من إرث الاستعمار إلى التحديات الحديثة: تطور السياسات الزراعية في إفريقيا

تسلط هذه الورقة الضوء على السياسات الزراعية المعتمدة بإفريقيا، وتحلل الأساليب التي تم اتباعها والأسباب التي أدت إلى عدم تحقيق الاكتفاء الذاتي الذي كان مأمولًا. لذا، ستعرض الدراسة مختارات من نماذج سياسات زراعية محددة، مع تقديم تحليل نقدي للأخطاء التي وقعت في تنفيذ هذه السياسات.
ساعدت التعاونيات الإفريقية في تحسين الإنتاج الزراعي وحماية البيئة من خلال تبني ممارسات زراعية مستدامة (الفرنسية).

السياسات الزراعية الإفريقية

تعرف السياسة الزراعية بأنها مجموعة من التشريعات واللوائح التي تنظم الزراعة المحلية والواردات الزراعية، وتعمل الحكومات على تنفيذ هذه السياسات لتحقيق أهداف متعددة، مثل ضمان استمرارية الإمدادات الزراعية، واستقرار الأسعار، وتحسين جودة المنتجات، وكفاءة استخدام الأراضي(1).

مع بواكير القرن الحادي والعشرين، شهدت إفريقيا توسعًا كبيرًا في الرقعة الزراعية، حيث وصلت إلى 2.38 مليار هكتار، بزيادة بنسبة 52% خلال العقدين الماضيين، وخاصة في دول مثل أنغولا، وساحل العاج، وجمهورية الكونغو الديمقراطية، وموزمبيق، وزامبيا. لكن هذه التوسعات جاءت على حساب الغابات والنظم البيئية(2).

ورغم هذا التوسع -ومع أن النشاط الزراعي يُعد المصدر الرئيسي للعيش، خاصة في المناطق الريفية، حيث تمثل الزراعة جزءًا أساسيًّا من الاقتصاد المحلي- تواجه إفريقيا تحديات كبيرة في الأمن الغذائي، حيث يعاني 20.4% من سكانها من الجوع، مما يعني أن واحدًا من كل خمسة أفراد يعاني من نقص التغذية(3). هذا التراجع في مكافحة الجوع يشير إلى نقص فعالية السياسات الزراعية الحالية؛ مما يبرز الحاجة إلى سياسات جديدة تراعي الاستدامة وتعالج المشكلات الهيكلية.

في حقبة ما بعد الاستقلال، ظهرت في إفريقيا سياسات زراعية تركزت على ثلاثة بنود أساسية ساهمت في تحقيق الأمن الغذائي والتنمية الاقتصادية إلى حدٍّ ما، قبل أن تتدخل القوى الخارجية لتحويل النموذج الإفريقي التكافلي إلى النموذج الأوروبي(4). انقسمت تلك السياسات الإفريقية، حينها إلى ثلاثة أقسام رئيسية: السياسات الداعمة لدخل المزارع عبر دعم الأسعار، والسياسات الزراعية الداعمة لدخل المزارع عبر المساعدات، وأخيرا، السياسات الزراعية المتعلقة بتحسين البنى الزراعية عبر أشكالها الستة. وفيما يلي شرح موجز لهذه السياسات:

أولًا: السياسات الداعمة لدخل المزارع عبر دعم الأسعار: وعبرها تضمن الحكومات أسعارًا عادلة للمزارعين من خلال سياسات تحديد الأسعار وشراء المحاصيل بأسعار مدعومة. على سبيل المثال، اعتمدت كينيا وزامبيا خلال السبعينيات والثمانينيات استراتيجيات لتعزيز أسعار المحاصيل الرئيسية مثل الذرة، بهدف تشجيع الإنتاج المحلي وزيادة مداخيل المزارعين(5). ومن خلال برنامج تنمية الزراعة في إفريقيا (CAADP) الذي انطلق عام 2003 تحت إشراف الاتحاد الإفريقي، تم تعزيز هذه السياسات بدعم من مؤسسات مثل البنك الإفريقي للتنمية وبرنامج الغذاء العالمي. في السياق الاشتراكي، نفذت تنزانيا سياسات لشراء المحاصيل بأسعار مدعومة تحت قيادة جوليوس نيريري، وفي السياق الرأسمالي، قامت كينيا بشراء القهوة والشاي بأسعار مدعومة لضمان استقرار الأسواق وحماية المزارعين. هدفت هذه السياسات إلى تحقيق أهداف مباشرة مثل ضمان دخل مستقر للمزارعين، وأهداف استراتيجية تتعلق بتحفيز الإنتاج الزراعي المحلي وتقليل الاعتماد على الواردات(6).

ثانيًا: السياسات الزراعية الداعمة لدخل المزارع عبر المساعدات: وقد تم تطبيقها لمواجهة التحديات مثل الكوارث الطبيعية والأزمات الاقتصادية. مثلًا، قامت حكومات دول مثل مالاوي وموزمبيق بتقديم تعويضات للمزارعين المتضررين من الفيضانات في العقد الأول من الألفية، كما قدمت زامبيا وغانا تعويضات لمزارعي الكاكاو والقطن بعد الأزمة المالية العالمية في 2008(7). هذا الدعم يشمل أيضًا توفير المدخلات الزراعية مثل البذور والأسمدة والتدريب على أفضل الممارسات الزراعية، بدعم من منظماتٍ كالبنك الإفريقي للتنمية وبرنامج الأغذية العالمي. هدفت هذه السياسات إلى تحقيق أهداف مباشرة مثل توفير المدخلات الأساسية للمزارعين، وأهداف استراتيجية تتعلق بتحسين الإنتاجية الزراعية على المدى الطويل وتعزيز الاستدامة في القطاع الزراعي(8).

ثالثا: السياسات الزراعية المتعلقة بتحسين البنى الزراعية، وتنقسم إلى ست نقاط رئيسية:

  • السياسات ذات التأثير في حجم الحيازات الزراعية: منذ الثمانينيات، نفذت دول مثل زيمبابوي وجنوب إفريقيا إصلاحات زراعية تهدف إلى إعادة توزيع الأراضي من الأقليات البيضاء إلى الأغلبيات السوداء. على سبيل المثال، بدأ برنامج إصلاح الأراضي في زيمبابوي عام 1980. ورغم أهداف هذه السياسات، فإن تأثيرها كان متباينًا؛ حيث أدت في بعض الحالات إلى تقليل الإنتاجية الزراعية نتيجة رفض الداعمين الخارجيين توفير الموارد للمزارعين الجدد من الأفارقة(9).
  • السياسات ذات الصلة ببنية الأعمار وعلاقاتها بالإنتاج الزراعي: في السودان مثلاً، تم تنفيذ سياسات تشجع الشباب على دخول مجال الزراعة عبر برامج التدريب والتمويل للمشاريع الزراعية الصغيرة في الألفية الجديدة. هدف هذه السياسات كان معالجة التحديات الديمغرافية وتحسين الإنتاج من خلال الشباب لما لُوحظ من عزوفهم عن الزراعة.
  • سياسات تحسين البنى التحتية المواكبة للنشاط الزراعي: بدعم من البنك الدولي والبنك الإفريقي للتنمية، تم تمويل مشاريع لتحسين الري والطرق في دول مثل مالي وغانا في التسعينيات(10)، مما ساهم في تحسين وصول المزارعين إلى الأسواق وزيادة الإنتاجية.
  • سياسات البحث والتطوير الزراعي وتمويل الإرشاد الزراعي: مؤسسات مثل المركز الدولي للزراعة الاستوائية (IITA) عملت على تطوير أصناف محاصيل مقاومة للجفاف والأمراض في نيجيريا وأوغندا، مما يعزز الأمن الغذائي والاستدامة.
  • سياسات التمويل الزراعي: نتيجة للإصلاحات المالية التي فرضها صندوق النقد الدولي والبنك الدولي في الثمانينيات والتسعينيات، تمت إعادة هيكلة التمويل الزراعي في عدة دول إفريقية(11). هذه الإصلاحات قللت من الدعم الحكومي للزراعة؛ مما زاد من صعوبات المزارعين الصغار وأثر سلبًا في الإنتاج الزراعي.
  • سياسات التشجيع على إنشاء تعاونيات زراعية: في كينيا ورواندا، تم تعزيز إنشاء التعاونيات الزراعية ضمن سياسات التنمية الريفية مع أواخر التسعينيات. هذه التعاونيات ساعدت إلى حد ما على تحسين الإنتاج الزراعي وحماية البيئة من خلال تبني ممارسات زراعية مستدامة، رغم أنها واجهت تحديات مثل نقص التمويل وسوء التخطيط والتنفيذ(12).

كانت الأهداف المباشرة لهذه السياسات تتعلق ببناء وتحديث البنية التحتية الزراعية مثل الطرق، وأنظمة الري، ومرافق التخزين، لتوفير الدعم اللوجستي اللازم وتحسين كفاءة العمليات الزراعية. أما الأهداف الاستراتيجية فكانت تهدف إلى تمكين المزارعين من زيادة إنتاجيتهم وتحسين قدرتهم على الوصول إلى الأسواق؛ مما يعزز النمو الاقتصادي الريفي ويزيد من دخل المجتمعات الزراعية. ومع ذلك، واجهت هذه السياسات تحديات، مثل شروط القروض الدولية التي لم تكن تتماشى مع السياق المحلي؛ مما أدى إلى تراكم الديون دون تحقيق الفوائد المتوقعة. كما أن عدم مراعاة السياق الاجتماعي والاقتصادي المحلي أعاق تحقيق الاكتفاء الذاتي وتطوير القطاع الزراعي بشكل مستدام وفعال(13). وكان من الإشكاليات لاحقًا في جميع ما سبق أن السياسات الزراعية الإفريقية كلها مستوردة من الخارج، وهو ما أدى إلى فشلها فشلا ذريعًا، وهو ما سيناقشه الجزء الآتي من الدراسة.

الجزء الثاني: الفجوة بين السياسات الزراعية النظرية وتطبيقها على أرض الواقع

شهدت إفريقيا في العقود الأخيرة توجهًا نحو التكامل الإقليمي، متبنيًا نماذج سياسات زراعية مستوحاة من التجربة الأوروبية. حققت هذه الجهود تحولات نسبية، إلا أنها واجهت تحديات مستمرة بسبب عدم ملاءمة بعض هذه النماذج للواقع الإفريقي(14):

  • النموذج الأوروبي المستورد والصعوبات الهيكلية في إفريقيا:

تعود جذور هذه السياسات إلى ما بعد الحرب العالمية الثانية، عندما أُنشئت السياسة الزراعية المشتركة للمجموعة الأوروبية بموجب معاهدة روما عام 1957. هدفت هذه السياسة إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي الغذائي من خلال تحديث القطاع الزراعي عبر توسيع الحيازات وتكثيف التقنيات. من الناحية التشغيلية، وُزعت المسؤوليات على المستوى الأوروبي، وساندت النقابات الزراعية هذا الإطار وشاركت في تشكيله وتنفيذه، موسعة بذلك نموذج "الإدارة المشتركة" للسياسة الزراعية الفرنسية إلى المستوى الأوروبي، بتأسيس لجنة المنظمات الزراعية المهنية (COPA) ضمن الجماعة الاقتصادية الأوروبية(15)؛ مما أدى إلى نجاح أوروبا في القضاء على المجاعة(16).

تجلى تأثير تصدير النموذج الأوروبي في مشاريع مثل السياسات الزراعية المشتركة والأسواق المشتركة للمنتجات الزراعية، التي طُبقت في تجمعات إقليمية متنوعة كالجماعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (ECOWAS) والسوق المشتركة لشرق إفريقيا والجنوب الإفريقي (الكوميسا). لكن هذه المشاريع، رغم دعمها بالتوجيهات الخارجية، كشفت عن تحديات بنيوية في إفريقيا، حيث لم يكن تطبيق النموذج الأوروبي متلائمًا بشكل كامل مع الظروف المحلية(17).

ففي أواخر الثمانينيات، ومع صعود الليبرالية الجديدة تحت إشراف صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، بدأت تظهر فجوة بين النماذج الزراعية الإفريقية وتلك المستوردة من أوروبا. أسفرت سياسات التكيف الهيكلي عن تقليص ميزانيات القطاع الزراعي وتفكيك الهياكل العامة؛ مما أدى إلى إلغاء سياسات دعم الأسعار التي كانت تفيد المزارعين الصغار. ورغم ارتفاع أسعار منتجات التصدير نتيجة لهذه السياسات، فإنها أصبحت عرضة أكثر لتقلبات الأسواق العالمية.

وفي السياق الإفريقي، اختلفت عمليات التكامل عن نظيرتها الأوروبية بشكل ملحوظ بسبب عدم الاستقرار السياسي والنزاعات المسلحة الإقليمية والعرقية. كانت الأنظمة الإفريقية غالبًا سلطوية أو تمارس ديمقراطية زائفة، ونتج عن ذلك فساد النخب وغياب الرؤى الاستراتيجية في السياسات الزراعية الوطنية. هذا الغياب جعل المبادرات الإقليمية تبدو عشوائية وغير متناسقة، خاصة مع عدم التنسيق بين السياسات الوطنية والإقليمية؛ مما أدى إلى ازدواجية في المشاريع المتنافسة التي غالبًا ما تكون غير قابلة للتطبيق.

علاوة على ذلك، فإن عضوية الدول الإفريقية في تجمعات إقليمية متعددة بأهداف متناقضة زادت من تعقيد الجهود الساعية لتحقيق التكامل والتعاون الفعال. في النهاية، تبين أن محاولات تطبيق النموذج الأوروبي في إفريقيا لم تتناسب مع الظروف المحلية، حيث تفتقر العديد من الدول إلى الإمكانيات اللازمة لتنفيذ سياسات زراعية متكاملة وفعالة تحاكي نجاح التجربة الأوروبية.

  •  صعود الشراكة بين القطاعين العام والخاص وفقًا للسياسات الليبرالية:

في ظل تبني السياسات الليبرالية، شهدت إفريقيا صعودًا للشراكات بين القطاعين العام والخاص سعيًا لتعويض نقص التمويل الحكومي لتنمية القطاع الزراعي. استهدفت هذه الشراكات، المدعومة بقوة من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ومجموعة الدول الثماني، تحقيق أهداف الخدمة العامة مثل توفير الخدمات الأساسية كالكهرباء والماء، وتوسعت لاحقًا لتشمل تمويل البنية التحتية الزراعية والخدمات الحيوية مثل البحوث الزراعية، والتدريب، والري، وتوريد المدخلات.

أصبحت هذه الشراكات جزءًا أساسيًّا من برامج التنمية الزراعية في إفريقيا، وخاصة في إطار البرنامج الشامل للتنمية الزراعية. واعتمدتْ هذه البرامج على خطط الاستثمار الزراعي التي تُمول جزئيًّا من الخارج ومن القطاع الخاص. من أبرز الفاعلين في هذه الشراكات مجموعة أولام ومجموعة لويس دريفوس، اللتان تؤديان دورًا كبيرًا في تمويل وتطوير النشاط الزراعي وتسويق المنتجات. على سبيل المثال، قامت مجموعة لويس دريفوس بمعالجة أكثر من 70 مليون طن من المنتجات الزراعية عام 2012، وعملت شركة أولام في 65 دولة وعالجت 10.7 ملايين طن من المنتجات الزراعية بقيمة 17 مليار دولار(18).

وكان من التداعيات السلبية لذلك -في قارة كان ينبغي أن تتبنى السياسات الاقتصادية الحمائية قبل أن تنفتح على السوق- استحواذُ القطاع الخاص على الزراعة وتحوله إلى العمود الفقري للسياسات الزراعية، فغابت آثار الدولة في مشاريع الحد من الجوع بطريقة مباشرة، وهو خطأ استراتيجي.

  • النموذج الأوروبي المستورد والصعوبات الاقتصادية في إفريقيا:

لعدم دراسة كافية لجدوى إمكانية نجاح السياسات الزراعية الأجنبية، واجهت إفريقيا تحديات اقتصادية وغذائية إضافية. فبينما نجحت أوروبا في معالجة مشكلات الجوع بعد الحرب العالمية الثانية، تراجعت إفريقيا جنوب الصحراء، وفي المحصلة النهائية تدهورت الأوضاع الغذائية، حيث ارتفع عدد الأشخاص الذين يعانون من نقص التغذية المزمن من 173 مليون في التسعينيات إلى 206 ملايين في أوائل الألفية الجديدة(19). وهي دلالة صريحة على فشل السياسات الزراعية المستوردة. كما عانت الزراعة التقليدية في إفريقيا من انخفاض الإنتاجية بشكل كبير. فقد تراجعت فعالية الاقتصاد الزراعي التصديرية، الذي كان يُعتبر في السبعينيات محركًا للتنمية، ولم يعد قادرًا على تلبية الطموحات الاقتصادية. هذا الوضع أوجد حلقة مفرغة من الفقر، وأدى إلى ضعف الطلب على المنتجات المحلية والدولية، في حين واجهت المنتجات الزراعية الإفريقية مثل القهوة والكاكاو منافسة شديدة وتقلبات حادة في الأسواق العالمية.

إضافة إلى ذلك، أسفر الفقر وانعدام الأمن الغذائي في المناطق الريفية عن هجرة جماعية نحو المدن، التي تفتقر إلى قطاع صناعي قوي قادر على استيعاب هذه العمالة الزائدة؛ مما فاقم من مشكلات الفقر في المناطق الحضرية وزاد من تعقيد الأوضاع الاقتصادية في القارة(20).

تداعيات أخرى على الأنظمة والمؤسسات الزراعية الإفريقية:

تجاوزت تداعيات السياسات الليبرالية والنماذج المستوردة من الغرب التأثير في البشر والأفراد، فأثرت في الأنظمة والمؤسسات الزراعية كذلك؛ مما أدى إلى ضعف تاريخي في السياسات الزراعية الوطنية وتبعية متزايدة للغرب، ومن مظاهر ذلك التأثير:

أولًا: إضعاف السياسات الزراعية التاريخية: في الستينيات والسبعينيات، تدخلت الجهات الخارجية بشكل كبير في القطاع الزراعي الإفريقي، مستثمرة موارد ضخمة لتطويره وفقًا للنماذج الغربية. ومع ذلك، فضل هذا النهج سكان المدن على سكان الريف؛ مما أدى إلى هجرة سكان الريف إلى المدن. هذا الإهمال للأرياف، التي تعتبر قاعدة الإنتاج الغذائي الرئيسية في إفريقيا، تسبب في إضعاف السياسات الزراعية التي كانت تدعم احتياجات القارة(21).

ثانيًا: إضعاف المؤسسات الوطنية: التدخلات الخارجية، وخاصة من خلال السياسات الليبرالية، أضعفت المؤسسات الزراعية الوطنية. في نهاية التسعينيات، فتحت برامج التكيف الهيكلي الباب أمام سياسات جديدة، لكن هذه السياسات قوضت قدرة الحكومات الوطنية على ممارسة سيادتها الزراعية. وقد أدى ذلك إلى فجوة بين الدولة والمزارعين المحليين، الذين أصبحوا يعتمدون بشكل كبير على المانحين الأجانب(22).

ثالثًا: عزوف الدول عن الاستثمار في الزراعة: رغم أن الزراعة تشكل ركيزة أساسية للاقتصاد الإفريقي، حيث توفر نحو 70٪ من فرص العمل في بعض الدول وتعد المصدر الرئيسي للدخل والنقد الأجنبي، فإن السياسات الزراعية عانت من الإهمال من قبل النخبة الحاكمة. لفترات طويلة، فرضت العديد من الدول الإفريقية ضرائب مرتفعة على الزراعة لتمويل التنمية الصناعية؛ مما أدى إلى تراجع الاستثمار في القطاع الزراعي. وعلى الرغم من التزامات الدول بتخصيص ميزانيات أكبر للزراعة، مثل قرار الاتحاد الإفريقي في مابوتو عام 2003 بتخصيص 10٪ من ميزانيات الاستثمار الوطني للقطاع الزراعي، فإن التنفيذ كان ضعيفًا. بين عامي 1997 و2001، خُصصت 5٪ فقط من الميزانيات للزراعة، مقارنة بـ6٪ بين 1990 و1997، وهو ما يعكس الإهمال المستمر لهذا القطاع(23).

هذه العوامل مجتمعة أدت إلى أن السياسات الزراعية في إفريقيا أصبحت تعتمد بشكل كبير على نماذج ومعايير خارجية؛ مما جعل القارة أكثر تبعية للغرب. هذا التبعية تعززها آليات مثل منظمة التجارة العالمية، التي تفضل بشكل غير متكافئ الدول المتقدمة، وتقلل من استقلالية السياسات الزراعية الإفريقية، وهو ما يشكل تحديات كبيرة في تحقيق تنمية زراعية مستدامة تلبي احتياجات وتطلعات الشعوب الإفريقية.

ثالثا: أي الأساليب يمكن اعتماده لتحسين الربط والتنسيق بين الهيئات الزراعية في إفريقيا؟

بعد اعتماد القارة على النماذج الزراعية الأوروبية، تراجعت الزراعة التقليدية التي كانت حجر الزاوية في الأمن الغذائي. هذا التحول دفع المزارعين إلى التركيز على محاصيل تصديرية تهم المانحين الدوليين؛ مما أدى إلى أزمات غذائية داخلية. وفي الوقت نفسه، لم يتمكن المزارعون من الاستفادة المالية الكاملة من الصادرات بسبب نقص وسائل الإنتاج المتقدمة والتمويل اللازم للمحاصيل غير التصديرية. ونتيجة لذلك، واجهت إفريقيا أزمة مزدوجة تمثلت في عدم القدرة على إنتاج ما يكفي من المحاصيل الأساسية للسكان وصعوبة تحقيق عوائد اقتصادية من المحاصيل المُصدرة بسبب نقص التكنولوجيا والتمويل والإرشاد الزراعيَّيْن.

لمعالجة هذا التباين، أُطلقت عدة مبادرات قارية، منها الشراكة الجديدة لتنمية إفريقيا (نيباد) التي تأسست عام 2001 بهدف تعزيز النمو الاقتصادي المستدام، والقضاء على الفقر، وتحسين مكانة إفريقيا في الاقتصاد العالمي. وقد حددت نيباد ستة محاور استراتيجية تشمل تطوير البنية التحتية، وتعزيز التعليم، ودعم الزراعة المستدامة، وحماية البيئة، وتعزيز الثقافة، ودفع التقدم في العلوم والتكنولوجيا. المبادرة صاغها وطورها قادة إفريقيون بارزون مثل ثابو مبيكي من جنوب إفريقيا، وعبد العزيز بوتفليقة من الجزائر، وعبد الله واد من السنغال، أولوسيغون أوباسانجو من نيجيريا، وحسني مبارك من مصر(24).

وفي عام 2014، تم اعتماد إعلان مالابو ليكون إطارًا استراتيجيًّا لتنمية الزراعة في إفريقيا، مع التركيز على تسريع النمو الزراعي والقضاء على الجوع بحلول عام 2025. تم التأكيد على أهمية المراجعات الدورية لتقييم التقدم المحرز، حيث أظهر تقرير عام 2018 أن 20 دولة إفريقية تحقق تقدمًا ملحوظًا نحو تحقيق هذه الأهداف(25).

ومع ذلك، وعلى الرغم من هذه المبادرات الطموحة، تشير البيانات الحالية إلى أن أهداف القضاء على الجوع بحلول 2025 و2030 لن تتحقق. فوفقًا لتقارير منظمة الأغذية والزراعة (فاو)، يعاني حوالي 868 مليون شخص في إفريقيا من انعدام الأمن الغذائي بدرجات متفاوتة خلال عام 2022، مما يبرز الحاجة إلى تغييرات جوهرية في السياسات الزراعية الإفريقية لزيادة فرص نجاح هذه المبادرات(26).

 إذن، ما التغييرات الجوهرية الضرورية لتحسين الإرشاد الزراعي؟ للإجابة عن هذا السؤال، يجدر بنا استعراض الأخطاء الاستراتيجية البدائية التي تم ارتكابها في مجال الزراعة الإفريقية، والأسباب التي تجعل -في غياب معالجة وتلافي هذه الأخطاء- السياسات الزراعية المتبناة معرضة للفشل دائمًا، مما يعوق قدرة القارة على تحقيق هدفها المنشود في القضاء على الجوع.

  • الخطأ الاستراتيجي الأول: إهمال الدول مهماتها في القضاء على الجوع

إنها حقيقة مسلمة أن مهمة إطعام الشعوب لا تترك للشركات المملوكة للأجانب أو القطاع الخاص. في السياسات الزراعية بإفريقيا، يبرز خطأ استراتيجي كبير يتمثل في تفويض مسؤولية الأمن الغذائي إلى القطاع الخاص والشركات الزراعية المملوكة للأجانب، الأمر الذي يترك الشعوب الإفريقية رهنًا للاستثمارات والتمويلات الخارجية؛ مما يؤدي إلى إغفال الحكومات لدورها الأساسي في القضاء على الجوع. على مر الزمان، تأخذ الدول الناجحة في مكافحة الجوع زمام المبادرة بشكل مباشر في تطوير وتنفيذ سياساتها الزراعية. وتعد الصين مثالًا بارزًا لذلك.

في عام 1994، طرح ليستر براون، وهو أحد أبرز الخبراء البيئيين، ومؤسس معهد وورلدووتش ومعهد الأرض في واشنطن، تساؤلًا مثيرًا للجدل، حين سأل "من سيطعم الصين؟" في السنوات القادمة؟ توقع براون أنه بحلول عام 2030، ستضطر الصين إلى استيراد ما بين 207 و369 مليون طن من الحبوب، وهو ما يتجاوز إجمالي صادرات الحبوب العالمية وقتئذٍ. استند براون في توقعاته إلى محدودية الموارد الطبيعية في الصين مقارنة بعدد السكان، والتحول السريع نحو التصنيع الذي قد يقلل من المساحات الزراعية المتاحة؛ مما سيؤدي إلى زيادة اعتماد الصين على الواردات الغذائية. كما حذر من أن هذا الطلب المتزايد من الصين قد يؤدي إلى ارتفاع أسعار الحبوب عالميًّا، وهو ما سيضع الدول الفقيرة في موقف صعب، إذ قد تصبح غير قادرة على تحمل تكاليف هذه الزيادات؛ مما ينذر بأزمة غذائية عالمية محتملة(27).

على النقيض من ذلك، كان الواقع مضادًّا لتوقعات براون، فقد استطاعت الصين من خلال سياسات حكومية محكمة واستثمارات استراتيجية في الزراعة تحقيق الاكتفاء الذاتي الغذائي وزيادة الإنتاجية؛ مما أدى إلى انخفاض معدلات الفقر بشكل كبير. فمنذ عام 1979، حققت الصين نموًّا سنويًّا في الإنتاج الزراعي بنسبة 5% لمدة ثلاثين عامًا، وهو ما ساعد على تعزيز الاقتصاد الوطني وتقليص الفقر المدقع. وكانت الزراعة أساس النمو الاقتصادي الصيني وأسهمت في توفير فرص عمل وتحفيز الاقتصاد المحلي. إضافة إلى ذلك، أدت السياسة الحكومية إلى خفض معدلات الفقر من 63% في عام 1978 إلى أقل من 3% حاليًّا(28).

الصين التي واجهت على مر التاريخ تحديات كبيرة في إطعام سكانها الضخم عددهم في ظل محدودية الأراضي الزراعية، حيث كانت المجاعات الكبرى غالبًا سببًا للتغييرات الاجتماعية، لم تكتف ذاتيًّا فحسب، بل نجحت حاليًّا في إطعام 20% من سكان العالم باستخدام 10% فقط من الأراضي الصالحة للزراعة و6% من احتياطيات المياه العالمية(29). هذا النجاح جاء نتيجة تحرير القطاع الزراعي بشكل تدريجي وتحسين الإنتاجية والكفاءة عبر تدخلات الدولة. وهو درس يجب على الدول الإفريقية استيعابه وتطبيقه. كما أن تجارب دول مثل روسيا والبرازيل تشير إلى أهمية تحمل الدول مسؤولية إطعام شعوبها من دون الاعتماد على القطاع الخاص أو المانحين الأجانب.

إنه درس قيّم في الذكاء الاقتصادي في الزراعة! إن الحكومات التي لا تستطيع تأمين الغذاء الضروري لشعوبها بأسعار مناسبة تمهد، من دون إدراك، لنهايتها الوشيكة. كثير من القادة الأفارقة يرون أن ترك قضية الأمن الغذائي لمواطنيهم في أيدي التجار والمضاربين الأجانب أمر طبيعي.

ومن هنا يتضّح أنّ الصين تُعدّ النموذج الأمثل لإفريقيا، حيث استطاعت إطعام سكانها الذين يصل عددهم إلى 1.4 مليار نسمة، باستخدام مساحة تقدر بـ9.5 ملايين كيلومتر مربع فقط، وهو ما يعادل ثلث مساحة القارة الإفريقية التي تضم مليار نسمة وتمتد على 30 مليون كيلومتر مربع. الغرض ليس تطبيق نماذج الصين، بل أن نتعلم منها أن مشروع القضاء على الجوع تتحمله الحكومات مباشرةً ولا تترك مهمة حيوية كهذه للقطاع الخاص أو الشركات المملوكة للأجانب. إذ يظهر النموذج الصيني أهمية التدخل الحكومي المدروس في تحقيق الأمن الغذائي والاستقرار الاقتصادي، هذا هو التحدي الأول للسياسات الزراعية في رأي العديد من الخبراء(30).

  • الخطأ الاستراتيجي الثاني: التماهي مع توصيات الهيئات الدولية التي تشجع على مقايضة الأراضي بالمال

إن أحد الأخطاء الاستراتيجية البارزة في السياسات الزراعية الإفريقية يكمن في تبني السياسات الزراعية الموصَى بها من قبل الهيئات الدولية من دون مراعاة الخصوصيات المحلية، خاصة فيما يتعلق بالحيازات الزراعية. فقد سادت إبان تطبيق سياسات إعادة الهيكلة من البنك الدولي، فكرة تأجير الأراضي الزراعية للدول والشركات الأجنبية، وهو ما يثير مشاكل جمّة ما لم يتم توفير أراضٍ زراعية وحيازات كافية للمزارعين المحليين لضمان الإنتاج المحلي والتصدير(31). في زامبيا، على سبيل المثال، تُفرض سياسات البنك الدولي التي تشجع على استغلال الأراضي لاقتراض المال وإقامة المشاريع التجارية، وهي سياسات تمجّد جعل الأموال وسيلة للهروب من الفقر من دون اعتبار لاستخدام الأرض في الزراعة لتوفير الغذاء والمأوى. هذا النهج أدى إلى تأثر الشعوب الإفريقية بالحرب النيوليبرالية التي مكّنت الاحتكارات الغربية من اختراق القارة وتدمير القطاع الزراعي(32).

ولذلك أصبح النظام الغذائي الإفريقي الحالي يعتمد على الزراعة الأحادية الموجهة إلى التصدير، وهو ما يعزز الاستيلاء على الأراضي والمضاربة على الغذاء. هذا الأسلوب يعد تكملة للاستعمار الذي استمر منذ القرن التاسع عشر، ويجعل من الصعب تحقيق الاكتفاء الذاتي ما دامت الحيازات الزراعية ليست بيد المزارعين أو الدولة. فعلى مدى سنوات مع مثل هاته التوصيات، ظلت اقتصادات القارة تتبع نهجًا يُعتبر ضعيفًا في السوق العالمي، حيث استجابت لتوجيهات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي بانسحاب الحكومات من دعم الزراعة وتقليص دور الوزارات المعنية إلى الترويج لمشاريع تنموية وهمية.

في مصر، على سبيل المثال، يصل إنتاج القمح إلى حوالي 10 ملايين طن سنويًّا، ولكن الفلاحين يوردون ثلث هذه الكمية فقط للحكومة لاستخدامها في إنتاج الخبز المدعم، ويذهب الباقي إلى القطاع الخاص. وهذا نتيجة لتخلي الحكومات المتعاقبة في مصر بعد الحقبة الناصرية عن السياسات الاقتصادية المركزية والموجهة (غير الاشتراكية)؛ مما أدى إلى تركز الثروات بين نخبة صغيرة من رجال الأعمال، وهم الداعم الرئيس للأنظمة الحاكمة. لتعزيز هذه الهيمنة، تحالفت مصر مع الغرب، وبشكل خاص مع الولايات المتحدة منذ عام 1974(33).

وبتبني سياسات الإصلاح وإعادة الهيكلة، تحول الاقتصاد المصري إلى نظام ريعي يعتمد بشكل كبير على مصادر الدخل الخارجية؛ مما أدى إلى إهمال القطاعات الإنتاجية، خاصة الزراعية. كما أن سياسات التحرير الاقتصادي التي تبنتها مصر لم توجه نحو تعزيز التصنيع بهدف التصدير، بل نحو اقتصاد مفتوح أدى إلى انهيار الصناعة المحلية أيضًا. خلال التسعينيات، كانت نتائج سياسات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي مُدمرة، خصوصًا للقطاع الزراعي، حيث ساهم قانون 96 لعام 1992 في تحرير أجرة الأراضي الزراعية والسماح لأصحاب الأراضي بإنهاء عقود الإيجار بشكل فوري؛ مما أدى إلى تغيير جذري في نمط ملكية الأراضي الزراعية وتحول طبيعة الزراعة نحو استخدام طرق مكلفة تحاكي النموذج الأمريكي(34).

هذا التحول دفع مصر إلى أن تصبح من الدول الأكثر تأثرًا بالحرب بين روسيا والغرب، حيث تستورد 13 مليون طن من القمح، تشكل 90% من احتياجاتها السنوية، إضافة إلى كونها أكبر مستورد للذرة من أوكرانيا خلال الموسم الزراعي 2020-2021(35). والنموذج المصري نكاد نجده في كل مكان بإفريقيا. ولا يمكن تغيير هذا الأداء السيئ إلا بالانفكاك من السياسات الزراعية للهيئات الدولية التي تهمها الأرباح والرأسمال أكثر من البشر.

  • الخطأ الاستراتيجي الثالث: خطأ البقاء على المحاصيل الزراعية الاستعمارية بغرض تلبية احتياجات التصدير

خلال فترات الاستعمار، زعمت القوى الاستعمارية أن العديد من المحاصيل غير مناسبة للظروف الإفريقية بناءً على دراسات زراعية مضللة أو غير دقيقة، وذلك لعدة دوافع:

  1. لتوجه نحو تلبية الطلب الأوروبي: حيث ادعت هذه القوى أن محاصيل مثل الكاكاو، والقهوة، والمطاط هي الأنسب للتصدير من إفريقيا، متجاهلةً الاحتياجات الغذائية المحلية.
  2. تقييمات مشوهة: أعطت الدراسات التي أجريت -من خبراء أجانب- تقييمات متحيزة تزعم أن كفاءة المحاصيل المحلية من حيث الإنتاجية أو الجودة أدنى من كفاءة المستوردة؛ مما أدى إلى تقليل الاعتماد عليها.
  3. إعادة هيكلة الإنتاج الزراعي: استخدمت نتائج إعادة هيكلة الإنتاج الزراعي لتوجيه الموارد الزراعية نحو الزراعة التجارية على حساب الزراعة المستدامة المتنوعة(36).

ونتيجة لهذه السياسات، تم تهميش الزراعة الغذائية المحلية في أجزاء كبيرة من إفريقيا، حتى بعد الاستقلال، ولم تساهم السياسات الزراعية اللاحقة في القارة في تغيير هذا النمط. وهو ما أدى إلى زيادة الاعتماد على الواردات وتقليل الأمن الغذائي الذاتي. هذه الأساليب أثرت أيضًا في التنوع البيولوجي والأمن الغذائي الطويل الأمد في المنطقة.

ففي أوائل القرن العشرين، شهدت صناعة الكاكاو تطورًا ملحوظًا مع تحول مركزها الإنتاجي من أمريكا الجنوبية، خصوصًا فنزويلا والبرازيل -حيث تم تدجين نبات الكاكاو لأول مرة- إلى منطقة غرب إفريقيا. ومع اندلاع الحرب العالمية الأولى، دفعت بريطانيا بشكل مكثف نحو توسيع زراعة الكاكاو في مستعمراتها الإفريقية، وخاصة غانا ونيجيريا؛ مما ساهم في جعل القارة الإفريقية مركزًا عالميًّا لهذه المحاصيل دون غيرها، في حين لا يستفيد من الشوكولاتة إلا أبناء المجتمع الغربي.

وبعد استقلالها، استمرت دول إفريقيا في زراعة المحاصيل نفسها التي كانت تُزرع في العهد الاستعماري كالقطن والقهوة والكاكاو. يُذكر أن إنتاج الكاكاو يصل إلى ما بين 300 و400 كيلوغرام فقط للهكتار الواحد، وكذلك تُنتَج القهوة بمعدل يقارب 180 كيلوغرامًا للهكتار الواحد(37).

وحتى على صعيد التصدير والاستغلال الاقتصادي، تعتبر فاكهة كالموز أكثر ربحيةً عالميًّا من المنتجات الاستعمارية، بفضل قدرتها على الحصاد الأسبوعي والزراعة على مدار السنة لوفرة الشمس في إفريقيا 12 شهرًا متتالية، على عكس أوروبا التي توقف النشاط الزراعي في فترات تساقط الثلوج. في السنغال مثلًا، يُقدر الإنتاج الفعلي للموز العضوي بحوالي 20 طنًّا للهكتار وفقًا لبيانات منظمة المنتجين (APROVAG) في تامباكوندا، بينما يصل هذا الرقم إلى 60 طنًّا للهكتار في البيوت البلاستيكية في المملكة المغربية، وفقًا لأرقام معهد الحسن الثاني للزراعة والبيطرة في الرباط. في المقابل، يبلغ إنتاج الكاكاو ما بين 300 و400 كيلوغرام للهكتار وفقًا لبيانات من المركز الوطني للبحوث الزراعية (CNRA) في ساحل العاج مثلًا(38). هذا الفارق الكبير في الإنتاجية يجعل مزارعي الكاكاو في ساحل العاج أفقر بـ200 درجة من مزارعي الموز في المغرب.

تعاني القهوة من مشكلة مماثلة؛ إذ يبلغ متوسط الإنتاجية في منطقة جاجنوا بساحل العاج 180 كيلوغرامًا للهكتار، وفقًا لدراسة أجراها معهد أبحاث القهوة والكاكاو (IRCC) بين عامي 1969 و1982، مما يعكس الوضع المتدني لمعيشة الفلاحين هناك، فهم أفقر بـ333 درجة من نظرائهم في المغرب المتخصصين في زراعة الموز. كذلك تُعاني مناطق أخرى في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى من وضع مماثل بسبب السياسات والاختيارات الزراعية التي تُفرض عليها رغبةً في تلبية الاحتياجات الغربية(39).

بل حتى في جهود القضاء على الجوع، تظل فاكهة الموز أفضل من المحاصيل الاستعمارية، إذ يتميز الموز بخصائص غذائية متعددة تجعله فاكهة مثالية للترويج للصحة والتغذية، خصوصًا في بيئات يُمكن أن تكون معرضة للنقص الغذائي مثل بعض المناطق في إفريقيا. يُعتبر الموز مصدرًا غنيًّا بالبوتاسيوم؛ مما يساعد على التحكم في ضغط الدم ودعم صحة القلب. إضافة إلى ذلك، يحتوي الموز على حديد يساهم في مكافحة فقر الدم من خلال تحفيز إنتاج الهيموغلوبين. الموز مفيد أيضًا للجهاز الهضمي، حيث يستخدم في الطب البديل لعلاج قرحة المعدة والإسهال. كذلك يحتوي على فيتامين ب 6، التي تؤدي دورًا مهمًّا في تنظيم مستويات الجلوكوز في الدم، وهو ما يجعله خيارًا جيدًا للتنظيم الغذائي(40).

 وفي سياق أفريقي، مع وجود نسبة عالية من الأطفال في السكان، فإن تعزيز استهلاك الموز يمكن أن يساعد على تلبية الاحتياجات اليومية من فيتامين سي، بما يدعم النمو الصحي للأطفال. الاستهلاك المحلي المعزز للموز لا يساهم في تحسين التغذية فقط، بل يمكن أن يشكل أساسًا لتطوير صناعة زراعية محلية قوية؛ مما يقلل الاعتماد على الواردات ويساهم في الاستقرار الاقتصادي والغذائي في القارة.

رابعًا: التحديات الكبرى التي تعانيها الزراعة الإفريقية:

باعتبار أن هذه الورقة لا تعالج الأساليب والتقنيات الزراعية أو أسباب فشلها، بل تناقش السياسات الزراعية والأخطاء التي ترتكب في هذا الإطار، فإن التطرق للتحديات سيكون عرضيًّا لا أكثر، للإجابة عن الأساليب التي يمكن اعتمادها لتحسين البنى التحتية الزراعية والنماذج الممكن اعتمادها في الهيئات الزراعية في إفريقيا، يمكن اتباع عدة استراتيجيات للتغلب على تلك التحديات:

  1. تكييف النماذج مع الواقع المحلي: بدلًا من استنساخ النماذج الأوروبية مباشرةً، يجب تبني سياسات جديدة تتلاءم مع الظروف الإفريقية الفريدة. يقتضي هذا فحص التجارب المحلية الناجحة واستخلاص الدروس منها، مثل تعزيز الابتكارات الزراعية المحلية والتقنيات الزراعية التقليدية التي أثبتت فعاليتها في سياقات معينة كحالة المملكة المغربية ورواندا مثلًا.
  2. تعزيز البنية التحتية الأساسية: لضمان فعالية السياسات الزراعية، يجب تحسين البنية التحتية الضرورية، مثل الطرق وأنظمة الري والتخزين، لتسهيل وصول المزارعين إلى الأسواق وزيادة الإنتاجية. دعم هذه الجهود بالتمويل الكافي من الحكومات والتخطيط الجيد أمر حيوي.
  3. تنسيق السياسات الإقليمية والوطنية: يجب تحقيق تنسيق أكبر بين السياسات الزراعية الوطنية والإقليمية لمنع ازدواجية الجهود وتضارب المصالح. ويمكن أن يساعد إنشاء منصات مشتركة للتعاون بين الدول الأعضاء في تكتلات إقليمية وإفريقية خالصة على تعزيز التكامل وتقليل المنافسة غير الضرورية بين المنظمات الإقليمية.
  4. تعزيز الاستقرار السياسي: الاستقرار السياسي شرط أساسي لتطبيق السياسات الزراعية بشكل فعال. ينبغي للدول الإفريقية العمل على تعزيز الحوكمة الرشيدة وتقليل الفساد وإيجاد بيئة مستقرة وآمنة تسمح بتنفيذ السياسات الزراعية من دون انقطاع.
  5. إشراك المجتمعات المحلية: لضمان نجاح السياسات الزراعية، يجب إشراك المجتمعات المحلية والمزارعين في عملية صنع القرار وتنفيذ السياسات. يشمل ذلك تقديم الدعم التقني والمالي للمزارعين الصغار وتشجيع التعاونيات الزراعية.
  6. تعزيز البحث والتطوير: الاستثمار في البحث والتطوير الزراعي لتعزيز إنتاجية المحاصيل وتحسين مقاومة المحاصيل للجفاف والأمراض يمكن أن يؤدي دورًا مهمًّا في سدّ الفجوة بين النظرية والتطبيق. يجب على الدول الإفريقية التعاون مع المؤسسات البحثية الدولية والمحلية لتحقيق هذا الهدف. هذه المسألة ضرورية بشكل خاص في القارة الإفريقية، إذ إن الدول ذات الأداء العالي في الزراعة تستثمر بشكل مكثف في البحث والتطوير، الأمر الذي يمكنها من اكتشاف حلول إبداعية لمحاربة الجوع وتحسين الأمن الغذائي. كانت الحال كذلك مع الولايات المتحدة، ثم الاتحاد الأوروبي، وراهنًا الصين، وروسيا، والبرازيل. في الولايات المتحدة، كان الإنفاق الخاص في هذا المجال يتراوح بين 15 و20 مليار دولار بحلول عام 2020، لكن القطاع العام شهد تراجعًا في الإنفاق مقارنةً بزيادة كبيرة في استثمارات القطاع الخاص. من ناحية أخرى، فإن الصين تحديدًا أصبحت الدولة الأولى في تمويل الأبحاث الزراعية الحكومية، متجاوزة الولايات المتحدة بفارق كبير منذ عام 2009، حيث زاد دعمها بنسبة 2 إلى 1 مقارنة بالولايات المتحدة في عام 2013. كذلك الهند، والبرازيل(41).

بالنسبة لروسيا، يرتفع حجم الإنفاق على البحث والتطوير الزراعي سنويًّا، فإنها تعد من بين الدول الكبرى في الإنتاج الزراعي وتتمتع بتاريخ طويل في دعم الأبحاث، خاصة في مجالات تحسين الأصناف الزراعية وتكنولوجيا الأغذية، وتصنيع الأسمدة المعدنية النيتروجينية باستخدام الغاز الطبيعي الروسي(42).

لتحقيق تقدم ملموس في الزراعة، لا بد من استثمارات كبيرة في البحث والتطوير الزراعي، إضافة إلى التعاون مع حلفاء مناسبين لتأمين التكنولوجيا اللازمة لاستخراج المياه الجوفية، والطاقة الضرورية، والتقدم في مجالات الأسمدة والبذور لتحقيق إنتاج زراعي عالي الربحية. من أمثلة ذلك بوركينا فاسو، التي وقعت اتفاقية مع روسيا لبناء مفاعل نووي صغير لتوليد الطاقة، وهو ما سيمكنها من التفوق على جيرانها في مجال الطاقة والزراعة خلال السنوات العشر القادمة(43). هذه الاستراتيجية تُظهر أهمية التحالف مع شركاء جادين لتحقيق أهداف زراعية واقتصادية مستدامة، وهو ما يجب أن تتبعه العديد من الدول الإفريقية الأخرى.

  • تحسين الإدارة والتخطيط: يحتاج تنفيذ السياسات الزراعية إلى إدارة فعّالة وتخطيط طويل الأجل. يتطلب ذلك تعزيز القدرات المؤسسية وتوفير الموارد اللازمة لضمان تنفيذ السياسات الزراعية بشكل منهجي ومستدام.
  • إعادة النظر في الشروط الدولية، بل وحتى التحالفات في الشؤون الزراعية: ينبغي للدول الإفريقية التفاوض على شروط نقل تكنولوجيا الزراعة وتبنّيها إفريقيًّا، بدل السماح للشركات الأجنبية بتولي تلك المهام، والتفاوض على المساعدات الدولية بحيث تكون متناسبة مع احتياجاتها المحلية وظروفها الاقتصادية والاجتماعية. يجب أن تكون هذه الشروط مرنة بما يكفي للسماح بتطوير سياسات زراعية مستدامة وفعالة.

باتباع هذه الاستراتيجيات، يمكن للدول الإفريقية تقليل الفجوة بين السياسات الزراعية النظرية وتطبيقها على أرض الواقع؛ مما يعزز من قدرتها على تحقيق الأمن الغذائي وتحسين سبل العيش للمزارعين في القارة.

الخاتمة

كان بيار رابحي (1938-2021) المخترع وعالم الزراعة والفيلسوف الفرنسي الجزائري الأصل هو الذي كتب يومًا: "زراعة قطعة أرضك، ولو كانت ضئيلة، هي فعل من أفعال المقاومة السياسية"(44).

إذ يُعرف الاستعمار في المفهوم الأوروبي بأنه عملية لتهيئة الأراضي البرية الإفريقية للزراعة، وتحويل الأراضي البكر "غير المملوكة" بشكل محدد لزراعة المحاصيل متجاهلين الحقوق الأصلية لمن يقطنونها. وكانت حروب الاستقلال في إفريقيا بمثابة تحدٍّ صريح لهذه السياسة.

بعد الاستقلال، سقط العديد من السياسيين الأفارقة في فخ الإهمال، مفتخرين بجمال إفريقيا وسيادتها واستقلالها الحديث، من دون إدراك أن الخطوة الأولى نحو الاستقلال الحقيقي يجب أن تكون تعزيز تطوير أراضيهم. إذ يُعد الاستيلاء على الأرض وتطويرها بشكل مستقل خطوة أساسية نحو التحرر من الاستعمار. هذا ما يبرر رؤية بيار رابحي التي تعتبر الزراعة ليست مجرد نشاط اقتصادي وغذائي، بل فعل مقاومة سياسية حقيقية.

خلال السنة الثانية بقسم العلوم السياسية بجامعة الكويت اشتركنا في مقرر بعنوان "النظريات السياسية والاقتصادية للتنمية الزراعية"، وهو ما أثار لديّ تساؤلات عديدة حول مدى صلة الزراعة بالعلوم السياسية، وكنت مقتنعًا بأن هذا المجال ينبغي أن يقتصر على المهندسين الزراعيين. لكن، مع تقدم المحاضرات، بدأت أفهم أن الزراعة ليست حكرًا على المهندسين الزراعيين فحسب؛ بل إن للاقتصاديين والسياسيين دورًا كبيرًا في تشكيل سياساتها. فالمهندس الزراعي قد يعرف الطريقة المثلى لزراعة الذرة والبطاطس، لكن يجب على الخبراء الاقتصاديين والسياسيين في الدولة أن يقرروا أولويات زراعة المحاصيل استنادًا إلى الاعتبارات الاقتصادية والاجتماعية. فالسياسة -وزير الزراعة- هي التي تطرح السؤال: هل من الأفضل زراعة الكاكاو أو الكسافا؟ أو شجرة المطاط أم الموز؟ تلك اختيارات يجب أن يحددها السياسيون، بناءً على الموارد المحدودة والحاجة إلى تحقيق الاستفادة القصوى منها للقضاء على أزمات الجوع.

ليس هذا فقط، لقد كانت الدورة مصدر إلهام كبير، بدءًا من الدرس الأول، حيث أوضح المُحاضر أنه عبر التاريخ، كانت المجاعات تشكل السبب الرئيسي لسقوط العديد من الحكومات.

خلال المحاضرات، استعرض الدكتور الاستقرار السياسي للحكومات الرومانية وكيف استخدم الرومان النظريات الاقتصادية والسياسات الزراعية لتعزيز استقرارهم، من خلال نظام يُعرف بـ "Frumentationes"، أسسه غايوس سيبرونيوس غراكوس عام 123 قبل الميلاد. كان هذا النظام يقضي بأن تقدم الدولة الرومانية الغذاء بسعر ثابت ومحدد لمنع المضاربة وضمان توفير الغذاء للسكان.

كان القانون ينص على أن تقدم الدولة لكل عائلة 45.3 كغم من الخبز شهريًّا، وتواصل هذا التقليد في عهد الإمبراطور أغسطس. عندما تولى شيشرون النطق الرسمي باسم مجلس الشيوخ، وجد أن تكاليف هذا البرنامج تثقل كاهل الخزينة الرومانية، ولكنه قرر عدم إلغائه بسبب خطر الاضطرابات الاجتماعية.

ومع ذلك، في عام 58 قبل الميلاد، توسع بوبليوس كلوديوس بولشر في البرنامج، فأصبحت الدولة توفر الخبز مجانًا لجميع الأسر في الجمهورية الرومانية. بعد تولي يوليوس قيصر السلطة، واجه تحديات بسبب الاستغلال من قبل الأغنياء وعدم استعداد المزارعين للعمل؛ مما دفعه إلى الحد من المستفيدين من البرنامج ليشمل الأسر الفقيرة فقط، وهو ما خفض عدد المستفيدين من 320.000 إلى 150.000(45). هذه السياسات تعتبر من أوائل الأمثلة على السياسة الاقتصادية الكينزية في التاريخ. وهي سياسات تمارسها الدول الواعية حتى في العصر الراهن.

في ضوء هذه التجارب التاريخية، يظهر كيف يمكن للسياسات الاقتصادية الموجهة نحو توفير الأمن الغذائي أن تعزز استقرار الحكومات وتمنع الاضطرابات الاجتماعية، وأن الحكومات التي لا تستطيع تأمين الغذاء الضروري لشعوبها بأسعار مناسبة تمهد، من دون إدراك، لنهايتها الوشيكة. كثير من القادة الأفارقة يرون أن ترك قضية البقاء الغذائي للمواطنين في أيدي التجار والمضاربين أمر طبيعي.

ويجب أن تقدم الوقائع المعاصرة دروسًا جوهرية في الوعي الذاتي والسيادة القومية. مثلًا، تواصل دول مثل الكاميرون، التركيز على دعم زراعة الكاكاو، مستغلة أفضل الأراضي في البلاد، في حين تعتمد الدولة على مساعدات من برنامج الأغذية العالمي لإطعام شعبها، مستوردة الأرز، والقمح، والبطاطا، والطماطم، والفاصوليا، في الوقت الذي تفشل فيه سياساتها الزراعية في تحقيق أهداف قابلة للقياس لتقليل الجوع أو تخفيض الاعتماد على الواردات؛ مما يدفعنا للتساؤل: هل وزراء الزراعة الحاليون هم بالفعل وزراء زراعة، أم أنهم يتولون مسؤوليات تعد أشبه بوزراء حدائق؟

السياسات الجيوستراتيجية الأوروبية في الزراعة لم تسمح قط بإدخال منتجات إفريقية إلى أوروبا إلا إذا كان من غير الممكن استبدالها بمنتجات مماثلة من إنتاج أوروبي. تُرحب أوروبا بالقطن والكاكاو والقهوة وغيرها من المحاصيل التي تعتبر "استعمارية" لأنها لا تنافس الإنتاج الأوروبي.

لكن، العقبة الكبرى التي تواجه إفريقيا ليست الاتحاد الأوروبي بحد ذاته، بل هي الرداءة الذاتية وعقلية التبعية التي تسود في القارة، حيث يُفضَّل التصرف بالوكالة والاعتماد على الأجانب لإدارة أمور كان يجب أن تُدار محليًّا، مثل تدريب فرق كرة القدم الوطنية أو إدارة أكبر الشركات العامة أو السياسات الزراعية.

كما يعكس الاعتماد المستمر على الزراعة المحدودة لمحاصيل مثل الكاكاو، التي تُزرع لتحقيق ربح ضئيل جدًّا بالمقارنة مع إمكانات محاصيل أخرى مثل الموز الذي يمكن أن يُحقق أرباحًا أعلى بكثير، هذا النقص في الوعي الذاتي والاستغلال الأجنبي المستمر. يُظهر هذا التفضيل للمشورة الأوروبية وتقديسها مؤشرًا على نقص الثقة الذاتية والاعتمادية، حيث يُنظر إلى الغرب على أنه الأعلى دائمًا في اختياراته وتوجيهاته حتى في الأمور الحيوية كزراعة المحاصيل الأساسية أو تحديد ملامح السياسة الزراعية.

من الضروري للسياسيين أن يعيدوا تقييم واقعهم، متسلحين بالوعي بمصالحهم القومية والشخصية، لبناء مستقبل يعتمد على الذات وتفعيل القدرات المحلية بدلًا من انتظار التوجيهات الخارجية التي قد لا تخدم في النهاية سوى مصالحها.

وتتطلب السياسة الزراعية الصادقة وضع وزير الزراعة محل المواطن الأكثر فقرًا لفهم تحدياته اليومية في الحصول على الغذاء وتقديم الحلول الأكثر فعالية لهذه التحديات.

ABOUT THE AUTHOR

References

1)- سلطان، وليد إبراهيم، "السياسة الزراعية"، جامعة الموصل، سبتمبر 2023، ص 1-2.

2)- Ngounou, Boris. "AFRICA: Arable land increased by 52% in 20 years", published on August 1, 2022, modified on August 1, 2022. Available at: https://www.afrik21.africa/en/africa-arable-land-increased-by-52-in-20-…  (visited on August 5, 2024)

3)- World Health Organization. "The State of Food Security and Nutrition in the World 2024: Financing to End Hunger, Food Insecurity and Malnutrition in All Its Forms", July 24, 2024. Available at: https://www.who.int/publications/m/item/the-state-of-food-security-and-nutrition-in-the-world-2024. (visited on August 10, 2024)

4)- المرجع السابق

5)- FAO. "African Economic Integration and Food Security", 2008, Rome.

6)- المرجع السابق

7)- FAO. "Agriculture: Towards 2015/30, Technical Interim Report", 2000b, Rome.

8)- المرجع نفسه

9)- FAO. "Agriculture, Trade and Food Security: Issues and Options in the WTO Negotiations from the Perspective of Developing Countries", Report and papers of an FAO Symposium held in Geneva on 23-24 September 1999, 2000a, Rome.

10)- هايدن، جيفري (رئيس التحرير)، بريموراك، مارينا (مدير التحرير). التمويل والتنمية، مجلة فصلية تصدر عن صندوق النقد الدولي، سبتمبر 2013، العدد 50، الصفحات 3-15.

11)- المصدر السابق (تقرير صندوق النقد الدولي)

12)- بيجمان، جوس (جامعة واجينينغان)، موانيكا، فرنسيس (حلف أوغندا التعاوني). المرفق التعاوني لإفريقيا، مؤسسة منظمة العمل الدولي، 2011، الصفحات 10-24.

13)- FAO. "Benefits and Problems of Promoting Sub-Regional Food Trade", AFMESA/FAO Workshop, Harare, Zimbabwe, 18-21 November 1997, 1997, Rome.

14) - Nkamleu, Guy Blaise. "L'échec de la croissance de la productivité agricole en Afrique francophone", Économie rurale, 2004, no. 279, pp. 53-65.

15)- Nkamleu, Guy Blaise. "L'échec de la croissance de la productivité agricole en Afrique francophone", Économie rurale, 2004, no. 279, pp. 53-65.

16)- مرجع سابق

17)- Ribier, Vincent; Baris, Pierre. "VERS UN RENOUVEAU DE POLITIQUES AGRICOLES EN AFRIQUE?", économiste, chercheur, UMR - ART-Dév, Centre de coopération internationale en recherche agronomique pour le développement (CIRAD), 2013. Disponible sur: https://agritrop.cirad.fr/570488/1/document_570488.pdf. (visited on August 15, 2024)

18)- Dieye, Papa Nouhine, Dr. "Les politiques agricoles en Afrique subsaharienne : une symphonie inachevée." In "41-42 : L’agriculture en quête de politiques," published July 7, 2008. Available at: https://www.inter-reseaux.org/publication/41-42-lagriculture-en-quete-de-politiques/les-politiques-agricoles-en-afrique-subsaharienne-une-symphonie-inachevee/. (visited on August 5, 2024)

19)- He, Yong; Simon, Jean-Christophe. "La dynamique agricole chinoise face au commerce mondial : un nouveau big bang ?", in Revue Tiers Monde, 2005/3 (no 183), pp. 517-537. Available at: https://www.cairn.info/revue-tiers-monde-2005-3-page-517.htm. (visited on August 12, 2024)

20)- المرجع نفسه

21)- Wetzels, Hans. "Les agriculteurs africains pourraient bénéficier de politiques agricoles plus favorables de l'UE", Afrique Renouveau, 4 Juin 2021. Available at: https://www.un.org/africarenewal/fr/magazine/juin-2021/les-agriculteurs-africains-pourraient-b%C3%A9n%C3%A9ficier-de-politiques-agricoles-plus. (visited on August 5, 2024)

22)- المرجع نفسه

23)- عز الدين، محمد. "النشاط الزراعي في أفريقيا هل ستزدهر يومًا ما؟"، باحث متخصص في الشأن الإفريقي، جامعة القاهرة، ورئيس مؤسسة النيل للدراسات الإفريقية والاستراتيجية، 21 ديسمبر/كانون الأول 2016. متاح على: https://africansc.iq/posts/details/57. (تم التصفح في 15 أغسطس/آب 2024).

24)- الجزيرة نت. "النيباد.. الشراكة الجديدة لتنمية القارة السمراء"، الموسوعة | زامبيا، 24 يناير/كانون الثاني 2016. متاح على: https://www.aljazeera.net/amp/encyclopedia/2016/1/24/النيباد-الشراكة-الجديدة-لتنمية. (تم التصفح في 13 أغسطس/آب 2024).

25)- African Union. "Malabo Declaration on Accelerated Agricultural Growth and Transformation for Shared Prosperity and Improved Livelihoods", 2014. Available at: https://www.resakss.org/sites/default/files/Malabo%20Declaration%20on%20Agriculture_2014_11%2026-.pdf. (visited on August 5, 2024)

26)- مرجع سابق

27)- Herault, Bruno. "L’agriculture, clé du devenir économique et social chinois", Centre d’études et de prospective, No. 24, October 2010. Available at: https://agreste.agriculture.gouv.fr/agreste-web/download/publication/publie/Ana24/Ana24.pdf. (visited on August 9, 2024)

28)- المرجع السابق

29)- Essolomwa, Laurent. "Chine-Afrique : le ‘miracle agricole chinois’ n’a pris que 30 ans", ADIAC, August 20, 2020. Available at: https://www.hubrural.org/Chine-Afrique-le-miracle-agricole.html?lang=fr. (visited on August 12, 2024)

30)- Pougala, Jean-Paul. "The coming water war between Africa and Europe", English translation by Eyembe Elango, Atlanta (USA), September 4th, 2013, Douala, September 3rd, 2013, pp. 126-136.

31)- Sano, Hans-Otto. "The IMF and Zambia: The Contradictions of Exchange Rate Auctioning and De-Subsidization of Agriculture", African Affairs, Vol. 87, No. 349 (October 1988), pp. 563-577. Published by: Oxford University Press.

32)- Ibid.

33)- Richards, Alan. "Egypt’s Agriculture in Trouble", Middle East Research and Information Project: Critical Coverage of the Middle East Since 1971, 84 (January 1980). Available at: https://merip.org/1980/01/egypts-agriculture-in-trouble/. (visited on August 5, 2024)

34)- United Nations Development Programme (UNDP). "Egypt scales up climate adaptation actions of its agriculture, water and agrifood sectors", 5 September 2022. Available at: https://www.preventionweb.net/news/egypt-scales-climate-adaptation-actions-its-agriculture-water-and-agrifood-sectors. (visited on August 14, 2024)

35)- المرجع السابق

36)- إدريس آيات. "زراعة القهوة والكاكاو بأفريقيا.. هل هو خطأ إستراتيجي؟"، الجزيرة نت، 6 أبريل/نيسان 2024. متاح على: https://www.aljazeera.net/ebusiness/2024/4/6/زراعة-القهوة-والكاكاو-بأفريقيا-هل-هو. (تم التصفح في 11 أغسطس/آب 2024).

37)- المرجع السابق

38)- Pougala, Jean-Paul. "50 ans d’erreurs géostratégiques des dirigeants africains : l’exemple de la banane", dans le livre Geostrategie Africaine, 5 mai 2012, pp. 470-475.

39)- المصدر نفسه

40)- Pougala, Jean-Paul. "Les plus gros mensonges sur la coopération entre la Chine et l’Afrique", dans le livre Geostrategie Africaine, Tome 1, Douala, le 26 juillet 2013, pp. 240-256.

41)- Plastina, Alejandro; Townsend, Terry. "World Spending on Agricultural Research and Development", Center for Agricultural and Rural Development, Iowa State University, 2023. Available at: https://agpolicyreview.card.iastate.edu/winter-2023/world-spending-agricultural-research-and-development. (visited on August 15, 2024)

42)- الجزيرة نت. "هل تصبح الأسمدة سلاحا روسيا جديدا ضد أوروبا؟"، 30 أبريل/نيسان 2024. متاح على: https://www.aljazeera.net/ebusiness/2024/4/30/هل-تصبح-الأسمدة-سلاحا-روسيا-جديدا-ضد. (تم التصفح في 10 أغسطس/آب 2024).

43)- سكاي نيوز عربية. "حكومة بوركينا فاسو تعلن الاتفاق مع روسيا على بناء محطة نووية"، 13 أكتوبر/تشرين الأول 2023. متاح على: https://www.skynewsarabia.com/business/1661667-حكومة-بوركينا-فاسو-تعلن-الاتفاق-روسيا-بناء-محطة-نووية. (تم التصفح في 8 أغسطس/آب 2024)

44)- المصدر السابق

45)- دراسة للباحث غير منشورة.