آفاق المفاوضات السعودية-الحوثية وفرص نجاحها

الوفدان السعودي والعماني يلتقيان في صنعاء رئيس المجلس السياسي الأعلى لجماعة أنصار الله. (رويترز)

بعد اتفاق عودة العلاقات بين السعودية وإيران، الموقَّع في العاصمة الصينية، بيجين، في مارس/آذار 2023  وما أعقبه من توقيع وزيري الخارجية، السعودي فيصل بن فرحان، والإيراني حسين أمير عبد اللهيان، في السادس من أبريل/نيسان بيانًا مشتركًا بشأن تنفيذ الاتفاق، أخذت المفاوضات السعودية-الحوثية زخمًا جديدًا، كان من تجلياته زيارة وفدين من السعودية وسلطنة عُمان العاصمة اليمنية، صنعاء، في التاسع من ذات الشهر والتقاؤهما رئيس المجلس السياسي الأعلى للحوثيين، مهدي المشَّاط. بالتزامن مع ذلك، أفرجت الرياض عن 13 سجينًا حوثيًّا، في إطار صفقة أكبر تم التفاوض بشأنها لتبادل الأسرى، ومن المتوقع تنفيذها قريبًا. في هذا السياق، يثار العديد من التساؤلات حول طبيعة هذه المفاوضات وسقف التوقعات بشأن إمكانية توصلها إلى وقف الحرب الدائرة في اليمن منذ 8 سنوات، وما إن كان التوصل إلى إنهاء الحرب يعني بالضرورة إحلال السلام في هذا البلد، أم أن ثمة تحديات أخرى سيكون على الأطراف المتصارعة التوصل إلى تفاهمات واتفاقيات بشأنها قبل القول إن اليمن قد دخل بالفعل مرحلة السلام.

طبيعة المفاوضات السعودية-الحوثية

تهدف الجهود السعودية والعمانية إلى التوصل مع الحوثيين إلى جملة من التفاهمات تفضي إلى وقف إطلاق النار على الجبهات، وفتح الطرق الرئيسية المؤدية إلى المحافظات، خاصة محافظتا تعز ومأرب، وتجديد الهدنة المنتهية في أكتوبر/تشرين الأول 2022 وتحويلها إلى هدنة دائمة. يضاف إلى ذلك تنفيذ اتفاق تبادل الأسرى (887 معتقلًا وأسيرًا) الموقَّع في العام الماضي، والانخراط بعد ذلك في مسار تفاوضي (يمني-يمني) يؤدي في نهاية المطاف إلى إنهاء حالة الصراع المستمرة منذ العام 2014.

لتحقيق تلك المطالب، تقدم السعودية للحوثيين مجموعة من الحوافز، من بينها وقف الهجمات الجوية لقوات التحالف التي تقودها، وإنهاء حصار ميناء الحديدة، وفتح مطار صنعاء الدولي أمام الملاحة الجوية، بالإضافة إلى دفع رواتب الموظفين في المناطق الخاضعة لنفوذهم.

فرص وتحديات

ينظر المتفائلون إلى الجولة الراهنة من المفاوضات السعودية-الحوثية بعين مختلفة عن تلك التي كانوا ينظرون بها إلى جولات أخرى مماثلة استمرت طيلة العامين الماضيين، ويتوقعون حدوث اختراق جدي هذه المرَّة. فهذه الجولة تأتي في سياق تقارب بين السعودية وإيران واتفاقهما على مسار يخفف من حالة الاحتقان التي وسمت العلاقة بينهما طيلة السنوات الماضية، والتي وصلت في بعض مراحلها إلى درجة عالية من التوتر. ولعل سقف هذا الاتفاق الوصول بالعلاقة بين الدولتين إلى ما كانت عليه إبان عهد الرئيس الإصلاحي، محمد خاتمي، والتي شهدت ذروتها بتوقيع اتفاقية التعاون الأمني، في 17 أبريل/نيسان 2001. فتغيرات السياق الإقليمي تدعو لتوقع انفراجة قريبة في الأزمة اليمنية نتيجة للمفاوضات السعودية-الحوثية الجارية حاليًّا.

في المقابل، ثمة تحديات تجعلنا حذرين من الإفراط في التفاؤل بشأن حصيلة تلك المفاوضات وانعكاساتها السياسية والأمنية على الأزمة اليمنية. فالعلاقات السعودية-الإيرانية لا تزال في الخطوة الأولى على طريق الألف ميل، ومن المحتمل أن تنتكس لأي سبب وفي أية لحظة، خاصة أن هذا التقارب لا تنظر إليه إسرائيل بعين الرضا لأنه يعرقل مساعيها نحو تكوين تكتل عربي مساند لها في أي عمل عسكري يمكن أن تقوم به ضد إيران.

ثمة كذلك تحديات داخلية لا يُستهان بها، ومن غير المتوقع الانتقال من مرحلة وقف إطلاق النار إلى مرحلة إحلال السلام دون معالجة آثار المرحلة الأولى. على رأس تلك التحديات إشراك بقية الفاعلين في الساحة اليمنية في عملية سلام يكون الحوثيون جزءًا منها، إلى جانب الحكومة المعترف بها والمجلس الانتقالي الجنوبي.

فعلى الرغم من إعلان الحكومة "الشرعية" الترحيب بالمفاوضات السعودية-الحوثية فإنَّ هذا الترحيب جاء حذرًا مشوبًا بالقلق والتوجس. يُستشف ذلك من الترشيحات المنبثقة عن اجتماع مجلس القيادة الرئاسي اليمني الذي يترأسه رشاد العليمي في وقت سابق من هذا الأسبوع بالرياض لمناقشة "مقترحات السلام السعودية"، و"الملاحظات" التي قدمها على تلك المقترحات ولم يكشف النقاب عنها.

ويتضح ذلك أيضًا من تصريحات هيئة التشاور والمصالحة اليمنية المساندة لمجلس القيادة الرئاسي بشأن المفاوضات السعودية-الحوثية وتأكيدها على ضرورة أن يكون الهدف النهائي لتلك المفاوضات "إنهاء حالة الانقلاب، واستعادة مؤسسات الدولة، وحل قضية الجنوب، ووقف تغيير هوية المجتمع"، وتأكيدها كذلك على أهمية أن يتولى الوفد اليمني التفاوضي المشترك الذي سيفاوض الحوثيين مهامه ومسؤولياته "تحت إشراف مجلس القيادة الرئاسي".

آفاق وتوقعات

بين هاتين النظرتين، المتفائلة والحذرة، يمكن القول إنَّ المفاوضات السعودية-الحوثية الجارية حاليًّا من المحتمل أن تتوصل إلى تقدم حول بعض المسائل، أهمها فتح ميناء الحديدة ومطار صنعاء، ودفع رواتب الموظفين، وإتمام صفقة تبادل الأسرى، فضلًا عن استمرارية الهدنة غير المعلنة رسميًّا، ووقف استهداف الحوثيين الأماكن الحيوية في المملكة. لكن من غير المتوقع أن تذهب -على الأقل في المدى المنظور- أبعد من ذلك، خاصة بشأن المطالب المتعلقة بعدم تغيير الحوثيين هوية المجتمع في المناطق الخاضعة لسيطرتهم، وإنهاء حالة العداء بينهم وبين خصومهم السياسيين والانخراط الجاد في عملية سلام يمني-يمني، يتم بموجبها التوافق على طبيعة الدولة وشكل النظام السياسي ومستقبل اليمن بشكل عام.

ABOUT THE AUTHOR