تعرضت أربع مناطق في ولاية بكتيكا الأفغانية المتاخمة للحدود الباكستانية لقصف الطائرات الحربية الباكستانية في 23 و24 من شهر ديسمبر/كانون الأول 2024، وأودى القصف العنيف بحياة ما يقرب من خمسين شخصًا، وأعداد كبيرة من الجرحى، وكان معظم ضحايا القصف من الأطفال والنساء، وفق شهادة شهود عيان نقلت عنهم وسائل الإعلام. وأعلنت الحكومة الباكستانية أنها قصفت مواقع حركة طالبان باكستان داخل الأراضي الأفغانية، وأنها "قتلت أكثر من 71 من الخوارج" (أعضاء حركة طالبان الباكستانية المحظورة) إلى جانب مجموعة من قياداتها الميدانية، كما ادعت أنها دمرت مصنعًا لسترات الانتحار إلى جانب تدمير أربعة من مراكزهم تدميرًا كاملًا وفق ما أعلنته(1).
واستتبع هذا الحادث ردود أفعال قوية في أفغانستان على المستوى الشعبي والرسمي؛ فقد استدعت وزارة الخارجية الأفغانية القائم بأعمال السفارة الباكستانية في كابول وسلمته رسالة احتجاجية شديدة اللهجة، أدانت "عدوان الجيش الباكستاني على الأراضي الأفغانية". وقد حدث الهجوم بينما كان موفد الحكومة الباكستانية يُجري محادثات مع الحكومة الأفغانية في كابل، واعتبرت التصريحات الإعلامية الصادرة من وزارة الخارجية للإمارة الإسلامية هذه "الاعتداءات على الأراضي الأفغانية من قبل الجيش الباكستاني في مثل هذه الظروف محاولة لزعزعة الثقة في العلاقات بين البلدين".
وأصدرت وزارة الدفاع الأفغانية، بيانًا رسميًّا جاء فيه: "إننا ندين بشدة هذا العمل الهمجي الذي يتعارض مع كل الموازين الدولية، ولتعلم الجهات الباكستانية أن مثل هذه التصرفات لا تحل قضية". وأكد البيان على أن الحكومة الأفغانية لن تترك هذا التصرف الهمجي من غير رد(2).
وبناء على ذلك، قامت مجموعات مسلحة تابعة لوزارة الدفاع الأفغانية بالهجوم على عدة مواقع عسكرية باكستانية على امتداد خط "ديورند" الحدودي في ولاية خوست، وولاية بكتيا وولاية بكتيكا، وقالت وزارة الدفاع الأفغانية في تصريح رسمي: لقد هاجمنا عدة مواقع ومخابئ للأشرار(3) وحماتهم على الجانب الآخر من خط "ديورند" المزعوم التي كانت تُستغل لتنظيم الهجمات الإرهابية داخل الأراضي الأفغانية؛ وذلك انتقامًا للاعتداءات على الأراضي الأفغانية". وادعى الطرفان؛ الباكستاني والأفغاني، إلحاق أضرار بالطرف الآخر.
إلى جانب ذلك، اشتدت الحرب الإعلامية بين الطرفين كما وصل التلاسن بين الطرفين ذروته في هذه الفترة، بل وكانت الحرب الإعلامية أكثر ضراوة من الاقتتال في ميدان المعركة، فما سبب هذا التصعيد؟ ولماذا وصلت الأمور إلى اصطفاف الجيوش مع أن باكستان كانت تُعد من مؤيدي الإمارة الإسلامية في فترة مقاومتها للاحتلال الأميركي؟ وما مآل هذا التصعيد؟
القضية الأساسية من وجهة نظر باكستان
ترى الحكومة الباكستانية أن المشكلة الأساسية هي قضية حركة طالبان باكستان التي تستقر في أفغانستان، وقد أنشأت معسكرات التدريب لرجالها في المناطق الحدودية، ويقدر عدد أفرادها بستة آلاف مقاتل، وأنها لم تقصف القرى الأفغانية، بل قصفت مقرات هذه الحركة المحظورة في باكستان داخل الأراضي الأفغانية، ولا يحدث ذلك للمرة الأولى، بل إنها قصفت مواقع ذلك التنظيم المحظور في الأراضي الأفغانية قبل ذلك أيضًا وستعود لقصفها في المستقبل أيضًا إن لزم الأمر.
وقد أوردت وسائل الإعلام الباكستانية تصريحات لكبار المسؤولين العسكريين في هذا الصدد، يقول أحدهم: هذه ليست المرة الأولى أن تقوم القوات الباكستانية بالعمليات العسكرية على الجانب الآخر من الحدود، بل قامت في الماضي بعدة هجمات داخل أفغانستان عن طريق طائرات مسيرة وكانت قد ألحقت أضرارًا بـ"الخوارج" (يقصد أفراد حركة طالبان باكستان). وكانت طالبان أفغانستان وعدت في تلك الفترة بأنها لن تسمح بأي هجوم مسلح من الأراضي الأفغانية على باكستان، لكنهم لم يفوا بوعودهم، وكأنهم نقضوا بذلك اتفاقية الدوحة أيضًا التي تنص على عدم السماح لأحد باستخدام الأراضي الأفغانية ضد أي بلد آخر. وأضاف هذا المسؤول العسكري الكبير: إن كانت طالبان أفغانستان تريد أن تكون علاقاتها جيدة ووطيدة مع الصين وباكستان فعليها الوفاء بوعودها، وعليها أن تقوم بعمليات عسكرية فورية ضد "الخوارج" وإلا فإن باكستان ستستمر في استهداف مخابئ هؤلاء الإرهابيين إلى أن تقضي على هذه الفتنة(4).
ويبدو أن قصف هذه المناطق داخل الأراضي الأفغانية حلقة في عملية عسكرية مستمرة، فقد أطلقت الحكومة الباكستانية عملية عسكرية كبيرة للقضاء على ما تسميه بالعمليات الإرهابية داخل الأراضي الباكستانية سمَّتها بعملية "عزم واستحكام"؛وذلك بدءًا من يونيو/حزيران 2024، بعد ما ترددت أنباء عن قلق الحكومة الصينية تجاه تزايد الهجمات التي يتعرض لها العمال الصينيون والفنيون منهم الذين يعملون في "مشروع سي بك" والمشاريع التنموية الأخرى، وكان الهدف المعلن من العملية الباكستانية هو "القضاء على الإرهاب وعلى المجموعات المسلحة التي تهدد أمن باكستان"(5).
وقد صرَّح وزير الدفاع الباكستاني، خواجه محمد آصف، بُعيد إطلاق العملية المذكورة: "سنقوم بالهجوم على مخابئ حركة طالبان باكستان المحظورة على الجانب الآخر من الحدود الأفغانية الباكستانية إن اضطررنا إلى ذلك، لا شيء يتقدم على أمن باكستان". وأضاف أن مهاجمة مخابئ هذه الجماعة المحظورة على الجانب الآخر من الحدود لا يتناقض مع القوانين الدولية لأن كابل تصدِّر الإرهاب إلى باكستان، وتقوم بحماية من يصدِّر الإرهاب إلى باكستان"(6).
أكد رئيس وزراء باكستان، شهباز شريف، أكثر من مرة حق القوات الباكستانية في القيام بمثل هذه الهجمات على الأراضي الأفغانية وأن إمارة أفغانستان الإسلامية لها دور في الأعمال الإرهابية والعسكرية التي تمارسها حركة طالبان باكستان داخل الأراضي الباكستانية مع أننا قمنا باستضافة الملايين من الأفغان لمدة أربعين عامًا. نحن على اتصال مع بعض جيراننا بصورة مستمرة، ونطلب منهم أن تُحل هذه المشكلة بصورة سلمية، لكن لن نتحمل الأعمال الإرهابية التي تقوم بها حركة طالبان باكستان، والقوات المسلحة مستعدة للحفاظ على أمن البلد وعلى أمن المواطن(7).
خلاصة القول: إن الحكومة الباكستانية والجيش الباكستاني يريان أن هذه الهجمات التي تتكرر من وقت لآخر على الأراضي الأفغانية تستهدف قوات حركة طالبان التي تشكل معارضة مسلحة في باكستان، وأن التصعيد الحالي حلقة في هذه السلسلة الطويلة التي لها جذور في الماضي وستستمر إلى أن تنتهي هذه المشكلة.
السبب المباشر للتصعيد الحالي
أما السبب المباشر لقصف الطائرات الحربية الباكستانية فهو العملية العسكرية التي نفذتها حركة طالبان باكستان في مديرية وزيرستان الجنوبية، في ديسمبر/كانون الأول عام 2024، أي قبل القصف بيوم واحد تقريبًا، وكانت حصيلة الهجوم، وفق وسائل الإعلام الباكستانية، مقتل ستة عشر عسكريًّا وضابطًا من الجيش الباكستاني فيما قُتل ثمانية من أفراد حركة طالبان باكستان الذين شاركوا في الهجوم وفق وسائل الإعلام نفسها، وجاء القصف الجوي للطائرات الحربية الباكستانية للرد على هذه العملية(8).
مشكلة حركة طالبان باكستان
لا شك أن حركة طالبان باكستان وعملياتها العسكرية تشكل إحدى العقبات الأساسية في العلاقات بين باكستان وأفغانستان، وتؤدي من وقت لآخر إلى التصعيد بين البلدين، كما أنه لا شك أن حركة طالبان حركة نشطة جدًّا في المجال العسكري خاصة، وقد ازداد نشاطها في العام المنصرم بصورة ملحوظة؛ حيث أعلنت أنها قامت بـ(1758) عملية ضد أهداف عسكرية داخل باكستان خلال عام 2024، وقد قُتل في هذه العمليات 2945 فردًا من أفراد المؤسسات الأمنية الباكستانية، كان 1441 شخصًا منهم من أفراد الجيش، و820 شخصًا من أفراد الشرطة، وقد أوردوا تفاصيل كثيرة لأنواع الهجمات ومناطقها والخسائر في الأرواح والعتاد للجيش الباكستاني والمؤسسات الأمنية الأخرى(9).
لكن ما يجب التنبيه عليه أن هذه العمليات كلها لا تتم إدارتها من داخل الأراضي الأفغانية باعتراف من الساسة الباكستانيين أنفسهم، فقد صرَّح وزير الدفاع الباكستاني، خواجه محمد آصف، في معرض الرد على حزب عمران خان بأنه كان يصر على إعادة المهجَّرين من وزيرستان، وقد عاد حوالي أربعين إلى خمسة وأربعين ألف شخص وهم يقومون بهذه الأعمال الإرهابية والعسكرية الآن من داخل باكستان(10).
وبناء على ذلك، نستطيع القول: إن أكثر هذه العمليات يتم ويدار من داخل الأراضي الباكستانية، والكثير من هذه العمليات العسكرية، حسب المعلومات التي وفرتها حركة طالبان باكستان، وقع في مناطق بعيدة عن الحدود الباكستانية-الأفغانية؛ فعلى سبيل المثال وقعت 25 عملية منها في مديرية مردان و645 منها وقعت في مديرية ديرة إسماعيل خان و65 في مديرية كوهات و308 في منطقة بيشاور و482 في منطقة بنو و21 في منطقة ملتان و26 في مدينة كويتا(11) وهذه المناطق كلها بعيدة جدًّا عن الحدود الأفغانية-الباكستانية، ولا يمكن إدارة العمليات فيها من داخل الحدود الأفغانية. وإن كان لا يمكن نفي أن بعض هذه العمليات يقوم بها أفراد حركة طالبان باكستان من داخل الأراضي الأفغانية.
مطالب حركة طالبان باكستان من الحكومة الباكستانية
نشطت حركة طالبان باكستان على الساحة الباكستانية والأفغانية من بعد الهجوم الأميركي على أفغانستان وإسقاط حكومة طالبان الأولى، لكن الأهداف التي تعمل من أجلها كانت غامضة دائمًا، وكانت هناك خلافات كبيرة وكان الجدال مشتدًّا بين المجموعات المختلفة حول أهداف الحركة، كل مجموعة منها كانت تحدد من وجهة نظرها الأهداف التي من أجلها تعمل حركة طالبان باكستان إلى أن كتب قائدها الحالي، أبو منصور عاصم المفتي نورولي محسود، كتابًا سماه (ثورة قبائل محسود "وزيرستان الجنوبية" من سيطرة الإنجليز إلى الاستعمار الأميركي) وتحدث عن كل ما يتعلق بهذه الحركة بدءًا بتاريخها وانتهاء ببرنامجها المستقبلي.
ويظهر من محتوى ما كتبه قائد حركة طالبان باكستان، المفتي نورولي، أن هذه الحركة حركة سياسية، وأهدافها في مجملها أهداف سياسية وخاصة فيما يتعلق بالمناطق القبلية وما يتعلق بباكستان، لكنها اختارت لأجل تحقيقها وسائل عسكرية، وهي باختصار تهدف إلى الوصول إلى الأهداف التالية:
الهدف الأول: العمل من خلال إمارة أفغانستان الإسلامية وتحت إمرتها لإقامة الخلافة على منهاج النبوة عن طريق إلحاق الهزيمة بأميركا، الطاغوت الأعظم وفق تعبيره، على أن تصبح أفغانستان مركزًا قويًّا للأمة لينطلق منها مشروع إقامة الخلافة في العالم كله، يقول: "بعد هزيمة الشيوعية العالمية أقيمت الإمارة الإسلامية في أفغانستان، لكن أميركا وحلفاءها هاجموا الإمارة الإسلامية بعد حوادث الحادي عشر من سبتمبر وأسقطوها، واستبدلوا بها نظامها الديمقراطي النجس. نريد تحت قيادة الإمارة الإسلامية في أفغانستان إلحاق الهزيمة بالنظام العالمي الجديد تحت قيادة هذا الطاغوت الأعظم (أميركا) وإعادة نظام الشريعة إلى أفغانستان، وأن نعيد أفغانستان مركزًا قويًّا لجميع المسلمين لتكون منطلقًا لإقامة الخلافة في العالم". هذا هو الهدف العالمي لحركة طالبان باكستان، وهي في السعي للوصول لهذا الهدف تعتبر نفسها جزءًا من الإمارة الإسلامية في أفغانستان، وتريد أن تسعى لإقامة الخلافة الإسلامية على منهاج النبوة ضمن برنامج الإمارة الإسلامية في أفغانستان، ولا يوجد لديها برنامج مستقل للوصول إلى هذا الهدف.
الهدف الثاني: يرى الشيخ المفتي نورولي، قائد حركة طالبان باكستان، أن المناطق القبلية كانت مستقلة، وحافظت على استقلالها طوال فترة الاستعمار البريطاني للمنطقة، واشتهرت بجهاد رجال القبائل من العلماء الذين قادوا حركات جهادية ضد الاستعمار الإنجليزي، لكن لما هاجمت الولايات المتحدة الأميركية وحلفاؤها الإمارة الإسلامية في أفغانستان وأسقطتها هاجر أتباعها إلى المناطق القبلية في وزيرستان الجنوبية والشمالية؛ وذلك بعد 2001. وبناء على العلاقات الأخوية بين رجال القبائل وهؤلاء المهاجرين وقفنا معهم وساعدناهم، وبناء على الطلب الأميركي هاجم الجيش الباكستاني هذه المناطق، وقام بعمليات وحشية في تلك المناطق، ثم حاولت الحكومة الباكستانية أن تقضي على الحريات التي كانت تتمتع بها هذه المناطق القبلية، وأن "تقضي على النظام القبلي الأقرب إلى الشريعة الإسلامية وأن تضم هذه المناطق إلى المناطق المستقرة الخاضعة لقوانينها، وتطبق فيها نظامها الديمقراطي النجس!"(12). ويعتبر المناطق القبلية هي قواعدهم التي ينطلقون منها، ويجب أن تكون هذه القواعد محررة ومستقلة، بعيدة عن سيطرة الآخرين، ومن هنا جاء قرارهم بـ"الجهاد ضد هذا الجيش الباكستاني الغازي. ومن هنا فإننا نقوم بجهاد الدفع، ومن حقنا دفع الصائل، فإن الجيش الباكستاني يغزونا ونحن في مناطقنا فنحن ندفع الضرر والهجوم عنَّا" ويرى أن هذا جهاد مشروع.
ويحدد الشيخ نورولي، قائد حركة طالبان باكستان، مقاصد الحركة بالنسبة للمناطق القبلية وتتلخص فيما يلي:
- أن قادة القبائل المجاهدين، مثل الشيخ ملاباونده وشهزاد فضل دين وفقير إيبي والحاج ترنكزي، قاتلوا الإنجليز، ودافعوا عن النظام القبلي وحاولوا تطبيق الشريعة في المناطق القبلية، نحن أيضًا ندافع عن حريتنا ونظامنا القبلي ونقاتل العدو الصائل، الجيش الباكستاني تحت القيادة الأميركية.
- سنقوم بإصلاح ما يتعارض مع الشرع في النظام القبلي، وسنحاول الحفاظ على هذا النظام الأقرب إلى الفطرة.
- سنعمل على إفشال مخطط الحكومة الباكستانية الذي يهدف إلى نزع سلاح القبائل، وسلب حرياتها، وإخضاعها للنظام الديمقراطي، وإخضاعها للنظام البوليسي، نظام الذل والخنوع والعبودية، كما أننا نريد تحرير القبائل من قانون (Frontier Crimes Regulation) (FCR)(13).
- نريد نظامًا تعليميًّا أفضل للقبائل، كما أننا نطالب بنظام أفضل للخدمات الصحية للقبائل، وسنهيئ فرص الازدهار الاقتصادي للمناطق القبلية في دائرة شرع الله.
- سنحاول استرداد كل حقوق القبائل التي غصبها الحكام الظلمة من عقود.
الهدف الثالث: وتهدف إلى تحقيق ما يلي في باكستان وفي سائر العالم:
- القيام بجهاد الدفع في باكستان، والسعي لإقامة الخلافة في العالم تحت قيادة إمارة أفغانستان الإسلامية.
- الاعتماد الكلي الكامل في المعتقدات على المذهب الحنفي الديوبندي مع احترام المدارس الفكرية الأخرى.
- عدم إثارة الخلافات المذهبية داخل الصف الجهادي.
- احترام المنظمات الجهادية الأخرى، واعتبار إنشاء تنظيم معارض لتلك المنظمات الجهادية جريمة.
- تعيين المقاصد والأهداف الجهادية في ضوء الفقه الحنفي، واستهداف المؤسسات الأمنية الباكستانية ومن يتعاون معها وجواسيسها الذين يؤذون المجاهدين.
- الابتعاد عن استهداف المساجد والمدارس والمراكز الدينية والخانقاهات، والشخصيات المذهبية والشعائر الدينية والعلماء، وعدم استهداف الأماكن العامة وممتلكات عامة الناس، بل واحترام هؤلاء الشخصيات وهذه الأماكن.
- رفض إثارة النزاعات القبلية، ورفض سياسة الصدام بين المنظمات الجهادية.
- فصل القضايا في ضوء الكتاب والسنة والفقه الحنفي مع احترام المذاهب والمدارس الفكرية الأخرى.
- تفتيش مصادر الدخل في ضوء الفقه الحنفي(14).
- قطع العلاقات بالحكومة والمؤسسات الحكومية، وإذا وجدت ضرورة للاتصال بها لمقصد من مقاصد جهادية فيترك الأمر لرأي الأمير عندئذ ليقرر ما يراه مناسبًا.
- الثقة التامة في قيادة إمارة أفغانستان الإسلامية، وأن نعتبر صداقتها معيارًا لصداقتنا وعداوتها معيارًا لعداوتنا.
- إرشاد المسلمين إلى الحق في جميع مناحي الحياة؛ السياسية والدينية والاقتصادية والمعيشية والمعاملات في ضوء الكتاب والسنة.
- الحفاظ على جو من الثقة والاحترام والتفاهم مع الأحزاب الدينية وغير الدينية من الأحزاب السياسية الباكستانية، ورسم سياسة التعامل مع الأحزاب السياسية غير الدينية نظرًا لتاريخها وتعاملها الحالي(15).
قضية سياسية بمفردات دينية
هذه الأهداف كما رأيناها في الغالب أهداف سياسية تتعلق بقرارات سياسية، لكن الحكومة الباكستانية والمؤسسة العسكرية لا تميل إلى معالجتها سياسيًّا، علمًا بأنها ليست مطالب حركة طالبان باكستان فقط، بل هي مطالب العديد من الجهات السياسية غير المسلحة في باكستان أيضًا.
ورغم أن الأهداف سياسية لكن طرفي الصراع يحاولان الاستفادة من مفردات دينية لإضفاء الشرعية على تصرفاتهما؛ لأن أهل المنطقة متدينون ومن الممكن التأثير عليهم عن طريق استخدام هذه المصطلحات واصطفافهم إلى جانبهم عن طريق الاستفادة من هذه المفردات الدينية.
الاستفادة من مصطلح "الخوارج"
ومن المصطلحات التي يستخدمها الإعلام الرسمي والشعبي الباكستاني بتوصية من الاستخبارات العسكرية هو مصطلح "الخوارج" للتعبير عن حركة طالبان باكستان كمحاولة للربط بين حركة طالبان وبين ما ورد في التراث الإسلامي من النصوص مثل حديث "الخوارج كلاب النار"(16)، وكمحاولة للربط بين ما تقوم به المؤسسة العسكرية الباكستانية وما ورد من تاريخ طويل لمقاومة الأمة بعلمائها وسلطتها السياسية ضد الخوارج، كما أن المؤسسة العسكرية تحاول بذلك أن تلصق باستخدام هذا المصطلح تهمة تكفير المسلمين بحركة طالبان(17).
الاستفادة من مصطلح "غزو الهند"
في مقابل ذلك تستخدم حركة طالبان باكستان مفردات مثل غزو الهند للربط بين ما تقوم به وبين ما ورد في حديث النبي صلَّى الله عليه وسلَّم من الدعاء للجماعة التي ستغزو الهند، حيث يقول صلَّى الله عليه وسلَّم: "عِصَابَتَانِ مِنْ أُمَّتِي أَحْرَزَهُمَا اللَّهُ مِنَ النَّارِ: عِصَابَةٌ تَغْزُو الْهِنْدَ، وَعِصَابَةٌ تَكُونُ مَعَ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ عَلَيْهِمَا السَّلَام"(18)، وما رواه أبو هريرة رضي الله عنه؛ حيث قال: "وَعَدَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَزْوَةَ الْهِنْدِ فَإِنْ أُدْرِكْهَا أُنْفِقْ فِيهَا مَالِي وَنَفْسِي، فَإِنِ اسْتُشْهِدْتُ كُنْتُ مِنْ أَفْضَلِ الشُّهَدَاءِ، وَإِنْ رَجَعْتُ فَأَنَا أَبُو هُرَيْرَةُ الْمُحَرَّرُ"(19)، وليتسنى لهم إسقاط هذا الحديث على حالهم يسمون الجيش الباكستاني بـ"Royal Indian Army"، ويعتبرون أنفسهم تلك العصابة التي أحرزها الله من النار والتي ستغزو الهند(20).
ويؤخذ على هذا الخطاب كونه يمثل استغلالًا لحالة التدين العامة لدى الناس من خلال توظيف المفردات الدينية في حرب للوصول إلى مصالح سياسية، فأهل المنطقة متدينون يؤثر فيهم الخطاب الديني في صراع كل طرف يحاول أن يستميلهم إلى جانبه عن طريق الاستفادة من هذه المصطلحات الدينية.
وجهة نظر إمارة أفغانستان الإسلامية
الموقف العلني لإمارة أفغانستان الإسلامية هو أن العمليات العسكرية وحوادث الاشتباكات المسلحة بين المعارضة الباكستانية المسلحة والجيش والشرطة الباكستانيين أمور داخلية لباكستان، والإمارة الإسلامية لا دخل لها فيها، ومن هنا يجب على الحكومة الباكستانية أن تحل مشاكلها بنفسها بدل إلقاء اللوم عليها. هذا ما أعلنه ويعلنه دائمًا ذبيح الله مجاهد، الناطق باسم الإمارة الإسلامية، في وسائل الإعلام العالمية والمحلية كلما يتهم المسؤولون الباكستانيون الإمارة الإسلامية بمساندة حركة طالبان باكستان في هجماتها داخل الأراضي الباكستانية، لكن قيادة الإمارة الإسلامية تعترف بوجود مشكلة، فإن مجموعة كبيرة من قيادات وأفراد حركة طالبان باكستان يتواجدون في أفغانستان.
واستقبلت الإمارة الإسلامية عدة وفود رسمية وعلمائية باكستانية لمناقشة مشكلة حركة طالبان باكستان، وهذا اعتراف ضمني بوجود قيادات وأفراد حركة طالبان داخل أفغانستان كما يدعي الساسة الباكستانيون ومعهم وسائل إعلامهم الرسمية والشعبية، لكن هذا لا يدل على أن الإمارة الإسلامية تعترف بأن هؤلاء يديرون الهجمات المسلحة داخل الأراضي الباكستانية، بل يعتبرون هؤلاء مهجَّرين أُجبروا على ترك مناطقهم وأوطانهم في وزيرستان الجنوبية والشمالية فاستوطنوا هذه المناطق. ومن أهم الوفود الباكستانية التي استقبلتها إمارة أفغانستان الإسلامية خلال السنوات الثلاث الماضية ما يلي:
- وزير الدفاع الباكستاني، خواجه آصف، زار كابل وكان يرافقه رئيس الاستخبارات العسكرية، عام 2023، وناقش الموضوعات الأمنية والإرهاب(21).
- زار وفد كبير من العلماء بقيادة الشيخ المفتي، محمد تقي العثماني، أحد كبار علماء باكستان لإقناع قيادات حركة طالبان باكستان بترك الكفاح المسلح في باكستان، في صيف 2022، وعقد الوفد المذكور مجالس عديدة مع قيادات الإمارة الإسلامية في أفغانستان كما أنه التقى بقيادات حركة طالبان باكستان، لكنهم لم يقتنعوا بوجهة نظر الشيخ محمد تقي العثماني(22).
- زار السياسي المخضرم ورئيس جمعية علماء باكستان، المولوي فضل الرحمن، کابل لنفس الغرض، وهو الوحيد الذي وجد فرصة للقاء القائد الأعلى للإمارة الإسلامية، الشيخ هبة الله آخوند زاده، وناقشه في قضية المهاجرين من وزيرستان(23).
وقد هيأ المسؤولون في الإمارة الإسلامية الظروف لبعض هذه الوفود لمناقشات مباشرة بين قيادات وأفراد حركة طالبان، كما أن الإمارة الإسلامية حاولت أن تنقل المهجَّرين من وزيرستان المستقرين في ولاية بكتيكا، خوست وبكتيا، إلى الولايات المركزية في أفغانستان مثل ولاية غزني وغيرها والتي تبعد عن الحدود الأفغانية-الباكستانية(24)، وهذا يدل على أن الإمارة الإسلامية تريد حل المشكلة، ولا ترفض التعاون في ذلك.
أين المشكلة إذن؟
المشكلة تكمن في أن السلطات الباكستانية تطالب الإمارة الإسلامية في أفغانستان أن تقوم بعمليات عسكرية ضد حركة طالبان باكستان وأن تدمر مراكزهم، وتعتقل قياداتهم وتسلمهم للسلطات الباكستانية وتنهي هذه المشكلة بصورة عاجلة وفورية، بمعنى أنها تطلب من حركة طالبان أفغانستان أن تدخل حربًا ضد حلفائهم بالأمس، حركة طالبان باكستان، وتوجه فوهات بنادقها إليها وتستريح باكستان وتؤمِّن مصالحها الإستراتيجية العالقة مع أفغانستان؛ اللعبة التي أتقنتها مؤسسة الاستخبارات العسكرية الباكستانية خلال خمسين سنة ماضية وخاصة مع الحكومات الأفغانية المتعاقبة.
وترى السلطات الأفغانية أنها لا تستطيع أن تخوض حربًا ضد حركة طالبان باكستان نيابة عن باكستان، وأن هذه الأزمة لا يمكن حلها بين ليلة وضحاها، بل تحتاج إلى صبر ورويَّة وأن الإمارة الإسلامية تحتاج إلى وقت لحل هذه المشكلة، هذا ما صرَّح به المولوي فضل الرحمن، رئیس جمعية علماء باكستان، بأن هذا هو موقف السلطات الأفغانية وأنهم لا يرفضون المساعدة في حل القضية لكنهم يطلبون مهلة للحل(25)، كما صرَّح بذلك أيضًا الموفد الرسمي الباكستاني إلى أفغانستان، صادق خان.
المعضلة الحقيقية وراء ذلك
لكن هذه أيضًا ليست المشكلة الحقيقية، بل المشكلة الحقيقية أن هناك انعدامًا تامًّا للثقة بين إمارة أفغانستان الإسلامية والسلطات الباكستانية. وتعتقد الإمارة الإسلامية أن السلطات الباكستانية، وخاصة المؤسسة العسكرية منها، تلعب على أوتار كثيرة، وأنها تريد أن تُحدث شرخًا بين حركة طالبان باكستان وإمارة أفغانستان الإسلامية لتصطاد بعد ذلك في المياه العكرة. وتؤكد الجهات الرسمية في الإمارة الإسلامية أن المؤسسة العسكرية لا تضمر الخير لإمارة أفغانستان الإسلامية؛ فالسلطات الباكستانية تؤوي وتدرب المنتمين لـ"داعش" للقيام بعمليات عسكرية وهجمات إرهابية في أفغانستان، والجهات الرسمية وغير الرسمية تؤكد ذلك باستمرار، وأحد الحسابات الرسمية لحركة طالبان أفغانستان على موقع (X-Twitter) تنشر باستمرار اعترافات أفراد داعش الذين يُقبض عليهم في أفغانستان بأنهم تدربوا على الأعمال العسكرية في باكستان وأنهم وُظِّفوا من قبل مؤسسة الاستخبارات العسكرية الباكستانية وتم إرسالهم إلى القيام بالعمليات في أفغانستان(26).
ويقول نائب وزير خارجية إمارة أفغانستان الإسلامية، شير عباس ستانكزي: لدينا أدلة وشواهد تدل على أن "داعش" لديه مراكز التدريب في باكستان، وأن الجيش الباكستاني يدرب ويجهز أتباع "داعش" ثم يتم إرسالهم إلى أفغانستان للقيام بعمليات إرهابية.
وأضاف قائلًا: "لدينا أدلة على ذلك، وقد كررنا ذلك أكثر من مرة، لدينا أدلة على ذلك، لدينا في السجون أتباع داعش الذين يقرون أمام الكاميرات بأنهم تلقوا التدريبات في مراكز في باكستان، وأن الجيش الباكستاني يقوم بتدريبهم ثم يتم تسليحهم من قبل الجيش ويتم إرسالهم إلى أفغانستان، ونحن نلقي القبض عليهم"(27). كل ذلك يدل على انعدام الثقة بين الطرفين.
وفي هذا الجو من انعدام الثقة لا يمكن للإمارة الإسلامية أن تقدم على حل هذه القضية من جهة واحدة ما لم تأخذ احتياطاتها اللازمة نظرًا للتاريخ الطويل لمؤسسة الاستخبارات العسكرية الباكستانية في ممارسة أنواع من الضغوط على الجيران للوصول إلى الأهداف الباكستانية. ومن هنا فإن إمارة أفغانستان الإسلامية ترى أن السلطات الباكستانية تملك أوراقًا كثيرة للضغط عليها، منها:
- ورقة المهاجرين الأفغان المتواجدين في باكستان، وعددهم يتجاوز ثلاثة ملايين شخص، ومن حين لآخر يتم استخدام هذه الورقة للضغط على أفغانستان، فتهدد في ظروف غير مناسبة بإجلائهم الجبري من باكستان إلى جانب التعامل المهين من قبل الشرطة الباكستانية مع هؤلاء المهاجرين.
- ورقة الخدمات الصحية والتعليمية، فالخدمات الصحية والتعليمية والخدمات الأخرى في أفغانستان ليست على المستوى المطلوب حتى الآن، بل وقد آلت إلى الانحدار بعد مغادرة كثير من الكوادر العلمية بلادهم وهجرتهم إلى الدول الأجنبية، ومن هنا فإن الكثيرين من الأفغان يحتاجون للسفر إلى باكستان ليستفيدوا من هذه الخدمات، لكن لسوء الحظ تستخدم باكستان هذه الورقة بقوة وبصورة مدروسة للضغط على الإمارة الإسلامية، وتباع تأشيرة باكستان في السوق السوداء بأكثر من 1500 دولار، والمتضرر الأكبر هو الأفغاني العادي الذي يسافر للعلاج أو للدراسة أو غيرها.
- ورقة الأموال التجارية؛ بما أن أفغانستان دولة بلا منفذ بحري، فإن التجار الأفغان الذين يستوردون البضائع عن طريق ميناء كراتشي تُمارَس عليهم ضغوط متنوعة، وفي كثير من الأحيان تبقى أموالهم التجارية مكومة في الميناء بحيث يجبرون على التخلي عن أموالهم أجرة التخزين تكون أكثر بكثير من ثمن البضائع نفسه، وأحيانًا يدفعون أموالًا طائلة للتأخير في الإجراءات، وفي كثير من الأحيان يتم توقيف الشاحنات بحيل عجيبة على الحدود لتفسد تلك الأموال، كما أن من يصدِّر الفواكه الأفغانية إلى باكستان أو إلى الهند تفسد بضائعهم على الحدود الباكستانية-الأفغانية بسبب تعنت السلطات الحدودية.
- ورقة داعش، فالجيش الباكستاني كما نقلنا عن نائب وزير خارجية إمارة أفغانستان الإسلامية أقام له مراكز التدريب والإقامة، ويتم إرسالهم إلى القيام بالعمليات العسكرية داخل الأراضي الأفغانية.
- ورقة استخدام القصف الجوي والصواريخ؛ تستخدم باكستان من حين لآخر المسيرات، والطائرات الحربية والصواريخ لقصف مواقع مختلفة داخل الحدود الأفغانية.
وإذا كانت المؤسسة العسكرية في باكستان تملك كل هذه الأوراق ضد إمارة أفغانستان الإسلامية وهي تستخدمها ضدها من وقت لآخر وتحاول أن تثير الرأي العام الأفغاني ضدها باستخدام بعض تلك الأوراق، فهل يكون من المعقول أن تفرط الإمارة الإسلامية في بعض ما تملك من الأوراق ما لم تحصل على ضمانات معقولة من أنها لن تتعرض للابتزاز من قبل المؤسسة العسكرية الباكستانية في القضايا الإستراتيجية العالقة بين البلدين.
لماذا هذا التصعيد في هذا التوقيت؟
ومن جهة أخرى، فإن أصحاب الرأي في الشأن الأفغاني يرون أن قضية طالبان باكستان ليست هي القضية الأهم لباكستان، ولكنها تريد أن تضخِّم هذه القضية وتثير هذه الضجة الإعلامية الكبيرة في هذا التوقيت بالذات للأمور التالية:
الأول: يريد الجيش الباكستاني أن يطمئن الصين بأن استثماراتها في مشروع (CPEC) العملاق في مأمن، وأن الجيش الباكستاني مستعد أن يستهدف كل من يتعرض لأتباع الصين من العمال والفنيين في باكستان، فإن الصين كانت قلقة إزاء هجمات حركة طالبان على المهندسين الصينين، وأثناء زيارة رئيس وزراء باكستان للصين، في يونيو/حزيران 2024، طلب منه الرئيس الصيني، تشي جين بينغ، أن تهيئ باكستان مناخًا آمنًا للعمال والفنيين الصينين العاملين في باكستان، وأن رئيس وزراء باكستان طمأنه بهذا الخصوص(28)، والسلطات الباكستانية، وخاصة الجيش، تتهم حركة طالبان باكستان بارتكاب هذه الهجمات إلى جانب جيش التحرير البلوشي(29)، وليتم إرسال رسالة الطمأنة إلى الصين قامت باكستان بهذا التصعيد في هذا التوقيت.
الأمر الثاني: تُتَّهم الجهات الأمنية الباكستانية وجنرالات الجيش الباكستاني بأنهم تعودوا على مكاسب كبيرة من اقتصاد الحرب خلال خمسين سنة ماضية، وأن اقتصاد باكستان كان مزدهرًا بما كانت تتقاضاه من واشنطن وحلفائها من مساعدات في الحرب ضد الاتحاد السوفيتي ثم ما كانت تتقاضاه خلال عشرين سنة ماضية من أموال ومساعدات إزاء تعاونها في الحرب الأميركية على الإرهاب المزعوم، وقد توقفت تلك المساعدات، وحاول الجيش الباكستاني أن تنشط تلك الموارد مرة أخرى وخاصة بعد أن تدهور الوضع الاقتصادي في البلد كما أراد أن يحصل على المساعدات الأميركية من ميزانيتها المختصة للحرب على الإرهاب وذلك بحجة القضاء على أنشطة حركة طالبان باكستان العسكرية. ولما قام قائد الجيش الباكستاني، عاصم منير، بزيارة لأميركا، عام 2023، كانت هذه القضية حاضرة على طاولة المحادثات، فإن من أهم القضايا التي ناقشها عاصم منير مع الجهات الأميركية قضية الجماعات الإرهابية التي ما زالت نشطة في أفغانستان، وأنه طلب الدعم الأميركي للقضاء على الأنشطة العسكرية لحركة طالبان باكستان(30). ويقوم الجيش الباكستاني بالتصعيد مع إمارة أفغانستان الإسلامية من وقت لآخر ليثبت لأميركا أنه يخوض حربًا ضد الجماعات الإرهابية وأنه يستحق بذلك التمويل من ميزانية أميركا للحرب على الإرهاب.
الأمر الثالث: تمارس باكستان هذه الضغوط على إمارة أفغانستان الإسلامية، وتصعِّد من وقت لآخر للفت أنظار العالم إلى القضايا الإستراتيجية العالقة بين البلدين، وتحاول من خلال ممارسة الضغوط العسكرية والحرب الإعلامية بأنها تؤوي حركة طالبان باكستان الإرهابية داخل أراضيها، أن تصل إلى حلول مرضية لتلك القضايا، ومنها القضايا التالية:
- قضية خط ديورند الحدودي التي تعتبر قضية عالقة بين البلدين، والحكومات الأفغانية المتعاقبة لا تعتبر هذا الخط الحدودي حدودًا دولية بين البلدين؛ لأن اتفاقية تعيين الحدود كانت موقعة بين أفغانستان والتاج البريطاني في 1893، ولم يكن إذ ذاك وجود لباكستان، وباكستان تعتبر هذا الخط الحدود الدولية بين البلدين، والقضاء على المناطق القبلية وضمها إلى ولاية خيبر بختونخوا يعتبر محاولة نحو حل قضية خط ديورند في نظرها.
- قضية المياه التي تصب في باكستان من منابع المياه في أفغانستان، فإن باكستان تمنع أفغانستان من إقامة السدود على أنهارها، وقد بدأت الإمارة الإسلامية تفكر في التخطيط لإقامة بعض السدود على نهر كابل ونهر كونر، وهذه قضية مقلقة لباكستان.
- علاقات أفغانستان بالهند؛ تنظر باكستان إلى العلاقات بين أفغانستان والهند بنظرة الشك، وتتهم كل الحكومات المتعاقبة في أفغانستان بتوطيد العلاقات بالهند للإضرار بباكستان، وتطالب أحيانًا صراحة وأحيانًا تلميحًا بأن تكون علاقات أفغانستان مع الهند تحت ملاحظة باكستان، وهذا ما لا يمكن القبول به لمن يكون في السلطة في كابل، فإن إيجاد العلاقات بالدول الأخرى من حق الدول المستقلة.
خلاصة
إن من أهم الأسباب الظاهرة للتصعيد الحالي قضية حركة طالبان باكستان وتواجدها في الأراضي الأفغانية المتاخمة للحدود الباكستانية، وقيامها بعمليات عسكرية تتحدث عنها وسائل الإعلام الباكستانية، وقد تكون هذه القضية بالفعل تشكِّل سببًا من أسباب التصعيد الحالي المتعددة، لكن المشكلة الأساسية بين البلدين والتي ستظل سببًا مستمرًّا للتصعيد بينهما من وقت لآخر هو انعدام الثقة، وتتهم أفغانستان السياسات والممارسات التي مارستها المؤسسة العسكرية الباكستانية طوال الخمسين سنة ماضية بأنها مسؤولة عن هذه المعضلة في العلاقات وأنتجت انعدامًا كاملًا للثقة بين البلدين.
ويرى الممسكون بزمام الأمر في أفغانستان اليوم أن الوصول إلى حل معقول للمشاكل العالقة بين البلدين لا يكون بالقصف الجوي ولا التصعيد العسكري، وأن الوصول إلى ذلك الحل يقتضي إبعاد المؤسسة العسكرية وخاصة الاستخبارات العسكرية عن معادلة ترسيم السياسة الخارجية الباكستانية تجاه جيرانها وخاصة أفغانستان، وبدون هذه الشروط سيتسمر حدوث التصعيد من وقت لآخر.
- (پاکستان کی افغان صوبے پکتیکا میں فضائی کارروائی، اہم کمانڈرز سمیت 71 خوارج ہلاک، 4 مراکز تباہ) (القصف الجوي الباكستاني على ولاية بكتيكا الأفغانية، قتل فيه إلى جانب القادة الميدانيين 71 من الخوارج، وتم تدمير أربع مقرات لهم)، جريدة جنك الباكستانية بالأوردو 26 ديسمبر/كانون الأول 2024، (تاريخ الدخول:7 يناير/كانون الثاني 2025)، (https://short-link.me/PSYt) وتمت.
- "طالبان: د پکتیکا ولایت کې د پاکستان په هوايي بریدونو کې د ماشومانو په ګډون ۴۶ تنه مړه شوي"، موقع صوت أميركا بالبشتو، (5/10/1403هـ ش الموافق 25 ديسمبر/كانون الأول 2024)، (تاريخ الدخول:7 يناير/كانون الثاني 2025)، (https://short-link.me/Nszy)
- يقصدون بذلك أنها "مخابئ "تنظيم الدولة/داعش".
- جريدة جنك الباكستانية، خبر بعنوان: (پاکستان کی افغان صوبے پکتیکا میں فضائی کارروائی، اہم کمانڈرز سمیت 71 خوارج ہلاک، 4 مراکز تباہ) (القصف الجوي الباكستاني على ولاية بكتيكا الأفغانية، قتل فيه إلى جانب القادة الميدانيين 71 من الخوارج، وتم تدمير أربعة مقرات لهم) المنشور على موقع جريدة جنك الباكستانية بالأوردو، 26 ديسمبر/كانون الأول 2024، (تاريخ الدخول: 7 يناير/كانون الثاني 2025)، (https://short-link.me/PSYt)
- (عسکریت پسندی سے نمٹنے کے لیے آپریشن عزم استحکام کی منظوری) "الموافقة على عملية "عزم استحكام" للقضاء على الجماعات المسلحة" باللغة الأوردية على موقع ((Independent Urdu يوم 22 يونيو/حزيران 2024، (تاريخ الدخول: 8 يناير/كانون الثاني 2025)، (https://short-link.me/PUWK)
- (پاکستان: ښایې پاکستاني طالبان په افغانستان کې په نښه کړای شي) "لعل باكستان تهاجم مواقع طالبان باكستان داخل أفغانستان"، المنشور على موقع إذاعة (DW) بالبشتو يوم (8/4/1403هـ ش الموافق 28 يونيو/حزيران 2024)، (تاريخ الدخول: 8 يناير/كانون الثاني 2025)، (https://short-link.me/PUXG)
- راجع تصريحات شهباز شريف على سبيل المثال تحت عنوان (سرحد پار سے دہشت گردی اب مزید برداشت نہیں: وزیراعظم شہباز شریف) (شهباز شريف: لن نتحمل الأعمال الإرهابية من وراء الحدود أكثر من ذلك)، المنشور على موقع أردو نيوز الباكستاني بالأوردية 20 مارس/آذار 2024، (تاريخ الدخول: 9 يناير/كانون الثاني 2025)، (https://www.urdunews.com/node/845456)
- (جنوبی وزیرستان: چیک پوسٹ پر حملہ، فائرنگ کا تبادلہ، 16 جوان شہید، 8 خوارج ہلاک) "وزيرستان الجنوبية: هجوم على موقع عسكري، تبادل إطلاق النار، استشهد 16 من الجنود، ونفق 8 من الخوارج"، موقع جريدة نواي وقت الباكسانية بالأوردو، 22 ديسمبر/كانون الأول 2024، (تاريخ الدخول: 9 يناير/كانون الثاني 2025)، (https://shorturl.at/jSBmI)
- راجع تفصيلات هذه الهجمات في رسم توضيحي تم نقله عن مصادر حركة طالبان باكستان على منصة إكس تويتر على الرابط المختصر التالي: (https://linksshortcut.com/ntJPk). ونقله كذلك موقع غز بالأوردو تحت عنوان (کالعدم ٹی ٹی پی کی جانب سے 2024 کے حملوں کی تفصیلات جاری) (نشرت تفاصيل هجمات حركة طالبان باكستان المحظورة خلال عام 2024) يوم 2 يناير/كانون الثاني 2025، (تاريخ الدخول: 10 يناير/كانون الثاني 2025)، (https://ghag.pk/ttp-released-attacks-details-2024/).
- مقابلة خواجه محمد آصف، وزير الدفاع الباكستاني، على موقع فضائية جيونيوز الأوردية، ونشر الخبر بعنوان (افغان حکومت نےٹی ٹی پی کو افغانستان میں بسانےکیلئے 10 ارب روپے مانگے تھے: خواجہ آصف) (طلبت الحكومة الأفغانية (إمارة أفغانستان الإسلامية) عشرة مليارات روبية باكستانية لتوطين أفراد حركة طالبان في مناطق نائية من الحدود الأفغانية الباكستانية)، موقع جيو نيوز، 1 يناير/كانون الثاني 2025، (تاريخ الدخول: 10 يناير/كانون الثاني 2025)، (https://urdu.geo.tv/latest/391746-)
- المصدر السابق.
- قررت باكستان منذ فترة ضم هذه المناطق القبلية إلى المناطق الخاضعة للقانون الباكستاني. راجع خبرًا بعنوان (فاٹا کے خیبرپختونخوا میں انضمام کی قومی اسمبلی سے منظوری) (وافق البرلمان على ضم المناطق القبلية لإقليم خيبر بختونخوا)، 25 مايو/أيار 2018، (تاريخ الدخول: 10 يناير/كانون الثاني 2025)، (https://2u.pw/TOzo765k)
- هو القانون المعروف الذي طبقه الاستعمار الإنجليزي على المناطق القبلية في عام 1867، وتم تعديله عدة مرات بعد ذلك.
- هذه النقطة غامضة.
- أبو منصور عاصم مفتي نورولي محسود، (انقلاب محسود ساوتھ وزیرستان فرنگی راج سے امریکی سامراج تک) بالأوردية، باهتمام خالد محسود نائب أمير حركة طالبان باكستان، الطبعة الأولى 2017، الإعداد للطبع: مركز ماسيد لخدمات الكمبيوتر مديرية برمل، ولاية بكتيكا، أفغانستان، الناشر: الشهاب قسم النشر والتوزيع ص 93 إلى 95، وانظر كذلك 116 إلى 137، وقد قارن إلى جانب التذكير بأهداف حركة طالبان باكستان مرة أخرى بين النظام القبلي و"النظام الديمقراطي النجس"، حسب تعبيره.
- حديث صحيح أخرجته كتب الحديث منهم ابن ماجه، والترمذي، والحاكم وغيرهم عن ابن أوفى وعن أبي أمامة وغيرهم من الصحابة إلا أن العلماء يقولون: إن كلمة "الخوارج" هي مدرجة لأن هذا المصطلح وُجد بعد عصر الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم، واستخدم الصحابة هذا المصطلح يقينًا منهم بأن الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم أراد بهم هؤلاء الذين ظهروا وعُرفوا بـ"الخوارج" أو بعض فرقهم مثل الأزارقة وغيرهم.
- هذا هو المصطلح المستعمل في وسائل الإعلام الرسمية والشعبية الباكستانية، كما رأينا في ما نقلنا عن جريدتين من أهم الجرائد اليومية في باكستان: جريدة "نواي وقت" و جريدة "جنك".
- حديث صحيح أخرجه أحمد في المسند وبعض أصحاب السنن عن ثوبان رضي الله عنه.
- خرَّج الحديث العديد من كتب الحديث منها مسند أحمد والنسائي في السنن والبيهقي في السنن كذلك وغيرهم.
- هناك عشرات الحسابات على موقع (X-Twittr) و(Instagrm). شاهد على سبيل المثال هذا الفيديو المنشور على الفيس بوك على الرابط التالي: (https://www.facebook.com/watch/?v=8988627691253074)، وراجع على سبيل المثال الحساب التالي (@usamausama12344) الحساب باسم أبو ذر.
- (سفر کمسابقه وزیر دفاع پاکستان و رئیس «آیاسآی» به کابل به دنبال افزایش حملات طالبان پاکستانی) (سفر نادر لوزير الدفاع الباكستاني ورئيس الاستخبارات العسكرية (ISI) إلى كابل، بعد تزايد العمليات العسكرية لحركة طالبان باكستان) المنشور على موقع إذاعة بي بي سي بالفارسية يوم 22 فبراير/شباط 2023، (تاريخ الدخول: 10 يناير/كانون الثاني 2025)، (https://short-link.me/Q3rm)
- (هیئت پاکستانی برای ادامه مذاکرات با طالبان پاکستانی به کابل آمد) (وفد باكستاني وصل إلى كابل لمواصلة المحادثات مع حركة طالبان باكستان) المنشور باللغة الفارسية على موقع آريانا نيوز يوم 22 يوليو/تموز 2022، (تاريخ الدخول: 10 يناير/كانون الثاني 2025)، (https://short-link.me/NCLn)
- مولانا فضل الرحمن با برخی از مقامهای حکومت طالبان در کابل گفتگو کرد) (أجرى المولوي فضل الرحمن محادثات مع مجموعة من قيادات حكومة طالبان في كابل)، المنشور على موقع إذاعة الحرية بالفارسية يوم 8 يناير/كانون الثاني 2024، (تاريخ الدخول: 10 يناير/كانون الثاني 2025)، (https://da.azadiradio.com/a/32765172.html).
- لأجل هذه الترتيبات كانت هناك ضجة كبيرة أثارها معارضو الإمارة الإسلامية في وسائل الإعلام بأن الإمارة الإسلامية تحاول تغيير الحالة الديمغرافية لصالح العرق البشتوني. راجع على سبيل المثال مقالًا بعنوان (کشور در کنترول پشتونهای پاکستانی است) (البلد تحت سيطرة البشتون الباكستانيين) المنشور على موقع شبكه اطلاع رساني أفغانستان يوم 16/3/1402ه ش الموافق 6 يونيو/حزيران 2023، (تاريخ الدخول: 11 يناير/كانون الثاني 2025)، (https://www.afghanpaper.com/nbody.php?id=173249)
- راجع مقابلة المولوي فضل الرحمن مع طاهر خان على يوتيوب، (تاريخ الدخول: 11 يناير/كانون الثاني 2025)، (https://short-link.me/NGSG)
- راجع حساب المرصاد بالفارسية والأوردية على موقع (X)، على الرابط التالي: (@almirsad_dari)
- (ستانکزی: د پاکستان پوځ داعش ته روزنه او په افغانستان کې د بريدونو لپاره وسلې ورکوي) (ستانكزي: الجيش الباكستاني يدرب "داعش" ويسلحه ثم يرسله إلى أفغانستان للعمليات العسكرية" المنشور على موقع فضائية شمشاد بالبشتو المنشور يوم 9 يناير/كانون الثاني 2025، (تاريخ الدخول: 11 يناير/كانون الثاني 2025)، (https://short-link.me/Q867)
- علي فرقان، مقال بعنوان (شہباز شریف کا دورۂ چین: 'پاکستان نے سیکیورٹی سے متعلق یقین دہانیاں کرائی ہیں) (زيارة شهباز شريف للصين: باكستان قدمت ضمانات لسلامة العمال الصينين) المنشور على موقع إذاعة صوت أميركا بالأوردية يوم 8 أكتوبر/تشرين الأول 2024، (تاريخ الدخول: 11 يناير/كانون الثاني 2025)، (https://short-link.me/NHLE)
- راجع ضياء الرحمن خان، مقالًا بعنوان (سی پیک سے منسلک چینی انجینئروں پر حملے؛ پاکستان کے لیے چیلنجز بڑھ گئے ہیں) (الهجمات على المهندسين العاملين في مشروع سي بك: قد ازدادت التحديات أمام باكستان)، 8 أكتوبر/تشرين الأول 2024، (تاريخ الدخول: 11 يناير/كانون الثاني 2025)، (https://www.urduvoa.com/a/attacks-on-cpec-related-chinese-workers-pose-severe-challenges-for-pakistan-08oct2024/7814298.html)
- عاصم علي رانا، مقال بعنوان (آرمی چیف کا دورۂ امریکہ؛ پینٹاگان اور جی ایچ کیو کا رابطہ منقطع نہیں ہوتا) (زيارة قائد الجيش من أميركا: العلاقات بين مقر قيادة الجيش الباكستاني والبنتاغون لا تنقطع)، موقع إذاعة صوت أميركا بالأوردية، 11 ديسمبر/كانون الأول 2023، (تاريخ الدخول: 11 يناير/كانون الثاني 2025)، (https://www.urduvoa.com/a/importance-of-pakistan-s-army-chief-us-visit-11dec2023/7392761.html).