التوازن بين الشركات الأمنية الخاصة بإفريقيا: حالة إفريقيا الوسطى

تحاول هذه الورقة قراءة التطور الجديد في إفريقيا الوسطى المتعلق بالانفتاح على شركات أمنية غربية إلى جانب مجموعة فاغنر الروسية والجيش الرواندي بسبب انعدام الأمن وعدم الاستقرار. فإلى أي حد سيحقق نظام الرئيس "تواديرا" التوازن بين شركائه الأمنيين في سياق المنافسة الأميركية-الروسية؟
أثبتت فاغنر قدراتها وخاصة فيما يتعلق بأمن رئيس إفريقيا الوسطى تواديرا، ورسخت قدميها نتيجة العقود المربحة التي تحظى بها في البلاد (الفرنسية).

تناقلت وكالات الأنباء في أواخر ديسمبر/كانون الأول الماضي (2023) أن جمهورية إفريقيا الوسطى تُجري مناقشات مع شركة "بانكروفت غلوبال ديفيلوبمنت" التي تتخذ من واشنطن العاصمة مقرًّا لها. وهذا التطور جاء على خلفية زيارات متعددة لمسؤولين من روسيا وإعادة التنظيم الداخلي لمجموعة المرتزقة الروسية (فاغنر) التي وصلت الدولة الواقعة بوسط إفريقيا في عام 2018. وفي حين نفى مسؤولون من جمهورية إفريقيا الوسطى وشركة "بانكروفت" وصول القوات المرتبطة بالشركة للبلاد، فقد كان اعتراف نظام الرئيس "فوستين آركانج تواديرا" بحدوث اتصالات بينه وهذه الشركة بمنزلة تأكيد لتقارير سابقة، في يوليو/تموز 2023، أفادت أن "بانكروفت" تضع إطار عمل لمناقشة أنشطة مستقبلية مع حكومة جمهورية إفريقيا الوسطى(1).

كيف يمكن قراءة هذا التطور الجديد في دولة تعاني انعدام الأمن وعدم الاستقرار وصراعًا داميًا بين الحكومة والمتمردين المسلحين؟ وكيف سيحقق نظام الرئيس "تواديرا" التوزن بين شركائه الأمنيين، وخاصة بين رواندا وروسيا و"بانكروفت"، في سياق المنافسة الأميركية-الروسية والتطورات السياسية والأمنية في الدول المجاورة لجمهورية إفريقيا الوسطى؟

أزمة جمهورية إفريقيا الوسطى

شهدت جمهورية إفريقيا الوسطى منذ استقلالها عن فرنسا، عام 1960، عددًا من الأزمات السياسية التي شملت ستة انقلابات عسكرية. ومن محطات هذه الأزمات ما حدث في عام 2003 حيث سيطر المتمردون على جزء كبير من البلاد، وخاصة المناطق الشمالية بعد انقلاب الرئيس السابق "فرانسوا بوزيزيه"(2). وفي العام التالي حاولت الحكومة القضاء على "اتحاد القوى الديمقراطية من أجل الوحدة" (Union des Forces Démocratiques pour le Rassemblement، UFDR) مع جهود لوضع حدٍّ لها من جهات مختلفة دون نجاح ملموس، واستمرت المواجهات العنيفة واتخذ الوضع منحي آخر في ديسمبر/كانون الأول 2012 عندما بدأ هجوم ضد الحكومة من قبل تحالف من المنظمات المسلحة التي تألف معظمها من المنظمات الإسلامية المعروفة باسم "سيليكا". وقبل السيطرة على وسط وشمال البلاد اجتاح تحالف "سيليكا" بانغي عاصمة البلاد وأطاح، في مارس/آذار 2013، بالرئيس "بوزيزيه" ليحل محله "ميشيل دجوتوديا"، قائد متمردي سيليكا، الذي حاول لاحقًا حل التحالف المتهم باستهداف المسيحيين، ولكنه فشل في ذلك لرفض بعض مقاتليه المبادرة المقدمة لهم(3).

كانت ردة فعل "بوزيزيه" المطاح به أن حشد مجموعات مسيحية تحت اسم "أنتي بالاكا"، واتخذت الأزمة بُعدًا دينيًّا حيث نفذت "أنتي بالاكا" أعمال عنف انتقامية ضد "سيليكا" والمجتمعات المسلمة الأخرى. وزحف بعض مقاتلي "سيليكا" إلى إقطاعيات خارج العاصمة، بانغي، وبحلول عام 2016، عندما فاز الرئيس الحالي "تواديرا" في الانتخابات العامة، كانت الحكومة تسيطر على أقل من ثلث مساحة البلاد فقط، فطلب "تواديرا" مساعدة الجهات الخارجية بعد تدهور علاقته مع فرنسا، فتصدت الجهود الحكومية والتدخلات من فاغنر الروسية والقوات الرواندية للمتمردين وطردتْهم من المدن الكبرى لتسيطر حكومة "تواديرا" وحلفاؤها على أجزاء كبيرة من البلاد(4).

على أن الإنجازات الأمنية الناتجة عن شراكة نظام الرئيس "تواديرا" مع فاغنر أثارت توترات جيوسياسية ومزاعم النهب للثروات وانتهاكات حقوق الإنسان ومساهمتها في إفقار المؤسسات الجمهورية والوطنية. بل رغم التغير الهائل في طبيعة الصراع في جمهورية إفريقيا الوسطى خلال العامين الماضيين لا تزال الجماعات المسلحة تنشط في أجزاء من البلاد، وخاصة في المناطق الحدودية. وارتفعت حدة التوترات السياسية مؤخرًا بعد الموافقة على الدستور الجديد الذي ألغي تحديد الفترات الرئاسة مما يسمح للرئيس "تواديرا" بتمديد فترة بقائه في السلطة.

مجموعة بانكروفت وإستراتيجية نظام تواديرا لتقليم أظافر مجموعة فاغنر

بدأت عملية إرسال القوات الفرنسية إلى جمهورية إفريقيا الوسطى، في ديسمبر/كانون الأول من عام 2013، بهدف تعزيز مهمة الأمم المتحدة وقوة حفظ السلام التابعة للاتحاد الإفريقي لإنهاء الصراع في البلاد، ولكن المهمة فشلت في تحقيق الاستقرار وتزايد الشعور بأن وجودها في البلاد غير مُجْدٍ في وجه الأزمة المتفاقمة. وقد اضطرت باريس إلى سحب جنودها الذين بقوا في البلاد بعد انتهاء العملية الدولية وبعد انتخابات عام 2016، وخاصة أن باريس اعترضت على الوجود العسكري الروسي المتزايد في البلاد(5). ومع ذلك، أدى تقدم الجماعات المسلحة إلى استعانة الرئيس "تواديرا" بفاغنر في عام 2018 للمساعدة في تدريب قواته المسلحة، وهو ما عزز قوة نظامه لاحقا، وتلا ذلك توظيف المزيد من القوات الروسية لصالح إفريقيا الوسطى.

وقد أثبتت فاغنر قدراتها وخاصة فيما يتعلق بأمن الرئيس "تواديرا"، ورسخت قدميها نتيجة العقود المربحة التي تحظى بها في البلاد(6). ولكن هذه النجاحات أيضًا زادت من استياء مواطني جمهورية إفريقيا الوسطى ضد رئيسهم. ووقع تحول آخر بعد وفاة زعيم فاغنر "يفغيني بريغوجين" في حادث تحطم طائرة، وهو الذي عمل على تعزيز مصالح موسكو في إفريقيا. ورغم أن روسيا طمأنت جمهورية إفريقيا الوسطى بأنها ملتزمة تجاه البلاد بعد وفاة زعيم فاغنر وأنها ستتولى إدارة المجموعة، إلا أن التطور أحدث شكوكًا في نفوس الزعماء المتعاونين مع المجموعة الروسية وأثار تساؤلات حول مستقبلها في القارة. وهناك إحساس لدى بعض مواطني الدول الإفريقية بضرورة تقليل نفوذ فاغنر واحتواء تعدياتها حيث رأوا أن تزايد نفوذها ووفاة زعيمها في أعقاب تمرده ضد الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" مؤشر على إمكانية تفاقم الأوضاع الأمنية والاستقرار السياسي إذا حاولت الدول الإفريقية التراجع عن تعاوناتها مع فاغنر وعقودها مع روسيا.

هذا، وكشفت تقارير أن بعض المسؤولين المقربين من "تواديرا"، رئيس جمهورية إفريقيا الوسطى، اهتموا كثيرًا بالتطور الأخير المرتبط مع فاغنر حيث التفاصيل الأمنية الخاصة برئيس البلاد ترتبط بأعضاء المجموعة الروسية(7). وفي حين أن الرئيس "تواديرا" حضر قمة روسيا-إفريقيا 2023 وأبدى دعمه لموسكو؛ فقد كانت الأزمات السياسية والأمنية وعدم الاستقرار في دول الجوار وخاصة السودان واتهام أطراف دولية متعددة بالتورط فيها تجبر نظامه على إعادة النظر في حساباته وأولوياته من حيث العلاقات الدبلوماسية والتعاونات الإستراتيجية، لتكون النتيجة قراره بضرورة تنويع مصادره الأمنية وخلق بدائل عن علاقاته مع روسيا(8). وهذا القرار من بانغي يتزامن أيضًا مع مساعيها لتجديد علاقاتها مع الشركاء الغربيين للتخفيف من التأثر بتداعيات العقوبات الدولية على فاغنر وروسيا.

وفي ذات السياق، اقترح وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، على الرئيس تواديرا بدائل لفاغنر في عام 2022(9) ونتج عنها إبرام اتفاقية مع الشركة العسكرية الأميركية الخاصة "بانكروفت". وهناك أنباء عن وقوع زيارة غير معلنة لمسؤولي الشركة إلى بانغي بعد وقت قصير من زيارة نائب وزير الدفاع الروسي، يونس بك يفكوروف، وأن موظفي الشركة العسكرية الأميركية وصلوا بالفعل إلى بانغي ولكنهم لم يبدؤوا أنشطتهم بعد. ولعل ما يؤكد هذا تصريحات "ألبرت يالوكي موكبيم"، المتحدث باسم رئاسة جمهورية إفريقيا الوسطى، بأن بلاده دعت دولًا من بينها روسيا والولايات المتحدة لمساعدتها في تدريب الجنود، وأن الولايات المتحدة عرضت المساعدة في ذلك "سواء على أراضي جمهورية إفريقيا الوسطى أو على الأراضي الأميركية"(10).

أما شركة "بانكروفت"، فهي لم تكن غريبة عن الأراضي الإفريقية حيث عملت في الصومال وأوغندا وكينيا وليبيا. ومن السمات البارزة في أنشطة الشركة اهتمامها بمناطق النزاع المسلح حيث ارتبطت أعمالها في الصومال مثلا بتعزيز قدرات بعثة الاتحاد الإفريقي والجيش الوطني الصومالي.

واشنطن وموسكو: التنافس على الموارد الطبيعية

لم تُخف الدول الغربية، بما في ذلك إدارة الرئيس الأميركي "بايدن" عدم ارتياحها للهيمنة الروسية على مؤسسات جمهورية إفريقيا الوسطى والمنافع التي تحصل عليها فاغنر من حيث الموارد الثمينة والوجود في المواقع الإستراتيجية، وخاصة أن الدول الغربية نفسها تتطلع إلى فرص جديدة في المنطقة. وهذا ما أدى إلى جهود دبلوماسية مختلفة مثل التي جمعت الدول الإفريقية مع الولايات المتحدة في قمة واشنطن التي اقترح فيها "بلينكن" خيارات على الرئيس تواديرا. وفي الوقت نفسه زادت واشنطن نطاق عقوباتها ضد الأفراد والشركات المرتبطة بفاغنر بمن في ذلك "فاليري زاخاروف"، العضو السابق في جهاز أمن الدولة الروسي والمستشار السابق للرئيس "تواديرا"، والذي عاد مؤخرًا بطريقة سرية(11) إلى جمهورية إفريقيا الوسطى بعد غياب دام عامين.

وباعتبار جمهورية إفريقيا الوسطى موطنًا لرواسب كبيرة من الذهب والماس والوقود الأحفوري واليورانيوم؛ يُلاحَظ من تصريحات مسؤولي الولايات المتحدة والزيارات المتكررة والمكثفة منهم إلى إفريقيا والتقرب الأميركي للنظام في جمهورية إفريقيا الوسطى أن واشنطن مستعدة لخوض المنافسة عبر نافذة شركة أمنية خاصة مستغلة انشغال السلطات الروسية بإعادة تنظيم فاغنر. ويمكن القول أيضًا: إن إدارة "بايدن" تستوحي إستراتيجياتها الجديدة في بانغي من قواعد اللعبة التي تمارسها موسكو؛ حيث أكدت مصادر متعددة أن وزارة الخارجية الأميركية تمول "بانكروفت" جُزئيًّا كما هي الحال في التمويل "غير المباشر"(12) في مواجهة حركة الشباب بالصومال. ومع ذلك نفت واشنطن وقوفها وراء الشركة وأنها لم تطلب إشراكها في جمهورية إفريقيا الوسطى.

ويضاف إلى ما سبق أن التشابه بين مهام الشركتين الروسية والأميركية يوحي بتوقع اشتداد التنافس بين القوى المختلفة في جمهورية إفريقيا الوسطى؛ إذ تسيطر فاغنر على منشآت التعدين الكبرى مثل منجم "نداسيما" للذهب وسط البلاد. وبحسب محتوى اتفاق حكومة جمهورية إفريقيا الوسطى مع "بانكروفت" تتطلع الشركة أيضا إلى تأمين امتيازات التعدين وحمايتها وإنشاء فريق مؤهل ذي خبرة عالية خاضع لإشرافها في البلاد وتوفير قدرات التنصت والاعتراض لخدمات استخباراتية في رئاسة جمهورية إفريقيا الوسطى، إضافة إلى نشر أصولها التكنولوجية وخاصة الطائرات بدون طيار للمراقبة وتدريب حراس الغابات على تطوير رحلات الصيد للسياح الأجانب.

قوات رواندا والحلول الإفريقية للتحديات الإفريقية

حظيت حملات رواندا العسكرية في جمهورية إفريقيا الوسطى بدعم الكثيرين داخل إفريقيا؛ لأنها تدخل في نطاق "حلول إفريقية للتحديات الإفريقية" وتعزز أواصر العمل القاري المستقل في مجالات السلام والأمن. وقد نشرت رواندا قواتها للمرة الأولى في جمهورية إفريقيا الوسطى، في يناير/كانون الثاني 2014، ولدى كيغالي اليوم أكثر من ألفي جندي في البلاد تحت إطار مهمة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، إضافة إلى أكثر من ألف جندي رواندي منتشرين في جمهورية إفريقيا الوسطى بموجب اتفاقية ثنائية ضمن الدبلوماسية العسكرية التي تتبناها كيغالي(13) وتخدم خطة الرئيس "تواديرا" لمكافحة التمرد بعد انسحاب مهمة "سانغاريس" الفرنسية وفشل البعثة الأممية في احتواء حوالي اثنتي عشرة من الجماعات المسلحة التي انبثقت عن أزمة عام 2013.

ومع ذلك، كان توجه بانغي نحو الولايات المتحدة وشركة "بانكروفت" الخاصة كبديلة لفاغنر لتلبية احتياجاتها الأمنية يثير تساؤلات حول أسباب عدم اعتماد بانغي على رواندا وقواتها الموجودة في البلاد، وخاصة أن مهام التدريبات والبعثات العسكرية الرواندية تميل إلى مكافحة التمرد أكثر من حفظ السلام التقليدي. ولعل ما يفسر هذا التوجه من بانغي أن تقارير غير مؤكدة أفادت عن وقوع صدامات بين الجنود الروانديين وفاغنر في إفريقيا الوسطى، وهو ما يعني أن رواندا ليست في حجم روسيا من حيث المواجهة وأن قواتها غير قادرة على احتواء المرتزقة الروس في حالة الحاجة إلى ذلك.

هذا، وأسهم تأزم علاقات رواندا مع جيرانها -الكونغو الديمقراطية وأوغندا وبوروندي- في تراجع الثقة برواندا حيث هناك اعتقاد بأن كيغالي نفسها تسعى وراء الموارد الطبيعية في جمهورية إفريقيا الوسطى؛ إذ رغم مساعدة رواندا في تعزيز مؤسسات جمهورية إفريقيا الوسطى إلا أنها تؤمِّن لنفسها امتيازات التعدين والأراضي الزراعية وتوقع عقودًا اقتصادية مع بانغي وتضمن تسهيلات حكومية لسد ندرة الموارد الطبيعية برواندا وتعويضها هذا النقص من خلال استثمارات عوائد الثروات المعدنية المستخرجة في جمهورية إفريقيا الوسطى، وهذه الخطة أيضًا وفرت لرواندا إمكانية تمويل تدخلها العسكري في إفريقيا الوسطى.

ويضاف إلى ما سبق أن كيغالي متهمة باستخدم قواتها لتأمين مؤسساتها الاقتصادية في جمهورية إفريقيا الوسطى وأنها لم تقم بما يكفي لإحياء عملية السلام المتعثرة بين المتمردين وحكومة البلاد.

الشركات الأمنية الخاصة وتحقيق التوازن بينها

إذا كان مسؤولو حكومة جمهورية إفريقيا الوسطى وشركتي فاغنر و"بانكروفت" يرون أن عقودهم مربحة للجانبين؛ حيث جانب يحصل على الخدمات الأمنية والآخر يحظى بامتيازات الموارد الطبيعية والمعدنية؛ فإن إدارة هذه الشركات الأمنية الخاصة وتحقيق التوازن بينها قد يكونان التحدي الأكبر للسلطات وسكان جمهورية إفريقيا الوسطى بل ذلك يعني أن جميع الأطراف وداعميها بما في ذلك الغرب مستعدون للتضحية بالقوانين الوطنية واللوائح الأخلاقية الدولية المرتبطة بالحرب الأهلية وشخصيات هذه الشركات التي تواجه سلسلة اتهامات نتيجة أعمالها المشبوهة.

وعلى سبيل المثال: في حين ينتقد الغرب مجموعة فاغنر بأنها توفر خدماتها دون الامتثال لحقوق الإنسان، وأنها وحشية في حملاتها العسكرية، وتهيمن على امتيازات الموارد الطبيعية وعقود تجارية كبيرة والمواقع الإستراتيجية مثل القواعد الجوية أو الموانئ على حساب المواطنين والديمقراطية والتنمية(14)؛ فإن شركة "بانكروفت" أيضًا لم تسلم من الاتهامات حيث تعتبر مجموعة من المرتزقة فرنسية النشأة وذات سجل إجرامي؛ لاتهامها بالمشاركة في انقلابات إفريقية متعددة وتورط أحد مؤسسيها في اغتيال "دولسي سبتمبر" ممثلة حزب المؤتمر الوطني الإفريقي (African National Congress) في باريس، عام 1988(15).

ويضاف إلى ما سبق أن "بانكروفت" تصف نفسها بمنظمة غير حكومية وغير ربحية رغم كونها في الواقع شركة عسكرية خاصة. وقد يسهِّل أصلها الفرنسي أن تكون بوابة فرنسا المحتملة للعودة إلى جمهورية إفريقيا الوسطى، وهو ما يجعل البلاد مسرحًا للعبة بين الشركات الخاصة ووكلائها، كما هو واضح اليوم في الحرب الإعلامية الجارية بين روسيا والغرب وإعادة تدوير الخطابات المعادية لبعضها البعض، والزيارات المتكررة للمخابرات الروسية إلى بانغي تحت العباءة الدبلوسية وتبادل الاتهامات بالقيام بالعمليات عسكرية غير مصرح بها وانتهاك سيادة جمهورية إفريقيا الوسطى للإطاحة بالرئيس "تواديرا" واغتياله. وهذا التطور أجبر مستشار رئاسة إفريقيا الوسطى، جول نجاوي، على التصريح بأنه يجب على واشنطن وموسكو الانخراط في "حربها النووية" في مكان آخر غير جمهورية إفريقيا الوسطى.

وفي حين أن التوترات بين كيغالي وفاغنر في جمهورية إفريقيا الوسطى باردة وخافية عن العلن بسبب أهداف كل منهما ومصالحها الخاصة؛ فإن نشر "بانكروفت" قد يفسر الصعوبات الإدارية التي واجهها العديد من الأميركيين في الأشهر الأخيرة في بانغي نتيجة التوتر بين الجهات الفاعلة القريبة من مصالح روسيا؛ الأمر الذي قد يتحول مستقبلًا إلى المواجهة المباشرة بين الجانبين وزيادة كل منهما لقواتها في البلاد.

خاتمة

تعد جمهورية إفريقيا الوسطى دولة غير ساحلية وتشترك في حدودها مع جمهورية الكونغو الديمقراطية من ناحية الجنوب، وتحدها جمهورية الكونغو من الجنوب الغربي وتشاد من الشمال والسودان من الشمال الشرقي وجنوب السودان من الشرق والكاميرون من الغرب. ومن السمات البارزة في جميع هذه الدول أن بعضها شهد حروبًا أهلية والآخر عانى عدم استقرار سياسي، وهناك دول منها يحكمها قادة عسكريون بدعم من الغرب وجيران معرضين للانقلابات نتيجة لفترات حكم رؤسائهم الطويلة وسوء الأوضاع المعيشية.

ورغم جلب شركات أمنية أجنبية مختلفة ومنحها عقودًا مربحة في شكل الموارد الطبيعية المملوكة لشعب إفريقيا الوسطى، إلا أن رئيس البلاد ما فتئ "ضعيفًا" من الناحية السياسية والأمنية حتى لو لم تَتَجلَّ نقطة الضعف هذه بعد، وخاصة أنه يمكن لجميع هذه الشركات الأمنية أن تنفذ أجندات وكلائها في الدول المجاورة لجمهورية إفريقيا الوسطى لتحقيق مكاسب خاصة خارجة عن المصالح الوطنية ورؤى مواطني إفريقيا الوسطى للتنمية والحوكمة. بل الواقع يكشف أن نقطة الضعف ترتبط أيضًا بتحديات تحقيق التوازن بين هذه الشركات الأمنية وطبيعة البنية السياسية والانفلات الأمني وانتشار المسلحين إلى جانب الأزمات المجاورة والتحديات الإثنية واللغوية في البلاد. ولذلك كان أحد الأسئلة العديدة التي تتبادر إلى الذهن: هل تبرر الأزمة السياسية والأمنية توظيف عدة شركات أمنية خاصة واستئجار مرتزقة مشبوهين وجنود باحثين عن الثروة؟ وإذا كانت الإجابة بنعم، فإلى أي مدى؟ وما الخطة الوطنية لتحقيق الاستقلال الأمني وخروج المرتزق من أراضي جمهورية إفريقيا الوسطى؟

ABOUT THE AUTHOR

References

1- Melissa Chemam. “CAR in talks with US security firm as West eyes Wagner's ground in Africa”. RFI, 30 December 2023, https://shorturl.at/elzZ7 (visited on 20 January 2024)

2- حكيم نجم الدين، "الصراع في جمهورية إفريقيا الوسطى: بين الحركات المسلحة المحلية والأطراف الأجنبية"، منصة دراسات الأمن والسلام، 1 يونيو/حزيران 2023، (تاريخ الدخول: 20 يناير/كانون الثاني 2024)، https://shorturl.at/eOUY9

3- المصدر السابق.

4- محمد زكريا فضل، "كيف نفهم الصراع بين فرنسا وروسيا في جمهورية إفريقيا الوسطى؟"، الأفارقة للدراسات والاستشارات، 23 أغسطس/آب 2021، (تاريخ الدخول: 20 يناير/كانون الثاني 2024)، https://shorturl.at/chms4

5- "Last French troops leave Central African Republic amid closer Bangui-Moscow ties." France24, 15 Dec 2022, https://rb.gy/8s77h3 (visited on 20 January 2024)

6- Doxsee, C., J. S. Bermudez Jr, and J. Jun. "Central African Republic mine displays stakes for Wagner Group’s future." Center for Strategic and International Studies, 3 July 2023, https://rb.gy/qgznku (visited on 20 January 2024)

7- Salem Solomon. “From the CAR to Eritrea, Russia’s African Ambitions Unfold”. VOA, 10 November 2018, https://rb.gy/ncltkb (visited on 20 January 2024)

8- “Between Wagner and Bancroft, Touadéra's tricky security situation”. Africa Intelligence, 8 January 2024, https://rb.gy/h57bhd (visited on 20 January 2024)

9- Brendan Cole. “US Turns Tables on Putin in Africa PMC Powerplay”. Newsweek, 20 December 2023, https://rb.gy/a66w24 (visited on 20 January 2024)

10- “Centrafrique: l’implantation de la SMP américaine Bancroft Global Development confirmée par les autorités”. Radio Ndeke Luka, 23 December 2023, https://t.ly/Ax73o (visited on 20 January 2024)

11- “Wagner's Valery Zakharov makes discreet return to Bangui”. Africa Intelligence, 19 Dec 2023, https://t.ly/bwPgz (visited on 20 January 2024)

12- Gettleman, Jeffrey, Mark Mazzetti, and Eric Schmitt. "US relies on contractors in Somalia conflict." New York Times, 10 August 2011, https://t.ly/mg0VU (visited on 20 January 2024)

13- حكيم أَلَادَيْ نجم الدين، "الدبلوماسية العسكرية: كيف تحولت رواندا إلى دولة ذات نفوذ عسكري؟"، مركز الجزيرة للدراسات، 22 سبتمبر/أيلول 2022، (تاريخ الدخول: 20 يناير/كانون الثاني 2024)، https://t.ly/PVb99

14- Joseph Sany. “In Africa, Here’s how to respond to Russia’s Brutal Wagner Group”. United States Institute of Peace Legal and Privacy Information, 6 April 2023, https://t.ly/Wyphq (visited on 20 January 2024)

15- David Axe. “U.S. Hires Shady Mercenary for Somali Proxy War”. Wired, 11 August 2011, https://cutt.ly/kwLNjwPp (visited on 20 January 2024)