تأثيرات سرديات الدعاية والحرب النفسية الإسرائيلية في الرأي العام الفلسطيني خلال الحرب على غزة (25 يوليو/تموز- 16 أكتوبر/تشرين الأول 2024)

تتقصى الدراسة اتجاهات الرأي العام الفلسطيني إزاء الخطاب الدعائي الإسرائيلي خلال الحرب على غزة، وتبحث أبعاد الحرب النفسية وحملات الدعاية الإسرائيلية التي تستهدف الجمهور الفلسطيني. وتركز الدراسة على رصد سمات هذا الخطاب الدعائي وأطروحاته، وتحديد تأثيرات الحرب النفسية في الرأي العام الفلسطيني، خاصة في ظل الإبادة الجماعية التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، فضلًا عن الحصار والتهجير وعملية التطهير العرقي، منذ أكثر من عام.
الدعاية الإسرائيلية قدمت الإسرائيليين في موقف الضحية لشرعنة الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل بحق الشعب الفلسطيني (وكالة الأنباء الفرنسية)

مقدمة

منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، تشنُّ إسرائيل حربًا واسعة النطاق على قطاع غزة المحاصر، ظلت تستهدف المدنيين العزل، وأيضًا المنشآت الخدمية والبنية التحتية والأحياء السكنية، عبر عمليات قصف غير مسبوقة للقضاء على جميع مصادر الحياة في القطاع. وقد تلازمت جهود الدعاية والحرب النفسية الإسرائيلية مع العمليات الحربية التي تُنفِّذها إسرائيل في غزة؛ إذ كان التدمير الممنهج لمصادر ومقومات الحياة الفلسطينية، والإبادة الجماعية لأهالي القطاع، يهدفان في المقام الأول إلى تدمير مصادر الثقة بالمقاومة وانتزاعها من حاضنتها الاجتماعية، والإضرار بمعنويات المدنيين، من أجل خلق ظروف مواتية لفرض شروط الإذعان وإنهاء الصراع وتحقيق أهداف الحرب.

لقد شكَّلت "معركة السرد الدعائي"، في سياق الحرب النفسية الإسرائيلية التي تستهدف سكان قطاع غزة والشعب الفلسطيني عمومًا، نمطًا من القتال السياسي بين الجيش الإسرائيلي والمقاومة الفلسطينية، لا يقلُّ أهمية عن العمليات العسكرية الأخرى. وقد تنافس الطرفان على نحو غير متكافئ في تقديم روايتهما للحرب في محاولة لكسب تأييد الرأي العام المحلي والدولي؛ إذ تؤدي السرديات الدعائية في غمار الحرب دورًا مهمًّا في حشد الدعم والتأييد وشَرْعَنَة المواقف والسياسات التي ينهجها أطراف الصراع.

 

1. اعتبارات منهجية ونظرية

إشكالية الدراسة

يتجه اهتمام الدراسة إلى النظر في سرديات الدعاية والحرب النفسية الإسرائيلية المُوَجَّهَة إلى الرأي العام الفلسطيني خلال الحرب على قطاع غزة، في الفترة الممتدة من 25 يوليو/تموز إلى 16 أكتوبر/تشرين الأول 2024، للإجابة على سؤال مركزي مركب: ما سمات السرديات الدعائية ومرتكزات الحرب النفسية التي استخدمها الجيش الإسرائيلي في الحرب على غزة؟ وما تأثيراتها في الرأي العام الفلسطيني؟

أهداف الدراسة وأهميتها 

تهدف الدراسة -في سياق بحث السؤال الإشكالي واستقصاء أبعاده- إلى تحديد سمات حملات الدعاية والحرب النفسية الإسرائيلية المُوَجَّهَة إلى الرأي العام الفلسطيني، والتعرف في المقابل على اتجاهات الجمهور الفلسطيني إزاء تأثيرات الحرب النفسية الإسرائيلية التي تستهدفه على المستويات السياسية والاقتصادية والثقافية والإعلامية والاجتماعية والأمنية. بالإضافة إلى تقييمه كفاءة الأجهزة الاتصالية والإعلامية التابعة للمقاومة الفلسطينية والإستراتيجيات المناسبة لمواجهة الدعاية والحرب النفسية الإسرائيلية.

وتكتسب الدراسة أهميتها بالنظر إلى خطورة التهديدات المترتبة على الدعاية والحرب النفسية على أمن المجتمع الفلسطيني وتماسك نسيجيه الاجتماعي؛ مما يدفع الباحث في هذه الدراسة نحو استكشاف أساليب الحرب النفسية الإسرائيلية، بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، ورصد الحملات والأدوات التي استخدمتها إسرائيل للتأثير في المجتمع الفلسطيني نفسيًّا، وكذلك الرسائل التي حاولت ترويجها خلال الحرب بين الجمهور المستهدف. وتتعاظم أهمية الدراسة أكثر بالنظر إلى قوة الحرب النفسية واستخدامها لوسائل ومبتكرات تكنولوجية حديثة تُعد في الأصل نتيجة لثورة المعلومات والاتصالات المتسارعة منذ السنوات الأولى من القرن الحالي، لاسيما الإنترنت، والاتصالات العالمية الفورية، والهواتف الذكية، ومنصات النشر الرقمية المختلفة، خاصة شبكات التواصل الاجتماعي والتطبيقات الإعلامية لأدوات الذكاء الاصطناعي. وقد "أصبحت جميع هذه القنوات والأدوات، في صراعات اليوم، ساحات للحرب، وتؤثر بقوة في القادة والجيوش والشعوب بأكملها"(1).

وتبرز أهمية الدراسة أيضًا في تحليل السؤال الإشكالي انطلاقًا من آراء عينة من الجمهور الفلسطيني، الذي يعيش في ظل ظروف الحرب والإبادة الجماعية التي تُهدد وجوده، وفي سياق يتسم زمنيًّا بالتحيين؛ مما يمثِّل خصوصية نوعية للدراسة، ويمنحها قيمة علمية مضافة. وستُمثِّل نتائج هذه الدراسة إضافة علمية للبحث العلمي، والباحثين المنشغلين بدراسة الدعاية الإسرائيلية والحرب النفسية المُوَجَّهَة إلى الرأي العام الفلسطيني. 

مراجعة الدراسات السابقة 

تستثمر إسرائيل كثيرًا في الجهاز الدعائي وتُولِيه عناية خاصة؛ إذ تُعد مثالًا بارزًا على كيفية استخدام الدعاية أداة إستراتيجية لتحقيق أهدافها السياسية والأيديولوجية والعسكرية، ولتعزيز مكانتها الدولية وحشد الدعم لمواقفها وسياساتها. وخلال الحرب على غزة، شكَّلت الدعاية الإسرائيلية جزءًا لا يتجزأ من إستراتيجية إسرائيل الإعلامية والسياسية في إدارة الحرب لكسب تأييد الرأي العام الدولي، وتبرير أفعال الجيش الإسرائيلي، وتقليل الانتقادات المُوَجَّهَة لها من المجتمع الدولي.

الدعاية الإسرائيلية: الأساليب والغايات

تتركز جهود الدعاية الإسرائيلية في الحرب على غزة في شَرْعَنَة ما تقوم به من انتهاكات وإبادة جماعية بحق سكان قطاع غزة. وقد لاحظ خبير الدعاية الإسرائيلي، عمير دوستري (Omer Dostri)(2)، أن إسرائيل سعت، من خلال حملاتها الدعائية، إلى اكتساب الشرعية الأميركية والدولية لاستمرار "حرب غزة حتى يتم تدمير القدرات العسكرية والحكومية لحماس"، وإظهار نفسها الجانب الصالح في الحرب ضد ما يُسمِّيه "الإرهاب الفلسطيني"، وتبرير أفعالها باعتبارها "دفاعًا عن النفس". ولأجل ذلك، نفَّذت إسرائيل إستراتيجيات اتصالية متعددة عبر منصات مختلفة لمواجهة الدعاية المناهضة لحربها على غزة، وتشمل الاستفادة من وسائل الإعلام الرقمية، والحفاظ على التواصل مع وسائل الإعلام الدولية، والتواصل مع المؤثرين والشخصيات العامة على مستوى العالم، وتقديم إحاطات للمسؤولين الحكوميين. وتتضمن هذه الإستراتيجيات الاتصالية أيضًا طلب إزالة المحتوى التحريضي من منصات التواصل الاجتماعي، ونشر مواد استباقية لمواجهة الانتقادات التي يتسع انتشارها حول صورة إسرائيل في أنحاء العالم.  

ورصد الباحث نواف التميمي(3) الأساليب التي استخدمتها إسرائيل لبث دعايتها إلى المجتمع الدولي، وكان من بينها استضافة مؤثرين عالميين وكبار مذيعي التليفزيونات الأميركية وأساتذة جامعات عالمية في إسرائيل على حساب وزارتي الخارجية والشؤون الإستراتيجية، وإرسال متحدثين للمؤتمرات الدولية، ونشر إعلانات مدفوعة في عدد من الصحف الغربية الكبرى، وتمويل إعلانات على منصات التواصل الاجتماعي، ودفع الأموال لحملات مرشحين أميركيين وعالميين للوصول إلى الحكم، وتدريب طلاب وشخصيات في 92 جامعة من جامعات أميركا الشمالية في برنامج زمالة يُخَرِّج أفواجًا متفهمة للسياسة الإسرائيلية وجاهزة لإعادة بث الخطاب الدعائي الإسرائيلي.  

سرديات الدعاية الإسرائيلية: أطروحاتها وأسسها

كان تحليل خطاب الدعاية الإسرائيلية محور اهتمام كثير من الدراسات، فقد لاحظ الأكاديمي عدنان أبو عامر(4) أن تغييب الحقائق وتشويهها هو المنطلق الأساسي الذي اعتمدته الدعاية الإسرائيلية في التواصل مع الفلسطينيين، من خلال بث الإشاعة والحرب النفسية، وعرض معلومات منقوصة ومشوهة. كما شكَّل غياب التوازن السمة الأساسية للدعاية الإسرائيلية؛ إذ تُركز تارة على خطاب عاطفي، وتارة أخرى تُقدِّم خطابًا جامدًا باردًا يجعل الجماهير الفلسطينية تعيش إحباطًا من شأنه أن يُنفِّرها من واقعها المعيش.

ورصد الأكاديمي رائد قدورة(5) إستراتيجيات الدعاية الإسرائيلية في عملية "الجرف الصامد"، كما أسمتها إسرائيل، في 2014، وبيَّن الباحث استخدام القوات الإسرائيلية أنواعًا مختلفة من تقنيات الدعاية لتبرير هجماتها على قطاع غزة وإضفاء الشرعية عليها، من خلال الترويج لسردية "دفاع إسرائيل عن نفسها"، التي "لا يمكن إلقاء اللوم عليها". كما درس المحاضر في الجامعة العربية الأميركية، سعيد أبو معلا(6)، طبيعة الدعاية الإسرائيلية المُوَجَّهَة إلى الشعوب العربية وأهدافها. وأظهرت نتائج التحليل أن الخطاب الدعائي يُقدِّم إسرائيل بلدًا للتعدد والتسامح مع الجيران، وكذلك البلد القادر على إيجاد حلول علمية للتغلب على مشكلة التصحر والعطش والتخلف الزراعي، وأن إسرائيل ليست عدوًّا، أو شرًّا، بل دولة سلام تُشارك الدول العربية أفراحها وأتراحها، ويمكنها أن تكون شريكة في الحلول للمعضلات الأمنية والاقتصادية.

وسعت دراسة الباحثة توغتشي سيلان (Tuğçe Ceylan)(7) إلى إثبات أن معسكرين من قوى الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي في "حرب غزة" 2008 يحاولان تمثيل تصرفات الآخر بطريقة سلبية في وسائل الإعلام، ومن ثم تكوين رأي عام غير موات تجاه بعضهما البعض. وأثبتت النتائج، من خلال استخدام التحليل النقدي للخطاب، أن التغطية الإعلامية للحرب في وسائل إعلام الجانبين تهدف إلى نزع الشرعية عن الآخر. فقد استخدم الطرفان معاني التهديد والسلبية في بناء النصوص الإعلامية. كما أن كل جانب يُحمِّل الآخر مسؤولية انهيار محادثات السلام ويسعى إلى نوع من إنكار الآخر.

الدعاية الإسرائيلية والدبلوماسية الرقمية

حلَّلت دراسة أستاذ الإعلام في جامعة بيرزيت، صالح مشارقة(8)، عينة من منشورات صفحة "إسرائيل تتكلم بالعربية"، منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 وحتى الأسبوع الأول من يناير/كانون الثاني 2024. وأظهرت النتائج أن منشورات الصفحة مُؤَطَّرَة دعائيًّا، وتتضمن أساليب دعائية مُوَجَّهَة إلى الجمهور العربي تستحثه لتقبُّل وجود إسرائيل والتطبيع معها، كما أبرزت وجود أساليب دعائية أخرى لبناء صور ذهنية إيجابية عن دولة الاحتلال. فيما بيَّنت دراسة الباحث معين الكوع وزملائه(9) أن أهم الموضوعات التي ركزت عليها صفحة "إسرائيل تتكلم بالعربية" تتمثل في تجريم الفلسطينيين ومقاومتهم، وتحسين صورة إسرائيل رغم الدمار وجرائم الحرب التي تقوم بها ضد الفلسطينيين.

وكشفت نتائج التحليل الذي أجرته الباحثة في الإعلام والدبلوماسية الرقمية، لندا شلش(10)، لنحو 600 منشور على صفحة "إسرائيل تتكلم بالعربية" أن المنصة تستخدم إستراتيجيات دعائية لجذب العرب وكسب اعترافهم وقبولهم بإسرائيل، مثل وضع المنشورات في أُطُر تتعلق بالصراع والمسؤولية والأخلاق بطريقة تُظهِر إسرائيل دولةً عقلانيةً وديمقراطيةً ومحبةً للسلام، وتتعاون مع جيرانها العرب. كما يستخدم مدونو الصفحة وسائل إقناعية تخاطب العاطفة بتوظيف الخطاب الديني، وإضفاء طابع إنساني على الاحتلال وجيشه. وتشمل الإستراتيجيات الخطابية الأخرى التلاعب بالمصطلحات، والتكرار، وتضخيم الأحداث، وتوظيف أصوات عربية بارزة ضد الفلسطينيين تخدم الرواية الإسرائيلية.

فيما أظهر تحليل الأكاديميين، خوسيه مانويل مورينو ميركادو (José Manuel Moreno-Mercado)، وأدولفو كالاترافا غارسيا (Adolfo Calatrava-García)(11)، للأخبار المنشورة عبر ثلاثة حسابات للجيش الإسرائيلي على منصة "إكس" (تويتر سابقًا) بثلاث لغات، تشابهًا في المفردات المستخدمة، وفي بنية الحقل المعجمي ودلالاته، والأهداف، وطريقة التأثير والطاقة الشعورية. وقد أدى ذلك إلى ثلاث نتائج، وهي: الخداع والتحفيز والإكراه. وتُحيل على منظومة إقناع عسكرية تسعى إلى إحكام السيطرة على الجمهور المستهدف، من خلال اتصال إستراتيجي متعدد اللغات يهدف إلى تحقيق أهداف إستراتيجية بعيدة المدى.

واستخدمت الباحثة ليزا تيجيباك (Lisa Tegeback)(12) تحليل السرد البصري لدراسة العلاقة بين الدبلوماسية الرقمية والسرديات الإستراتيجية أثناء الحرب، من خلال تحليل ثمانية فيديوهات نشرتها وزارة الخارجية الإسرائيلية خلال الحرب على غزة. وأظهرت النتائج استخدام الخارجية الإسرائيلية سرديات إستراتيجية لإضفاء الشرعية على الحرب. كما استخدمت التمثيلات البصرية لتأكيد "حق إسرائيل في الدفاع عن النفس"، و"قربها من المثُل الغربية" لحشد الدعم في الحرب التي تشنُّها على قطاع غزة.

الحرب النفسية: حماس-إسرائيل

في المقابل، درست نيسيا روبنشتاين شيمر (Nesya Rubinstein-Shemer)، ونتانيل فلامر (Netanel Flamer)(13)، أساليب الحرب النفسية التي تُنفِّذها حماس ضد إسرائيل، من خلال تحليل مقاطع الفيديو التي أنتجتها باللغة العبرية خلال (2007-2014). وتوصلت الدراسة إلى تعريف نشاط حماس بـ"حرب نفسية إسقاطية"، تعكس معتقدات الحركة نفسها بدلًا من توجيه رسائلها إلى ثقافة الجمهور المستهدف وبنظرة عالمية. وفي ضوء ذلك، تُقلِّل نتائج الدراسة من فعالية الحرب النفسية التي تشنُّها حماس ضد إسرائيل، أو قدرتها في التأثير على تصورات الإسرائيليين ومشاعرهم.

واستمرارًا لاهتماماتها البحثي، أجرت شيمر دراسة أخرى(14) عن الحرب النفسية التي نفَّذتها حماس ضد إسرائيل خلال (2014-2023)، وحلَّلت فيها استثمار حماس الثقافة الشعبية الإسرائيلية وإعادة صياغتها في خطابها الدعائي لأغراض الحرب النفسية. ورغم أن هذه المحاولة كانت متقدمة بشكلٍ مثيرٍ للإعجاب -كما تَذْكُر الباحثة- إلا أنها لم تُحقِّق أي اختراق فعلي في وعي المجتمع الإسرائيلي. وتعزو ذلك إلى أن الثقافة الإسرائيلية "تجاوزت" منذ فترة طويلة تلك المرحلة التي كانت فيها مثل هذه المواد تُشكِّل وعيها، وتؤثر في سلوك الإسرائيليين.

غير أن باحثين إسرائيليين آخرين، مثل غابرييل فايمان (Gabriel Weimann)، ودانا فايمان ساكس (Dana Weimann-Saks)، في دراستهما(15) عن التعامل مع الحرب النفسية التي شنَّتها حماس خلال "حرب غزة"، وجدا أن هجوم حماس، في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، اعتمد على "غزو بري لآلاف المسلحين للمجتمعات الإسرائيلية ومعسكرات الجيش"، ولكنه أيضًا "كان بداية لغزوٍ نفسيٍ صادم". وأكدا أن حماس، وهي إحدى أكثر المنظمات خبرة في مجال الدعاية والحرب النفسية، سعت إلى الجمع بين الحرب الجسدية والحملة النفسية، التي من شأنها أن تضر بمعنويات الإسرائيليين وتماسكهم، ورغبتهم في القتال والتضحية، وثقتهم في القيادة السياسية والعسكرية، والمرونة العقلية.  

معركة السرد والرواية الإسرائيلية

وجد الباحثان، تمارا التميمي، ودانييلا سواريز فارغاس (Daniela Suárez Vargas)(16)، أن إسرائيل تخوض "معركة السرد" ضد الفلسطينيين باستخدام الدعاية، والتشهير بالخصم، ونزع الصفة الإنسانية عنه وشَيْطَنَتِه. وعلى الرغم من آلة الدعاية الإسرائيلية وتواطؤ الدول ووسائل الإعلام الغربية الكبرى، إلا أن الأساليب الإسرائيلية فشلت في استمالة الرأي العام الدولي لقبول الانتهاكات التي ترتكبها إسرائيل ضد الفلسطينيين، بما في ذلك الإبادة الجماعية.

وسلطت دراسة الأكاديمي باسم الطويسي(17) الضوء على الرواية الإسرائيلية، خلال عملية الإبادة الجماعية التي ارتكبتها إسرائيل في قطاع غزة. وبيَّن التحليل النوعي لمحتوى الدعاية الإسرائيلية هيمنة الرواية الإسرائيلية على مدى الأسابيع الثلاثة الأولى من الحرب، بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، وتبنِّي وسائل الإعلام الغربية الرئيسية لهذه الرواية لفترة طويلة، من خلال تكريس أربع أطروحات، وهي: إسرائيل الضحية، وشيطنة الفلسطينيين وحماس، والتفوق الأخلاقي والإنساني الإسرائيلي، وشرعية ما تقوم به إسرائيل. وكشفت النتائج عن ظهور رواية جديدة على منصات الإعلام الرقمي مع نهاية الشهر الأول من الحرب تتناقض كليًّا مع الرواية الإسرائيلية؛ الأمر الذي سمح بحدوث تحول في التصور العالمي للحرب، خصوصًا بعد قصف المستشفى الأهلي العربي في مدينة غزة.

ويبدو من خلال مراجعة الدراسات السابقة، التي بحثت موضوع الدعاية والحرب النفسية في الحرب على غزة، تركيزها على تحليل محتوى الرسائل الدعائية كميًّا ونوعيًّا، وتقديم قراءة تحليلية لمعرفة موضوعاتها وأطروحاتها وأساليبها، وأشكال توظيفها بين أطراف الصراع (إسرائيل والمقاومة الفلسطينية)، وهو جانب بحثي مهم. لكن هذه الدراسة تسعى إلى دراسة الجهة التي يستهدفها الخطاب الدعائي الإسرائيلي، وهو الجمهور الفلسطيني، لمعرفة اتجاهاته وتصوراته عن طبيعة الدعاية والحرب النفسية الإسرائيلية، وإدراكه لموضوعاتها وأطروحاتها وأساليبها وقنواتها، وتأثيراتها في الرأي العام الفلسطيني، ورؤيته لسبل المواجهة الإعلامية. وهو جانب على قدر مهم من الأهمية تسعى الدراسة إلى الاشتغال عليه، وتقديم مساهمة علمية تسدُّ بعض المساحات البحثية التي تتطلب الاهتمام.

الإستراتيجية البحثية

تنتمي الدراسة إلى أنواع البحوث الوصفية التي يرتبط مفهوم البحث فيهـا بـ"دراسـة واقـع الأحداث والظواهر والمواقف والآراء وتحليلها وتفسيرها بغرض الوصول إلى استنتاجات مفيدة، إمـا لتصحيح هذا الواقع أو تحديثه أو استكماله أو تطويره"(18). وتعتمد على منهج المسح، الذي يُعد من أنسب الأساليب المنهجية في الدراسات الوصفية في الحقل الإعلامي؛ إذ "يُستخدم منهج المسح في وصف الوضع القائم للظاهرة المدروسة بشكل تفصيلي ودقيق"(19)، وجرى الاعتماد عليه في مسح عينة من الجمهور العام في فلسطين. ويتمثَّل مجتمع الدراسة في الجمهور العام الفلسطيني. ونظرًا للوضع المضطرب الذي يعيشه مجتمع الدراسة، وحالة التهجير والنزوح في ظل الحرب، ثم صعوبة التواصل في سياق هذه الظروف الاستثنائية، اعتمد الباحث عينة متاحة قوامها 41 مبحوثًا من الجمهور العام الفلسطيني، خلال الفترة الممتدة من 25 يوليو/تموز إلى 16 أكتوبر/تشرين الأول 2024.

استندت الدراسة إلى أداة الاستبيان الإلكتروني باستخدام "نماذج غوغل" ((Google Forms للتعرف على آراء الجمهور الفلسطيني واتجاهاته نحو حملات الدعاية والحرب النفسية الإسرائيلية التي تستهدفه، واستقصاء انعكاساتها وتأثيراتها على الرأي العام الفلسطيني. وجرى توزيع رابط الاستبانة عبر مجموعة من الباحثين المتعاونين في الداخل الفلسطيني. تضمنت صحيفة الاستبيان خمسة محاور، يُحدِّد أولها السمات الديمغرافية (البيانات العامة) لأفراد عينة الدراسة. ويرصد المحور الثاني سمات وخصائص حملات الدعاية والحرب النفسية الإسرائيلية والتعرف على مصادرها الدعائية وأساليبها وقنواتها الاتصالية وموضوعاتها والجهات التي تستهدفها. وقد طُلِب من المبحوثين ترتيب متغيرات كل منها بوضع رقم (1) للمصدر أو الموضوع أو المستهدف أو الأسلوب الأكثر حضورًا في الدعاية الإسرائيلية، ورقم (2) للذي يليه وهكذا. ومن خلال حساب الأوزان المرجحة لكلٍّ منها جرى ترتيبها وفقًا لدرجة الأهمية التي منحها المبحوث في إجابته. فيما يستكشف المحور الثالث تأثير الدعاية والحرب النفسية الإسرائيلية في الرأي العام الفلسطيني على المستويات السياسية والاقتصادية والثقافية والإعلامية والاجتماعية والأمنية. أما المحور الرابع فيتناول الإستراتيجيات الاتصالية للمقاومة الفلسطينية لمواجهة حملات الدعاية الإسرائيلية، وصَمَّمَت الدراسة مقياسًا علميًّا يتكوَّن من 12 عبارة لتحديد هذه الإستراتيجيات، ويتوزَّع بشكل متداخل لقياس مؤشرات أربع إستراتيجيات اتصالية، وهي: الهجوم، والتوضيح، والتريث، والصمت، بواقع ثلاث عبارات لكل إستراتيجية. وطُلِب من المبحوثين التعبير عن درجة موافقتهم على العبارات باختيار إحدى درجات مقياس ليكرت خماسي الدرجة؛ إذ تُصَنَّف درجات الموافقة على النحو الآتي: موافق بشدة (5)، موافق (4)، لا أعلم (3)، غير موافق (2)، غير موافق بشدة (1). ومن خلال حساب متوسط الوزن المرجح* لكل عبارة، وعلى مستوى عبارات كل إستراتيجية معًا، أمكن تحديد الإستراتيجية الأكثر ترجيحًا.

ويستهدف المحور الخامس تقييم كفاءة الأجهزة الاتصالية للمقاومة الفلسطينية في مواجهة حملات الدعاية الإسرائيلية، من خلال مقياس خماسي الدرجة، يتكوَّن من 11 عبارة متناقضة توزَّعت بشكل متداخل. وطُلِب من المبحوثين التعبير عن درجة موافقتهم على العبارات باختيار إحدى درجات المقياس. ومن خلال حساب متوسط الوزن المرجح لكل عبارة أمكن تحديد مؤشرات التقييم الأكثر ترجيحًا. وخضعت أداة الاستبيان لاختبارات الصدق والثبات، التي بيَّنت صلاحية الأداة وكفاءتها لقياس ما يُراد قياسه وتحقيق الأهداف التي صُمِّمَت لأجلها**.

الإطار النظري

الدعاية السياسية: خلفية معرفية وتاريخية

يرجع أصل كلمة دعاية، وفقًا لقاموس "أوكسفورد"، إلى بداية العقد الثالث من القرن السابع عشر (1621-1623) عندما ظهرت لأول مرة في اللاتينية (Congregatio de propaganda fide)، وتعني "التجمع لنشر الإيمان". كانت هذه مهمة، بتكليف من البابا غريغوريوس الخامس عشر، لنشر عقيدة الكنيسة الرومانية الكاثوليكية لغير المؤمنين بها. وفي ذلك الوقت، أخذت الدعاية مفهومها من النشاط الديني للكنيسة؛ إذ تُعد "عملًا منظمًا أو مخططًا أو حركة لنشر عقيدة أو ممارسة معينة"(20) بمعنى أن الدعاية في الأصل شكل من أشكال التلقين الديني. لكن بحلول أوائل القرن العشرين، ومع بدايات الحرب العالمية الأولى، أخذت كلمة الدعاية معنىً سياسيًّا بدلًا من التلقين الديني؛ مما يعكس التحول في القوة المجتمعية من الكنيسة إلى الدولة(21).

ويضيف قاموس "أكسفورد" في تتبُّعه لتطور الكلمة تعريفًا آخر، وهو "النشر المنهجي للمعلومات بطريقة منحازة أو مُضَلِّلَة من أجل الترويج لقضية سياسية أو وجهة نظر"(22). وهنا، يظهر البعد أو الطابع السياسي للدعاية في محاولتها إقناع جمهور عام بالتوافق مع وجهة نظر معينة. ووفقًا لموسوعة "الاتصال السياسي"، فإن الدعاية تقنية تواصل تسعى إلى التلاعب بآراء الجمهور المستهدف، وتحويل مواقفه إلى أخرى محددة تجاه موضوع متداول(23). وتُشير أيضًا إلى شكل من أشكال الإقناع تعتمد على حملة إعلامية جماهيرية تهدف إلى تثبيط العزيمة وتحييد التفكير العقلاني وطمس الأدلة أو إخفائها(24).

تاريخيًّا، اسْتُخْدِمَت الدعاية أداة للسيطرة والامتثال من قِبَل القوى الاجتماعية المهيمنة أيضًا. وهو ما يُسمِّيه عالم الاجتماع والفيلسوف الفرنسي، جاك إلول (Jacques Ellul)، "دعاية الاندماج"، ويرى أن جميع النظم الاجتماعية الحديثة تستخدمها لتشجيع المواطنين على الامتثال للنظام السائد ودعمه(25). وهي دعاية لا تنشرها مجموعات المخربين أو البرامج الإذاعية التي تبثُّها القوى الأجنبية، وإنما تُصْدِرُها قنوات الاتصال الرئيسية، مثل: الصحف والتليفزيون والأفلام والكتب المدرسية والخطب السياسية وغيرها، التي يُنتجها بعض ممن هم أكثر نفوذًا وحضورًا ومكانة في المجتمع(26). وتعمل الدعاية -بسبب طبيعتها السرية والدقيقة- وسيلةً للضبط الاجتماعي باستخدامها أدوات الإقناع والتلاعب، والمصادر المجهولة(27).

اسْتُخْدِم مصطلح الدعاية حديثًا في أميركا وبريطانيا في بدايات القرن العشرين إبان الحرب العالمية الأولى عندما أسَّس الرئيس الأميركي، توماس وودرو ويلسون، لجنة دعائية شارك في عضويتها كبار المفكرين والأكاديميين من علماء النفس وخبراء سياسات الترويج أمثال الفيلسوف وعالم النفس، جون ديوي (John Dewey)، والكاتب، والتر ليبمان (Walter Lippmann)، ومُنْشِئ علم العلاقات العامة والدعاية السياسية، إدوارد برنيز (Edward Bernays)، للعمل على تغيير مزاج الشعب الأميركي الانعزالي، ودفعه لتأييد دخول الولايات المتحدة الحرب. كما تأسست في بريطانيا وزارة للدعاية أخذت على عاتقها مهمة تحريض الشعب الأميركي ضد الألمان(28).

تلجأ حكومات العالم لاستخدام الدعاية السياسية من أجل تشجيع الجمهور على التصرف والتفكير وفقًا لفلسفتها بهدف تأييدها ودعم صورتها الذهنية من جانب، وفي الجانب الآخر ترويج الصورة التي ترسمها عن الأمم الأخرى. ويرتكز عمل الدعاية السياسية على تشتيت انتباه الأفراد عن إجراء تقييمات شخصية للتحيزات في منطق الدعاية ورسالتها(29). ويتحقق التلاعب بالقبول من خلال استغلال مشاعر الفرد، مثل: الخوف والغضب والحزن والشعور بالذنب والانتقام. وعادة يتم توظيف اللغة المانوية التي تقوم على ثنائية "نحن" و"هم"، وكذلك الشعارات والرموز لكسب الدعم والتأييد بسرعة للرسالة الدعائية دون التفكير النقدي في معناها ومغزاها(30).

نظرية الدعاية: لاسويل وليبمان

شهد النصف الأول من القرن العشرين اهتمام الباحثين بدراسة تأثير الدعاية السياسية في الجمهور المتلقي(31). واعتمد منظرو الدعاية السياسية، مثل عالم السياسة والاتصال، هارولد لاسويل (Harold Lasswell)، على مفاهيم المجتمع الجماهيري، وإلى حدٍّ كبير علم نفس الاستجابة للمحفزات، عندما تكهَّنوا بأسباب نجاح الدعاية في تعبئة الجيوش الضخمة خلال الحرب العالمية الأولى. وأصبح يُنظر إلى وسائل الإعلام باعتبارها قوة ذات تأثير كبير في سلوك الأفراد(32)، وأن الجمهور هدف مفتوح يمكن للرسالة الإعلامية أن تُصيبه بسهولة وتؤثر فيه(33). ويعتقد لاسويل أن الأفراد سيكونون أهدافًا سهلة للدعاية السياسية، ومن خلال الرموز الدعائية القوية يمكن استثارة حوافزهم الداخلية بسهولة، والتلاعب بآرائهم ومواقفهم والتحكُّم فيهما(34).

إن قوة الدعاية -في نظر لاسويل- لم تكن في الحقيقة نتيجة لجوهر الرسائل الاتصالية أو جاذبيتها، بل كانت نتيجة لحالة ذهنية ضعيفة لدى الجمهور، وأن الكساد الاقتصادي والصراع السياسي المتصاعد أدى إلى انتشار الذُّهَان على نطاق واسع؛ مما جعل معظم الناس عرضة لأشكال بدائية من الدعاية. وعندما يُواجه الناس العاديون تهديدات يومية قوية لحياتهم الشخصية، فإنهم يلجؤون إلى الدعاية للحصول على الطمأنينة(35). وخلص لاسويل إلى أن الصراع عندما يتصاعد إلى المستوى الذي حدث في ألمانيا أثناء الكساد فقد تُصبح أمة بأكملها غير متوازنة نفسيًّا وعرضة للتلاعب(36).

وتُجسِّد نظرية الدعاية التي وضعها لاسويل، والتي تُعرَف بنظرية الرصاصة السحرية المفهوم الأصلي لقوة تأثير الدعاية، وتفترض أن المحفزات القوية تُثير استجابات فورية وموحدة في الجمهور المتلقي، تتوافق مع نوايا المرسل وغاياته(37). ومما ساعد على ظهور النظرية وتعزيز فكرتها انتشار الدعاية بشكل كبير أثناء الحرب العالمية الأولى، والنتائج الإيجابية التي كانت تُحققها لممارسيها، وهو ما دفع لاسويل إلى وصفها بالمطرقة الجديدة وسندان الترابط الاجتماعي(38)، في إشارة إلى الدور الحيوي الذي قامت به الدعاية السياسية خلال الحرب في توحيد الآثار المترتبة على المستويين الفردي والجماعي، وقوة تأثيرها في عقول الجماهير.   

ليبمان شارك لاسويل تَشَكُّكه في قدرة الناس العاديين على فهم عالمهم الاجتماعي، واتخاذ قرارات عقلانية بشأن أفعالهم. وتحدث في مقدمة كتابه: "الرأي العام"، الذي صدر عام 1922، عن العالم الخارجي والصور التي تتشكَّل عنه في عقول الجماهير، وما تنطوي عليه تلك الصور الذهنية في كثير من الأحيان من بيئات زائفة "يصنعها بنفسه عن العالم، أو يصنعها له آخرون"(39). وتُسهِم الصحافة في تقديم صور نمطية بسيطة تُعزِّز المفاهيم الموجودة مسبقًا، كما تُساعد في تكوين اتجاهات الرأي العام، من خلال جهود الدعاية السياسية التي تدفع الناس للاستجابة لتغيير الصور، ولاستبدال نمط اجتماعي بآخر أيضًا(40). ويبدو أن فكرة سيطرة الدعاية على عقول الجماهير من خلال الصحف قد تأكدت خلال هذه الفترة، وما لم يتوقعه ليبمان عام 1922 عن دور الصحافة في تقديم بناءات مشوهة أو زائفة عن الواقع الاجتماعي ينطبق أيضًا على وسائل الإعلام الأخرى، مثل الراديو والتليفزيون(41)، والإعلام الرقمي ومنصات التواصل الاجتماعي عبر الإنترنت.

الدعاية السياسية في الفلسفة النقدية

تعني الدعاية في الفلسفة الشيوعية -كما يفهمها فلاديمير لينين- التحريض، وذلك لتوجيه مشاعر الناس وعواطفهم بشكل عفوي نحو الهدف المنشود(42). وقد جرى تكييف الدعاية بالمعنى الإيجابي من قِبَل الحركة العمالية الأوروبية في القرن التاسع عشر، ومن ثم أصبحت مفهومًا مركزيًّا للأيديولوجية الشيوعية. وتبنَّى لينين الدعاية والتحريض والتنظيم مصطلحات أساسية في نظريته الصحفية(43). أما ممثلو النظرية النقدية من علماء الاجتماع الألمان، مثل تيودور أدورنو (Theodor Adorno)، وماكس هوركهايمر (Max Horkheimer)، وصولًا إلى يورغن هابرماس (Jürgen Habermas)، فيؤكدون أن السلطة السياسية تفرض سلطتها بالهيمنة على الفعل والممارسة التقنية. فمن خلال وسائل الاتصال الجماهيري، يجد الإنسان نفسه منقادًا ومتأثرًا كي يكبت حاجته للتحرر من الاستغلال، ومن أجل تدجينه بحيث يتقبَّل العبودية الاقتصادية والاجتماعية التي يعيشها، ومن ثم يفقد روح المعارضة. أما نعوم تشومسكي (Noam Chomsky)، فينظر إلى الدعاية باعتبارها وسيلة للهيمنة، ومؤثرًا أيديولوجيًّا، بغض النظر عن الأسلوب والوسيلة التي تصل بها إلى مقاصدها، ويؤكد أن النظام الإعلامي هو آلة دعائية جبارة(44). وعلى الرغم من أن الدعاية يمكن أن تتغلغل بسهولة في أفكار وأفعال المتلقي، إلا أن التفكير النقدي والوعي يمكن أن يوفرا أفضل دفاع ضد الوقوع في فخ الدعاية المتمثل في تحقيق التضليل والانقياد العام.

الحرب النفسية: تطور المفهوم والمدلول

تُعرَّف الحرب النفسية (Psychological Warfare) بـ"استخدام الدعاية ضد العدو، مدعومة بالتدابير العسكرية أو الاقتصادية أو السياسية حسب الحاجة قصد إضعاف معنويات العدو، وكسر إرادته في القتال أو المقاومة، وفي بعض الأحيان جعله يميل إلى موقف معين، كما تُسْتَخْدَم أيضًا لتعزيز عزيمة الحلفاء أو مقاتلي المقاومة"(45). وتُوصف الحرب النفسية بـ"عملية مستمرة تسعى إلى تحقيق مكاسب عسكرية دون استخدام القوة العسكرية، وتتضمن استخدام الدعاية ضد العدو، إلى جانب التدابير العملية الأخرى ذات الطبيعة العسكرية أو الاقتصادية أو السياسية التي قد تكون مطلوبة لتكملة دور الدعاية"(46). ويرى الأكاديمي بجامعة أوسلو متروبوليتان، رون أوتوسن (Rune Ottosen)، أن "الحرب النفسية تُشكِّل جزءًا أساسيًّا من الحرب الحديثة، وتُدار في المنطقة الواقعة بين المجتمع المدني وساحة المعركة"(47).

لقد "تطورت الحرب النفسية كأسلوب من كونها تهدف إلى خفض معنويات العدو لصالح تحقيق الأهداف العسكرية إلى استخدامها أداة "قوة ناعمة" للتأثير وليس الإكراه"(48). ويُشير الخبير والأكاديمي الإسرائيلي، رون شلايفر (Ron Schleifer)، إلى الحرب النفسية مثالًا لـ"القوة الناعمة"(49)، بما يتماشى مع توصيف أستاذ العلوم السياسية بجامعة هارفارد، جوزيف ناي (Joseph Nye)، الذي يربطها بالأساليب السياسية المُصَمَّمَة للجذب والإقناع بدلًا من القوة والإكراه(50). وبموجب هذه التعريفات، تنطوي الحرب النفسية على تكتيكات دعائية تستهدف كسب دعم الحلفاء والمؤيدين وإضعاف جبهة الأعداء والخصوم من خلال التلاعب بمشاعرهم للتأثير في اتجاهاتهم ومواقفهم وسلوكهم.

ويرى شلايفر أن الحرب النفسية كانت سلاحًا غير عنيف، منذ العصور التوراتية، يُسْتَخْدَم لتحقيق الأهداف العسكرية(51). وعلى مر التاريخ، استخدمت الحكومات والجيوش هذا السلاح الإقناعي أثناء الحروب شكلًا من أشكال القتال، ويُحدِّد شلايفر الحرب النفسية في "جميع الأنشطة اللاعنفية التي تهدف إلى تحقيق أهداف الدولة"(52)، ويستشهد في كتابه: "الحرب النفسية في الصراع العربي الإسرائيلي"، على سبيل المثال، بالعمليات النفسية التي يمكن من خلالها التأثير في الجنود أثناء الحرب حتى لا يسحبوا الزناد أو يَهْجُروا ساحة المعركة تمامًا. إجمالًا، فإن مصطلح الحرب النفسية يتضمن، في نظر المُؤَلِّف، العمليات النفسية التي يمكن أن يقوم بها أحد الأطراف من أجل تحقيق درجة معينة من التأثير في العدو.

غير أن تعريف شلايفر للحرب النفسية، باعتبارها "نشاطًا غير عنيف"، يتجاهل بُعدًا مهمًّا من أبعاد الحرب النفسية، وهو قدرة أعمال العنف الصغيرة على إحداث التأثير النفسي الفوري، الذي قد ينسحب على وضع الصراع الشامل. فعلى سبيل المثال، فإن مقتل بعض الجنود الإسرائيليين، أو احتجاز رهائن إسرائيليين على يد فصائل المقاومة، يُؤثر بشدة في الحالة النفسية للمجتمع الإسرائيلي. ومن جانب آخر، فإن هذا السلاح "غير العنيف" -وفقًا لما سبق من تعريفات- يكون في بعض الأحيان مدعومًا بالتدابير العسكرية أو الاقتصادية أو السياسية التي تمنحه فاعلية التأثير والوقع النفسي في الخصم. على سبيل المثال، فإن إلقاء القنبلة الذرية أو التهديد بفعل ذلك، وهو نموذج متطرف للعمليات العسكرية نفسها، يؤدي دورًا نفسيًّا عميقًا يتجاوز تأثيرها العسكري؛ لأن قدرتها التدميرية الهائلة المثبتة علميًّا لها تأثير نفسي في الهدف المحتمل(53).

إبستمولوجيًّا، ظل مصطلح الحرب النفسية هو المصطلح الشامل المستخدم بشكل شائع منذ الحرب العالمية الأولى وحتى ستينات القرن العشرين. لكن بعد هذا التاريخ تمَّ استبداله بمصطلح "العمليات النفسية" (Psychological Operations) بوصفه المفهوم الحديث الذي يتضمن أكثر بكثير من الحرب بالمعنى التقليدي. لذلك أصبح مصطلح العمليات النفسية هو المصطلح الشامل(54)، وقد استُخدِم لأول مرة عام 1945 في إشارة إلى رسائل الاستسلام التي أرسلتها القوات الأميركية إلى الأراضي اليابانية، والتي كانت تعرض معاملة إنسانية لأفراد العدو الذين يتوقفون عن مقاومة القوات الأميركية(55).

وتُعرَّف العمليات النفسية بأنها شكل من أشكال النشاط السياسي والعسكري للدولة. ويُشير تعريف وزارة الدفاع الأميركية إلى أن العمليات النفسية تمثِّل "أنشطة سياسية واقتصادية وعسكرية وأيديولوجية مخططة مُوَجَّهَة نحو الدول والمنظمات والأفراد الأجانب من أجل خلق المشاعر والمواقف والتفاهمات والمعتقدات أو السلوكيات المواتية لتحقيق الأهداف السياسية والعسكرية الأميركية"(56). كما يتم تعريف هذا النوع من الأنشطة في منشورات هيئة الأركان المشتركة باعتبارها: "أنشطة نفسية مخططة في السلم والحرب، تسعى إلى تحقيق أهداف لكسب دعم الدول الصديقة والمحايدة وتعاونها، والحد من إرادة الدول المعادية أو المعادية المحتملة وشلِّ قدرتها على شن الحرب"(57). وتُعرَّف العمليات النفسية من الناحية العملية بـ"عمليات مخططة تنقل معلومات ومؤشرات مختارة إلى الجماهير الأجنبية المستهدفة للتأثير في عواطفهم ودوافعهم وتفكيرهم، وفي النهاية سلوك الحكومات والمنظمات والمجموعات والأفراد الأجانب"(58). 

بالمعنى السياسي العسكري للمصطلح، فإن العمليات النفسية تُعد عمليات متعددة المراحل تستخدم مجموعة من الأجهزة غير القسرية للسيطرة على تصرفات مجموعة مستهدفة وكسب مواقفها دون اللجوء إلى استخدام القوة. ومع ذلك، تبقى الحرب النفسية جزءًا من مفهوم العمليات النفسية، التي تُشير إلى "النشاط الذي يسعى إلى التأثير في مواقف الجماعات الأجنبية المعادية وأفعالها لدعم الأهداف الوطنية في زمن الحرب"(59). ومن ثم، فإن الحرب النفسية هي نوع من العمليات النفسية الأكثر ارتباطًا بالإجراءات العسكرية، قبل الاشتباك وأثناءه، لتقليل إرادة العدو في القتال، وبعد ذلك، للتأكيد على تأثير خسائره ويأس وضعه النفسي(60).

وتستهدف الحرب النفسية ثلاثة جماهير رئيسة: الجمهور المحلي، والجمهور المعادي، والجمهور المحايد؛ إذ يتعيَّن على الجمهور المحلي أن يقتنع بمبررات الحرب، بينما يتعيَّن على جيش العدو أن يقتنع بأن فرصه في الفوز معدومة، وأن يُدرك مواطنو العدو عبثية الحرب، في حين يُراد للجمهور المحايد أن يُسْتَقْطَب؛ لأن دعمه قد يكون ذا أهمية بالغة. وتستمر وحدات الحرب النفسية في العمل حتى بعد انتهاء الحرب، وتتلخص مهمتها الرئيسة في هذه المرحلة في مواجهة العداء الطبيعي الذي يُكِنُّه السكان المحليون لقوة الاحتلال. والرسالة التي يتعيَّن نقلها لهم أن القوات الأجنبية موجودة في أراضيهم على أساس مؤقت فقط، وليس لديها أي نية لإلحاق الأذى بهم(61).

في تطور مفاهيمي لاحق، قدَّم الجيش الأميركي، في الرابع من يونيو/حزيران 2010، مصطلحًا جديدًا هو "عمليات دعم المعلومات العسكرية" (Military Information Support Operations) إلى قيادة العمليات النفسية الخاصة به، مشيرًا إلى أن الغرض منه هو "نشر معلومات صادقة للجمهور الأجنبي لدعم السياسة الأميركية والأهداف الوطنية"(62). كانت غاية الحرب النفسية فيما مضى تستهدف جنود العدو والمدنيين غير المقاتلين من الأعداء، وفي النهاية الحكومات المعادية أو صنَّاع القرار. ولكن اليوم قد تكون هناك حاجة إلى تعديل تعريف الحرب النفسية وتوسيعه ليشمل كثيرًا مما يُمارس تحت مصطلح "الدبلوماسية العامة" سعيًا إلى إقناع مجموعات مستهدفة بدعم رواية معينة على حساب أخرى(63).

 

2. أساليب الدعاية الإسرائيلية خلال الحرب على غزة 

سمات المبحوثين

تألَّفت عينة الدراسة -كما يبدو في الجدول رقم (1)- من 41 مبحوثًا من الجمهور العام الفلسطيني، ويُشكِّل الذكور ما نسبته 58.54% من مجموع أفراد العينة مقابل 41.46% من الإناث. ويعكس ذلك توازنًا نسبيًّا على مستوى النوع الاجتماعي.

جدول (1): توزيع نسب المبحوثين وفقًا للنوع الاجتماعي

 

النسبة (%)

التكرار

النوع الاجتماعي

58.54

24

ذكر

41.46

17

أنثى

100

41

المجموع

 

 وتُظهِر بيانات الجدول رقم (2) أن نصف المبحوثين هم من فئة الشباب ممن تتراوح أعمارهم بين (21-30) عامًا بنسبة 51.22% وبمعدل تكرار بلغ 21 مرة، وإذا أُضِيفت إليها الفئة العمرية بين (31-40) عامًا ستُشكِّلان معًا نسبة 61% بمعدل تكرار بلغ 25 مرة. وهما فئتان عمريتان تتسمان بالحيوية والطاقة وروح المبادرة، مما يُشير إلى فتوة مجتمع الدراسة. فيما يُلاحظ أن مجموع الفئتين العمريتين (41-50) و(51-60) معًا يُشكِّل نحو ثلث عينة المبحوثين بنسبة 34.15% بمعدل تكرار 14 مرة، وهي فئة تتسم في المقابل بالخبرة في الحياة والنضج الفكري والمعرفي؛ مما يمنح العينة ميزة إضافية باستنادها إلى آراء نخبة المجتمع الفلسطيني أيضًا، ممن يكتنزون خلاصة تجارب الحياة، وتراكم الخبرات المهنية والحياتية.

 

جدول (2): توزيع نسب المبحوثين وفقًا للفئة العمرية

 

النسبة

التكرار

الفئة العمرية

م

51.22

21

21-30 عامًا      

1

9.76

4

31-40 عامًا

2

12.20

5

41-50 عامًا     

3

21.95

9

51-60 عامًا

4

4.9

2

61-70 عامًا      

5

100

41

المجموع

وانسجامًا مع المعطيات السابقة، فإن نحو نصف العينة هم من حملة الشهادة الجامعية الأولى "البكالوريوس" بنسبة 48.78% وبمعدل تكرار بلغ 20 مرة، كما يُبيِّن الجدول رقم (3)، فيما القسم الآخر من العينة هم من حملة شهادات "الماجستير والدكتوراه"، ويُشكِّلون ما نسبته 43.90%، ويعكس ذلك المستوى المعرفي الرفيع لهذه الفئة ودرجة نخبويتها.

جدول (3): توزيع نسب المبحوثين وفقًا للمستوى التعليمي

 

النسبة

التكرار

المستوى التعليمي

م

7.3

3

ثانوية

1

48.78

20

بكالوريوس

2

34.15

14

ماجستير

3

9.76

4

دكتوراه

4

100

41

المجموع

 

وتتوزع عينة الدراسة على 11 محافظة فلسطينية، تتصدَّرها غزة بنسبة 26.83%، ثم رام الله والبيرة بنسبة 19.51%، ثم الخليل بنسبة 12.20%، وطولكرم وجنين بنسبة 9.76% لكلٍّ منهما، ونابلس بنسبة 7.32%، فيما توزَّعت بقية العينة بنسب محدودة على بقية المحافظات كما يظهر في الجدول رقم (4).

جدول (4): توزيع نسب المبحوثين وفقًا للمحافظة

 

النسبة

التكرار

المحافظة

م

26.83

11

غزة            

1

19.51

8

رام الله والبيرة  

2

12.20

5

الخليل      

3

9.76

4

طولكرم

4

9.76

4

جنين

5

7.32

3

نابلس

6

4.88

2

القدس

7

2.44

1

بيت لحم

8

2.44

1

أريحا والأغوار      

9

2.44

1

الوسطى            

10

2.44

1

خان يونس

11

100

41

المجموع

 

خصائص الدعاية الإسرائيلية 

مصادر الدعاية الإسرائيلية: المسؤولون المتشددون ووحدة المتحدث العسكري

يُشير مفهوم مصادر الدعاية إلى الفاعل المُنْشِئ لمحتوى الدعاية الإسرائيلية، الذي قد يكون فردًا أو جماعة أو كيانًا سياسيًّا أو الدولة نفسها، من أجل التأثير في الرأي العام المستهدف. في هذه الدراسة، تصدَّر الوزراء المتشددون في الحكومة الإسرائيلية، مثل وزير المالية، بتسلئيل سموتريتش، ووزير الأمن القومي، إيتمار بن غفير، قائمة مصادر الدعاية الإسرائيلية الأكثر استهدافًا للرأي العام الفلسطيني في الحرب على غزة، وجاءا في المرتبة الأولى بنسبة 19% من إجمالي الوزن المرجح، وذلك لما يُعرَف عن تصريحاتهما ومواقفهما العنصرية المعادية للعرب والفلسطينيين. يرأس سموتريتش حزب "الصهيونية الدينية"، فيما يتزعم بن غفير حزب "العظمة اليهودية" (عوتسما يهوديت)، ويُمثِّلان معًا قطبي اليمين المتطرف في إسرائيل؛ إذ يُعارضان إبرام صفقة لوقف إطلاق النار، ويدعوان إلى الاستمرار في الحرب على غزة حتى "القضاء على حماس". وجاءت وحدة المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي في المرتبة الثانية بنسبة 18% من مجموع الأوزان المرجحة، ثم اللجان الإلكترونية التابعة للخارجية الإسرائيلية والاستخبارات في المرتبة الثالثة بنسبة 15%، ثم جهاز "الهاسبارا" الدعائي في المرتبة الرابعة بنسبة 14%. وتُعد هذه المصادر الثلاثة الأخيرة أكثر أجهزة الدعاية الإسرائيلية استهدافًا للرأي العام الفلسطيني في الحرب على غزة.

جدول (5): توزيع ترتيب مصادر الدعاية

الإسرائيلية ونسبها وفقًا للوزن المرجح

 

النسبة

الوزن المرجح

الترتيب

مصادر الدعاية الإسرائيلية

م

7

6

5

4

3

2

1

19

212

1

3

5

2

7

7

15

وزراء إسرائيليون متشددون (نموذج سموتريتش، وبن غفير)

1

18

207

1

4

1

6

7

11

10

وحدة المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي

2

15

170

8

-

4

6

10

8

4

لجان إلكترونية تابعة للخارجية الإسرائيلية والاستخبارات

3

14

153

7

6

7

2

7

7

4

جهاز "الهاسبارا" الدعائي

4

13

140

6

9

7

6

5

3

4

الطابور الخامس

5

11

122

7

14

4

7

3

3

2

تيارات إسرائيلية متطرفة

6

10

116

10

4

12

11

1

1

1

اللوبيات الصهيونية في الخارج

7

 

قنوات الدعاية الإسرائيلية: الإعلام الأميركي ومنصات التواصل الاجتماعي

يُشير مفهوم قنوات الدعاية إلى الحوامل الاتصالية التي تُسْتَخْدَم لنشر الدعاية والترويج لها وإيصالها إلى الجمهور المستهدف، وتشمل مختلف وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي والوسائط والأنماط الاتصالية الأخرى. في هذه الدراسة، يرى المبحوثون أن وسائل الإعلام الأميركية تُعد القنوات الاتصالية الأكثر توظيفًا في حملات الدعاية الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني، وجاءت في الترتيب الأول متصدرة بقية القنوات الاتصالية والإعلامية الأخرى بنسبة 68.30%. ويمكن فهم هذه النتيجة في سياق الانحياز الإعلامي الأميركي للرواية الإسرائيلية في الحرب على غزة، وهو ما يعكس حقيقة الدعم الأميركي الإعلامي، وأيضًا العسكري والمالي والسياسي والدبلوماسي، لإسرائيل تاريخيًّا. وكذلك يُفْهَم هذا المتغير (الدعم الإعلامي الأميركي) في ضوء عدة عوامل متداخلة، تتعلق بالسياسات الداخلية والتحالفات الإستراتيجية بين الولايات المتحدة وإسرائيل، وتوجهات الإعلام في أميركا، وتأثير اللوبي الإسرائيلي في الخطاب الإعلامي الأميركي وفي السياسة الأميركية أيضًا. وقد عملت وسائل الإعلام الأميركية الكبرى على إخراج الأحداث من سياقها من خلال تأطير الحرب على غزة، وإصرار المذيعين ومقدمي البرامج في القنوات التليفزيونية على إدانة هجوم حماس، في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، فضلًا عن استخدام لغة تُشَوِّه صورة الفلسطينيين وسمعتهم(64).

وبشكل متقارب، جاءت منصات التواصل الاجتماعي في المرتبة الثانية؛ إذ تُمثِّل أبرز حوامل الدعاية الإسرائيلية في الحرب على غزة بنسبة بلغت 61% من المبحوثين. فقد وثَّقت العديد من التقارير والدراسات العلمية استخدام إسرائيل مجموعة واسعة من منصات التواصل الاجتماعي أدوات رئيسة في تقديم روايتها للحرب، والتأثير في الرأي العام، ومواجهة الانتقادات الدولية بشأن العمليات الإسرائيلية العسكرية في غزة. ففي غضون أسبوع واحد فقط، نشرت الخارجية الإسرائيلية 30 إعلانًا دعائيًّا لحربها على غزة، شُوهِدت أكثر من 4 ملايين مرة على منصة "إكس"(65). وجاءت ضمن حوامل الدعاية الإسرائيلية أيضًا وسائل الإعلام الإسرائيلية في الترتيب الثالث بنسبة 46.34%، ووسائل إعلام عربية صديقة بنسبة 43.90%، ثم المشاهير والشخصيات المؤثرة بنسبة 39%، وأخيرًا وسائل الإعلام الأوروبية بنسبة 36.59% من عينة الدراسة.

 

جدول (6): توزيع نسب قنوات الدعاية الإسرائيلية في الحرب على غزة*

 

النسبة

التكرار

قنوات الدعاية الإسرائيلية

م

68.30

28

وسائل الإعلام الأميركية

1

61

25

منصات التواصل الاجتماعي

2

46.34

19

الإعلام الإسرائيلي

3

43.90

18

وسائل إعلام عربية

4

39

16

مشاهير وشخصيات مؤثرة

5

36.59

15

وسائل الإعلام الأوروبية

6

* أُتِيح لأفراد عينة الدراسة اختيار أكثر من متغير في الجدول رقم (6).

حملات الدعاية الإسرائيلية وموضوعاتها: إبادة غزة و"دعشنة" المقاومة

تعددت حملات الدعاية الإسرائيلية، لكنها تلتقي جميعًا في شَرْعَنَة الحرب التي تشنُّها إسرائيل على قطاع غزة. ويقصد الباحث بحملات الدعاية الإسرائيلية عمليات النشر المنظم لمعلومات وآراء مُضَلِّلَة ومُتَحَيِّزَة للرواية الإسرائيلية قصد التأثير في الرأي العام الفلسطيني. وفي هذا السياق، تصدَّرت حملة "إبادة غزة" أبرز موضوعات حملات الدعاية الإسرائيلية المُوَجَّهَة ضد الشعب الفلسطيني، وجاءت في الترتيب الأول بنسبة 16.5% من مجموع الأوزان النسبية، ويُعبِّر بروز هذه الحملة، التي تقودها النخبة اليهودية المتطرفة، عن حقيقة الصراع، وأهداف الجهد الحربي الذي يكرس واقع الإبادة الجماعية بحق سكان قطاع غزة. فقد طالب وزير الدفاع الإسرائيلي الأسبق، أفيغدور ليبرمان، بالفصل الكامل بين إسرائيل وقطاع غزة، وحرمان القطاع من كل احتياجاته(66). وسبق له أن دعا في وقت سابق إلى إبادة الشعب الفلسطيني في غزة بقنبلة ذرية(67). فيما دعا نائب رئيس الكنيست وعضو لجنة الشؤون الخارجية والأمن، نسيم فاتوري، إلى حرق غزة(68). وبالمثل دعا وزير المالية، بتسلئيل سموتريتش، إلى تدمير شامل لمناطق بقطاع غزة(69). وذكر وزير التراث الإسرائيلي، عميحاي إلياهو، أن إسقاط قنبلة ذرية هو أحد خيارات إسرائيل في الحرب على غزة(70).

وجاءت حملة "دَعْشَنَة المقاومة الفلسطينية وربطها بالإرهاب" ثانيةً بنسبة 12.3%. فعلى سبيل المثال، قدَّمت الإعلانات الدعائية، التي نشرتها الخارجية الإسرائيلية، حركة حماس باعتبارها "جماعة إرهابية متوحشة مثل تنظيم الدولة"(71). ووردت في المرتبة الثالثة حملة "اتهام المقاومة باستهداف المدارس والمدنيين" بنسبة 12.1%. وتتكامل هاتان الحملتان مع سابقتهما في تبرير إسرائيل للحرب على غزة، خصوصًا مع اتساع قاعدة المعارضة للحرب وارتفاع أعداد الضحايا، وتفاقم الوضع الإنساني في قطاع غزة.

وفي المرتبة الرابعة، جاءت حملة "إحداث انقلاب على حركة حماس" بنسبة 10.5%، ويأتي ذلك في إطار مسعى الاحتلال الإسرائيلي لتكثيف الضغط النفسي على المقاومة، وانتزاعها من حاضنتها الشعبية بإشعال فتيل الخلافات، وتغذية الصراع بين مكونات المقاومة الفلسطينية ودفعها إلى التفكُّك الداخلي. فيما حلَّت خامسةً حملة "القضاء على حماس" بنسبة 10.2%، وهي غاية الاحتلال الإسرائيلي في حربه على غزة. ولئن تعددت أسماء حملات الاحتلال الدعائية، فإنها تصبُّ جميعها في الأخير نحو هذه الغاية. ويعرض الجدول رقم (7) حملات الدعاية الإسرائيلية وموضوعاتها وفقًا للأوزان المرجحة لها، وتستهدف برمتها شيطنة المقاومة الفلسطينية، مثل اتهامها بذبح الأطفال الإسرائيليين ونشرهم جثثهم على حبل الغسيل، واغتصاب النساء الإسرائيليات.

جدول (7): توزيع ترتيب ونسب حملات الدعاية

الإسرائيلية وموضوعاتها وفقًا للوزن المرجح

 

النسبة

الوزن المرجح

الترتيب

حملات الدعاية الإسرائيلية وموضوعاتها

م

5

4

3

2

1

16.5

99

1

1

5

4

13

إبادة غزة

1

12.3

74

6

7

6

4

4

دعشنة المقاومة وربطها بالإرهاب

2

12.1

73

5

4

6

8

2

اتهام المقاومة باستهداف المدارس والمدنيين

3

10.5

63

5

-

7

3

5

إحداث انقلاب على حركة حماس

4

10.2

61

6

5

4

7

1

القضاء على حماس

5

10

60

3

4

1

4

6

اتهام المقاومة بذبح الأطفال الإسرائيليين

6

9.6

58

1

8

4

1

5

اتهام المقاومة بسرقة التبرعات

7

9.5

57

1

6

2

7

2

اتهام المقاومة بأعمال اغتصاب النساء الإسرائيليات

8

9.3

56

9

5

5

3

2

إقناع سكان غزة بالتعاون مع الجيش الإسرائيلي

9

 

المستهدفون بالدعاية الإسرائيلية: المقاومة وسكان قطاع غزة

على مستوى الجهات المستهدفة بالدعاية الإسرائيلية، يرى أفراد العينة -كما تُظهِر نتائج الدراسة بحسب الجدول رقم (8)- أن حملات الدعاية الإسرائيلية تستهدف بشكل مباشر حركة المقاومة الإسلامية حماس، وجاءت في مقدمة الجهات المستهدفة بنسبة 22.8% من مجموع الأوزان النسبية المرجحة. وتتوافق هذه النسبة مع النتائج السابقة المتعلقة بحملات الدعاية الإسرائيلية؛ إذ كانت حماس محورًا لكثير من حملات الدعاية الاسرائيلية. فقد وضعت إسرائيل في مقدمة أهدافها للحرب على غزة القضاء على حركة حماس وتدمير قدراتها القتالية(72).

وجاء في المرتبة الثانية سكان قطاع غزة، الذين كانون أيضًا من أكثر الجهات استهدافًا، بنسبة 18.4%، ويرجع ذلك إلى موقع القطاع على خارطة الصراع بوصفه ساحة المواجهة ومسرح العمليات الحربية. ولذلك يبدو بديهيًّا أن يستهدفه جيش الاحتلال الإسرائيلي بحملاته الدعائية على وجه الخصوص في إطار الحرب النفسية الشاملة. يليه قيادات المقاومة الفلسطينية التي جاءت في المرتبة الثالثة ضمن قائمة الاستهداف بنسبة 17.3% في محاولة لتشويهها وتشكيك الرأي العام الفلسطيني في مصداقيتها، وتحميلها مسؤولية ما يحدث. ثم جاءت حركة الجهاد الإسلامي في المرتبة الرابعة بنسبة 11.3% من مجموع الأوزان المرجحة. وفي المرتبة الخامسة حلَّ الشعب الفلسطيني في الضفة والخارج هدفًا لرسائل الدعاية الإسرائيلية في الحرب على غزة بنسبة 9.3%.

وتُبرِز النتائج أيضًا ورود جهات أخرى وطنية ودولية استهدفتها حملات الدعاية الإسرائيلية في الحرب، ولكن بدرجات أقل؛ إذ جاءت على التوالي المنظمات الدولية العاملة في غزة، مثل وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) سادسةً بنسبة 7%، والمؤسسة الإعلامية الفلسطينية سابعةً بنسبة 4.5%، والسلطة الفلسطينية ثامنةً بنسبة 4%، والمؤسسة الأمنية الفلسطينية تاسعةً بما نسبته 3%، وأخيرًا الجبهة الشعبية عاشرةً بنسبة 2.4% من مجموع الأوزان المرجحة.

جدول (8): توزيع ترتيب ونسب المستهدفين

بالدعاية الإسرائيلية وفقًا للوزن المرجح

 

النسبة

الوزن المرجح

الترتيب

المستهدفون بالدعاية الإسرائيلية

م

5

4

3

2

1

22.8

137

-

2

6

5

19

حركة المقاومة الإسلامية حماس

1

18.4

111

5

6

2

7

12

سكان قطاع غزة

2

17.3

104

4

5

6

13

4

قيادات المقاومة

3

11.3

68

1

4

14

3

1

حركة الجهاد الإسلامي

4

9.3

56

4

4

5

6

1

الشعب الفلسطيني في الضفة والخارج

5

7

42

8

4

2

5

-

المنظمات الدولية (مثل الأونروا)

6

4.5

27

5

5

1

1

1

المؤسسة الإعلامية الفلسطينية

7

4

24

3

-

4

1

1

السلطة الوطنية الفلسطينية

8

3

18

3

5

-

-

1

المؤسسة الأمنية الفلسطينية

9

2.4

15

3

2

1

-

1

الجبهة الشعبية

10

أساليب الحرب النفسية الإسرائيلية: العنف المؤدي إلى الترويع والإحباط

استخدم الجيش الإسرائيلي في الحرب على غزة العديد من تكتيكات الحرب النفسية، وإستراتيجيات التأثير السيكولوجي على نطاق واسع، بهدف التأثير في الرأي العام الفلسطيني، وتحطيم معنوياته، واختراق حاجز الصلابة النفسية للمقاومة الفلسطينية. وتكشف نتائج الدراسة -بحسب الجدول رقم (9)- أن العنف المفرط وحصار القطاع كان من أبرز أساليب الحرب النفسية الإسرائيلية استخدامًا في الحرب على غزة؛ إذ يرى أفراد عينة الدراسة أن ممارسة عمليات التهجير والقتل والعنف المفرط تأتي في مقدمة أساليب الحرب النفسية التي تستخدمها إسرائيل لإرهاب الشعب الفلسطيني وترويعه ومحاولة سلبه إرادة المقاومة، وقد جاءت في المرتبة الأولى بنسبة 17.6% من مجموع الأوزان النسبية. وتُشير تقارير دولية إلى أن "أكثر من 90% من سكان غزة اضطروا إلى النزوح إثر تدمير مساكنهم وتهجيرهم قسريًّا"(73)، وذكرت سلطة جودة البيئة الفلسطينية أن "جيش الاحتلال الإسرائيلي أسقط على قطاع غزة أكثر من 85 ألف طن من القنابل منذ بدء العدوان"(74).

وجاء بنفس القدر من الأهمية والتأثير أسلوب العقاب الجماعي، الذي تُمارسه إسرائيل على قطاع غزة من خلال سياسات التجويع والحصار الخانق منذ 2007 وافتعال الأزمات، وحلَّ في المرتبة الثانية بنسبة 16.4% من مجموع الأوزان النسبية. ويعكس ذلك "استغلال إسرائيل الإمدادات المنقذة للحياة لتحقيق مكاسب سياسية وعسكرية"(75). وتُشكِّل رباعية التشريد والترويع والتجويع والتصفية البشرية أو التطهير العرقي أبشع أساليب الحرب النفسية التي يتعرض لها سكان قطاع غزة على وجه الإطلاق. وقد وصفت الأمم المتحدة ومنظمة "هيومان رايتس ووتش" ذلك بالإبادة الجماعية و"جريمة حرب" ترتكبها إسرائيل بحق الشعب الفلسطيني في قطاع غزة. ويتضمن الجدول رقم (9) أساليب الحرب النفسية الأخرى، مثل إثارة الرعب والتخويف، وتدمير المساكن والخدمات، والتشويه وشيطنة المقاومة، والتضليل ونشر الشائعات، والإسقاط النفسي (اتهام الغير بما ترتكبه قوات الجيش الإسرائيلي)، والتحريض وإثارة الفوضى، وتبرير الانتهاكات، والتعتيم الإعلامي، وإسناد القوى الدولية، والتهديد والوعيد، والإيحاء النفسي، والصدمة النفسية، والتشكيك والإرباك المعرفي.

 

جدول (9): توزيع نسب أساليب الدعاية

والحرب النفسية الإسرائيلية

 

النسبة

الوزن المرجح

الترتيب

أساليب الدعاية والحرب النفسية

م

5

4

3

2

1

17.6

107

6

9

7

3

10

التهجير والقتل والعنف المفرط

1

16.4

100

3

6

5

10

6

التجويع والحصار وافتعال الأزمات

2

9.8

60

1

-

6

4

5

إثارة الرعب والتخويف

3

9.2

56

5

3

3

4

4

تدمير المساكن والخدمات

4

8

49

2

3

4

1

5

التشويه وشيطنة المقاومة

5

7.7

47

2

3

2

6

1

التضليل ونشر الشائعات

6

6.2

38

4

1

2

4

2

الإسقاط النفسي

7

5

30

1

2

3

4

-

التحريض وإثارة الفوضى

8

4.8

29

4

5

2

1

1

تبرير الانتهاكات

9

4.6

28

3

3

-

1

3

التعتيم الإعلامي

10

4.1

25

-

2

1

2

2

إسناد القوى الدولية

11

2.8

17

2

-

2

1

1

التهديد والوعيد

12

1.6

10

3

1

-

-

1

الإيحاء النفسي باستدعاء الرمزية الدينية والقيمية

13

1.5

9

-

-

3

-

-

الصدمة النفسية

14

0.7

4

1

-

1

-

-

التشكيك والإرباك المعرفي

15

 

3. الدعاية الإسرائيلية وتأثيراتها في الرأي العام الفلسطيني

يُبدي الجمهور الفلسطيني قلقًا ملحوظًا إزاء الانعكاسات والتأثيرات الناجمة عن حملات الدعاية الإسرائيلية المُوَجَّهَة إلى الرأي العام الفلسطيني في مختلف المجالات. ولئن كانت التأثيرات السياسية هي الأكثر تجليًّا في غايات تلك الحملات الدعائية الإسرائيلية، فإن ذلك لا يُقلِّل من شأن ما قد يترتب عليها في المجالات والحقول الأخرى. وفي هذا المحور يعرض الباحث أبرز التأثيرات والانعكاسات المترتبة على حملات الدعاية الإسرائيلية التي تستهدف الرأي العام الفلسطيني كما يراها أفراد عينة الدراسة. 

على المستوى السياسي: تشويه المقاومة وشيطنتها

يرى أغلب المبحوثين -بحسب نتائج الجدول رقم (10)- أن تشويه صورة المقاومة الفلسطينية وشيطنتها أمام العالم هو أبرز ما يترتب سياسيًّا على حملات الدعاية الإسرائيلية المُوَجَّهَة إلى الرأي العام الفلسطيني، ومن أشدها خطورة من وجهة نظر هؤلاء المبحوثين، بنسبة بلغت 70.73%؛ ذلك أن تشويه صورة المقاومة الفلسطينية يمكن أن يؤدي إلى تهميش القضية الفلسطينية على الصعيد الدولي، وتقليل الدعم الشعبي لها. وفي المقابل، تتعزَّز السرديات السلبية عن المقاومة الفلسطينية أكثر، مما يجعل من الصعب على الرأي العام الدولي التمييز بين المقاومة المشروعة للاحتلال والعنف غير المبرر، وهذا بدوره يُسهِم في زيادة الانقسامات الداخلية مما يُضعِف وحدة الصف الفلسطيني، ويترك تأثيرات نفسية ومعنوية عميقة على الشعب الفلسطيني. وقد سعت إسرائيل عبر وسائل الإعلام إلى تقديم صورة سلبية للمقاومة بوصفها عاملًا للفوضى والتدمير في محاولة لكسب الدعم الدولي، ولكن هذه الجهود واجهت انتكاسات بفعل التقارير الإعلامية والحقوقية المضادة التي وثَّقت جرائم وانتهاكات جيش الاحتلال الإسرائيلي، وأبرزت معاناة المدنيين وتأثير الحصار على قطاع غزة.

جدول (10): توزيع نسب تأثير الدعاية

الإسرائيلية على المستوى السياسي

 

النسبة

التكرار

تأثير الدعاية الإسرائيلية على المستوى السياسي

م

70.73

29

تشويه صورة المقاومة الفلسطينية أمام العالم

1

48.78

20

الانقسام الداخلي وانتزاع المقاومة من نسيجها الفلسطيني

2

46.34

19

تهديد حالة التعاطف الدولي مع المقاومة الفلسطينية

3

41.46

17

إضعاف المقاومة وتعريضها للابتزاز السياسي

4

36.59

15

اهتزاز الثقة بين المقاومة ومحيطها العربي والإسلامي

5

34.15

14

تعاظم مشاعر الصمود والدعم السياسي للمقاومة

6

* أُتِيح لأفراد عينة الدراسة اختيار أكثر من متغير في الجدول رقم (10).

على المستوى الاقتصادي: تدهور الأمن الغذائي

يرى أكثر من نصف أفراد عينة الدراسة، وبنسبة تبلغ 58.54%، أن تدهور مستوى الأمن الغذائي وارتفاع مؤشرات سوء التغذية في قطاع غزة يُعد من أبرز الآثار الاقتصادية التي من الممكن أن تترتب على حملات الدعاية الإسرائيلية المُوَجَّهَة إلى الرأي العام الفلسطيني. كما يعتقد هؤلاء المبحوثون بنسبة تبلغ 53.66% أن حملات الدعاية كان لها أثر بالغ في تراجع دعم المانحين والمنظمات الدولية. ومن ثم قد تخلق الحرب النفسية والدعاية الإسرائيلية بيئة اقتصادية غير مستقرة تؤدي إلى تقليص الفرص الاستثمارية، وارتفاع معدلات البطالة، وزيادة الأزمات الاجتماعية والنفسية، وتقليل المساعدات الخارجية؛ مما يُفاقِم الوضع الاقتصادي في قطاع غزة.

وتُشير بعض التقارير الدولية إلى ما يؤكد قلق الرأي العام الفلسطيني من هذه الآثار؛ إذ تذهب تقديرات الأمم المتحدة إلى تراجع التنمية في غزة بما يُناهز 69 عامًا بفعل الحرب الإسرائيلية(76). وتَوقَّع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ولجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الإسكوا) ارتفاع معدل الفقر في فلسطين إلى 74.3% عام 2024، ما سيؤثر على 4.1 ملايين شخص. وتُشير التوقعات إلى انكماش الناتج المحلي الإجمالي لغزة بنسبة 35.05% عام 2024، مع احتمال ارتفاع نسبة البطالة إلى 49.9%، وحذَّرت من ارتفاع مستوى انعدام الأمن الغذائي الذي بلغ مستويات عالية وآخذة في الارتفاع(77).

 

جدول (11): توزيع نسب تأثير الدعاية

الإسرائيلية على المستوى الاقتصادي

 

النسبة

التكرار

تأثير الدعاية الإسرائيلية على المستوى الاقتصادي

م

58.54

24

تدهور مستوى الأمن الغذائي وارتفاع مؤشرات سوء التغذية

1

53.66

22

تراجع دعم المانحين والمنظمات الدولية

2

46.34

19

تعثر المشاريع الاقتصادية ومشاريع التنمية

3

46.34

19

تضرر الاقتصاد ومجالات الإنتاج الوطني

4

36.59

15

تدهور ثقافة التكافل الاقتصادي والتعاون المجتمعي

5

14.63

6

خلق ثقافة التكافل الاقتصادي والتعاون المجتمعي

6

* أُتِيح للمبحوث اختيار أكثر من متغير في الجدول رقم (11).

على المستوى الثقافي: التشكيك في مشروعية المقاومة

على المستوى الثقافي، يُظهِر أفراد عينة الدراسة -كما يبدو في الجدول رقم (12)- قلقًا الشديد إزاء ما قد تُحْدِثه حملات الدعاية الإسرائيلية من أثر عميق في الحياة الثقافية الفلسطينية، من خلال محاولات الاحتلال الإسرائيلي تشويه الهوية الثقافية الفلسطينية، وفرض سرديات مضادة للواقع الفلسطيني. وترى الباحثة في دراسات السلام والنزاع، مريم شاه، أن ما يحدث من دمار مادي ورمزي على الصعيد الثقافي في غزة هو شكل من الإبادة الثقافية التي تستهدف طمس الهوية الفلسطينية والذاكرة الجماعية، وعمل من أعمال التجريد من الإنسانية(78). وجاء في صدارة التأثيرات الثقافية التي تشغل اهتمام المبحوثين "التشكيك في مشروعية المقاومة" بنسبة 61%، وهو ما يدفع نحو استمالة الجمهور المتلقي لاحقًا إلى تقبُّل ثقافة الاستسلام وسياسة الأمر الواقع. بالإضافة إلى ما قد تُفضي إليه تلك الحملات من توليد لـ"حالة صراع فكري وهوياتي في المجتمع" تتسبَّب في التشظي والانقسام، وهو ما أكده أفراد عينة الدراسة بنسبة 58.54% وبمعدل تكرار بلغ 24 مبحوثًا.

جدول (12): توزيع نسب تأثير الدعاية

الإسرائيلية على المستوى الثقافي

 

%

التكرار

تأثير الدعاية الإسرائيلية على المستوى الثقافي

م

61

25

التشكيك في مشروعية المقاومة

1

58.54

24

توليد حالة صراع فكري وثقافي في المجتمع

2

41.46

17

تشجيع التطبيع الثقافي مع الاحتلال الإسرائيلي

3

39

16

تشويه الهوية الثقافية والحضارية للمجتمع

4

36.59

15

التشكيك في ثوابت الدين وقيم المجتمع

5

24.39

10

تعاظم الإيمان بثقافة المقاومة  

6

* أُتِيح للمبحوث اختيار أكثر من متغير في الجدول رقم (12).

على المستوى الاجتماعي: تهديد وحدة المجتمع

يعتقد أفراد عينة الدراسة بنسبة 48.78% أن تهديد وحدة النسيج الاجتماعي للمجتمع الفلسطيني وتغذية الصراع الهوياتي هو القلق الأكثر بروزًا فيما يتعلق بخطورة حملات الدعاية الإسرائيلية وتأثيرها على الصعيد الاجتماعي. ويأتي ذلك انعكاسًا لتحفيز الهويات الضيقة وتشجيعها على حساب الهوية الوطنية الجامعة؛ مما يتسبب في حدوث تصدعات عميقة في النسيج الاجتماعي، والإضرار بالسلم الأهلي في المجتمع، ومن ثم اهتزاز ثقة المجتمع بالمقاومة وبالدولة الفلسطينية من جهة، واهتزاز ثقة المواطن في نفسه والشعور بالخذلان والانهزام من جهة أخرى، بنسبة 41.46% لكل منهما. وهذا الأمر يُمهِّد لبروز "هويات مفترسة" تتصارع على ما تبقَّى من جغرافية الهوية الوطنية، ويدَّعي كلٌّ منها أنه الوحيد الذي يُمثِّلها. وهي الصورة التي تحدَّث عنها المفكر أرجون أبادوراي ووصفها بـ"صراع الهويات المفترسة" في كتابه: "الخشية من الأعداد الصغيرة"(79).

جدول (13): توزيع نسب تأثير الدعاية

الإسرائيلية على المستوى الاجتماعي

 

النسبة

التكرار

تأثير الدعاية الإسرائيلية على المستوى الاجتماعي

م

48.78

20

تهديد وحدة النسيج الاجتماعي وتغذية الصراع الهوياتي

1

41.46

17

اهتزاز ثقة المجتمع بالمقاومة وبالدولة الفلسطينية

2

41.46

17

اهتزاز ثقة المواطن في نفسه والشعور بالخذلان والانهزام

3

39

16

التشكيك في استقلالية المقاومة ووصمها بالتبعية

4

34.1

14

اتساع الحاضنة الاجتماعية للمقاومة

5

29.27

12

صلابة المجتمع الفلسطيني وتماسكه بشكل أقوى

6

* أُتِيح للمبحوث اختيار أكثر من متغير في الجدول رقم (13)

على المستوى الأمني: تهديد السكينة العامة

في الجانب الأمني، كان "القلق وإثارة المخاوف وتهديد السكينة العامة للمجتمع" في مقدمة التأثيرات المحتملة لحملات الدعاية الإسرائيلية في الحرب على غزة، ويستهدف ذلك زعزعة الأمن النفسي المجتمعي من وجهة نظر المبحوثين بنسبة 61%. ويليه "التشكيك في القدرات الأمنية والعسكرية للمقاومة الفلسطينية وكفاءة جهوزيتها لمواجهة قوات الاحتلال الإسرائيلي"، مع الأخذ بالاعتبار عدم تكافؤ ميزان القوى العسكري بين الجانبين، وذلك بنسبة 56.1% من إجابات المبحوثين. وكانت الدعاية أداة الاحتلال الإسرائيلي لإثارة الشكوك حول قدرة المقاومة على حماية القطاع ونسج الشائعات حولها، لكن المقاومة نجحت في نشر روايات مضادة عزَّزت الدعم الشعبي للمقاومة الفلسطينية. وجاء في المرتبة الثالثة أن "إضعاف الروح المعنوية للمجتمع ودفعه لحالة من عدم الاستقرار النفسي" نجم عن الحملات الدعائية الإسرائيلية كما يرى أفراد عينة الدراسة بنسبة 53.7%، ذلك أن المعنويات المنخفضة في ظل استمرار الضغوط النفسية تؤدي إلى اضطرابات نفسية واجتماعية تؤثر على استقرار المجتمع.

جدول (14): توزيع نسب تأثير الدعاية

الإسرائيلية على المستوى الأمني

 

النسبة

التكرار

تأثير الدعاية الإسرائيلية على المستوى الأمني

م

61

25

بث القلق وإثارة المخاوف وتهديد السكينة العامة للمجتمع

1

56.1

23

التشكيك في قدرات المقاومة وقدرتها على المواجهة

2

53.66

22

إضعاف معنويات المجتمع ودفعه لحالة عدم الاستقرار

3

41.46

17

تشجيع أعمال الفوضى والعنف في المجتمع

4

22

9

التعاون المجتمعي لاستتباب الأمن وتجنب الفوضى

5

* أُتِيح للمبحوث اختيار أكثر من متغير في الجدول رقم (14).

 

4. الإستراتيجيات الاتصالية للمقاومة في مواجهة الدعاية الإسرائيلية

تُبيِّن نتائج الدراسة أن أفراد العينة يفضلون التعامل مع الدعاية الإسرائيلية باعتماد مزيج من الإستراتيجيات الاتصالية. تتضمن أولًا انتهاج إستراتيجية الهجوم، والتي جاءت عباراتها بدرجة موافقة مرتفعة، بلغ متوسط إجمالي وزن العبارات (3.8)، وتشمل الموافقة على: الأخذ بسياسة الهجوم المضاد مع تكثيف الضغط الإعلامي لإحراز التفوق على المصادر الدعائية الإسرائيلية بمتوسط وزن مرجح (4.2)، وتفكيك الفكر الصهيوني الباعث لحملات الدعاية الإسرائيلية وتفنيد مزاعمه بمتوسط (3.8)، وتحقيق الفعل الاستباقي في مواجهة حملات الدعاية الإسرائيلية بمتوسط (3.6).

جدول (15): توزيع نسب إستراتيجية الهجوم الاتصالية

للمقاومة في مواجهة الدعاية الإسرائيلية

 

م

عبارات إستراتيجية

الهجوم الاتصالية

موافق بشدة

موافق

لا أعلم

غير موافق

غير موافق بشدة

متوسط الوزن المرجح

1

الهجوم المضاد مع تكثيف الضغط الإعلامي لإحراز التفوق على مصادر الدعاية الإسرائيلية

18

16

4

2

1

4.2

2

تفكيك الفكر الصهيوني الباعث لحملات الدعاية الإسرائيلية وتفنيد مزاعمه

13

15

8

4

1

3.8

3

تحقيق الفعل الاستباقي بدلًا من الانكفاء الإعلامي في مواجهة حملات الدعاية الإسرائيلية

12

13

8

6

2

3.6

مجموع العبارات

43

44

20

12

4

123

النسبة (%)

34.96

35.77

16.26

9.76

3.25

100

متوسط الوزن المرجح

3.8

 

تقترن إستراتيجية التوضيح بالإستراتيجية الأولى وتلازمها، وقد جاءت عباراتها بمتوسط الأوزان المرجحة (3.7)، ويُؤشر ذلك على مقبولية عبارات الإستراتيجية لدى أفراد عينة الدراسة، وتشمل: إبقاء الرأي العام على اطلاع دائم وكسب ثقته بالشفافية والوضوح، وتجلى ذلك بسرعة رصد جرائم الاحتلال الإسرائيلي وتوثيقها وتقديم الأدلة بالصور والفيديو، وقد جاء بمتوسط وزن مرجح (4)، وانتهاج أسلوب الحوار العقلاني القائم على دحض الافتراءات بالحجج والبراهين المنطقية وبما يحقق الإقناع بمتوسط (3.6)، ومكاشفة الجمهور بالحقائق وعدم إخفائها، وتقديم التبريرات المنطقية، والاعتذار عن أي أخطاء بمتوسط (3.5).

جدول (16): إستراتيجية التوضيح الاتصالية

للمقاومة في مواجهة الدعاية الإسرائيلية

م

عبارات إستراتيجية

التوضيح الاتصالية

موافق بشدة

موافق

لا أعلم

غير موافق

غير موافق بشدة

متوسط

الوزن المرجح

1

إبقاء الرأي العام على اطلاع دائم وكسب ثقته بالشفافية والوضوح وتسهيل حصوله على المعلومات والبيانات

20

11

3

3

4

4

2

انتهاج أسلوب الحوار العقلاني القائم على دحض الافتراءات بالحجج والبراهين المنطقية وبما يحقق الإقناع

12

13

7

7

2

3.6

3

مكاشفة الجمهور بالحقائق وعدم إخفائها وتقديم التبريرات المنطقية والاعتذار عن أي أخطاء

12

13

6

4

6

3.5

مجموع العبارات

44

37

16

14

12

123

النسبة

35.77

30.08

13

11.38

9.76

100

متوسط الوزن المرجح

3.7

يتكامل مع الإستراتيجيتين السابقتين (الهجوم والتوضيح) تأكيد أفراد عينة الدراسة بشدة عبارتين ضمن إستراتيجيتي التريث، والصمت، وهما: ضبط الخطاب الإعلامي، وتوجيهه نحو تحصين المجتمع بمتوسط (4)، واعتماد التروي والتريث بمتوسط (3.9). ويأتي تأكيد المبحوثين على هاتين العبارتين بدرجة موافقة عالية (موافق بشدة) -كما يظهر في الجدولين (17) و(18)- منسجمًا مع إستراتيجيتي الهجوم والتوضيح التي وافق عليها أفراد العينة أيضًا بشدة، باعتبارها الإستراتيجية المرجحة للتعامل مع حملات الدعاية الإسرائيلية في الحرب على غزة.

جدول (17): إستراتيجية التريث الاتصالية

للمقاومة في مواجهة الدعاية الإسرائيلية

 

م

عبارات إستراتيجية

التريث الاتصالية

موافق بشدة

موافق

لا أعلم

غير موافق

غير موافق بشدة

متوسط الوزن المرجح

1

التروي والتريث وعدم الاندفاع والتعامل مع مصادر الدعاية الإسرائيلية بحكمة ومسؤولية

10

21

7

3

-

3.9

2

الاستجابة الإيجابية لرسائل الدعاية الإسرائيلية والتعامل معها بموضوعية

6

15

10

6

4

3.3

3

تقليل مصادر الهجوم وتضييق نطاقها ووقف نموها وتخفيض نسبة الرسائل السلبية ضد المقاومة الفلسطينية

4

13

14

8

2

3.3

مجموع العبارات

20

49

31

17

6

123

النسبة (%)

16.26

39.84

25.20

13.82

4.88

100

متوسط الوزن المرجح

3.5

 

ويُلاحظ أيضًا من بيانات الجدول رقم (18) استبعاد المبحوثين التزامهم بسياسة الصمت والتجاهل في مواجهة حملات الدعاية الإسرائيلية بدلًا من تشتيت جهود المقاومة والاستغراق في الرد عليها؛ ذلك أن الإطار الزمني للدعاية الإسرائيلية يتنزَّل في سياق صراع وحرب يقتضي المواجهة لا الانكفاء، وتجلى ذلك بوضوح في درجة الرفض المطلق للعبارة، والتي جاءت بمتوسط وزن مرجح (1.8).

جدول (18): إستراتيجية الصمت الاتصالية

للمقاومة في مواجهة الدعاية الإسرائيلية

م

عبارات إستراتيجية

الصمت الاتصالية  

موافق بشدة

موافق

لا أعلم

غير موافق

غير موافق بشدة

متوسط الوزن المرجح

1

ضبط الخطاب الإعلامي وتوجيهه نحو تحصين المجتمع وتخفيف آثار الدعاية الإسرائيلية

15

18

2

4

2

4

2

الالتزام بالهدوء مع إعلان التحفظ على مزاعم الدعاية الإسرائيلية وتأكيد زيفها

7

11

6

12

5

3.1

3

سياسة الصمت والتجاهل تُعد الأجدى نفعًا من تشتيت الجهود والاستغراق في الرد على حملات الدعاية الإسرائيلية

1

3

9

11

17

1.8

مجموع عبارات

23

32

17

27

24

123

النسبة

18.7

26

13.82

21.95

19.51

100

متوسط الوزن المرجح

3

 

يعكس هذا المزيج أهمية البعد التكاملي في إستراتيجيات المواجهة، ويعتمد الأخذ به في المقام الأول على تحليل الموقف وتقديره. وقد تكون إستراتيجية الهجوم هي الإستراتيجية الأمثل التي يتطلبها سياق المواجهة دعائيًّا وعسكريًّا. كما تبقى إستراتيجية الشفافية والتوضيح ضرورية في مواجهة الشائعات واضطراب المعلومات ولحماية المجتمع من التضليل الإعلامي. ولذلك تتطلب مواجهة الدعاية الإسرائيلية العمل على أكثر من مسار مع التركيز على جانب الهجوم الدعائي المضاد والعمل على الشفافية والتوضيح لدحض الدعاية الإسرائيلية وتحصين المجتمع منها، طبقًا لتفضيلات أفراد عينة الدراسة.

5. تقييم الأداء الاتصالي للمقاومة في مواجهة الدعاية الإسرائيلية

تعرض نتائج الدراسة تقييمات أفراد عينة الدراسة لأداء المؤسسات الإعلامية للمقاومة الفلسطينية وكفاءتها في التعامل مع الدعاية الإسرائيلية المُوَجَّهَة إلى الرأي العام الفلسطيني. ويتبيَّن من خلال بيانات الجدول رقم (19) أن الأداء الإعلامي للمقاومة الفلسطينية كان في المستوى المطلوب، وتمكن من كسر هيمنة أجهزة الدعاية الإسرائيلية وإسقاط روايتها للحرب. وطبقًا لتقييمات المبحوثين، فقد كان أداؤها الاتصالي مستمرًّا ومنتظمًا، وخطابها الاتصالي صادقًا وواقعيًّا، وكان دورها الاتصالي فعالًا. من جانب آخر، كانت الاستجابة الاتصالية للمقاومة سريعة وفورية، وأداؤها متسقًا. لقد تمكنت أجهزة الاعلام والاتصال التابعة للمقاومة الفلسطينية من تحقيق الأفضلية والتفوق في الكفاءة الاتصالية، وفاعلية التأثير أمام أجهزة الدعاية الإسرائيلية التي أغرقت الفضاء الاتصالي بالزيف والتضليل في سبيل ترويج روايتها الإسرائيلية للحرب.  

جدول (19): كفاءة الأداء الاتصالي للمقاومة الفلسطينية في مواجهة الدعاية الإسرائيلية

م

العبارة

موافق بشدة

موافق

لا أعلم

غير موافق

غير موافق بشدة

متوسط الوزن المرجح

1

كان أداؤها الاتصالي مستمرًّا ومنتظمًا

17

13

6

5

-

4

2

كان أداؤها الاتصالي متقطعًا ومتذبذبًا

1

10

6

16

8

2.5

3

كانت استجابتها الاتصالية سريعة وفورية                          

8

17

8

8

-

3.6

4

كانت استجابتها الاتصالية بطيئة ومتأخرة

8

7

17

9

-

3.3

5

كان خطابها الاتصالي صادقًا وواقعيًّا                         

17

13

6

4

1

4

6

كان خطابها الاتصالي غير واقعي                        

3

4

6

13

15

2.2

7

كان أداؤها الاتصالي متسقًا                         

10

13

10

8

-

3.6

8

كان أداؤها الاتصالي متناقضًا

1

4

5

15

16

2

9

كان دورها الاتصالي فعالًا                        

15

13

7

6

-

3.9

10

كان دورها الاتصالي بلا جدوى

2

4

4

14

17

2

11

كان أداؤها محكومًا بمنطق رد الفعل

10

7

11

9

4

3.2

بشكل عام، أكد ثلثا المبحوثين بنسبة 70.7% رضاهم عن أداء المؤسسات الإعلامية التابعة للمقاومة الفلسطينية، وثقتهم في كفاءتها في مواجهة الدعاية الإسرائيلية التي تستهدف الرأي العام الفلسطيني. وقد تفاوتت درجات ثقة المبحوثين -كما يظهر في الجدول رقم (20)- بين الثقة المطلقة بنسبة 24.39%، و"الثقة إلى حدٍّ ما" بنسبة 46.34%. فيما جاءت نسبة من أكد "عدم ثقته" في المؤسسات الإعلامية التابعة للمقاومة الفلسطينية بحوالي 12.20% من العينة، وهي نسبة يمكن وصفها بالمحدودة.  

جدول (20): توزيع درجة الثقة في الأداء الاتصالي للمقاومة في مواجهة الدعاية الإسرائيلية

 

خاتمة

في سياق الحرب التي تشنُّها إسرائيل على قطاع غزة، منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، ألقت أجهزة الدعاية الإسرائيلية بثقلها في معركة معلوماتية وصراع سردي غير متكافئ ضد المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، سعيًا لترويج روايتها، وتقديم الإسرائيليين في موقف الضحية لشرعنة جرائم الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل بحق الشعب الفلسطيني المحاصر في القطاع منذ سنوات. وقد اعتمدت إسرائيل سياسة ممنهجة في قتل المدنيين، وقصف المساكن وتدمير المنشآت والبنية التحتية، والقضاء على مصادر الحياة، وتهجير السكان وتشريدهم وحصارهم وتجويعهم في سبيل كسر إرادة المقاومة واختراق الصلابة النفسية لسكان القطاع وتحطيم معنوياتهم، والسعي إلى انتزاع المقاومة الفلسطينية من حاضنتها الشعبية، وبث الرعب والخوف والذعر، وإحداث الفوضى في القطاع.

ولذلك تصدَّرت أصوات اليمين المتطرف مصادر الدعاية الإسرائيلية بالدعوة إلى إبادة غزة، والقضاء على حماس وربطها بالإرهاب. وساندتها في ذلك وحدة الناطق باسم الجيش الإسرائيلي واللجان الإلكترونية التابعة للخارجية والاستخبارات الإسرائيلية وجهاز الدعاية الإسرائيلي المعروف "هاسبارا". ولئن تمكنت في بدايات الحرب من تضليل الرأي العام الدولي وكسب تضامنه، خصوصًا مع تبنِّي وسائل إعلام أميركية كبرى للرواية الإسرائيلية، إلا أن ذلك لم يصمد طويلًا أمام إعلام المقاومة الفلسطينية الذي كشف زيفها بتعرية ممارسات جيش الاحتلال الإسرائيلي، وتوثيق الانتهاكات والجرائم التي يرتكبها في غزة بالصور والفيديوهات، وهو ما أحدث تغييرًا مهمًّا في اتجاهات الرأي العام الدولي نحو الحرب في غزة، وسمح ببروز رواية جديدة مغايرة.

يُبدي أفراد عينة الدراسة قلقًا شديدًا مما قد يترتب على الدعاية والحرب النفسية الإسرائيلية من تبعات وتأثيرات في الرأي العام الفلسطيني، والتي تشمل تشويه صورة المقاومة سياسيًّا، وتدهور الأوضاع الاقتصادية وتدني مستوى الأمن الغذائي في القطاع، والتشكيك بمشروعية المقاومة، وتهديد وحدة المجتمع والسكينة العامة في المجتمع. وفي المقابل، يبدي المبحوثون ثقة في كفاءة مؤسسات المقاومة الإعلامية على مواجهة الدعاية الإسرائيلية. ويفضل الرأي العام الفلسطيني مواجهة ذلك باعتماد المقاومة الفلسطينية مزيجًا من الإستراتيجيات الاتصالية الفعالة التي تجمع بين الهجوم الدعائي المضاد للدعاية الإسرائيلية والوضوح لإبقاء الرأي العام على اطلاع. بالإضافة إلى ضبط الخطاب الإعلامي وتوجيهه نحو تحصين المجتمع والتريث في التعامل مع مصادر الدعاية الإسرائيلية.

نشرت هذه الدراسة في العدد الخامس من مجلة الجزيرة لدراسات الاتصال والإعلام، للاطلاع على العدد كاملًا (اضغط هنا)

ABOUT THE AUTHOR