المقدمة:
يتصاعد الاهتمام بمشكلات الإثنيات والعرقيات، وذلك لما ينجم عن عدم حلها من اضطرابات سياسية واجتماعية تعصف بالأمن القومي للدول التي تشهد مثل هذه النوع من المشكلات.
وتنتشر مشكلة الإثنيات والعرقيات في عديد قارات العالم ولا سيما القارة الإفريقية كأثر من آثار الحقبة الاستعمارية من جهة، ولفشل العديد من أنظمة الحكم في الكثير من البلدان الإفريقية في التعامل الناجع مع تلك المشكلة وما تطلبه من سياسات وإجراءات.
في هذا الإطار يأتي موضوع هذا البحث، والذي يسعى إلى معرفة مدى تأثير أنظمة الحكم المتعاقبة في السودان على النزاعات الإثنية التي تشهدها البلاد.
أهمية البحث:
الأهمية العلمية:
تكمن أهمية الدراسة العلمية في تناول وتحليل ظاهرة تسييس الإثنيات في السودان من خلال الأنظمة السياسية وانتهاجها كثير من السياسات في ذلك ومدى أثره على الأمن القومي السوداني.
الأهمية العملية:
يقدم البحث معالجات وتوصيات مرتكزة على مخرجات التحليل للظاهرة من خلال تطوير الآليات السياسية ودعم الأنظمة بمناهج علمية عملية ذات طابع مؤسسي، والعمل على إدارة النزاع بكل تبايناته متعددة الجوانب، وتقديم حلول بتبنيه نتائج بحوث الإنذار المبكر Early warning))، وتقديم معالجات فورية أولية لأساس المشكلة ذات أثر طويل المدى وفق رؤى استراتيجية محكمة تعمل على التأثير الإيجابي في الأمن القومي السوداني.
أهداف البحث:
- تبيين أثر تسييس الإثنيات، والتأكيد على أن هذا التسييس قد أضر بوحدة واستقرار السودان وأثر أيضا في عملية انفصال الجنوب.
- تقديم رؤية للضرر الذي ألحقه هذا التسييس، حيث عمل على تجاهل الأسباب الأساسية للمشكلة وعدم تقديم الحلول الفورية لها، وغفل عن إدارة التنوع الإثني، مما أدى بدورة إلى تفاقم النزاع وتطويره وتوسيع دائرة المطالب ونقل الأزمة من الهامش إلى المركز، مما صعَّب التحكم فيها واحتوائها.
- كيفية إدارة التنوع Diversity management))، وبخاصة فيما يتعلق بتبني الأنظمة السياسية الحاكمة سياسات ذات طابع يتميز بالاختلاف والخصوصية لإدارة كل مشكلة على حدة دون خلق فجوة بينهم، والعمل على ربطها تحت مظلة مفاهيم وطنية تعمل على موائمة تبايناتها والاستفادة منها في جعلها مصدر "قوة ناعمة" (Soft power)، من خلال الثقافات والطوائف الدينية المختلفة لتكون ذات أثر فعّال في سياسات الدولة الداخلية والخارجية، والتي تعمل بدورها على استقرار الأمن القومي السوداني.
- إرساء مبادئ لأنظمة سياسية ديمقراطية، وذلك بعد أن أثبتت الدراسات أن أساس الأزمات الإثنية ناتج عن الممارسات السياسية للأنظمة الحاكمة، وتفضيل وتهميش كثير من عناصر ومكونات الدولة والمجتمع، والذي بدورة يخلق نوع من الفجوة فيما بينها. وتنشأ مشكلات الإثنيات من خلال ما تعانيه من تهميش Marginalization))، حيث تتبع كثير من الأساليب العنيفة بمطالبة حقوقها وإشراكها في السلطة واتخاذ القرار، الأمر الذي يمكن تفاديه في ظل وجود أنظمة ديمقراطية تعمل على ممارسة العملية السياسية وفق نهج مؤسسي يتوافق مع التباينات بين الفئات المجتمعية بالدولة، وإشراك هذه الفئات في عملية الحوكمة (Governance)، وبناء نظام اقتصادي يقوم على تأسيس أطر علمية في مشروع التنمية المستدامة Sustainable development))، التي تؤدي دورا كبيرا في استقرار الأمن القومي.
مشكلة البحث:
استخدمت النخب السياسية موضوع الإثنية أداةً لتحقيق مآرب سياسية شخصية، وذلك لأن هذه النخب تفتقد كثيرا من الأسس والأطر المؤسسية التي كان يتوجب أن تستعملها في حل المشكلات الإثنية، وذلك بتقليص التهميش بكل أنواعه: الاقتصادي، والسياسي، والاجتماعي.. ما أدى إلى انتقال مشكلة الإثنيات من الأطراف إلى المركز وأثر سلبيا في الأمن القومي السوداني.
أسئلة البحث:
ينطلق البحث من سؤال رئيس: هل سُيِّست الإثنية في السودان في الفترة ما بين 1989-2020؟
ويتفرع عن هذا السؤال أسئلة أخرى عديدة:
- ما جذور مشكلة تسييس الإثنيات؟ وكيف انتقلت من الأطراف إلى المركز؟
- ما مظاهر تسييس الإثنيات في السودان؟
- ما الأثر الأمني على تسييس الإثنيات في السودان؟
- ما أثر ونوع الاختلاف الإثني في تسييس الإثنيات؟
- ما الحركات التي نادت بقضايا التهميش في السودان؟
فرضيات البحث:
لمعالجة الإشكالية وتسهيل وجهة البحث ارتأينا طرح الفرضيات الآتية:
- تسييس الإثنياتPoliticization of ethnicities) ) يضاعف ويؤزم المشكلة ويؤدي إلى عدم استقرار الأمن القومي.
- عدم إدارة التنوع واستقلاله يعتبر السبب الأساسي للنزاع الإثني.
- تلجأ النخب لتسييس الإثنيات لخدمة مصالحها الشخصية.
- الولاءات القبليةTribal loyalties) ) عقبة أساسية في استقرار نظام الحكم اللامركزي في السودان.
المنهجية المستخدمة في البحث:
- المنهج التتبعي، لتطور الحالة وذلك من خلال تسليط الضوء على تطور النزاع الإثني في السودان وانتقاله من الأطراف إلى المركز، ومدى أثره على الأمن القومي السوداني.
- المنهج التحليلي، وذلك من أجل تحليل أسباب وتطورات النزعات الإثنية، ودور الأنظمة السياسية في استمرارية هذا النزاع.
تنظيم البحث:
يتكون البحث من مقدمة وأربعة فصول، ويحوي كل فصل على ثلاثة مباحث وخاتمة. حيث يخصص الفصل الأول إطارا نظريا للدراسة، ويأتي تحت عنوان "تسييس الإثنيات والنزاع الإثني"، ويتم فيه توضيح كيفية تسييس الإثنيات، مع الأخذ في الاعتبار تحليل بعض النظريات لهذا التسييس، ومعرفة أنواع النزاعات الإثنية وتأثيرها على الأمن القومي، والتعرف على كيفية إدارة التنوع الإثني.
يتناول الفصل الثاني التنوع الإثني في السودان والتطور الذي صاحب تسييس الإثنيات، بالإضافة إلى إدارة التنوع الإثني في السودان.
الفصل الثالث يحوي على الجغرافيا السياسية للنزاعات المتأثرة بالإثنيات، ودراسة تحليلية لحالة دارفور والشرق وجبال النوبة.
أخيرا يتناول الفصل الرابع تأثير الإثنيات على الأمن القومي السودان من خلال تحليل وتتبع التأثيرات السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والأمنية.
النتائج
توصل البحث إلى النتائج التالية:
- عملية تسييس الإثنيات في السودان بدأت قبل الاستقلال واستمرت طيلة فترات تعاقب الحكومات، وكانت آثارها واضحة في كل الجوانب السياسية والاجتماعية والاقتصادية والأمنية.
- ضعف الأنظمة السياسية وافتقادها للمؤسسية وغياب الديمقراطية الشفافة هو ما أضعف الممارسة السياسية في السودان، وأثَّر في سيادتها، وسمح لكثيرين من الفواعل الأخرى بالتدخل في شؤون الدولة.
- هشاشة الأحزاب السودانية واقتصار السلطة الحزبية في أيدي أشخاص معينين أدى إلى الولاء للحزب ولقادته وللطائفية بدلًا من الولاء للوطن.
- فشل النخب السودانية الحاكمة بصورة واضحة في إدارة التنوع في السودان، كما فشلت في مراعاة اختلاف الثقافات والأعراق والطوائف، ومارست سياسات المحاباة والإقصاء بين الإثنيات المختلفة، الأمر الذي أوجد نوعا من التنافر الحاد فيما بينها، ومن ثم تطور الوضع إلى نشوب النزاعات.
- إن وجود تنوع وتباين في الإثنيات في السودان في حد ذاته لا يشكل إشكالية، فهذا من طبيعة الحياة، وإنما الممارسات السياسية غير العادلة التي عملت على خلق التوترات بين هذه الإثنيات هي أساس المشكلة.
- فترة حكم جبهة الإنقاذ هي الفترة التي تطورت فيها عملية تسييس الإثنيات وذلك من خلال تفضيل بعض الإثنيات على الأخرى، مما خلق نوع من الانقسامات والاختلافات وأدت إلى نزاعات مسلحة أثرت كثيرا في استقرار أمن السودان.
- حاولت بعض النخب إدارة التنوع في السودان ولكنها لم تحقق نجاحا كبيرا، لأن الهوية الوطنية ضعيفة وهشة، ولأن الولاء القبلي والإثني يغلب عليها.
- استغلت كثير من النخب في السودان التباينات الإثنية للتعبئة السياسية لكسب أنصار موالين لها، واستعملت في كثير من الأحيان خطابا سياسيا اتميز بالمعاداة.
التوصيات
- يجب العمل على دمج جميع الإثنيات والهويات في دولة قومية واحدة من خلال وضع دستور يعترف بكل التباينات الثقافية والدينية والعرقية.
- الارتكاز على مبدأ العدالة والمساواة بين كل فئات ومكونات المجتمع السوداني في توزيع الثروة والمشاركة في السلطة، وفق معايير المواطنة لا الإثنية أو المحاصصة.
- إعادة بناء الأحزاب السودانية وضبطها بقوانين فاعلة تعمل على احتواء كل المواطنين بتبايناتهم تحت مظلة الوحدة الوطنية.
- العمل على إيجاد آليات علمية وعملية في الممارسة السياسية تعمل على إدارة التنوع في السودان.
- بث ونشر ثقافة الهوية الوطنية الموحدة، والعمل على ذلك من خلال المناهج والمنابر التعليمية والبحوث العلمية، وإشراك الإعلام (غير الموجة) بصورة أساسية لبناء مجتمع معافى من الجهوية والعنصرية.
- التعامل مع قضايا التماس الجغرافي مع دول الجوار في مناطق مثل جبال النوبة وجنوب كردفان والشرق على أساس أن هذه القضايا هي قضايا قومية، بدلًا من استقطاب القبائل وتأجيج الصراعات الإثنية. والتأكيد على عدم جدوى تسليح القبائل لأنه حتما سيقود إلى خروج هذه القبيلة على الدولة بعد الإحساس بالقوة والسيطرة على مقاليد الحكم على المستوى المحلي والمركزي، وذلك على حساب المكونات الأخرى للبلد.
- بناء سياسية تنمية متوازنة للتقليل من حدة مشاكل التعدديات، ويكون ذلك بعمل تنمية متوازنة لكل الأطراف في السودان.
- إرساء مفهوم العدالة الاجتماعية الترميمية من خلال الأولوية للإصلاح وليس العقاب، أي للمستقبل وليس للماضي، وذلك من عبر برامج مختلفة أساسها الحوار بين الجاني والضحية لإزالة الغبن والضغائن.
مقترحات لدراسات مستقبلية
لاستكمال هذه البحث تقترح الباحثة إجراء دراسات في الموضوعات التالية:
- دور الحكم اللامركزي في إدارة التنوع الإثني وأثره على الأمن القومي السوداني.
- الهوية الوطنية والنزاعات الإثنية.. دراسة في الثوابت والتحديات.
- الحياد الإيجابي في قضايا الإثنيات السودانية وفق رؤية استراتيجية.
تنويه:
- الآراء الواردة في هذه الدراسة تُعبِّر عن كاتبها فقط، ولا تعبر بالضرورة عن رأي مركز الجزيرة للدراسات.
- للاطلاع على النص الكامل أطروحة الدكتوراه (اضغط هنا)
يمكن للباحثين الآخرين الراغبين في إرسال أطروحاتهم للنشر إرسالها عبر البريد الإلكتروني التالي : ajcs-publications@aljazeera.net