هندسة المحتوى الرقمي في شبكات التواصل الاجتماعي: فصل من حروب الأجيال الجديدة (الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة مايو/أيار 2021 نموذجًا)

تناقش الدراسة إشكالية "سلطة" شبكات التواصل الاجتماعي، وسياستها في حذف ومنع المنشورات التي لا تناسب توجهاتها، دون التدقيق في السياق الذي وردت فيه الكلمات الممنوعة. وتحاول الإجابة عن هذا الحقل الاستفهامي في سياق الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، في مايو/أيار 2021: هل شبكات التواصل الاجتماعي وسيلة اتصال مفتوحة لها التزام أخلاقي وقانوني لاستيعاب جميع الآراء والمواقف والمعتقدات أم تحاول تقديم صورة مزيفة للوقائع؟ هل تسمح هذه المنصات فعلًا بالتدفق الحر للمعلومات أم تقيِّد بشكل مباشر أو غيرمباشر حرية الرأي والتعبير من أجل تحقيق مصالح القوى السياسية الحاكمة؟ وفي نفس السياق، كيف أدى الانفتاح الشبكي إلى إظهار حجم الحجب الذي يتعرض له الناشطون مؤيدو القضية الفلسطينية؟
تنتهج شبكات التواصل الاجتماعي سياسة الإسكات التعسفية من خلال حذف منشورات النقد المشروع للسياسة الإسرائيلية (رويترز)

أدى الانفتاح الشبكي إلى أن تصبح بعض القضايا عالمية، ونقل هذا التوجه التواصلَ من معادلة "البث من الفردي إلى المجموعة" إلى معادلة "البث من مجموعة إلى مجموعة أخرى". وقد بات من الواضح أن التأثيرات الإعلامية كان لها دور بارز في الحروب، كي لا نقول: الدور الأساسي فيها. وكما تغيَّرت صورة العالم تغيَّرت أيضًا أدوات الحروب وأنماطها، وانتقلت من جيل إلى جيل، كما هي الحال بالنسبة لجيل الإنترنت وجيل التقنيات الرقمية، إلى أن وصلنا إلى استخدام الوسائط كافة فيما يسمى حروب الجيل السادس المتعلقة بالتطور التقني الذي يشهده العالم والانفتاح الشبكي الذي أثر في أساليب الحياة كافة، ويعد عمادها اللغة والصورة والصوت.

وتختلف أدوات الحروب وأساليبها باختلاف الأزمنة؛ إذ إن عثور بعض علماء الآثار على خنجر مصنوع من الكريستال الصخري، يعود إلى ما قبل 5 آلاف عام(1)، يُثبت سعي الإنسان القديم والمستمر إلى تطوير الأدوات الحربية. وهو لم يكتف بتطوير الأسلحة، بل كان يقوم أيضًا بتطوير جميع تقنيات الحروب السابقة وإستراتيجياتها وأيديولوجياتها، حتى مررنا بأجيال ستة هدفها واحد.

وكان الجيل الأول من الحرب يدور حول المعارك التي خاضها عدد كبير من الجنود بتكتيكات الخطوط والصفوف. أما الثانية، وهي حرب البنادق والدبابات، فقد بلغت ذروتها في الحرب العالمية الأولى، واتسمت بقوة نيران هائلة وشعار معركة "فردان" الشهير: "نيران المدفعية تقهر العدو.. والمشاة تحتل الأرض". وتميزت حرب الجيل الثالث بالحيلة والمناورة، واستبدال الهجوم المباشر لتحلَّ تكتيكات التسلُّل التي أتقنها الجيش الألماني بدلًا منه، فلا جبهات محددة في هذه الحرب، ولا خطوط منتظمة. وكانت الحرب الرابعة حربًا مفتوحة، جرى فيها تعزيز النهج غير المركزي المستخدم في جيل الحروب السابقة؛ إذ لم يعد هناك أي جبهات يمكن تحديدها، وأصبح الأمر متعلقًا بمحاولة كسر الإرادة السياسية للعدو. وقد استُخدمت فيها أسلحة جديدة، مثل الوسائل الإعلامية والمنظمات وممارسة الضغوطات الاقتصادية وبث صراعات ثقافية... أما حروب الجيل الخامس، فهي نتاج للتطور التقني الحاصل في مختلف المجالات. وقد استُخدِمت فيها تقنيات جديدة، مثل الصواريخ المضادة للدروع، والطائرات المسلحة من دون طيار، وأنظمة الكشف والتحذير العسكرية القادرة على تحديد الهوية واتخاذ القرار، ومعدات الرؤية الليلية، وأجهزة الاستقبال الحساسة، ومعدات الاستطلاع الصوتي، ومعدات تحديد الإشعاع الذري، ومعدات التعريف الكيميائي، وأنظمة الدفاع الجوي، وأنظمة التحذير من الصواريخ العابرة للقارات، والتكتيكات الهجومية السيبرانية التي يمكنها إشغال قارة بأكملها.

ويمكن إضافة جيل سادس من الحروب. أول من أطلق هذه التسمية عليها هو الجنرال الروسي، فلاديمير سليبتشينك، وهي الحرب التي تُدار عن بعد(2) من خلال تجنيد الإعلام وشبكات الإنترنت، واستخدام الحيوانات أدوات للتجسس، والحرب البيولوجية ونشر الفيروسات. ومثلما ترك التطور التقني أثرًا في الحروب، فقد ترك أثرًا في الإعلام الذي بات يتناسب مع السلطة التي توجه المجتمعات. ومن أهداف هذه الحرب استخدام الإعلام لإضعاف العدو، وقد أسماها البعض بالحرب النفسية. وبشكل عام، يعتبر الإعلام والحرب الإعلامية من أبرز مكونات الحرب الناعمة والحروب الدولية الجديدة، وهي الحرب الوحيدة التي تستمر بين الدول بشكل غير معلن؛ إذ تستخدم كل دولة أقصى قوتها لدفع أهدافها السياسية باستخدام وسائل الإعلام من خلال صقل مفاهيم جديدة تتناسب مع التغيير، وذلك على حساب مجتمعات وقضايا معينة. وخلال الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، في 10 مايو/أيار 2021، والتي أسمتها بعملية "حارس الأسوار"، ووصفتها المقاومة الفلسطينية بـ"معركة سيف القدس"، برزت سياسة التعمية والتضليل الإعلامي إلى العلن في محاولة لتغيير مسار حرية التعبير. وانطلاقًا من ذلك، تطرح الدراسة إشكالية تتعلق بفصل من فصول الجيل السادس من الحروب، كشاهد على التغيرات الرقمية.

1. الإطار المنهجي للدراسة

تساؤلات الدراسة وفرضياتها

لم تشهد المجتمعات من قبل خلال مسار تطورها ووسائل تقدمها عبر التاريخ تدفقًا للمعلومات بهذه الغزارة. لذلك بات الإنسان اليوم محاصرًا بالمعلومات التي لم تعد حكرًا على فرد أو فئة دون أخرى، كما أصبحت وسائل الاتصال الحديثة ساحة مفتوحة لكل من يود الإدلاء برأيه، غير أن الفارق ما زال نفسه فيما يتعلق بقدرة من يتحكم بهذه الوسائل من أجل التأثير في العقول بطريقة ناعمة. وهنا تبرز الأسئلة التالية: هل شبكات التواصل الاجتماعي وسيلة اتصال مفتوحة لها التزام أخلاقي وقانوني لاستيعاب جميع الآراء والمواقف والمعتقدات أم تحاول تقديم صورة مزيفة للوقائع؟ هل تسمح هذه المنصات فعلًا بالتدفق الحر للمعلومات أم تقيِّد بشكل مباشر أو غير مباشر حرية الرأي والتعبير من أجل تحقيق مصالح القوى السياسية الحاكمة؟ وفي نفس السياق، كيف أدى الانفتاح الشبكي إلى إظهار حجم الحجب الذي يتعرض له الناشطون مؤيدو القضية الفلسطينية؟

وانطلاقًا من أبعاد المشكلة البحثية التي يطرحها هذا الحقل الاستفهامي، تفترض الدراسة أن:

- منصات التواصل الاجتماعي تمارس الرقابة على المحتوى متجاوزة بذلك حرية التعبير.

- القوى السياسية تسخر شبكات التواصل الاجتماعي بما يتناسب مع سياساتها ومصالحها من خلال تشويه الرواية ومحاولة قلب المعادلات.

- منصات التواصل الاجتماعي تضع المتلقي في خانة المواجه المحلِّل والناقد للحقائق القائمة، فيكون على دراية كافية بمجمل الأحداث التي تدور من حوله.

منهجية الدراسة

اعتمدت الدراسة منهجًا مختلطًا يقوم على الوصف والتحليل من أجل وصف هذه الظاهرة وتحليلها. كما استندت إلى أسلوب تحليل المضمون الرقمي بهدف ملاحظة مضمون الرسائل الفلسطينية والإسرائيلية على الجدار الافتراضي، وذلك بشكل موضوعي متحرر من أي نزعة شخصية. وقد جرى تحليل بعض البيانات من خلال اختيار عينات عشوائية تتعلق بالجانب الإسرائيلي والفلسطيني خلال فترة الحرب التي شنتها إسرائيل على قطاع غزة، في 10 مايو/أيار 2021.

هدف الدراسة

تهدف الدراسة إلى تحديد أساليب تحكم شبكات التواصل الاجتماعي في الخطاب الذي تنتجه الذات الفلسطينية، ورصد حجم التضليل الذي استهدف الفلسطينيين وكيفية التصدي له خلال الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة. كما تسعى إلى إبراز مكونات صورة الذات الفلسطينية والإسرائيلية من خلال تحليل ردات الفعل على مواقع التواصل الاجتماعي.

وتحاول الدراسة أيضًا إبراز بعض الجوانب المختلفة المتعلقة بالنشر الإلكتروني للصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، وترتكز على الروايات المتنافسة أثناء المواجهات؛ إذ تصطف الخطابات السياسية والإعلامية المختلفة مع المؤسسة السياسية المهيمنة لإنتاج تمثيل إعلامي متناسب مع أيديولوجيتها ومصالحها السياسية، على افتراض أن الصحافة، تحت ستار التقارير الواقعية والموضوعية، تبني وجهات نظر عالمية مؤثرة من خلال إدارة تكوين تصورات الناس للواقع؛ ومن ثم يكون لها دور في إعادة إنتاج الأيديولوجيات التي تنظم المعرفة، وتحدد المواقف ووجهات النظر المقبولة بحسب الرأي العام الموجه. فعندما تكون الغالبية مقتنعة بما يُعبَّر عنه تصبح إمكانية تصديقه أكبر بكثير مما يشاع أنه مزور أو ملفق.

2. وسائل التواصل الاجتماعي: من منصات لنقل الصورة والخبر إلى ساحة للنزاعات

بسبب السيبرنتيك وتقنيات التواصل طرأ تحول كبير على نظام القيم العالمي؛ فبعد أن باتت شبكة المعلومات (الإنترنت) عامة، أصبحت الرقمنة متاحة للجميع، ولم تعد حكرًا على المؤسسة العسكرية الأميركية والجامعات، إثر تحركات قادتها عدة منظمات، "هبيز" وغيرها من المنظمات الشبابية، رفضت مبدأ الإعلام المركزي، وطالبت بديمقراطية المعلومات. وبات المحتوى على الجدار الافتراضي يرمز لتصورات الناس للواقع. وتسعى وسائل الإعلام إلى إعادة هيكلة العناصر السياقية لهذه التصورات بطريقة تنقل الصورة المطلوب إيصالها. ويمثل ذلك وسيلة من وسائل الإقناع المباشر، مع المرور بمرحلة التحرير الكتابي والتفسير لما يقال ويعبَّر عنه، من حيث مجموعة من العمليات الانتقائية يُرْتَكَز عليها لتعديل أو تشويه الصورة. عندئذ سيكون للمعطيات "الخام" تراكيب مختلفة لنفس الواقع.

إذن، نحن في مرحلة التعامل مع أبعاد جديدة للتواصل تختلف عن سابقاتها، فالفضاء الرقمي أرسى ثقافة المشاركة، وهو ما يؤثر حتمًا في دور الإعلام من جهة، وفي السلطة الإعلامية من جهة ثانية. فالنشر الرقمي ساعد في طرح القضايا باختلاف أنواعها، وبات المواطن فاعلًا ولكن ليس إعلاميًّا، لأن هناك فرقًا كبيرًا بين الإعلامي المختص وناشر الأخبار.

وبعد أن أنهت شبكات التواصل الاجتماعي عصورًا من الاحتكار الإعلامي، نراها اليوم تخالف حق حرية التعبير الذي اعتبرته هدفها الأسمى. وقد دخلت في ممارسات منحازة يمكن أن ندرجها تحت فئة "اللاحياد الخوارزمي"؛ إذ تتعرض مجموعة كبيرة من الحسابات والمنشورات المناهضة لإسرائيل للحجب بحجة نشر أخبار مضللة أو بحجة "الحذف بالخطأ"، كما جرى مع حساب الناشطة مريم البرغوثي في تويتر(3)

في المحصلة، نعيش اليوم في مرحلة بناء مفاهيم جديدة(4)، لا تلغي ما سبق من مفاهيم، ولكن ترتكز عليها. وتتبلور هذه المفاهيم الجديدة مع مظاهر الثورة الرقمية والتقدم التكنولوجي، مثل: حروب الجيل السادس، وسلطة شبكات التواصل الاجتماعي، والاحتكار الإعلامي، وسياسة إدارة المحتوى. وتتناسب هذه المفاهيم مع التغيرات الرقمية التي من الممكن أن تكون ركيزة الحضارة الرقمية. فهي لا تُبنى على الإبستمولوجيا فقط، بل على الميتا-إبستمولوجيا، أي دراسة المفاهيم الراسخة بذاتها لبناء مفاهيم جديدة لفهم الحاضر-المتغير؛ إذ لا يمكن تحليل وفهم الحاضر بالأدوات الفكرية القديمة، لاسيما عندما نكون في حالة تغيير جذري وشامل في أساليب الحياة. فنحن الآن في مرحلة الإنسانيات الرقمية، أي التجديد والابتكار في العلوم الإنسانية من خلال بناء معرفة تتناسب مع الثورة الرقمية، كونها المسبب الأول للتغيير(5).

وقد استطاعت الحروب استغلال الرقمنة على صعيد التقنيات والبيانات والإعلام. فما أن اشتعل الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، خلال حرب مايو/أيار 2021، حتى بدأت المنابر تدعو إلى ساحات الجهاد الرقمية، وظهرت الإرشادات والنصائح على اختلافها: "كيف تدعم القضية الفلسطينية في وسائل التواصل؟"(6)، و"كيف تكون مقاومًا رقميًّا؟"، و"ادعم غزة بالتمرد في فيسبوك"(7). كما تصدَّر وسم (#أنقذوا حي الشيخ_جراح)، باللغتين العربية والإنجليزية، قائمة أكثر الوسوم انتشارًا في العالم، بحسب موقع دويتشه فيله(8). وقد تنوعت الدعوات من المطالبة بإيقاف النشر في هذه المنصات لمدة زمنية محددة، أو خفض التقييم، أو نشر محتوى داعم وجريء.

وبحسب الأكاديمية فتحية معتوق(9)، يوصف العصر الحاضر بأنه عصر تداخل معرفي وتأثير اتصالي يأتي من الالتزام بقضية تحدد مسار سلوكية الفرد، وهو ما يدفع إلى الانخراط فيها. وقد أعطت التقنية الفرصة لتطبيق الالتزام بقضية معينة للجميع بشكل سريع، سهل وعلني. وبرز هذا الدور بشكل واسع من خلال شبكات التواصل الاجتماعي التي أدت إلى البحث عن براديغمات جديدة تناسب هذا النوع من الاتصال. وظهرت هذه الفكرة بوضوح خلال الحرب الإسرائيلية على غزة (مايو/أيار 2021)؛ إذ إن الشعوب المناهضة لإسرائيل عبَّرت عن موقف متضامن مع قضية تعتبر من أهم القضايا على الصعيد العربي والعالمي إلا أن تحكُّم القوى النافذة سياسيًّا بالمحتوى الإعلامي يُمكِّنها من السيطرة على الحقائق. وعلى سبيل المثال، يتفق بعض النقاد على أن وسائل الإعلام الأنغلوساكسونية تدعم الإسرائيليين في الصراع مع الفلسطينيين وهذا وفقًا للسياسة الخارجية لحكوماتهم(10). وخلال هذه الحرب رصد الباحث تضليل شبكات التواصل الاجتماعي للرأي العام من خلال تقييد المحتوى الفلسطيني، وانتهاك حقه الإعلامي في حرية الرأي والتعبير؛ إذ جرى رصد حوالي 220 انتهاكًا خلال العدوان، وذلك بحسب منظمة عربية تعنى بحقوق الصحفيين(11).  

3. سلطة الشبكات الإعلامية

بعد الانتقال من ترابط الشبكات المعلوماتية الخاصة داخل المؤسسات التي كان لها معايير خاصة إلى الشبكات العالمية التي تستخدم معيارًا موحدًا (internet protocol)، وبعد التحول الذي حصل في عالم الإنترنت، والانتقال مما يسمى الويب 1 إلى الويب 2 (نحن الآن في المرحلة الانتقالية من الويب 2 إلى الويب 3، كما أن بعض معالم الويب الرابع بدأت بالبروز من خلال تبادل الرسائل والمعلومات ذاتية التحكم بناء على برمجيات الذكاء الاصطناعي العصبية)، الذي سمح للمستخدم بأن يكون مشاركًا في المعلومات، أصبحت النصوص متاحة للجميع، وبات كل فرد مشاركًا في القراءة والكتابة، ما أدى إلى سهولة في التواصل والتعبير.

ومن الناحية الفنية، إن الشركات الإعلامية الكبرى هي احتكار "القلَّة" لـ"الكثرة"، فعدد وسائل الإعلام كبير جدًّا، وهو يتزايد باستمرار؛ إذ تنقل رسالتها إلى المزيد من الناس، لكنها تُحكِم السيطرة والرصد العلني وغير العلني. فالحروب الحديثة ليست، حُكمًا، حروبًا عسكرية للسيطرة على الأرض، بل هي حروب تدار عن بعد، من خلال التحكم بالسلطة، عبر تغييرها بما يتناسب مع الأقوى، وبأساليب وإستراتيجيات عديدة تتعلق بالتأثير الداخلي في المجتمعات بالاشتراك مع بعض الجماعات الداخلية والهيئات المدنية على اختلاف أنواعها(12).

ولا تُستخدم تقنيات الحرب السادسة في خدمة الواقع لرسم صورة حقيقية له، بل إن ثقافة التعمية والدعاية والتضليل تحضر بكثافة، وهي تبث رسائل ضمنية تهدف إلى التلاعب بالسلوكيات العامة، من خلال أساليب التأثير النفسي التي تتم من خلال دراسات أنثروبولوجية (أي دراسة المجتمعات البشرية وسماتها) للارتكاز على ثغرات معينة، وذلك بهدف استغلالها وتسييرها بما يناسب القوى المتحكمة بوسائل الإعلام(13).

وتبحث هذه الحروب عن زعزعة الاستقرار الداخلي للوصول إلى إسقاط الدول من أجل خلق واقع جديد انطلاقًا من استخدام جيوش رقمية(14) وروبوتات، وهو ما يحصل في مجال الإعلام، من خلال بناء منصات تعمل لبث الأخبار وفبركتها. كما أن هذه الحروب ليست بعيدة عن الحركات التي تطمح إلى تنشيط قدرات الأفراد بشرائح رقمية مغروسة في الأجساد للوصول إلى ما يسمى بالبعد "ما بعد-الإنسانية"(15).  

وللتذكير بناءً على التاريخ، كما نُعرِّفه كعلم الزمان، وبالارتكاز على تداخله مع العمل الإعلامي حال كونه مصدرًا للمعلومات، فإن الحرب الإعلامية كانت موجودة منذ العصور القديمة، وكانت جزءًا لا يتجزأ من سياسات القوى العظمى. وما غيَّر نوعية وكمية هذه الحروب اليوم، هو تطوير البنية التحتية الإعلامية والتكنولوجيا في القرن الماضي. وقد أصبحت الحرب الإعلامية مجالًا علميًّا وإستراتيجيًّا شكَّل الطبيعة الأساسية للقوة العسكرية الاقتصادية والثقافية والسياسية للدول.

وتعتمد هذه الحرب النفسية ذات الطابع الاستخباراتي على جمع البيانات الشخصية ونشر الفوضى، وتسهم في الحث على العنف. ويؤدي الإعلام دورًا أساسيًّا في هذه الحروب بشكل مباشر. وفي أغلب الأحيان، يتم التمويل المباشر من قِبَل بعض الدول بحجج مختلفة، حيث تقوم بعض المنظمات بابتداع شعارات توحي بالمصداقية، لأنها، في الظاهر، تحمل أبعادًا إنسانية.

وقد واجه العالم ظاهرة تجنيد شباب عرب وأجانب يعيشون في الغرب عبر شبكة الإنترنت، وهو ما يظهر مدى استفادة المنظمات المتطرفة على اختلاف دياناتها وهوياتها من الشبكات الاجتماعية(16). إذن، نحن الآن في مرحلة حرب البيانات الضخمة التي تؤدي دورًا في هذا التلاعب بسلوكية الأفراد، من خلال مراقبة البيانات الفردية والعامة(17).

من منظور آخر، تخلق وسائل التواصل الرقمية وعيًا جديدًا عابرًا للحدود، وغالبًا ما يكون للمعلومات التي يتم إنتاجها ونشرها جمهور عالمي. ويتواصل اليوم عدد لا يحصى من البشر مع "الآخرين" و"الغرباء"، على الرغم من عائق المسافة، ويتبادلون المعلومات. وبالتالي، فإن طريقة الإعلام هذه تروج لثقافة مهجنة، وتحاول السيطرة على الجمهور المستهلك، من خلال تبني شعارات الانفتاح على الآخر والمواطنة الدولية، بدلًا من الانتماء إلى عرق وثقافة وبلد معين. ويمثِّل ذلك نوعًا من أنواع الترويج الافتراضي الذي يقع ضمن نطاق الخطة الإعلامية التي ينبغي لها أن تؤدي دورًا في عملية الإقناع، فالتعابير والأفكار حاليًّا لم تعد نتيجة الأفكار الحقيقية، بل باتت نتيجة التكرار الذي تتمتع به هذه الأفكار، أي التكرار المستمر إلى أن يصبح الخبر حقيقة، مهما كان. وهذا يمكن تشبيهه ببلاغة السفسطائيين، التي كانت تستخدم أساليب الإقناع، بغض النظر عن الحقيقة، استنادًا إلى مبدأ أن الإنسان هو معيار قياس كل شيء، خلافًا لما قاله أرسطو، لاحقًا، لمناهضة هذا التوجه الفلسفي: إن الحقيقة هي المقياس(18)

ويستشف الباحث مما سبق أن فضاء الإعلام الرقمي الحر أدى إلى تغيير في النموذج الفكري(19)، فقد منح حق النشر للجميع، لكن بحسب شروطه. فحتى الآن لم نشهد فعليًّا ترسيخًا لمفاهيم حرية التعبير التي تروج لها هذه الوسائل، ولا نزال في مرحلة فوضى غير منظمة، ولا نعرف حتى الآن كيف ستُنظم، ومن سينظم هذه المعايير؛ فمقياس الأقوى يختلف عن مقياس الأضعف. وقد أدت هذه الفوضى إلى الترويج للإشاعات والأخبار المزيفة التي لا تندرج ضمن القيم الأخلاقية. لقد أصبحنا في مرحلة فَبْرَكَة الواقع، كما ذكرنا، بدلًا من تقديمه كما هو.  

وبشكل عام، فشلت وسائل الإعلام في توجيه الجماهير إلى كيفية التفكير، ولكنها نجحت في توجيههم إلى ما يجب أن يفكروا فيه. إن محاربة هذا النوع من الحروب الناعمة تكون عبر بناء الإنسان المحترس رقميًّا ومعرفيًّا، وإنشاء مؤسسات رصد تتابع وتوجه إعلاميًّا، لأن ما يحصل الآن هو استخدام الإعلام جاسوسًا متخفِّيًا.

ويعتقد البعض أن الإعلام هو من يتحكم بالقوى السياسية بشكل مباشر وغير مباشر(20)، لكن الباحث يتبنى الفكرة التي ترى أن القوى السياسية المتحكمة بالإعلام العالمي هي التي تقرر ما يجب أن يعرفه الناس وفقًا لسياساتها المحافظة(21)، بل أصبحت هي الجهات الفاعلة الرئيسية في التغييرات السياسية في البلاد؛ إذ تؤثر في سن القوانين، وتستخدم سلطتها لزيادة هيمنتها وتنظيم إستراتيجياتها الاحتكارية منعًا للمنافسة.

وقد أدت هذه الرغبة في السيطرة على وسائل الإعلام العالمية واحتكار الحقائق، ومحاولة الهيمنة على إدارات المنصات الأساسية وتشويه الرواية، إلى انحياز وسائل الإعلام، ما أفقدها توازنها ومصداقيتها، ومن ثم تشوَّهت صورة التغطية الإعلامية في ذهن المتلقي.

ومن نافلة القول: إن هذه القوى المتحكمة بوسائل التواصل الاجتماعي لم تستطع السيطرة على كل المحتويات الإعلامية، بالرغم من محاولتها الهيمنة على الخطاب العام أكثر من أي وقت مضى، نظرًا إلى سهولة عملية النفاذ ونشر المعلومات بكميات هائلة، ومحاولات المستخدمين التحايل على الخوارزميات، من خلال خلق برامج معينة وإنشاء الحسابات أو حتى إعادة تحميل الملفات المحذوفة مرارًا وتكرارًا.

4. محاولة كسر القيود

هناك زيادة في المنشورات من قِبَل الأفراد والبرامج الآلية في شبكة الإنترنت (وهي تطبيقات برمجية تُشَغِّل نصوصًا آلية عبر الإنترنت)، والتي تنشر معلومات مفبركة ومضللة في وسائل التواصل الاجتماعي، وخصوصًا خلال أوقات الأزمات والصراعات والتوترات، لتستغل مشاعر الناس. وغالبًا ما ينجذب الأفراد إلى الأخبار الزائفة. والآن، نحن في ظل جيل جديد من الأخبار المزيفة التي تعتمد على التلاعب بالصور والأصوات وتركيب الفيديوهات، بالارتكاز على تقنيات التعليم المعمق (Deep Learning) لخوارزميات الذكاء الاصطناعي(22).

وقد استُثمر ذلك في الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، في مايو/أيار 2021، حيث تداول المستخدمون العديد من المنشورات المزيفة، مثل إضاءة برج القاهرة بألوان العلم الفلسطيني، وفيديو الجنازة الوهمية، وصور المساعدات المصرية، وهي منشورات زائفة، بحسب عدد من المصادر(23). كما نُشرت صور لفتاة تتحدى الجنود، تبيَّن لاحقًا أنها التقطت في تشيلي(24). ونشر المتحدث باسم رئيس الوزراء الإسرائيلي فيديو عبر منصة تويتر يُظهر إطلاق حماس صواريخ من مناطق آهلة بالسكان، بحسب قوله. وقد تبيَّن فيما بعد أن هذا الفيديو قديم، وتم تصويره في سوريا(25).

هذه المطبات الرقمية لا يقع فيها عامة الناس فقط من خلال مشاركتها، دون التأكد منها، بل يقع فيها السياسيون ويحاولون استغلالها. فقد شارك رئيس الوزراء الفرنسي الأسبق، مانويل فالس، صورة انفجار كبير على تويتر، وزعم أنه هجوم شنَّته "حماس" على "إسرائيل"، لكنه حذف منشوره بعد أن تبيَّن أن الصورة تعود إلى هجوم إسرائيلي على قطاع غزة(26). كما تداول ناشطون صورة لفتاة فلسطينية تدعى ملاك، باعتبارها ضحية القصف الإسرائيلي، وتبيَّن لاحقًا أنها تعيش في روسيا.

وقد فرضت الساحة الإعلامية الفلسطينية نفسها خلال المواجهة مع إسرائيل، حيث نُشرت فيديوهات (لو انتبه إليها المسؤولون الإعلاميون الإسرائيليون لطالبوا بحذفها) تُظهر طفلًا إسرائيليًّا صغيرًا يحمل سلاحًا ويتجول بين الجيش الإسرائيلي من دون رقابة، وأطفالًا آخرين يتدربون على القتال باستخدام الأسلحة النارية(27). في المقابل، يُظهر فيديو آخر تعرض طفل فلسطيني للاعتقال، كما يظهر الاعتداء، من دون سبب، على عامل توصيل فلسطيني.

وقد نشر الناشطون في تويتر صورة قتيل مكبَّل اليدين، وإلى جانبه حقيبة كتب، وصورة أخرى لمريض سرطان مُنع من الوصول إلى المستشفى، ما يعكس صورة تعامل الإسرائيليين تجاه المدنيين. ونُشر فيديو آخر يحذر فيه إسحاق هرتسوغ من الزواج من عرق آخر غير اليهود، ويعتبر أن هذا الأمر "بلاء حقيقي". وهو يُظهر حجم التفرقة بين القوميات المختلفة.

توثق هذه المنشورات وغيرها ما يتعرض له الشعب الفلسطيني، وفي نفس الوقت يحاول الإسرائيلي الالتفاف لبناء صورة مغايرة عن الرواية(28)، انطلاقًا من إعلان أن اسرائيل واحة الديمقراطية، كما يردد ما يُنشر في الغرب، أن هذه الديمقراطية ما هي إلا حفرة ضيقة في عالم يعج بالديكتاتوريات المبطنة.

5. كيف تجري هندسة المحتوى الرقمي في شبكات التواصل الاجتماعي؟

تسعى تطبيقات الذكاء الاصطناعي إلى محاكاة السلوك البشري، من خلال تطوير آلات ذكية، وستنجح هذه الآلات في أن تصبح ذكية عندما تتخطى "تجربة تورينغ" (Turing Test)، يعني إلى درجة أنه إذا تحدث روبوت وإنسان مع بعضهما البعض، فلن يدرك البشر أن الجانب الآخر هو آلة، حسب أبي الذكاء الاصطناعي، آلان تورينغ (Alan Turing)، الذي فكَّك شيفرة الهجوم الألماني على إنكلترا خلال الحرب العالمية الثانية. ويتطور الذكاء الاصطناعي في جميع المجالات من السياسة إلى الزراعة والترفيه والطب والفضاء ووسائل التواصل الاجتماعي والروبوتات والتعليم، وصولًا إلى اللغات، حيث وصلت المعلوماتية مجال الترجمة والتحليل اللغوي والتنقيب عن المعلومات وغيرها من التطبيقات الرقمية، التي تساعد المستخدم في جميع المجالات(29). كما باتت وسائل التواصل الاجتماعي ساحات معارك أيديولوجية تديرها خوارزميات خفية. وتُعرَّف الخوارزميات بأنها مجموعة من القواعد والأوامر التي تنفَّذ بشكل تسلسلي ومنظم لحل مشكلة معينة، وقد سُميت بالخوارزميات نسبة إلى العالِم أبي جعفر محمد بن موسى الخوارزمي الذي ابتكرها في القرن التاسع الميلادي. وهي كأية إستراتيجية ترمي إلى معالجة مشكلة ما، لها معايير تحدِّد جودتها، تتمثَّل في سرعة التنفيذ، وعدم أخذ مساحة في ذاكرة الحاسوب خلال التطبيق، وإمكانية تعديلها وتغييرها بحسب المتطلبات المستجدة.

وتهدف تقنية التنقيب عن المعلومات إلى التعرف إلى مجموعة من المعلومات المحددة في مجموعة من المستندات النصية واستخراجها وتنظيمها(30). ومع انتشار البيانات الرقمية، أصبحت الخوارزميات حاجة أساسية لإدارة البيانات الضخمة ومعالجتها. وتقوم أنظمة الخوارزميات بإجراء عمليات حسابية على مجموعات كبيرة من البيانات، وتهدف إلى العمل على تصنيفات، وتحديد المعلومات، واستخلاص ملفات التعريف للأفراد الذين عادة ما يكونون مستهلكين للمعلومات. ومن ثم، يمكن استثمارها تجاريًّا من خلال بيع الإعلانات للأفراد بحسب اهتمامات كلٍّ منهم، كما أنها قد تُستخدم للتلاعب بهم، من خلال محاولة التأثير في خياراتهم أو حتى تحديدها.  

وعندما نجري بحثًا في محرك غوغل تقوم الخوارزميات بتحليل المحتوى والعلامات والروابط الواردة والصادرة والدلالات الأخرى التي تتكون منها الصفحات لتحديد الروابط الأكثر تطابقًا مع كلمات البحث. وتعمل خوارزميات وسائل التواصل الاجتماعي وفق المبدأ نفسه؛ إذ تقوم بتحليل البيانات والتفاعلات الشخصية بهدف تقديم محتوى ذي صلة باهتمام المستخدم. وتقوم خوارزميات فيسبوك بتحليل جميع التفاعلات من خلال فحص الصفحات والملفات الشخصية والتعليقات والمجموعات التي يزورها المستخدم(31).  

أما خوارزميات أغلب منصات التواصل الاجتماعي، فهي خوارزميات مغلقة وغير مفتوحة المصدر، إلا أنها تتغير باستمرار لكسب الربح، وكذلك بحسب المتطلبات الجديدة التي تفرض سرعة اتخاذ القرارات، وخصوصًا خلال الأوضاع الاستثنائية (الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، كوفيد-19، الانتخابات...). وغالبًا ما تكون هذه القرارات غير حيادية، ما يضع المستخدم في دائرة الحتمية، لأن الخوارزميات تقيِّد حرية الاختيار، من خلال فرض ما يمكن نشره أو ما لا يمكن نشره.

ولذلك، سيكون لأدنى انحياز في عالم بناء تطبيقات الذكاء الاصطناعي تأثير في المعلومات العالمية؛ ما سيجعل جميع المستخدمين عرضة للتحيزات المعرفية (آليات التفكير) التي تعالج المعلومات بسرعة من دون اللجوء إلى التفكير العقلاني. فعلى سبيل المثال، إن مشاركة رئيس الوزراء الفرنسي الأسبق، مانويل فالس، صورة دمار في المستوطنات الإسرائيلية بفعل تعرضها للقصف، خلال العملية العسكرية الإسرائيلية على غزة، ستؤثر حتمًا في مشاعر رواد وسائل التواصل الاجتماعي، على الرغم من أنها غير صحيحة. فأغلب رواد مواقع التواصل لا يسعون إلى التأكد من المعلومات من مصادر موثوقة قبل إعادة نشرها، فـ"الفوضى سيدة الموقف"(32).

وبفضل تقنيات الذكاء الاصطناعي، يمكن للخوارزميات التعرف إلى المصطلحات الممنوعة، مثل كلمة إرهاب ومقاومة وشهداء وغيرها، إلا أن وجود الكلمة نفسها في سياق معين يكفي أن يحوِّلها إلى كلمة "مقبولة" (الإرهاب مرفوض)، وهذا ما يتطلب فريقًا في حوسبة اللغات يعمل على توجيه الخوارزميات باستمرار.

وبعد انتشار برامج التلاعب بالصور والفيديوهات، مثل التقنيات التي تتيح حرفيًّا تحريك شفاه شخص من خلال كلمات شخص آخر، والتقنيات التي تحلِّل التغيرات البصرية مع مرور الوقت؛ ما يتيح الحصول على محاكاة كاملة، من المحتمل أن تكون حرية الوصول للمعلومات والتعبير عبر الإنترنت في خطر، فانتشار المعلومات المُضلِّلة أو "المزيفة" تُهدد اعتبار الإنترنت مصدرًا موثوقًا به، فباستطاعته التلاعب بالحقائق من خلال تقويض الحقيقة وتوليد مشاعر الخلط لدى الأفراد. وتوجد بعض المواقع التي تتيح التأكد من صحة بعض المنشورات، من خلال البحث عن الصور، لمعرفة ما إذا كانت قد نُشرت سابقًا؛ إذ يمكننا البحث عن مصدر الصورة المنتشرة عن طريق بعض المواقع، مثل "تين آي" (TinEye)، الذي يحتوي 26 مليار صورة. وبهذه الطريقة، نستطيع معرفة كل المعلومات التي ترتبط بتاريخ التقاطها أو تاريخ تعديلها، وأيضًا التحقق من زيفها عن طريق تحليل البيانات الوصفية التي تكون مرافقة لملف الصورة(33). أما فيما يختص بالإشاعات النصية، فنتحقق منها عن طريق البحث عن المصدر الرسمي، فنلجأ إلى أرشيف الصحف العالمية والعربية، وأيضًا نقوم باستخدام نظام "فلترة/تصفية" يومي لكلمات محددة في تويتر.

وقد أغلقت منصات التواصل عددًا كبيرًا من الصفحات التي تنشر الأخبار المزيفة، مثل "كليك بيت" ومنشورات تحتوي مشاهد عنف أو دعوات تحريضية أو شتائم وصورًا غير قانونية؛ ما أدى إلى تراجع مشاهدتها إلى حد كبير إلا أن حذف المنشورات التي تؤيد الفلسطينيين أثار ضجة في مواقع التواصل الاجتماعي، وخصوصًا خلال العدوان الإسرائيلي على غزة، في مايو/أيار 2021.  

فكيف ترصد الخوارزميات منشورات المحتوى الفلسطيني في شبكات التواصل؟

في هذه الحرب على قطاع غزة، وعلى الرغم من أن بعض شبكات التواصل الاجتماعي اعتذرت(34) عن حذف بعض المواقع الموالية للفلسطينيين، نجد أن بعض الكلمات المفتاحية الموجودة في النص تتسبب بشكل مستمر بحذف أو إيقاف الحساب. ولكن السؤال: هل يغيب فعلًا عن المهندسين ومبرمجي خوارزميات شبكات التواصل الاجتماعي أن الكلمات المفتاحية لا تكفي في عملية تصفية المعلومات؟

حدَّدت منصات التواصل الاجتماعي قائمة من الكلمات التي تُصنَّف ممنوعة، وتشمل الكلمات غير اللائقة والشتائم والكلمات التي تستخدمها أجهزة المخابرات لتحديد المراسلات المشبوهة، إلا أن الرقابة على المنشورات والإجراءات المتخذة من حذف المحتوى، وصولًا إلى الاستبعاد، تتطلب تطوير آليات الذكاء الاصطناعي المتعلق بهندسة اللغة الطبيعية، التي لا ترتكز فقط على الكلمات المفتاحية، بل على دراسة الظواهر اللغوية المتعددة أيضًا، من صرف ونحو ودلالة وإملاء، ثم تمر من خلال قواعد استكشافية مبنية بحسب بناء لسانيات المدونة. وينتمي ذلك إلى مجال المعالجة الآلية للغات الطبيعية، وهو فرع من علوم الذكاء الاصطناعي يمكِّن من صناعة برمجيات باستطاعتها تحليل ومحاكاة "فهم" اللغات(35). وكل من يعمل في مجال حوسبة اللغات العربية والعبرية والفرنسية والإنكليزية وغيرها من اللغات، يعرف جيدًا أن الرصد الإستراتيجي للمعلومات من خلال الكلمات المفتاحية لا يكفي، وأن العملية معقدة أكثر من ذلك، وإلا كانت قد حذفت التغريدات الموالية والمناهضة لكونها تحتوي الكلمات نفسها. وفي بعض الأوقات، الوسوم نفسها، فالوسم لا يحدد ما إذا كان الشخص مواليًا أو معارضًا. وتعتبر نسبة النجاح في أن يكون حجب التغريدة مناسبًا لسياسة الخوارزمية، من خلال حذف كل التغريدات التي تحتوي بعض الكلمات، متدنية ولا تتعدى 50%، إذا كانت لا ترتكز على تحليل السياق اللغوي للنص، وخصوصًا للغة العربية(36).

إذن، القرار بالحذف والإغلاق لم يكن وليد الخوارزميات فقط، بل كان قرارًا داخل المؤسسات، لمحاولة حجب المحتوى الرقمي الفلسطيني، وهو ما يتم من خلال عدة آليات:

- التعرف إلى "بروفايل" كل مستخدم وتصنيفه بحسب ذلك، من خلال مراقبة بعض الخصائص، كاهتماماته وأصدقائه و"الإعجابات" التي يقوم بها. ويصبح وجود بعض الكلمات المفتاحية ناتجًا من هذا "البروفايل".

- وجود بعض الكلمات المفتاحية في نصوص بعض المغردين يدفع البرنامج إلى اللجوء إلى التدخل البشري لمراقبة التغريدات وإلغائها.

- وجود جيش إلكتروني يراقب كل ما ينتج، بحسب "فلترة" التغريدات والنصوص والإعلان أنها "مسيئة"، وتدعو إلى العنف والتطرف. ويحصل ذلك إما من خلال الأشخاص مباشرة، وهذا ما تسمح به شبكات التواصل الاجتماعي، وإما من خلال برمجيات آلية بأسماء مختلفة (روبوتات)، ترسل آلاف الرسائل التي تنص على أن التغريدات المعينة مسيئة إلى سياسة شبكة التواصل، فيتم بالتالي حذفها.

6. إشكالية التعامل مع المحتوى الفلسطيني 

قد يعتقد البعض أن الخوارزميات محايدة، وربما لا يعلمون أن حياتهم مسيَّرة معرفيًّا بما تريده التطبيقات المعلوماتية، من خلال الخوارزميات المختلفة التي صُمِّمت من أجل ذلك. وإضافة إلى الانخراط الإرادي وغير الإرادي الذي فرضته الخوارزميات على البشر، تؤدي هذه الخوارزميات إلى اتخاذ خيارات ذاتية بارزة وتبني آراء، وحتى أحكام مسبقة، مدرجة في معادلات رياضية، وهي تتواجد داخل جيوبنا، وتتحكم في حياتنا(37)

ونلاحظ في سياق الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، مايو/أيار 2021، حجم محاولة السيطرة على الإعلام، من خلال تدمير الأبنية التي تقيم فيها الشبكات الإعلامية التي تبث مباشرة مشاهد الحرب، ورفض دخول المراسلين الأجانب أو العرب للتصوير، ومنع بعض المراسلين من أداء عملهم، كمراسل "سي إن إن" (CNN) مثلاً؛ إذ لا حصانة لأي وسيلة إعلامية في ظل الأوضاع الراهنة، وذلك بهدف ممارسة التعتيم الإعلامي المنظم. كما نلاحظ أن المراسلين هم في أغلبهم من الفلسطينيين. كل ذلك يثبت أن أولى ضحايا الحروب على مر التاريخ هي الحقيقة. فكل ذلك ليس بالصدفة، فإن ألد أعداء الحقيقة هي الصدفة.

إن عملية حذف المنشورات التي لا تتناسب مع سياسات إدارات المنصات تشكِّل تهديدًا كبيرًا لحرية النشر، من خلال تعمد القوى التي تدير وسائل التواصل الاجتماعي تزويد هذه الأخيرة بعدد من الكلمات المفتاحية المصنفة "ممنوعة" بحسب سياستها المعتمدة؛ إذ يجري تجميد الحسابات أو حذف المنشورات التي تحتوي على هذه الكلمات، من دون التدقيق في السياق الذي وردت فيه. واللافت أن هذه الكلمات تتعلق بقضايا سياسية معينة دون غيرها؛ إذ لا تتعامل مع القضايا الأخرى بالطريقة نفسها. إن هذه الخوارزميات قادرة على التأثير في صنع القرارات، انطلاقًا من مبدأ حجب الحريات الذي تتبناه القوى الإعلامية، من خلال زعمها محاولة إصلاح مشكلات المعلومات الملفقة أو خطابات الكراهية.

وهنا، تخضع منصات وسائل التواصل الاجتماعي لسطوة "عنصرية الخوارزميات"، أو كما يسميها البعض بالفصل العنصري الرقمي، وهو وضع يشير إلى استبعاد مجموعات معينة من المجتمعات من حيث الوصول إلى الخبرات الرقمية والحصول عليها بسبب القوة السياسية ومصالح تجارية معينة(38)؛ إذ تنتهج المنصات سياسة الإسكات التعسفية من خلال حذف منشورات النقد المشروع للسياسة الإسرائيلية من دون التمييز بينها وبين منشورات التحريض على العنف في الفضاء الرقمي. ومع استمرار الحرب، اتَّهم المستخدمون المؤيدون للفلسطينيين وسائل التواصل الاجتماعي بفرض رقابة على محتوى المنشورات التي تدعم الشعب الفلسطيني، ما يعرض الرأي العام لعملية تضليل ممنهجة تهدف إلى إخفاء الحقائق.

وتستخدم وسائل التواصل الاجتماعي الخوارزميات، وليس الخبراء الحقوقيين، لتحديد حدود النشر. وقد تمكنت هذه الخوارزميات من حجب عدد كبير من المحتوى الداعم للقضية الفلسطينية خلال الحرب، بحجة أنها تنتهك الضوابط المفروضة، من خلال نشر محتويات غير قانونية، بحسب قولها. وقد أفاد مستخدمو فيسبوك وإنستغرام المؤيدون للفلسطينيين بأن "الهاشتاغات" التي تحتوي كلمة الأقصى لم تعد متوافرة. وقد تلقى بعض المستخدمين تحذيرات بأن محتواهم ينتهك المعايير. وأعلن آخرون حذف جميع منشورات إنستغرام المتعلقة بالأحداث، وقال مستخدمون آخرون إنهم لا يستطيعون استخدام ميزة "إنستغرام ستوري" (Instagram Story).

وقد اعترف إنستغرام بوجود مشاكل، واعتذر عن ذلك. وقالت الشركة إن المنشورات المتعلقة بهذه الحرب الإسرائيلية تم حظرها بسبب أخطاء فنية؛ والسؤال هنا: هل هذا يؤثر حكمًا في مصداقية هذه المنصات وحياديتها. وكان إنستغرام قد حذف فيديو يظهر حوارًا بين فلسطينية ومستوطن إسرائيلي، نشرته منى الكرد، وهي من سكان الشيخ جراح، وعُطِّل حسابها لفترة. وقد عزت منصة إنستغرام الأمر إلى "حدوث مشكلة تقنية عالمية واسعة الانتشار لا علاقة لها بموضوع معين". وغرد إنستغرام بعد الإعلان عن معالجة الخلل: "نعتذر لكل من تأثر بذلك، وخصوصًا أولئك الذين يرفعون الوعي لأسباب مهمة على مستوى العالم"(39).

ونظرًا إلى أن عددًا كبيرًا من محتوى الحسابات المؤيدة للفلسطينيين تم حذفه، فمن الصعب التحقق بشكل مستقل مما إذا كانت منشوراتهم تنتهك المعايير المفروضة. وقد نقلت وكالة الأنباء الفلسطينية أن السفير الفلسطيني لدى المملكة المتحدة تلقى رسالة رسمية من إدارة فيسبوك أعربت فيها عن اعتذارها لما جاء في شكوى تقدم بها بعض الناشطين عن عدم احترام المنصة لحق الشعب الفلسطيني في التعبير(40).

ووفقًا للعديد من المنظمات غير الحكومية، تم حذف 80% من المشاركات الداعمة للفلسطينيين خلال العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة من قبل الشبكات الاجتماعية، بناء على طلب السلطات الإسرائيلية(41)، وهو ما اعتبره البعض "قمعًا خوارزميًّا لحرية التعبير". ومن بين الإجراءات التي اتخذها موقع يوتيوب، على سبيل المثال، فرض حظر على البث الحي لقناة "الجزيرة" لساعات، بدعوى أن المحتوى قد يكون غير مناسب، ثم رفعه.

وقد أصدر المركز العربي لتطوير الإعلام الاجتماعي (حملة)(42) تقريرًا بعنوان "العدوان على الحقوق الرقمية الفلسطينية" يوثق من خلاله الانتهاكات في الفضاء الرقمي، التي تعرَّض لها الفلسطينيون في فترة العدوان، ويوضح في الوقت نفسه تصاعد خطاب الكراهية الإسرائيلي. ويشير التقرير إلى أن بعض المنشورات حرَّضت على العنف، مثل إحراق الفلسطينيين وغيره. وعلى الرغم من أن الخوارزميات استطاعت حجب جزء من هذا المحتوى، فإنها لم ترصد الجزء الآخر الذي لا يزال موجودًا، وهو ما يدل على أن الخوارزميات غير فعالة على المحتوى العبري، كما هي الحال بالنسبة إلى المحتوى العربي. وقد وثق التقرير حوالي 179 حالة انتهاك في فيسبوك، توزعت بين تقييد الحسابات والحذف والتحذير.

شكل 1: أنواع الانتهاكات ضد الحقوق الرقمية الفلسطينية على فيسبوك

.

ووثَّق تقرير المركز العربي لتطوير الإعلام الاجتماعي (حملة) 250 حالة انتهاك في منصة إنستغرام، أبرزها حذف القصص من الحسابات.

          شكل 2: أنواع الانتهاكات ضد الحقوق الرقمية الفلسطينية على إنستغرام

.

كما وثق تقرير المركز العربي لتطوير الإعلام الاجتماعي (حملة) 55 حالة انتهاك في منصة تويتر، منها 91% تعليق حسابات، و5% على شكل فشل التغريد، و1% من الحالات في "تيك توك".

شكل 3: أنواع الانتهاكات ضد الحقوق الرقمية الفلسطينية على تويتر

.

 

أما بالنسبة إلى "واتساب" و"تلغرام"، فقد رصد المركز العربي لتطوير الإعلام(43) حوالى 40 مجموعة ناشطة تحاول بث الكراهية والتحريض ضد الفلسطينيين. وذكر موقع "بي بي سي" العربي أن تطبيق "واتساب" حظر نحو 100 حساب صحافي فلسطيني بحجة تلقي بعض التصريحات من "حماس" للتغطية الإخبارية. وقد تمت إعادة تفعيل بعض هذه الحسابات بعد تقديم شكوى إلى فيسبوك. أما في منصة خرائط "غوغل"، فقد بدت غزة خلال الحرب الإسرائيلية على القطاع غير واضحة، وذلك لإخفاء حالات هدم المنازل. كما منعت منصة "فينمو" منظمات الإغاثة الفلسطينية من تلقي التبرعات.

وعلى الرغم من فرض الرقابة وانحياز شبكات التواصل الاجتماعي إلى الطرف الإسرائيلي، فإن عدد المنشورات المؤيدة للقضية الفلسطينية، والتي لم يجرِ حظرها، كبير إلى حدٍّ ما. ونشير إلى أن هذه المنشورات مؤيدة فقط ولا تتضمن تفاصيل أخرى، مثل: "أنا أدعم فلسطين"، "أنا مع فلسطين"، "أصلي لفلسطين"، و"غرد كأنها حرة"، وهو الوسم الأكثر تداولًا في غرب آسيا.

ومن أبرز الهاشتاغات الأخرى خلال تغطية الحرب الإسرائيلية على غزة، في مايو/أيار 2021، (:#فلسطين_الملحمة)، وهاشتاغ (#القدس_أقرب) وهو موحد بين كل الجهات. أما الهاشتاغات التي راجت بعد إعلان الهدنة فكانت #)فلسطين_تنتصر) و(#غزة_تنتصر). ومن الهاشتاغات التي كانت ناشطة طوال فترة التغطية: #)غزة تنتصر_للقدس) و(#غزة_العزة) و(#فلسطين_قضيتي) و(#فلسطين_تقاوم) و(#أنقذوا_حي_الشيخ_جراح). أما الهاشتاغات باللغة الإنجليزية التي اعتمدت عالميًّا، فهي:

,palestinewillbefree#

,freepalestine#

,SaveSheikhJarrah#

,PalestiniansLivesMatter#

,SavePalestine#

لم تحذف جميع المنشورات والهاشتاغات، لأنها لا تتضمن كلمات محظورة وفق سياسات هذه المنصات، ووفقًا لسياسات فيسبوك بالنسبة إلى المحتوى الفلسطيني. أما كلمات مثل "استشهاد" و"مقاومة" و"احتلال" و"شهيد"، فضلًا عن مشاهد الأسلحة، فهي ممنوعة، ويمكن أن ترصدها الخوارزميات تلقائيًّا.

وقد انتبه الناشطون إلى أن المنشورات التي تُستخدم فيها كلمة الأقصى باللغة العربية حُجبت، بسبب وجود الكلمة نفسها باسم تحالف "كتائب شهداء الأقصى"، و"كتيبة شهداء الأقصى" التي تعتبر الجناح العسكري لحركة "فتح". وبسبب عدم العودة إلى السياق، حجبت هذه الخوارزميات المنشورات تلقائيًّا، باعتبارها كلمات متعلقة بـ"حماس" التي تعتبرها الولايات المتحدة الأميركية "منظمة إرهابية"؛ حيث مقر أغلب وسائل التواصل الاجتماعي.

من جهة أخرى، فإن المنشورات المؤيدة لإسرائيل حُذفت أيضًا، ولكن بنسبة ضئيلة مقارنة بما حُذف من منشورات الناشطين الفلسطينيين، لعدة أسباب، كان أهمها الصورة النمطية التي كوَّنها الإعلام الإسرائيلي بعد الهولوكوست وحتى يومنا هذا، كضحية يجري الاعتداء عليه. وقد أتقن الإعلام الإسرائيلي عملية الربط إعلاميًّا بين كل خبر وكل مصيبة وبين الهولوكوست... حيث حوَّلها إلى موسوعة يعرِّج الإسرائيليون عليها عند كل خطب يلمُّ بهم. ولا يُحسن الإسرائيليون البكاء فقط، وإنما يحسنون أيضًا كيفية إظهار دموعهم، ويدركون جيدًا أن إظهار هذه الدموع يدفع إلى استجرار بكاء الغير، تعاطفًا معهم ومواساة لهم في مصائبهم. وقد عرفوا كيف يوظفون التاريخ في الميدان الإعلامي، كل التاريخ، لصالح بناء المستقبل، وهو إعلام مسخَّر لخدمة إستراتيجيات الصهيونية بكل ما أوتي من وسائل وتقنيات رقمية وغير رقمية(44).

من جانب آخر، فإن استهداف بعض المنشورات المؤيدة لإسرائيل والمناهضة للفلسطينيين من قبل المنصات ما هو إلا محاولة لتلميع صورتها وقلب المعادلة بعدما قام الفلسطينيون بحملة كشف الأغطية ردًّا على إستراتيجية التعتيم التي تُمارس بحقهم. وتجدر الإشارة إلى أن المؤسسات الإعلامية تسعى إلى بناء إمبراطوريات إعلامية من خلال السيطرة الناعمة، فتأتي محاولة تغيير سلوكيات الأفراد والتلاعب بهم وتغيير أفكارهم، وهي تعمل على تشكيل تكتلات من أجل توجيه الرأي العام بما يتناسب مع سياستها(45). فالهدف هو فرض إرادة مجموعة على أخرى من دون استخدام الوسائل العسكرية. وقد جرى استبدال قوة الإقناع الذكية الناعمة بقوة الإكراه الخشنة، وهي قادرة على تشكيل تفضيلات الآخرين، وتشمل أي عمل نفسي أو دعاية إعلامية تستهدف مجموعة أو جماعة.

7. الحرب الافتراضية

بعد محاولات حجب المحتوى الفلسطيني وحظره في منصات وسائل التواصل الاجتماعي، دعا الناشطون المؤيدون للفلسطينيين إلى المشاركة في حملة عالمية من أجل خفض تقييم موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك إلى نجمة واحدة في متاجر تطبيقات "آبل" و"غوغل"، ردًّا على الرقابة "المتحيِّزة"، بحسب رأيهم التي تعرض لها مؤيدو القضية الفلسطينية. وقد اعتبرها البعض ورقة ضاغطة؛ إذ تراجع في حينه التقييم ليصل إلى 1.9، إلا أن بعض خبراء الإعلام الرقمي يرون أن حملة خفض التقييم غير فعالة، لأنها وسيلة للَفْت الانتباه فقط؛ إذ توجد إجراءات أكثر تأثيرًا، مثل وقف الحملات الإعلانية التي تدر أرباحًا مباشرة. وعلى الرغم من ذلك، تعاملت منصة فيسبوك مع الحملة بجدية.  

وقد ظهرت بعد ذلك حملة توعية جديدة توضح لرواد وسائل التواصل الاجتماعي، من خلال منشورات ومقاطع فيديو، كيفية التعامل مع المنشورات الإسرائيلية، وتحذر المتضامنين مع القضية الفلسطينية من التفاعل معها حتى بالتعليقات السلبية، للحيلولة دون زيادة التفاعل على المنشور.

في المقابل، وبحسب مركز حضارات للدراسات السياسية(46)، أوصى معهد الأمن القومي الإسرائيلي بمنع الصحافة الأجنبية من دخول قطاع غزة في أية حرب مقبلة، لأن ذلك ينعكس سلبًا على صورة إسرائيل في العالم. كما أوصى بتكثيف الحضور الافتراضي الإسرائيلي في مواقع التواصل الاجتماعي، لأن الصراع مع الفلسطينيين أثبت تفوق "الأعداء" في هذه المنصات.

وفي هذا السياق، ومن أجل تخطي الحواجز، قام بعض المستخدمين العرب بمحاولة تعمية الخوارزميات كي تصبح غير قادرة على التفريق بين الكلمات، من خلال استبدال أحرف أو رموز أخرى ببعض الأحرف الأصلية، والتي يفهمها القارئ العربي، من مثل استبدال الرقم سبعة بحرف الحاء (حركة حماس: 7ركة 7ماس) أو فصل حرف من الكلمة برمز آخر (حم|س). وقد أطلق بعض المبرمجين المصريين موقعًا إلكترونيًّا (تجاوز) لمساعدة المستخدمين في الالتفاف على الرقابة.

صورة 1: واجهة برنامج "تجاوز" لتشفير الكلمات قبل نشرها على الشبكات الاجتماعية

.

 

يقوم هذا البرنامج بتشفير الكلمات قبل نشرها في وسائل التواصل الاجتماعي، من خلال تغيير كتابة بعض الكلمات باستخدام فاصلة أو نقطة لتقسيمها إلى عدة أقسام منفصلة، أو عن طريق إزالة نقطة من الكلمات العربية حتى يظل من الممكن فهمها، وهي طريقة مستحدثة. ووفقًا لمؤسسي الموقع، لن تتمكن خوارزميات وسائل التواصل من التعرف عليها(47). وللمفارقة فإن الكتابة العربية في بداياتها كانت من دون علامات تشكيل ولا نقاط فوق الحروف وتحتها، ولكن ذلك أتى لاحقًا حتى لا يقع القارئ غير العربي الأعجمي في اللبْس اللغوي ولهذا سميت هذه الحالة بالإعجام(48).

ويوجد تطبيق آخر يسمى "اكتب"، يساعد في تحويل الكلمات المنقطة إلى كلمات من دون نقاط، وهو عبارة عن صفحة "ويب" وتطبيق بسيط بتقنية (PWA) يعمل من دون إنترنت.

ولكن هل هذا يفيد أو يجدي نفعًا؟

الجواب لا؛ لأن هذه الطرق لا تساعد على تخطي الرقابة، فلا يجيد الجميع التعامل مع هذه الآليات. كما أن محاولة الكتابة من دون نقاط باءت بالفشل؛ إذ تمكنت المنصات من تطوير خوارزميات قادرة على التعرف عليها. ومن ثم جرى رصد الكلمات، رغم أن النقاط غير موجودة، وحذف المنشورات. 

8. صورة الذات الفلسطينية والإسرائيلية في خطاب الفضاء الرقمي

يزداد مقدار الوقت الذي يقضيه الأشخاص في استخدام الشبكات الاجتماعية بشكل أكبر خلال الأزمات والنزاعات والصراعات، وتكون الجهات الفاعلة حاضرة لتقديم الدعم المعنوي الافتراضي في هذه الشبكات للجهات التي تواليها. وخلال الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، في مايو/أيار 2021، انقسم رواد شبكات التواصل الاجتماعي إلى معسكرين، وبدا أن كل معسكر يشارك مجموعته المشاعر والأفكار والرغبات والأخبار والقضايا ذاتها. ومن خلال معاينة بعض التغريدات والمنشورات الداعمة للقضية الفلسطينية، نلاحظ تحولًا كبيرًا في مفهوم الرؤية الأيديولوجية والسياسية لدى الفلسطينيين. كما نلاحظ أن الخطاب بدا أكثر وضوحًا وتنظيمًا؛ إذ ابتعد عن الفردية، واصطنع اتحادًا جامعًا في هيئة مقاومة افتراضية.

لقد برزت الهوية الفلسطينية، من خلال مشاركة المستخدمين في الشبكات الاجتماعية، كذات غير قادرة على التكيُّف مع التمييز الإسرائيلي؛ إذ لم يجد الباحث خطابات تدعو إلى التهدئة أو تدعو إلى تقبل الأمر الواقع، بل كانت في أغلبها خطابات تزاوج بين الإخبار (نشر صور وتغريدات وفيديوهات توضح ما يجري خلال الحرب) والدعم التشجيعي لفصائل المقاومة الفلسطينية التي تواجه الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة (غزة تنتصر، فلسطين تنتفض...). واللافت في التغريدات والمنشورات هو الغياب شبه التام لخطاب الالتماس الذي يتمثَّل في المطالبة الدولية بالتدخل لوقف إطلاق النار، أو الضغط على الحكومة الإسرائيلية، من خلال استدعاء السفراء وتوجيه الإنذارات وغيرها من المطالب التي لطالما حفل بها العالم الافتراضي. وهو ما أدى إلى تصاعد الخطاب الوطني الجامع لبناء كيان مستقل قادر على تحديد اتجاهاته. كما لاحظ الباحث غياب فرضيات الاتهام التي عادة ما تطفو على الحائط الافتراضي خلال النزاعات في مختلف المجتمعات؛ إذ ظهر الشعب الفلسطيني موحدًا، وأصبح الخطاب الوطني أكثر زخمًا.

في المقابل، كان تبادل الاتهامات في الجانب الإسرائيلي؛ إذ انتقد عدد من أبرز الشخصيات الإسرائيلية رئيس الوزراء الإسرائيلي الذي خاض الحرب في قطاع غزة من دون إستراتيجيات ملائمة. كما اتهمه رئيس الوزراء الأسبق، إيهود أولمرت، بإدارة هذه الحرب بطريقة مشبوهة تخدم مصالحه الشخصية، مثل تمديد فترة بقائه في الحكم حتى يحين موعد إجهاض محاكمته(49).

وقد كان للخطاب الفلسطيني تأثير ملحوظ؛ إذ دفع صحيفة "نيويورك تايمز" إلى نشر صور الأطفال الذين قتلوا خلال الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، في مايو/أيار 2021.

صورة 2: صورة نشرتها "نيويورك تايمز" للأطفال الفلسطينيين الذين قُتلوا

خلال الحرب الإسرائيلية على غزة في مايو/أيار 2021(50)

.

 

هل كان سيحدث ذلك لو لم يوثق المغردون، وفي المنصات كافة، كل ما حدث؟ والملاحظ أن الإعلام الغربي، على الرغم من سياساته التحريرية المتحيزة فيما يخص القضية الفلسطينية، فإنه لم يستطع تجاهل نشر صور ضحايا الأطفال الفلسطينيين الذين قتلتهم الآلة العسكرية الإسرائيلية، ومن ترك المجال للموضوعيين بأن يعبِّروا عن آرائهم حول ما يحصل. هذا التغيير له علاقة بالانفتاح الرقمي، وهو ما دفع بإسرائيل إلى تجنيد الجيوش الإلكترونية، ومحاولة التأثير من خلال علاقاتهم مع الفاعلين والعاملين داخل مؤسسات شبكات التواصل الاجتماعي للحد مما يحصل.

أما بالنسبة إلى المنشورات الإسرائيلية، فقد كانت تحث على الكراهية وبدت آراء الإسرائيليين مشتتة، وكانت تبرز بوضوح الخوف غير الواعي الذي عاشوه خلال فترة العدوان على قطاع غزة، ومن خلال الخطابات التي تدعو إلى قتل الفلسطينيين أو إحراقهم. كما أن بعض الخطابات التحريضية، بيَّنت رغبة الإسرائيليين في إطالة أمد الحرب، ظنًّا منهم أن الحملة العسكرية على القطاع ستتمخض عنها نتائج تسمح لهم بكسب الحرب.

من منظور آخر، فإن نشر بعض صور الدمار الذي سببته الضربات الفلسطينية الموجهة إلى الجانب الإسرائيلي يُظهر رغبة الإسرائيليين في حشد جمهور افتراضي موالٍ. وكان لبعض المنشورات بُعد عنيف إلغائي على سبيل المثال المنشور المتداول: "المطلوب ليس هدم أبراج في غزة، بل هدم الأقصى في القدس"(51)، وهذا يعكس مدى الجرأة والتمادي فيما يخص القوانين الدولية.

ونستنتج هنا أن صورة الذات الإسرائيلية المهيمنة التي رسمتها إسرائيل لنفسها وتبنَّتها على كل الأصعدة، وخصوصًا على الصعيد العسكري، تغيرت نسبيًّا، وبات واضحًا للجميع، كما يقول ميشال فوكو (Michel Foucault): حيث توجد سلطة مهيمنة، لابد من وجود مقاومة(52).

خاتمة

اعتبر البعض الإنترنت ومنصات التواصل الاجتماعي بمنزلة مكبرات صوت توفر القوة الكاملة في التعبير عن الأشياء التي لا يمكن التعبير عنها في المجال العام، والافتتاحيات الإعلامية التقليدية. وتحاول هذه الشبكات أن تبدو وسائل توفر مساحة لحرية التعبير والرأي دون تسلسل هرمي وقيود زمنية ووصول غير محدود. لكن يجب أن نلاحظ أن مطور خدمات وسائل التواصل الاجتماعي هو كيان تجاري له توجهات نحو اهتمامات وانتماءات معينة أيضًا، مثل مالكي وسائل الإعلام الأخرى (الصحف والإذاعة والتليفزيون) التي لديها سياسات تحريرية خاصة في تقديم الأخبار واستيعاب الرأي العام. ولذلك فإن وسائل التواصل الاجتماعي لها أيضًا "سياسة تحريرية" خاصة بها فيما يتعلق بالمحتوى الذي قد يتم عرضه على منصاتها.

إن الحرب الإعلامية ليست جديدة، إلا أن تقنياتها تطورت حتى أصبحت عاملًا مؤثرًا في مجرى الأحداث؛ إذ يمكنها قلب الموازين، من خلال إدارة الرأي العام وتشكيله. كما تؤدي دورًا رئيسيًّا في إنتاج الأزمات والسيطرة عليها، وهي تحاول بشتى الطرق تشكيل الحيِّز الذهني للفئات المستهدفة في اتجاه أهداف القوى التي توجهها وتطلعاتها.

وتبدو تغطية معظم وسائل الإعلام الغربية التقليدية أيضًا منحازة دائمًا في متابعة الشأن الفلسطيني، ولا تطرح أبدًا الانتهاكات والفظائع التي يعاني منها الفلسطينيون. ليس ذلك فحسب، بل تعرض الناشطون الفلسطينيون للرقابة وحذف المحتوى وتجميد الحسابات، وهذا ما قامت به منصات التواصل الاجتماعي فيسبوك وإنستغرام وتويتر.

إن ما يختبره صانعو المحتوى خلال التعبير عن ظروف وسياسة الاحتلال في فلسطين هو ممارسة الفصل العنصري الرقمي، كما ذُكر سابقًا. هذه المعاملة غير العادلة يعاني منها الشعب الفلسطيني منذ الأيام الأولى للاحتلال الإسرائيلي. لذلك ظهرت موجة من الاحتجاجات من قبل العديد من مستخدمي الإنترنت حول العالم بشأن الظلم المطبق على إنستغرام وفيسبوك وتويتر. وهذا الأمر يطرح علامة استفهام حول مدى استقلالية الإعلام ومدى عمق العلاقة التي تربطه بالسلطة السياسية الحاكمة مما يؤدي إلى صعوبة في تحديد ما يمكن أن يكون "صحيحًا" أو "خطأ" من حيث المعلومات. كما يقدم انعكاسًا يسلط الضوء، قبل كل شيء، على تعقيد العلاقة بين وسائل الإعلام والمجتمع ويقودنا إلى طرح التساؤلات التالية: هل يرتبط تأثير الخطاب الإعلامي بتطور قرائه؟ وبشكل أكثر تحديدًا، ما الذي يخبرنا به هذا التطور في العلاقات بين وسائل الإعلام والسلطة السياسية وسلطة الرأي العام؟

ABOUT THE AUTHOR

References
  1. Tibi Puiu, Scientists find amazing 5,000-year-old crystal dagger in Spain," zmescience, January 18, 2021, "accessed August 12, 2021". https://shorturl.at/xMOT6.
  2. سماهر الخطيب، "كورونا: صناعة أميركية وافتتاح جيل جديد من أجيال الحروب الستة"، البناء، 3 فبراير/شباط 2020، (تاريخ الدخول: 12 أغسطس/آب 2021)، https://shorturl.at/ELRS3
  3. @MariamBarghouti
  4. غسان مراد، دهاء شبكات التواصل الاجتماعي وخبايا الذكاء الاصطناعي، (بيروت، شركة المطبوعات للتوزيع والنشر، 2019)، ص 9.
  5. غسان مراد، الإنسانيات الرقمية: ترويض اللغة في سبيل معالجتها آليًّا، (بيروت، شركة المطبوعات للتوزيع والنشر، 2014). ص 27.  
  6. أمل محمد، "كيف تدعم القضية الفلسطينية على فيسبوك وتويتر دون أن تتعرض للحجب؟"، الجزيرة نت، 17 مايو/أيار 2021، (تاريخ الدخول: 12 أغسطس/آب 2021)، https://shorturl.at/uGRTV.
  7. "ادعم غزة بالتمرد على الواقع"، فيسبوك، 5 أغسطس/آب 2014، (تاريخ الدخول: 12 أغسطس/آب 2021)، https://shorturl.at/nKW47.
  8. إيمان ملوك، "صراع الشرق الأوسط في الفضاء الافتراضي.. ساحة معارك طاحنة!"، dw، 17 مايو/أيار 2021، (تاريخ الدخول: 13 أغسطس/آب 2021)، https://shorturl.at/aKYZ5.
  9. فتحية معتوق، الاتصال بين الالتزام والإلزام، تقديم وتحرير غسان مراد، (بيروت، دار النهضة العربية للطباعة والنشر والتوزيع، 2020)، ص 37.  
  10. Béatrice Fleury, Jacques Walter, "Pour une critique des médias en temps de conflit? (3)," Questions de communication, Vol. 1, No.11, (2007): 177-186.
  11. "رصد 220 انتهاكًا بحق المحتوى الرقمي الإعلامي الفلسطيني في العام الجاري"، وكالة الأناضول، 28 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، (تاريخ الدخول: 12 أغسطس/آب 2021)، https://shorturl.at/bDHQV.
  12. غسان مراد، مرايا التحولات الرقمية والتمثلات الذهنية للذكاء الاصطناعي، (بيروت، شركة المطبوعات للتوزيع والنشر، 2022)، ص 128.
  13. المرجع السابق، ص 127 -128.
  14. "ماذا تعرف عن الجيوش الإلكترونية؟، الجزيرة، 5 يوليو/تموز 2017، (تاريخ الدخول: 13 أغسطس/آب 2021)، https://shorturl.at/btMU3.
  15. مراد، الإنسانيات الرقمية، مرجع سابق، ص 87.  
  16. Valentine Crosset, Benoit Dupont, "Internet et propagande jihadiste: la régulation polycentrique du cyberespace," Critique internationale, Vol. 78, No. 1, (2018): 107-125.
  17. مراد، دهاء شبكات التواصل الاجتماعي وخبايا الذكاء الاصطناعي، مرجع سابق، ص 56.
  18. مراد، مرايا التحولات الرقمية والتمثلات الذهنية للذكاء الاصطناعي، مرجع سابق، ص 132.
  19. مراد، الإنسانيات الرقمية، مرجع سابق، ص 130. 
  20. Jérôme Clément, "Une influence plutôt indirecte sur la politique," Revue internationale et stratégique, Vol. 78, No. 2, (2010): 75-79.
  21. Jacques Rigaud, "Médias et pouvoirs," Communication et langages, No. 98, 4ème trimestre (1993): 18.
  22. Amit Gupta, "Introduction to Deep Learning: Part 1," aiche, (June 2018, "accessed August 12, 2021". https://shorturl.at/gCEPT.
  23. "إضاءة برج القاهرة وجنازة وهمية: أخبار مزيفة عن غزة تنتشر على مواقع التواصل الاجتماعي"، الحرة، 19 مايو/أيار 2021، (تاريخ الدخول: 13 أغسطس/آب 2021)، https://shorturl.at/hAKX9.
  24. المرجع نفسه.
  25. "الصراع الفلسطيني الإسرائيلي: منشورات مزيفة على مواقع التواصل الاجتماعي"، بي بي سي، 16 مايو/أيار 2021، (تاريخ الدخول: 13 أغسطس/آب 2021)، https://shorturl.at/stxJ3.
  26. "Bombardements à Gaza: la bourde de Manuel Valls sur Twitter," 20min, June 13, 2021, "accessed August 12, 2021". https://shorturl.at/hxCFQ.
  27. "مستوطن في السابعة يتجول بسلاح ناري وسط الخليل بحراسة جنود الاحتلال"، الجزيرة مباشر، 17 مايو/أيار 2021، (تاريخ الدخول: 12 أغسطس/آب 2021)، https://shorturl.at/BKNWX.
  28. Alain Dieckhoff, "Israël à l'aube du 21e siècle: entre néosionisme et postsionisme," Raisons politiques, Vol. no 7, No. 3, (2002): 135-156.
  29. مراد، الإنسانيات الرقمية، مرجع سابق، ص 48.
  30. Julien Velcin et al., "Fouille de textes pour une analyse comparée de l’information diffusée par les médias en ligne, une étude sur trois éditions du Huffington Post," Extraction et Gestion des Connaissances (EGC), (France: Grenoble, 2017), p 30.
  31. مراد، دهاء شبكات التواصل الاجتماعي وخبايا الذكاء الاصطناعي، مرجع سابق، ص 141-142.
  32. "محاضرة: منصات التواصل الاجتماعي الفوضى: سيدة الموقف"، معهد الجزيرة للإعلام، (تاريخ الدخول: 13 أغسطس/آب 2021)، https://shorturl.at/aisB3.
  33. مراد، مرايا التحولات الرقمية والتمثلات الذهنية للذكاء الاصطناعي، مرجع سابق، ص 133.
  34. "فيسبوك تقر بأخطائها بشأن فلسطين وتعتذر"، الغد، 17 مايو/أيار 2021، (تاريخ الدخول: 13 أغسطس/آب 2021)، https://shorturl.at/lDRV1.
  35. مراد، الإنسانيات الرقمية، مرجع سابق، ص 136.  
  36. المرجع السابق، ص 171.  
  37. مراد، مرايا التحولات الرقمية والتمثلات الذهنية للذكاء الاصطناعي، مرجع سابق، ص 141– 147.
  38. Colin Powell, "Is Digital Divide a Problem or an Opportunity?," Business week (December 2000).
  39. Instagram Comms, twitter, May 7, 2021, "accessed August 13, 2021". https://shorturl.at/orAFL.
  40. "فيسبوك تقر بأخطائها بشأن فلسطين وتعتذر"، الغد، مرجع سابق.
  41. "Censure à la carte sur les réseaux sociaux: Des posts en soutien à la Palestine supprimés," Libération, 20 Mai 2021, "accessed 13 August 2021". https://shorturl.at/mtKY0.
  42. "العدوان على الحقوق الرقمية الفلسطينية"، المركز العربي لتطوير الإعلام الاجتماعي، 21 مايو/أيار 2021، (تاريخ الدخول: 13 أغسطس/آب 2021)، https://www.libe.ma/Censure-a-la-carte-sur-les-reseaux-sociaux_a125963….
  43. المرجع السابق.
  44. مراد، الإنسانيات الرقمية، مرجع سابق، ص 127.  
  45. مراد، مرايا التحولات الرقمية والتمثلات الذهنية للذكاء الاصطناعي، مرجع سابق، ص 128-129.
  46. "معهد الأمن القومي الإسرائيلي يوصي بمنع الصحافة الأجنبية من دخول قطاع غزة في أي معركة مقبلة"، مركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية، 27 مايو/أيار 2021، (تاريخ الدخول: 13 أغسطس/آب 2021)، https://shorturl.at/csDZ2.
  47. مقروء لغويًّا ولكنه غير مفهوم للبعض.. إطلاق موقع لتشفير الكلمات قبل النشر على مواقع التواصل الاجتماعي (صور)، القاهرة 24، 17 مايو/أيار 2021، (تاريخ الدخول: 1 يناير/كانون الثاني 2023)، https://shorturl.at/inyDF.
  48. غسان مراد، الترقيم والتنقيط والإعجام في اللغة العربية: السياق التاريخي والدلالي، (بيروت: دار النهضة العربية للطباعة والنشر والتوزيع، 2020)، ص 15.
  49. ليندا ماهر، "حي الشيخ جراح نموذجًا لممارسة عنصرية مديدة"، درج، 11 مايو/أيار 2021، (تاريخ الدخول: 13 أغسطس/آب 2021)، https://shorturl.at/fmuY5.
  50. Omar El Mallah, “They Were Just Children”: New York Times Publishes Rare Front Page Cover Mourning Palestinian Children, scoopempire, May 29, 2021, https://shorturl.at/gmn27.
  51. "المطلوب ليس هدم أبراج بغزة وإنما مبنى واحد في القدس".. دعوات إسرائيلية جديدة لهدم الأقصى"، rt، 23 مايو/أيار 2021، (تاريخ الدخول: 13 أغسطس/آب 2021)، https://shorturl.at/muAJQ .
  52. Michel Foucault, The History of Sexuality: Volume I: An Introduction, Translated by Robert Hurley, (New York: Vintage Books 1990), 95.