مؤتمر الحوار العربي-الإيراني يعقد دورته الثالثة بطهران تحت عنوان "حوار من أجل التعاون والتفاعل"

13 May 2024
المتحدثون في الجلسة الافتتاحية من اليمين: منير شفيق، فهمي هويدي، حسين أمير عبد اللهيان، مصطفى سواق، محمد المختار الخليل، كمال خرازي. (الجزيرة)

عقد مركز الجزيرة للدراسات والمجلس الإستراتيجي للعلاقات الخارجية الإيرانية الدورة الثالثة من مؤتمر الحوار العربي-الإيراني، بالعاصمة الإيرانية، طهران، يومي 12 و 13 مايو/أيار الجاري (2024)، تحت عنوان "حوار من أجل التعاون والتفاعل"، بحضور وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، ومدير عام شبكة الجزيرة الإعلامية، مصطفى سواق، ونخبة من المفكرين والخبراء الإيرانيين والعرب.

الحوار والتعاون الإقليمي

أشار وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، في كلمته بالجلسة الافتتاحية إلى أهمية مؤتمر الحوار العربي-الإيراني وقال: إن لهذه الاجتماعات دورًا مهمًّا في نسج إدراكات دول المنطقة بشأن بعضها البعض وزيادة الثقة والتفاهم المتبادل، وإنها تمهد السبيل للتعاون والتنسيق وذلك من أجل ترسيخ السلام والاستقرار والأمن المستدام في المنطقة.

وأوضح عبد اللهيان أن بلاده معنية بتوسعة الحوار ليشمل إقليم الشرق الأوسط بأكمله وليس فقط بين العرب وإيران، وقال في هذا الصدد: إننا تخطينا مرحلة الحوار العربي-الإيراني ودخلنا مرحلة التعاون الإقليمي، وأضاف: "إننا اليوم لسنا في مواجهة بيننا بل نقف إلى جانب بعضنا البعض". وأضاف أن إيران والدول العربية دخلت "مرحلة متقدمة من الحوار الإيجابي والبنَّاء والتعاون الإقليمي"، واقترح أن يتغير عنوان المؤتمر لاحقًا إلى مؤتمر "الحوار والتعاون الإقليمي" بدلًا من "الحوار العربي-الإيراني" مؤكدًا أن طهران مصممة على تطوير وتعميق التفاهم والتعاون بين دول المنطقة.

وشدَّد وزير الخارجية الإيراني على أهمية التعاون من أجل تحقيق الأمن الجماعي المشترك لدول المنطقة، وقال: "إنَّ تحول المنطقة إلى مخازن للأسلحة لن يجلب الأمن لأي من دولها"، وأكد أن الأمن الإقليمي لن يتحقق إلا من خلال التعاون بين دول المنطقة، وأن تنمية المنطقة لا يمكن تحقيقها على حساب الآخرين، مشيرًا في هذا السياق إلى استئناف العلاقات الدبلوماسية بين طهران والرياض في العام الماضي، موضحًا أن "ثمَّة فرصًا كبيرة للتعاون" بين البلدين بسبب "طاقاتهما وقدراتهما في المنطقة والعالم الإسلامي"، وأكد أن "تقييمنا المشترك للعلاقات خلال عام أن البلدين حققا نجاحات جيدة في سبيل تنمية مستويات من التعاون"، غير أنه قال في الوقت ذاته: "إننا في بداية الطريق".

كما أشار الوزير الإيراني إلى تعزيز العلاقات الثنائية بين بلاده والإمارات وقطر وعمان والكويت، وقال: إننا على أعتاب مرحلة جديدة من التعاون المشترك مع هذه البلدان، قائلًا إنَّ بلاده والبحرين "تفكران بالمزيد من الخطوات لعودة العلاقات إلى الحالة الطبيعية"، ورحَّب في هذا السياق ببدء الحكومة البحرينية الإفراج عن المعتقلين السياسيين معتبرًا ذلك "خطوة إيجابية".

وتطرق عبد اللهيان في كلمته إلى تطورات الوضع في فلسطين والحرب على غزة، فأشاد بصمود الشعب الفلسطيني وبسالة مقاومته ووصف ثباتها طيلة سبعة أشهر ونصف بـ"الثبات الأسطوري"، وندَّد في المقابل بموقف الولايات المتحدة الأميركية الداعم لإسرائيل في عدوانها على غزة. كما ألمح إلى مشاريع التطبيع في المنطقة وقال: "إنَّ جميع المشاريع التي تُقدَّم باسم السلام هي مشاريع خادعة، لا تريدها شعوب المنطقة، وإنَّ ما يبدو أنه نجاح إنما هو نجاح استعراضي لا يمكن له أن يستمر". وأضاف قائلًا: "إنَّ السلام في المنطقة لن يتحقق ما لم يحصل الشعب الفلسطيني على حقوقه المشروعة وفي مقدمتها حقه في تقرير مصيره".

وعن البرنامج النووي الإيراني، قال عبداللهيان: إنَّ إيران تود أن تكون منطقة الشرق الأوسط منزوعة السلاح النووي، وأعرب عن رغبة بلاده في العودة للاتفاق النووي الموقع عام 2015، وقال في هذا الصدد: "نحن على استعداد للالتزام به وبما تعهدنا عليه، وقد أكدنا على أهمية إلغاء العقوبات وتطبيق سائر بنود هذا الاتفاق لتحقيق مصالح الشعب الإيراني، ونحن نطالب الجميع بالقيام بخطوات إيجابية في هذا المجال".

العقيدة النووية الإيرانية على المحك

من جهته، أكد رئيس المجلس الإستراتيجي للعلاقات الخارجية، كمال خرازي، في كلمته على أهمية استمرار الحوار العربي-الإيراني لتعزيز آفاق التعاون بين دول وشعوب المنطقة في شتى المجالات، ودعا إلى خلو منطقة الشرق الأوسط من السلاح النووي، وأشار إلى أن امتلاك إسرائيل لهذا السلاح يوجِد نوعًا من السباق النووي بالمنطقة، وحذَّر خرازي من أن بلاده ستغيِّر عقيدتها العسكرية النووية وستغير إستراتيجية الردع التي تتبعها إذا هددت إسرائيل الوجود الإيراني أو اعتدت على منشآتها النووية، وقال في هذا الصدد: "إنَّ إيران لم تمتلك بعد السلاح النووي، لكنها ستضطر إلى تغيير عقيدتها النووية إذا تعرضت لتهديد وجودي من قبل إسرائيل"، وأضاف: "إذا أصبح وجود إيران مهددًا، فلن يكون هناك أي خيار سوى تغيير عقيدتها العسكرية"، وإنه "في حال شن النظام الصهيوني هجومًا على منشآتنا النووية فإن ردعنا سيتغير".

ودعا كمال خرازي الدول العربية إلى التعاون لتحقيق الأمن المشترك، وأبدى استعداد إيران لتعزيز تسليح الدول العربية، معتبرًا أن تقوية دول المنطقة تصب في صالح تعزيز الأمن والسلام الإقليمي، وقال في هذا الصدد: "إنَّ إسرائيل لا تفهم غير لغة القوة".

وأنحى باللائمة على الولايات المتحدة الأميركية لدعمها إسرائيل بالمال والسلاح في حربها على غزة، قائلًا: "لا يمكن الاعتماد على الغرب في حل الأزمة الفلسطينية لانحيازه لإسرائيل".

حوار للفهم والتعاون

في كلمته بالجلسة الافتتاحية، أكد مدير عام شبكة الجزيرة الإعلامية، مصطفى سواق، على ضرورة وأهمية الحوار بين العرب وإيران لفهم كلٍّ منهما الآخر، وللوصول إلى أرضية مشتركة تمكِّنهما ليس فقط من حل الخلافات بل والانطلاق نحو آفاق أرحب لتعزيز التعاون في شتى المجالات.

وأوضح سواق في هذا الإطار أن ضرورات الجوار الجغرافي والمصالح المشتركة تحتمان مثل هذا الحوار وذلك التعاون. وأوصى في ختام كلمته بالاستفادة من مخرجات الدورتين السابقتين للحوار العربي-الإيراني والبناء عليهما.

منصة للحوار الحر

من جانبه، أشار مدير مركز الجزيرة للدراسات، محمد المختار الخليل، في كلمته إلى السياق العام لمثل هذه الحوارات التي ينظمها المركز بالتعاون مع مجلس العلاقات الإستراتيجية الإيرانية للعام الثالث تواليًا، وقال: إنَّ الهدف هو تهيئة الظروف أمام الباحثين والخبراء والمفكرين العرب والإيرانيين من خلال هذه المنصة لتبادل الأفكار والآراء ووجهات النظر حول مجمل القضايا التي تهم الجانبين، وإتاحة المجال أمام كلٍّ منهم للتعبير عن رأيه بحرية والاستماع إليه دون حجر أو قيد أو وصاية، مضيفًا أن من شأن ذلك الوصول إلى رؤى ومقاربات تعين على حل المشكلات وتوسع من دائرة المشترك بين إيران والدول العربية وتعزز التعاون فيما بينهم.

أوان التعاون

كما تحدث في الجلسة الافتتاحية الكاتب الإسلامي، فهمي هويدي، وأوضح في كلمته أن الحديث عن أهمية وضرورة الحوار هو حديث قديم يعود إلى الأيام الأولى لاندلاع الثورة الإسلامية الإيرانية، وأنه شخصيًّا تحدث في ذلك حينما زار إيران في الأسبوع الأول لاندلاع الثورة، عام 1979، حتى أصبح الحديث عن أهمية الحوار من بدهيات القول. وشدَّد هويدي على أن المطلوب الآن هو الانتقال بالحديث إلى أوجه التعاون التي من شأنها تعزيز العلاقات العربية-الإيرانية في مختلف المجالات، مما يعود على بلدان وشعوب المنطقة بالخير. وأعرب عن أمله في حضور من لم يحضر من الدول والنخب مثل هذه اللقاءات التي من شأنها تعزيز العلاقات العربية-الإيرانية، وألمح هويدي إلى أن ما يحدث في غزة من صمود ومقاومة هو من ثمرات الحوار العربي-الإيراني. 

تعزيز مناعة الأمة

كذلك شارك في الجلسة الافتتاحية الكاتب الفلسطيني، منير شفيق، الذي خصَّ في كلمته القضية الفلسطينية وما يحدث في غزة منذ بدء عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر/تشرين الأول بالجانب الأوفى، وأشار إلى أن الدعوة إلى الحوار العربي-الإيراني إنما هي دعوة قديمة تعود إلى بدايات الثورة الإسلامية حينما طُرح موضوع الوحدة الإسلامية، ثم تقدَّم موضوع العلاقة العربية-الإيرانية إلى الواجهة، لكنه انتكس طيلة السنوات العشر التي اندلعت فيها الحرب العراقية-الإيرانية، ثم عاد مع بداية الألفية الجديدة ليصبح موضوع الحوار ضرورة ملحَّة لكي نواجه به التحديات التي تتعرض لها البلاد العربية، وبخاصة القضية الفلسطينية، كما تتعرض لها إيران الثورة.

وشدَّد شفيق على ضرورة التعاون العربي-الإيراني لمواجهة الأزمات والمشكلات التي تواجه الأمة الإسلامية، كما أوضح أن العرب أنفسهم بحاجة إلى حوار فيما بينهم لتجاوز خلافاتهم.