معركة الجيش السوداني وقوات الدعم السريع.. الدلالات والسياق

15 April 2023
رئيس مجلس السيادة الانتقالي قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان (يمين) وقائد قوات الدعم السريع في السودان محمد حمدان دقلو (حميدتي) (وكالات)

ظل الموضوع الأساسي المطروح على جميع الفاعلين المدنيين والعسكريين في السودان هو انتقال السلطة إلى المدنيين، وكانت الجهود كلها منصبة في هذا الاتجاه. وظلت قضية دمج قوات الدعم السريع وغيرها من التشكيلات المسلحة غير النظامية في مؤسسة الجيش السوادني من أبرز مواضيع النقاش المطروحة على الفاعلين السياسيين والعسكريين في السودان.

إن الهدف العام الذي يسعى إليه السودانيون بمختلف أطيافهم هو أن يصبح مجلس السيادة مدنيًا صِرفًا، وتصبح الحكومة مدنية والبرلمان الذي سيُنتخب كذلك، وهذا لا يمكن تحقيقه مع وجود جيوش متعددة داخل البلد، فوجود أكثر من تشكيلة مسلحة يمكنه في أي وقت أن يهدد المسار الانتقالي السلمي ومخرجاته، وبالتالي فهي مسألة تعارض الهدف الذي يتوخاه الجميع. فالأصل أن تندمج هذا التشكيلات المسلحة كلها، وعلى رأسها قوات الدعم السريع في أسلاك الجيش السوداني، وبعد ذلك يتم تسليم السلطة للمدنيين.

الدعم السريع والتحالفات الداخلية

من المعلوم أن لقوات الدعم السريع بالسودان تحالفات داخلية مع مجموعات مدنية تتمثل أساسًا في قوى الحرية والتغيير، وهو تحالف أضفى بظلاله على جوانب عديدة من مسار الأوضاع بالسودان، بل وصعَّب كثيرًا التوصل إلى اتفاق عام وشامل يرضي الجميع؛ فحلفاء حميدتي من قوى الحرية والتغيير يطالبون ببقاء قوات الدعم السريع خارج المنظومة العسكرية، ويريدون لها أن تبقى تحت إشراف مدني، وهو الهدف نفسه الذي يتطلع إليه حميدتي الذي أعلن عنها مرارًا وتصريحًا وتلميحًا وفي أكثر من مناسبة.

وقد طالب حلفاء حميدتي من المدنيين بإعطاء قوات الدعم السريع مدة عشر سنوات، وهي الفترة التي قد تكون -حسب أصحاب هذا التوجه- كافية لإنضاج المرحلة الانتقالية وضمان حمايتها، وبعد هذه المدة يتسلم المدنيون السلطة بشكل نهائي، ويتم الاستغناء عن قوات الدعم السريع. وترى قيادة قوات الدعم السريع أن الفترة المثلى هي عشرون سنة.

أما الجيش السوداني والقوات المسلحة فإنها تريد أن تنتهي هذه الفترة الانتقالية وما ستؤول إليه من تسلم المدنيين للسلطة في أجل أقصاه سنتين، فهما كافيتان لإكمال هذا المسار، والوصول بالبلاد إلى المرحلة السياسية المدنية المقبولة. وهذا يعني أنه عندما تنتهي الانتخابات السودانية بمختلف محطاتها لن يكون هناك سوى جيش واحد وموحد.

وفي الوقت نفسه ترى بعثة الأمم المتحدة المتكاملة لتقديم المساعدة خلال الفترة الانتقالية في السودان تقديرًا وسطًا وهو خمس سنوات.

لكن قوى الحرية والتغيير وحليفهم حميدتي ومن خلفه قوات الدعم السريع يرون أن في ذلك تهديدًا لقوتهم على الأرض وبالتالي إجهاضًا لمشروعهم السياسي.

هل لحميدتي أطماع سياسية فيما سيجري بالسودان؟

يبدو أن قائد قوات الدعم السريع، محمد حمدان دقلو الملقب حميدتي، ومن خلال متابعة تصريحاته وعلاقاته وتنقلاته الداخلية والخارجية له أهداف سياسية بدأت تتضح ملامحها يومًا بعد يوم، ويسعى بشكل لا لبس فيه لأن يكون جزءًا من المشهد السياسي السوداني ما بعد الفترة الانتقالية. وهذا لن يتم إلا ببقاء قوات الدعم السريع تشكيلة مسلحة خارج منظومة الجيش، وذاك ما يعني تمتعها باستقلالية تامة في التسليح والقيادة والتحرك والانتشار والتمويل، على الأقل إلى حدود عشر سنوات قادمة. وهذا ما ظلت القوات المسلحة السودانية، وحلفاؤها في الخريطة السياسية المدنية تعارضه بشدة، وتسعى إلى عدم حدوثه.

وقد تطورت الأمور بشكل متسارع مؤخرًا، فقام حميدتي بحشد قواته داخل العاصمة، الخرطوم، والانتشار في نقاط إستراتيجية بالغة الحساسية في الأيام الأخيرة. وهذه الحركة التي قامت بها قوات الدعم السريع اعتبرها الجيش السوداني استفزازًا لا يمكن السكوت عليه، بل إن ما قامت به هذه القوات أقرب إلى التمرد منه إلى أي شيء آخر، ويمكن وصفه بمحاولة انقلابية خصوصًا أن قوات الدعم السريع توجهت في انتشارها إلى القصر الرئاسي والقيادة العامة والمطار الدولي للخرطوم. وهذا يعني أن الوضع الأمني في السودان وصل إلى حالة من الاحتقان لم يبق أمامه سوى الاشتباكات التي عرفتها الخرطوم وغيرها من مناطق السودان منذ صبيحة السبت 15 أبريل/نيسان الجاري.

ويذهب بعض المتابعين للشأن السوداني إلى أن شرارة الاشتباك انطلقت من جانب قوات الدعم السريع؛ لأن الجيش لو كان يخطط لعملية عسكرية لما جرت على هذا الشكل، بل اتخذت شكلًا أكثر إحاطة وشمولًا.

إلى أين تتجه الأمور في السودان؟

من الواضح أن العلاقة بين المجلس العسكري وعلى رأسه الفريق عبد الفتاح البرهان وبين حمدان حميدتي قد وصلت إلى حالة من الاستقطاب والقطيعة وبالتالي انعدام الحوار وعدم تقديم أي تنازل، وهو ما يعني الاحتكام إلى السلاح الذي تم في أكثر من موقع. وبناء على هذا فإن الجيش السوداني سيتجه نحو حسم مسألة قوات الدعم السريع بشكل نهائي، فبدون ذلك الحسم فإن الحركات المسلحة الأخرى، وإن كانت أقل تسليحًا وتنظيمًا وعددًا وعتادًا من قوات الدعم السريع، لن تستجيب لمطلب الذوبان في الجيش والاندماج في أسلاكه، وهو ما يعني في المحصلة النهائية إجهاض العملية السياسية من الأساس.

إن الصراع الحالي، وما عرفه من اشتباك مسلح اليوم، السبت 15 أبريل/نيسان الجاري، لن ينتهي إلا بتصفية قوات الدعم السريع أو على الأقل التغلب عليها بشكل يسمح بأن يُفرض عليها أو على بعضها الإدماج في القوات المسلحة. ولا شك أن هذه العملية قد تطول، وربما لا تكون سهلة بالنسبة للجيش السوداني، الذي قد يواجه قتالًا داخل المدن، وما ينجم عنه من تعرض أرواح المدنيين وممتلكاتهم للخطر، وقد تحدثت لجنة أطباء السودان المركزية عن سقوط عدد كبير من القتلى والجرحى المدنيين، وأن هناك جرحى محتجزين بسبب الاشتباكات.

ويبدو أن التوجه الشعبي العام يميل نحو التعاطف مع الجيش في مواجهة أي خطر داخلي أو خارجي؛ باعتباره المؤسسة الضامنة لأمن البلد والدفاع عن حوزته، وهذا يشكل سندًا معنويًا قويًا لمؤسسة الجيش السوداني.

وقد كثر الحديث عن أن لحمدان حميدتي حلفاء في المنطقة، قد لا يكون من السهل عليهم تركه وترك قوات الدعم السريع عرضة للتصفية من طرف الجيش الوطني. فأغلب المحللين يتحدثون عن علاقات خاصة لحميدتي مع إريتيريا وإثيوبيا ومع الإمارات وحتى مع روسيا، في الوقت الذي يتم الحديث عن متابعة مصرية دقيقة لما يجري بالسودان، وسعي القاهرة إلى ألا ينزلق السودان نحو حرب أهلية، والحديث عن تمسك مصر ببقاء الجيش السوداني قوة ضامنة لأمن السودان.

ولعل أزمة سد النهضة تلقي بظلالها على الاصطفاف المصري الإثيوبي في هذه الحالة السودانية المعقدة، وهما ما يعني وقوف القاهرة مع الجيش السوداني ووقوف أديس أبابا مع قوات الدعم السريع، نظرًا لحساسية العلاقة بين هاتين الدولتين. هذا فضلًا عن الحديث عن علاقات قوية للسعودية بالجيش السوداني.

والخلاصة أن الجيش السوداني يعتبر هذه المعركة التي بدأت اليوم مع قوات الدعم السريع هي معركة كرامة، ومن العار عليه أن ينهزم، وهو الجيش المنظم والمؤطر، أمام ما يعتبره الجيش ميليشيات مسلحة. ثم إن حسم مشكلة قوات الدعم السريع سيفتح المجال أمام جميع التشكيلات المسلحة الأخرى للاندماج طوعًا أو كرهًا في الجيش السوداني.

وهذا يعني أيضًا تمهيد الطريق أمام حكومة سودانية مدنية، قد لا تجد أمامها عراقيل تحول دون انسجامها وعملها، وتكون مهمتها المتمثلة في التصدي للعقبات التنموية التي تواجهها أي حكومة في العالم الثالث.

ABOUT THE AUTHOR