إن ديناميكيات مبيعات الأسلحة في إفريقيا تخضع لتغييرات كبيرة، متأثرة في المقام الأول بالمنافسة الجيوسياسية بين القوى الكبرى، وخاصة روسيا والصين. وتسعى كل الدول الكبرى إلى توسيع نفوذها من خلال مبيعات الأسلحة، وغالبًا ما تستخدم هذه المعاملات لتعزيز الشراكات الإستراتيجية أو مواجهة الدول المنافسة أو تحقيق كلا الهدفين.
وتعد مبيعات السلاح أحد العناصر التي يمكن من خلالها فهم التنافس الجيوسياسي بين القوى الكبرى والصاعدة، وتعطي مؤشرات مهمة لفهم الديناميات الدولية والإقليمية وعمق المصالح المشتركة بين الأطراف المتحالفة والمتنافسة. وهذه المؤشرات مهمة في فهم خريطة التنافس المحلي في الدول التي تشهد اقتتالًا ومنافسة على السلطة أو حروبًا أهلية. وتلعب مبيعات السلاح دورًا مهمًّا في بناء التحالفات الإستراتيجية وتأجيج التوترات الإقليمية وفي بعض الأحيان استغلالها أو الاستفادة منها، وهي إحدى الأدوات القادرة على الحفاظ على المكاسب الاقتصادية وفرض النفوذ السياسي محليًّا وإقليميًّا.
وتعمِّق تجارة الأسلحة المصالح الأمنية المشتركة بين الحلفاء مما يعزز قدراتها العسكرية مجتمعة أمام التهديدات المشتركة لتلك المصالح سواء الأمنية أو الاقتصادية. وتلعب شركات تصنيع السلاح دورًا كبيرًا في بناء التحالفات، بل وتوجيه السياسة الخارجية خاصة في البيئات الأمنية المضطربة والتي تكون فيها المشورة الأمنية والعسكرية مقدمة عند صانع القرار.
فتح تَوسُّع انخراط الصين وكذلك تركيا في سوق السلاح الطريق لها لتعزيز مكانتها كقوة دولية عسكرية؛ إذ تقدم نفسها بديلًا للدول التي تعتمد تقليديًّا على الأسلحة الأميركية أو الأوروبية أو حتى الروسية "السوفيتية قديمًا". لا يعكس هذا التحول المتنامي للصين وتركيا تغيير النفوذ الجيوسياسي دوليًّا فحسب، بل هو أيضًا يعطي مؤشرات على قدرات الإنتاج العسكري والتحول من الاكتفاء الذاتي مما يجعل مجالها الحيوي يتسع ليغطي نطاقات جغرافية أكبر؛ مما يصنع ديناميات جيوسياسية جديدة تعيد تعريف المصالح الإستراتيجية للحلفاء(1).
تعتبر الساحة الإفريقية إحدى أهم الساحات التي تنعكس فيها التحولات الدولية بسرعة، ويمكن رصد ذلك في مناطق مختلفة في القارة الإفريقية، خاصة المناطق التي تمتلك مواقع جغرافية حيوية عالميًّا أو إقليميًّا. وتتجه الدول الإفريقية إلى القوى الكبرى وشركات تصنيع السلاح للحصول على الدعم العسكري مع تنامي دخول العديد من الدول في حالة من الاقتتال وعدم الاستقرار السياسي. وتمثل روسيا والصين على وجه التحديد مصدرًا مهمًّا للهروب من الشروط والتدخلات الغربية المحلية؛ إذ تعمل روسيا والصين وغيرها من القوى الصاعدة على توظيف ذلك العنصر لصناعة رؤى ومصالح مشتركة(2).
يدفع التنافس بين القوى الكبرى إلى صناعة بيئة صراعية في إفريقيا على المستوى المحلي بين الفاعلين المؤثرين، كما في ليبيا والسودان وإثيوبيا والصومال، وكذلك بين الدول الإفريقية في كل إقليم كما في القرن الإفريقي بين الصومال وإثيوبيا أو في الشمال بين الجزائر والمغرب. وتجد الدول الإفريقية نفسها محاصرة بين القوى المتنافسة؛ مما يجعلها أمام خيارات محدودة في بناء التحالفات، بل وإعادة تعريف سياساتها الدفاعية والخارجية وتغيير الإستراتيجيات العسكرية والأمن القومي بما يتناسب مع التحالف المنخرطة فيه.
وفي أفضل الحالات، تتكيف معها بالقدر الذي لا يجعلها دولًا تابعة تدور في فلك القوى الكبرى؛ إذ يتعين على البلدان الإفريقية مواءمة إستراتيجياتها الأمنية مع مصالح مورديها، مما قد يعرض سيادتها للخطر(3)(4). وبالرغم من سعي الاتحاد الإفريقي للعب دور في تشكيل سياسة دفاع وأمن إفريقي مشترك، إلا أنها تظل بعيدة عن واقع التحديات وغير مواكبة لحجم وشكل التهديدات "غير التقليدية" السائدة التي تواجهها الدول الإفريقية(5).
أكبر الدول المصدِّرة للسلاح إلى إفريقيا خلال العقد الماضي 2013-2023
وفقًا لمعهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، سيبري (SIPRI)، المتخصص في رصد تجارة السلاح حول العالم، بلغ إجمالي مبيعات السلاح إلى إفريقيا من الدول الكبرى المتنافسة في إفريقيا (روسيا، وفرنسا، والولايات المتحدة، والصين، وألمانيا، وإيطاليا، وإسبانيا، وتركيا، وبريطانيا، وإسرائيل، والهند، وكندا) خلال العقد الماضي مجتمعة 30.493 مليار دولار.
وقد تصدرت روسيا قائمة الدول الأكثر تصديرًا إلى إفريقيا خلال العقد الماضي؛ إذ بلغ إجمالي ما صدَّرته خلال السنوات العشر الماضية نحو 10.92 مليارات دولار، وبنسبة تبلغ 35.4% من إجمالي مبيعات الدول المتنافسة التي أشرنا لها. ثم تأتي فرنسا ثانية بنحو 5.37 مليارات دولار، وبنسبة 17.6%، ثم الولايات المتحدة الأميركية ثالثة بنحو 4.74 مليارات دولار، وبنسبة بلغت 15.5%، ثم الصين رابعة بنحو 3.08 مليارات دولار، وبنسبة تبلغ 10.1%، ثم ألمانيا خامسة بنحو 3 مليارات دولار، وبنسبة تقارب الصين بـ 9.9%، فيما احتلت إيطاليا المرتبة السادسة ببلوغها عتبة 2 مليار، وتحديدًا بـ1.99 مليار دولار، وبنسبة بلغت 6.5%.
فيما لم تتجاوز مبيعات كلٍّ من تركيا وإسرائيل وبريطانيا وإسبانيا حاجز 400 مليون دولار خلال العقد الماضي لكل دولة، بنسبة لم تتجاوز 1.2% لكل منها، فيما جاءت كلٌّ من كندا والهند في آخر قائمة مصدِّري السلاح بإجمالي مبيعات لم تتجاوز الـ 100 مليون دولار خلال العقد لكل منها.
من جهة أخرى، تمثل مبيعات دول حلف شمال الأطلسي (الناتو) الأكثر تصديرًا للسلاح لإفريقيا مجتمعة (الولايات المتحدة، بريطانيا، فرنسا، إيطاليا، ألمانيا، تركيا، إسبانيا، كندا) خلال العقد الماضي، والتي بلغت قيمتها 16.172 مليار دولار، وبنسبة بلغت 53.4% من إجمالي المبيعات للقارة الإفريقية، مما يجعلها تتفوق على جميع الفاعلين في الساحة الإفريقية بالمقارنة مع المعسكر الشرقي وخاصة روسيا والصين.
منذ عام 2005، شارك الناتو في دعم الاتحاد الإفريقي من خلال تقديم الخدمات الأمنية والعسكرية اللوجستية وبرامج التدريب لرفع كفاءة الجيوش والقوات المسلحة. وأخذ شكل التعاون يتطور إلى أطر أكثر تنظيمية تهدف إلى رفع القدرات التشغيلية ومعالجة التحديات الأمنية في القارة. ويؤكد المفهوم الإستراتيجي الجديد لحلف الناتو على أهمية الاستقرار في إفريقيا كمكون من مكونات الأمن العالمي، مع الاعتراف بأن الصراعات داخل القارة يمكن أن تؤدي إلى عدم استقرار جيوسياسي أوسع نطاقًا، وينظر حلف الناتو إلى الصراعات في الشرق الأوسط وإفريقيا على أنها تمثل تهديدًا مباشرًا للدول الأعضاء. ويوضح الشكل التالي نسبة صادرات دول الناتو بالمقارنة مع الصين وروسيا والدول الأخرى.
ومع ذلك، لا يجتمع أعضاء الناتو على رؤية مشتركة في كيفية التعامل مع التحولات والتغيرات الجيوسياسية، وتقدم كل دولة رؤيتها ومصالحها الخاصة على رؤية حلف الناتو في التعامل مع دول الجنوب. وقد ظهرت تلك الفروقات الكبيرة بين أعضاء حلف الناتو في المناطق التي تمثل امتدادًا حيويًّا لنفوذها كما في ليبيا؛ إذ اختلف الأعضاء حول المستوى المطلوب من المشاركة والتدخل في ليبيا، وتحولت ليبيا إلى ساحة توتر واضطراب بين تركيا وفرنسا وإيطاليا؛ لاختلاف المصالح القومية لكل دولة وتضاربها مع أولويات كل عضو في الناتو، وهو ما جعل منصة الناتو ورؤيته في التعامل مع الدول الإفريقية لا تعكس بالضرورة موقف أعضائه، فكل عضو من أعضاء الناتو، فيما يبدو، يعمل خارج الحلف لفرض معادلته ورؤيته وحماية مصالحه الحيوية.
الحرب الأوكرانية والتهاوي الروسي
عند مراجعة الخط الزمني لحجم المبيعات السنوية لأعلى ست دول في القارة الإفريقية خلال العقد الماضي بين عامي 2013 و2023، سنجد أن روسيا كانت أكبر مصدِّر سلاح للدول الإفريقية دون منازع خاصة بين 2015 وحتى 2020، واستطاعت التفوق على جميع منافسيها عالميًّا، ثم أخذت منحنى منخفضًا بشكل كبير وحاد مع اجتياحها لشرق أوكرانيا، في فبراير/شباط 2022، مما يؤكد على أن الحرب أثَّرت بشكل سلبي على مبيعات السلاح الروسي، واضطرت روسيا إلى إعادة جدولة الأولويات الدفاعية بتوجيه مجهود الإنتاج الحربي للحرب عوضًا عن تصديرها السلاح لإفريقيا، فيما حافظت على بقاء خدماتها الأمنية والعسكرية عبر شركتها شبه العسكرية "فاغنر" أو "فيلق إفريقيا" بثوبها الجديد.
وتوضح الخريطة التالية الدول الإفريقية التي تصدِّر روسيا لها السلاح ووزن الصفقات بالمقارنة مع باقي الدول. وقد تصدرت الجزائر الدول الإفريقية بـ5.6 مليارات دولار، ثم جاءت مصر ثانيةً بـ3.5 مليارات دولار ضمن الأعلى استيرادًا للسلاح الروسي، رغم تحول مصر إلى الاعتماد على السلاح الأميركي بعد توقيع معاهدة كامب ديفيد مع إسرائيل. فيما حلت أنغولا ثالثةً، وهي الدولة التي كانت تملك علاقات وثيقة بالاتحاد السوفيتي، وقد بلغ حجم مشتريات أنغولا خلال السنوات العشر نحو 505 ملايين دولار.
يظهر اهتمام روسيا بتصدير سلاحها لمعظم الدول الإفريقية، مع التركيز على الدول التي تمتلك الموارد الحيوية مثل دول الساحل الإفريقي التي تشهد انسحابًا فرنسيًا وأفولًا غربيًّا خلال السنتين الماضيتين، إلى جانب الدول التي تواجه عقوبات غربية كالسودان وإفريقيا الوسطى؛ إذ يفرض مجلس الأمن عقوبات على عدد من الكيانات في إفريقيا الوسطى التي تتعاون مع الشركة شبه العسكرية "فاغنر"، وذلك بالقرار 2127 لسنة 2013 والقرار 2648 لسنة 2022(7).
فيما أخذت مبيعات السلاح الفرنسي منحنى منخفضًا بداية من عام 2018، ويأتي ذلك بالتزامن مع تنامي حركات اجتماعية وسياسية في منطقة الساحل الإفريقي وغرب إفريقيا، والتي وصلت إلى انقلابات عسكرية أنتجت ديناميكيات إقليمية جديدة وأنشأت تحالفات جديدة، خاصة انقلابي مالي، في أغسطس/آب 2020 ومايو/أيار 2021، وكذلك بوركينا فاسو، في يناير/كانون الثاني 2022 وسبتمبر/أيلول من نفس العام، والنيجر، في يوليو/تموز 2023(8)(9).
وقد أسفرت هذه الانقلابات عن أنظمة عسكرية تملك أجندة عداء تجاه شركائها الغربيين التقليديين، وعلى وجه الخصوص فرنسا والولايات المتحدة الأميركية، وهو ما أجبر فرنسا على الانسحاب من بعض الدول وغلق قواعدها العسكرية. كما اضطرت الولايات المتحدة إلى إنهاء اتفاقيات تعاون عسكري مع النيجر بعد الانقلاب العسكري الأخير؛ إذ ستضطر إلى إيقاف عمل منشآت تشغيل الطائرات بدون طيار التي تستخدمها في عمليات المراقبة ومهاجمة الجماعات المسلحة في منطقة الساحل، وهو ما أجبر الولايات المتحدة على إعادة تقييم وجودها في القارة ككل، خاصة أنها تمتلك عددًا محدودًا من القواعد العسكرية في إفريقيا(10). وفي المقابل، سعت النظم العسكرية الجديدة إلى توثيق علاقاتها مع روسيا.
وتوضح الخريطة التالية الدول الإفريقية التي تصدِّر لها فرنسا والولايات المتحدة السلاح ووزن الصفقات بالمقارنة مع باقي الدول الإفريقية خلال العقد الماضي، والتي تصدرتها مصر ثم المغرب كأعلى مستورد للسلاح الفرنسي والأميركي في آن واحد. ويظهر الانتشار الكبير لفرنسا في منطقة غرب إفريقيا ومنطقة الساحل الإفريقي وسواحل شرق إفريقيا، فيما يظهر اهتمام الولايات المتحدة بتصدير سلاحها إلى دول شمال إفريقيا، والساحل الإفريقي، ودول القرن الإفريقي التي تقع بالقرب من مضيق باب المندب الحيوي، بينما يغيب حضورها في جنوب إفريقيا.
خريطة مبيعات السلاح الفرنسي مع الدول الإفريقية خلال عقد |
|
خريطة مبيعات السلاح الأميركي مع الدول الإفريقية خلال عقد |
|
الصين وتصدير السلاح إلى إفريقيا
وصلت مبيعات السلاح الصيني خلال العقد الماضي إلى 32 دولة إفريقية؛ مما يجعلها أكثر الدول تعاونًا وانتشارًا في القارة بالمقارنة مع منافسيها؛ فيما جاءت الولايات المتحدة وفرنسا على التوالي بمبيعات إلى 27 دولة ثم 26 دولة، ثم روسيا رابعةً بمبيعات إلى 23 دولة، بينما تقدمت تركيا على إيطاليا وألمانيا وبريطانيا وإسبانيا بالتصدير إلى 18 دولة وبنموٍّ هو الأسرع خلال فترة قصيرة بالمقارنة مع باقي الدول المصدِّرة للسلاح في إفريقيا. ويعتبر ذلك الانتشار أحد المؤشرات على قوة الدبلوماسية الصينية وعمق علاقاتها مع الدول الإفريقية. ويوضح الشكل التالي عدد الدول التي صدرت لها الدول الكبرى والصاعدة خلال العقد الماضي بين 2013 و2023.
وبالرغم من تعامل العالم مع الصين كأهم لاعب اقتصادي في إفريقيا باعتبارها أكبر دولة حققت نموًّا اقتصاديًّا خلال العقدين الماضيين، إلا أن الصين وانتشارها الكبير في القارة الإفريقية يعكسان أيضًا رؤية إستراتيجية عسكرية وأمنية؛ إذ تعمل على تعزيز استثماراتها الاقتصادية بمسار عسكري وأمني بالتوازي مع الثقة الاقتصادية التي تبنيها، لكن بخطوات متأخرة حتى لا تثير حفيظة منافسيها التقليديين وتجعلهم يتبنون سياسات عدائية وحادة تجاهها. حرصت الصين منذ دخولها إفريقيا على خلق بيئة خصبة وبناء الثقة والتأسيس لمصالح مشتركة تجعل نمو العلاقات الأمنية والعسكرية تحصيل حاصل، ليكون عاملًا مكملًا بأثر رجعي للعامل الاقتصادي والسياسي.
وما قامت به الصين في إفريقيا وتقوم به لم تستطع القوى الاستعمارية السابقة تحقيقه في هذه القارة؛ إذ كانت الأخيرة تقدم السطوة العسكرية والأمنية في التعامل مع الدول الإفريقية ثم تفرض بعدها نموذجًا اقتصاديًّا تابعًا لها وغير مستقل يجعل من مصالحها كقوى استعمارية مقدمة على مصالح الدول الإفريقية وبدون مراعاة احتياجات التنمية المحلية والمجتمعية. وحتى تضمن استمرار مصالحها، عملت على تشكيل أنظمة حكم سياسية هشة وضعيفة حتى تكون في حاجة لها دائمًا وغير قادرة على تبني مسارات استقلال.
وبالرغم من نجاح تلك السياسة على المدى القصير، إلا أنها أخذت تتهاوى مطلع الستينات مع حركات الاستقلال والتحرر الوطني؛ مما جعل استمرار نجاح تلك السياسة محكومًا عليه بالفشل على المدى المنظور؛ إذ أظهرت الحركات الاجتماعية والسياسية ارتفاعًا في وعي المجتمعات، خاصة الحركات التي خرجت إلى الشارع خلال العقد الماضي سواء ثورات الربيع العربي أو حركات التحرر ضد الاستعمار الفرنسي في منطقة الساحل الإفريقي وغرب إفريقيا. حتى وإن تبلورت تلك الحركات على شكل انقلابات عسكرية أو أخذت طابعًا قبليًّا أو قوميًّا، فهي في النهاية تحاول أن تعبِّر عن رصيد كبير متراكم من الظلم والاستبداد للأنظمة التي أسستها قوى الاستعمار.
اتسمت صفقات السلاح الصيني في إفريقيا بتنوع جغرافي؛ إذ احتلت الجزائر المرتبة الأولى بإجمالي مبيعات 1.2 مليار دولار وبنسبة 38.9% من إجمالي مبيعات السلاح الصيني لإفريقيا خلال العقد الماضي. فيما جاءت نيجيريا ثانية بنحو 342 مليون دولار وبنسبة 11.1%، ثم الكاميرون ثالثة بمبيعات تجاوزت 204 ملايين دولار وبنسبة 6.6%، أما المغرب الغريم التقليدي للجزائر فقد حل رابعًا بإجمالي مبيعات بلغ 203 مليون دولار وبنسبة 6.5% خلال نفس الفترة. ويعطي ذلك دلالة على قدرة الصين على بيع سلاحها للدول المتصارعة في إقليم واحد لعدم تدخلها في توجيه السياسات الخارجية أو فرض شروط مقابل الحصول على السلاح؛ وهو ما يجعل الصين قادرة على تحقيق مكاسب جيوسياسية أكبر بالمقارنة مع باقي القوى التاريخية والتقليدية صاحبة النفوذ المهيمن في تلك الأقاليم. بل تؤهلها تلك السياسة إلى لعب دور الوسيط الموثوق، وهو ما تفتقده القوى الاستعمارية الأوروبية التقليدية.
وتوضح الخريطة التالية الدول الإفريقية التي صدَّرت الصين لها السلاح، ووزن الصفقات بالمقارنة مع باقي الدول الإفريقية خلال العقد الماضي، ويعكس الانتشار الصيني توسعًا عرضيًّا ومتنوعًا مع معظم الدول الإفريقية.
وقد حرصت الصين على توسيع علاقاتها العسكرية مع الدول التي تواجه عقوبات غربية وحظر بيع السلاح لها، مثل السودان التي صنَّفتها الولايات المتحدة كدولة راعية للإرهاب منذ مطلع تسعينات القرن الماضي؛ مما أدى إلى فرض عقوبات اقتصادية كبيرة، بما في ذلك تجميد الأصول والقيود التجارية. وقد بدأت تأخذ الطابع الرسمي والتنفيذي عام 1997 من خلال الأمر التنفيذي رقم "13067" وذلك خلال إدارة الرئيس بيل كلينتون، وهو ما تبعه حظر التجارة والاستثمار الأميركي في السودان، ثم فرض عقوبات عام 2004 من خلال مجلس الأمن، ثم الاتحاد الأوروبي عام 2005. مثَّلت تلك القرارات فرصة للصين لدخول السودان واستغلال الحظر المفروض عليها لتوريد السلاح وتلبية احتياجاتها الأمنية الأساسية(11)؛ مما جعل السودان يحتل المرتبة الخامسة كأعلى مستورد للسلاح الصيني خلال العقد الماضي بحجم مبيعات بلغ 200 مليون دولار وبنسبة بلغت 6.4% من إجمالي مبيعات السلاح الصيني في إفريقيا خلال العقد الماضي. كما صدَّرت الصين أيضًا سلاحًا لدولة زيمبابوي التي تواجه عقوبات غربية منذ عام 2001، والتي تشمل حظرًا على تصدير الأسلحة والمعدات العسكرية لها، لمنع القمع الداخلي من قبل الحكومة(12). وقد فُرضت عقوبات جديدة على زيمبابوي خلال عام 2024 بسبب انتهاكات مرتبطة بحقوق الإنسان وانتشار الفساد(13).
تركيا والدور التسليحي الأكبر في إفريقيا
تحولت تركيا إلى لاعب دولي صاعد مع تحولها من دولة مستوردة للسلاح إلى دولة منتجة ومصدِّرة له، وقد ظهر صداها في إفريقيا بشكل بارز وفي أكثر من دولة، ويمكن تشبيه النهج التركي بالصيني حيث تحرص تركيا على تعزيز العلاقات السياسية والاقتصادية كمدخل أساسي في بناء العلاقات مع الدول الإفريقية، لكن الفارق الجوهري بين تركيا والصين هو امتلاك الصين لرؤية اقتصادية إستراتيجية متمثلة في "طريق الحرير" مما يجعلها قادرة على تحقيق مكاسب كبيرة بعيدة المدى بالمقارنة مع منافسيها في الساحة الإفريقية.
ومن خلال مراجعة بيانات معهد ستوكهولم خلال العقد الماضي بين 2013 و2023، سنجد أن تركيا صدَّرت لدولتين فقط قبل عام 2017، وهما تونس وموريتانيا؛ إذ صدرت لتونس بصفقتين، واحدة بقيمة 7 ملايين دولار عام 2014، ثم صفقة أخرى بقيمة 18 مليون دولار عام 2016، فيما صدَّرت لموريتانيا بقيمة مليار دولار عامي 2015 و2016 على التوالي لكل عام.
أخذت تركيا تحقق قفزات سريعة في وقت قصير على الساحة الإفريقية بعد تحقيق شركات "البايكر" طفرة في طائراتها المسيَّرة التي تنتجها؛ إذ صدَّرت تركيا إلى أربع دول جديدة عام 2018 بخلاف تونس وموريتانيا، ثم حققت انتشارًا أوسع عام 2021 بتصديرها لـ 12 دولة، ثم 18 دولة لعام 2023. ومن المرجح أن تتسع دائرة الدول الإفريقية المهتمة باستيراد السلاح التركي لثلاثة أسباب مقارنة مع منافسيها الغربيين: الأول: عدم تدخلها في الشأن الداخلي والسياسة الخارجية، بل إنها تلعب دور الوسيط بين الدول الإفريقية مثل وساطتها التي تقوم بها بين الصومال وإثيوبيا مما يؤكد على مكانتها والثقة التي تتمتع بها بين الدول الإفريقية، والميزة الثانية: انخفاض تكلفة سلاحها بالمقارنة مع باقي المنافسين في الساحة، خاصة الطائرات بدون طيار، أما العنصر الثالث فهو عدم امتلاكها تاريخًا استعماريًّا وصورة سلبية لدى المجتمعات الإفريقية كما هي الحال مع القوى الاستعمارية الأوروبية مثل فرنسا.
وتوضح الخريطة التالية الدول الإفريقية التي تصدِّر تركيا لها السلاح ووزن الصفقات بالمقارنة مع باقي الدول الإفريقية، وتصدرتها تونس كأعلى مستورد للسلاح التركي بقيمة بلغت 85 مليون دولار خلال العقد الماضي، فيما جاءت كل من ليبيا وتشاد والمغرب وبوركينا فاسو ورواندا في مستويات متقاربة وبمتوسط مشتريات بلغ 30 مليون دولار لكل منها خلال العقد الماضي. ويعكس هذا الانتشار اهتمام دول شمال إفريقيا، خاصة ليبيا التي تمتلك معها حدودًا بحرية رُسمت بمنأى عن اليونان مما جعل اليونان مضطرة للتكيف مع الصعود التركي، ثم إقليم الساحل الإفريقي الذي يشهد انسحابًا فرنسيًّا، ثم دول القرن الإفريقي وفي مقدمتها الصومال. فيما يغيب الجنوب عن أولويات المصالح الحيوية لتركيا في العالم، ومع ذلك يُرجح أن تتمدد صادرات السلاح التركي للجنوب على المدى المتوسط.
استطاعت تركيا أن تحقق نموًّا لافتًا خلال السنوات الأربع الماضية بين عامي 2019 و2023 وذلك بالتزامن مع تحقيق قطاع التصنيع العسكري طفرة محلية في الإنتاج وتحولها من دولة مستوردة إلى دولة مصدِّرة خاصة في صناعة الطائرات بدون طيار؛ إذ بلغ حجم قيمة صادرات السلاح التركي لإفريقيا خلال العقد الماضي 370 مليون دولار، باعت ما قيمته 259 مليون دولار خلال السنوات الأربع الأخيرة بما يعادل 70% من إجمالي مبيعات خلال العقد.
عملت تركيا على توجيه بوصلتها تجاه إفريقيا خلال العقدين الماضيين وصبت تركيزها في منطقة القرن الإفريقي، ووقَّعت العديد من المعاهدات، والاتفاقيات الأمنية، والعسكرية، والاقتصادية. ويرجح أن تلعب تلك المعاهدات دورًا كبيرًا في نمو صادراتها العسكرية لإفريقيا بوتيرة مضاعفة خاصة الاتفاقية الدفاعية والاقتصادية التي وقعتها مع الصومال، في فبراير/شباط 2024، والتي ستعطي لتركيا امتياز بناء وتدريب وتجهيز القوات البحرية الصومالية وتطوير قدراتها والذي يعني ارتفاعًا في حجم الاستثمارات والصادرات العسكرية(14).
كما تمنح الاتفاقية سلطة شاملة لتركيا في حماية البحر الصومالي وحدوده المائية من أي تهديد خارجي، وتسهم تركيا في مساعدة الصومال في الاستفادة من اقتصادها الأزرق(15)؛ حيث يقدر حجم ما يخسره الصومال ما بين 100 مليون و450 مليون دولار سنويًّا بسبب أنشطة الصيد غير المشروعة التي تقوم بها السفن الأجنبية على طول سواحله(16). وقد أخذت المعاهدات خطوات تنفيذية سريعة حيث وقَّع الصومال اتفاقية التنقيب عن النفط مع تركيا في سواحله الممتدة شرقًا(17)، ويمتلك الصومـال نحو 200 مليار قدم مكعب من احتياطيات الغاز الطبيعي المؤكدة، وتشير التقديرات إلى أن الحوض الصومالي قد يحتوي على 30 مليار برميل من النفط الخام(18)(19). لذلك يرجح أن تسهم تلك الاتفاقيات في مضاعفة مبيعات السلاح وتعميق التحالف، وهو سياق التطور الطبيعي لحماية المصالح الاقتصادية المشتركة من تهديدات الدول المجاورة أو القوى الدولية التي تسعى للاستحواذ على الموارد الطبيعية.
ألمانيا وإيطاليا وإسبانيا تتصدر مجال تسليح إفريقيا
حقَّقت ألمانيا وإيطاليا مبيعات كبيرة لمصر والجزائر؛ مما جعلهما تتصدران قائمة أعلى الدول المصدرة للسلاح في إفريقيا. بدأت ألمانيا في أخذ منحنى تصاعدي مع تصديرها سلاحًا لكل من مصر والجزائر بدءًا من عام 2016؛ إذ صدَّرت للجزائر ما قيمته 563 مليون دولار، فيما صدَّرت لمصر ما قيمته 215 مليون دولار. وقد حافظت ألمانيا على مبيعات شبه مستقرة لمصر سنويًّا بدءًا من عام 2020؛ حيث باعت ما قيمته 285 مليون دولار، عام 2020، و388 مليون دولار، عام 2021، و275 مليون دولار، عام 2022، فيما حققت ارتفاعًا ملحوظًا، عام 2023، بمبيعات تجاوزت نصف مليار دولار، إذ بلغت 546 مليون دولار. أما الجزائر، فكانت هي الأخرى تستورد من ألمانيا سنويًّا بمقدار 48 مليون دولار بدءًا، من عام 2018 وحتى 2023. وقد حلَّت مصر أولًا من حيث استيراد السلاح الألماني بإجمالي مبيعات تجاوزت 2 مليار دولار خلال العقد الأخير، فيما حلَّت الجزائر ثانيًا بإجمالي مبيعات قاربت المليار دولار، وتحديدًا 919 مليون دولار خلال نفس الفترة.
أما إيطاليا فقد حققت ارتفاعًا في مبيعاتها مطلع عام 2020؛ حيث باعت ما قيمته 514 مليون دولار لمصر، ثم 590 مليون دولار للعام التالي لمصر أيضًا. وهو ما جعل مصر تحتل قائمة الدول المستوردة للسلاح الإيطالي بقيمة بلغت 1.26 مليار دولار خلال العقد الماضي، فيما جاءت الجزائر ثانية بمبيعات بلغت نحو نصف مليار دولار، وتحديدًا 477 مليون دولار. ويعكس اهتمام إيطاليا بدول شمال إفريقيا تقاطعها مع أولوياتها الأمنية في وقف عمليات الهجرة غير الشرعية وتعزيز استقرار النظم السياسية فيها. وتوضح الخريطة التالية الدول الإفريقية التي تصدر لها ألمانيا وإيطاليا وإسبانيا السلاح ووزن الصفقات بالمقارنة مع باقي الدول الإفريقية.
خريطة الدول التي تصدر لها ألمانيا السلاح ووزن الصفقات خلال العقد الماضي |
|
خريطة الدول التي تصدر لها إيطاليا السلاح ووزن الصفقات خلال العقد الماضي |
|
خريطة الدول التي تصدر لها إسبانيا السلاح ووزن الصفقات خلال العقد الماضي |
|
السلاح الإسرائيلي وإفريقيا خلال العقد الماضي
تصدَّر المغرب مشتريات السلاح الإسرائيلي؛ إذ بلغت مشتريات المغرب عام 2023، بحسب معهد ستوكهولم، 115 مليون دولار؛ ما جعله يستحوذ وحده على 46.3% من إجمالي مشتريات السلاح الإسرائيلي خلال العقد الماضي، لتكون أكبر صفقة وقَّعتها إسرائيل مع دولة إفريقية.
يأتي التطور السريع في العلاقات الأمنية بين المغرب وإسرائيل بعد انضمام المغرب إلى الدول المطبِّعة مع إسرائيل وتوقيعه اتفاقية "أبراهام". وكانت أهم صفقة هي حصول المغرب على منظومة الدفاع الجوي "باراك إم إكس"، التي وُقِّعت في فبراير/شباط 2023، بصفقة كبيرة بلغت قيمتها 500 مليون دولار(20). وقد تطورت العلاقات الإسرائيلية-المغربية بإشراف أميركي؛ إذ قدمت الولايات المتحدة تكنولوجيا متقدمة للمغرب بدءًا من عام 2016؛ حيث ارتفعت قيمة مشتريات المغرب من السلاح الأميركي إلى أكثر من 430 مليون دولار، بعد أن كانت لا تتجاوز 50 مليون دولار سنويًّا قبل 2016. وقد بلغت إجمالي مشتريات المغرب من أميركا خلال العقد الماضي 1.88 مليار دولار، منها مشتريات بقيمة 1.779 مليار دولار تمت بعد عام 2016.
وعلى الرغم من انخفاض المشتريات الإجمالية للسلاح الإسرائيلي بعد حرب "طوفان الأقصى"، إلا أن المغرب يواصل علاقته الأمنية مع إسرائيل بهدف الاستفادة من التكنولوجيا الإسرائيلية ورفع قدراته العسكرية للحاق بالقوة العسكرية الجزائرية، بل يعمل المغرب على أن يكون أحد منتجي الأسلحة الإسرائيلية في المستقبل؛ إذ تستعد شركة BlueBird Aero Systems الإسرائيلية لإنشاء مصنع لإنتاج الطائرات بدون طيار في المغرب، وتمتلك دولة إسرائيل 50% من أسهم الشركة(21). وسبق أن اشترى المغرب 150 طائرة بدون طيار إسرائيلية من فئة "eVTOL drones"، عام 2022، من نفس الشركة، وهي طائرات بدون طيار صغيرة الحجم قادرة على حمل 250 كيلوجرامًا(22).
كما يشير العديد من التقارير إلى أن المغرب بصدد الحصول على قمرين صناعيين للتجسس من طراز "Ofek 13" من إسرائيل. وتقدر تلك الصفقة بنحو مليار دولار؛ مما سيجعلها أكبر صفقة عسكرية في تاريخ إسرائيل مع دولة إفريقية. ويُزعم أن القمر الصناعي التجسسي، الذي أطلقته إسرائيل للمرة الأولى في مارس/آذار 2023، قادر على توفير صور دقيقة في ظروف جوية سيئة وتوفير مراقبة ليلية بدقة تصل إلى نصف متر، وهو ما من شأنه تعزيز القدرات الاستخبارية للمغرب(23). تصنَّف وزارة الدفاع المغربية حقيبة سيادية يتم تعيين الوزير فيها من قبل الملك؛ مما يجعل العلاقات بين المغرب وإسرائيل علاقات مباشرة بين النظام الملكي والدولة الإسرائيلية. ويخطط المغرب لإنتاج وشراء العديد من الطائرات بدون طيار الإسرائيلية. وتوضح الخريطة التالية الدول التي صدَّرت لها إسرائيل سلاحًا خلال العقد الماضي، والتي شملت 12 دولة.
دول شمال إفريقيا الأكثر استيرادًا للسلاح في إفريقيا
تصدَّرت مصر الدول الإفريقية الأكثر شراء للسلاح من الخارج؛ إذ بلغ إجمالي مشترياتها خلال العقد الماضي، بين عامي 2013 و2023، نحو 13.344 مليار دولار، وبنسبة بلغت 44.1% من إجمالي مبيعات السلاح لإفريقيا ككل، فيما حلَّت الجزائر ثانيةً بإجمالي مبيعات بلغ 8.601 مليارات دولار وبنسبة بلغت 28.4%، بينما كان المغرب ثالثًا بإجمالي مشتريات 3.097 مليارات دولار خلال نفس الفترة وبنسبة بلغت 10.2%. وتعكس تلك الأرقام ثقل إقليم شمال إفريقيا من حيث المشتريات بالمقارنة مع باقي الأقاليم الإفريقية؛ إذ كانت جميع دول الشمال الإفريقية ضمن أعلى عشر دول استيرادًا للسلاح من الخارج.
وقد تصدرت مصر مشتريات السلاح الأجنبي من الولايات المتحدة الأميركية بمشتريات 2.15 مليار دولار خلال العقد الماضي، وفرنسا بـ3.9 مليارات دولار، وبريطانيا بـ 104 ملايين دولار، وإسبانيا بـ263 مليون دولار، فيما بلغت مبيعات إيطاليا 1.2 مليار دولار، وتجاوزت مبيعات ألمانيا 2 مليار دولار، وكندا 32 مليون دولار. أما مشتريات سلاح المعسكر الشرقي، فقد حلَّت مصر ثانيةً بعد الجزائر بإجمالي مبيعات بلغت 3.5 مليارات دولار من السلاح الروسي.
ويرجع ذلك إلى الأهمية الجيوسياسية التي تمثلها تلك الدول في إقليمها؛ إذ يوجد ممران مائيان ضمن أهم 8 ممرات ومضائق مائية في العالم، وهما: قناة السويس (مصر) ومضيق جبل طارق (المغرب)، وهي ممرات مهمة لحركة التجارة العالمية وكذلك حركة السفن والبوارج الحربية. بجانب ذلك، تلعب الموارد الكبيرة التي تمتلكها تلك الدول دورًا أساسيًّا في نمو شرائها للسلاح. كما أن تنامي الخلافات بين المغرب والجزائر يسهم في دفع كلتا الدولتين إلى شراء أسلحة متطورة لصناعة ردع متبادل بينهما. بجانب ذلك، تلعب العمليات العسكرية التي تنفذها الجماعات المتمردة والمسلحة في منطقة الساحل الإفريقي دورًا في جعل الجزائر تحرص على رفع قدراتها العسكرية لمواكبة التطورات والتهديدات في حدودها الجنوبية والشرقية؛ حيث تشهد جميع الدول صراعات وحروبًا واقتتالًا على السلطة، وفي مقدمتها مالي والنيجر وليبيا.
بخلاف العائد الاقتصادي الكبير الذي تحصل عليه نظير تشغيل مصانعها وشركاتها العسكرية، تعمل الدول الأوروبية على تقديم الدعم العسكري والأمني لدول شمال إفريقيا، لتحقيق استقرار للأنظمة السياسية وزيادة حجم التعاون والتنسيق الأمني بهدف مكافحة الهجرة غير الشرعية وبناء مراكز إيواء للمهاجرين في دول شمال إفريقيا. ويوضح الشكل التالي والخريطة أعلى الدول شراء للسلاح في إفريقيا خلال العقد الماضي بين 2013 و2023.
وبالرغم من وجود قواعد عسكرية لأكثر من اثنتي عشرة دولة في إقليم القرن الإفريقي، إلا أن مشتريات السلاح الأجنبي منخفضة بالمقارنة مع دول وأقاليم جغرافية أخرى بالقارة؛ إذ توجد قواعد عسكرية للولايات المتحدة، وفرنسا، والصين، وتعد جيبوتي نقطة محورية بسبب موقعها الحرج عند مدخل البحر الأحمر؛ حيث تتصدر الدول في استضافة العديد من المنشآت العسكرية الأجنبية. ويعطي ذلك مؤشرًا على وجود علاقة عكسية بين شراء السلاح ووجود القواعد العسكرية الأجنبية.
الطائرات أكثر السلاح طلبًا في إفريقيا
كانت الطائرات والطائرات بدون طيار أكثر أنواع الأسلحة طلبًا في إفريقيا خلال العقد الماضي؛ إذ بلغ إجمالي مشتريات الطائرات 10.64 مليارات دولار خلال العقد الماضي بنسبة 34.9% من إجمالي مبيعات السلاح، ثم السفن الحربية بإجمالي مبيعات 8.77 مليارات دولار بنسبة بلغت 28.8%. فيما جاءت المركبات المدرعة ثالث أكثر سلاح طلبًا في إفريقيا بإجمالي مبيعات 5.36 مليارات دولار وبنسبة بلغت 17.6%. بينما جاءت الصواريخ رابعًا بنسبة بلغت 9.3% وبإجمالي مبيعات 2.82 مليار دولار.
وقد تصدرت الطائرات الروسية كأكثر أنواع السلاح والطائرات طلبًا في إفريقيا خلال العقد الماضي بإجمالي مبيعات 6.3 مليارات دولار وبنسبة تصل إلى 20.6% من إجمالي مبيعات السلاح في إفريقيا ككل، ثم السفن الحربية الفرنسية بإجمالي مبيعات 2.9 مليار دولار وبنسبة 9.7% من إجمالي مبيعات السلاح في إفريقيا خلال العقد، بينما كانت المركبات المدرعة الأميركية ثالث أكثر سلاح مبيعًا في إفريقيا بإجمالي بلغ 2.4 مليار دولار.
وتعكس تلك الأرقام رغبة الدول الإفريقية في الحصول على تكنولوجيا متطورة لصناعة ردع للتهديدات التي تواجهها أو تسريع حسم الصراعات التي تواجهها محليًّا. كما جاء ارتفاع الطلب على شراء المركبات المدرعة الأميركية ثم الروسية لكفاءتها العالية في العمليات المسلحة وفي المناطق وبيئات الصراع الوعرة، وهو ما يعطي مؤشرًا على اهتمام كل من أميركا وروسيا بدعم العمليات البرية للدول المتحالفة معها أو من خلال الشركات شبه الأمنية والعسكرية التي تقدم خدماتها في إفريقيا، خاصة في منطقة الساحل الإفريقي.
كما تصدرت فرنسا مبيعات السفن الحربية بـ2.9 مليار دولار وبنسبة بلغت 9.7% من إجمالي مبيعات السلاح في إفريقيا خلال العقد الماضي، فيما جاءت ألمانيا ثانيةً بإجمالي مبيعات بلغ 2.1 مليار دولار وبنسبة بلغت 6.9%، بينما احتلت إيطاليا المرتبة الثالثة بمبيعات بلغت 1.2 مليار دولار خلال العقد الماضي وبنسبة 4.2% من إجمالي مبيعات السلاح لإفريقيا خلال العقد الماضي. ويوضح الشكل التالي حجم مبيعات كل نوع سلاح ومصدره ووزنه من إجمالي مبيعات جميع الدول خلال العقد الماضي.
خاتمة
تُقبل إفريقيا على مرحلة أكثر حدية في التنافس خلال العقد القادم؛ إذ سيبدأ ظهور الحضور العسكري والأمني الصيني في القارة بالمقارنة مع العقد السابق، وهو ما من شأنه أن يثير توترات ويدفع صانع القرار في الولايات المتحدة الأميركية والدول الأوروبية، خاصة القوى الاستعمارية التقليدية كفرنسا، إلى اتخاذ قرارات تقوض الحضور الصيني وتهدد الدول الإفريقية التي ستفتح علاقات عسكرية مع الصين. ويبقى هذا التطور مرهونًا بمدى استقرار الأوضاع الأمنية حول جزيرة تايوان وفي إقليم بحر الصين الجنوبي.
أما روسيا، فسيستمر انكماشها العسكري متأثرة بالحرب الأوكرانية مع استمرار بقاء نفوذها غير التقليدي من خلال شركاتها شبه العسكرية، وفي مقدمتها "فيلق إفريقيا" (فاغنر سابقًا)، مع تطوير العلاقات الأمنية مع الأنظمة العسكرية المنقلبة في إقليم الساحل الإفريقي بهدف توسيع الفجوة بين تلك الأنظمة والدول الغربية المنافسة لها. فيما ستشهد تركيا قفزات أخرى في بناء شبكة علاقاتها الاقتصادية والعسكرية مع الدول الإفريقية بتصدير سلاحها عالي التكنولوجيا، خاصة الطائرات بدون طيار، ويرجح أن تنجذب الدول الإفريقية للنموذج الأمني والعسكري الذي نفذته في الصومال. وهذا في حال لم تتعرض تركيا لاضطرابات أو تنغمس في صراعات في إقليمها.
ويرجح أن تتراجع مبيعات كل من ألمانيا وإيطاليا وإسبانيا متأثرة بتراجع القدرة الشرائية للدول الإفريقية، خاصة مصر التي تواجه أزمة اقتصادية حادة. أما إسرائيل، فقد تشهد علاقاتها المتصاعدة مع المغرب تراجعًا مع توسع طوفان الأقصى إلى حرب إقليمية مع إيران ومحور المقاومة.
1)- Tobias Vestner, The New Geopolitics of the Arms Trade Treaty, Arms Control Association, Dec 2020, (Accessed October 30, 2004): https://www.armscontrol.org/act/2020-12/features/new-geopolitics-arms-trade-treaty
2)- Parachini, John V., and Ryan Bauer. "What does Africa need most now: Russian arms sales or good vaccines." The Rand Blog (2021). (Accessed October 26 2004): https://www.rand.org/pubs/commentary/2021/11/what-does-africa-need-most-now-russian-arms-sales-or.html
3)- Quinn, John James. "African foreign policies." In Oxford Research Encyclopedia of International Studies. 2010. (Accessed October 30, 2004): https://oxfordre.com/internationalstudies/display/10.1093/acrefore/9780190846626.001.0001/acrefore-9780190846626-e-117?d=%2F10.1093%2Facrefore%2F9780190846626.001.0001%2Facrefore-9780190846626-e-117&p=emailAoXQITf2bPVjo
4)- Kłyszcz, Ivan U. "Russia and Africa’s Middle Powers: Influence Beyond the Wagner Group." (2024). (Accessed October 27, 2004): https://sceeus.se/en/publications/russia-and-africas-middle-powers-influence-beyond-the-wagner-group/
5)- Bitania Tadesse, Can the AU’s “Common African Defence and Security Policy” Provide a Pan-African Solution to the Continent’s Security Challenges?, IPI, Feb 2024, (Accessed October 31, 2004): https://theglobalobservatory.org/2024/02/can-the-aus-common-african-defence-and-security-policy-provide-a-pan-african-solution-to-the-continents-security-challenges/
6)- Lecha, Eduard Soler, Chloé Berger, Dalia Ghanem, Solène Leclerc, Panagiota Manoli, Daniel Marcos, Jesús Manuel Pérez Triana, Valeria Talbot, and Sinan Ülgen. "NATO looks south: priorities, strategies and instruments." Notes internacionals CIDOB 279 (2022): 1-6. (Accessed October 30, 2004): https://www.cidob.org/en/publications/nato-looks-south-priorities-strategies-and-instruments
7) لجنة مجلس الأمن المنشأة عملًا بالقرار 2127 (2013) بشأن جمهورية إفريقيا الوسطى، مجلس الأمن، (تاريخ الدخول: 1 نوفمبر/تشرين الثاني 2024):
https://main.un.org/securitycouncil/ar/sanctions/2127
8)- Gilles Yabi, The Niger Coup’s Outsized Global Impact, Carnegie, Aug 2023, (Accessed October 30, 2004): https://carnegieendowment.org/posts/2023/08/the-niger-coups-outsized-global-impact?lang=en
9)- Alexander Thurston, Military coups, jihadism and insecurity in the Central Sahel, OECD, Apr 2024, (Accessed October 27, 2004): https://www.oecd.org/en/publications/military-coups-jihadism-and-insecurity-in-the-central-sahel_522f69f1-en.html
10)- Mitchell McCluskey and Heather Chen, CNN, Niger ends military agreement with US, calls it ‘profoundly unfair’, CNN, Mar 2024, (Accessed October 30, 2004): https://edition.cnn.com/2024/03/16/africa/niger-ends-us-military-agreement-intl-hnk/index.html
11)- Sudan and Darfur Sanctions, office of Forgeign Assets Control, (Accessed October 30, 2004): https://ofac.treasury.gov/sanctions-programs-and-country-information/sudan-and-darfur-sanctions
12)- Sanctions against Zimbabwe, (Accessed October 31, 2004): https://www.government.se/government-policy/foreign-and-security-policy/international-sanctions/geographical-sanctions/zimbabwe---sanctions/ && Canadian Sanctions Related to Zimbabwe, (Accessed October 28, 2004): https://www.international.gc.ca/world-monde/international_relations-relations_internationales/sanctions/zimbabwe.aspx?lang=eng
13)- Kathryn Armstrong, Zimbabwe: US slaps fresh sanctions on President Mnangagwa and other leaders, BBC News, Mar 2024, https://www.bbc.com/news/world-africa-68475474
14)- Tunç Demirtaş,and Rıfat Öncel, Maritime milestone: Türkiye and Somalia's strategic partnership, SETA, oct 2024, Maritime milestone: Türkiye and Somalia's strategic partnership (Accessed October 29, 2004): https://www.setav.org/en/maritime-milestone-turkiye-and-somalias-strategic-partnership
15)- Omar Faruk, Somalia announces deal with Turkey to deter Ethiopia’s access to sea through a breakaway region, AP News, Feb 2024, (Accessed October 30, 2004): https://apnews.com/article/somalia-ethiopia-somaliland-sea-deal-turkey-d4bc5ae5eaa023b34d9387b603457ff0
16)- Türkiye’s TPAO, Somalia’s petrol authority sign onshore exploration deal, DIrectorate of CommunIcatIons, Oct 2024, (Accessed October 31, 2004): https://www.iletisim.gov.tr/english/dis_basinda_turkiye/detay/turkiyes-tpao-somalias-petrol-authority-sign-onshore-exploration-deal
17)- Illegal Unreported and Unregulated (IUU) Fishing
in the Territorial Waters of Somalia, THE UNIVERSITY OF RHODE ISLAND AND TRANSAFRICA CONSULTANCY SERVICES LLC (TACS), April 2015, (Accessed October 30, 2004): https://www.crc.uri.edu/download/SOM14_finalreport.pdf
18)- Charlie Mitchell, Coastline Exploration leads new charge on Somalia oil and gas, May 2023, (Accessed November 4, 2004): https://www.spglobal.com/commodityinsights/en/market-insights/latest-news/oil/050923-coastline-exploration-leads-new-charge-on-somalia-oil-and-gas
19)- Country profile: Somalia, in energy-pedia site, Copyright 2020, (Accessed November 2, 2004): https://www.energy-pedia.com/countryprofile.aspx?country=206
20)- Oussama Aamari, Morocco Receives First Shipments of Israel’s Barak MX Defense System, Aug 2023, (Accessed November 2, 2004): https://www.moroccoworldnews.com/2023/08/357017/morocco-receives-first-shipments-of-israels-barak-mx-defense-system && https://armyrecognition.com/news/army-news/2023/morocco-acquires-israeli-barak-mx-air-and-missile-defense-system
21)- Alexandre Aublanc, Morocco to become rare military drone manufacturer, thanks to cooperation with Israel, Lemond, May 2024, (Accessed November 4, 2004): https://www.lemonde.fr/en/le-monde-africa/article/2024/05/09/morocco-to-become-rare-military-drone-manufacturer-thanks-to-cooperation-with-israel_6670920_124.html
22)- ARIE EGOZI, Morocco: Latest Arab market to show interest in Israeli weapon systems, Defence Procurement International, Sep 2022, (Accessed November 2, 2004): https://www.defenceprocurementinternational.com/news/air/morocco-buys-advanced-weapon-systems-from-israel
23)- Morocco enters into $1bn contract to acquire Israel spy satellites, MEMO, Aug 2024, (Accessed November 3, 2004):https://www.middleeastmonitor.com/20240820-morocco-enters-into-1bn-contract-to-acquire-israel-spy-satellites/