الصومال: الانتقال السياسي عبر نموذج انتخابي مباشر: تحدياته ومآلاته

في هذا التقرير نتناول حيثيات القرار الخاص بشأن تحديات التحول إلى نظام رئاسي وتنظيم اقتراع مباشر في الصومال بحلول نهاية عام 2024، تمهيدًا للانتقال إلى نظام حزبي سياسي لتقليل دور القبيلة الطاغي في السياسة منذ عقود.
ما زال دور رجال القبائل في الصومال مؤثرًا في المشهد السياسي والانتخابي وذلك عبر نظام المحاصصة العشائرية (الجزيرة).

مقدمة

لا تزال عملية التحول الديمقراطي في الصومال تواجه عقبات وتحديات كثيرة برغم نجاعة الهندسة الانتخابية المعمولة بها منذ نحو عقدين من الزمن، القائمة على نظام المحاصصة العشائرية، التي أسهمت جزئيًّا في الحد من التوترات السياسية بين الفرقاء السياسيين، إلا أن مهندسي الانتخابات ذات الصبغة العشائرية فشلوا في وضع خارطة طريق لتجاوز الانتخابات الشكلية التي لا يحق للجميع المشاركة فيها، كما لم تتغير قواعد اللعبة السياسية، وما زال الفاعلون السياسيون أقل فاعلية في تعزيز جهود الانتقال عبر نموذج انتخابي مباشر.

في هذا التقرير نتناول حيثيات هذا القرار بشأن تحديات التحول إلى نظام رئاسي وتنظيم اقتراع مباشر في الصومال بحلول نهاية عام 2024، تمهيدًا للانتقال إلى نظام حزبي سياسي لتقليل دور القبيلة الطاغي في السياسية منذ عقود، وتفكيك العقبات والتحديات التي تواجهها عملية التحول الديمقراطي (صوت واحد شخص واحد)، واستشراف مآلات الوضع السياسي وبحث الفرص المواتية لتنظيم اقتراع مباشر في البلاد عام 2026.

الانتخابات في الصومال: من سلطة "العشائر" إلى اقتراع غير مباشر

شهد الصومال منذ عام 2000 انتخابات صورية أمْلتها الظروف السياسية والأمنية ولم تتبلور بعد إلى انتخابات مباشرة، وانبثق من رحمها حكومات انتقالية وفيدرالية متعاقبة لم تستطع تجاوز عقبة الانتخابات ذات الصبغة العشائرية والتي تعطي النفوذ الأكبر في تقرير مسارها ومصير الوضع السياسي لرجال العشائر والقبائل، عبر نظام المحاصصة القبلية المعمول به منذ قرابة عقدين. وبرغم أن هذه التوليفة التي اخترعت في انتخابات عام 2001، أسهمت في الحد من التوترات التي كانت تلف بآليات تقاسم السلطة في البلاد؛ حيث إن النظام المركزي السلطوي ترك في أذهان القيادات العشائرية والنخب السياسية ترسبات النظام الشمولي التي حجبت باب المشاركة السياسية والتعددية الحزبية، فضلًا عن توظيف القبضة الأمنية لقمع معارضيه. ونتيجة هذا النفور العام من عودة نظام مركزي موحد يفرض سلطاته على الجميع، دخلت الصومال في دوامة انتخابات تقليدية عشائرية؛ ما صعَّب إمكانية تنظيم انتخابات مباشرة منذ انتخابات مؤتمر عرتي في جيبوتي، عام 2001. ويعود السبب الرئيس إلى اقتسام السلطة على أساس عشائري كما حدده مؤتمر عرتي من خلال ما عُرف بصيغة 4.5، المبنية على قاعدة (الحصص الأربع من مقاعد مجلس النواب والشيوخ على العشائر الأربع الكبرى في البلاد بالتساوي. وهذه العشائر هي دارود ودير وهويي وديجل وميريفلي (الرحانوين)، بينما تشمل المجموعة الخامسة جميع العشائر والقبائل الصغيرة الأخرى المتبقية، وتضم المدغان واليبر والبانتو والجاريروين والبنادريين والبراوين، وتعطى نصف حصة)(1).

ومثلت الانتخابات ذات الصبغة العشائرية شكلًا ديمقراطيًا آخر لتجاوز عقبات سياسية في مرحلة ما بعد انهيار الدولة المركزية في الصومال عام 1991، ولهذا توصف بأنها كانت ناجحة بحد ذاتها وأسهمت بشكل جدي في حل المعضلات السياسية بين العشائر في البلاد، لكن أخطر ما يعاني منه الوضع السياسي القائم حاليًا على نظام المحاصصة  هو فشل جميع الحكومات المتعاقبة في إجراء انتخابات مباشرة وتجاوز نظام 4.5 العشائري لتقاسم السلطة واعتباره علاجًا مؤقتًا وليس حلًا أبديلًا لتجربة التحول الديمقراطي في الصومال، وبرغم ذلك، فإن هذا النظام القبلي الذي ما زال قيد التداول، يقيد تجربة الانتقال الديمقراطي والسياسي في البلاد، ومن خلال سياق فهمنا لمعضلات التفكك التي واجهت الصومال -ولا تزال- فإن النخبة السياسية الصومالية الراهنة، لم تجب عن أسئلة مصيرية في مفهوم الانتقال السياسي: كيف يُحكم الصومال بتركيبته القبلية المعقدة؟ ولماذا فشلت الأنظمة الصومالية السابقة في إيجاد توافق داخلي في كياناتها بدل ترسيخ النزعة الطائفية (القبلية) التي تهيمن على المشهد الصومالي؟(2)

ولهذا ظل التداول السلمي للسلطة في الصومال منذ انتخابات عام 2001 في جيبوتي عبر نموذج غير مباشر، ضرورة ملحَّة لانتشال البلاد من قاع الفوضى، وهي تجربة حدَّت جزءًا من استفحال أزمة البلاد السياسية، وأصبح مسار التداول قائمًا على نظام المحاصصة العشائرية حيث يختار رجال العشائر من ينوبهم في المجالس التشريعية التي خرج من رحمها حكومات انتقالية منذ إنشاء أول حكومة فيدرالية انتقالية Transitional Federal Government عام (2004-2008)، بقيادة العقيد عبد الله يوسف أحمد (15 ديسمبر/كانون الأول 1934 - 23 مارس/آذار 2012)، والحكومة الفيدرالية الانتقالية الثانية (2009-2012) برئاسة شريف شيخ أحمد، وانتخب كل من الرئيسين، عبد الله يوسف وشيخ شريف، في انتخابات نُظِّمت بدول الجوار بين كينيا وجيبوتي، وجاءت على وقع أزمات سياسية وأمنية طاحنة في البلاد، ولم يتمكن الشركاء والفرقاء من التوصل إلى تنظيم انتخابات رئاسية وبرلمانية نتيجة الخلاف على آليات تنظيم الانتخابات من جهة والتردي الأمني في العاصمة مقديشو، من جهة أخرى(3).

وشهد عام 2012 انتقالًا نوعيًّا للتحول الديمقراطي في البلاد عبر تنظيم أول عرس انتخابي داخل البلاد منذ عام 1984، حيث بدأت محاولات جادة لتقليل نفوذ رجال العشائر في الانتخابات ومحاولة الانتقال إلى نظام حزبي، وتنظيم انتخابات عبر تصويت شعبي مباشر (صوت واحد شخص واحد)، إلا أن هذه المحاولة لم تكلل بالنجاح، نتيجة عقبات وتحديات سياسية وأمنية بالغة الصعوبة، لكن الميزة التي حمت انتخابات عام 2012 أنها كانت أكثر مشاركة من حيث نسبة الناخبين والمرشحين المشاركين فيها، كونها نُظِّمت في العاصمة، مقديشو، ووفرت هامشًا كبيرًا من المشاركة السياسية في أعداد المرشحين للانتخابات الرئاسية والنيابية. ولأسباب عدة باءت محاولات تنظيم انتخابات مباشرة في العقدين الأخيرين بالفشل وخرج من رحم تلك الانتخابات غير المباشرة ثلاث حكومات، وهي حكومة حسن شيخ محمود الأولى (2012-2016)، وحكومة الرئيس محمد عبد الله فرماجو (2017-2022)، وحكومة حسن شيخ محمود الثانية (2022-2026)(4).

ويبين الجدول التالي حجم المشاركة في عملية الانتخابات النيابية والرئاسية التي شهدها الصومال في السنوات الأخيرة (2012، 2017، 2022):

# الانتخابات عدد شيوخ القبائل عدد الناخبين مجلس الشعب مجلس الشيوخ
1 عام 2012 135 135 275 -
2 عام 2017 51 1.4025 275 -
3 عام 2022 101 2.7775 275 54

الانتقال إلى انتخابات مباشرة: أين يكمن الخلل؟

ظلت مسألة التحول إلى نظام سياسي قائم على التعددية الحزبية تمهد البلاد إلى تنظيم انتخابات مباشرة (صوت واحد شخص واحد) حلمًا يراود النخبة السياسية ويتصدر المشهد في كل استحقاق انتخابي، في فترة الرئيس حسن شيخ محمود السابقة (2012-2016) أعلن عن عزمه تطبيق نموذج انتخابي مباشر، لكن غلبت التحديات الهائلة الوعود والنوايا بتحقيق هذا الحلم، الذي راود أيضًا الرئيس محمد عبد الله فرماجو وخاض معركة صعبة مع المعارضة لتنظيم عرس انتخابي مباشر، ووقَّع في فبراير/شباط عام 2020، على قانون انتخابي جديد يتضمن حق الاقتراع العام، لكنه واجه مقاومة شديدة من بعض الولايات الفيدرالية، (ولاية جوبالاند، ولاية بونتلاند)، ورأت المعارضة أن طرح الرئيس للاقتراع العام في هذا التوقيت تحركه حسابات سياسية خاصة، وأنه يراهن على التحديات الفنية الهائلة التي يطرحها النظام الجديد، إضافة إلى العقبات التي يفرضها الضعف المؤسسي، ووجود حركة الشباب الصومالية في أجزاء من البلاد(5).

واجهت عملية تنظيم انتخابات رئاسية وفق نموذج الاقتراع المباشر، عدة تحديات والتي تمثل حتى الآن مكمن الخلل في إجراء انتخابات مباشرة، وتتضمن ما يلي:  

  1. غياب المصالحة بين القبائل: إن عدم توافر مصالحة حقيقية بين الأطراف الصومالية الفاعلة تحد من النزاعات العشائرية والسياسية المتعلقة بمسار تنظيم الانتخابات الرئاسية، وهي أزمات تبرز مع قرب انتهاء كل فترة رئاسية في البلاد، تهدد مستقبل التحول إلى نظام انتخابي مباشر، ما لم تكن الأرضية مهيأة أمنيًّا وسياسيًّا، ولا توجد قوانين واتفاقيات بين الأطراف الصومالية لتجاوز أزمة الانتخابات المتجددة في كل دورة انتخابية جديدة.
  2. الوضع الاقتصادي الهش: إن الظروف الاقتصادية التي تمر بها الصومال في الوضع الراهن، تحول دون إمكانية إجراء اقتراع مباشر، حيث لا تزال البلاد تعتمد في صرف رواتب جنودها وموظفيها على الدعم الخارجي (نسبة 60%)، وكذلك توفير الميزانية المالية للانتخابات الرئاسية والتشريعية التي تعقد مرة كل أربع سنوات؛ حيث لا يمكن تنظيمها من دون توافر دعم مالي من الخارج.
  3. تأثير القبيلة في النظام السياسي: إن دور رجال القبائل الذي ما زال مؤثرًا في المشهد السياسي والانتخابي، عبر نظام المحاصصة العشائرية الذي بموجبه يتم تقاسم السلطة وتوزيع الدوائر والمناصب السيادية بين العشائر، لا يمكن تجاوزه إلا بشق الأنفس، ويمثل تحديًا كبيرًا في الانتقال إلى نظام رئاسي جديد.
  4. انفراط عقدة الأمن: يعد التحدي الأمني هاجسًا يؤرق الحكومات الصومالية المتعاقبة منذ عام 2010، فحركة الشباب المرتبطة بتنظيم القاعدة، تسيطر على مناطق عديدة من جنوب ووسط البلاد، وبعضها كان من المفترض أن يكون مقرًّا لدوائر انتخابية مثل مدينة "بؤالي" (عاصمة إقليم جوبالاند) التي لا تزال تقع تحت قبضة الحركة، فمن دون القضاء على تهديدات حركة الشباب لا يمكن تنظيم اقتراع مباشر في البلاد(6).

وتتطلب عملية تنظيم انتخابات مباشرة شروطًا عدة، أهمها:

  1. إجراء إحصاء عام للسكان: باشرت الحكومة الفيدرالية عبر وزارة التخطيط الاستعداد لإجراء إحصاء سكاني في الصومال ولأول مرة منذ عام 1984، وذلك بهدف تيسير عملية تنظيم الانتخابات المباشرة في البلاد بحلول نهاية عام 2024، بالإضافة إلى إنهاء حقبة التقديرات، التي عاشتها البلاد طوال السنوات الماضية في تعداد سكانها، والوصول إلى أرقام حديثة وموثوقة تسهم في الخطط التنموية الاقتصادية والاجتماعية والإنسانية، وتبدأ عملية الإحصاء منتصف العام الجاري حتى أواخر 2024، وسيشارك في عملية العد والإحصاء نحو 30 ألف جامع بيانات، سيتلقون دورات تدريبية قبل بدء العد، في أكتوبر/تشرين الأول 2024، الذي من المتوقع انتهاؤه في غضون أسبوعين، لتمكين البلاد من تنظيم انتخابات مباشرة(7).
  2. تسلُّم الملف الأمني من البعثة الإفريقية: وفيما يتعلق بعملية تسلم الملف الأمني من القوات الإفريقية وتسليم المهام الأمنية للقوات الصومالية، بدأت القوات الإفريقية الانتقالية (أتمس) عملية الإجلاء، وأخلت حتى الآن سبع قواعد عسكرية في وسط البلاد وجنوبها، أواخر يونيو/حزيران الماضي. وعلى الفور، تولت وحدات من الجيش الصومالي مسؤولية المقار العسكرية التي انسحبت منها القوات الإفريقية متعددة الجنسيات، وذلك بناء على قرار أممي بتخفيض عدد القوات الإفريقية تدريجيًّا لغاية الانسحاب الكامل من البلاد، في 31 من ديسمبر/كانون الأول 2024. وأعلن رئيس بعثة الاتحاد الإفريقي في الصومال، محمد الأمين السويف، في مقر القاعدة الرئيسية للقوات الإفريقية في معسكر حلني (جنوبي مقديشو)، عن نجاح خطة السحب الأولى التي تضمنت سحب ألفي جندي من القوات الإفريقية من جنوب ووسط الصومال، مشيرًا إلى أن الهدف من التخفيض هو تيسير النقل التدريجي للمسؤوليات الأمنية إلى قوات الأمن الصومالية. ووفق بعثة الاتحاد الإفريقي فإنها تعمل عن قرب مع الحكومة الفيدرالية ومكتب الأمم المتحدة في الصومال، بهدف التوصل إلى تقييم فني مشترك والتخطيط للجولة الثانية من الانسحاب في أغسطس/آب المقبل، تمهيدًا لسحب 3 آلاف جندي بحلول نهاية سبتمبر/أيلول المقبل(8). وفي أبريل/نيسان 2022، وافق مجلس الأمن الدولي على استبدال البعثة الإفريقية الانتقالية في الصومال (أتميس) بقيادة الاتحاد الإفريقي ببعثة الاتحاد الإفريقي في الصومال (أميصوم)، التي أنشئت في 2007، ولكن بتفويض معزَّز لمحاربة حركة "الشباب"، وذلك حتى نهاية 2024(9).
  3. تأسيس محكمة دستورية: يمثل غياب محكمة دستورية في الصومال، منذ عام 1991، نقطة ضعف النظام المؤسساتي في البلاد، فغياب جهاز فصل السلطات والصلاحيات والمنازعات بين كل من السلطتين التنفيذية والتشريعية يسبِّب أزمة دستورية كبرى في الصومال الجديد، فهناك ضرورة ملحَّة لبناء المحكمة الدستورية وتوكيل شخصيات قانونية لها استقلاليتها ولا تتأثر بمجريات التقلبات والأوضاع السياسية في البلاد، وذلك لتجنيبه مستقبلًا مزيدًا من الصراعات الناشئة عن خلافات دستورية أو صراع السلطة والصلاحيات بين الحكومة الفيدرالية والحكومات الإقليمية من جهة ورئيس البلاد ورئيس حكومته من جهة ثانية. ولهذا فإن تنظيم انتخابات مباشرة يتطلب أيضًا إعادة الهيكل الإداري والتنظيمي للمحكمة الدستورية.

ووفق قانونيين، فإن المحكمة الدستورية لا تختص على نحو مباشر بالبت بالخلافات المتعلقة بالانتخابات وسير تنظيمها وقوانينها وآليات تنفيذها، فمهام الانتخابات إدارية بالدرجة الأولى وتخوَّل المحكمة العليا بفصل نزاعاتها، غير أن تشكيل المحكمة الدستورية ضروري في مسيرة بناء الدولة الصومالية، لأنها تختص بفصل النزاعات والخلافات السياسية بين السلطات الثلاث في الدولة، والحد من الخلافات الحدودية بين الحكومات الفيدرالية، واحتواء التوترات الدستورية بين المركز والأطراف(10).

  1. استكمال صياغة الدستور وطرحه للاستفتاء العام: لا تزال مهمة استكمال الدستور الصومالي المؤقت منذ عام 2012 معلقة حتى الآن، فلم تنجح الجهود التي بُذلت طيلة السنوات الماضية في استكمال كتابته وصياغته بشكل ينهي الخلافات المتعلقة بالدستور، وهو ما يعقد مسألة استكمال هذا الدستور الشائك، وتضع العراقيل أمام تنظيم استحقاق رئاسي مباشر في البلاد عام 2026، وذلك في ظل خلافات سياسية بين حكومة مقديشو وحكومة بونتلاند منذ انتخاب حسن شيخ محمود رئيسًا للبلاد في مايو/أيار عام 2022.

الانتخابات المباشرة: الفرص والإمكانات

تعد مسألة تنظيم الانتخابات المباشرة هدفًا رئيسًا لكل رئيس صومالي أثناء فترة حكمه، لكن هذا الهدف المعلن سرعان ما يثير ضجة في الوسط السياسي وخاصة كتلة المرشحين السابقين الذين يطمعون في الترشح من جديد في الرئاسيات المقبلة؛ حيث تفسر تلك الكتل تنظيم الانتخابات المباشرة بأن وراءه أهدافًا أخرى غير المعلنة. في فترة الرئيس السابق، محمد عبد الله فرماجو، تم الإعلان عن استعداد حكومته لتنظيم انتخابات مباشرة؛ الأمر الذي دفع البلاد إلى حافة الهاوية، برفض قوي وصريح من المعارضة، المشهد نفسه ينطبق راهنًا على الرئيس، حسن شيخ محمود، الذي يريد إمساك العصا من الوسط باتفاق مع رؤساء الولايات الفيدرالية، ما عدا رئيس ولاية بونتلاند، سعيد عبد الله دني، الذي قاطع مخرجات المؤتمر التشاوري الذي أوصى بتنظيم انتخابات مباشرة والانتقال إلى نظام الأحزاب السياسية، لإدارة دفة حكم البلاد (حزبان سياسيان فقط).

اللافت، أن الرئيس حسن شيخ محمود يحظى حاليًّا بجملة من الفرص والإمكانات في حال أراد تطبيق نموذج انتخابي مباشر، وتتمثل في الآتي:

  1. التوافق السياسي: يحتاج الرئيس الصومالي، حسن شيخ محمود، إلى حلفاء سياسيين جدد خارج تركيبته الإدارية الناظمة للحكم حاليًّا في البلاد، وخارج مؤيديه من الولايات الفيدرالية، وطمأنة المعارضة بشأن مخاوفها من مسألة الانتخابات المباشرة، وإقناعها بأن الانتقال إلى نظام سياسي جديد عبر نظام حزبي، بعيدًا عن المحاصصة القبلية (4.5)، يخلِّص الصومال من إرث تراكمات الخلافات السياسية؛ ما دفع الرئاسة الحالية إلى بذل مزيد من الجهود عبر عقد لقاءات مع سياسيين سابقين ورؤساء الحكومات والرئيس الأسبق، شريف شيخ أحمد، بشأن تبديد مخاوفها الناجمة عن تنظيم اقتراع مباشر في البلاد بحلول عام 2024(11)، وتبدو التفاهمات جادة بشأن هذا الملف، لكن ثمة سؤال يبحث عن إجابة في خضم الجهود التي يبذلها الرئيس حسن شيخ: هل ستتفق الأطراف الصومالية على إجراء انتخابات مباشرة أم أن المعارضة ورئيس بونتلاند، سعيد عبد الله دني، يريدان المضي نحو مزيد من الصراعات مع الحكومة والرئاسة الحالية، وإضاعة فترة انتقالية جديدة من الصومال، ليبقى في دوامة من الصراعات ورهينة لنظام سياسي هجين لم يعد صالحًا للاستخدام والتداول؟
  2. التعددية الحزبية: يؤمن الرئيس حسن شيخ بفكرة تطبيق نظام حزبي سياسي يحكم البلاد منذ ولوجه إلى السياسة الصومالية عام 2011، وكرر في خطاباته بأن نظام أحزاب سياسية قليلة ويمكن عدها بأصابع اليد الواحدة، تتنافس على الحكم يعد صالحًا وملائمًا لهذا البلد، وأن التعددية الحزبية يمكن أن تقود البلاد إلى مسارها الطبيعي من خلال الحد من تدخلات القبيلة ونفوذها الطاغي في السياسة الصومالية منذ عقود، لكن مسألة التعددية الحزبية التي وقَّع على بنودها ولوائحها القانونية كل من الرئيس حسن شيخ محمود (2016) والرئيس محمد عبد الله فرماجو (2020)، لا تزال غير فعالة، وهو ما يعطي نظام المحاصصة السياسية فرصة أخرى للبقاء مؤثرًا في المشهدين، الانتخابي والسياسي، في البلاد(12).
  3. احتواء المهددات الأمنية: بالغ الرئيس حسن شيخ محمود بعد انتخابه رئيسًا للبلاد، في مايو/أيار عام 2022، بشأن إعلانه عن دحر حركة الشباب وإضعافها عسكريًّا في غضون عام، لكنه نجح على الأقل في احتواء تهديداتها الأمنية في مناطق كثيرة بوسط البلاد، وذلك بعد طردها من معاقل إستراتيجية وسط البلاد، سيما إقليم جلمدغ الذي كانت الحركة تسيطر على أجزاء شاسعة منه ولمدة أكثر من 15 عامًا؛ حيث حرر الجيش الصومالي والميليشيات العشائرية المسلحة نحو 80 بلدة من بينها مدن ساحلية إستراتيجية مطلة على المحيط الهندي كانت تسهِّل نشاط الحركة في توريد السلاح وتهريب الأجانب، وهو ما اعتبره مراقبون خسارة كبيرة بالنسبة للحركة، التي تواجه حاليًّا ضغطًا عسكريًّا حكوميًّا ولأول مرة منذ عشر سنوات، فإذا تمكنت الحكومة الفيدرالية من تحجيم نفوذ حركة الشباب أو إضعافها عسكريًّا، يمكن أن تقدر على ترتيب اقتراع مباشر في البلاد عام 2024، لكن في ظل وجود وانتشار مسلحي الحركة تبقى مسألة تنظيم انتخابات مباشرة مستبعدة وغير ممكنة(13).

خاتمة

غالبًا ما تثار في الأنظمة الإفريقية وخاصة تلك التي عانت من ويلات الحروب الأهلية تجربة الانتقال السياسي والتحول الديمقراطي. في النموذج الصومالي، تبدو الاضطرابات السياسية والفشل السياسي الإداري هي السمة الغالبة، على الرغم من أن البلاد حققت في العقد الأخير تجارب فريدة للتداول السلمي للسلطة، أنعشت آمال تحقق أنظمة ديمقراطية تؤمن بالانتقال السلس للحكم(14)، وتعتبر مسألة التداول السلمي للسلطة التي عرفها الصومال منذ عام 2012 غير مكتملة الأركان، فتهميش التعددية الحزبية وتنظيم انتخابات غير مباشرة يسودها الفساد والتلاعب بالانتخابات، تهددان مستقبل البلاد وتعرضه دومًا للانزلاق إلى مزالق الصراعات السياسية نتيجة الفشل في تجاوز تبعات مرحلة ما بعد فشل الدولة، ووعورة الانتقال إلى نظام سياسي جديد؛ الأمر الذي يعقِّد التحديات المتعلقة بشأن إجراء اقتراع مباشر في الصومال حاضرًا ومستقبلًا.

ABOUT THE AUTHOR

References

(1) عبد الرحمن عيسى، الانتقال الديمقراطي في الصومال وتأثير الشباب فيه، مجلة سياسات عربية، العدد 32، مايو/أيار 2018، (تاريخ الدخول: 8 يوليو/تموز 2023)، https://bit.ly/3PS4WaG

(2) الشافعي أبتدون، الانتقال السياسي في الصومال: المسارات والمطبات، المركز الإفريقي للاستشارات، 3 يناير/كانون الثاني 2021، (تاريخ الدخول: 8 يوليو/تموز 2023)، https://bit.ly/3DbThfu

(3) عبد القادر غولني، مستقبل الصومال في ضوء الانتخابات المقبلة، المركز الإفريقي للأبحاث ودراسة السياسات، 26 أكتوبر/تشرين الأول 2020، (تاريخ الدخول: 8 يوليو/تموز 2023)، https://bit.ly/3pI43Hh

(4) عبد القادر غولني، مستقبل الصومال في ضوء الانتخابات المقبلة، مرجع سابق.

(5) صهيب محمود، الانتخابات الصومالية 2022: قراءة في نتائجها وتحديات الحكومة الجديدة، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 13 يونيو/حزيران 2022، (تاريخ الدخول: 9 يوليو/تموز 2023)، https://bit.ly/3Oc4yCT

(6) الشافعي أبتدون، الانتقال السياسي في الصومال، مرجع سابق.

(7) منذ 1975.. أول إحصاء سكاني في الصومال، وكالة الأناضول، 15 مايو/أيار 2023، (تاريخ الدخول: 9 يوليو/تموز 2023)، https://bit.ly/3O9cipa

(8) ATMIS pledges troop drawdown, ATMIS.AU, July 7, 2023, (Accessed on: July 11, 2023), https://bit.ly/3JM0OoU

(9) ATMIS officially hands over Forward Operating Bases, ATMIS.AU, July 9, 2023, (Accessed on: July 11, 2023), https://bit.ly/3PP9UVM

(10) مقابلة صالح شيخ إبراهيم، قاض في المحكمة العليا والرئيس السابق لمحكمة الاستئناف في الصومال، عبر الهاتف، مقديشو، 11 يوليو/تموز 2023.

(11) فعاليات مؤتمر قادة البلاد والرؤساء السابقين تنطلق اليوم، وكالة صونا للأنباء، 12 يوليو/تموز 2023، (تاريخ الدخول: 12 يوليو/تموز 2023)، https://bit.ly/3NH9fms

(12) أيانلي حسين، مقابلة مع الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود، هنولاتو، عام 2018، (تاريخ الدخول: 12 يوليو/تموز 2023)، http://bitly.ws/Ldm7

(13) الصومال: الجيش يحرر أربع مناطق من حركة "الشباب"، وكالة الأناضول، 12 ديسمبر/كانون الأول 2022، (تاريخ الدخول: 12 يوليو/تموز 2023)، http://bitly.ws/Ldo9

(14) الشافعي أبتدون، الانتقال السياسي في الصومال: المسارات والمطبات، مرجع سابق.