خيارات الأردن ومخاوفه من الحرب الإسرائيلية على غزة

يخشى الأردن من تهجير الفلسطينيين من الضفة إليه، وخياراته محدودة في مواجهة إسرائيل نظرًا لعاملين أساسيين: انكشاف الأردن بسبب انهيار النظام العربي، وأصبح العراق مركزًا لميليشيات تهدد أمنه. والعامل الثاني مرتبط بعلاقات الأردن الإستراتيجية مع الولايات المتحدة، فهناك اعتمادية اقتصادية وعسكرية على واشنطن.
يخشى الأردن من تهجير الفلسطينيين من الضفة إليه، ومن اتساع الاستيطان الإسرائيلي فيها (الفرنسية).

مقدمة

بعد قيام إسرائيل باحتلال الضفة الغربية والقدس الشرقية في يونيو/حزيران 1967، اعتمد الأردن مقاربة دبلوماسية لعلها تدفع إسرائيل إلى الانسحاب من الأراضي المحتلة وإعادتها للسيادة الأردنية. غير أن جملة من التطورات دفعت الأردن في نهاية المطاف إلى الإعلان عن فك الارتباط مع الأراضي المحتلة. ومنذ ذلك الوقت والأردن يدعم مقاربة حل الدولتين. وعليه، دخل الأردن مسار مدريد الذي دُشِّن في أعقاب تحرير الكويت في عام 1991، وهو مسار أفضى إلى اتفاقيات أوسلو ومعاهدة وادي عربة التي أنهت حالة الحرب بين الأردن وإسرائيل(1).

وعلى العكس مما كان يأمله الأردن الذي كان ينظر إلى معاهدة وادي عربة في سياق حل عربي-إسرائيلي شامل، تمكن اليمين الإسرائيلي من استعادة السلطة في تل أبيب بعد انتخاب بنيامين نتنياهو رئيسًا للوزراء في مايو/أيار 1996، وهو التطور الذي دق أول مسمار في نعش عملية السلام برمتها، فالحكومات الإسرائيلية المتعاقبة بعد ذلك جاءت لتمثل مصالح الاحتلال والاستيطان بعد أن حدث الانزياح الكبير في المجتمع الإسرائيلي إلى اليمين. لم تفلح كل المبادرات الدبلوماسية، وعلى رأسها مبادرة السلام العربية لعام 2003 في إقناع الحكومات الإسرائيلية في التسليم بحق الفلسطينيين في تقرير المصير، وتبخرت هذه المبادرات على نيران الاستيطان والتوسع والتنكر لحقوق الفلسطينيين. وكأن السلوك الإسرائيلي لا يكفي لتهديد مصالح الأردن في حل الدولتين، جاء الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، بصفقة القرن، وهي صفقة لو كُتب لها النفاذ لشكلت ضربة قوية للمقاربة الأردنية وتهديدًا مباشرًا للأمن الوطني الأردني.

في الأثناء وأمام هذا الواقع المرِّ، صعدت حركة حماس لتحمل راية المقاومة لهذا الاحتلال الاستيطاني، وهنا بدأت مواجهة من نوع مختلف بين المقاومة الفلسطينية بزعامة حركة حماس والحكومات الإسرائيلية المتعاقبة التي أفضت إلى مفاجأة إستراتيجية من الطراز الثقيل عندما تمكنت المقاومة من شن هجوم مباغت وناجح، في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، وهو الهجوم الذي وظفته إسرائيل لشن حرب إبادة ضد الفلسطينيين في قطاع غزة. وما من شك في أن الأردن نظر بكثير من الريبة إلى الطريقة التي تعاملت بها إسرائيل بعد أحداث السابع من أكتوبر/تشرين الأول، وبدأ يستشعر خطرًا جديدًا يتعلق ببقائه يتمثل في احتمال دفع الفلسطينيين من الضفة الغربية إلى الأردن لتحويله إلى وطن بديل. وفي خطاب الملك عبد الله الثاني في الأمم المتحدة، في الرابع والعشرين من سبتمبر/أيلول 2024، نبَّه الملك المجتمع الدولي إلى أن الأردن لن يسمح تحت أي ظرف من الظروف بتحويله إلى وطن بديل(2).

تبحث هذه الورقة الأسئلة التالية: كيف قارب الأردن الحرب على غزة في ظل محددات موضوعية؟

وما الدور الذي لعبه الأردن منذ بدأ طوفان الأقصى؟ وأخيرًا، ما مخاطر الحرب على الأردن وإستراتيجية الأردن للتصدي لهذه المخاطر؟

الطوفان ومحددات الموقف الأردني

تفاجأ الأردن بطوفان الأقصى في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، كغيره من اللاعبين الإقليميين، وكان محل اهتمام كبير من قبله، نظرًا لاحتمال تأثره بأي تطور وبخاصة سيناريو التهجير القسري للفلسطينيين ما يشكل تهديدًا لأمنه الوطني. وعكست ردة فعل الأردن القلق العميق الذي يشعر به جراء التصعيد المستمر غرب النهر لأن من شأن ذلك أن يعصف بالاستقرار الإقليمي ويفتح شهية المتطرفين في حكومة نتنياهو لخلق ظروف طرد الفلسطينيين.  

أعلن الأردن مساندته للفلسطينيين واستنكر المجازر التي ترتكبها إسرائيل بحق المدنيين، وخرجت مظاهرات شعبية تعلن تضامنها بشكل علني وقوي مع المقاومة الفلسطينية في التصدي لحرب الإبادة التي شنتها إسرائيل إلا أن الموقف الأردني كان محكومًا بعدد من المحددات، وقد رصد الباحث، عاطف الجولاني، عددًا من المحددات والقيود على السياسة الأردنية(3). فالأردن يتحسب دومًا لصعود التيار الصهيوني اليميني الذي لا ينظر بعين الود للأردن والذي يجعل من التهجير القسري للفلسطينيين إلى الأردن هدفًا نهائيًّا. فتزايدت مخاوف الأردن مما قد يفضي إليه استمرار الحرب وبخاصة أنه أيضًا يتحسب للجبهة الشمالية والشرقية ومحاولات محور المقاومة لاختراق السيادة الأردنية بذريعة معركة الإسناد(4). وعلاوة على ذلك، هناك محددات مرتبطة بالإقليم نفسه. فعلاقة الأردن بحركة حماس ليست على ما يرام إذ اتهم الأردن حماس بأنها تسعى لتهريب أسلحة للضفة الغربية، فالأردن ينحاز إلى السلطة الفلسطينية التي تدعم التسوية السياسية وحل الدولتين. وربما ينظر الأردن إلى حركة حماس في سياق إقليمي أوسع يرى في "الإسلام السياسي" خطرًا على الأنظمة وأن أي نصر لحركة حماس قد يعتبر نصرًا للإخوان المسلمين في الأردن وخارج الأردن.

من ناحية أخرى، شكَّل الرأي العام(5) الضاغط والفاعل في الأردن محددًا آخر للدولة الأردنية التي بدأت في محاولة إيجاد نوع من التوزان بين التنديد بالعدوان الإسرائيلي والتزاماته بمعاهدة وادي عربة. كما أن الأردن مرتبط بعلاقة إستراتيجية مع الولايات المتحدة التي بدورها انحازت بشكل سافر إلى "العدوان" الإسرائيلي.

كل هذه المحددات والقيود تركت أثرًا كبيرًا على الطريقة التي صاغ بها صنَّاع القرار المقاربة الرسمية الأردنية إزاء الحرب على غزة، لذلك رأى مطبخ القرار السياسي أن هناك ضرورة لتوازن دقيق بين التموضع الأردني الإقليمي وتحالفاته السياسية من جانب، ومن جانب آخر الرأي العام الأردني الضاغط والمؤيد للمقاومة، والذي يكتسب زخمًا نظرًا لما يشي بخطط إسرائيلية لاستهداف الضفة الغربية وما قد يفضي إليه ذلك من مخاطر الترانسفير. تلك المعضلة ما زالت الدولة الأردنية تحاول إما التغلب عليها أو التكيف معها.

مسارات الدور الأردني

بعيدًا عن الموقف الشعبي الذي جاء مساندًا وبقوة لطوفان الأقصى والمقاومة الفلسطينية، لم يُدن الأردن عملية طوفان الأقصى ووجَّه نقدًا قويًّا للسياسة الإسرائيلية، باعتبار أن الظروف التي فرضتها سياسة حكومة نتنياهو اليمينية أدت إلى "طوفان الأقصى"، وطالب بوقف التصعيد ووقف الحرب(6). وجاءت التصريحات الرسمية محذرة من مغبة الاستمرار في الحرب الإسرائيلية على الفلسطينيين، مؤكدة على حل الدولتين، ومحذرة في الوقت ذاته من سيناريو التهجير، وأن الأردن سيعتبر ذلك بمنزلة إعلان حرب عليه ما يستدعي استخدام كل الوسائل المتاحة لمنع هذا السيناريو(7).

في الأثناء، عمل الأردن في مسارين متوازيين، أحدهما خلق ظروف ملائمة لإيصال المساعدات إلى المدنيين في غزة، وقد قام سلاح الجو الأردني بإسقاط مساعدات غذائية على الفلسطينيين في غزة، كما عزز من قدرات المستشفى الميداني في غزة. وفي المسار الثاني، ركز الأردن مقاربته الرئيسية في التحرك الدبلوماسي لإيقاف الحرب، وشارك في الجهود الدبلوماسية العربية سواء في قمة الرياض التي عُقدت بعد شهر كامل من طوفان الأقصى أو في الجمعية العامة للأمم المتحدة بهدف استصدار قرار من الجمعية العامة لإيقاف الحرب، وبالقعل صدر قرار من الجمعية العامة، في السابع والعشرين من أكتوبر/تشرين الأول 2023، دعا إلى هدنة إنسانية فورية ومستدامة ووقف الأعمال العدائية. غير أن جهود الأردن وغيره من الدول اصطدمت بالفيتو الأميركي إذ اعتبرت الولايات المتحدة أن لإسرائيل "حق الدفاع عن النفس"، وهو الأمر الذي كان بمنزلة ضوء أخضر للحكومة الإسرائيلية للاستمرار بحربها ضد الفلسطينيين.

وعلى نحو لافت، بدا الأردن قلقًا من خشية انتقال الصراع إلى الضفة الغربية مما قد يخلق المناخ المناسب للمتطرفين في حكومة نتنياهو و"المعادين للأردن" لاستكمال مخططاتهم في التهجير. لذلك نشط وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي، في تحركاته للتحذير، أولًا، من أن الأردن لن يقف مكتوف الأيدي في حال جرت محاولة للتهجير إلى شرق النهر، ولدفع الجهود الرامية لوقف الحرب والتوصل إلى تسوية تكون منطلقًا لتسوية أكبر تتوج بحل الدولتين. بمعنى أن الأردن نظر إلى الحرب من زاوية مصالحه المرتبطة بالدرجة الأولى بالأمن الوطني.

وفي هذا السياق، يشير الباحث محمد أبو رمان إلى قراءتين تعكسان الهواجس التقليدية في الأوساط الرسمية(8). القراءة الأولى تتعلق بحركة حماس، وهي حركة جرى إغلاق مكاتبها في الأردن في بداية الألفية وينظر لها الأردن بريبة وتوجس نظرًا لعلاقتها مع الإخوان المسلمين، والأخيرة وفق هذه القراءة تحصد ثمار شعبية حماس وتترجم ذلك إلى مكاسب سياسية داخلية وبخاصة في أوقات الانتخابات العامة. فضلًا عن مخاطر العلاقة بين حماس وإيران على الأردن، في ظل محاولات الأخيرة "إحداث اختراقات" في الساحة الأردنية. بمعنى أن هذه القراءة تنظر إلى حماس في سياق موقف الدولة من "الإسلام السياسي" والاستهداف الإيراني للساحة الأردنية. فالأردن بهذا المعنى يخشى من قدرة إيران على استثمار ما تقوم به حماس في تعزيز أوراقه الإقليمية التي يقف الأردن في خندق مقابل لها.   

يضاف إلى ذلك الهاجس التقليدي الأردني بخصوص ما يجري في الضفة الغربية وكيف يمكن لطوفان الأقصى أن يؤثر على الأوضاع في الضفة الغربية. فهناك خشية من انهيار السلطة ما قد يفضي إلى اقتتال فلسطيني داخلي تستفيد منه إسرائيل التي ستعمل حينها على خلط الأوراق توطئة لإحداث تهجير قسري للفلسطينيين إلى الأردن. بخاصة مع وجود إسرائيليين وحتى أميركان يتبنون فكرة أن يلعب الأردن دورًا في الضفة الغربية، وهي خطوة يدرك الأردن خطورتها، فلا يعقل استبدال الدبابة الأردنية بالدبابات الإسرائيلية للقيام بدور شرطي لحماية أمن إسرائيل(9). ولابد من الإشارة إلى أن الدولة الأردنية وأجهزتها الأمنية ترصد وتراقب عن كثب النقاش الداخلي في إسرائيل وترى أن فكرة الترانسفير التي يتبناها اليمين الإسرائيلي المتطرف لم تعد فكرة هامشية في النقاش العام، بل هناك قبول لها؛ الأمر الذي سيلغي معاهد وادي عربة ويؤذن بمواجهة أردنية-إسرائيلية عنيفة لا يرغب بها الأردن. فالهجمات التي يشنها المستوطنون مدعومين بوزير الأمن، إيتمار بن غفير، تؤجج الوضع الأمني في الضفة ما قد يؤدي إلى سيناريو ينجرف فيه الجميع إلى مواجهات أو قفزات في المجهول.

أما القراءة الثانية، وتنتقد الأولى. فهناك من النخب الأردنية من يرى بطوفان الأقصى فرصة تاريخية لتعزيز السردية الأردنية التي تحذِّر دومًا من انفجار الأوضاع في فلسطين لتعيد التأكيد على مركزية القضية الفلسطينية التي عانت من التهميش مع مجيء ترامب للحكم ونقل السفارة الأميركية إلى القدس والبدء باتفاقيات التطبيع بين إسرائيل وعدد من الدول العربية. بمعنى أن كل المحاولات التي هدفت إلى تجاوز الفلسطينيين وإيجاد سلام إقليمي على حسابهم باءت بالفشل.

تنتقد هذه القراءة المقاربة الأردنية المسكونة بالهواجس نظرًا لتغير السياق الإقليمي وتغير المجتمع السياسي الفلسطيني. فتكرار الدولة الأردنية بأن الأردن يتعامل مع السلطة الفلسطينية فقط يبدو أنه تفكير منفصل عن الواقع، فهناك تذمر فلسطيني كبير من السلطة الفلسطينية ودورها وبخاصة بعد أن تآكلت شرعية رئيسها الذي بدا عاجزًا تمامًا ولم يعد قادرًا على التخفيف من وطأة ما يجري ليس فقط في قطاع غزة وإنما في الضفة الغربية والقدس. وعليه، ينبغي على الأردن أن يعيد حساباته ويشتبك بحكم الجوار مع جيل فلسطيني جديد ومع حركة حماس التي تصدرت المشهد الفلسطيني وحظيت بتأييد شعبي غير مسبوق في الأردن ويتجاوز الهويات الفرعية للمجتمع الأردني.

وربما ما قام به "ماهر الجازي" عندما قتل ثلاثة إسرائيليين على معبر جسر الملك حسين كان علامة فارقة في الموقف الشعبي، تؤكد أنه أقرب إلى القراءة الثانية من الأولى، لاسيما أن جموعًا شعبية كانت ترى في عمل الجازي بطولة وشهادة وكانت تشارك زُرافات في تأبينه والتعزية به.

ومع التسليم بأن الظروف تغيرت وأن إسرائيل التي نعرفها لم تعد موجودة وأن السلطة الفلسطينية لم تعد ذات صلة، يبقى الموقف الأردني مسكونًا بثلاثة أمور رئيسية يمكن ملاحظتها من خلال تحليل مضمون الخطاب الرسمي. هناك خشية حقيقية من سيناريو التهجير، وهناك أيضًا خشية كبيرة من احتمال اتساع نطاق المواجهة ما يضع مصالح الأردن في مهب الريح، وهناك تحدي التعامل مع المجتمع الأردني الذي يعبِّر عن نفسه بمواقف أكثر قوة من الموقف الرسمي الذي يخضع لحسابات دقيقة وتوازنات.

خيارات الأردن

لو استمرت إسرائيل في عدوانها على غزة ودخلت في حرب مع حزب الله، فالأردن سيبقى محدود الخيارات في مواجهة إسرائيل نظرًا لعاملين أساسيين: انكشاف الأردن الإستراتيجي بسب انهيار النظام العربي، فلم يعد هناك عمق إستراتيجي للأردن بعد انهيار سوريا في أتون مخاض عسير وبعد أن أصبح العراق مركزًا "لتنظيمات شيعية" يناصب بعضها العداء للأردن. علاوة على ذلك، لم تعد دول محور "الاعتدال العربي" متماسكة في شيء وبخاصة بعد بدء موجة التطبيع الأخيرة وحقيقة أن عددًا وازنًا من دول الاعتدال ترى بإيران وليس إسرائيل مصدرًا للتهديد. والعامل الثاني مرتبط بعلاقات الأردن الإستراتيجية مع الولايات المتحدة، فهناك اعتمادية اقتصادية وعسكرية على الولايات المتحدة التي ما زالت تتمسك لفظيًّا بحل الدولتين.

أما خيارات الأردن في الفترة القادمة، فإن سيناريو تهجير الفلسطينيين إلى شرق النهر يقع في مركزها وهو الكابوس الوجودي للدولة الأردنية. وعليه، هناك تفكير أردني جاد بضرورة التصدي لمخاطر التهجير، لأن من شأن ترجمة مشروع التهجير إلى أمر واقع يمكن أن يشكل تهديدًا وتحديًا وجوديًّا للدولة الأردنية وقد يعيد تشكيل المنطقة برمتها. خاصة أن نتنياهو ينوي الاستمرار في الحرب حتى يحقق ما يسميه بـ"النصر المطلق".

وأمام الأردن ثلاثة خيارات لحماية مصالحه الحيوية: أولًا: التحدث مع الولايات المتحدة وتحذيرها بأن الأردن يمثل عنصر استقرار في الإقليم ومن شأن العبث في أمنه الوطني أن يخلط الأوراق في الإقليم بشكل لا يمكن للولايات المتحدة عندئذ الحفاظ على مصالحها. ثانيًا: يمكن للأردن مراجعة اتفاقية وادي عربة لأنها تنص على عدم جواز نقل قسري للسكان إلى الأردن. والخيار الأخير هو البدء بالاستعدادات العسكرية حتى يتمكن الأردن من الدفاع عن مصالحه عندما يتطلب الأمر. هذا ما تفكر به الدولة، إلا أن الأردن لا يبدو أنه يمضي بهذه الخطوات مجتمعة وبشكل متزامن.

يدرك الأردن الرسمي سيناريو التهجير، ويدرك السياقات التي تحاول تصفية القضية الفلسطينية على حسابه، وبخاصة مع كثرة الاقتحامات في الضفة الغربية ووجود كمٍّ كبير من التصريحات التي تنادي بطرد فلسطينيي الضفة الغربية إلى الأردن. ولا تزال صورة نتنياهو مع الخريطة التي رفعها في الأمم المتحدة، في سبتمبر/أيلول 2023، ماثلة، وهي خريطة مثَّلت الأطماع الإسرائيلية التوسعية في المنطقة ما يرفع من حساسية الأردن لما يمكن أن تفضي إليه المغامرات الإسرائيلية مع حكومة متطرفة يقودها من يمثل مصالح التوسع والاستيطان. وهناك خطط إسرائيلية عدة مطروحة تستهدف الأردن، منها دراسة وضعها غيورا إيلاند، الذي شعل منصب مستشار الأمن القومي في حكومة شارون، ويطالب فيها الأردن أن يؤدي دورًا إقليميًّا في الضفة الغربية(10) ، وهنا المقصود إدارة شؤون السكان بعد أن تستولي إسرائيل وتضم غالبية الأراضي الفلسطينية وعلى رأسها غور الأردن. هذه الدراسة تتجاوز حل الدولتين، بمعنى أنه لن يكون هناك دولة فلسطينية مستقلة وفي ذلك رفض صريح لحق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم أسوة بباقي شعوب العالم.

خاتمة

منذ اندلاع "الحرب الإسرائيلية" على الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية، والأردن يحاول إحداث توازن بين ضرورة التصدي لخطر استمرار الحرب، وبين التزاماته التي تفرضها عليه علاقاته الدولية. وعليه، اقتصر موقف الأردن أولًا على الاشتباك الدبلوماسي وبخاصة مع الولايات المتحدة والدول العربية المعنية -مصر على وجه الخصوص- لإيجاد حل يفضي إلى إنهاء الحرب. ثانيًا: الاستمرار في محاولاته في رفع المعاناة الإنسانية عن الفلسطينيين من خلال العمل مع آخرين لتقديم المساعدات الإنسانية للشعب الفلسطيني في غزة. ثالثًا: التعاون مع الدول العربية الأخرى لبلورة موقف عربي موحد وجبهة موحدة تهدف إلى طرح حل الدولتين طريقةً وحيدة لتمكين الشعب الفلسطيني من نيل حقوقه في الاستقلال وإقامة الدولة وإسرائيل للعيش بسلام مع جيرانها العرب. وأخيرًا، عمل الأردن على تعزيز الأمن على حدوده مع إسرائيل وركز على رفع الاستعدادات العسكرية لمجابهة أي مخاطر قد تستهدفه.

ويبقى التحدي الأبرز الذي يقلِّل من هامش المناورة لدولة مثل الأردن يتمثل بانهيار منظومة الأمن القومي العربي نظرًا للانقسامات العربية العميقة وخروج دول كبيرة من دائرة الصراع بسبب أوضاعها الداخلية وحقيقة أن النظام العربي ما زال هشًّا، وتنافسيًّا، ومخترقًا.

ABOUT THE AUTHOR

References

1-    Hassan A. Barari, Jordan and Israel: a troubled relationship in a volatile region (Amman: Friedrich Ebert Stiftung, 2014).
2-    خطاب الملك أمام الأمم المتحدة يضع العالم أمام مسؤولياته الإنسانية والقانونية تجاه معاناة الفلسطينيين، وكالة الأنباء الأردنية، 24 سبتمبر/أيلول 2024 (تاريخ الدخول: 29 سبتمبر/أيلول 2024)،
https://www.petra.gov.jo/Include/InnerPage.jsp?ID=292060&lang=ar&name=n…

3-    عاطف الجولاني، "محددات الموقف الأردني من معركة طوفان الأقصى"، إضاءات سياسية، مركز الزيتونة، 29 فبراير/شباط 2024، (تاريخ الدخول: 29 سبتمبر/أيلول 2024): https://www.alzaytouna.net/arabic/data/attachments/AcademicArticles/Pol…

4-    محاولات التهريب نفتها حماس وأكد عليها الأردن، القدس العربي، 27 أبريل/نيسان 2006، (تاريخ الدخول: 29 سبتمبر/أيلول 2024): https://www.alquds.co.uk/%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%AA%D9%87%D8%A7%D9%85%D8%…
5-    نتائج استطلاع الرأي العام: حرب إسرائيل المستعرة وعدوانها على غزة، مركز الدراسات الإستراتيجية، الجامعة الأردنية، 26 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، (تاريخ الدخول: 29 سبتمبر/أيلول 2024)،

 

6-    الأردن يؤكد ضرورة وقف التصعيد الخطير في غزة ومحيطها، وزارة الخارجية وشؤون المغتربين، 7 نوفمبر/تشرين الأول 2023، (تاريخ الدخول: 29 سبتمبر/أيلول 2024): https://www.mfa.gov.jo/news/73304 
7-    الملك والرئيس المصري يؤكدان رفض سياسة العقاب الجماعي على غزة، وكالة الأنباء الأردنية، 19 أكتوبر/تشرين الأول 2023 (تاريخ الدخول: 29 سبتمبر/أيلول 2024)، 
8-    محمد أبو رمان، "قراءات أردنية لطوفان الأقصى بين قراءتين"، العربي الجديد، 10 أكتوبر/تشرين الأول 2023، (تاريخ الدخول: 29 سبتمبر/أيلول 2024)، https://www.alaraby.co.uk/opinion/%D9%82%D8%B1%D8%A7%D8%A1%D8%A7%D8%AA-…
9-    Giora Eiland, Regional alternatives to the two-state solution (Ramat Gan: Begin-Sadat Center for Strategic Studies, Bar-Ilan University, 2010.

10-    المصدر السابق.