العلاقات الخارجية لحركة طالبان: عام من العزلة

لم تعترف أي دولة بالنظام الجديد الذي أقامته الإمارة الإسلامية في أفغانستان، وبعد عام على عودة حركة طالبان إلى السلطة، ما زالت الحركة تكافح من أجل الحصول على الاعتراف الدولي والشرعية الداخلية مع ضغط متزايد للمشكلات الاقتصادية والأمنية.
طالبان احتفلت بمرور عام على انسحاب القوات الأميركية من أفغانستان (الأناضول)

عام مضى على وصول حركة طالبان إلى السلطة، في 15 أغسطس/آب 2021، وما زالت الحركة تكافح من أجل الحصول على الاعتراف الدولي والشرعية الداخلية. تراجعت وتيرة العنف والقتال إلى حدٍّ كبير ومع ذلك لا تزال هناك مشاكل أمنية خطيرة. في هذه الورقة، نسلط الضوء على العلاقات الخارجية لحركة طالبان ومطالب دول الجوار وما تريده الولايات المتحدة من حركة طالبان مقابل الاعتراف بها حكومةً ذات شرعية.

منذ انهيار الجمهورية الإسلامية في أفغانستان والمعترف بها دوليًّا، تمر العلاقات الخارجية لأفغانستان بمرحلة انتقالية؛ إذ لم تعترف أي دولة بالنظام الجديد الذي أقامته الإمارة الإسلامية في أفغانستان، ولكن عددًا من الدول قام بفتح قنوات دبلوماسية بصورة غير رسمية في كابل.

قبل الغزو السوفيتي، اختارت أفغانستان سياسة الحياد وعدم الانحياز في علاقتها الخارجية، وبعد الغزو، في ديسمبر/كانون الأول 1979، عكست السياسة الخارجية الأفغانية سياسة الاتحاد السوفيتي السابق في تعاملها مع العالم. وبعد مرحلة الجهاد الأفغاني ضد الغزو السوفيتي الذي أُجبر على الانسحاب من أفغانستان، 1989، أغلقت معظم الدول الأوروبية والولايات المتحدة مقرات بعثاتها الدبلوماسية في العاصمة كابل نتيجة اندلاع الحروب الأهلية بين المجاهدين السابقين(1).

بعد الانسحاب السوفيتي من أفغانستان، حاول آخر رئيس شيوعي لأفغانستان، الدكتور نجيب الله، كسر عزلة أفغانستان والتقارب مع العالم الإسلامي ودول عدم الانحياز ولكنه لم يتمكن من ذلك بسبب موقف الولايات المتحدة من حكومته آنذاك، واليوم تمر حركة طالبان بنفس التجربة وتعاني من العزلة الدولية التي فرضتها واشنطن والمجتمع الدولي على أفغانستان.

بعد الغزو الأميركي لأفغانستان، في أكتوبر/تشرين الأول 2001، واتفاقية بون، بدأت الحكومة الأفغانية بزعامة الرئيس الأفغاني الأسبق، حامد كرزاي، في إعادة العلاقات الدبلوماسية مع العديد من البلدان التي أقامت علاقات دبلوماسية قبيل الاجتياح السوفيتي والحرب الأهلية في أفغانستان.  

لم تحظ أفغانستان في تاريخها المعاصر بعلاقات خارجية مثلما حظيت أثناء وجود القوات الأميركية والأجنبية في أفغانستان، ولكنها تراجعت بوصول حركة طالبان إلى السلطة، في 15 أغسطس/آب 2021، وبقيت في العاصمة، كابل، ما لا يزيد عن خمس سفارات أجنبية فقط. وكل ذلك متأثر بالموقف الأميركي وطبيعة العلاقات مع الولايات المتحدة الأميركية.

العلاقات الأفغانية-الأميركية

مرَّت هذه العلاقات بمحطات رئيسية، كان من أهمها:

  • بدأت العلاقات الأفغانية-الأميركية في عهد الأمير أمان الله خان، عام 1921(2).
  • تعيين ويليام هاريسون مبعوثًا أميركيًّا إلى أفغانستان، عام 1935، وكان يقيم في طهران.
  • فتح المفوضية الأميركية في أفغانستان، 1942.
  • تعيين العقيد جوردون ب. أندرز أول ملحق عسكري في أفغانستان، عام 1945.
  • فتح السفارة الأميركية في كابل، 1948، وتعيين لويس جوته أول سفير أميركي لدى أفغانستان(3).
  • تعيين حبيب الله كرزاي أول سفير أفغاني لدى الولايات المتحدة، عام 1953(4).
  • تحدث محمد داود خان، أول رئيس وزراء أفغاني، في الكونغرس الأميركي، عام 1958.
  • زار الرئيس الأميركي، أيزنهاور، أفغانستان، في ديسمبر/كانون الأول 1959(5).
  • زار الملك الأفغاني الراحل، محمد ظاهر شاه، الولايات المتحدة والتقى بنظيره الأميركي، جون كينيدي، عام 1963.
  • قُتل السفير الأميركي السابق، أدولف دوبس، عام 1979، وأدى ذلك إلى فتور العلاقات بين الولايات المتحدة وكابل(6).
  • إغلاق السفارة الأميركية في كابل، 1989، لأسباب أمنية.
  • أول خلاف بين واشنطن وحركة طالبان بشأن تسليم مؤسس تنظيم القاعدة، أسامة بن لادن، إثر تفجير سفارتي الولايات المتحدة، في نيروبي ودار السلام، 1998.
  • في أعقاب هجمات 11 سبتمبر/أيلول في 2001، طالب جورج دبليو بوش حركة طالبان التي كانت تحكم أفغانستان آنذاك بتسليم أسامة بن لادن. فرفضت طالبان تسليمه ما لم تُقدَّم أدلة وثيقة على علاقته بالهجمات، وقد رفضت الولايات المتحدة تقديم الأدلة. وفي 7 أكتوبر/تشرين الأول 2001، شنَّ الجيش الأميركي عملية "الحرية الدائمة" بالتعاون مع المملكة المتحدة وقامت باحتلال أفغانستان.
  • هُزمت حركة طالبان وحلفاؤها من القاعدة في الغزو على يد القوات التي قادتها الولايات المتحدة والتحالف الشمالي الذي كان يقاتل طالبان في 2001.
  • في مؤتمر بون، الذي عُقد في 2001، انتَخبت السلطات الأفغانية الجديدة المؤقتة حامد كرزاي، رئيسًا للإدارة الأفغانية المؤقتة، وجرى استئناف العلاقات مع الولايات المتحدة الأميركية.
  • توقيع اتفاقية الشراكة الإستراتيجية طويلة الأمد بين أفغانستان والولايات المتحدة، 2005.
  • أعلنت الولايات المتحدة فتح قنصلياتها في أربع مدن رئيسية (جلال أباد، قندهار، هرات ومزار شريف)، 2011(7).
  • توقيع اتفاقية أمنية بين واشنطن وكابل، 2012.
  • تصنيف أفغانستان من قبل الولايات المتحدة حليفًا رئيسيًّا خارج الناتو، 2012.
  • بدء الانسحاب القوات الأميركية من أفغانستان، 2014.
  • توقيع اتفاق الدوحة بين الولايات المتحدة وحركة طالبان في الدوحة، 2020.
  • بدء انسحاب منظم للقوات الأميركية من أفغانستان، 2021.
  • تسليم قاعدة باغرام الأميركية إلى القوات الأفغانية، 2021(8).
  • تجميد أرصدة البنك الوطني الأفغاني، 2022.
  • اغتيال زعيم تنظيم القاعدة، أيمن الظواهري، وسط العاصمة، كابل، 2022.

الولايات المتحدة وحركة طالبان

يختلف المراقبون في تحديد تاريخ بداية العلاقات بين الولايات المتحدة وحركة طالبان، ولكن يرجح أنها تعود إلى منتصف تسعينات القرن الماضي، وعندما ظهرت طالبان أثناء الحرب الأهلية قوةً فاعلةً في أفغانستان، دعمتها الولايات المتحدة الأميركية باعتبارها معادية لإيران، وحاولت واشنطن كسب دعمها لمشروع نقل الغاز من آسيا الوسطى عبر الأراضي الأفغانية إلى باكستان والهند، وتواصلت آنذاك شركة "يونو كال" الأميركية مع طالبان للحصول على عقد تنفيذه.

قررت الولايات المتحدة الابتعاد عن حركة طالبان، عام 1997، عندما انسحبت شركة الغاز الأميركية من المنافسة على مشروع نقل الغاز من آسيا الوسطى(9).

وتمكنت حركة طالبان في حكومتها الأولى من الحصول على مقعد أفغانستان في الأمم المتحدة وعينت عبد الحكيم مجاهد، مندوبًا لأفغانستان في الأمم المتحدة، إضافة إلى اعتراف باكستان والامارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية بحكومة حركة طالبان.

بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001، ورفض مؤسس حركة طالبان، الملا محمد عمر، تسليم زعيم القاعدة، أسامة بن لادن، إلى الولايات المتحدة، سحبت السعودية والإمارات اعترافهما بحكومة حركة طالبان، وبقيت باكستان الدولة الوحيدة التي تعترف بحكومة طالبان(10).

واليوم، يرى مسؤولون في حركة طالبان أن العقبة الأساسية أمام اعتراف العالم بحكومة حركة طالبان هي الولايات المتحدة الأميركية وأنها إن اعترفت ستبادر بقية الدول والعالم إلى الاعتراف بهذه الحكومة، وقد قال رئيس الوزراء الأفغاني بالوكالة، الملا محمد حسن أخوند: إن "العالم يتعامل وفق الرؤية الأميركية وعلى الدول الإسلامية أن تبادر إلى الاعتراف بنا"(11).

يرى بعض خبراء الشأن الأفغاني أن تشكيل حكومة موسعة وحقوق المرأة وإغلاق مدارس البنات وعلاقة حركة طالبان بتنظيم القاعدة وجماعات إرهابية تقف عقبات أساسية أمام اعتراف الولايات المتحدة والعالم بحكومة حركة طالبان ولكن مصدرًا في الخارجية الأفغانية يقول: إن الأمر لا يقتصر على هذه المطالب وإنما هناك مطالب رئيسية أخرى تطالب بها الولايات المتحدة، فهي تطالب بتنفيذ ملحقات اتفاق الدوحة التي وافقت عليها حركة طالبان أثناء المفاوضات بينها وبين واشنطن. ويضيف المصدر: "تطالب الولايات المتحدة حركة طالبان بقطع العلاقات مع الصين، وإعطاء دور للولايات المتحدة في المشاريع الاقتصادية وخاصة المناجم وقطع العلاقات مع تنظيم القاعدة وجماعات إرهابية أخرى، ولكن الحركة تبرر علاقتها بالصين بحكم الجوار وأنها لا يمكن قطعها"(12).

وقَّعت الولايات المتحدة وطالبان اتفاق الدوحة، الذي فتح الطريق إلى انسحاب القوات الأميركية من أفغانستان، في 30 أغسطس/آب 2021. ويعتقد عدد من المسؤولين في حكومة الرئيس الأفغاني السابق، محمد أشرف غني، بأن مفاوضات الدوحة كانت محادثات الانسحاب وليس السلام، لذا تراجعت أفغانستان عقدين كاملين على الصعيد الدولي ورغم مرور سنة كاملة لم تتمكن طالبان من الحصول على الاعتراف بحكومتها.

لم تتمكن حركة طالبان على مدى العام الماضي من تحقيق إنجازات كبيرة تفتح الطريق إلى تعامل المجتمع الدولي مع حكومتها، ولم تلبِّ توقعات المجتمع الدولي مما أدى إلى زيادة عزلة طالبان. وتعرضت الحركة خلال السنة الماضية إلى ضغوط من المجتمع الدولي والشعب الأفغاني، تسببت هذه العزلة بمشاكل مالية وإنسانية.

وسنتوقف عند ستة ملفات حاولت طالبان التقدم فيها ولكنها أخفقت في تحقيقها منذ وصولها إلى السلطة، في 15 أغسطس/آب 2021.

أولًا: الاعتراف بالحكومة الأفغانية

بعد وصول طالبان إلى السلطة، اختارت الولايات المتحدة موقف المشاركة البراغماتية في أفغانستان. لم تتخذ الولايات المتحدة بعد قرارًا بشأن الاعتراف بحركة طالبان أو أي كيان آخر حكومةً لأفغانستان أو جزءًا من هذه الحكومة.

عندما نحلِّل تعامل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والقوى الإقليمية مع الحكومة التي شكلتها حركة طالبان ندرك أن هناك ازدواجية في التعامل مع حركة طالبان وأن هناك ثلاثة مواقف دولية بشأن الاعتراف بحكومة طالبان، يقول الباحث في العلاقات الدولية طارق فرهادي بشأنها: "الولايات المتحدة تريد التعامل مع حركة طالبان ولكن بشروطها، والاتحاد الأوروبي لا يرغب في الاعتراف بطالبان حكومة شرعية ويرى أن طالبان لا تحترم حقوق الإنسان، أما الصين وروسيا فتريدان التعامل مع الحكومة الأفغانية الجديدة ولكن دون أن تعترف بها بسبب مخاوفها الأمنية، وهناك احتمال كبير لأن تلجأ روسيا إلى قصف بعض المناطق في شمال أفغانستان بحجة مكافحة تنظيم الدولة، والصين قلقة من استضافة طالبان لمقاتلي الإيغور. ومن جهة أخرى وجود زعيم تنظيم القاعدة، أيمن الظواهري، في كابل أثَّر على موقف عدد من الدول في التعامل مع حركة طالبان"(13).

عانت حركة طالبان خلال حكمها الأول لأفغانستان من الانعزال والتهميش، واليوم تحاول فتح قنوات دبلوماسية مع العالم دون شروط مسبقة، ولكن العالم يفرض شروطه مقابل الاعتراف بحكومتها.

ثانيًا: محاولة الحصول على مقعد في الأمم المتحدة

عيَّن زعيم حركة طالبان، الشيخ هبة الله أخوندزادة، المتحدث باسم المكتب السياسي وعضو لجنة التفاوض، سهيل شاهين كممثل لأفغانستان لدى المنظمة الدولية، على أمل الحصول على مقعد أفغانستان في الأمم المتحدة، كان سهيل مرشح الحركة لهذا المنصب في تسعينات القرن الماضي ولكنه لم يستطع الفوز بهذا المقعد، ثم تم تعيين عبد الحكيم مجاهد.

وبلغت جهود طالبان ذروتها عندما استقال المندوب الدائم لأفغانستان، غلام محمد إسحاق زاي، من منصبه، حاولت طالبان تقديم مرشحها سهيل شاهين والحصول على المقعد من خلال الضغط على المجتمع الدولي والدعاية المكثفة من قبل جماعات الضغط التابعة للحركة، لكن كل هذه المحاولات باءت بالفشل.

ثالثًا: أموال البنك المركزي المجمدة

قبيل سقوط العاصمة الأفغانية، كابل، بيومين، اتصل وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، بالرئيس الأفغاني السابق، محمد أشرف غني، وأخبره بتجميد الأصول الأفغانية الموجودة في البنوك الأميركية وأنه لا يستطيع التصرف فيها بحجة حرمان حركة طالبان التي وصل مقاتلوها إلى أبواب العاصمة، كابل(14).

حاولت حركة طالبان ومكتبها السياسي في قطر والدول المتحالفة معها الإفراج عن هذه الأموال، لكنها لم تنجح، والتقى وزير الخارجية الأفغاني بالوكالة، أمير خان متقي، بالمبعوث الأميركي عدة مرات في الدوحة للحديث عن هذه الأموال ولكن جهوده فشلت بسبب موقف الولايات المتحدة بشأن علاقة حركة طالبان بالقاعدة وحركات مسلحة أخرى.

ومن غير المرجح أن تكون طالبان قادرة على إقناع الولايات المتحدة برفع العقوبات عن الأصول الأفغانية لأن الهدف من تجميد الأصول والمساعدات هو إبقاء الأموال بعيدًا عن أيدي طالبان حتى يتم معرفة المزيد عن الطريقة التي ستحكم بها الجماعة وكيف ستتعامل مع المواطنين الأفغان والعالم(15).

رابعًا: تسلُّم السفارات

تمكنت الحكومة الأفغانية خلال العام الماضي من استلام نحو عشر سفارات لأفغانستان في إيران وباكستان وروسيا وأوزبكستان وتركمانستان والصين وقطر. وتسليم السفارات لا يعني أن هذه الدول قد اعترفت بالحكومة الأفغانية الجديدة رغم أن عددًا من هذه الدول يعتبر من أهم الداعمين الإقليمين لحركة طالبان. ويعترف عدد من مسؤولي الحكومة الأفغانية بأنها أخفقت في تسلم أي سفارة في دول أوروبية، والأمم المتحدة ومنظمة التعاون الإسلامي(16).

خامسًا: التوتر مع دول الجوار

على عكس الحكومات الأفغانية السابقة التي اختارت سياسة الصمت تجاه تصرفات الجيران في الحدود المشتركة مع أفغانستان؛ حيث توغلت القوات الباكستانية على طول خط ديوراند الفاصل بين أفغانستان وباكستان أكثر من عشرين كيلومترًا في الأراضي الأفغانية، وكذلك أقامت إيران نقاط تفتيش في ولاية نيمروز غربي أفغانستان. كان الجميع يتوقع أن وصول طالبان إلى السلطة سيساعد في تهدئة الأجواء مع دول الجوار ولكن القوات الأفغانية الجديدة انخرطت في الاشتباكات مع القوات الباكستانية والإيرانية والأوزبكية والتركمانية في الحدود المشتركة.

منذ وصول حركة طالبان إلى السلطة اشتبكت قواتها خمس عشر مرة مع دول الجوار، ثلاث مرات مع إيران وأربع مرات مع باكستان، لأن هاتين الدولتين تتشاركان مع أفغانستان حدودًا طويلة(17).

سادسًا: القائمة السوداء

قرر مجلس الأمن الدولي، عام 1999، وضع عقوبات وحظر السفر على 41 مسؤولًا في حركة طالبان. وحاليًّا يخضع 135 قياديًّا في حركة طالبان لعقوبات تشمل تجميد الأصول وحظر السفر بموجب قرار لمجلس الأمن الدولي صدر في 2011، ولكن 13 منهم مُنحوا استثناءات من هذا الحظر ليتمكنوا من لقاء مسؤولين أجانب بحجة المشاركة في المفاوضات. وقد انتهت بنهاية الشهر الماضي (31 أغسطس/آب 2022) فترة الإعفاءات التي مُنحت لهم(18).

وتقول مصادر في حركة طالبان: إن الصين وروسيا أيدتا خلال المناقشات تمديد الاستثناءات بينما تريد واشنطن تقليص قائمة المسؤولين والوجهات المسموح بها لست قيادات فقط حتى يتمكنوا من السفر لأسباب دبلوماسية.

وتشمل قائمة حظر السفر نائبي رئيس الوزراء الأفغاني، الملا عبد الغني برادر، وعبد السلام حنفي، ووزير الخارجية الأفغاني، أمير خان متقي، ورئيس المخابرات الأفغانية، عبد الحق وثيق،، ووزير التعليم العالي، عبد الباقي حقاني وغيرهم.

زار وزير الخارجية الأفغاني، متقي، منذ توليه الوزارة، دول المنطقة، مثل: تركيا، وقطر، وإيران، وأوزبكستان، وباكستان، والآن لا يمكنه القيام بأية زيارة خارجية بسبب عدم تمديد فترة الإعفاء والسماح بالسفر.

تدرك حركة طالبان أن عدم شطب أسماء قيادات من القائمة السوداء سيؤدي إلى عزلة أفغانستان أكثر، وهذا الأمر سيؤثر سلبًا على موضوع الاعتراف بحكومتها وستبقى الأموال الأفغانية مجمدة في البنوك الأميركية وسيؤدي إلى انهيار الوضع الاقتصادي والسياسي في أفغانستان(19).

طالبان ومخاوف دول الجوار وآسيا الوسطى

بعد مرور عام على وصول طالبان إلى السلطة، ينخرط جيران أفغانستان بشكل عملي مع طالبان لكنهم ما زالوا قلقين من ضبابية المشهد الأمني والسياسي في أفغانستان.

القوى الإقليمية، ولاسيما إيران وروسيا والصين، التي وإن كانت سعيدة برحيل القوات الأميركية إلا أنها متوجسة من الفراغ جرَّاء الانسحاب الأميركي من أفغانستان.

لذا تطالب بالاستقرار وضبط الوضع في أفغانستان حتى على حساب حقوق الإنسان والديمقراطية وتشكيل حكومة موسعة تمثل كافة أطياف الشعب الأفغاني. وزاد اغتيال زعيم تنظيم القاعدة، أيمن الظواهري، في العاصمة، كابل، وعودة العنف إلى المشهد الأفغاني من قلق دول الجوار من أن تصبح أفغانستان ملاذًا آمنًا للجماعات المسلحة والإرهابية(20).

رغم تأكيد الحكومة الأفغانية الجديدة على أن الأراضي الأفغانية لن تستخدم ضد الآخرين وأنها ملتزمة باتفاق الدوحة إلا أن حركة طالبان لم تتمكن من تبديد مخاوف دول الجوار ودول آسيا الوسطى بشأن الوضع الأمني، ولكل دولة مخاوفها التي تختلف عن الأخرى:

الولايات المتحدة والغرب

منذ انسحاب القوات الأميركية من أفغانستان لم تنقطع العلاقة بينها وبين طالبان؛ إذ اجتمع المبعوث الأميركي إلى أفغانستان، تام ويست، أكثر من مرة بالمسؤولين الأفغان، إضافة إلى لقاء وزير الدفاع الأفغاني، المولوي محمد يعقوب مجاهد، برئيس وكالة المخابرات الأميركية في الدوحة.

بعد اغتيال أيمن الظواهري وعودة طائرات دون طيار الأميركية إلى سماء أفغانستان، تراجعت العلاقة بين الطرفين، وتبدو الولايات المتحدة قلقة من عودة عناصر في القاعدة إلى أفغانستان، أما الاتحاد الأوروبي فيطالب حركة طالبان باحترام حقوق الإنسان والمرأة الأفغانية وتشكيل حكومة موسعة، والقلق الرئيسي الذي يساور الاتحاد الأوروبي هو موجة اللاجئين إلا أن طالبان تستخدم هذه الملفات ورقة ضغط حتى تحصل على الاعتراف بحكومتها(21).

باكستان

منذ وصول طالبان إلى السلطة، عام 2021، توترت علاقتها بباكستان مما أثار دهشة المراقبين ودول المنطقة على السواء؛ فلا يخفى على أحد دعم الجيش والمخابرات الباكستانية لحركة طالبان في قتالها ضد القوات الأميركية والحكومة الأفغانية السابقة.

طالبان، الحكومة، ولَّت ظهرها لباكستان ولم تقدم الكثير مما كانت باكستان تتوقعه، وانتهجت سياسة خارجية يمكن وصفها بأنها وطنية، والانفتاح على الهند يدل على ذلك؛ حيث تؤكد طالبان على السيادة الوطنية والتركيز على احتياجاتها أولًا.

ومن أهم القضايا المثيرة للخلاف بين الطرفين نصب السياج على الحدود بين البلدين على طول خط ديوراند المتنازع عليه منذ أربعينات القرن الماضي، وصعَّد من الخلاف سماح باكستان للطائرات الأميركية بدون طيار باستخدام المجال الجوي الباكستاني لقتل زعيم القاعدة، أيمن الظواهري، وسط العاصمة كابل.

بعد انسحاب القوات الأميركية من أفغانستان، في 31 أغسطس/آب 2021، عادت الطائرات دون طيار إلى الأجواء الأفغانية وكانت تحلق على الشريط الحدودي بين أفغانستان وباكستان على مدار الساعة. لم تكن الحكومة الأفغانية الجديدة تعلق على وجود الطائرات في مجالها الجوي، وبعد حادث اغتيال الظواهري تحدث عن وجود الطائرات الأميركية كل من وزيري الدفاع والخارجية وطالبا باكستان بعدم السماح لهذه الطائرات باستخدام مجالها الجوي(22).

وتختلف علاقة حركة طالبان في حكومتها الثانية مع باكستان عن السابقة. كانت باكستان تسيطر في الحكومة الأولى على الحركة واستطاعت تهميش العناصر التي تعارض دورها في الملف الأفغاني قبيل أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول، أما هذه المرة فقد خرجت الحركة من يد باكستان وتراجع نفوذها إلى حدود التأثير على عدة أشخاص فقط وهناك أجنحة تعارض الدور الباكستاني في أفغانستان، وتمكنت الحركة خلال العقدين الماضيين من فتح قنوات اتصال مستقلة مع أطراف فاعلة في الملف الأفغاني وخاصة الولايات المتحدة والصين وروسيا.

إيران

ترجع علاقة إيران وحركة طالبان إلى عام 2012؛ حيث سمحت طهران بفتح مكتب لها في مدينة زاهدان ولجأ عدد كبير من قيادات طالبان الذين ينتمون إلى قبيلة إسحاق زاي إلى المدن الإيرانية أثناء احتلال القوات الأميركية لأفغانستان.

اتسمت العلاقة بين إيران وحركة طالبان بالعداوة خلال الفترة الأولى لحكم طالبان على أفغانستان، إلا أن علاقة الطرفين أصبحت أكثر تصالحية بعد عام 2010 إذ تمكن قائد فليق القدس السابق، قاسم سليماني، من إنشاء علاقات مع الحركة لتوحيد الجهود ضد القوات الأميركية المنتشرة في أفغانستان(23).

إيران من الدول التي قبلت حكم طالبان لأفغانستان أمرًا واقعًا وسلَّمت السفارة الأفغانية إلى ممثل الحكومة الأفغانية، وقد قام المبعوث الإيراني إلى أفغانستان، حسن كاظمي قمي، ومسؤولون آخرون بزيارة أفغانستان. تشعر إيران بالقلق من موضوع اللاجئين الأفغان والهجرة غير الشرعية، وعودة تنظيم الدولة إلى المشهد في أفغانستان.

روسيا وآسيا الوسطى

كانت روسيا من الدول التي لم تعترف بحكومة طالبان بعد سيطرتها على كابل، 1996، وساندت معارضي طالبان، وكان إرغام طائرة تابعة لشركة طيران الروسية على الهبوط في ولاية قندهار، في 3 أغسطس/آب 1995، التي كانت تنقل 30 طنًّا من الذخيرة من ألبانيا إلى المعارضة الأفغانية بقيادة القائد الأفغاني الراحل، أحمد شاه مسعود، أول اتصال مباشر بين طالبان وروسيا(24).

أقامت روسيا، عام 2007، علاقات مباشرة مع حركة طالبان، وقد مرَّ أكثر من عقد على العلاقة الودية بين روسيا وطالبان، وتكمن خلاصة القلق الروسي ودول آسيا الوسطى في الأمور الأمنية والخوف من عودة العنف إلى المناطق التي تجاور الحدود الطاجيكية الأفغانية شمالي أفغانستان.

قدمت طالبان تعهدات لروسيا ودول آسيا الوسطى بمنع تصدير الإرهاب، وإذا تمكنت طالبان من التغلب على عشرات الجماعات الإرهابية الصغيرة مثل طالبان طاجيكستان، وحركة أوزبكستان الإسلامية، فيمكن طمأنة روسيا ودول آسيا الوسطى، وهناك عامل مشترك آخر يساعد في التقارب الروسي مع طالبان وهو مواجهة "تنظيم الدولة"(25).

الصين

بعد الانسحاب الأميركي من أفغانستان، توقع الكثيرون أن تبادر بكين بسرعة لملء فراغ السلطة، وتعترف بالنظام الجديد في البلاد، وتوقعت حركة طالبان مثل غيرها من المراقبين أن تشرع الصين في الاستثمار في المناجم وخاصة منجمي النحاس والليثيوم، ولكن وعلى الرغم من العلاقة التاريخية بين الطرفين، تجنبت الصين الاعتراف بالحكومة التي شكَّلتها حركة طالبان بعد سيطرتها على الحكم في كابل، وقدمت أربعة شروط للتعامل مع حركة طالبان: اتخاذ موقف صارم ضد مقاتلي الإيغور، وتشكيل حكومة موسعة، والابتعاد عن الولايات المتحدة، وتعديل السياسات الداخلية(26).

خاتمة

ما زالت جهود حكومة طالبان للحصول على الاعتراف الدولي تراوح مكانها فيما تستمر المشكلات الاقتصادية والأمنية وتعقِّد من علاقاتها الدولية. لا تملك دول الجوار والقوى الإقليمية خيارات كثيرة بشأن التعامل مع الحكومة الأفغانية الجديدة، وقد قبلت حكم طالبان لأفغانستان بحكم الأمر الواقع، ولا ترى على الأرض بديلًا للحركة لذلك اختارت استراتيجية المشاركة. لقد عرضت أوزبكستان وتركيا ودولة قطر مساعيها بطرق مختلفة للتوسط مع المجتمع الدولي، ومع الفصائل السياسية الأفغانية التي استبعدتها طالبان من المشهد السياسي؛ وهي جهود لا تزال مستمرة دون تحقيق الهدف المنشود. ومع تصاعد التهديد الأمني تشعر دول المنطقة بالقلق من أن حركة طالبان لن تكون قادرة على احتواء التهديدات العابرة للحدود ومنع الهجرة والاتجار بالمخدرات، وإن تمكنت من ذلك وطمأنت جيرانها، فستحظى على الأقل باعتراف دول المنطقة. 

ABOUT THE AUTHOR

References
  1. عبد الغفار فراهي، أفغانستان د دیموکراسۍ په لسیزه کې (بیشاور: دانش خپرندویه ټولنه 2000) ص 118.
  2. السنوات الأولى للعلاقات بين أفغانستان والولايات المتحدة، الأرشيف الوطني، 16 أبريل/نيسان 2011، (تاريخ الدخول: 11 سبتمبر/أيلول 2022)، https://bit.ly/3L5YxV4
  3. السيرة الذاتية للسفير لويس جوته، موقع السفارة الأميركية في أفغانستان، 15 أكتوبر/تشرين الأول 2011، (تاريخ الدخول: 11 سبتمبر/أيلول 2022)، https://bit.ly/3Sc15n5
  4. حكام أفغانستان، العادات القبلية، جير وان دك، 21 ديسمبر/كانون الأول 1981، (تاريخ الدخول: 11 سبتمبر/أيلول 2022)، https://nyti.ms/3RQLWHq
  5. الرئيس أيزنهاور يتفقد قوات حرس الشرف لدى وصوله قاعدة باغرام، 17 أبريل/نيسان 2011، (تاريخ الدخول: 12 سبتمبر/أيلول 2022)، https://bit.ly/3RR1oDq
  6. KGB په افغانستان کې، ترجمة، رحمت اريا، ص 34. (كابل، دانش خپرندونه ټولنه) 134.
  7. وكالة أنباء بجواك الأفغانية، واشنطن ستفتح قنصليات جديدة في أفغانستان، 15 أبريل/نيسان 2016، (تاريخ الدخول: 12 سبتمبر/أيلول 2022)، https://bit.ly/3qsEJl5
  8. قائد القوات الأميركية في أفغانستان يعلن بدء الانسحاب وتسليم القواعد، قناة روسيا اليوم، 25 أبريل/نيسان 2021، (تاريخ الدخول: 12 سبتمبر/أيلول 2022)، https://bit.ly/3eHgQ6U
  9. معالم تطور العلاقات بين أميركا وطالبان، الدكتور علي الدين هلال، 16 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، (تاريخ الدخول: 13 سبتمبر/أيلول 2022)، https://bit.ly/3LdZgn9
  10. حركة طالبان.. محطات مهمة طيلة 27 عامًا، الجزيرة نت، 16 أغسطس/آب 2021، (تاريخ الدخول: 13 سبتمبر/أيلول 2022)، https://bit.ly/3xl25gr
  11. كلمة رئيس الوزراء الأفغاني بالوكالة ألقاها أمام مجموعة من علماء الدين في كابل، 12 أبريل/نيسان 2022.
  12. مقابلة الباحث مع مصدر في الخارجية الأفغانية، 13 سبتمبر/أيلول 2022.
  13. مقابلة الباحث مع الباحث في العلاقات الدولية، طارق فرهادي، 13 سبتمبر/أيلول 2022.
  14. مقابلة الباحث مع مصدر في القصر الرئاسي، 13 أغسطس/آب 2022.
  15. "حافة الانهيار" كيف تؤثر الأصول المجمدة على الشعب الأفغاني؟، 12 أكتوبر/تشرين الأول 2021، (تاريخ الدخول: 14 سبتمبر/أيلول 2022)، https://to.pbs.org/3BCXYie
  16. مقابلة الباحث مع وكيل الخارجية الأفغاني، شير محمد عباس ستانكزاي، 14 أغسطس/آب 2022.
  17. مقابلة مع وكيل وزارة الحدود والقبائل، يعقوب أحمدزاي، 13 سبتمبر/أيلول 2022.
  18. استثناءات حظر السفر على مسؤولين في طالبان قد تمدَّد بعد انتهائها، يورو نيوز، 20 أغسطس/آب 2022، (تاريخ الدخول: 14 سبتمبر/أيلول 2022)، https://bit.ly/3Sk4EYr
  19. مقابلة مع عضو لجنة المصالحة السابقة، عطاء الله لودين، 14 سبتمبر/أيلول 2022.
  20. قلق دول الجوار، صحيفة 8 صبح، 28 أغسطس/آب 2022، (تاريخ الدخول: 14 سبتمبر/أيلول 2022)، https://bit.ly/3qJEXVg
  21. مقابلة الباحث مع مصدر حكومي، 14 سبتمبر/أيلول 2022.
  22. كلمة وزير الخارجية الأفغاني، أمير خان متقي، في مركز الإعلام الحكومي، 3 سبتمبر/أيلول 2022.
  23. مقابلة مع مسؤول حكومي في ولاية هرات غربي أفغانستان، 17 سبتمبر/أيلول 2022.
  24. من الحرب إلى الغزل.. كيف تطورت علاقة موسكو بطالبان؟ ولماذا لم تعترف روسيا بالحركة؟، الجزيرة نت، 15 أغسطس/آب 2022، (تاريخ الدخول: 18 سبتمبر/أيلول 2022)، https://bit.ly/3xtKFhK
  25. همسایگان افغانستان ومعضل رابطه با طالبان، 3 ديسمبر/كانون الأول 2021، (تاريخ الدخول: 17 سبتمبر/أيلول 2022)، https://bit.ly/3Lp2Iv9
  26. چین وطالبان از همدیگر مایوس وناامید اند، قناة أشنا، 28 يوليو/تموز 2022، (تاريخ الدخول: 18 سبتمبر/أيلول 2022)، https://bit.ly/3DwKGW7