إستراتيجيات العلاقات العامة الرقمية ووظائفها في الحروب الإسرائيلية على غزة (2021- 2022- 2023)

ترصد الدراسة الكيفية التي وظفت بها إسرائيل العلاقات العامة الرقمية خلال الحروب الثلاث التي شنَّتها على قطاع غزة (حارس الأسوار/سيف القدس 2021، الفجر الصادق/وحدة الساحات 2022، السيوف الحديدية/طوفان الأقصى 2023)، وتبحث في دلالات هذا التوظيف وأهدافه ورهاناته. وتستعين الدراسة بالمنهج الوصفي التحليلي في استكشاف الإستراتيجيات التي اعتمدها الناطق الرسمي باسم الجيش الإسرائيلي، أفيخاي أدرعي، في منشوراته على صفحته الشخصية بمنصة "فيسبوك"، لإقناع المستخدمين العرب بأطروحات الرواية الإسرائيلية عن الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، والصورة الذهنية التي يرسمها للذات الفلسطينية والإسرائيلية، من خلال تحليل عينة عشوائية طبقية تتكوَّن من 95 منشورًا.
26 December 2024
يقدم أدرعي رواية زائفة عن الذات الفلسطينية تمثل نموذجًا للاستعمار الثقافي وتتوافق مع النظام المهيمن (مواقع التواصل الاجتماعي)

مقدمة

لا تزال جرائم الحرب التي ارتكبتها إسرائيل في حق الشعب الفلسطيني منذ العام 1948 مستمرة حتى اليوم، بل تصاعدت في العقدين الأخيرين وتنوعت أنماطها، خاصة بعد فك الارتباط مع غزة في سياق الإجلاء القسري لمستوطني القطاع في العام 2005؛ حيث واجه الجيش الإسرائيلي مقاومة كبيرة من قِبَل الفصائل الفلسطينية. ومنذ بدء الحصار، الذي فرضته إسرائيل على غزة، في العام 2007، تعرض أهالي القطاع لسلسلة من الحروب، كان أولها الحرب التي سُمِّيت بـ"الرصاص المصبوب/معركة الفرقان" عام 2008-2009، ثم حرب 2012 (عامود السحاب/حجارة السجيل)، وحرب 2014 (الجرف الصامد/العصف المأكول)، وحرب 2019 (صيحة الفجر)، ثم حرب 2021 (حارس الأسوار/سيف القدس)، وحرب 2022 (الفجر الصادق/وحدة الساحات)، ثم حرب 2023 (السيوف الحديدية/طوفان الأقصى).

وقد أدت الجرائم التي وثَّقتها المنظمات الحقوقية الدولية خلال هذه الحروب السبع إلى اهتزاز الصورة الذهنية لإسرائيل التي طالما روَّجت لها الدعاية الإسرائيلية (الهاسبارا) عن "المظلومية الأبدية للشعب الإسرائيلي"، و"الشرعية التاريخية على أرض فلسطين"، و"أخلاقية المبادئ الصهيونية"، إضافة إلى "الطبيعة المسالمة لإسرائيل" "والديمقراطية الوحيدة" في المنطقة. وبدأت أيضًا أبعاد هذه الصورة الذهنية في التآكل التدريجي في وعي الرأي العام العالمي، واكتسب ذلك زخمًا كبيرًا عندما شرع نشطاء العالم الافتراضي باختلاف انتماءاتهم الفكرية والسياسية والجغرافية في نشر جرائم الجيش الإسرائيلي وانتهاكاته بحق الشعب الفلسطيني.

وتُبيِّن الملاحظة لنشاط مستخدمي شبكات التواصل الاجتماعي بروز أنماط اتصالية حديثة طغت على عناصر العملية الاتصالية التقليدية؛ إذ بات المستخدم فاعلًا اتصاليًّا نشطًا ومؤثرًا وصانعًا لمحتوى إعلامي بديل يشتبك مع سرديات وحملات العلاقات العامة الإسرائيلية إزاء الحروب على قطاع غزة، وجرائم الجيش الإسرائيلي. وللتعامل مع هذه الظاهرة الجديدة، لجأت إسرائيل إلى توظيف العلاقات العامة الرقمية في محاولة لإصلاح صورتها الذهنية المتآكلة، والترويج للرواية الإسرائيلية بشأن الصراع العربي-الإسرائيلي، وتشكيل رأي عام عربي يسلم بشرعيتها وتطبيع العلاقات معها.  

وتعتبر صفحة الناطق الرسمي باسم الجيش الإسرائيلي، أفيخاي أدرعي، على منصة "فيسبوك" تجسيدًا لهذه الأنشطة الاتصالية لإسرائيل في مجال العلاقات العامة الرقمية. وكانت أبحاث ودراسات عديدة تناولت مسألة توظيف إسرائيل للعلاقات العامة أداة لخلق صورة ذهنية إيجابية، أو لتحسين الصورة الذهنية القائمة وإصلاحها، لكن هذه الدراسات أغفلت جانبًا مهمًّا يتعلق بوظائف العلاقات العامة الرقمية في السياسة الإسرائيلية.

1. اعتبارات منهجية ونظرية

مشكلة الدراسة

تحاول الدراسة استكشاف الكيفية التي تستخدم بها إسرائيل العلاقات العامة الرقمية في الحروب الثلاث التي شنَّتها على قطاع غزة في 2021 و2022 و2023. وتبحث أيضًا دلالات هذا التوظيف، نظرًا للارتباط التاريخي والوظيفي بين العلاقات العامة والدعاية، وانحياز كلا المجالين نحو مصالح المؤسسة الحاضنة. وتركز الدراسة في تحليلها لأطروحات خطاب العلاقات العامة الرقمية الإسرائيلية على منشورات الناطق الرسمي باسم الجيش الإسرائيلي، أفيخاي أدرعي، عبر صفحته الشخصية على منصة "فيسبوك"، وتُحلِّل الإستراتيجيات التي استخدمها خلال الحروب الثلاث للدفاع عن وجهة نظر المؤسسة العسكرية، والصورة الذهنية النمطية التي يرسمها لطرفي الحرب. كما تبحث الدراسة تداعيات استخدام الجيش الإسرائيلي للعلاقات العامة الرقمية خلال حروبه على قطاع غزة.

أهداف الدراسة وأهميتها

تتتبَّع الدراسة عملية توظيف إسرائيل لمجال العلاقات العامة الرقمية بكافة أشكالها، وتوصيفها، وتحديد أهدافها. وتكمن أهمية الدراسة في الجهد البحثي الذي تبذله لرصد وظائف واستخدامات مجال العلاقات العامة الرقمية، لاسيما في المجالات السياسية، والبحث في تعالقها الوظيفي بمجال البروباغندا، وتُسهِم بذلك في تمكين العاملين في مجال العلاقات العامة الرقمية والاتصال والإعلاميين وصنَّاع القرار السياسي من رفع القدرة التحصينية لما يضعونه من خطط اتصالية بغرض كشف الرواية الإسرائيلية وتفنيد ما ترمي إليه من تزييف للحقائق، ومحاولة التأثير في الرأي العام المحلي والعربي.

منهجية الدراسة وأدوات جمع البيانات

استخدمت الدراسة المنهج الوصفي التحليلي، الذي يقوم على جمع المعلومات حول ظاهرة معينة ودراستها وتحليلها، وبحث علاقتها مع غيرها من الظواهر. وقد وظفت الدراسة أداتين بحثيتين لإثراء البعد الوصفي التحليلي لأشكال العلاقات العامة الرقمية التي استخدمتها إسرائيل في الحروب الثلاث المذكورة، وهما: أداة استمارة تحليل المضمون؛ إذ سيتم تحليل 95 منشورًا لأفيخاي أدرعي على صفحته في منصة "فيسبوك" خلال حرب "حارس الأسوار/سيف القدس" 2021، و"الفجر الصادق/وحدة الساحات" 2022، و"السيوف الحديدية/طوفان الأقصى" 2023، ثم هناك أداة المقابلة؛ إذ تمَّ اختيار 4 من المتخصصين في مجال العلاقات العامة والإعلام وفي مجال الأدب العربي، وناقشت المقابلات مع أفراد العينة وظائف العلاقات العامة وارتباطاتها التاريخية بالأنظمة الاستعمارية، والرواية الإسرائيلية للصراع التي تسعى إسرائيل إلى ترويجها وسط الرأي العام العربي، وأساليب ترميم الصورة الذهنية وإستراتيجيات الإقناع، والصورة الذهنية للذات الإسرائيلية.

أداة تحليل المضمون

- وحدة التحليل: وحدة المنشور (المنشورات الفيسبوكية)

من أجل الحصول على بيانات أساسية حول منشورات الناطق الرسمي باسم الجيش الإسرائيلي، أفيخاي أدرعي، واستخراج نتائج كمية تساعد في تحليل مشكلة الدراسة، تمَّ تصميم استمارة تحليل الفئات الأساسية، وتضمنت العناصر الآتية:

- تاريخ المنشور: تشير هذه الفئة إلى معطيات ترتبط بتاريخ المنشور (السنة، الشهر، اليوم).

- الحرب: وتشمل هذه الفئة حرب "حارس الأسوار/سيف القدس" 2021، وحرب "الفجر الصادق/وحدة الساحات" 2022، ثم "السيوف الحديدية/طوفان الأقصى" 2023.

- حجم المتابعة: تحدد هذه الفئة حجم متابعة كل منشور من منشورات العينة المختارة، والذي يندرج في ثلاثة تصنيفات (منخفض، متوسط، مرتفع).

- أنماط تفاعل المستخدمين مع المنشور: وتتمثَّل في تحديد نوع التفاعل (إعجاب، مشاركة، تعليق).

- شكل المنشور: وهو الشكل الذي يبرز به القائم بالاتصال منشورات العينة، (نص، صورة، فيديو، نص وصورة، نص وفيديو، نص وصورة وفيديو).

- عدد كلمات المنشور: تتمثَّل هذه الفئة في عدد كلمات كل منشور من العينة.

ومن أجل تحليل المنشورات والحصول على المعلومات، ثم استخراج النتائج الكمية والحصول على نسب تكرارها، تمَّ تصميم استمارة تبحث في إستراتيجيات إصلاح الصورة الذهنية، وإستراتيجيات الإقناع، والثنائيات المتضادة في منشورات أدرعي. وحددت الاستمارة فئات تحليل المضمون كالآتي:

- الإستراتيجيات المستخدمة من قِبَل الناطق الرسمي باسم الجيش الإسرائيلي، أفيخاي أدرعي، لإصلاح الصورة وتتمثَّل في "الإنكار: الإنكار البسيط، وتحويل اللوم إلى الطرف الآخر"، و"التهرب من المسؤولية: التبرير، أو الضعف، أو الحادثة، أو النوايا الحسنة"، و"التقليل والتهوين من شأن ما حدث: التدعيم، أو التهوين، أو الاختلاف، أو التسامي، أو الهجوم، أو التعويض"، و"الأفعال التصحيحية"، و"الاعتذار".

- إستراتيجيات الإقناع المستخدمة في تبرير الحرب، وتتمثل في: استمالة مصداقية المتحدث، والاستمالة العاطفية، والاستمالة المنطقية، وهي إستراتيجيات يوظفها أدرعي في منشوراته لإثبات صدقه، والتأثير في مشاعر المستخدمين، وتقديم الحجج لإقناعهم بالعمليات العسكرية والرواية الإسرائيلية بشأن شرعية الاحتلال الإسرائيلي على الأرض الفلسطينية.

- الثنائيات المتضادة: وتتمثل في ثنائية (مدافع/مهاجم)، (متفوق عسكريًّا/متخلف عسكريًّا)، (متفوق علميًّا/متخلف علميًّا)، (قوي لا يقهر/ضعيف مهزوم)، (مسالم/إرهابي)، (محب للحياة/محب للموت)، و(متجذر تاريخيًّا/ عابر).

الإطار النظري

العلاقات العامة الرقمية

تُعرَّف العلاقات العامة الرقمية بإدارة الاتصال بين المنظمة وجماهيرها من خلال الإنترنت، بما في ذلك المواقع الإلكترونية والألعاب عبر الإنترنت وخدمات الرسائل النصية، واستخدام تطبيقات الإنترنت التي تدمج النصوص والرسومات والصور والفيديو(1). وتعمل العلاقات العامة الرقمية، التي تتم من خلال تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات، على بناء تواصل فعال ثنائي الاتجاه مع المستخدمين باستعمال الوسائط الرقمية، وتقوم بتوسيع التغطية الإعلامية، وتسرِّع نشر المعلومات، وتعزِّز العلاقات مع وسائل الإعلام.

ولا يمكن اليوم الفصل بين وسائل التواصل الاجتماعي والعلاقات العامة؛ إذ تطورت هذه الوسائل لتصبح قناة تواصل لمختلف الجهات؛ إذ تُمكِّن محترفي العلاقات العامة من بدء محادثات في الوقت الفعلي مع المستخدمين، وتحويلهم إلى مشاركين فاعلين. وقد أثَّرت وسائل التواصل الاجتماعي أيضًا على خدمة العملاء؛ مما يسهِّل على العلاقات العامة إدارة المستخدمين وفقًا للأهداف المرجوة من قِبَل القائم بالاتصال. وتهدف العلاقات العامة الرقمية إلى زيادة الظهور على الإنترنت، وتعزيز المشاركة والوعي بالعلامة التجارية، وإدارة الأزمات عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وتقديم نتائج تحليلية قابلة للقياس. وتستخدم القنوات الرقمية، وتحسين محركات البحث ووسائل التواصل الاجتماعي، والتحليلات عبر الإنترنت، لتحقيق هذه الأهداف(2).

العلاقات العامة الرقمية والأنظمة المهيمنة

تُعد العلاقات العامة من الأدوات القديمة والحديثة في النظم المهيمنة؛ إذ استُخدمت وسيلة لتمرير أفكار تلك النظم، وتلميع صورتها الذهنية، وتوسيع انتشارها... وكسب ثقة الجمهور، وتغيير المواقف والآراء. كما استُخدمت العلاقات العامة في مقاومة النظم المهيمنة من خلال حشد الرأي العام، واستغلال المواقف والأحداث لإنهائها(3). وتقوم العلاقات العامة الرقمية بوظيفة تلميع صورة الكيانات السياسية الحاكمة وتحسينها، واعتماد الأساليب الخادعة التي تؤثر بها في المتلقي لتلميع الصورة الذهنية الإيجابية لها وتجميلها، لذلك تُعد أداة هيمنة للأنظمة المسيطرة. وترى الدراسة أن العلاقات العامة بصورتها التقليدية أو الرقمية تمثِّل الوريث الطبيعي لمجال البروباغاندا، فهناك تعالق وظيفي لمجال العلاقات العامة بالسياسات الاستعمارية الجديدة للقطب العالمي الأوحد، الولايات المتحدة الأميركية، كما أنها أداة تطبيقية لمجالات معرفية أخرى. وقد أوضح هارولد لازويل (Harold Lasswell) في كتابه: "تقنيات الدعاية في الحرب العالمية" "أن هناك أيديولوجيات تدين الحرب، إما بوصفها شيئًا سيئًا في حدِّ ذاتها، أو كنتاج لدعاية المجتمع المكروهة، وهي حرب الأفكار على الأفكار"(4).  

ويمكن القول: إن العلاقات العامة شكلت أداة لتمرير أهداف الدول المهيمنة وأفكارها، فالولايات المتحدة الأميركية وحلفاؤها الأوروبيون -على سبيل المثال- لم يعودوا قادرين على التذرع بتهديد الشيوعية الدولية في سياستهم الخارجية، وبدلًا من ذلك، بدأت تصريحاتهم العامة تتضمن إشارات متكررة إلى بداية نظام عالمي جديد يتسم بالتعاون الدولي في المجال الاقتصادي. في المقابل، تهاجم العلاقات العامة في هذه التصريحات أي نظام معارض وتنعته بـ"الإرهاب والعداء للسلام". لقد قامت الشركات الاستعمارية بدور كبير في العلاقات العامة لترويض الشعوب واستغلال خيراتها، وتغيير الروايات عن الحق والأرض، كما أدت في الوقت نفسه دورًا مهمًّا في استقلال هذه الشعوب التي تمكنت من الاستفادة من العلاقات العامة في حشد الرأي العام ضد الاضطهاد.

العلاقات العامة الرقمية والإعلام الإسرائيلي

استغلت إسرائيل، في مجال العلاقات العامة الرقمية، الإنترنت في الصراع السياسي والعسكري الدائر في المنطقة منذ أكثر من 70 عامًا، وهو أمر جاء امتدادًا للصراع في وسائل الإعلام التقليدية، لكن تعمق وأخذ أبعادًا جديدة على شبكات التواصل الاجتماعي(5). واستخدمت العلاقات العامة الرقمية في إسرائيل اللغة العربية لتعزيز صورتها الذهنية من خلال تقديم نفسها بـ"دولة السلام والمحبة والتسامح"، والترويج لرواية الترحيب الكبير بها من قِبَل الشعوب العربية لإقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، وركزت على التقارب الثقافي مع شعوب المنطقة(6). وقد أولى الاحتلال الإسرائيلي أهمية كبيرة لتوظيف العلاقات العامة الرقمية في تحقيق غاياته، وخصص لذلك صفحات ناطقة باللغة العربية، وموارد بشرية ومادية وتقنية، كما وُجد العديد من المؤسسات الرسمية الإسرائيلية التي تراهن على العلاقات العامة الرقمية باللغة العربية في تحقيق أهدافها السياسية والأمنية في مواقع التواصل الاجتماعي(7).

وباتت وزارة الخارجية الإسرائيلية، وديوان رئيس الوزراء، والشرطة والجيش في إسرائيل، تعتمد كليًّا على الدعاية الناطقة باللغة العربية في حملات العلاقات العامة التي تهدف إلى احتواء عمليات المقاومة الفردية لمواجهة ما يسمونه بـ"التحريض" على مواقع التواصل الاجتماعي. وتقوم الدعاية الإسرائيلية والعلاقات العامة على تبييض وجه إسرائيل أمام الرأي العام العالمي والعربي، وتعزيز صورتها الذهنية(8). وقد ساعدت مواقع التواصل الاجتماعي بشكل جلي في منح القائمين على الدعاية الإسرائيلية الفرصة لمخاطبة الرأي العام؛ إذ تتمتع هذه المواقع بحرية أكبر. وقد استعان رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، بالدبلوماسي والسياسي، أوفير جندلمان -وهو أيضًا المتحدث باسم رئيس الوزراء الإسرائيلي- لمخاطبة الجمهور العربي باللغة العربية من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، ويدير العديد من الصفحات والحسابات باللغة العربية على الشبكات الاجتماعية. كما شجع صانعو القرار الإسرائيليين على تعلم اللغة العربية من أجل تعزيز قطاع الدعاية الذي يمثِّل إحدى الخطوات المهمة لأمن إسرائيل(9).

وتستخدم وزارة الخارجية الإسرائيلية العلاقات العامة الرقمية من أجل شرح مواقف إسرائيل للجمهور العربي والغربي، إضافة إلى تحسين فرص التطبيع مع العرب، وتشجيع النخب العربية على الانفتاح مع إسرائيل. أما مكتب منسق شؤون الأراضي الفلسطينية المحتلة في وزارة الحرب الإسرائيلية فيؤدي دورًا كبيرًا في عملية إدارة حملات العلاقات العامة الرقمية، ويهتم بتوظيف نشاطات مكتبه على مواقع التواصل باللغة العربية لمحاربة العمليات الفردية، إضافة إلى التحريض ضد حماس، واستغلال هذه الصفحات في تجنيد مواطنين عرب وفلسطينيين(10).

نظرية إصلاح الصورة الذهنية

ارتبط مفهوم الصورة الذهنية بالمنظمات والمؤسسات في أواخر القرن التاسع عشر؛ إذ أدرك القادة أهمية فهم صورتهم في أذهان الجماهير. وقد نشأ مصطلح الصورة الذهنية في علم النفس الاجتماعي، ويعني المحاكاة أو التمثيل. وتركز نظرية إصلاح الصورة الذهنية، التي طوَّرها ويليام بينوا (William Benoit) في عام 1997، على خيارات الرسائل أثناء الأزمات لإصلاح سمعة المؤسسة. وتنبني النظرية على عنصرين أساسيين، هما: التواصل الموجه نحو الهدف، والتواصل الذي يهدف إلى مساعدة الفرد أو المنظمة في الحفاظ على سمعة جيدة. وتقدم النظرية إستراتيجيات أساسية تندرج في كل منها خطوات لإصلاح الصورة، مثل إستراتيجية الإنكار، والتهرب من المسؤولية، والحد من إساءة الحدث، والإجراءات التصحيحية، وإستراتيجية التخفيف من حدة الحدث، وإستراتيجية التخفيف من حدة الأزمة. وعندما تعمل المنظمة على إصلاح صورتها يجب أن تراجع نوعية الرسائل التي ترسلها إلى جمهورها والاختيار بين الاعتراف بخطئها أو إنكار المسؤولية عن الأزمة(11). فكثير من المعلومات تكون زائفة ويتم نشرها عبر وسائل الإعلام المختلفة، لذا يسعى قادة الدول والسياسيون إلى تصحيح المسار عن طريق إستراتيجيات إصلاح الصورة، واتخاذ إجراءات لمعالجة المشكلات التي تهدد سمعتهم وصورتهم. وتركز الدراسة على نظرية إصلاح الصورة الذهنية لبحث الإستراتيجيات التي تستخدمها إسرائيل لإصلاح صورتها المتآكلة، والكشف عن رواية الصراع التي تحاول فرضها على الجمهور العربي.

نموذج أرسطو في الإقناع

يعتبر الإقناع(12) أسلوبًا يحمل المتلقي للرسالة على التفكير والتصرف في الاتجاه الذي يريده صاحب الرسالة. ويحاجج الفيلسوف أرسطو بأن إقناع الآخرين بفكرة ما، أو منتج أو برنامج أو مشروع، سواء في المحادثة الشفوية أو الرسالة المكتوبة، يتطلب ثلاثة عناصر تسمى المسارات التقنية أو البراهين الفنية أو أنماط الإقناع. وترتكز هذه العناصر على جوانب مختلفة من التفاعل الديناميكي بين القائم بالاتصال والجمهور. ويرتبط فن الخطاب باستخدام اللغة والإقناع، كما يرتبط الخطاب بأسلوب المتحدث وقدرته على تقديم أفكار مقنعة، من خلال انتقاء الكلمات وبلاغتها، واستخدام إستراتيجيات نقاش محددة وفقًا للموقف؛ إذ يعتقد بعض الناس أن البلاغة موجودة في كل اللغات، وهي عبارة عن قواعد وبناء جمل وكلمات مرتبطة بسياق معين، إلا أن هذا الاعتقاد لا يتوافق وبرامج الحوارات السياسية؛ إذ إن البلاغة في الخطاب السياسي ليست سوى خطاب مهاجمة الخصم(13). وستحاول الدراسة كشف تقنيات الإقناع التي يستخدمها أفيخاي أدرعي في منشوراته ويوظفها للتلاعب بعقول المستخدمين وعواطفهم خلال الحروب الثلاث لنقل صورة سلمية عن الاحتلال الإسرائيلي، وإلقاء اللوم على الفلسطينيين في الصراع.

نظرية الاستعمار الثقافي

يشير مفهوم الاستعمار الثقافي إلى فرض سلطة ثقافة ما على ثقافة أخرى، غالبًا من خلال العولمة، ويمكن أن تكون له آثار سياسية واقتصادية واجتماعية ودينية وثقافية. تعود جذور نظرية الإمبريالية الثقافية إلى دراسة التواصل النقدي وقد طورها هربرت شيللر (Herbert Schiller) الذي وصف الطريقة التي تهيمن بها الشركات الكبرى متعددة الجنسيات ووسائل الإعلام على البلدان النامية. وقد استُخدمت النظرية إطارًا لتفسير الظواهر في مختلف المجالات، وتركز على الطرق التي يتم بها نشر الثقافة الأميركية من خلال شركات الاتصالات والإعلام الأميركية، مما يؤدي إلى تدمير ثقافات الشعوب الأصلية. وتؤكد نظرية شيللر على الدور المركزي للمؤسسات الإعلامية العابرة للحدود الوطنية في خلق الثقافة وصناعتها، وتبيِّن "أن الدول الغربية تهيمن على وسائل الإعلام"، مما يؤدي إلى تدمير ثقافات العالم الثالث(14). وتستخدم الدراسة نظرية الاستعمار الثقافي للكشف عن الطرق والآليات التي تعمل من خلالها إسرائيل على فرض ثقافتها الصهيونية على المستخدمين من خلال حرب استعمارية ثقافية إلكترونية.

2. نتائج الدراسة التطبيقية

حجم تغطية أفيخاي أدرعي للحروب الإسرائيلية على غزة

يُبيِّن الجدول رقم (1) التكرارات والنسب المئوية لمستويات حجم المتابعة الكلي لمنشورات الناطق الرسمي باسم الجيش الإسرائيلي، أفيخاي أدرعي، عبر صفحته على منصة "فيسبوك". وحظيت فئة منشورات "غير ظاهرة" بنسبة 100%، ومنشورات "ظاهرة" بنسبة 0% من حجم المتابعة الكلي للمنشورات.

جدول (1): توزيع حجم المتابعة لمنشورات أفيخاي أدرعي على فيسبوك

حجم المتابعة الكلي للمنشورات

ك

%

غير ظاهرة

95

100

ظاهرة

0

0

المجموع

95

100

لا توفر صفحة الناطق الرسمي باسم الجيش الإسرائيلي، أفيخاي أدرعي، على فيسبوك الحقائق الإحصائية لحجم متابعة منشوراته. ويسمح غياب هذه الحقائق الإحصائية، التي يمكن لصاحب الصفحة استحضارها فنيًّا بسهولة شديدة، للقائم بالاتصال أن يتعامل مع هذا الواقع الاتصالي بطريقة انطباعية بحتة، ويفسح له المجال لإقحام إحصاءات بديلة من قبيل "المتابعة المليونية لصفحته" بكل ما يحمله هذا الادِّعاء من مخزون إقناعي قائم على استمالة العاطفة. وهنا، نلاحظ أن غياب الحقائق الإحصائية يمثِّل إستراتيجية اتصال يتم من خلالها توظيف فعل التغييب لهذه الحقائق كرافعة تتيح للناطق الرسمي باسم الجيش الإسرائيلي إعادة تأطير المادة الإعلامية بحرية أكبر، وبناء على منظومة حقائق بديلة مشبعة بالدعاية، مثل "المظلومية الأبدية للشعب اليهودي"، و"تفوقه الحضاري والأخلاقي وشرعية وجوده على أرض فلسطين التاريخية". وتشكل هذه المصفوفة من الحقائق البديلة التي سنناقشها لاحقًا جزءًا أصيلًا من الرواية الصهيونية للصراع الفلسطيني-الإسرائيلي.

علاوة على ذلك، يُعد فعل تغييب الحقائق (كاستمالة إقناعية) مؤشرًا على قصدية القائم بالاتصال لاستدعاء نوع آخر من الاستمالات (الاستمالة العاطفية)، نظرًا لما تمتلكه من مخزون إقناعي من شأنه تثبيت (أو محاولة تثبيت) فرضية "المظلومية الأبدية لشعب إسرائيل" مقابل تثبيت (أو محاولة تثبيت) فرضية "العدائية الأبدية لشعب فلسطين غير المنضبط أخلاقيًّا ونفسيًّا"، والذي لا ينفك يهاجم إسرائيل "المسالمة والمتحضرة". إذن، يشير تغييب الحقائق الإحصائية في هذه المرحلة الأولى، كإستراتيجية اتصالية، إلى بداية تبلور خطاب أيديولوجي بامتياز.  

وفيما يتعلق بحرب "طوفان الأقصى" على وجه التحديد، فإنه من غير الممكن معرفة حجم المتابعة لتغطية أدرعي للحرب. ومن هنا تبدأ مصداقية القائم بالاتصال بالتآكل، ليس فقط فيما يتعلق بحجم المتابعة العالية لمنشوراته، ولكن بمصداقيته بشكل عام. فهناك احتمال عال جدًّا لأن تكون ادعاءاته غير صحيحة حول المتابعة العالية لمنشوراته، وتفاعل المستخدمين مع أفكاره وتأييد العمليات العسكرية للاحتلال الإسرائيلي. ويحقق الناطق الرسمي باسم الجيش الإسرائيلي، أفيخاي أدرعي، أهدافه من خلال تجنيد أفراد ومواقع إلكترونية وهمية تابعة لإسرائيل -ولا يمكن تحديد مصدرها- والتي تعمل على زيادة حجم التفاعل مع المنشورات. فهناك علاقة طردية بين التفاعل مع المنشور ومدى وصوله إلى مستخدمي الموقع، فكلما زادت نسبة التفاعل زادت نسبة ظهور المنشور ومنشورات أخرى من ذات الصفحة أمام المستخدم نفسه ومستخدمين آخرين. وتُعد هذه الطريقة فعالة لوصول الأفكار والمعلومات إلى أكبر عدد من المستخدمين، ومن هنا يزيد حجم التفاعل والمتابعات للصفحة. ففي موقع فيسبوك في حال كانت الصفحة محددة بخاصية المتابعة والتمويل فإن ذلك يجعلها بعدد غير منته من الأشخاص المتابعين لها. وهنا، نرى الدور المهم للعلاقات العامة الرقمية في خدمة أهداف الأنظمة الاستعمارية عبر تسخير مخرجات التكنولوجيا ومنهجيات العلاقات العامة الرقمية في مسعى لتحقيق مصالحها وتوسيع دائرة التطبيع.

أنماط متابعة المستخدمين العرب لمنشورات أفيخاي أدرعي

يُبيِّن الجدول رقم (2) التكرارات والنسب المئوية لمستويات متابعة المستخدمين للمنشور، وقسمت الدراسة المتابعة إلى ثلاثة أنماط (إعجاب، تعليق، مشاركة)، ويكون كل نمط بمستويات (منخفض، متوسط، مرتفع)، وقد تم جمع كل نمط على حدة وتقسيمه على 3 وتحديد المتوسط الحسابي لكل مستوى.

وتُظهر النتائج أن نمط "الإعجاب" حظي بنسبة 62.10% لمستوى "مرتفع"، ثم 21.05% لمستوى "متوسط"، و16.84% لمستوى (منخفض). وبلغت نسبة نمط "المشاركة" لمنشورات أدرعي 60% لمستوى "مرتفع"، ثم 30.52% لمستوى "متوسط"، وأخيرًا 9.47% لمستوى "منخفض". وكانت أعلى النسب المئوية لنمط "التعليق" 55.78% لمستوى "مرتفع"، ثم 23.15% لمستوى "متوسط"، و21.05% لمستوى "منخفض".

جدول (2): أنماط متابعة المستخدمين لمنشورات أفيخاي أدرعي على فيسبوك

النمط

المستوى

ك

%

إعجاب

مرتفع

59

62.10

متوسط

20

21.05

منخفض

16

16.84

المجموع

95

100

مشاركة

مرتفع

57

60

متوسط

29

30.52

منخفض

9

9.47

المجموع

95

100

تعليق

مرتفع

53

55.78

متوسط

22

23.15

منخفض

20

21.05

المجموع

95

100.0

ويُبيِّن الجدول رقم (3) التكرارات والنسب المئوية لمستويات شكل المنشور؛ إذ إن 57.9% من أشكال المنشور كان ضمن فئة (نص وصورة)، و41 % لشكل (نص وفيديو)، بينما كان 1.1% لشكل (نص)، أما الأشكال الأخرى (صورة، فيديو، ونص وصورة وفيديو) فلم ترد بأي نسبة.

جدول (3): توزيع شكل منشورات أفيخاي أدرعي على فيسبوك

م

شكل المنشور

ك

%

1

نص

1

1.05

2

صورة

0

0

3

فيديو

0

0

4

نص وصورة

55

57.89

5

نص وفيديو

39

41.05

6

نص وصورة وفيديو

0

0

المجموع

95

100

يستخدم الناطق الرسمي باسم الجيش الإسرائيلي، أفيخاي أدرعي، في منشوراته على صفحته بمنصة "فيسبوك"، شكل النص المرفق بصورة "نص وصورة" بنسبة بلغت 57.89%، ثم "نص وفيديو" بنسبة 41.05%، نظرًا لما تمتلكه الصورة والفيديو من مخزون معرفي وإقناعي، وقد تسهم في إبراز ما هو كامن وضمني إلى العلن بصورة مسموعة ومرئية. فعندما يتابع المستخدم إنكار أفيخاي أدرعي مسؤولية الجيش الإسرائيلي عن الحروب الثلاث (2021- 2022- 2023)، وإلقاء اللوم على الآخر (الفلسطيني)، فإن ذلك يسمح له، أي المستخدم، بمتابعة الحجج التي يُقدِّمها الناطق الرسمي باسم الجيش الإسرائيلي بصريًّا من خلال المادة الإعلامية المعروضة، حتى وإن كانت هذه الحجج فاقدة للمصداقية. فالعبرة، هنا، لا تكمن في حقيقة ما يبثه أدرعي، بل في تكرار البث نفسه و"تطبيعه" في ذهن المتلقي. وهو المبدأ ذاته الذي نجده في جل الأعمال الدعائية، سواء كانت لأغراض تجارية أو سياسية. وهنا، تتقاطع إستراتيجيات ترميم الصورة الذهنية (الإنكار ولوم الآخر) مع إستراتيجيات الإقناع على مفصل "استمالة العاطفة" بكل أنواعها (الخوف، الأمل، الحزن، ...إلخ)، والتي تمثِّل العمود الفقري للأعمال الدعائية بشتى أشكالها وأغراضها. ونلاحظ من خلال الأنساق الاتصالية المستخدمة، والمبنية على ما تمَّ إقصاؤه من حقائق تارة، وما جرى استحضاره من حقائق بديلة تارة أخرى، استخدام أدرعي لخطاب أيديولوجي يرمي إلى الترويج لرواية الصراع من منظور استعماري صهيوني؛ إذ يقوم هذا الخطاب على "أنسنة الشعب الإسرائيلي ذي النزعة العقلانية والأخلاقية"، و"صاحب الحق المشروع في الوجود على أرض فلسطين التاريخية"، مقابل "شيطنة الآخر الفلسطيني، الهمجي، العدواني، الإرهابي بطبعه، غير المنضبط أخلاقيًّا وحضاريًّا، والكاره لكل ما هو يهودي وإسرائيلي كرمز للحضارة والإنسانية والمسالمة".

وظهرت في "طوفان الأقصى" بعض التفاعلات مجهولة المصدر، كما أن معظمها من شبكات الاحتلال الإلكترونية التي تعمد إلى زيادة هذه التفاعلات ليصل المنشور إلى أكبر عدد من المتلقين. ويلجأ أفيخاي أدرعي إلى إثارة غضب الجمهور الفلسطيني في منشوراته ليدفعه إلى التفاعل معها حتى لو كانت التعليقات سلبية أو تفاعل بـ"أضحكني" للسخرية، وهو ما قد يجعل صفحته تنال تفاعلًا عاليًا. ويلاحظ أيضًا زيادة التفاعل مع "طوفان الأقصى" مقارنة بالحروب السابقة، ويرجع السبب في ذلك إلى توظيف أدرعي لتقنيات دعائية متنوعة وحديثة، بالإضافة إلى زيادة الاهتمام بالصفحة من قبل أفراد الجيش الإسرائيلي؛ إذ باتت منبرًا لإيصال رسائلهم وإثبات روايتهم الزائفة.

منشور (1): شكل المنشورات لأفيخاي أدرعي على فيسبوك خلال حرب حارس الأسوار/سيف القدس 2021 (نص وصورة)(15)

1

وحرصت صفحة أدرعي على توظيف شكل (نص وصورة، ونص وفيديو)، لأنه يكون بمنزلة دليل على الحقائق، ولما للصور والفيديو من أهمية في إثارة العواطف وإيصال محتوى الرسالة بدقة، بالإضافة إلى تلاشي الحاجز اللغوي وجذب انتباه المستخدم وإثارة فضوله إلى قراءة النص. ويتمثَّل هدف أدرعي من نشر الفيديو إلى توثيق الأحداث، كما يستخدم البث المباشر لزيادة التواصل مع المستخدمين، ويهتم بالإيماءات والإشارات ولغة الجسد التي تزيد من تفاعل المستخدمين مع الفيديو وتجذبهم لمشاهدته. وتُوظَّف هذه الأشكال في إبراز قوة الجيش الإسرائيلي وآلته الحربية من أجل إحباط معنويات الشعب الفلسطيني. كما يكرس أدرعي جهده الدعائي في الافتخار بالشعب الإسرائيلي وانتصاراته مقابل المعاناة والبؤس والهزائم التي يتكبدها الشعب الفلسطيني. ويستخدم هذا الخطاب لتخويف وتهديد فصائل المقاومة في إطار حرب نفسية، وإظهار صورة قادة المقاومة الذين يصفهم بـ"الإرهابيين".

إستراتيجيات أفيخاي أدرعي لإصلاح صورة إسرائيل

بيَّنت الدراسة من خلال تحليل منشورات الناطق الرسمي باسم الجيش الإسرائيلي، أفيخاي أردعي، على صفحته بمنصة "فيسبوك" استخدامه لعدد من الإستراتيجيات لإصلاح الصورة الذهنية لإسرائيل. وتتمثَّل هذه الإستراتيجيات في: الإنكار، والتهرب من المسؤولية، والتقليل والتهويل من شأن ما حدث، والأفعال التصحيحية، والاعتذار.

ويُظهر الجدول رقم (4) التكرارات والنسب المئوية لمستويات إستراتيجيات إصلاح الصورة. فقد وردت إستراتيجية "إلقاء اللوم على الطرف الآخر" بنسبة 60%، وهي أعلى النسب من مستويات إستراتيجية "الإنكار"، بينما كانت نسبة إستراتيجية "الإنكار البسيط" 12.63%. وجاءت إستراتيجيات "التهرب من المسؤولية" بأعلى نسبة مئوية لمستوى "الحادثة" بنسبة 31.57%، يليها مستوى "التبرير" بنسبة 25.26%، ثم مستوى "النوايا الحسنة" بنسبة 15.78%، ومستوى "الضعف" في المرتبة الأخيرة بنسبة 10.52%. أما بالنسبة لإستراتيجية "التقليل والتهوين من شأن ما حدث"، فجاءت إستراتيجية "الهجوم" في المرتبة الأولى بنسبة (21.05%، تليها إستراتيجية "التدعيم" بنسبة 12.63%، ثم إستراتيجيات (التهوين والتسامي) بنسبة 10.52% لكل منهما، وإستراتيجية "الاختلاف" بنسبة 3.15%، وإستراتيجية "التعويض" في المرتبة الأخيرة بنسبة 1.05%. ووردت إستراتيجية "الأفعال التصحيحية" بنسبة 18.94%، بينما لم يكن أي اعتذار في أي منشور.

جدول (4): إستراتيجيات إصلاح الصورة في منشورات أفيخاي أردعي على فيسبوك

إستراتيجيات إصلاح الصورة

الإستراتيجية

ك

%

الإنكار

إلقاء اللوم على الطرف الآخر

57

60

الإنكار البسيط

12

12.63

لا يوجد

26

27.36

المجموع

95

100

التهرب من المسؤولية

التبرير

24

25.26

الضعف

10

10.52

الحادثة

30

31.57

النوايا الحسنة

15

15.78

لا يوجد

16

16.84

المجموع

95

100

التقليل والتهوين

من شأن ما حدث

التدعيم

12

12.63

التهوين

10

10.52

الاختلاف

3

3.15

التسامي

10

10.52

الهجوم

20

21.05

التعويض

1

1.05

لا يوجد

39

41.05

المجموع

95

100

الأفعال التصحيحية

وجود أفعال تصحيحية

18

18.94

لا يوجد

77

81.05

المجموع

95

100

 

الاعتذار

وجود الاعتذار

0

0

لا يوجد

95

100

المجموع

 

95

100

         

 

تُظهر نتائج تحليل مضمون منشورات الناطق الرسمي باسم الجيش الإسرائيلي، أفيخاي أدرعي، تركيزه على بعض الإستراتيجيات، مثل "إلقاء اللوم على الطرف الآخر"، و"الإنكار"، و"التبرير"، و"الحادثة". ويعني ذلك تهرب أدرعي من المسؤولية عن طريق وصف الحدث بـ"الحادثة"، أي إن الحدث العسكري أو الحرب، غير مخطط لها مسبقًا وتقع نتيجة لظروف طارئة. ويتجنب الناطق الرسمي باسم الجيش الإسرائيلي استخدام بعض الإستراتيجيات الأخرى، مثل "الاعتذار، والضعف، والتعويض، والاختلاف، والأفعال التصحيحية"، ويبدو أن الهدف من ذلك هو تطبيع الرواية الصهيونية للصراع الفلسطيني-الإسرائيلي من خلال "إلقاء اللوم على الشعب الفلسطيني" وتحميله المسؤولية عما يجري على الأرض الفلسطينية المحتلة، وتغيير صورة الشعور العدائي تجاه إسرائيل وإثبات شرعيتها في المنطقة، ودرء المخاطر الناجمة عن عملياتها العسكرية وجرائم الحرب التي ترتكبها في قطاع غزة، وإبعاد الأنظار عنها والتقليل من شأنها.

وتمثِّل هذه الانطباعات، التي يعمل أدرعي على تشكيلها، صورة ذهنية أقل سلبية في محاولة لترميم صورة الاحتلال الإسرائيلي وتجميلها، والتقليل من أضرار الحرب، وتقديم أفعال الجيش الإسرائيلي التي يقوم بها في غزة باعتبارها "خدمة لمصلحة الشعب الإسرائيلي"، مدعيًا أن الجانب الفلسطيني يهدد السلام بما يضفي المصداقية على ملامح الصورة التي يحاول رسمها في ذهن المتلقي حتى يؤيد أهدافه وغاياته ويساعده في فرض أفكاره. وانحصرت الإستراتيجيات الأقل توظيفًا في "الأفعال التصحيحية والاعتذار"؛ لأنها تنطوي على الاعتراف بالخطأ والإقرار بارتكاب جرائم الحرب في حق الشعب الفلسطيني، وهو ما يتجنَّبه الناطق الرسمي باسم الجيش الإسرائيلي، أفيخاي أدرعي. ويتسبب ذلك لإسرائيل في خسائر كبيرة، داخلية وخارجية، وفي تشويه لصورتها الذهنية بدلًا من إصلاحها.

منشور (2) يبيِّن إستراتيجية "إلقاء اللوم على الذات الفلسطينية" خلال حرب الفجر الصادق/وحدة الساحات (2022)(16)

2

إذن، تبدو إستراتيجية "الإنكار" اختيارًا طبيعيًّا لمن يسعى إلى تزييف وعي المتلقي؛ إذ إن استخدام أي إستراتيجية بديلة قد يفنِّد ادِّعاءات إسرائيل التي تُقدِّم نفسها "داعية للسلام"، ويضعها محل المساءلة القانونية والأخلاقية، ويشوِّه صورتها، أو حتى يجرها للاعتراف بالخطأ. وهذا يدل أيضًا على استنكاف أدرعي عن استخدام إستراتيجية الاعتذار؛ لأنها تكشف جرائم الحروب الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني في قطاع غزة. لذلك قام باستغلال إستراتيجيتي الأفعال التصحيحية والاعتذار بشكل معاكس؛ فيلقي اللوم والمسؤولية على فصائل المقاومة التي يجب أن تُقدِّم من منظوره "الاعتذار وتوقف العدوان".

وفي حرب "طوفان الأقصى"، وظَّف أدرعي إستراتيجية إلقاء اللوم بشكل مفرط، ويعود السبب في ذلك إلى رغبته في إصلاح صورة الاحتلال الإسرائيلي الذي يعتبر شعبه "مسالمًا محبًّا للحياة"، ويلقي اللوم على الشعب الفلسطيني ويحمِّله المسؤولية عن أحداث القتل والدمار. ووظف التبرير بهدف تسويغ أعمال الجيش الإسرائيلي وجرائم الحروب التي يرتكبها ضد أهالي قطاع غزة، وأن الأعمال العسكرية جاءت ردًّا على هجمات حركات المقاومة و"الدفاع عن النفس". وهنا، تحاول إسرائيل بشتى الطرق تجميل صورتها الذهنية عالميًّا بتبرير أفعالها وإقناع الرأي العام العالمي بـ"مظلومية الشعب الإسرائيلي". ولم يعمد أفيخاي أدرعي إلى توظيف إستراتيجية إظهار الضعف كثيرًا ليحافظ على صورة "الجيش الإسرائيلي الذي لا يقهر"، ولكن اضطر إلى إظهارها في بعض المنشورات.

وتلاحظ الدراسة أن توظيف إستراتيجية "الهجوم" كان لإصلاح صورة إسرائيل الذهنية وتكوين صورة جديدة إيجابية عنها، وإظهار وجه مسالم للاحتلال الإسرائيلي وإبراز محاسنه وإيجابياته لكسب الدعم العربي والعالمي وإدانة حركات المقاومة والشعب الفلسطيني، فلا يترك أي فرصة لقلب الموازين ومهاجمة الشعب الفلسطيني. واستخدم أدرعي إستراتيجية "التهوين" لإقناع المستخدمين بأن "ما حدث ليس بالأمر الخطر"، كما سعى إلى التخفيف من حدة الأعمال الحربية للجيش الإسرائيلي، وقام باستعراض إنجازاته وترسانته العسكرية وقدرته على الدفاع عن شعبه، وإبراز ما يمثِّل كارثة على الفلسطينيين ويلقي اللوم والمسؤولية عليهم. كما وظف أدرعي إستراتيجية "التسامي" لدرء المخاطر الناجمة عن العمليات العسكرية للجيش الإسرائيلي وإبعاد الأنظار عنها والتقليل من شأنها، فتعمل هذه الإستراتيجية على دعم جيش الاحتلال وإبعاد الأنظار عن السلبيات وتحويلها إلى الطرف الآخر.

الإستراتيجيات الإقناعية للجيش الإسرائيلي

يُبيِّن الجدول رقم (5) التكرارات والنسب المئوية لمستويات إستراتيجيات الإقناع في منشورات الناطق الرسمي باسم الجيش الإسرائيلي، أفيخاي أدرعي، على صفحته بمنصة "فيسبوك" (استمالة مصداقية المتحدث، والاستمالة العاطفية، والاستمالة المنطقية). وقد جاءت "مصداقية المتحدث" بنسبة 36.84%، بينما انتفى وجودها هذه المصداقية بنسبة 63.15% من مجموع المنشورات. أما "الاستمالة العاطفية" فقد وردت بنسبة 74.73%، وانتفت بنسبة %25.26 من مجموع المنشورات. وجاءت (الاستمالة المنطقية) بنسبة 32.63%.

جدول (5): إستراتيجيات الإقناع في منشورات أفيخاي أدرعي على فيسبوك

إستراتيجيات الإقناع

المستوى

ك

%

استمالة مصداقية المتحدث

توجد

35

36.84

لا توجد

60

63.15

المجموع

95

100

الاستمالة العاطفية

توجد

71

74.73

لا توجد

24

25.26

المجموع

95

100

الاستمالة المنطقية

توجد

31

32.63

لا توجد

64

67.36

المجموع

95

100

في ظل تغييب الحقائق، وما ينطوي عليه ذلك من تآكل لمصداقية القائم بالاتصال وفقدانه القدرة على توظيف الاستمالة الإقناعية، يلجأ القائم بالاتصال إلى توظيف استمالة العاطفة بديلًا للتأثير في المستخدم من خلال إثارة مصفوفة من المشاعر لديه (الخوف، القلق) تهمِّش -ولو آنيًّا- قدرته على الحكم على المادة الإعلامية بطريقة عقلانية هادئة. ويُبيِّن الجدول رقم (5) كثرة استخدام الاستمالة العاطفية؛ إذ تم توظيفها للاستحواذ على العواطف. ويبدو أن تغييب حجم المتابعين -كما ذُكِر سابقًا- من قِبَل الناطق الرسمي باسم الجيش الإسرائيلي، أفيخاي أدرعي، هو فعل اتصالي مقصود يهدف إلى التعتيم على حقائق بعينها قد تؤثر في فاعلية رسائله الاتصالية ودرجة الإقناع التي تنطوي عليها، بما يتيح له فرصة الركون إلى "الاستمالة العاطفية". وهذا ما نجده مثلًا في الرسائل التي يوظف فيها أدرعي عنصر "التخويف" من نتائج الحرب ومواجهة الآلة العسكرية للاحتلال الإسرائيلي، وآثارها التدميرية على الإنسان والمكان.

منشور (3) يُظهِر الإستراتيجية العاطفية التي استخدمها أفيخاي أردعي على فيسبوك خلال حرب السيوف الحديدية/طوفان الأقصى 2023(17)

3

وفيما يتعلق بـ"طوفان الأقصى"، وظفت منشورات أدرعي "الاستمالة العاطفية" بكل جوانبها الإنسانية، والنفسية، والاجتماعية، والترهيبية، مستخدمًا الأساليب البلاغية والعبارات الجياشة بالمشاعر الإيجابية التي تُبرِّئ الذات الإسرائيلية وتدعمها، بينما كان يضفي صفات تخريبية على الذات الفلسطينية. وهنا، عمل الناطق الرسمي باسم الجيش الإسرائيلي على تقريب المعنى ووجهة نظره من المتلقي باستخدام عبارات ورموز وشعارات تثير العواطف وتشد الأذهان وتستحوذ على الانتباه.

سمات الصورة الذهنية النمطية لطرفي الحرب (الإسرائيلي مقابل الفلسطيني)

يُبيِّن الجدول رقم (6) التكرارات والنسب المئوية لمستويات الثنائيات المتضادة بشأن الصورة الذهنية لطرفي الحرب؛ إذ تُبرِز المنشورات التقابل بين الذات الفلسطينية والذات الإسرائيلية (مدافع/مهاجم، متفوق عسكريًّا/ متخلف عسكريًّا، متفوق علميًّا/ متخلف علميًّا، قوي لا يقهر/ ضعيف مهزوم، مسالم/إرهابي (مخرب)، محب للحياة/محب للموت، ومتجذر تاريخيًّا/عابر). وتُظهر النتائج أن التقابل بين (مدافع/مهاجم) ورد بنسبة 15.78%. وجاءت فئة "متفوق عسكريًّا/ متخلف عسكريًّا" بنسبة 12.63%، و"متفوق علميًّا/ متخلف علميًّا" بنسبة 3.15%، ووردت فئة "قوي لا يقهر/ضعيف مهزوم"، و"مسالم/إرهابي" بنسبة 22.10%، وفئة "محب للحياة/محب للموت" بنسبة 20.10%. أما "متجذر تاريخيًّا/ عابر" فجاءت بنسبة 4.21%.

جدول (6): توزيع سمات الصورة الذهنية النمطية للذات الفلسطينية والذات الإسرائيلية في منشورات أدرعي

م

إستراتيجيات الثنائيات المتضادة

ك

%

1

مسالم/إرهابي (مخرب)

21

22.10

2

قوي لا يقهر/ضعيف مهزوم

21

22.10

3

محب للحياة/محب للموت

19

20

4

مدافع/مهاجم

15

15.78

5

متفوق عسكريًّا/متخلف عسكريًّا

12

12.63

6

متجذر تاريخيًّا/عابر

4

4.21

7

متفوق علميًّا/متخلف علميًّا

3

3.15

المجموع

95

100

حاول أفيخاي أدرعي إبراز صورة الاحتلال الإسرائيلي بـ"المسالم" الرافض للحرب، والداعم لعملية السلام خلافًا للذات الفلسطينية التي وصفها بـ"الإرهاب"، التي ترتكب الجرائم وتُلحق الخراب بأهالي القطاع، وأظهر الذات الإسرائيلية بـ"القوي الذي لا يقهر"، ويمتلك قوة عسكرية ودفاعية كبيرة، وعزيمة وإصرار شديدين، مقابل إظهار الذات الفلسطينية بـ"الضعيف المهزوم" الذي لا يمكنه تحقيق الانتصار، في محاولة لتثبيط عزيمة الفلسطينيين والنيل منهم. كما يرسم صورة لإسرائيل "المحبة للحياة والعيش بطمأنينة واستقرار".

منشور (4) يُبرِز الصورة الذهنية النمطية التي يقدمها أفيخاي أدرعي لـ"الذات الإسرائيلية المحبة للسلام"(18)

4

بينما يُقدِّم الذات الفلسطينية بـ"المحبة للموت"، وخصوصًا فصائل المقاومة التي وصفها بـ"المستغلة للمواطنين" في قطاع غزة؛ حيث تتخذهم "دروعًا بشرية" تحتمي بها. ولا تعرف هذه الفصائل سوى "ثقافة الموت" التي تريد الموت لشعبها، وتتعمد الأذى وهدر الأرواح، وأن الجيش الإسرائيلي يدافع عن مواطنيه من هجمات فصائل المقاومة في قطاع غزة. كما يُبرِز التخلف العسكري للجانب الفلسطيني وضعف إمكاناته وفرص انتصاره على الجيش الإسرائيلي، واصفًا الذات الإسرائيلية بالتفوق في العلوم المختلفة، بينما يصف الذات الفلسطينية بالتخلف. ويحاول أدرعي بهذه الصور النمطية أن يثبت حق إسرائيل في أرض فلسطين، ويرسم صورة للإسرائيليين "أصحاب الأرض"، وأن "الشعب الفلسطيني مجرد عابر".

منشور (5) يُظهِر الصورة الذهنية النمطية التي يقدمها أفيخاي أدرعي لـ"لذات الفلسطينية (إرهابية)"(19)

5

 

الرواية الإسرائيلية للصراع وتطبيعها في ذهن المستخدمين العرب

أظهر تحليل منشورات أدرعي أن رواية الصراع التي تحاول إسرائيل تطبيعها تُعد رواية مزيفة وتجتزئ سياق المواجهة بين الذات الفلسطينية والإسرائيلية، وتروِّج لرواية الاحتلال التي ترى أن الإسرائيليين "أصحاب الأرض". وتقارن هذه الرواية باستمرار بين الفلسطيني والإسرائيلي، فهما في حالة مواجهة وصراع دائمين على الأرض، وتُقدِّم الفلسطينيين بـ"المعتدين والظالمين الذين يمارسون العنف والقتل" ضد الإسرائيليين، وأيضًا "الرافضين للسلام والشعب المتخلف الإرهابي"، في مقابل الإسرائيليين "المحبين للحياة الذين يريدون العيش بأمان من خطر الفلسطينيين الذين يشكلون تهديدًا لهم". لذلك فإن الجرائم التي يقوم بها الجيش الإسرائيلي في حق الفلسطينيين ليست سوى "دفاع عن الوطن والمواطنين الإسرائيليين"، و"رد لعدوان فصائل المقاومة، وحماية من خطر الفلسطينيين". وتركز سردية الصراع على رغبة إسرائيل في التعايش السلمي مع الشعب الفلسطيني، وتؤكد أن الجانب الإسرائيلي يستطيع التكيف مع الشعوب الأخرى خلافًا للجانب الفلسطيني الذي يريد القتال. لكن حقائق الجرائم التي ارتكبها الجيش الإسرائيلي خلال الحروب الثلاث، ولاسيما في طوفان الأقصى، تكشف هوية الاحتلال الإسرائيلي الذي يسعى إلى إبادة الشعب الفلسطيني عبر القتل الممنهج للأطفال والنساء والشيوخ، وتدمير البنية التحتية للقطاع من أجل القضاء على جميع مصادر الحياة الفلسطينية.

منشور (6) يبيِّن رواية الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي التي يحاول أفيخاي أدرعي "تطبيعها" في وعي المتلقي العربي(20)

6

مدلولات استخدام إسرائيل للعلاقات العامة الرقمية

عملت وسائل التواصل الاجتماعي على تخطي الحدود المادية للعلاقات التقليدية، وإيصال الرسالة بسرعة أكبر للمتلقي. وقد نجحت إسرائيل نوعًا ما، من خلال مواقعها الإلكترونية وشبكات التواصل الاجتماعي، في تحقيق بض المكتسبات لروايتها، وخاصة في الغرب. فقد وظفت العلاقات العامة الرقمية في الحروب على قطاع غزة بشكل مكثف لتبرير جرائم عملياتها العسكرية، وإبعاد التهم عنها، وتحميل المسؤولية للشعب الفلسطيني، وتشويه سمعته وصورته. فكان أدرعي يبث رسائل من شأنها خدمة المصالح الإسرائيلية وتحقيق الاستجابة الطوعية والتأثير في مشاعر وعقول المتلقين، ومحاولة كسب الدعم والتأييد، وتسويق سياسة الاحتلال الإسرائيلي وتجميل صورته الذهنية السلبية، وبناء صورة إيجابية بشكل فعال ومؤثر لدى الرأي العام العربي. فالعلاقات العامة، سواء التقليدية أو الرقمية، تهدف إلى الربط والتفاعل بين المنظمة وجمهورها لكسب الثقة والقبول بعقلية منفتحة، وإيصال المضامين المرغوبة لتحقيق المصالح. فيعمل الاحتلال الإسرائيلي على استخدام العلاقات العامة الرقمية أداة لتزييف الحقائق وتثبيت سرديته.

وقد أظهرت نتائج الدراسة أن إسرائيل استخدمت جميع الوسائل للسيطرة على الأرض وتهجير الشعب الفلسطيني، وأصبح الصراع يأخذ منحنى رقميًّا يتمثَّل في توظيف جميع أدوات العلاقات العامة الرقمية من خلال استخدام وسائل التواصل الاجتماعي وتقنيات الإعلام الحديث وذلك لفرض الهيمنة الإسرائيلية والقضاء على الوجود الفلسطيني. ويشير ذلك إلى وجود تاريخ مشترك وعلاقة قوية بين العلاقات العامة وقيام الأنظمة الاستعمارية وارتباطهما ببعض. وهنا، نلاحظ أن العلاقات العامة توظف البروباغندا والتعتيم على الحقائق وعرض أنصاف الحقائق أو تزييفها للتأثير في الرأي العام لخدمة مصالح وغايات المؤسسات الراعية للعلاقات العامة كما هو الشأن في الحالة الإسرائيلية التي تبحثها هذه الدراسة. ومن خلال العلاقات العامة الرقمية أصبح من السهل إيصال مضمون الرسائل والأهداف والغايات بطرق بسيطة وسريعة وخاصة بالنسبة للأنظمة الاستعمارية التي توظف العلاقات العامة سواء التقليدية أو الرقمية لخدمة مصالحها وإبراز الجوانب الإيجابية لها وتحسين سمعتها وصورتها الذهنية. وقد طوعت إسرائيل، باعتبارها دولة استعمارية، وسائل الإعلام لخدمة سياساتها وأهدافها وروايتها الرسمية التي تتبناها وتريد إيصالها إلى الرأي العام العربي والعالمي.

وبيَّنت الدراسة أن اهتمام أدرعي لا ينصب على حجم المتابعة وتفعيل خاصيتها، بل يقوم بنشر أفكاره وروايته وما يهدف إليه، متجاهلًا ردود الفعل السلبية للمتابعين، أو حتى أعدادهم؛ لأنه يؤمن فقط باستمرارية التواصل حتى ولو كان سلبيًّا مع المستخدمين من أجل تحطيم الحواجز النفسية. وقد يصل الأمر إلى حرف الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي عن مساره التاريخي الوجودي، وتحويله إلى صراع إنساني حدودي عبر استخدام إستراتيجيات مختلفة، منها تغييب الحقائق والشفافية، مما يؤثر في فاعلية رسائله الاتصالية ودرجة إقناعها. وتتيح هذه الإستراتيجيات للناطق الرسمي باسم الجيش الإسرائيلي فرصة توظيف أدوات العلاقات العامة الرقمية لخدمة مصالح الاستعمار والترويج لروايته، وإقناع الرأي العام بأفكاره، فيعمل على نشر محتويات مُضَلِّلَة وزائفة تشوش على أفكار المتلقي، وتحقيق أهدافه الاستعمارية، وترسيخ صورة ذهنية نمطية مخطط لها، من شأنها دعم رواية الاحتلال الإسرائيلي ودحض الرواية الفلسطينية.

خلاصة

أظهرت الدراسة من خلال تحليل مضمون منشورات الناطق الرسمي باسم الجيش الإسرائيلي، أفيخاي أدرعي، خلال الحروب الثلاث: حارس الأسوار/سيف القدس (2021)، والفجر الصادق/وحدة الساحات (2022)، والسيوف الحديدية/طوفان الأقصى (2023)، اهتمامًا كبيرًا من قِبَل المؤسسة العسكرية الإسرائيلية بالعلاقات العامة الرقمية لترويج الرواية الإسرائيلية والدفاع عن أطروحاتها. وقد خلصت الدراسة إلى أن معظم التفاعلات مع منشورات أدرعي كانت على مستوى منخفض. وقد استخدم "النص والصورة" وكذلك "النص والفيديو" لإعطاء مص

داقية أكبر لروايته، كما لجأ إلى إستراتيجية إلقاء اللوم على الذات الفلسطينية في إدارة الأزمات الناتجة عن الحروب الثلاث التي شنَّتها إسرائيل على قطاع غزة من أجل إصلاح الصورة الذهنية لإسرائيل. واهتمت منشورات أدرعي بالصورة الذهنية النمطية لطرفي الحرب؛ إذ حرص على تقديم الذات الإسرائيلية "كيانًا قويًّا ومحبًّا للسلام ومتفوقًا علميًّا وعسكريًّا وصاحب حق تاريخي وأخلاقي في فلسطين". بينما أبرز الشعب الفلسطيني بوصفه "متخلفًا وضعيفًا وإرهابيًّا مهزومًا يعشق الموت"، وأن "فصائل المقاومة تستغل المواطنين في قطاع غزة".

ويستخدم الناطق الرسمي باسم الجيش الإسرائيلي إستراتيجيات ترميم الصورة الذهنية والإقناع لتطبيع رواية مخصوصة عن الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي تصف الذات الإسرائيلية بـ"الضحية" والذات الفلسطينية بـ"المعتدية". وتُعد هذه الرواية الزائفة نموذجًا للاستعمار الثقافي الذي يحاول تشكيل المؤسسات الاجتماعية لتتوافق مع النظام المهيمن. كما وظَّف الاحتلال الإسرائيلي أدوات العلاقات العامة الرقمية خلال الحروب على قطاع غزة لفرض الهيمنة الإسرائيلية والقضاء على الوجود الفلسطيني.

لذلك ينصب جهد أدرعي على كسر الحواجز النفسية وليس زيادة المتابعين لمنشوراته بهدف تغيير الصورة الذهنية لدى المتابعين عن إسرائيل وإنكار الانتهاكات الإنسانية والجرائم التي يرتكبها الجيش الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني في محاولة للتأثير على الرأي العام العربي والدولي.

وفي ضوء ذلك، تشير الدراسة إلى احتمالية صحة فرضية الهشاشة الأخلاقية لمجال العلاقات العامة، وهو ما يتطلب إجراء أبحاث لفحص هذه الفرضية من خلال إعادة النظر في دور العلاقات العامة في المؤسسات الحاضنة، سواء كانت خاصة أو حكومية. كما تؤكد الدراسة على ضرورة إجراء أبحاث معمقة تسلط الضوء على تقاطع مجال العلاقات العامة بمجال البروباغاندا، ومآلات هذا التقاطع ودلالاته.

نشرت هذه الدراسة في العدد الرابع من مجلة الجزيرة لدراسات الاتصال والإعلام، للاطلاع على العدد كاملًا (اضغط هنا)

References

(1) حاتم الصالحي، "العلاقات العامة الرقمية: مراجعة نظرية للمفهوم وعوامل الظهور والتحديات"، مجلة الحكمة للدراسات الإعلامية والاتصالية (مؤسسة كنوز الحكمة للنشر والتوزيع، الجزائر، المجلد 9، العدد 4، 2021)، ص 47-75.

(2) "ما المقصود بالعلاقات العامة الرقمية؟"، bashirmraish، 21 سبتمبر/أيلول 2023، (تاريخ الدخول: 20 ديسمبر/كانون الأول 2023)، https://shorturl.at/blpvC.

(3) Jordi Xifra, "The Influence of Democracy in the Practice of Public Relations in Spain," Anagramas Rumbos y Sentidos de la Comunicación, Vol. 10, No. 19, (2011): 66.

 (4)Harold Lasswell, Propaganda Technique in the world War, (New York: University of Michigan, 1938), 87.

 (5)Tel Samuel-Azran et al., "Aristotelian Rhetoric and Facebook Success in Israel’s 2013 Election Campaign," Online Information Review, Vol. 39, No. 2, (2015): 45.

(6) السيد محمد أبو شعيشع حسن، "آليات الخطاب الإعلامي الإسرائيلي عبر مواقع التواصل الاجتماعي لتصوير العلاقات الإسرائيلية العربية بعد موجة العلاقات الدبلوماسية العربية الإسرائيلية الأخيرة"، المجلة العلمية لبحوث الإذاعة والتليفزيون (جامعة القاهرة- كلية الإعلام، مصر، العدد 53، 2022)، ص 185.

(7) هدى فضل نعيم، الخطاب الدعائي الإسرائيلي باللغة العربية نحو المقاومة الفلسطينية عبر شبكات التواصل الاجتماعي، (رسالة ماجستير، الجامعة الإسلامية، كلية الآداب، غزة، 2017)، ص 76.

(8) محمد زيدان الخرابشة، الإطار الإعلامي للدعاية الإسرائيلية على فيسبوك: دراسة تحليلية لصفحة المتحدث الرسمي باسم الجيش الإسرائيلي، (رسالة ماجستير، جامعة الشرق الأوسط، كلية الإعلام، الأردن 2018)، ص 76.

 (9)Saed Abu Mualla, "Palestinian-Israeli Cyber Conflict: An Analytical Study of the Israeli Propaganda on Facebook Adraei's page as an example," Journal of the Arab American University, Vol. 3, No. 2, (2017): 45.

(10) ماهر حيدر نعيم الجابري، إيهاب عزيز درفش الزيادي، "دور الدبلوماسية الرقمية في العلاقات الإسرائيلية- العربية بعد عام 2011: دراسة جيوبوليتيكية" (مجلة أوروك للعلوم الإنسانية، العراق، العدد المجلد 15، العدد 3، 2022)، ص 2578.

 (11)William Benoit, "Image Restoration Discourse and Crisis Communication," Public Relations Review, Vol. 23, No. 2, (Summer 1997): 20.

(12) مليكة دحامنية، صونية برش، "إستراتيجيات الإقناع في الخطاب الإعلامي الجزائري: دراسة تداولية"، مجلة المدونة (جامعة البليدة 2-لونيسي علي- كلية الآداب واللغات، المجلد 8، العدد 1)، ص 1020.

 (13)James Baumlin, Peter Scisco, Ethos and its Constitutive Role in Organizational Rhetoric, (United States: Handbook of Organizational Rhetoric and Communication, 2018), 203.

 (14) Rodrigo G. García, Benjamin Birkinbine, "Cultural Imperialism Theories," Oxford Bibliography, No. 15, (2022): 23. 

(15) أفيخاي أدرعي (@avichayadraee)، "عملية حارس الأسوار"، 11 مايو/أيار 2021، فيسبوك، https://shorturl.at/TJZke.

(16) أفيخاي أدرعي (@avichayadraee)، "تم القضاء عليه: تيسير الجعبري"، 5 أغسطس/آب 2022، فيسبوك، https://shorturl.at/vwaYO.

(17) أفيخاي أدرعي (@avichayadraee)، "لكل شهيد من أرض الوطن"، (ب.ت)، فيسبوك، https://shorturl.at/Lzo5U.

(18) أفيخاي أدرعي (@avichayadraee)، "رمضان كريم"، 11 مارس/آذار 2024، فيسبوك، https://shorturl.at/RR8qx.

(19) أفيخاي أدرعي (@avichayadraee)، "تم تصفية عصام أبو ركبة: قائد المنظومة الجوية لمنظمة حماس الإرهابية"، 28 أكتوبر/تشرين الأول 2023، فيسبوك، https://shorturl.at/TCxXQ.

(20) أفيخاي أدرعي (@avichayadraee)، "العديد من الرسائل من مواطنين لبنانيين.. عبروا عن خوفهم من أن يأخذ حزب الله لبنان إلى مصير مشابه لغزة..."، 10 مارس/آذار 2024، فيسبوك، https://shorturl.at/Nsgju.