مؤتمر الحوار العربي-الإيراني يستعرض في جلسته الافتتاحية عوامل تعزيز التقارب 

1 June 2023
المتحدثون في الجلسة الافتتاحية لمؤتمر الحوار العربي-الإيراني من اليمين: محمد بن عبد العزيز الخليفي، عبد العزيز العويشق، كمال خرازي، عادل عبد المهدي، والمذيع بقناة الجزيرة زين العابدين توفيق. (المصدر: الجزيرة).

انعقدت في العاصمة القطرية، الدوحة، الدورة الثانية من مؤتمر الحوار العربي-الإيراني الذي ينظمه للعام الثاني تواليًا مركز الجزيرة للدراسات والمجلس الإستراتيجي للعلاقات الخارجية بإيران، تحت عنوان "الأمن والاقتصاد والأزمات: مقاربات وحلول"، وذلك خلال الفترة من 27 إلى 29 مايو/أيار 2023.

شارك في المؤتمر باحثون وسياسيون وخبراء عرب وإيرانيون من تخصصات مختلفة، وناقشوا عبر ثماني جلسات قضايا متعددة مثل أمن الخليج والتعاون الاقتصادي والملف النووي الإيراني، وقدموا رؤاهم للتحديات التي تواجه بعض البلدان مثل العراق واليمن وفلسطين وسوريا ولبنان، ومقارباتهم للتعامل مع تلك التحديات.

في التقرير التالي استعراض لأبرز ما جاء في كلمات المتحدثين الرئيسيين في الجلسة الافتتاحية للمؤتمر، والتي شارك فيها: الدكتور محمد بن عبد العزيز الخليفي، وزير الدولة بوزارة الخارجية القطرية، والدكتور عادل عبد المهدي، رئيس مجلس الوزراء العراقي الأسبق، والدكتور كمال خرازي، رئيس المجلس الإستراتيجي للعلاقات الخارجية ووزير خارجية إيران الأسبق، والدكتور عبد العزيز العويشق، الأمين العام المساعد للشؤون السياسية والمفاوضات بمجلس التعاون لدول الخليج العربية، وأدارها زين العابدين توفيق، المذيع بقناة الجزيرة.

أهداف المؤتمر

1
الدكتور محمد المختار الخليل، مدير مركز الجزيرة للدراسات. (الجزيرة)

افتتح المؤتمر مدير مركز الجزيرة للدراسات، الدكتور محمد المختار الخليل، وأوضح أن الهدف من المؤتمر هو أن "يستمع العرب والإيرانيون لبعضهم البعض بأنفسهم، لا أن يسمعوا عن بعضهم من الغير"، وأن يديروا الحوار بينهم "بشكل مباشر لا أن يدير الحوار بينهم غيرُهم"، وقال: إن هذا يتناسق مع ما اعتادته "الجزيرة" بأن تكون منصة "للرأي والرأي الآخر"، وأن يكون هذا المنبر "منبرَ إصلاحٍ وتوفيق وحوار"، وذلك لأن الجغرافيا السياسية تقول: "إنك لا تختار جارك وإنما تختار حسن العلاقة معه".

وأضاف الخليل أنه مهما كانت الخلافات فإنها تنتهي بالحوار، وقال: إننا لقينا ترحيبًا في تنظيم هذه الدورة من الحوار العربي الإيراني من كافة الأطراف، وإن السبب في ذلك يرجع إلى تراكمٍ ذاتيٍّ لدى الجميع، وقناعتهم بأهمية الحوار مستشهدًا في ذلك بحضور الأمين العام المساعد لمجلس التعاون الخليجي للشؤون السياسية والتفاوض، الدكتور عبد العزيز العويشق.

غياب الحوار فاقم الأزمات

1
الدكتور محمد بن عبد العزيز الخليفي: وزير الدولة بوزارة الخارجية القطرية. (الجزيرة)

أشار الدكتور محمد بن عبد العزيز الخليفي، وزير الدولة بوزارة الخارجية القطرية، في بداية كلمته إلى ما تمر به المنطقة من أزمات معقدة ومتراكبة، وأرجع ذلك إلى غياب التفاهم والتنسيق والحوار لسنوات، وقال: إنَّ ذلك أدى إلى تأجيج الصراعات، وفتح الباب للتدخلات الخارجية، وتعطيل التنمية المنشودة في المجالات الحيوية التي تنشدها شعوب المنطقة. وأضاف أن غياب الحوار مع إيران كان له نصيب من تأجيج الازمات التي عانت بسببها المنطقة على المستويات السياسية والاقتصادية والبيئية.

وأكد الخليفي على ضرورة اقتناص الفرصة الراهنة لانفتاح الأطراف الواقعة على ضفتي الخليج بعضهم على بعض، من أجل الانخراط في حوار بنَّاء لنزع فتيل التوتر، وقال: "إن الاقتناص الأمثل لهذه اللحظة يتمثل في العمل لإعلاء مصلحة شعوبنا، ومصالح المنطقة الإستراتيجية، وخلق آليات بنَّاءة للحوار وفق مبادئ وأسس الاحترام المتبادل وحسن الجوار، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، وحل النزاعات بالطرق السلمية، مع مراعاة المشاغل المشروعة للأطراف ذات الصلة".

وأشار الخليفي إلى دعوات دولة قطر المتكررة، ومن على منصة الأمم المتحدة، لما يقارب العقد من الزمان، إلى الحوار الشامل والهادئ بين إيران ودول الخليج العربية لمعالجة كافة القضايا التي تمس الأمن والاستقرار، وأرجع ذلك إلى إيمان قطر بوحدة المصير المشترك، وبما يحقق آمال وتطلعات شعوب المنطقة من التنمية والازدهار.

وأضاف الخليفي قائلًا: "لطالما كانت قطر تدعو إلى الدبلوماسية والحوار وسيلةً مثلى لحل الخلافات بين الدول؛ حيث أصبحت مقصدًا دوليًّا بفعل وساطاتها الناجحة وجهودها الحثيثة لتقريب وجهات النظر، وتوفير منصة موثوقة لكافة الأطراف الدولية، مع الحفاظ على التزام الدول بالقانون الدولي ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة".

وأشار في هذا الصدد إلى جهود دولة قطر مع الأطراف الدولية المعنية بمفاوضات الاتفاق النووي الإيراني، وبالأخص الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي من جهة والجمهورية الإسلامية الإيرانية من جهة أخرى، وأوضح أن هذه الجهود مستمرة ومقدرة لما لها من أثر واضح في التقريب بين وجهات النظر، ولانعكاس ذلك على الأمن والسلم الدولييْن.

وأضاف الخليفي أن قطر تؤمن بأن فتح آفاق التعاون، ولاسيما في المجالات الاقتصادية والثقافية، لما يجمع الإيرانيين والعرب من مشتركات ووحدة مصير، يحتم استمرار الحوار الهادئ والبنَّاء لفتح مجالات أرحب للتشاور المشترك.

واختتم الدكتور الخليفي كلمته بالإعراب عن أمله في أن تسهم فرص تبادل وجهات النظر حول مختلف القضايا المطروحة على جدول أعمال مؤتمر الحوار العربي في تعزيز الرؤى المشتركة، وتقديم حلول واقعية لما تشهده المنطقة من أزمات.

التكامل سبيلًا لتعزيز القوة

2
الدكتور عادل عبد المهدي، رئيس مجلس الوزراء العراقي الأسبق. (الجزيرة)

استهل الدكتور عادل عبد المهدي، رئيس مجلس الوزراء العراقي الأسبق، كلمته بالقول: "إنَّ العلاقات العربية الإيرانية ليست خيارًا وإنما ضرورة وواقعًا يفرض وسيفرض نفسه علينا أكثر فأكثر"، وأوضح أنه حينما تدب الخلافات بين الطرفين فإنَّ الضرر يلحق بالجميع، وأنه حينما تعود الأواصر وتتحد الكلمة فإنَّ العكس هو ما يحدث. واستطرد قائلًا: "إن التاريخ الطويل يظهر ارتباط مصالح وهموم ومصائر العرب والإيرانيين، وإن لهذا جذورًا ومبانيَ وأسسًا لا تزال موجودة وحيَّة رغم الصدع الذي اعتراها، ورغم القوى الخارجية التي ما فتئت تعمل على تعطيلها وتمزيق فاعليتها".

وقال: "إنَّ المنازعات والخلافات كانت تحصل كأي خلافات بين الشعوب المتجاورة، غير أنه مع انتشار الإسلام توحدت المرجعيات القيمية والعقائدية، وامتزجت المصالح والروابط الاقتصادية، وأصبحت تنتقل من حاضرة وبادية لأخرى ومن جيل لآخر". وأضاف أن الشعبين، العربي والإيراني، قدَّما للعالم أعظم الحضارات وأكثرها انفتاحًا وقبولًا للآخر. وخلص إلى أن أساسات هذه العلاقة لا تزال موجودة وتنتظر من يزيح التراب عنها.

وأضاف عبد المهدي أن المنطقة قد فُرضت عليها خرائط "تخدم مصالح المستعمرين"، وأن الدولة القومية القائمة شُيِّدتْ على التجزئة والعصبية والخصومات "التي ترعاها وتغذيها قوى الهيمنة، فبات جارها ورفيق دربها التاريخي هو خصمها".

وقال: "إنه خلال أكثر من قرنين قُرئ التاريخ بعيون جديدة وصارت له سرديات مستحدثة تستل الخلافات وتتناسى المشتركات وتُغيِّبُها عن الوعي والحضور، وبالتدريج حلَّت رؤى كوَّنت فهمًا وتصورًا يختلف عمَّا تستبطنه الأسس والمباني والحقائق والمشاهد والارتباطات؛ رؤى تُرَبِّي على الحقد وتشيع الكراهية والخصومة بين أبناء الأمة الواحدة، وتلجأ للأجنبي كي تحتمي به وتستخدمه مخلِّصًا وحكمًا بيننا".

وانتهى إلى أنه كلَّما قويت يد التدخل والاستعمار ضعف العرب والإيرانيون وتفككت علاقاتهم، لتدور في حلقات مفرغة دون نتيجة تذكر، وقال: "إنَّ أملنا مهدد، والاقتصاد مسلوب، وسيادتنا ضائعة، والصراعات بيننا لا تتوقف، وقيمنا وعقائدنا مخترقة ومهددة"، وفي المقابل -يضيف عبد المهدي- كلما ضعفت يد الاستعمار تعززت العلاقات، ليس بين الإيرانيين والعرب فقط بل مع بقية أقوام المنطقة، وليس بين السنة والشيعة فقط بل أيضًا بين بقية الأديان والمعتقدات والطوائف.

وتطرق الدكتور عادل عبد المهدي إلى موضوع الأمن فأشار في كلمته إلى أن أمام العرب والإيرانيين توجهين: "أن يتحصن كلٌّ منَّا بسرديات القرنين الأخيرين المثيرة للنزاع والخصومة وجعل الأجنبي مرجعيتنا، أو أن نستحضر الحقائق الكبيرة التي ما زلنا ننعم بها إن توحدت كلمتنا، ونستثمر ما بناه التاريخ الطويل من مصالح وعلاقات متشابكة ومتجذِّرة تطوِّقُ بخيرها الكبير سلبيات المشاكل والتناحر الصغيرة والمؤقتة".

وأكد على ضرورة النظر للمستقبل "الذي يبِّشر بوضوح بصعود قوى جديدة وتراجع هيمنة القوى الراهنة"، وقال: إن من شأن ذلك حماية "بعضنا بعضًا ضد من يريد الاعتداء علينا".

ودعا عبد المهدي العرب والإيرانيين إلى التوصل فيما بينهم "لنموذج أمني مشترك يحقق أمننا واستقرارنا ودفع أي عدوان علينا؛ ويسير بنا لتحرير فلسطين من الاحتلال والاستيطان والفصل العنصري، وتأسيس الدولة الفلسطينية على كامل التراب الفلسطيني، وعودة المهجَّرين واللاجئين إلى ديارهم، واستعادة ممتلكاتهم وحقوقهم، حيث يتعايش الجميع في ظل نظام عادل".

وأشار الدكتور عادل عبد المهدي إلى جملة من المعطيات قال إنها تدل على "ضعف يد قوى الهيمنة في المنطقة"، وعدَّد منها: الانسحاب الأميركي من أفغانستان، وانهيار المشروع الأميركي في العراق، وتصاعد المقاومة في فلسطين، وتحرير المقاومة اللبنانية لأراضها، وتجاوز مجلس التعاون الخليجي الأزمة التي حدثت بين بعض دوله وقطر، ونجاح بطولة كأس العالم في قطر بعد سعيهم لإفشالها، والمصالحة التاريخية بين السعودية وإيران، وتوقف الحرب في اليمن تمهيدًا لحلول سياسية مستدامة، والتقدم الإيجابي لمسار الملف السوري، وغيرها من حقائق".

وشدَّد عبد المهدي على ضرورة استعداد العرب وإيران للحرب والتسلُّح بالعلم والمعرفة، والتزود بالتكنولوجيا، وقال: "إنَّ ذلك ليس بغرض الحرب ولكن لحماية الأمن والسلام، ذلك لأن العالم لا يسير بحسن النوايا وإنما بقوة الردع التي تمنع الغير من استيلاب حقوق الأمة". وأضاف أنه "من السذاجة الظن بأن الاستعمار الذي دعم الهجرة اليهودية إلى فلسطين، والذي جزَّأ بلادنا وانتدبها واستعمرها هو الذي سيمد يد الخلاص لنا"، وقال: "إنَّ هذا لن يتحقق ما لم نمتلك مصادر القوة، ونصبح ندًّا يفرض نفسه في الميزان، ويوقف التلاعب بمصيره".

وضرب عبد المهدي مثالًا على ما خلص إليه بقطاع غزة فقال: "إنَّ غزة، التي لا تتجاوز مساحتها 350 كيلومترًا مربعًا، وبعدد سكان يقارب المليونين، والمحاصرة، والمعدومة الموارد، استطاعت مع ذلك كله تحرير نفسها، وأن تجعل جيش الاحتلال عاجزًا أمامها، وأن تقدم ما تستطيع لحماية القدس الشريف وبقية الأماكن المحتلة"، وتساءل قائلًا: "إن كانت غزة بأوضاعها الصعبة تستطيع ذلك فكيف لا تستطيع البلدان العربية وإيران ومساحتها أكثر من 15 مليون كيلو متر مربع، وعدد سكانهما حوالي 500 مليون نسمة، ويمتلكان إمكانيات عظيمة للدفاع عن المقدسات وكبح جماح العدو".

وأشار عبد المهدي في نفس السياق إلى المقاومة اللبنانية ودورها في "تحقيق عامل الردع مع إسرائيل وإيقاف اعتدائها على لبنان"، وخلص إلى القول: "النتائج المتحققة من المقاومة عظيمة رغم التضحيات الجسام، بينما طريق المساومة والاستجلاء تكلفته أعظم بكثير، ومآسيه وآلامه وإحباطاته لا تطاق، ومآلاته هي الاستسلام للعدو".

وتطرق عادل عبد المهدي في كلمته إلى المشروع النووي الإيراني؛ فقال: "إنَّ إيران دافعت عن مشروعها النووي السلمي رغم الضغوطات والتهديدات، ونجحت في الوصول، عام 2015، إلى اتفاق بعد جهد جهيد، لكن الولايات المتحدة انسحبت من الاتفاق مع مجيء الرئيس، دونالد ترامب، فسارت إيران في مشروعها، ولم تخضع للتهديدات والابتزازات، ولو لم تفعل ذلك لأصبح مصير برنامجها كمصير مفاعل تموز العراقي وكالمفاعل السوري وغيرهما". وأوضح أن "الدولة العبرية لم توقِّع على معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، وأنها تمتلك مفاعيلها وقنابلها النووية بحماية ورعاية من النظام الدولي".

وقال عبد المهدي: "لا خيار لإحلال السلام بالمنطقة والتفرغ لإعادة الإعمار والبناء وخدمة شعوبها والتصدي لمحاولة الاعتداء عليها سوى بناء نظام أمني مشترك، وتناغم الأنظمة الأمنية الوطنية معه، أو اعتباره هو الأعلى الذي تخضع له المنظومات الأخرى، أو لا تتصادم معه"، وأضاف أن الشرط الأساسي لنجاح ذلك هو توفير الثقة بين العرب وإيران واطمئنان كل منهما للآخر، وقال: "إنَّ هذا يتطلب ترابط المصالح، [واعتبار] كل ضرر لطرف يتلازم مع ضرر الطرف الآخر، وكل منفعة لطرف تتلازم مع منفعة الطرف الآخر". وأكد على ضرورة تفعيل المشتركات وجعلها قاعدة العلاقات، وقال: "لنبدأ بالمشتركات ونؤجل الخلافات التي سيتسنى حلها أفضل حينما تعطي المشتركات نتاجاتها".

وأضاف قائلًا: "ليس مطلوبًا أن يكون لكلٍّ منَّا جيوشه الجرَّارة أو برامجه النووية، وإنما المطلوب هو التكامل؛ سواء في المجال الأمني أو في المجالات السياسية والدبلوماسية والقانونية والحقوقية وغيرها". واستطرد في هذا السياق قائلًا: "قد يفكِّر بعضنا -في مراحل لاحقة- في تأسيس محكمة أو هيئة للحل والعقد من أجل حل المنازعات وعدم التدخل في شؤون بعضنا واحترام مصالح وحقوق الجميع؛ هيئة نتعهد باحترام قراراتها دستوريًّا طالما روعي في تأسيسها المتطلبات والشروط التي توفر لكلِّ منَّا الاطمئنان لعملها". وقال: "إنَّ مثل هذا المسار بات ممكنًا، لأن قناعاتنا اليوم تتعزز بأن لا أحد يستطيع الوصول بمفرده، ولن تنفع الحمايات الخارجية لكلٍّ منَّا، لأن نظام الهيمنة يتفكك وسيتفكك أكثر وأكثر، والعالم ستمثله قطبيات متعددة، ولذلك يجب أن نحتل مكاننا كقطبية قوية مسالمة ندية تستطيع أن تحمي نفسها، وتتنافس مع بقية الأقطاب، وتتكامل مع بقية الدول والكيانات".

وضرب عبد المهدي مثلًا للتدليل على طرحه؛ فقال: "في العراق، ولمواجهة الإرهاب، لم تنفع الجيوش الجرَّارة، ولا الـ170 ألف عسكري من القوات المتعددة الجنسيات، ذلك لأنه طوال 14 عامًا انتشر الانتحاريون والمفخخات والقتل الجماعي والاحتلال والتواجدات الأجنبية، [حتى إن] إحدى الجامعات الأميركية قدرت عدد الضحايا خلال الفترة الممتدة من 2003 حتى 2021 بين 186 و209 آلاف ضحية [قضوا] جرَّاء الإرهاب.

وأضاف أن داعش قد وصلت إلى أبواب بغداد ولولا "فتوى الجهاد الدفاعي التي أطلقتها المرجعية الدينية العليا" لكان الوضع الأمني تدهور أكثر من ذلك بكثير، وقال عبد المهدي: "إنه بعد دحر داعش، عام 2017، تعززت مسارات الأمن والاستقرار كما شهدت على ذلك دورة خليجي 25 [النسخة الخامسة والعشرون من مسابقة كأس الخليج العربي] وباقي الفعاليات".

وأشار إلى أن العنصر الأساسي في هذا التطور يعود إلى الوحدة الوطنية، وتصدي الحشد الشعبي والعشائري والقوى المساندة لهما داخليًّا وخارجيًّا، مما لبَّى متطلبات لم تكن القوات المسلحة بمفردها قادرة عليها، ووفر المعادلة الأمنية الصحيحة لمحاربة الإرهاب وتوفير الأمن الذي يعيش في ظله العراق اليوم.

وانتقل الدكتور عادل عبد المهدي إلى القضايا العابرة للحدود مثل قضايا الأمن والطاقة والبيئة والتغير المناخي وأكد على أن هذه القضايا تتطلب تعاونًا بين العرب وإيران لحسن إدارة الملفات الاقتصادية والسياسية والمجتمعية، وقال: "إنَّ العرب وإيران يمتلكون موارد كبيرة، من الطاقة والمعادن والمعابر الدولية والحقائق الجيوسياسية؛ ما يجعلهم في مقدمة البلدان لو أصبحوا متضامنين".

وأضاف أن سوق الدول العربية وإيران تُمثِّلُ 15% من سكان العالم، وتُمثِّلُ أراضي العرب وإيران حوالي 10% من اليابسة، وإنه، بحسب تقديرات صندوق النقد الدولي لعام 2023، فإنَّ الناتج الوطني الإجمالي للدول العربية وإيران 11.5 تريليون دولار، أي ما يعادل 6.3% من المجموع العالمي، وإذا أضيف إليه الناتج المحلي التركي يصبح المجموع أكثر من 8% من المجموع العالمي.

وأشار إلى أن أوروبا تعتمد على أقل من 20% من نفطها من العرب وإيران، وتعتمد الصين على 40% من حاجاتها من الطاقة من بلداننا، وأنه أثناء جائحة كورونا كان أكثر من 75% من خام النفط ومشتقاته يمر عبر مضيق هرمز إلى آسيا، أما ما استوردته الولايات المتحدة ومرَّ من مضيق هرمز آنذاك فهو 1.4 مليون برميل يوميًّا، وهذا أحد الأمثلة -يخلص عبد المهدي- على انتقال ثقل العالم إلى آسيا وإفريقيا ومناطق العالم الثالث، وهو ما تعززه مؤشرات التجارة الخارجية والتجارة الدولية والاحتياطيات النقدية والأبحاث والجامعات، ومعدلات النمو، وهو ما يعزز التقارب العربي-الإيراني وفرص العمل المشترك بينهما.

واختتم الدكتور عادل عبد المهدي كلمته بالقول: "إنَّ أمامنا عددًا من المشاكل لابد من معالجتها أهمها: أولًا: أن الخلفيات الفلسفية لدولنا تختلف اختلافات جذرية أحيانًا في عدد مهم من الأمور، وهو ما يتطلب النظر [فيها]. ثانيًا: أن ارتباطات دولنا الخارجية متباينة؛ فمن يعتبره البعض صديقًا يعتبره الآخر عدوًّا، وهو ما يتطلب أيضًا المعالجة. ثالثًا: أن الأهداف المباشرة والإستراتيجية ومسطرة الأولويات تختلف من دولة لأخرى، وهو ما يتطلب وضع آليات ورؤى لتنظيم المواقف. وخلص إلى القول: "إننا بحاجة لتعزيز خطوات النجاح لنتقدم أكثر فأكثر من أجل بناء فضاء قوي وموحد ومتكامل اقتصاديًّا وأمنيًّا ومعرفيًّا وقيميًّا لشعوبه وقياداته، ليستطيع أن يكون شريكًا قويًّا في النظام الدولي الجديد، ولابد من قلب المسارات لنكون مبادرين وفاعلين وليس مجرَّد متلقين وتابعين، فهذا هو الخيار الأنجع أمامنا لنحتل مكاننا المناسب بين الأمم".

التعاون الإقليمي يحقق الأمن والرخاء

3
الدكتور كمال خرازي، رئيس المجلس الإستراتيجي للعلاقات الخارجية ووزير خارجية إيران الأسبق. (الجزيرة)

أعرب الدكتور كمال خرازي، رئيس المجلس الإستراتيجي للعلاقات الخارجية ووزير خارجية إيران الأسبق، في بداية كلمته عن أمله في أن يصل المؤتمر إلى تفاهم مشترك بين الإيرانيين والعرب، خاصة في المجالين الأمني والاقتصادي. وأشار إلى ما ذكره في الجولة الأولى من المؤتمر من أن إيران تولي أهمية كبيرة للمملكة العربية السعودية باعتبارها إحدى الدول الكبرى في العالم الإسلامي والتي تضم أراضيها الحرمين الشريفين، وقال: "لا يمكن لإيران أو السعودية أن يستبعد أحدهما الآخر، بل من المهم أن يُكمِّل كلٌّ منهما قدرات الآخر كقوتين رئيسيتين، وذلك لإرساء السلام والاستقرار في المنطقة". وقال: "إنني سعيد أن أرى العلاقات بين إيران والسعودية تسير بقرار من قادة البلدين على طريق التطبيع". وأشار إلى أنه سيتم قريبًا إعادة فتح سفارتي البلدين في طهران والرياض. وأوضح أن تعيين الإمارات والكويت سفيرين لهما في إيران مؤخرًا يأتي في إطار تحسن العلاقات، وذكر أن العلاقة بين إيران وقطر وسلطنة عمان والعراق "مستمرة على مسارها الجيد والمتسارع".

وقال خرازي: "إنَّ من المثير للاهتمام أن العراق وسلطنة عُمان لعبتا دورًا بنَّاءً في إعادة العلاقات بين إيران والمملكة العربية السعودية، كما لعبت قطر وسلطنة عمان دورًا بارزًا في مفاوضات الاتفاق النووي والمباحثات مع الولايات المتحدة لرفع التجميد عن الأصول الإيرانية وتبادل السجناء".

وأوضح خرازي أن زيارة سلطان عمان إلى طهران، يوم 28 مايو/أيار 2023، "تنم عن تنامي العلاقات بين إيران ودول الخليج الفارسي".

واستعرض الدكتور خرازي البيئة الجيوسياسية والجيوستراتيجية لمنطقة الشرق الأوسط، وذكر العديد من العوامل التي أسهمت في تشكيل هذه البيئة ليخلص إلى أن هذه المتغيرات هي ما دفعت القادة العرب والإيرانيين للتعامل معها؛ الأمر الذي نجم عنه التقارب بين السعودية وإيران، وعودة سوريا إلى الجامعة العربية، وتحسين العلاقات العراقية-العربية، وغيرها من مؤشرات.

وفي هذا الصدد، قال خرازي: "إنَّ التدخل الأميركي في دول الشرق الأوسط بحجة تعزيز الديمقراطية إبان عهد باراك أوباما، ونشر التطرف الديني، وتشكيل داعش في العراق وسوريا، والحرب المدمرة والعقيمة في سوريا واليمن، وتغيير أولوية أميركا الجيوستراتيجية من منطقة الشرق الأوسط إلى الشرق الأقصى، وجهود الصين لملء الفراغ الحاصل ومتابعة مشروع طريق الحزام وتطوير علاقاتها الاقتصادية مع دول المنطقة، وإن فشل السياسة الأميركية في ممارسة سياسة الضغوط القصوى على إيران، وتأثير حرب أوكرانيا على المنطقة، بما في ذلك توسيع العلاقات الاقتصادية لروسيا مع دول الخليج الفارسي، وإنشاء ممرات نقل جديدة بين الجنوب والشمال، وتزايد قوة المقاتلين من الفلسطينيين وحزب الله الذين يطوقون إسرائيل ويتسببون في مفاقمة حالة عدم الاستقرار وانعدام الأمن والاستياء داخل إسرائيل، واشتداد الهجرة العكسية [....] دفعت الكيان الإسرائيلي إلى التوسل والاستجداء لتطبيع علاقاته مع الدول العربية بهدف الخروج من المأزق الداخلي والحصار الخارجي الذي تفرضه قوى المقاومة [....] في سياق هذه التطورات أظهر قادة المنطقة ذكاءهم في تبني سياسة مستقلة تقوم على التوزان متعدد الأقطاب بما يتماشى ومصالح بلادهم، كما ظهر في تطوير علاقاتهم الاقتصادية مع الصين وروسيا، وتسوية الخلافات وإعادة العلاقات إلى مجراها الطبيعي، وعودة السفراء، وتطوير العلاقات الاقتصادية مع باقي الدول في المنطقة بما في ذلك إيران والعراق وسوريا".

وخلص خرازي إلى أن هذه المستجدات "تعتبر مؤشرًا على نضج وذكاء دول المنطقة في استثمار التطورات الدولية لصالح بلدانهم، وأن الوقت قد حان للتفكير في آفاق أعلى للمنطقة".

وأوضح خرازي أن الأزمة الاقتصادية والأمنية في أوروبا وأميركا، بسبب الحرب في أوكرانيا، وظهور التقنيات الجديدة، وأداء الصين لدور أكبر، ونجاح الجمهورية الإسلامية الإيرانية في تطوير الصناعات العسكرية والمدنية والتقانة الحديثة بما في ذلك الطاقة النووية السلمية، قد وضع النظام الدولي على طريق التطورات المعقدة؛ حيث ينتقل العالم حاليًّا إلى نظام جديد على الرغم من أنه لا يزال من غير الممكن إصدار حكم صارم على خصائص هذا النظام، لكن من المؤكد أن التكتلات الإقليمية سيكون لها مكانة خاصة في النظام العالمي الجديد، وستكون ضمن اللاعبين والفاعلين في هذا النظام، بناء على الوحدة والقوة والاستقلالية التي تظهرها.

وقال خرازي: "إنَّ ما نحتاجه اليوم -بناء على ما سبق- هو ظهور منطقة قوية تتكون من فاعلين أقوياء، حيث لا يتطلب أمننا واقتصادنا تحقق قوة كلٍّ منا فحسب بل قوة المنطقة بأسرها". وأضاف: "بإمكاننا إرساء الأمن الجماعي، وتحقيق النمو والتنمية، من خلال بذل جهد جماعي للحد من التوتر، وإحلال التعاون بدلًا من المنافسة، والثقة بدلًا من الخوف والشك، وحل الخلافات بالحوار والتواصل". والخلاصة -والكلام لخرازي- "إننا بحاجة إلى تعاون إقليمي من أجل توفير الأمن والرخاء والتقدم للمنطقة بأسرها، فضلًا عن أن نكون فاعلين ومؤثرين على المستوى الدولي، ونُثَبِتْ مكانة منطقتنا في الساحة الدولية". وأشار إلى أن الخطوة الأولى في هذا الاتجاه "والتي بدأت لحسن الحظ" هي تسوية الخلافات عبر الحوار. وأوضح أن الاختلاف أمر طبيعي، بل ويمكن أن يتحول إلى فرصة إذا تمَّت إدارته بشكل صحيح، وقال إن دول المنطقة تمتلك ثروات وهبها الله لها، ولديها العديد من القواسم المشتركة؛ الدينية والثقافية والتاريخية والبيئية، وأنه على الرغم من بعض الفروقات، من حيث نوع الحكومات والمخاوف والتحديات والأولويات والإستراتيجيات، فبإمكانها اتخاذ خطوات تتماشى مع مصالحها الجماعية؛ الأمر الذي يتطلب حوارًا أخويًّا وصريحًا، والتعاون في المجالات الاقتصادية والعلمية والثقافية، وانتهاج الاعتدال والتسامح، "واتخاذ قرار بتشكيل آلية أمنية جماعية لهذه المنطقة دون تواجد الأجانب"، لأن الأمن والتنمية مفهومان متصلان ببعضها ولا يمكن فصلهما.   

وأضاف خرازي قائلًا: لحسن الحظ فإن الأمين العام للأمم المتحدة قد بدأ جهودًا في هذا المجال على أساس الفقرة الثامنة من القرار 598 الصادر من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وإنَّ إيران كانت قد أعلنت سابقًا عن استعدادها للمشاركة في آلية أمنية إقليمية دون تواجد الأجانب من خلال تقديم خطة هرمز للسلام".

واستعرض الدكتور كمال خرازي في مداخلته مفهوم إيران للأمن في الخليج، وقال في هذا الصدد: "إنَّ إيران تعتبر أن الأمن في الخليج الفارسي، وفي كل دولة من دوله، هو أمنها، وأنها تلتزم بضمان أمن واستقرار المنطقة، بما في ذلك أمن خطوط الملاحة البحرية، وإنَّ معارضة إيران لوجود القوات الأجنبية، وخاصة الولايات المتحدة والكيان الصهيوني، يعود إلى أن هذا الوجود -وبخلاف تصور البعض- هو سبب انعدام الاستقرار في المنطقة".

وتساءل خرازي قائلًا: "هل أدى الوجود المُكلِّف لأميركا في المنطقة خلال العقود الماضية وإنشائها العديد من القواعد العسكرية إلى الاستقرار، أم على العكس من ذلك؛ أدى إلى زيادة التوتر، وحتى إلى اندلاع الحرب؟ وعقَّب على تساؤله قائلًا: "إنً التاريخ هو دليل جيد على ذلك".

وحذَّر الدكتور خرازي من تداعيات ما أسماه وجود كيان الفصل العنصري الإسرائيلي في منطقة الخليج؛ فقال: "إنني أحذر جميع المهتمين والمتعاطفين في المنطقة من أن وجود كيان الفصل العنصري الإسرائيلي في منطقة الخليج الفارسي لن يجلب الأمن إطلاقًا، بل سيوجد مستقبلًا خطيرًا للمنطقة".

وانتقل خرازي بحديثه بعد ذلك إلى الأزمة اليمنية فرحَّب بالتطورات التي شهدتها تلك الأزمة مؤخرًا وقال: "إنه أسعدنا -بدلًا من اللجوء إلى القوة العسكرية- أن تم اختيار طريق الحوار لحل مشاكل اليمن، وأن هذا كانت له نتائج إيجابية تمثلت في تبادل الأسرى وإرسال المساعدات الإنسانية، وأن إنهاء الحصار، وتشكيل حكومة يمنية بناءً على إرادة الشعب اليمني، هو الموقف المبدئي للجمهورية الإسلامية الإيرانية منذ هذه الحرب، وإنني أعتقد بأن على دول المنطقة أن تسعى لتحقيق هذه الأهداف وضمان السلام المستدام في اليمن".

وتطرق خرازي إلى الوضع في سوريا فقال: "إنَّ إيران تتفاءل خيرًا بعودة سوريا إلى العالم العربي، وإنه لطالما كانت سوريا إحدى الدول المهمة في منطقة غرب آسيا، وإن العلاقات السياسية الأخيرة بين سوريا والدول العربية، وبخاصة مع السعودية، تعتبر خطوة في الاتجاه الصحيح، وإنَّ إيران تأمل في أن تؤدي هذه الخطوة إلى تعاون اقتصادي لإعادة إعمار الدمار الذي سببته الحرب في ذلك البلد".

وعن المباحثات التركية-السورية، قال خرازي: "إنَّ إيران ترحب بالمباحثات الأخيرة بين سوريا وتركيا، والتي جرت بوساطة وتعاون إيراني-روسي؛ [ذلك لأن] الحفاظ على وحدة الأراضي السورية وسيادتها السياسية [لهو] أمر بالغ الأهمية، وإنني آمل أن يتحقق ذلك بانسحاب جميع القوات الأجنبية من الأراضي السورية".

ثم تحدث خرازي عن فلسطين، وقال: "إنَّ فلسطين -القلب النابض للعالم الإسلامي- لا تزال هي القضية الأولى والشغل الشاغل لنا جميعًا، وإنَّ نضال الشباب الفلسطيني ضد المحتلين في الضفة الغربية آخذ في التطور والاتساع، وإنه مما لا شك فيه أن المجازر المروعة للجيش الصهيوني، والتي لم يسلم منها حتى النساء والأطفال، والجرائم الأخيرة لهذا الكيان في قتله المدنيين في غزة، لن تمس من وحدة المقاومة أو تفت في عضد المقاومين الفلسطينيين، وإنَّ مهاجمة منازل الشعب الفلسطيني الأعزل تدل على ضعف وتهور كيان الفصل العنصري وعجزه عن الوقوف بوجه الشباب الفلسطيني".

وعن الجهود التي بُذلت لوقف إطلاق النار الأخير في غزة قال خرازي: "إنَّ جهود بعض دول المنطقة لتطبيق وقف إطلاق النار جديرة بالثناء، لكنَّ المقاومة هي السبيل الوحيد لمواجهة جرائم كيان الفصل العنصري الإسرائيلي والدفاع عن حقوق الفلسطينيين".

وعن تصوره للحل النهائي للقضية الفلسطينية قال خرازي: "إنه لابد -من وجهة نظرنا- أن يتوافق [هذا الحل] مع القيم المستندة إلى سيادة الشعب، من خلال تشكيل نظام سياسي واحد، عبر إجراء استفتاء عام لجميع سكان فلسطين الأصليين بمشاركة اللاجئين الفلسطينيين سواء كانوا مسلمين أو مسيحيين أو يهودًا". وأضاف خرازي قائلًا: "إنه من المثير للاهتمام -ووفقًا لاستطلاع أجراه معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي في عام 2022-2023 فإنَّ 46% من الإسرائيليين يفضلون حكومة ديمقراطية تتمتع بحقوق سياسية متساوية للجميع مقابل 35% يفضلون تشكيل حكومة بأغلبية يهودية".

واختتم الدكتور كمال خرازي كلمته بالإعراب عن شكره وامتنانه مجددًا لمركز الجزيرة للدراسات على تنظيم هذا المؤتمر، وللحكومة القطرية على اهتمامها بتطوير العلاقات السياسية والثقافية مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وقال: "إنني آمل أن تؤدي نقاشات المؤتمر إلى فهم صحيح للقضايا والتحديات بين إيران والعالم العربي، وأن تصل إلى نتائج جيدة تصاغ على هيئة أفكار مجدية تؤدي إلى إيجاد منطقة قوية".

مرجعيات المباحثات الإيرانية-العربية

4
الدكتور عبد العزيز العويشق، الأمين العام المساعد للشؤون السياسية والمفاوضات بمجلس التعاون لدول الخليج العربية. (الجزيرة)

استهل الدكتور عبد العزيز العويشق، الأمين العام المساعد للشؤون السياسية والمفاوضات بمجلس التعاون لدول الخليج العربية، كلمته بالإشارة إلى استضافة الدوحة، في ديسمبر/كانون الثاني من عام 2007، للدورة الـ18 لمجلس التعاون الخليجي، والتي شارك فيها الرئيس الإيراني الأسبق، محمود أحمدي نجاد، وقال: إن الرئيس نجاد طرح أمام القادة مقترحات مهمة للأمن والاقتصاد والثقافة والتواصل بين الشعوب بما فيها تأسيس منظومة أمنية ومنظومة اقتصادية للمنطقة، وإن صورة القادة، ولاسيما الملك عبد الله بن عبد العزيز، ملك المملكة العربية السعودية، وهو يدخل القاعة ممسكًا بيد الرئيس الإيراني، أحمدي نجاد، ومحاطيْن بقادة دول مجلس التعاون الخليجي صورة مؤثرة، وأضاف: "إنني أعتقد أن المنطقة على أعتاب فرصة مشابهة، لعلنا نستطيع استغلالها هذه المرة بشكل أفضل من سابقتها".

وأشار الدكتور العويشق إلى توقيت انعقاد مؤتمر الحوار العربي-الإيراني؛ فقال: "إنني أهنئ المنظمين على اختيار هذا التوقيت الجيد، والذي يأتي بعد انعقاد مؤتمر القمة العربية في جدة، يوم 16 مايو/أيار 2023، بعدما أصبحت الرؤية أكثر وضوحًا حيال العلاقات العربية-الإيرانية، وكذلك بعد الاجتماعيْن اللذين عُقدا في بيجين بين المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية الإيرانية، في 10 مارس/آذار و6 أبريل/نيسان 2023، مما يقود إلى التفاؤل بأن تؤدي عودة العلاقات الدبلوماسية بين المملكة وإيران إلى انفراجٍ أشمل في المنطقة، كما عبَّرت عن ذلك الدول الثلاث التي شاركت في هذا الاختراق الدبلوماسي المهم".

وأضاف العويشق أن ترؤس المملكة العربية السعودية للقمة العربية هذا العام يعتبر فرصة مواتية لتنفيذ تلك الرؤية التي اتضحت من خلال اتفاقيات بيجين، وقال: "إن الشعوب العربية والإيرانية على ضفتي الخليج تتطلع إلى أن يسود الأمن والسلام والاستقرار في الخليج والمنطقة العربية عمومًا، وأن تستعيد العلاقات مع إيران حيويتها وعمقها الثقافي والإنساني الذي عرفته على مدى التاريخ الطويل المشترك".

وأشار العويشق إلى أن هناك قضايا مختلفًا عليها؛ وصفها بأنها في "غاية الأهمية"، وقال: "إنَّ هذا أمر طبيعي ولكن بيننا من المصالح الاقتصادية والإستراتيجية والأواصر التاريخية والمشتركات الثقافية والاجتماعية ما يتطلب السعي لحل تلك الخلافات". وأضاف قائلًا: "إنه قد لا نتمكن من حلها جميعها، فلنتفق على إدارة ما نختلف عليه بالطرق السياسية والدبلوماسية وفق المعايير الدولية والنواميس المتعارف عليها في التعامل بين الدول".

وانتقل الدكتور العويشق إلى أمن الخليج؛ فقال: "إنَّ هذا الأمن جزء لا يتجزأ من الأمن القومي العربي، كما أكدت على ذلك القمة العربية الأخيرة في جدة". وأضاف أن أمن الدول العربية كافةً كلٌّ لا يتجزأ، بل "إنَّ أمن الخليج مطلب دولي"، وأرجع ذلك إلى توسط دول الخليج خطوط التجارة العالمية بين الشرق والغرب، فضلًا عن غنائها بموارد الطاقة التي يحتاج إليها العالم بأسره، ومن ذلك أمن الممرات المائية في الخليج والبحر الأحمر، التي يوليها المجتمع الدولي اهتمامها خاصًا. وقال العويشق: "إنَّ دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية تعمل -من خلال شراكاتها الدولية- على تأمين خطوط الملاحة، ومكافحة القرصنة، وتهريب الأسلحة، وتجارة المخدرات، والجريمة المنظمة. وإنَّ ذلك واجب خليجي عربي دولي".

وأشار العويشق إلى أنه يمكن لدول المنطقة، مثل دول مجلس التعاون والعراق وإيران، أن تلعب دورًا أكبر في التجارة الدولية إذا هي عملت بشكل جماعي وأحسنت استغلال هذا الموقع الفريد. وأضاف: "بدلًا من إهدار مواردنا الاقتصادية على الصراعات الإقليمية، وسباقات التسلح النووي والصاروخي والتقليدي، فإن دول مجلس التعاون الخليجي تُفضِّلُ أن تعزز رخاء مواطنيها والتنمية بكافة أبعادها الاقتصادية والاجتماعية والإنسانية، وتحقيق التنوع الاقتصادي الضروري للاستدامة".

وأوضح العويشق أنه في العام الماضي (2022) تجاوز حجم اقتصاد دول مجلس التعاون الخليجي تريليوني دولار للمرة الأولى في تاريخها؛ مما جعل اقتصاد دول هذا المجلس يحتل المرتبة الثامنة دوليًّا من حيث الحجم، وقال: "إنَّ منطقة مجلس التعاون كانت أسرع المناطق نموًّا في العالم، وإننا نتوقع أن تستمر هذه المعدلات الصحية خلال السنوات القادمة، بل قد تتجاوزها إذا استتب الأمن والاستقرار والتفاهم في المنطقة"، وقال: "إن هذا هو هدف الاجتماع [مؤتمر الحوار العربي-الإيراني] في هذا اليوم".

وانتقل العويشق إلى العام الذي تأسس فيه مجلس التعاون لدول الخليج العربية، عام 1981، فقال: "إنَّ حجم الناتج المحلي الإجمالي للدول الست كان في هذا العام 280 مليار دولار، وإنَّ من المتوقع أن يصل هذا الرقم خلال العام الجاري (2023) إلى 2.1 ترييلون دولار؛ أي إنه تضاعف نحو 8 مرات خلال أربعين عامًا الماضية، أو بنسبة زيادة تعادل في المتوسط 18% سنويًّا، وهو معدل غير مسبوق".

وأرجع العويشق أحد أسباب هذا النمو السريع إلى استقرار دول مجلس التعاون، وإلى التكامل بينها، وفتحها لأسواقها، وتحرير بيئتها الاستثمارية، وإلى الدعم المتبادل بينها.

وضرب العويشق مثالًا على التقدم الاقتصادي الذي ذكره بدولة قطر؛ فقال: "كان حجم اقتصاد قطر عام 1981 حوالي 9 مليارات دولار، بينما المتوقع أن يبلغ بنهاية عام 2023 حوالي 220 مليار دولار، متضاعفًا 24 مرة خلال تلك الفترة، [ولهذا] فإن الاقتصاد القطري اليوم من أسرع اقتصادات المنطقة نموًّا".

واستطرد العويشق قائلًا: "إنه بالإضافة إلى النمو الاقتصادي، سواء في قطر أو في بقية دول مجلس التعاون، فإن مؤشرات التنمية الاجتماعية تجاوزت المتوسطات العالمية، كما هي الحال في التعليم والصحة والخدمات الاجتماعية، وأصبحت جامعاتها ومعاهد الأبحاث فيها ضمن أفضل المؤسسات التعليمية في العالم، وإنها تمكنت من تحقيق الكثير من أهداف التنمية المستدامة قبل المواعيد التي وضعتها الأمم المتحدة".

وأشار العويشق إلى إيران؛ فقال: إنَّ لدى إيران الكثير من المعطيات التي تمكِّنها من تحقيق نتائج مشابهة، ولديها الكثير من الموارد الطبيعية والشباب والواعد والعلماء والباحثين؛ ما يمكِّنها من تحقيق نمو اقتصادي حقيقي بالتكامل مع جيرانها، وإنَّ هذا يتطلب استعادة الثقة ومعالجة العقبات التي تحول دون ذلك".

وعاد العويشق إلى الإشارة لمشاركة الرئيس أحمدي نجاد في القمة العربية، عام 2007، فقال: "إنه بعد مشاركته كُلِّفَت الأمانة العامة لمجلس التعاون بالمتابعة مع الجانب الإيراني للوصول إلى خطوات عملية لتفعيل تلك الرغبة المشتركة التي أعلن عنها القادة في تلك القمة، وأنه تم التوصل إلى توصيات محددة بما في ذلك الدخول في مفاوضات لتأسيس منطقة تجارة حرة بين الجانبين، إلا أن المفاوضات توقفت بعد انشغال إيران لاحقًا بانتخابات 2009 وما صاحبها من أحداث، ثم [ما تلا ذلك من] أحداث الربيع العربي الذي اتخذت إيران ودول مجلس التعاون مواقف متباينة منه".

وأضاف العويشق أن ثمة سببًا منهجيًّا أيضًا كان وراء توقف تلك المفاوضات والمحاولات الأخرى التي سبقتها وهي "عدم التوافق على المرجعيات التي تُبنى عليها تلك المباحثات، وكذلك عدم الاتفاق على آلية سير المفاوضات وتدرُّج مناقشة المواضيع".

وأشار العويشق إلى جملة المراسلات التي تمت بين الرئيس الإيراني السابق، حسن روحاني، وقادة دول مجلس التعاون الخليجي عبر دولة الكويت، وأبرز ما تضمنته تلك المراسلات فقال: إنه في عام 2016، عقب التوقيع على الاتفاق النووي، كانت هناك مبادرة من الرئيس الإيراني، حسن روحاني، حيث بعث بخطاب إلى قادة دول مجلس التعاون من خلال دولة الكويت لفتح صفحة جديدة من العلاقات، وإنَّ مجلس التعاون رحَّب بالمبادرة، وكان هناك تبادل للرسائل خلال عامي 2017 و2018 أيضًا من خلال دولة الكويت، وإنه، بهدف إنجاح هذه المحاولة الجديدة، حرص مجلس التعاون على تحديد الأسس التي يرى أن تُبنى عليها المباحثات الجديدة، وأهمها: الالتزام بالمبادئ التي تحكم العلاقات بين الدول ومنها حسن الجوار، واحترام السيادة الوطنية للدول، واستقلالها السياسي، ووحدة أراضيها، وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، ونبذ الإرهاب والتطرف والطائفية وتجنب إقحام الخلافات المذهبية في الخلافات السياسية.. وإن الجانب الإيراني أُبِلغ بتلك المبادئ، التي تُعدُّ مبادئ أساسية في القانون الدولي، وتضمنها ميثاق الأمم المتحدة، ويؤكد عليها مجلس التعاون في كافة الاجتماعات، وكان آخرها في القمة الخليجية التي انعقدت في شهر ديسمبر/كانون الأول 2022، واجتماع وزراء الخارجية، في شهر مارس/آذار 2023، وإنه -خلال تلك المراسلات- لم يكن هناك حديث عن [من هو] المسؤول عن ذلك الموضوع أو ذاك، وإنما كان الحديث حول الالتزام بالمبادئ بشكل عام [....] وإن هذا المراسلات قد أسهمت في إحداث تقارب جيد بين إيران ودول مجلس التعاون [والتفاهم] حول الأسس الحاكمة للمباحثات بين الطرفين، والتي تمت بتسهيل من العراق وسلطنة عُمان، وأسفرت عن نجاح الوساطة الصينية التي نتج عنها قرار إعادة العلاقات الدبلوماسية، وإحياء آليات التعاون بين المملكة العربية السعودية وإيران، وكذلك إعادة إحياء الاتفاقيات التي سبق توقيعها عامي 1998 و2001".

وقال العويشق: إن البيان المشترك الذي صدر في بيجين يتضمن النص على تأكيد الدولتين -إيران والمملكة العربية السعودية- على احترام سيادة الدول، وعدم التدخل في شؤونها الداخلية.. وهذا النص هو أحد المبادئ الحاكمة التي أشرت إليها، وكالتي كانت جزءًا رئيسيًّا من المخاطبات بين الجانبين.

وأوضح العويشق أنه كان كذلك لمؤتمر بغداد للتعاون والشراكة، والذي شاركت فيه إيران، بنسختيه؛ الأولى في عام 2020-2021 والثانية في ديسمبر/كانون الأول 2022، دور مهم في توفير أجواء إيجابية ساعدت على التقارب السعودي-الإيراني.

وأشار العويشق إلى وجود "بعض التوافق على بعض الأسس"، وإنه يأمل في اتساع دائرة هذا التوافق، وقال: "إنَّ ذلك يتطلب تبني إجراءات ملموسة لبناء الثقة وأهمها خفض التصعيد -الذي نرى مؤشرات جيدة له ولكن يجب أن يستمر- ومنها تخفيف حدة التراشق الإعلامي والتوتر المذهبي.. فإنْ توافر هذا فإنني أعتقد أن الأجواء ستكون مواتية أكثر للنجاح هذه المرة للتباحث حول القضايا التي تضمنها بيان القمة العربية الأخيرة وقراراتها، وكذلك تلك التي وردت في كلمتي المتحدثيْن، الدكتور كمال خرازي والدكتور عادل عبد المهدي.. وهي قضايا تشغل بال المواطن سواء كان في الرياض أو طهران أو بغداد أو دمشق أو بيروت أو في صنعاء".

وحدد الدكتور العويشق خمسة مسارات يرى أن العلاقات الإيرانية-العربية يمكن أن تتطور من خلالها، فقال: أولًا: المسار السياسي والدبلوماسي، لمناقشة الأزمات الإقليمية مثل فلسطين وسوريا ولبنان واليمن بهدف الاتفاق على تشجيع الحلول السياسية وفق القرارات الدولية، ونبذ استخدام القوة لتحقيق أهداف سياسية، والحد من الانتشار النووي وتعزيز السلامة النووية وتحقيق الالتزام بالاتفاقيات الدولية المتعلقة بالانتشار النووي، والحد من انتشار الصواريخ والطائرات المسيرة خاصة إلى الأطراف غير الحكومية.

ثانيًا: المسار الأمني، وذلك لمناقشة الإرهاب والميليشيات الطائفية والجماعات المسلحة الأخرى التي تعمل خارج إطار القانون.

ثالثًا: المسار الاقتصادي، لمناقشة تعزيز التبادل التجاري والاستثمار بين دول المنطقة بما في ذلك الاستثمار في الطاقة المتجددة، وتنظيم مؤتمرات الاستثمار والمعارض التجارية.

رابعًا: مسار الاستدامة البيئية، لمناقشة إمكانيات التعاون لإعادة تأهيل البيئة البحرية للخليج والعمل المشترك لمواجهة آثار التغير المناخي.

خامسًا: المسار الثقافي، وهو لا يقل أهمية عن المسارات الأربعة الأخرى، لإعادة إحياء التبادل الثقافي الثري بين العرب وإيران.

وقال العويشق: "إنه من أجل خلق الأجواء المناسبة فمن المهم أن تكون المباحثات واسعة النطاق، لتشمل الجهات غير الرسمية، وتشارك فيها الجامعات ومراكز الأبحاث وقطاعات الإعمال لدى الجانبين، [لأنه] من المهم خلق هذا الزخم خارج الإطار الرسمي".

واختتم الدكتور عبد العزيز العويشق كلمته بالقول: "إنَّ الإنجازات الباهرة الحالية، والتي تحققت خلال العقود الماضية في مجالات الاقتصاد والتنمية والتعليم والثقافة والفنون في دول مجلس التعاون يمكن أن تكون أكثر شمولًا واستدامةً وقوةً في حال توصلت إيران وجيرانها إلى الدرجة المطلوبة من الثقة والتعاون والتكامل في شتى المسارات، وإنَّ التكامل بين الاقتصاد الإيراني والخليجي [لو حدث]، يمكن أن يدفع رتبة هذا الاقتصاد  لتتجاوز المرتبة الثامنة، لأن الاقتصاد الإيراني لديه إمكانات كبيرة وواعدة ومهمة".