليات النقد والمراجعة على ملامسة سطح الخطاب من دون المساس بأصول المعتقد وجوهر الفكر، والتي لا تهدف في نهاية المطاف سوى ضمان ديمومة المعتقد، وفتح منافذ أمام الانسدادات التي وصل إليها الخطاب.

وعلاوة على هذا الاعتقاد الجديد، خفَّفت السلفية من إطلاقية التصنيفات السابقة؛ إذ لم يعد السلفيون منعزلين عن المجتمع. إن هذا السلوك، وإن كان خاصية للسلفية فيما مضى، فإن المناخ الاجتماعي السائد بعد حراك 20 فبراير/شباط أصبح لا يرجِّح هذا النزوع؛ ذلك أن أشكال التحالف السياسي السائدة دفعت في اتجاه تكوين جمعيات مدنية وسياسية فاعلة ومستفيدة من قاعدتها الاجتماعية وذات قراءة مغايرة الواقع. في المحصلة، فإننا نلحظ تحولًا للسلفية من نزعة دينية راديكالية إلى حركة اجتماعية تروم إحداث تغييرات في العلاقات الاجتماعية والتوازنات السياسية بغية الحفاظ على نفسها في ظل ظروف عالمية ومحلية لم تكن في صالح السلفية بعدما اقتصرت في السابق على ترشيد التدين فكرًا وسلوكًا.

ففيما قبل، اكتفت السلفية بجعل جُلِّ نشاطها منحصرًا في حلقات التدريس ونشر وتأليف الكتب وغيرها من المناشط المليئة بالوعظ الديني، وظل اهتمامها هو هداية الأفراد والعمل على استقامتهم وليس الفعل الجماعي الذي يتوخى أهدافًا دنيوية، وهو ما جعلها تزدري السياسة وتبعدها من اهتماماتها، مثلها في ذلك مثل العديد من الحركات الدينية التي لا تهدف إلى الاستيلاء على السلطة أو التحوير الثوري للمجتمع، بل تعمل على تكوين جماعة مؤمنين حقيقيين، وتقترح صيغة للحياة تكون التضامنات الأهلية والجماعية فيها مؤسسة على التجربة الدينية الشخصية.

إن ما حدث مع السلفية الدعوية هو المثال الأكثر وضوحًا على التحول من التصلب إلى الاعتدال؛ حيث برزت مواقف جديدة تنتقد بشدة التشدد الذي عرف به الموقف السلفي الكلاسيكي إزاء المواقف والأشخاص والتنظيمات الموزاية.

فقد قام التصلب القديم، وفقًا للنظرة الجديدة، على معتقدات خاطئة سائدة عند بعض تيارات السلفية لا تمثل بالضرورة الصوت الرسمي المعبِّر عن هذا التيار وليس من صميم المعتقد السلفي. وحسب المنطق الجديد، فإن الحاجة ماسَّة إلى تقديم السلفية بمنهج جديد حريص على تكوين المهارات التي يجب أن تتوافر لتقديم الإسلام في صيغته السلفية في حلل جديدة تناسب التصورات والذهنيات الجديدة.

نُشرت هذه الدراسة في العدد الخامس عشر من مجلة لباب، للاطلاع على العدد كاملًا (اضغط هنا)

ABOUT THE AUTHOR

References

(1) عبد الحكيم أبو اللوز، الحركات السلفية في المغرب (بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية، الطبعة الثانية، 2013)، ص 40.

(2) من الميثاق التأسيسي لحركة التوحيد والإصلاح، ط 2 (الرباط، طوب بريس، 1999)، ص 11.

(3) المرجع السابق، ص 12.

(4) للتوسع، انظر:

 Olivier Roy, “Les nouveaux intellectuels islamistes, essai d’approche philosophique,” in intellectuels et militants dans L’Islam contemporain, Sous la direction de Gilles Kepel et Yann Richard (Paris: Seuil, 1990), 261-283.

(5) فريد الأنصاري، "جمالية الدين في جمالية التوحيد"، فيسبوك، 15 يونيو/حزيران 2021، (تاريخ الدخول: 24 أكتوبر/تشرين الأول 2021)، https://bit.ly/3NZTSUZ.

(6) المرجع نفسه.

(7) عبد الرحمن الزنيدي، "جيل الصحوة بين الجمود والانغلاق"، البيان، (لندن، العدد 214، سنة 20، 2005)، ص 22.

(8) يعد ذلك بمنزلة خط تحريري عام لمجلة الإلماع السلفية الناطقة بلسان جمعية الحافظ ابن عبد البر (مراكش) وقد صدر لها أربعة أعداد ما بين أعوام 2000 و2004.

(9) يجد الفقهاء التقليديون في الأصل "ما جرى عليه العمل" الموجود في المذهب المالكي سندًا شرعيًّا لهذه الطقوس. حول توظيف الفقهاء التقليديين لمفهوم البدعة، راجع:

Ali Mirad, Le réformisme musulman en Algérie, essai d’histoire religieuse et sociale (Paris: Mouton et Co, 1967), 230-231.

(10) أحمد بودهان، "التوجه الديني الملتزم وخصوصياته في المغرب"، جريدة ميثاق الرابطة، (رابطة علماء المغرب، العدد 967، 7 ديسمبر/كانون الأول 2001)، ص 27.

(11) "عيد الفطر"، خطبة الجمعة بمسجد الصديق، أكادير، 25 نوفمبر/تشرين الثاني 2019.

(12) عمر بن محمود أبو عمر (أبو قتادة)، الجهاد والاجتهاد: تأملات في المنهج، ط 1 (الأردن، دار البيارق، 1999).

(13) صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان، الأجوبة المفيدة: عن أسئلة المناهج الجديدة، (الرياض، دار السلف، 1997)، ص 8.

(14) المرجع السابق، ص 9-11.

(15) محمد ناصر الدين الألباني، مسايرة الحكام، (مراكش، تسجيلات جمعية الدعوة إلى القرآن والسنَّة)، رقم الشريط 591.

(16) خالد أبو الفضل، الحداثة البشعة والبشاعة الحديثة: مقدمات، (المجلة المغاربية للكتاب، العدد 34، صيف 2005)، ص 29.

(17) عن مجلة السنة نقلًا عن جريدة التجديد ضمن ملف، السلفية المغربية والتأثيرات المشرقية، العدد 492، أكتوبر/تشرين الأول 2002.

(18) غيرفورد غيرتز، الإسلام ملاحظًا: التطور الديني في المغرب وإندونيسيا، ترجمة أبو بكر باقادر (بيروت، دار المنتخب، 1993)، ص 25.

(19) محمد جابر الأنصاري، الفكر العربي وصراع الأضداد، ط 1 (بيروت، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 1997)، ص 35.

(20) مقتطف من مساهمة أحد تلاميذ المعهد العلمي التابع لجمعية الدعوة إلى القرآن والسُّنَّة وقد عُلِّقت على سبورة مساهمات المعهد.

(21) Jean-Pierre Deconchy, L’orthodoxie religieuse (Paris: mouton, 1980), 62.

(22) مصطفى حجازي، التخلف الاجتماعي مدخل إلى سيكولوجية الإنسان المقهور، ط 8 (الدار البيضاء، المركز الثقافي العربي، 2001)، ص 176.

(23) مجموعة فتاوى ابن تيمية، المجلد الرابع من مجموع الفتاوى، طريق الإسلام، دون تاريخ، (تاريخ الدخول: 19 يناير/كانون الثاني 2021)، https://bit.ly/3zltocw.

(24) المرجع السابق، ص 236.

(25) أوليفييه روا، عولمة الإسلام، ترجمة لارا معلوف، (بيروت، دار الساقي، 2003)، ص 39.

(26) محمد المغراوي، أهل الإفك والبهتان الرادُّون عن السنة والقرآن، ط 1 (مراكش، مكتبة دار القرآن، 2001)، ص 37.

(27) محمد المغراوي، من سبَّ الصحابة ومعاوية فأمه هاوية، (القاهرة، مكتبة التراث الإسلامي، 1998)، ص 29.

(28) الفوزان، الأجوبة المفيدة عن أسئلة المناهج الجديدة، مرجع سابق، ص 29.

(29) جاك دريدا وآخرون، الدين في عالمنا، ترجمة محمد الهلالي وحسن العمراني، ط 1 (الدار البيضاء، دار توبقال للنشر، 2004)، ص 116.

(30) عبد الله بن رشد الحوشاني، منهج ابن تيمية في الدعوة إلى الله تعالى، (الرياض، مركز الدراسات والإعلام، دار إشبيليا، 1996)، ج 1، ص 431.

(31) بناء على حديث "من كذب عليَّ متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار". رواه مسلم والبخاري، الرقم 1291.

(32) يميز غلوك بين مختلف الطوائف الدينية بناء على الحل الذي تتبناه وترى فيه بديلًا للوضع المعيش. وقد ميز في هذا النطاق بين الحركات التي تتبنى العنف المادي "الحل الثوري" وتلك التي تتبنى التغيير المتدرج "أو الحل التوفيقي". للتوسع، انظر:

Charles Y. Glock, “Origine et évolution des groupes religieux,” in Archives des sciences sociales des religions, vol. 8, no.16, (1963): 29-38.

(33) أحمد زايد، سيكولوجية العلاقات بين الجماعات (الكويت، سلسلة عالم المعرفة، أبريل/نيسان 2006)، ص 75.

(34) على العكس من ذلك، يعد الإعراض عن مشادات كلامية أو تصادم عملي مهما كانت درجة عنفه مع الجماعات الإسلامية الأخرى إحدى الخصائص الأساسية لاستراتيجية العمل الميداني التي تتبناها جماعة العدل والإحسان. ومما لا شك فيه، فالأصول الصوفية للشيخ عبد السلام ياسين هي التي تفسر هذا الخيار والجنوح النسبي نحو الهدوء والمجادلة البنَّاءة. انظر: محمد الطوزي، الملكية والإسلام السياسي، ترجمة محمد حاتمي، خالد شكراوي (الدار البيضاء، نشر الفنك، 1999)، ص 207.

(35) أحمد سلام، نظرات في منهج الإخوان المسلمين: دراسة نقدية إصلاحية، ط 2 (الرياض، مكتبة الكوثر، 1993)، ص 50.

(36) محمد المغراوي، وقفات مع الكتاب المسمى دلائل الخيرات وما صحَّ عن النبي في الصلاة عليه من دلائل الخيرات، (القاهرة، مكتبة التراث الإسلامي، 1990)، ص 3.

(37) أحمد بن الصديق الغماري، البحر العميق، ج 1، نقلًا عن مصطفى اليوسفي، تنبيه القاري إلى فضائح أحمد بن الصديق الغماري، (مراكش، 1996)، ص 53.

(38) أحمد بن الصديق الغماري، البرهان الجلي، ص 230، نقلًا عن المرجع السابق، ص 42.

(39) أحمد بن الصديق الغماري، جؤنة العطار في طرف الفوائد ونوادر الأخبار، ج 3، ص 11، نقلًا عن المرجع السابق، ص 38-39.

تُعد هذه الردود من أحمد بن الصديق جزءًا من معركة خصومة عقائدية كان أطرافها من السلفيين المغراوي ومحمد بوخبزة من جهة، والصدِّيقون الذين يمثلون الاتجاه الصوفي في طنجة من جهة أخرى فضلًا عن أحمد بن الصديق، وعبد الحي وعبد الله، وعبد العزيز بن الصديق وباقي الأفراد الذين لا يزالون نشطين في الحقل الديني من جهة أخرى. وقد اعتذر محمد بوخبزة في المقابلة التي أجريناها معه بتطوان عن مدِّنا بالرسائل التي تبادلها في هذا الشأن مع عبد الله التليدي، أحد متصوفة طنجة، بدعوى تبعثرها وقلَّة المردود العلمي الممكن استخلاصه منها.

(40) بعد سلسلة من التضييقيات المتتالية، يُعد هذا الإغلاق الإجراء الصريح والمباشر إزاء السلفية الدعوية في المغرب وقد اتخذته السلطة إثر الضجة الإعلامية التي صاحبت زواج الصغيرة ذات تسع السنوات التي صدرت عن محمد المغراوي زعيم جمعية الدعوة إلى القرآن والسُّنَّة.

(41) تأسست اللجنة المشتركة للدفاع عن المعتقلين الإسلاميين في 14 مايو/أيار 2011، وهي لجنة حقوقية مغربية تشكَّلت بالأساس للدفاع عن حق المعتقلين الإسلاميين على خلفية قانون الإرهاب لوضع حدٍّ لكل الانتهاكات والتجاوزات التي تلحقهم في الكرامة والحرية. لتفاصيل أكثر، انظر موقع اللجنة: https://bit.ly/3xlqW47.

(42) وهي إما تنظيمات إسلامية (الكرامة، النصير) وإما علمانية (بيت الحكمة، الجمعية المغربية لحقوق الإنسان).

(43) مجموع علميات إرهابية خلَّفت 44 قتيلًا، واستهدفت خمسة مواقع بالدار الدار البيضاء، ونفذها 14 انتحاريًّا.

(44) الحسين آيت سعيد، "المسلمون ومرحلة الغربة" مجلة الإلماع (العدد 221، السنة 25، فبراير/شباط 2006)، ص 17.

(45) رشيد مادون، من فقه الاختلاف على فقه الائتلاف، سلسلة إلى من يهمه الأمر، (مراكش: المطبعة والوراقة الوطنية، 1999)، ص 6.

(46) المرجع السابق، ص 5.

(47) الافتتاحية، مجلة الإلماع، (العدد 1، السنة 1، يوليو/تموز 2000)، ص 3.

(48) الفوزان، الأجوبة المفيدة، مرجع سابق، ص 138.