صدر العدد الثاني (يوليو/تموز 2023) من مجلة الجزيرة لدراسات الاتصال والإعلام متضمنًا ملفًّا بحثيًّا يُقارب دور شبكات التواصل الاجتماعي في الاستقطاب الأيديولوجي وانعكاساته الثقافية والاجتماعية ونتائجه السياسية. ويمثِّل هذا العمل البحثي مخرجات المؤتمر العلمي الذي نظَّمه مركز الجزيرة للدراسات بالشراكة مع قسم الإعلام بجامعة قطر، يومي 1 و2 مارس/آذار 2023، بعنوان "شبكات التواصل الاجتماعي والاستقطاب الأيديولوجي:علاقة القوة والتأثير الثقافي والاجتماعي"، بمشاركة نخبة من الأكاديميين والخبراء والباحثين المتخصصين.
يشتمل الجزء الأول من الملف على محاضرتين قدَّمهما البروفيسور مانويل كاستلز، والدكتور نبيل دجاني، وست دراسات وأبحاث تناقش قضايا متعددة، وستنشر المجلة الجزء الثاني من مخرجات المؤتمر في العدد الثالث (يناير/كانون الثاني 2024). وفي المحاضرة الأولى، وهي بعنوان "شبكات التواصل الاجتماعي والاستقطاب السياسي"، يُراجِع البروفيسور مانويل كاستلز العلاقة بين شبكات التواصل الاجتماعي والاستقطاب الأيديولوجي، ويُحدد أشكال التفاعل بين المتغيرين، وكذلك أهمية دور العامل الاجتماعي والاتصالي في عملية الاستقطاب. وفي المحاضرة الثانية التي قدَّمها الدكتور نبيل دجاني، بعنوان "البنية الأخلاقية والقانونية لمجال عام عادل لشبكات التواصل الاجتماعي"، يرى أن معالجة مشكلات شبكات التواصل الاجتماعي المتزايدة تتطلب اعتماد مقاربة "العملية الاجتماعية" وليس، فقط، إصدار تدابير تنظيمية. وتقوم هذه المقاربة على وضع إستراتيجيات اتصال هادفة من شأنها إحداث تغيير في التفكير والتصرف معًا.
تُستَهل دراسات الملف البحثي بالمشكلة التي أثارها الدكتور نور الدين الميلادي والباحثة أنوار العرفي، في دراستهما المعنونة بـ"الحرب على السردية الفلسطينية: محاصرة المحتوى الفلسطيني على شبكات التواصل الاجتماعي"، وتعالج ما تُسمِّيه "العدوان" المسلط على المحتوى الرقمي الصادر عن الجهات الفلسطينية أو الداعمة لها. وتنبع المشكلة البحثية من أن ما اصطُلِح عليه بـ"العدوان الرقمي" فيه انتهاك للحقوق والحريات الرقمية، ومن ثم فإن حرية التعبير مهددة عالميًّا. بالموازاة مع الدور الذي تقوم به شبكات التواصل الاجتماعي في "العدوان الرقمي" على المحتوى الفلسطيني ومحاصرة السردية الفلسطينية، تبيِّن الدراسة التي أعدَّها الباحث محمد الراجي أشكال النزوع الهيمني للرواية الإسرائيلية عبر النفاذ التفضيلي لمنتجي الخطاب الإسرائيلي في استخدام شبكات التواصل الاجتماعي.
وفي سياق استقصاء دور شبكات التواصل الاجتماعي في تعزيز الخطاب الشعبوي، بيَّنت دراسة الدكتور معتصم بابكر مصطفى من خلال الحالة السودانية تأثير هذه الشبكات في تنامي الخطاب الشعبوي الذي تتمثَّل أبرز مقوماته في نشر الكراهية، وإعلاء شأن القبيلة، والدعوة إلى العنف والتمرد على وحدة أراضي الدولة.
وركزت الدراسة التي أعدَّتها الدكتورة فاطمة الزهراء السيد، بعنوان "أوجه الاستقطاب الأيديولوجي بين المسلمين والهندوس على منصة تيك توك (سبتمبر/أيلول 2021- ديسمبر/كانون الأول 2022)"، على تحليل خريطة المحتوى الذي تنتجه أطراف الصراع الإسلامي-الهندوسي كأحد التجليات الممثلة لحقبة ما بعد الاستعمار. وفي إطار تحديد علاقة شبكات التواصل الاجتماعي بالمجال العمومي، يتساءل الأكاديمي نصر الدين لعياضي في دراسته، بعنوان "الميديا الاجتماعية والاستقطاب السياسي: عوائق التحول نحو مجال عمومي بالمنطقة العربية": هل يمكن أن تتحوَّل الميديا الاجتماعية إلى مجال عمومي؟ وإلى أي حدٍّ يُعد الاستقطاب السياسي والأيديولوجي عائقًا أمام تحول الفضاء العمومي إلى مجال عمومي بالمنطقة العربية؟
ولمعالجة الإشكاليات التي يطرحها استخدام شبكات التواصل الاجتماعي في إطار أخلاقيات مضمون التواصل، يقدِّم الأكاديمي هشام المكي منظورًا جديدًا للتفكير في أخلاقيات هذه الشبكات في الدراسة المعنونة بـ"شبكات التواصل الاجتماعي: من أخلاقيات المحتوى إلى التصميم الأخلاقي.. فيسبوك نموذجًا".
وفي نافذة "دراسات وأبحاث"، يتضمن العدد بحثًا للدكتور عبد السلام رزاق بعنوان "النموذج الإخباري لقناة الجزيرة: بنيته ودينامياته"، يُقارب سمات وخصائص هذا النموذج من خلال التركيز على بنيته ودينامياته باعتباره اختيارًا تحريريًّا خاصًّا بالقناة. وتتتبَّع الدراسة التي أعدَّها الباحثان، الدكتور جمال رزن والدكتور عبد الله بخاش، التأثيرات المحتملة لبيئة الاتصال الجديدة في اشتغال آليات دوامة الصمت، بالتطبيق على ثلاث قضايا خلافية تتعلق بالأزمة اليمنية، وهي: دور التحالف العربي في اليمن، وشرعية الرئيس السابق، عبد ربه منصور هادي، والدعوة لفك ارتباط المحافظات الجنوبية عن دولة الوحدة اليمنية.
أما النافذة التي تُعنى بالمعجم الإعلامي الحديث، فيشارك فيها الدكتور عماد بشير الذي أعدَّ المادة العلمية مساهمًا في بناء لبنات هذا المعجم الذي يمثِّل إسهامًا معرفيًّا لمركز الجزيرة للدراسات في صناعة معجمية تحقق التراكم المعرفي الإعلامي. وتزداد أهمية هذا المشروع باعتبار هذه الصناعة وسيطًا علميًّا يُوثِّق الصلة بمجال اشتغاله، ويُكْسِب المتلقي وعيًا عميقًا بالكيفية التي يُعَبِّر بها النسق المعجمي عن صيرورة الظواهر والقضايا الإعلامية التي يعالجها من خلال البحث في أصول الكلمات وتَشَكُّل المصطلحات وبلورة المفاهيم واستقصاء تطورها التاريخي.
في زاوية "قراءة في كتاب"، يراجع الدكتور وائل عبد العال كتاب "تأثيرات الإعلام الرقمي" للأكاديمي والباحث الأميركي وليام جيمس بوتر. وتناول الكتاب أهمية دراسة تأثير الإعلام الرقمي في الأفراد والمجتمعات، وتحديد ما إذا كانت تأثيراته مختلفة عن تأثيرات وسائل الإعلام التناظرية/التقليدية التي جرت دراستها سابقًا.
في باب "رسائل جامعية"، يناقش الباحث، يوسف خرفي، كيفية تلقي النخبة الجزائرية، ممثلة في الأساتذة الجامعيين، لمضامين قناة الجزيرة والإشباعات المحققة لديهم. وتبحث الأطروحة التي أعدَّتها الباحثة، أمامة اللواتي، آليات الخطاب الإعلامي لقناة الجزيرة خلال المرحلة التي عرفت أحداث سجن أبو غريب في العام 2004، والهجوم الأميركي على مدينة الفلوجة، وما تلا ذلك من انتهاكات بحق السجناء العراقيين عام 2013، ثم معركة الفلوجة الثالثة في 2016.
للاطلاع على العدد كاملًا، يرجى (الضغط هنا)