صدور الترجمة التركية لكتاب "القرن الإفريقي عمقًا استراتيجيًّا خليجيًّا"

4 April 2024
(الجزيرة)

نشر مركز العلاقات بين الأمم والدبلوماسية (MID) في إسطنبول الترجمة التركية لكتاب "القرن الإفريقي عمقًا استراتيجيًّا خليجيًّا"، الصادر نهاية العام 2021 عن مركز الجزيرة للدراسات، لمؤلفه الدكتور مدوخ عجمي العتيبي، أستاذ العلاقات الدولية بأكاديمية جوعان بن جاسم للدراسات الدفاعية في قطر.

يهدف الكتاب، الذي أصبح في متناول الناطقين بالتركية حول العالم قراءته، إلى عرض الحقائق الجيوستراتيجية والجيواقتصاديّة والجيوثقافيّة لمنطقة القرن الإفريقي باعتبارها عمقًا استراتيجيًّا خليجيًّا، ويحاول أن يجيب على جملة من التساؤلات، منها: إلى أي مدى تشكِّل منطقة القرن الإفريقي أحد مكونات العمق الاستراتيجيّ لمنطقة الخليج العربيّ؟ وما طبيعة المعطيات الثابتة التي تميز منطقتي الخليج والقرن الإفريقي فتجعل كلًّا منهما عمقًا استراتيجيا للآخر؟ وما أفضل السبل لبناء عمق استراتيجيّ خليجيّ في القرن الإفريقي وفق منطق الشراكات الاستراتيجيّة؟

ينطلق الكتاب، الذي كان في أساسه أطروحة دكتوراه، من فرضية مؤداها أنَّ العمق الاستراتيجيّ للسياسة الدوليّة ترتكز في النظام العالميّ الجديد بالأساس على علاقة تكاملية تعكس المصالح المشتركة بين الأطراف المعنية في رسم العلاقات الاستراتيجيّة بغرض مواجهة التحدِّيات السياسيّة والاقتصاديّة والأمنيّة المشتركة، ومن ثمَّ فإن الكتاب يحاول الربط بين الأمن والاستقرار في منطقة القرن الإفريقي من جهة وبين الأمن والاستقرار في منطقة الخليج العربيّ من جهة ثانية.

وترجع أهمية الكتاب انطلاقًا مما هو حقيقي وقائم من المعطيات الثابتة التي تؤهل القرن الإفريقي ليكون بالفعل عمقًا استراتيجيًّا خليجيًّا مثل: الجوار الجغرافي، والتواصل التاريخيّ، والتفاعل الحضاريّ والثقافيّ، وأيضًا على ما هو قائم وملموس من عناصر متغيرة أو متحركة، مثل الإرادة السياسيّة الخليجيّة في تفاعلها مع القضايا الحيوية بمنطقة القرن الإفريقي، وتصوُّر الذهنية الاستراتيجيّة للنخب في القرن الإفريقي تجاه الفعل الإراديّ الخليجيّ، وكذلك من خلال إبراز نقاط القوة التي تتميز بها منطقة القرن الإفريقي، باعتبارها فرصًا استراتيجيّة يمكن أن تسهم في بناء العمق الاستراتيجيّ الخليجيّ.

ويسعى المؤلف، كما يقول في مقدمة الكتاب، لأن يكون بحثه سببًا في تفعيل مبدأ المقاربات الاستراتيجيّة طويلة الأمد بين الخليج العربيّ ومنطقة القرن الإفريقي، خاصة وأن جُلَّ الأبحاث السابقة التي تناولت هذا الموضوع لم تتعامل مع الإقليميْن على أساس العمل المشترك لمواجهة تحدِّيات النظام العالميّ الجديد.

وبحسب التقديم الذي قدَّم به للكتاب الدكتور التجاني عبد القادر حامد، أستاذ الفكر السياسي بمركز ابن خلدون بجامعة قطر، فإن الموضوع الذي تناوله المؤلف هو موضوع متعدد التخصصات، تتقاطع فيه العوامل الثقافية والموقع الجغرافي مع المصالح الاقتصادية والتنافس الإقليمي والدولي. ولم يحظ هذا الموضوع، على أهميته، بنصيب كبير من البحث فضلًا عن تناوله بنوع من الاختزالية؛ إذ إن العلاقة بين دول الخليج ودول القرن الإفريقي عادة ما يُنظر إليها في سياق مواجهة الكوارث وقلَّما تكون مقاربتها في إطار المصالح المشتركة والتعاون الاستراتيجي. وتبعًا لهذا، فإن الخلاصة التي انتهى إليها الكتاب تذهب إلى ضرورة الاعتماد على المشاريع التنموية التي تقوم على مفهوم المنافع المشتركة، وتسعى لمواجهة واقع التهميش والفقر الذي تعانيه الشعوب في بلدان القرن الإفريقي، ووضع أسس للتنمية المستدامة تعكس حقيقة المصالح الحيوية بين دول الخليج ودول القرن الإفريقي.

وقد انتهج الكاتب -والكلام لا يزال للدكتور التجاني عبد القادر- أسلوبًا تجنَّب به التعميمات المفرطة في التفاؤل، واستطاع أن يقدِّم للقرَّاء (ولصُنَّاع القرار) "نموذجًا تصوريًّا" للعمق الاستراتيجي الخليجي في منطقة القرن الإفريقي يمكن أن يصمد أمام التغيرات. يركز هذا النموذج، على شراكة حقيقية، قوامها، كما سبقت الإشارة، المصالح الاستراتيجية المشتركة، والقضايا ذات المصير المشترك بين منطقة الخليج العربي وبلدان القرن الإفريقي. وتهدف تلك الشراكة إلى تحقيق الوظائف الأساسية في النظام الإقليمي، الذي يجمع المنطقتين، وهي: التكيف والتكامل، والحماية والأمن، وتحقيق الأهداف المشتركة.

ومما يميز هذا الكتاب –يختم التجاني عبد القادر كلامه- أنه ينظر إلى الواقع كما هو، وفي ذات الوقت يفتح نوافذ جديدة نحو المستقبل.