متحدثون في ندوة للجزيرة للدراسات: الانتخابات رسخَّت الحكم المدني في تركيا وعززت مكانتها الدولية

11 June 2023
المتحدثون في الندوة من اليمين: نزار كريكش، وأوزدان زينب أوكتاف، وأحمد أويصال، وطه أويجري، وأدارها عبد العزيز مجاهد، المذيع بقناة الجزيرة مباشر. (الجزيرة)

خلصت ندوة نظَّمها مركز الجزيرة للدراسات عن المكاسب التي حققتها تركيا من الانتخابات البرلمانية والرئاسية الأخيرة، وسياساتها في السنوات الخمس القادمة، إلى أن أهم مكسب تحقق هو ترسيخ المسار الديمقراطي، وتأكيد الحكم المدني، وإبعاد هيمنة العسكر عن القرار السياسي التركي. وتوقع المشاركون في الندوة نجاح السياسات المالية والاقتصادية التي ستتبعها الحكومة الجديدة في الحد من التضخم وانخفاض سعر الليرة. كما توقعوا تعزيزًا أكثر للعلاقات التركية-العربية، وغلبة لغة المصالح والتفكير العقلاني على تلك العلاقة، وذلك في سياق التوجه التركي نحو مزيد من الانفتاح على العالم. وأكدوا على أهمية أن تكون "تركيا قوية" لإعادة الاستقرار إلى إقليم الشرق الأوسط.

وكانت الندوة سابقة الذكر قد نظِّمَها مركز الجزيرة للدراسات، بالتعاون مع مركز دراسات الشرق الأوسط (أورسام)، وقناة الجزيرة مباشر، في مركز المؤتمرات بجامعة إسطنبول، تحت عنوان "الانتخابات التركية والشرق الأوسط"، يوم الخميس، 8 يونيو/حزيران 2023، وشارك فيها: أحمد أويصال، رئيس مركز دراسات الشرق الأوسط (أورسام)، وأوزدان زينب أوكتاف، أستاذة العلاقات الدولية بجامعة مدنيات، وطه إيجري، أستاذ الاقتصاد بجامعة كيركلاريلي، ونزار كريكش، الباحث المختص في العلاقات العربية-التركية، وأدارها المذيع بقناة الجزيرة مباشر، عبد العزيز مجاهد.

في بداية الندوة رحبت الدكتورة عائشة غول، عميدة كلية العلوم السياسية بجامعة إسطنبول، بالحضور، وأكدت على أهمية توقيت انعقادها في أعقاب إعلان نتائج الانتخابات البرلمانية والرئاسية، وتوجه تركيا نحو مزيد من توثيق صلتها بالعالم العربي.  

قدَّمَ المشاركون في الندوة قراءتهم لنتائج الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التركية الأخيرة، واستعرضوا عوامل فوز تحالف الجمهور الحاكم وأسباب إخفاق تحالف الشعب المعارض. كما سلَّطوا الضوء على أسباب الإقبال الكبير من الناخبين الأتراك على صناديق الاقتراع، ودلالة هذه النسب التصويتية العالية. وناقشوا كذلك دلالة الاهتمام العالمي بتلك الانتخابات وحرص العواصم الكبرى على المتابعة الحثيثة لنتائجها.

وأفردت الندوة مساحة من النقاش لتحليل انعكاس فوز حزب العدالة والتنمية والرئيس، رجب طيب أردوغان، على العديد من الملفات الداخلية والخارجية، وطرق تعاملهما مع التحديات التي ستواجه تركيا في السنوات الخمس المقبلة؛ ولاسيما المتعلق منها بتداعيات الزلزال وإعادة إعمار المناطق المدمَّرة، وقضية اللاجئين السوريين ومطالبة قطاع من المعارضة بإعادتهم إلى وطنهم، فضلًا عن مشكلة التضخم وتهاوي سعر الليرة أمام الدولار.

وأخذت الملفات الخارجية نصيبها من نقاشات المشاركين في الندوة، وبالأخص مستقبل العلاقة مع روسيا في ظل صعوبة المحافظة على التوازن بين المصالح التركية والعلاقة المتوترة بين روسيا والغرب، واتجاهات السياسة التركية إزاء بعض دول الشرق الأوسط مثل دول الخليج ومصر وليبيا.

واختتم المتحدثون نقاشهم بالحديث عن رؤيتهم لمرحلة ما بعد أردوغان والبدائل المحتمل قيادتها لتلك المرحلة، سواء من حزب العدالة والتنمية الحاكم أو من المعارضة.

ترسيخ المسار الديمقراطي وتعزيز الحكم المدني

أشار أحمد أويصال، رئيس مركز دراسات الشرق الأوسط (أورسام)، في مداخلته إلى أهمية الانتخابات التركية وأرجعها إلى أهمية ومكانة تركيا في محيطها القاري باعتبارها رابطًا بين القارتين الآسيوية والأوروبية، وأرجع سبب إقبال الناخبين الأتراك على التصويت بنسب عالية إلى شعور المواطن التركي بأهمية صوته في الترجيح بين المتنافسين. وأوضح أن التصويت كان على إما أن تستمر تركيا في نفس الاتجاه؛ بلدًا قويًّا، ديمقراطيًّا، مستقلًّا، أو أن تعود إلى الوراء؛ بلدًا يعيش تحت الوصاية العسكرية والدولية، وأكد على أن أكبر إنجاز للرئيس رجب طيب أردوغان هو ترسيخ الحكم المدني، وإبعاد السلطة عن الحكم العسكري، وإزالة الفجوة بين الحاكم والمحكوم بحكم ديمقراطي حقيقي.  

وأوضح أويصال أن اندماج العرب المقيمين في تركيا سيكون أسرع مع تسريع معدلات النمو الاقتصادي، وأكد على أهمية الدور الذي يقوم به العرب في الاقتصاد التركي سواء المستثمرين الكبار أو أصحاب المشاريع المتوسطة والصغيرة، وأنهم "عامل تسريع للنمو الاقتصادي".

وعن العلاقات المستقبلية بين تركيا وسوريا في ظل نظام الرئيس، بشار الأسد، أشار أويصال إلى أن المصلحة التركية تقتضي مزيدًا من التشاور مع بقية الدول حول هذه المسألة، وأن من الأفضل لبلاده أن تبحث عن الفرص في كل ما يحدث حولها، كما فعلت أثناء جائحة كورونا وأثناء الحرب الروسية-الأوكرانية الراهنة، وكما هو حادث أيضًا من توتر العلاقات الصينية-الأميركية... "ففي وسط كل هذه التناقضات يمكن لتركيا أن تجد أوجه إفادة".

وأشار أويصال إلى أن تركيا معنية بما يجري في السودان ويهمها عودة الاستقرار لهذا البلد، كما أنها لا تريد صراعًا في المنطقة على امتلاك السلاح النووي، موضحًا في هذا الصدد -وردًّا على سؤال من أحد الحضور- أن تركيا لا تريد لإيران امتلاك سلاح نووي كما هو موقفها الرافض لامتلاك إسرائيل ذات السلاح.

علاقات خارجية أكثر انفتاحًا

أما أوزدان زينب أوكتاف، أستاذة العلاقات الخارجية بجامعة مدنيات، فانتهت في مداخلتها إلى أن علاقات تركيا الخارجية بعد الانتخابات ستستمر على ما هي عليه لكن "بليونة أكثر"، خاصة مع الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي. وأوضحت أن الانتخابات الحالية كانت بالنسبة إلى أردوغان بمنزلة "إثبات الذات" أمام الغرب والولايات المتحدة. وأشارت في هذا الصدد باستنكار إلى تناول بعض وسائل الإعلام الغربية لشخصية الرئيس رجب طيب أردوغان تناولًا سلبيًّا، وأوضحت أن الغرب "سارع لمباركة فوز أردوغان بعدما ثبت فشله في الرهان على المعارضة".

وأشارت إلى ثقة قطاعات من الشعب التركي في الرئيس أردوغان، واستشهدت بنسب التصويت لصالحه في المناطق التي ضربها الزلزال، وأرجعت ذلك إلى ثقة الناخبين هناك بأنه الأقدر على إعادة إعمار تلك المناطق وجبر الضرر الذي لحق بهم.  

وأكدت أوزدان زينب على أن سياسة أردوغان في الانفتاح على العالم بتوازن سوف تستمر، وأن الابتعاد عن الأحلاف والاستقطابات سوف يستمر.

وثمَّنت موقف أردوغان تجاه غير الأتراك ممن يختارون تركيا للعيش فيها، وأوضحت أن هذا الموقف هو الذي جعل هؤلاء ينزلون إلى الشوارع فرحين بفوز أردوغان في الانتخابات.

نمو اقتصادي واعد

ركَّز طه إيجري، الأستاذ بجامعة كيركلاريلي، في مداخلته على القضية الاقتصادية وتأثيرها في الانتخابات التركية، وتحدث عن توقعاته للاقتصاد التركي في السنوات الخمس القادمة، فأوضح أن الأزمة الاقتصادية التي تعيشها البلاد حاليًّا تعود في بعض أسبابها إلى تداعيات جائحة كورونا والحرب الروسية على أوكرانيا، وأن تركيا ما إن بدأت تتكيف مع تداعيات هذه السببين حتى جاءها الزلزال المدمر فأثَّر على جنوب شرق تركيا وما استلزمه من تخصيص ميزانية لسد احتياجات المتضررين، وإعادة إعمار المناطق المنكوبة، وأشار إلى أن المنطقة التي تضررت بالزلزال كانت تشتهر بالعديد من الصناعات ومن أبرزها صناعة المنسوجات التي تأثرت بشدة جرَّاء ما حدث، وهو ما أثَّر على الاقتصاد التركي ككل.

وأوضح إيجري أن الناخبين لم يقتنعوا بقدرة المعارضة التركية على حل الأزمة الاقتصادية التي يعيشونها، وإنما وثقوا في قدرة الرئيس أردوغان فمنح جزء كبير منهم أصواته إليه.

وأشار إلى التفاؤل الذي عمَّ الشارع التركي باختيار الرئيس لوزير المالية والخزانة، محمد شيمشك، والذي سيعمل على الملف الاقتصادي بالتعاون مع نائب الرئيس، جودت يلماظ، المتخصص أيضًا في المالية. وأوضح أن الأولوية في المرحلة القادمة ستكون لإشاعة جو الاستقرار على البيئة الاستثمارية والاقتصادية التركية.

وتوقع ألا يحدث تضارب بين وجهتي نظر وزير المالية الجديد، محمد شيمشك، والرئيس أردوغان فيما يتعلق بالسياسة المالية، مُرجعًا ذلك إلى الاجتماعات العديدة التي عقداها قبل الإعلان عن توليته الوزارة، والاتفاق في تلك الاجتماعات على الخطوط العريضة للسياسة المالية وسعر الفائدة خلال المرحلة القادمة، والتي من المتوقع أن تشهد ارتفاعًا نسبيًّا.

دور إقليمي منتظر

تحدث نزار كريكش، الباحث المختص في العلاقات التركية-العربية، في مداخلته عن تلك العلاقة ووضعها في سياق بحث الطرفين عن مصالحه وما يتطلبه ذلك من تدوير للسياسات. وأوضح أن المنطقة العربية خصوصًا والشرق الأوسط بوجه عام فقد "النظام الإقليمي الحقيقي"، وشدَّد على أهمية أن تقوم "الدول الإقليمية"، وعلى رأسها تركيا، بدورها في استعادة النظام الإقليمي المفقود، وأشار إلى بعض السلبيات التي وقعت فيها المعارضة، ومنها أنها صورت للشعب التركي وكأن تركيا ستعود للارتماء في أحضان الغرب؛ متخليةً بذلك عمَّا تحقق من استقلالية في سياساتها الخارجية طيلة العقدين الماضيين.

وأكد كريكش على أن تركيا لن تتخلى عن "الإقليم"، ولا عن وجودها في شمال إفريقيا وشرق البحر المتوسط، وأوصى بأن تفهم تركيا هذه المناطق أكثر، وأن تضع لنفسها "إستراتيجية دخول وخروج"، وأن تبحث مع الدول العربية المهمة، مثل السعودية ومصر، عن "نظام إقليمي أفضل للمنطقة".

وأشار في هذا الصدد إلى "التغير الإيجابي" الذي حدث في السعودية ومصر، وأوضح أن السعودية في السنوات الأخيرة بدأت تتخذ قراراتها بنوع من الاستقلالية عن الغرب؛ خدمةً لمصالحها، كما أن مصر بدأت تتعامل "بعقلانية"، خاصة بعدما ثبت لها أن الإمارات تعمل في بعض الملفات ضد المصالح المصرية، وضرب على ذلك مثلًا بدعم الإمارات لقوات الدعم السريع في السودان عن طريق خليفة حفتر في ليبيا، على حدِّ قوله.

وأوصى كريكش بتعزيز تركيا "لهذه العقلانية"، وفي هذا الإطار توقع تعزيز تركيا لعلاقاتها مع العالم العربي، موضحًا أن "ما ينقص تركيا والمنطقة هي الرؤية الإستراتيجية لعالم متحول ومتشابك"، ومؤكدًا على ضرورة تجاوز فكرة "أن ننعزل ونغلق الأبواب"، لأن "العالم متشابك المصالح ولا يمكن معه العزلة والانغلاق".