العلاقة بين الشرق الأوسط والقرن الإفريقي الكبير يمكن إرجاعها إلى تاريخ طويل من التأثير المتبادل، ووفقًا لمقال شارك في كتابته جيفري فيلتمان، مبعوث الإدارة الأميركية الأسبق إلى القرن الإفريقي، فإن "القرن الإفريقي أصبح بشكل متزايد جزءًا لا يتجزأ من المشهد الأمني في الشرق الأوسط"(1)، مترافقًا مع بروز وعي جديد بالتكامل بين ضفتي البحر الأحمر، وتداخل التأثيرات المتنوعة السياسية والأمنية والاقتصادية بين بيئتي البحر الأحمر والشرق الأوسط.
على ضوء هذا تحاول هذه الورقة البحث في بعض تداعيات الحرب الإسرائيلية على غزة المندلعة من 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، حيث نلحظ آثارها على العديد من المناحي السياسية والأمنية والإنسانية، التي قد تشكل تفاعلاتها مستقبلًا نقاط تحول في مسار الأحداث في شرق إفريقيا.
أولًا: تمدد الدعم السريع في السودان
يعد السودان من أشد المتأثرين بالحرب الإسرائيلية على غزة حيث أدى نشوبها إلى صرف انتباه المجتمع الدولي سياسيًّا وإعلاميًّا عن العديد من الملفات الساخنة دوليًّا والتمحور حولها، مما زاد من بطء التعامل الدولي الفاعل مع الأزمة السودانية المستغرق أصلًا في الحرب الروسية على أوكرانيا، حتى وُصفت الحالة السودانية من قبل العديد من المراقبين بـ"الحرب المنسية"(2).
ميدانيًّا وفي ظل هذا الانشغال العالمي، تمددت قوات الدعم السريع بشكل لافت في مناطق مختلفة من البلاد، فبالتزامن مع تصاعد الحرب في غزة شنَّت القوات شبه العسكرية حملة في غربي البلاد لتسيطر على مدينة نيالا عاصمة ولاية جنوب دارفور، في 26 أكتوبر/تشرين الأول(3)، لتتساقط بعدها ثلاث ولايات أخرى خلال أقل من شهر تاركة ولاية شمال دارفور فقط بيد الجيش السوداني(4).
أما الاختراق الأهم فكان بتمكن قوات الجنرال حميدتي من بسط سيطرتها على ولاية الجزيرة وسط البلاد، في 18 ديسمبر/كانون الأول؛ ما عُدَّ نقطة تحول بارزة في مسار الصراع في السودان نتيجة لموقع الولاية الإستراتيجي حيث أتاحت لقوات الدعم السريع الوصول إلى ولايات شرق السودان وحماية قواتها الموجودة في الخرطوم متسببة في هزيمة معنوية مدوية للقوات المسلحة السودانية(5).
قاد هذا التقدم إلى تغير موازين القوى الميدانية ممَّا أدى بالضرورة إلى تعقيد المشهد السياسي، ووضع المزيد من العراقيل أمام الوصول إلى تسوية سياسية تفاوضية في ظل هذا الواقع؛ حيث منح هذا التقدم قوات الدعم السريع الثقة في إمكانية فرض وجودها بالقوة، في حين يبدو أن الجيش يسعى لتعديل موازين القوى للدخول في تفاوض في وضع ميداني أكثر ملاءمة.
في ظل كل هذا كان الغياب الدولي هو الحاضر الأكبر مما أفقد الجهود الدبلوماسية كثيرًا من الزخم القادر على الضغط على أطراف الصراع والحلفاء الخارجيين لوقف مسار الحرب؛ حيث يبرز هذا في تصاعد الانتقادات لأداء الإدارة الأميركية في ملف السودان واستغراقها في الحربين بغزة وأوكرانيا(6).
ثانيًا: تصاعد الأزمة الإنسانية في السودان
ترافق التقدم المذكور سابقًا مع تصاعد مستمر للانتهاكات من قبل طرفي الصراع ولاسيما قوات الدعم السريع، حيث اتهم تقرير الخبراء الأممي بشأن السودان القوات المذكورة وحلفاءها بارتكاب انتهاكات منظمة للقانون الإنساني الدولي، قد ترقى في مجموعها إلى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، بما يتضمن عمليات القتل الجماعي والاستهداف العرقي وعرقلة المساعدات الإنسانية(7).
ومع تحول الحرب في غزة إلى بؤرة الاهتمام الإعلامي الدولي غابت صور هذه الجرائم والتغطيات الإعلامية عن كبريات وسائل الإعلام؛ ما أسهم في توسعها وإضعاف الفرص والمبادرات لكبح جماحها؛ ما دفع الناشطين السودانيين إلى تنظيم حملات على وسائل التواصل الاجتماعي لتسليط الأضواء على الأوضاع المتردية في بلدهم.
كما واجهت المنظمات الإغاثية العاملة في السودان نقصًا حادًّا في التمويل اللازم لاستمرار أنشطتها في البلد الذي يشهد أكبر موجة نزوح في العالم؛ حيث أدى اندلاع الحرب في غزة إلى تراجع استجابة الجهات المانحة والمنظمات غير الحكومية تجاه الأزمة السودانية(8)، في حين أعلنت المفوضية الأممية لشؤون اللاجئين أنها تلقت من المانحين ما نسبته 39% فقط من إجمالي المبلغ الذي تحتاجه لتغطية الاحتياجات الإنسانية للمتضررين من الحرب داخل وخارج السودان(9).
ثالثًا: زيادة عسكرة جنوب البحر الأحمر
أدى الاستهداف الحوثي للمصالح الإسرائيلية عبر مضيق باب المندب وخليج عدن إلى زيادة غير مسبوقة في عسكرة المنطقة؛ حيث أرسلت الولايات المتحدة سفنًا حربية متطورة لتعمل ضمن مسرح عمليات الأسطول الخامس الذي يدخل في نطاقه البحر الأحمر وخليج عدن، ومن هذه السفن: المدمرة "يو إس إس كارني"، والمدمرة "يو إس إس ماسون"، كما أعلنت واشنطن عن إطلاق تحالف أمني بحري باسم "حارس الرخاء"(10).
وفي سياق الرد على الهجمات الحوثية قامت كل من واشنطن ولندن باستهداف مواقع داخل اليمن؛ ما فتح الباب لدورة من الرد والرد المضاد تهدد أمن واستقرار جنوب البحر الأحمر، في حين تمثل هذه التداعيات مؤشرًا خطرًا لدول القرن الإفريقي التي أحجمت عن الانضمام إلى التحالف البحري المذكور.
تخوفات دول القرن الإفريقي من امتداد نيران المواجهات إلى أراضيها تتجلى في رفض جيبوتي طلب واشنطن نشر منصات صواريخ على أراضيها لاستهداف الحوثيين، مؤكدة أنها تعتبر الهجمات الحوثية إغاثة مشروعة للفلسطينيين(11)، وهو ما يمكن تفسيره جزئيًّا بالرغبة في تجنب تحولها إلى ساحة انتقام للحوثيين حيث تضم جيبوتي أكبر قاعدة عسكرية أميركية في إفريقيا.
رابعًا: زيادة حدة التنافس في المنطقة
تمثل العسكرة المتزايدة لشواطئ القرن الإفريقي وجهًا من وجوه التنافس الدولي المحموم الذي شهده خلال العقد الأخير.
آخر فصول هذا التنافس يتمحور في تحول المنطقة إلى ساحة صراع بين واشنطن وطهران عبر حليفها الحوثي؛ حيث يندرج ضمن أهداف التحالف الغربي قطع الطريق على تطلعات إيران البحرية، التي تصر على أن البحر الأحمر جزء لا يتجزأ من مجالها البحري، بما يعني إمكانية دعمها لجماعات العنف المسلحة في المنطقة وإمدادها بالطائرات غير المأهولة الانتحارية التي باتت أخطر سلاح في الوقت الراهن(12).
يستهدف هذا الحشد الأميركي أيضًا محاصرة النفوذ الصيني المتعاظم في المنطقة التي تضم القاعدة العسكرية البحرية الوحيدة للصين خارج أراضيها في جيبوتي، كما يشكِّل القرن الإفريقي عقدة اتصال رئيسية لمبادرة الحزام والطريق الصينية العملاقة حيث يتفرع منها إلى داخل إفريقيا وإلى الشمال نحو أوروبا عبر البحر الأحمر.
هذه التحركات الأميركية قوبلت برفض من بكين التي أعلن وزير خارجيتها أن "مجلس الأمن لم يفوِّض أي دولة باستخدام القوة ضد اليمن"، معتبرًا أن من "الضروري تجنب صب الزيت على النار في الوضع المتوتر أصلًا"(13).
خامسًا: بروز ظاهرة القرصنة من جديد
في خضم التداعيات الأمنية الناتجة عن الحرب الإسرائيلية على غزة وما تمخضت عنه من تطورات عادت ظاهرة القرصنة إلى المشهد الأمني جنوب البحر الأحمر منذ نوفمبر/تشرين الثاني الماضي مع اختطاف العديد من السفن ومهاجمة أخرى.
يعزى هذا التطور إلى مجموعة عوامل منها انشغال الدول الناشطة في المنطقة بالهجمات الحوثية وتوجيه قواتها ومواردها إلى مواجهة الحوثيين، بجانب تخفيف تدابير مكافحة القرصنة نتيجة الانخفاض الحاد في عمليات القراصنة في السنوات الأخيرة(14).
عودة هذا النشاط من جديد واحتمال تصاعده مستقبلًا فضلًا عن تداعياته الأمنية الخطيرة، فإنه يهدد مسارات الملاحة العابرة في المنطقة، وسيزيد من تكاليف التأمين والشحن، كما أنه مؤشر على ازدهار نشاطات إجرامية سرية أخرى كتهريب السلاح والبشر.
سادسًا: انعطافة أميركية تجاه إريتريا
رسمت وثيقة الإستراتيجية القطرية-الأميركية تجاه إريتريا، الصادرة في السابع عشر من نوفمبر/تشرين الثاني 2023، ملامح تغيرات إيجابية في المقاربة الأميركية تجاه بلد لطالما ناصبته العداء؛ حيث نصَّت على أن عملية السلام الإثيوبية وخفض أسمرة حضورها العسكري في جارتها الكبرى يوفران "فرصة لإعادة تشكيل العلاقات الثنائية مع إريتريا إلى نهاية أكثر إنتاجية"(15)، مضيفة أن سفارة واشنطن في أسمرة ستسعى إلى فتح خطوط اتصال لإقامة قواسم مشتركة تخدم مصالح شعبي البلدين، وللاستماع إلى وجهات النظر الإريترية حول القضايا الإقليمية والدولية(16).
ورغم أن الإستراتيجية الجديدة، الصادرة في 17 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، لم تلغ العقوبات الأميركية على أسمرة(17) فقد حملت توجهات إيجابية مغايرة، تبدو أكثر وضوحًا عند النظر إلى بعض التعديلات التي تمت على نسختها الأصلية، المؤرخة بـ22 مايو/أيار 2022؛ حيث حُذف في النسخة المحدثة ما تم وصفه سابقًا بأنه هدف الإستراتيجية الأميركية الأساس والمتمثل في "تنمية الجيل القادم في إريتريا والاستعداد لمرحلة ما بعد [الرئيس الإريتري] آسياس [أفورقي]"(18).
وتبدو هذه التغييرات انعكاسًا للمحاولة الأميركية لمعالجة الاضطراب الأمني في منطقة جنوب البحر الأحمر؛ حيث أدى استهداف الحوثيين في اليمن للمصالح الإسرائيلية في منطقة باب المندب إلى تداعيات هددت سلاسل الشحن والتوريد، وألقت بظلالها على الاقتصاد العالمي الذي ازداد فيه الاعتماد على النقل البحري خلال السنوات الماضية بنسبة تفوق 400%(19).
وتبرز إستراتيجية واشنطن الجديدة تجاه إريتريا كمحاولة لمنع تحول باب المندب إلى منطقة معادية للمصالح الأميركية؛ حيث تمتلك إريتريا بإطلالتها على الضفة الغربية للممر الحساس أهمية أمنية بالغة الخطورة، في حين راجت سابقًا تقارير(20) تتهمها بتمرير أسلحة إيرانية للحوثيين في اليمن قبل 2015، وهو ما نفته أسمرة في حينه(21).
وبالنظر إلى احتمالات تدهور الأوضاع في المنطقة إلى حرب إقليمية، فإن الخطوة الأميركية تمثل جهدًا استباقيًّا للحيلولة دون استعادة طهران وأسمرة الدفء في علاقاتهما التي أصابها الفتور منذ منح الأخيرة الإمارات قاعدة عسكرية لمهاجمة اليمن ضمن مشاركتها في عاصفة الحزم عام 2015، كما تمثل محاولة لكبح تنامي العلاقات الإريترية المتصاعد مع كل من موسكو وبكين.
سابعًا: تصعيد مطالبة إثيوبيا بميناء على البحر الأحمر
غذَّت حالة الاضطراب التي تمر بها الساحة السياسية عالميًّا نتيجة عدد من الأحداث المفصلية، كالحرب الروسية على أوكرانيا والحرب الإسرائيلية على غزة، المطالبَ الإثيوبية بالحصول على منفذ بحري سيادي على البحر الأحمر، وهو ما بلغ أعلى درجات وضوحه في خطاب رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، أمام برلمان بلاده، في 17 أكتوبر/تشرين الأول 2023(22)، وفي التوقيع اللاحق على مذكرة تفاهم مع إقليم أرض الصومال الانفصالي يمنح الأخير بموجبها أديس أبابا منفذًا بحريًّا وقاعدة عسكرية مقابل اعترافها باستقلاله.
مستغلًّا الانشغال الدولي بمجريات الحرب الإسرائيلية على غزة، أعلن أحمد أن الحصول على منفذ بحري يعد "مسألة وجودية" لبلاده، ملوحًا باللجوء للقوة لتحقيق هذه الغاية(23)، في حين نص بيان صادر عن هيئة الاتصال الحكومي الإثيوبية في شرحها لحيثيات مذكرة التفاهم أن تحول إثيوبيا إلى دولة حبيسة كان نتيجة خطأ قانوني وتاريخي وأن الحكومة الإثيوبية تعمل منذ سنوات لتصحيحه(24).
رغم أن الحصول على منفذ على البحر الأحمر لطالما مثَّل أحد المشاغل الإثيوبية، فإن التصعيد الأخير والمتمثل في تحول المطلب إلى الحصول على منفذ سيادي من جهة، والتلويح بالاعتراف بأرض الصومال لا يمكن فصلهما عن اللحظة الراهنة التي تمر بها المنطقة في ضوء تداعيات الحرب الإسرائيلية على غزة.
فمن جهة، ليست هذه المرة الأولى التي يقوم فيها رئيس الوزراء، آبي أحمد، بخطوة مفاجئة في ظل انشغال العالم بأحداث مفصلية، فقد وقع ذلك مع اندلاع حرب التيغراي، في نوفمبر/تشرين الثاني 2020، حيث كانت الأنظار كلها مصوبة على الانتخابات الأميركية(25) والأزمة التي أحدثها الرئيس السابق دونالد ترامب والتي لم تنته فصولها حتى تسلم الإدارة الجديدة لمقاليد البيت الأبيض في يناير/كانون الثاني 2021.
ومن جهة أخرى، أدى الاضطراب الأمني في جنوب البحر الأحمر نتيجة استهداف الحوثيين للمصالح الإسرائيلية في باب المندب، إلى سعي العديد من الأطراف الإقليمية والدولية للعب دور ضمن منظومة أمنية جديدة تهدف إلى كبح ومحاصرة نشاط طهران وحلفائها في المنطقة.
ضمن هذا السياق تندرج مذكرة التفاهم الإثيوبية مع إقليم أرض الصومال الانفصالي، والتي تتضمن إنشاء قاعدة عسكرية بحرية إثيوبية للمرة الأولى، ضمن سعي أديس أبابا لتقديم نفسها للدول الغربية كحليف ضامن لأمن واستقرار المنطقة من النافذة البحرية هذه المرة، بعد أن كان هذا دورًا تقليديًّا لعبته إثيوبيا في إطار الحرب الأميركية على الإرهاب بداية من غزوها للصومال 2006؛ حيث مثلت في حينها فرصة للنظام الإثيوبي لإعادة اكتساب "الثقة والشرعية الدولية" عقب انتخابات عام 2005 المثيرة للجدل(26).
هذا الطموح الإثيوبي للقيام بدور شرطي القرن الإفريقي من جديد يمكن فهم بعض جوانبه في ضوء المكاسب التي حققتها أديس أبابا بانخراطها في الحرب الأميركية على الإرهاب على أكثر من صعيد، حيث تربط إحدى الدراسات تضاعف المساعدات الأميركية المقدمة لإثيوبيا، عام 2008، لتتجاوز حاجز المليار دولار، بغزو أديس أبابا للصومال. في حين اكتسبت إثيوبيا المزيد من الدعم العسكري والأمني الأميركي المتمثل في "وسائل مثل التبادل والتدريب، والخدمات اللوجستية، وتبادل المعلومات الاستخبارية والقواعد العسكرية ودعم عمليات حفظ السلام"(27).
وتتجلى أهمية استعادة هذا الدور المفقود في ظل تأثيرات الحرب على تيغراي على الاقتصاد الإثيوبي والمتمثلة في التكاليف الهائلة للآلة العسكرية من جهة، وتدمير البنى التحتية والمنشآت الاقتصادية في أكثر من منطقة، والتضرر الكبير الذي أصاب صورة إثيوبيا ورئيس وزرائها كحليف أمني غربي، نتيجة تباين مواقف الطرفين حول تحالف أديس أبابا مع أسمرة والموقف من مجريات الحرب على تيغراي.
ضمن هذا الإطار، تلقى المحاولة الإثيوبية لإعادة التموضع ضمن هذه المنظومة ترحيبًا من تل أبيب حيث صرَّح السفير الإثيوبي في إسرائيل بأن موقف الأخيرة من مذكرة التفاهم مع أرض الصومال "ليس الحياد، بل يظهرون لنا بادرة داعمة"، وأنها تعتبر "إنشاء إثيوبيا لقوة بحرية في خليج عدن والبحر الأحمر فرصة للتعاون على تحقيق الاستقرار في المنطقة الإستراتيجية والمضطربة"(28).
يرتبط بما سبق السعي الذي تصاعد مؤخرًا للاعتراف باستقلال أرض الصومال بما يمهد الطريق لإثيوبيا لتنفيذ تفاهماتها مع هرجيسا؛ حيث أعلن وزير الدفاع البريطاني السابق، جافن ويليامسون، عن "تعاطف هائل" مع قضية استقلال أرض الصومال بعد لقائه وزير الخارجية البريطاني، ديفيد كاميرون(29)، معتبرًا أن هذه الخطوة يمكنها أن تسهم في حل أزمة الحوثيين في البحر الأحمر(30).
خلاصة
مثَّلت الحرب الإسرائيلية على غزة زلزالًا سياسيًّا وأمنيًّا امتدت ارتداداته إلى القرن الإفريقي الذي تحول إلى جوار مباشر لواحدة من ساحات المواجهة الساخنة جنوب البحر الأحمر.
تداعيات هذه الحرب كانت عاملًا مساعدًا في زيادة التوتر في منطقة تعاني أصلًا من الهشاشة السياسية والأمنية العالية؛ حيث أدى تقدم قوات الدعم السريع إلى تعقيد الوصول إلى الحل السياسي في السودان، في حين قادت المطالبة الإثيوبية بمنفذ بحري سيادي إلى حالة من التوتر غير المسبوق بينها وبين مقديشو، في حين تعيش أسمرة وأديس أبابا حالة من الجفاء لم تشهدها منذ 2018.
ورغم أن التحول الأميركي تجاه إريتريا يحمل بعدًا إيجابيًّا لجهة تخفيف العداء بين الطرفين فإنه يتضمن أيضًا تراجع واشنطن النسبي عن دعم الجهود الإريترية الساعية نحو إحداث إصلاحات سياسية داخل البلاد، ما يلقي بظلال سوداوية على مستقبل التحول الديمقراطي المنشود في إريتريا، ويصعِّد التنافس الدولي مع كل من بكين وموسكو على الحصول على موطئ قدم إستراتيجي في الدولة ذات الموقع الجيوسياسي البالغ الحساسية.
تحول جنوب البحر الأحمر إلى بؤرة توتر أمني عالية الخطورة يؤثر على دول المنطقة ويؤدي إلى زيادة التنافس الإقليمي والدولي على المنطقة؛ ما أثَّر سلبيًّا طوال السنوات الماضية على دول القرن الإفريقي، محولًا إياها إلى ساحات لتصفية صراعات قوى مختلفة، وهو ما ينذر بسيناريوهات أسوأ في ظل تصاعد التوتر الحالي، وفي ظل التحولات العميقة المتوقعة نتيجة الحرب على غزة.
في المقابل، يؤدي استمرار انشغال القوى الكبرى في العالم بالحرب في غزة وقبلها أوكرانيا إلى تهميش وبطء الاستجابة لتخفيف معاناة المتضررين من الحرب المستعرة في السودان ومن الجفاف المدمر في القرن الإفريقي؛ ما يفاقم المأساة الإنسانية في المنطقة، وينذر بتداعيات صحية ومجتمعية وأمنية بالغة الخطورة على شعوبها.
6. Stien, Chris, ‘Why are they forgetting about us?’: Sudan watches allies turn from war to aid Ukraine and Gaza, The Gaurdian, 24 December 2023, (Seen: 29 January 2024), https://n9.cl/cq2rog
7. final report of the panel of experts on sudan, January 2024, https://n9.cl/17x98
8. Stien, Chris, ‘Why are they forgetting about us?’: Sudan watches allies turn from war to aid Ukraine and Gaza, The Gaurdian, 24 December 2023, (Seen: 29 January 2024), https://n9.cl/cq2rog
9. UNHCR, an unimaginable humanitarian crisis is unfolding in Sudan, 7 November 2023, (Seen: 29 January 2024), https://n9.cl/3sjr0
11. Miliken, Emily, Will the Houthis Target U.S. Troops in Djibouti Next? National Interest, 20 January 2024, (Seen: 29 January 2024), https://n9.cl/36499
15. Department of State, Integrated Country Strategy (ERITREA), 17 November 2023, p.3.
18. Department of State, Integrated Country Strategy (ERITREA), 22 May 2022, p.1.
23. Office of the prime Minister- Ethiopia, From A Drop of Water to Sea, YouTube,
https://cutt.us/pmqqm.
African News, Red Sea: Ethiopia "will not assert its interests through war", assures Abiy Ahmed, 26 October 2023, (Seen: 9 December 2023), https://n9.cl/2kpim
24. FDRE Government Communication Service, A Memorandum of Understanding (MoU) For Partnership and Cooperation has been Signed between The Federal Democratic Republic of Ethiopia and Somaliland, 3 January 2024, (Seen: 4 February 2024), https://n9.cl/jiy1b
26. Mulat, Yonas Ketsela, Domestic sources of international action: Ethiopia and the global war on terrorism, African Journal of Political Science and International Relations, Vol. 10(11), 2016, P. 137.
27. Mulat, Yonas Ketsela, ibid, pp. 138-139.
28. Endris, Yesuf, Israel shows positive gesture to Ethio-Somaliland port deal: Ambassador, The Ethiopian Herald, 27 January 2024, p.1 & p.3.
29. Madox, Daved, Lord Cameron 'sympathetic' to making surprise diplomatic move to fix Red Sea Houthi crisis, Express, 2 February 2024, (Seen: 4 February 2024), https://n9.cl/y0v1e
30. المصدر السابق. ربما تمثل هذه التطورات واجهة لعودة بريطانيا للقيام بدور فعال في جنوب البحر الأحمر من خلال التحالف مع الولايات المتحدة في عملية حارس الرخاء؛ حيث قصفت قواتها مواقع حوثية، مستغلة ارتباطها بإقليم أرض الصومال مستعمرتها السابقة، في حين تبدو واشنطن راغبة في النأي بنفسها عن هذا الملف للحفاظ على علاقاتها مع مقديشو وعلى ما تم إنجازه في الحرب على حركة الشباب التي نشطت منذ انتخاب حسن شيخ محمود رئيسًا للصومال منتصف 2022.