
تستمر المباحثات بين الصومال وتركيا على نحو سلس منذ توقيع الاتفاقية التعاونية والاقتصادية بين البلدين، في فبراير/شباط عام 2024، بأنقرة، وذلك بشأن استكمال جهود التنقيب عن النفط والغاز في سواحل الصومال خاصة في المناطق الجنوبية من البلاد، وأكملت سفينة الريس عروج 50 في المئة من عمليات مسحها الزلزالي في المياه الصومالية، والتي بدأت مهامها في شهر أكتوبر/تشرين الأول 2024 بعد أن رست في ميناء مقديشو وحظي طاقمها باستقبال رسمي بحضور وزراء من كلا البلدين.
وقال الرئيس الصومالي، حسن شيخ محمود، في تصريح له "ولدينا فرصة جديدة. الفرص لا تأتي من نفسها، بل توجَد وتُقيَّم"(1)، يأتي هذا وسط اهتمام الشركات الأميركية والبريطانية بتطوير مشاريع النفط والغاز في الصومال، ويؤكد الرئيس التنفيذي لشركة كوستلاين إكسبلوريشن الأميركية (Coastline Exploration)، ريتشارد أندرسون، أن "هناك عشرات المليارات من براميل النفط القابلة للاستخراج"(2). وتشير تقديرات أخرى من قبل شركات أجنبية تعمل في مجال التنقيب عن النفط والغاز إلى أن احتياطيات النفط في الصومال تُقدر بنحو 110 مليارات من البراميل، وتفوق تلك النسبة الاحتياطيات المؤكدة في الكويت التي تقدر بنحو 100 مليار برميل. وهو ما يضع الصومال مستقبلًا في حال نجحت مشاريع التنقيب والاستكشاف في قائمة الدول المنتجة للنفط، وتفرض معادلات جديدة في أسواق الطاقة عالميًّا وعربيًّا(3).
النفط والغاز في الصومال: ترسيم تاريخي
تاريخيًّا، تعود مشاريع التنقيب عن النفط في الحواضن الصومالية بريًّا وبحريًّا إلى الأربعينات من القرن الماضي، وتحديدًا في فترة الاستعمار الأةروبي للصومال (البريطاني والإيطالي). بدأت عمليات الاستكشاف، عام 1948، عندما اكتشفت شركة سينتشير أويل وكونوكو وأجين (إيني) الإيطالية حاليًّا، ثمانية أحواض بترولية، وهي: دابان؛ وميجيورتينيا؛ ومودوغ؛ ومقديشو؛ وعيل واق مانديرا؛ وإقليم أوجادين؛ وكسمايو، وحوض لامو، مع أعمدة يبلغ طولها من خمسة إلى ستة كيلومترات في عدة مناطق، وتتراوح أعمارها من العصر الجوراسي أو الثلاثي إلى العصر الثلاثي (قبل عدة ملايين من السنين)(4)، وكان البريطانيون أول من جمع البيانات ونشر البحوث حول الثروات الباطنية في القرن الإفريقي في فترة الحماية والاستعمار، وبذل الإيطاليون جهودًا كبيرة في مجاراة الإنجليز في أعمالهم؛ مما أدى إلى الخروج بخلاصات أولية ومهمة حول طبيعة الاستثمار الذي يمكن القيام به في بلاد الصومال(5).
وفي الفترة ما بين 1950 إلى 1990، شجَّع الصومال على الاستثمارات الأجنبية بمشاريع التنقيب والاستكشاف لثروته النفطية، وكانت شركات النفط العالمية بما في ذلك إكسون موبيل، وكونوكو فيليبس، وبي بي، وشل، وشيفرون، وإيني، تحصل جميعها على اتفاقيات امتياز كبيرة من قبل الدولة المركزية. لكن مع بداية العد التنازلي للنظام العسكري للجنرال، محمد سياد بري (1969-1991)، تراجعت آمال تلك الشركات الأجنبية في بدء مشاريع التنقيب والاستخراج، وأُعلنت حالة "القوة القاهرة" مع اندلاع الحرب الأهلية في البلاد، عام 1991. وكان موقف شركة كونوكو الأميركية ودورها الاستثنائي في التمهيد للإنزال الأميركي، سنة 1993، علامة فارقة في فهم طبيعة عمل الشركات الدولية في الصومال(6)، إلا أن اتساع رقعة الحرب الأهلية في عموم البلاد نتيجة التدخل الأميركي الفاشل، أجهض مشاريع استشكاف واستخراج النفط من الشركات الأجنبية، خاصة الأميركية والبريطانية.
وبعد نحو عقدين، تعود قصة النفط في الصومال إلى الواجهة من جديد مع سرعة انتشار رياح آمال كبيرة هذه المرة، خاصة بعد عام 2012، وما أعقب ذلك من مؤتمرات دولية حول مستقبل النفط في الصومال؛ حيث عُقد في المملكة المتحدة، عام 2012، مؤتمر لندن(7)، لبلورة الأزمة الصومالية، والصراع بين الشركات الأجنبية على مشاريع التنقيب عن النفط في المنشأ الصومالي، والهدف الأساسي للاهتمام الغربي بالصومالي يتمحور حول الاستفادة من الثروة المعدنية والنفطية الهائلة في الصومال، الغني بالحديد (حوالي 200 مليون طن ويبلغ متوسط محتواها حوالي 35%)(8)، وكذلك القصدير، والنحاس، والملح. وتتميز الزراعة في الصومال بأنها من أكبر المجالات الاقتصادية، وتوجد حوالي ثمانية ملايين هكتار صالحة للزارعة؛ كما تشتهر بوجود ثروة حيوانية ضخمة فيها والتي تشكِّل نحو 40% من الإنتاج القومي.
التنافس الأجنبي في التنقيب عن النفط الصومالي
احتدم التنافس بين الشركات الغربية والآسيوية لوضع يدها على النفط والغاز في منطقة شبه الجزيرة الصومالية، منذ الخمسينات من القرن الماضي. وكانت عمليات الاستكشاف والمسح الجيولوجي للثروة النفطية في هذه المنطقة بين مدٍّ وجزر، نتيجة تقلبات الأوضاع السياسية والأمنية. مرَّ هذا التنافس بمراحل وفترات مختلفة تبدأ من عهد الوصاية مرورًا بفترة الحكم العسكري للصومال وصولًا إلى سقوط الدولة المركزية عام 1991، وشهدت هذه المرحلة عدة محاولات لاستكشاف النفط والغاز من قبل الباحثين أزارولي Azzaroli A. وميرلا Merla G بإنجاز الخريطة الجيولوجية لشبه الجزيرة الصومالية، ويتم تأسيس شركة (سنكلير الصومال Sinclair Somali Corporation -)(9)، التي تبدأ بأعمال حفر لبضع عشرة بئرًا استكشافية، وتدخل شركة (غلف Gulf) مجال العمل أيضًا، ويتوالى صدور التقارير المبشِّرة بمخزونات نفطية كبيرة.
ومع بدأ عقد الثمانينات اتجهت شركات أميركية وإيطالية نحو الصومال، وكان من أهمها: شركة شيفرون (Chevron) الأميركية التي وقَّعت شراكة مع الدولة الصومالية للتنقيب عن النفط في منطقة حوض نوغال، الذي يُعتقد أنه يحتوي على احتياطيات كبيرة من النفط. ومع اندلاع الحرب الأهلية في الصومال عام 1991، أوقفت جميع شركات النفط الكبرى أنشطة التنقيب، معلنة حالة "القوة القاهرة"، وانتهى هذا الوضع، في 7 أغسطس/آب 2008، نتيجة لقانون النفط الذي أقرَّه البرلمان الصومالي المؤقت ووقَّع عليه الرئيس الصومالي الراحل، عبد الله يوسف أحمد (2004-2008)، وينص قانون النفط على أن وزارة النفط والموارد المعدنية أصبحت الوصي على الموارد النفطية في الصومال وأن أي عمليات وعقود نفطية ستدار بموجب نهج عقود تقاسم الإنتاج، وتزامن هذا مع ذروة أزمة نفطية هيمنت على حكومة علي محمد جيدي بعد توقيع اتفاقية بين ولاية بونتلاند وشركة النفط الإفريقية الكندية Africa Oil Corp التي حازت كتلتين في منطقة بونتلاند شبه ذاتية الحكم. الكتلتان هما: وادي الطحارة ومنطقة استكشاف أخرى في وادي نوغال وتجمع على مساحة 3616800 هكتار داخل الولاية الفيدرالية(10). وتوقف هذا المشروع نتيجة نزاعات بين العشائر تكررت في أكثر من مرة، وما زال العمل عليه غير ممكن في ظل أزمة سياسية بين حكومة بونتلاند، سعيد عبد الله دني، والحكومة الفيدرالية الحالية.
وبعد انتهاء حقبة الحكومات الانتقالية في الصومال (2004-2012)، صاغت حكومة الرئيس الصومالي، حسن شيخ محمود (2012-2017)، الإطار القانوني لتوقيع اتفاقيات الاستكشاف والإنتاج مع شركات النفط الدولية، بما في ذلك اتفاقية تقاسم الإيرادات، وتحديد نسبة توزيع عائدات النفط بين الحكومة الصومالية الفيدرالية والولايات الفيدرالية الأعضاء الخمس بالإضافة إلى منطقة بنادر التي لم تجد وضعية خاصة بشأنها ولا يزال الخلاف يدور حول مستقبلها في ظل نظام فيدرالي ما زال يواجه العقبات والتحديات(11).
كما وقَّعت الحكومة الفيدرالية، عام 2013، اتفاقية مع شركة كوستلاين إكسبلوريشن التي كانت تُدعى حينها صوما أويل (Soma Oil & Gas) لاستكشاف النفط في المنطقة الاقتصادية البحرية، وتحديدًا قبالة ولايات غلمدغ وهرشبيلي وجنوب الغرب وجوبالاند(12). وكان الاتفاق يقضي باستكشاف النفط لفترة محدودة، ثم يتفق الجانبان على أطر تمديد الاتفاقية، التي تحصل الشركة بموجبها على حقِّ استخراج النفط من 12 منطقة تختارها إذا لبَّت الشروط والمعايير التي حددتها الحكومة.
وفي عام 2015، استحوذت شركة Spectrum البريطانية على ما يقرب من 20000 كيلومتر من البيانات الزلزالية ثنائية الأبعاد طويلة الإزاحة قبالة سواحل الصومال(13)، ودخلت شركات نفطية عالمية على خط المنافسة، مع بدء الانخراط في دخول اتفاقيات وعقود مع الأقاليم الفيدرالية التي لا تخضع لسلطة الحكومة الفيدرالية بشكل مباشر؛ إذ أثارت شركة "جينيل إنرجي" غضب الحكومة الفيدرالية الصومالية، عام 2018، بعد أن وقَّعت اتفاقية مع حكومة هرجيسا للحصول على مربعات من الحكومة المحلية(14)، يحتمل أن تحتوي على 5 مليارات برميل من النفط. وحصلت شركة جينيل إنرجي على رخصة استكشاف للمجموعتين البريتين، "إس إل 10 بي" و"إس إل 13"، في أرض الصومال، في أغسطس/آب 2012، وفقًا لما جاء على موقعها الإلكتروني، وتشير إلى أن مشروعها في مرحلة ما قبل الإنتاج في حقلين بإقليم صومالي لاند غير المعترف به دوليًّا(15).
كما وقَّع وزير البترول الصومالي، عبد الرزاق محمد عمر، اتفاقية مع نظيره التركي، ألب أرسلان، في أنقرة، في 7 مارس/آذار 2024، تتعلق باستكشاف وتطوير النفط والغاز الطبيعي قبالة السواحل الصومالية(16)، بعد أقل من شهر من توقيع اتفاقية التعاون الدفاعي والاقتصادي بين تركيا والصومال، في 8 فبراير/شباط عام 2024، والتي تضمنت توفير تركيا الحماية للمياه الصومالية نظير حصة من الثروات البحرية. كما وقَّعت الحكومة الفيدرالية اتفاقية مع شركة ليبرتي بتروليوم (Liberty Petroleum) الأميركية، في 11 مارس/آذار 2024، للاستكشاف والتنقيب عن النفط في ثلاث مناطق في المياه العميقة في المنطقة الاقتصادية البحرية(17)، وهو ما أثار موجة من التساؤلات حول الأدوار التكاملية بين تركيا والولايات المتحدة للهيمنة على مشاريع تنقيب واستخراج النفط في الصومال.
اللافت، أن مشاريع التنقيب عن الغاز والنفط في الصومال، ملف شائك ويثير أزمات داخلية وخارجية؛ حيث لا تزال التحديات التي تعيق هذه المشاريع المستقبلية ماثلة، في ظل عدم وجود حكومات قوية مع انتشار الفساد وقلة الكفاءات والخبرات وغياب البنية التحتية في إدارة هذه المشاريع العملاقة، وهو ما يثير الخوف لدى كثير من المسؤولين والسياسيين السابقين أن تتحول هذه المشاريع الواعدة إلى لعنة تعمِّق شرخ الانقسام والأزمات في الصومال، مع وجود مخاوف أخرى من فشل هذه المشاريع وإمكانية إخفاق تلك الجهود المتواصلة من تركيا والحكومة الفيدرالية، للاستفادة من هذه الثروة النفطية الهائلة غير المستغلة بعد.
هل تنجح شركة "تباو" التركية في التنقيب عن النفط؟
انضمت إلى قائمة الشركات الأجنبية التي تنافس على حيازة مربعات التنقيب والاستكشاف عن النفط والغاز في الصومال، شركة تركية حكومية؛ حيث أعلن وزير الطاقة والموارد الطبيعية التركي، ألب أرسلان بيرقدار، توقيع اتفاقية جديدة بين شركة النفط التركية "TPAO" وهيئة البترول الصومالية، في 25 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، إبان استقبال سفينة الريس عروج التركية، ستبدأ بموجبها شركة "تباو" أعمال الاستكشاف والتنقيب عن النفط في 3 مربعات قبالة سواحل الصومال(18).
وبات استخراج النفط الخام أقرب من أي وقت مضى بعد عمليات استكشافية ماراثونية استمرت أكثر من حوالي 65 عامًا، عندما بدأت عمليات البحث والاستكشاف عن النفط الخام والغاز الطبيعي في الصومال خلال خمسينات القرن الماضي قبل أن ينال استقلاله عام 1960. ومنذ تلك الفترة وحتى عام 1990، فإن عمليات التنقيب في الصومال جرت في حوالي 70 موقعًا بريًّا و4 مواقع بحرية، وذلك من خلال كبرى شركات النفط والغاز الطبيعي في العالم، مثل شل وشيفرون وإكسون موبيل وإيني وغيرها من الشركات الكبري (بالنظر إلى تلك الشركات ومكانتها العالمية في مجال النفط الخام والغاز الطبيعي، سنجد أن الصومال تحتل مكانة متميزة وخاصة في البحث والتنقيب عن الطاقة التقليدية)(19).
لكن مع بدء تركيا الاهتمام بقطاع النفط في الصومال، يبدي الصوماليون تفاؤلًا كبيرًا بإمكانية أن تبدأ المرحلة الفعلية لاستخراج النفط لأول مرة مطلع أو منتصف عام 2025، وذلك بعد أن رست أول سفينة تركية للتنقيب عن النفط في ميناء مقديشو، في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، والتي ستبدأ مهام المسح السيزمي ثلاثي الأبعاد في 13 موقعًا بريًّا وبحريًّا في جنوب البلاد ووسطها، كما أن مشاركة أنقرة في صناعة الطاقة في الصومال تُعد شراكة إستراتيجية، وتتماشى مع خطط وتطلعاتها الجيوسياسية الأوسع في القارة الإفريقية؛ حيث إنه من المتوقع أن تستثمر تركيا بصورة موسعة وضخمة؛ إذ تشير التقديرات الأولية إلى حجم استثمارات محتمل تصل إلى حوالي نصف مليار دولار. وذلك لأن تطوير تلك الموارد والثروات النفطية الضخمة في الصومال، سيتطلب ضخ استثمارات ضخمة، مع بدء الحفر في مربعات بحرية محددة العام المقبل 2025.
ولعل السؤال الملحَّ هنا: هل ستنجح شركة تباول التركية فيما فشلت فيه الشركات الغربية من إنجاح مشاريع التنقيب والاستخراج عن النفط في الصومال، علمًا بأن (تباو) لديها تراخيص للتنقيب في منطقة بحرية، مقسمة إلى 3 مناطق تغطي مساحة إجمالية تقدر بحوالي 15 ألف كيلو متر مربع؟
وستتقاسم تركيا عائدات استخراج النفط والغاز في المياه الإقليمية الصومالية في مقابل الدفاع الذي توفره، وتحصل على 30 في المئة من عائدات الاستخراج التي تسهم تركيا فيها، كما ينص الاتفاق على حصول تركيا على حق الوصول المميز إلى المنطقة الاقتصادية الخاصة(12). ومن المتوقع أن تستمر الدراسة السيزمية ثلاثية الأبعاد التي تقودها سفينة الريس عروج التركية حوالي 7 أشهر. ويقع مربعان من المناطق الثلاث، التي حصلت تركيا على حقوق التنقيب فيها، على بُعد حوالي 50 كيلو مترًا تقريبًا من اليابسة، والثالث على بُعد حوالي 100 كيلو متر، ويقدر أن عمليات التنقيب عن النفط في الصومال ستستغرق ما بين 3 و5 سنوات(21).
استخراج النفط والغاز في الصومال: الإمكانات المتوافرة والتداعيات المحتملة
استنادًا إلى البيانات والتقديرات والدراسات الفنية، قُدِّرت الاحتياطيات النفطية في الصومال بأكثر من 30 مليار برميل من النفط المكافئ وتُعادل حوالي ثلاث مرات احتياطيات النفط الجزائرية، وتضع الصومال ثالثة إفريقيًّا بعد كل من ليبيا ونيجيريا. وعليه تشكِّل الموارد النفطية الهائلة (احتمالات فنية وجيولوجية) في الصومال مصدر اهتمام لكبرى الشركات العالمية والدول الأجنبية في الآونة الأخيرة(22).
وتتوافر فرص واعدة في المرحلة الراهنة لتسريع عملية التنقيب والاستخراج في غضون أعوام قليلة، ويمكن حصر تلك الفرص في النقاط التالية:
- وجود قوانين وهيئة بترولية مخصصة لتنظيم سير الاتفاقيات وعمل الشركات الأجنبية، إلى جانب متابعة أعمالها أمر من شأنه أن يسهم في جهود التنقيب عن النفط، وهي الجهة المخولة بدخول شراكات واتفاقيات مع كبرى الشركات العالمية التي تهتم بمجال التنقيب والاستكشاف؛ ما يمنح تلك الشركات فرص عقد وإبرام صفقات استكشاف بشكل مباشر مع الحكومة الفيدرالية في مقديشو؛ حيث أعدَّت هيئة البترول الصومالية مؤخرًا قوانين وتشريعات محفزة للتشجيع على الاستثمار الخارجي في قطاع ثرواتها النفطية والمعدنية. هذا إلى جانب قانون البترول الصومالي لتقاسم الثروة النفطية والعوائد المالية بين الولايات والمركز؛ ما يمكن أن يحُد من العقبات القانونية بين الصومال والشركات الأجنبية التي تعمل في مجال التنقيب والاستكشاف(23).
- الاهتمام الدولي بالنفط الصومالي: تسعى دول عديدة، مثل تركيا وبريطانيا والنرويج والولايات المتحدة الأميركية وإيطاليا وقطر(24)، إلى دخول شراكات نفطية مع الصومال؛ حيث تعمل شركات معظم هذه الدول جاهدة على إنجاح مشاريع التنقيب والاستخراج، من أجل أن تحقق عوائد مالية إضافية تدعم اقتصاداتها، وهو ما يدفع جهود استخراج النفط المتوقعة في الصومال بحلول الأعوام القليلة المقبلة.
لكن أمام توافر الإمكانات والفرص وتعليق الآمال شعبيًّا على إمكانية نجاح الجهود الرامية لبدء عمليات التنقيب والاستكشاف وحفر أول بئر في غضون عام 2025، إلا أن ثمة تحديات وعقبات أمام هذا الطموحات المحلية للحد من معاناة السكان المحليين الذين يتوقون إلى الاستفادة من ثروة البلاد النفطية والغاز والمعدنية، وتتمثل تلك التحديات في الآتي:
- الوضع الأمني الهش: يشكِّل الأمن في الصومال هاجسًا يؤرِّق جميع الاستثمارات المحلية والخارجية، فغياب استقرار أمني في البلاد لمدة عقود، يجعل من الصعب تنفيذ مشاريع تجارية ضخمة، وهو ما يدفع الاستثمار المحلي إلى الهروب للخارج، بينما محاولات جذب الاستثمارات الخارجية متواصلة من قبل وزارة التخطيط، لكن حملات التشجيع على الاستثمار المحلي تواجه تحدي الأمن وهي العقبة الرئيسة والنافرة للمشاريع الاستثمارية الأجنبية، فمشروع التنقيب والاستكشاف للنفط والغاز في الصومال، حتمًا سيصطدم بصخرة الوضع الأمني الهش، خاصة في المناطق الجنوبية والوسطى، وهي التي تزخر بالنفط أكثر من غيرها من المناطق الأخرى، فبعض تلك المناطق لا تزال تخضع لسيطرة حركة الشباب، وهو ما ينسف فكرة تنفيذ مشاريع اقتصادية سواء من قبل التجار المحليين أو الشركات الأجنبية.
- غياب الاستقرار السياسي: على الرغم من جود حكومة فيدرالية تحظى بسلطة مركزية في مقديشو ولها شرعية دولية، إلا أن الخلافات السياسية بينها وبين الولايات الفيدرالية، تعمق أزمات البلاد السياسية وتبطئ وتيرة النمو الاقتصادي، وتشكل عقبة أمام الاستثمارات الأجنبية، خاصة في ظل غياب سلطة فعلية للحكومة الفيدرالية في لايتي بونتلاند وجوبالاند وإقليم أرض الصومال الانفصالي، وهو ما سيحدد نطاق عمل الشركات الأجنبية المهتمة بقطاع النفط والغاز في الصومال، إذا لم تتوافر ظروف سياسية ملائمة جديدة تمكِّن من ضخ استثمارات أجنبية في القطاعات الاقتصادية الحيوية في البلاد، والتفكير جديًّا خارج الصندوق من قبل الشركاء السياسيين، وإعطاء الأولوية للمصلحة العامة.
- الأثر البيئي والنزاعات العشائرية: يبدي سكان بعض المناطق التي يتم التنقيب عن النفط فيها، سيما في إقليم غلمدغ، مخاوف بشأن عملية الجرف والحفر في المربعات البرية التي اكتشفت في مدينة هوبيو الساحلية؛ حيث أبدى السكان معارضتهم لمشروع التنقيب، وهناك محاولات جارية على قدم وساق من المستوى الفيدرالي والولائي لإقناع العشائر، وبحث تداعيات الأثر البيئي المحتمل لعمليات الحفر للنفط والغاز. كما أن ثمة مخاوف تتعلق بإمكانية حصول تمرد عشائري لعرقلة هذه المشاريع، ويمكن أن تتسبب في إجهاضها، كما حدث سابقًا في ولاية بونتلاند عندما هاجمت إحدى القبائل موقعًا للتنقيب، عام 2005، وتسببت في توقف المشروع، ويذكر أيضًا أنه في أبريل/نيسان 2007 هاجم نحو 200 مسلح من الجبهة الوطنية لتحرير أوغادين، التي تم حلها لاحقًا (2010) حقل نفط يعمل فيه خبراء صينيون في إقليم أوغادين مما أدى إلى مقتل 74 شخصًا واختطفوا سبعة من العاملين الصينيين بالموقع. ولهذا، فإن عدم توافر أرضية آمنة وبيئة حافزة لمشاريع التنقيب، يصعِّب مهام تلك الشركات ويعيق تلك الجهود مستقبلًا(25).
- غياب الكفاءات والبنية التحتية: يمثل غياب الكفاءات المتخصصة في مجال النفط والغاز عقبة أخرى لسير أعمال الإدارة والتنقيب والمتابعة مستقبلًا بالنسبة للصومال. هذا إلى جانب عدم توافر البنية التحتية اللازمة لتولي العمليات التشغيلية، خاصة بعد انهيار المصفاة الوحيدة التي كان يملكها الصومال، والتي كانت تقع جنوب مقديشو، وهي مصفاة "نفط جزيرة"، التي كانت تصل قدرتها الانتاجية نحو 10 آلاف برميل يوميًّا، وكان يتم فيها تكرير النفط العراقي، وكانت شركة عراق-صوما التي أُنشئت بالشراكة بين الصومال والعراق تتولى عمليات التشغيل والتكرير؛ وهو ما يدفع شركات الإنتاج النفطية في الصومال إلى حمل براميل النفط إلى الخارج لعمليات التكرير والتوزيع(26).
- تأثير التدخل الخارجي: لا يزال الصومال رهين السياسات الدولية والإقليمية، فالتدخل الخارجي يعد عاملًا سلبيًّا في تأزيم الوضع في البلاد، في ظل وجود دولة تعتمد في صرف مرتبات جنودها وموظفي القطاع العام على الدعم الخارجي وبنسبة تقدر بـ60 في المئة؛ ما يعزز فرضية تغول التدخل الخارجي في السياسة والأمن والمشاريع الاقتصادية العملاقة، مثل النفط والغاز، فهذه المشاريع ستدار من وراء الكواليس وتحركها دول وشركات كبرى عالمية.
خاتمة
أثار مشروع التنقيب عن النفط والغاز في الصومال خاصة بعد وصول سفنية الريس عروج إلى ميناء مقديشو، رياح الأمل والرخاء في أوساط الصوماليين، كما سادت حالة من الشكوك والظنون في أوساط النخبة السياسية، حول ماهية الدوافع الحقيقية وراء تهافت الشركات الأجنبية (الأميركية والتركية) نحو التنقيب عن النفط والغاز الصومالي. في هذه المرحلة الحساسة التي تعيش فيها البلاد في مرحلة انتقالية أمنية بعد قرب انتهاء فترة القوات الإفريقية الانتقالية (أتمس) بحلول نهاية ديسمبر/كانون الأول 2025، كما تثار اقتصاديًّا أسئلة شائكة حول طبيعة ومستقبل هذه المشاريع، ومدى انعكاساتها السلبية على الاستثمار في القطاعات الحيوية الأخرى مثل الزراعة والثروة الحيوانية والسمكية في ظل عدم وجود حكومة مركزية قادرة على تذليل الصعاب وتفكيك التحديات؛ ما يمكن أن يضع الثروة النفطية الصومالية في أيدي شركات أجنبية تبحث عن مصالحها الخاصة، فهل يمكن أن تتجنب حكومة حسن شيخ محمود الوقوع في مخلب شركات النفط الكبرى والتي انزلق في شراكها دول إفريقية عدة، لا تزال تدفع أثمانًا باهظة من أجل تدارك أخطاء الماضي ولم تنعم بنعيم النفط والغاز الموعودين أكثر من شقائهما؟
1) رئيس الصومال يرحب بسفينة "الريس عروج" التركية في مقديشو، تي آر تي عربي، 26 أكتوبر/تشرين الأول 2024، (تاريخ الدخول: 30 أبريل/نيسان 2024)، https://bit.ly/4fuNaV1
2)- Coastline Exploration leads new charge on Somalia oil and gas, spglobal, 09 May 2023, (visited on 30 October 2024), https://bit.ly/40E60EG
3) احتياطاته أكبر من احتياطات الكويت"… هل يحلُّ النفط مشكلات الصومال أم يفاقمها؟، رصيف، 18 أبريل/نيسان 2024، (تاريخ الدخول: 30 أبريل/نيسان 2024)، https://bit.ly/4hOASsm
4)- 1948’s Somali Exploration alongside legacy concession agreement, Somali petroleum authority, (visited on: 30 October 2024), https://bit.ly/3Ypi7vQ
5) محمود محمد حسن، إشكالات التنقيب عن النفط في الصومال، الجزيرة نت، 14 أغسطس/آب 2015، (تاريخ الدخول: 3 نوفمبر/تشرين الثاني 2024)، https://bit.ly/3Cnhpib
6) المرجع السابق.
7)- Mohammed al-Amin Mohammed Hadi, The London Conference on Somalia: Opportunities of Reconstruction & Indications of Internationalizations, Aljazeera, 28 March 2012, (visited on: 3 November, 2024), https://bit.ly/40JQc3l
8) د. أحمد سلطان، لعنة الثروة: الصومال بين الإمكانات الهائلة والتحديات المستمرة، المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، 21 أكتوبر/تشرين الأول 2024، (تاريخ الدخول: 3 نوفمبر/تشرين الثاني 2024)، https://bit.ly/4hJ5knw
9) محمود محمد عبدي، فصول من قصة النفط في الصومال، مركز مقديشو للبحوث، 22 يونيو/حزيران 2015، (تاريخ الدخول: 3 نوفمبر/تشرين الثاني 2024)، https://bit.ly/4euSOVY
10)- Oil exploration within Somalia’s semi-autonomous Puntland region, Ejatlas, 14 October 2021, (visited on:3 November 2024), https://bit.ly/4fMLx4X
11)- Heshiiskii Wadaaga Khayraadka Dabiiciga ah ee DF iyo Dowlad Goboleedyada, Goobjoog, 13 March 2019, (visited on: 05 November 2024), https://bit.ly/3Cm5wsO
12) مرجع سابق، احتياطاته أكبر من احتياطات الكويت، رصيف.
13)- Spectrum signs seismic data agreement to kick-start oil exploration offshore Somalia, Reuters, 07 September 2015, (visited on 05 November 2024), https://bit.ly/40Jqyab
14) التنقيب عن النفط والغاز في الصومال يغري كبرى الشركات العالمية، موقع الطاقة، 10 مايو/أيار 2023، (تاريخ الدخول: 5 نوفمبر/تشرين الثاني 2024)، https://bit.ly/4fEuum1
15)- Operations pre-production in Somaliland, Geneenergy, (visited on 05 November 2024), https://bit.ly/4fHMxXL
16)- Federal Government of Somalia Signs Oil and Gas Cooperation Deal with Türkiye, hbs.gov, (visited on 05 November 2024), https://bit.ly/3OrbJ9H
17)- The Federal Government of Somalia has a new deal with Liberty Petroleum, hbs.gov, (visited on 05 November 2024), https://bit.ly/3YJVUzC
18)- Turkey’s TPAO, Somalia’s petrol authority signs onshore exploration deal, REUTRES, 25 October 2024, (visited on: 10 November 2024), https://bit.ly/3CpELUh
19) مرجع سابق، المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية.
20) النفط الصومالي.. بوابة تركيا الجديدة للقارة الإفريقية، CNN عربي، 22 أغسطس/آب 2024، (تاريخ الدخول: 10 نوفمبر/تشرين الثاني 2024)، https://bit.ly/4ervwQL
21) تركيا تبدأ التنقيب عن النفط والغاز في الصومال، الجزيرة.نت، 25 أكتوبر/تشرين الأول 2024، (تاريخ الدخول: 10 نوفمبر/تشرين الثاني 2024)، https://bit.ly/4hOCYZg
22) المرجع السابق.
23) تأسست هيئة البترول الصومالية، عام 2020، وفقًا لقانون البترول الذي صادق عليه رئيس البلاد (الرئيس الصومالي السابق، محمد عبد الله فرماجو) في وقت سابق من ذلك العام. ويتمثل هدف الهيئة في مراجعة اتفاقيات الاستكشاف والإنتاج مع شركات البترول العالمية لضمان قدرتها على المنافسة دوليًّا وخدمة المصلحة العليا للشعب الصومالي.
24) شركة الخليج للبترول القطرية توقع اتفاقية مع الحكومة الصومالية، تليفزيون قطر، 1 سبتمبر/أيلول 2024، (تاريخ الدخول: 10 نوفمبر/تشرين الثاني 2024)، https://bit.ly/40JZlc1
25) الجبهة الوطنية لتحرير أوغادين (بروفايل)، الجزيرة نت، 11 سبتمبر/أيلول 2007، (تاريخ الدخول: 10 نوفمبر/تشرين الثاني 2025)، https://bit.ly/3O646Fj
26) الخط الزمني لجملة أنشطة الاستكشاف والتنقيب في عموم جمهورية الصومال، مدونة مستقبل الصومال، 16 يونيو/حزيران 2016، (تاريخ الدخول: 10 نوفمبر/تشرين الثاني 2024)، https://bit.ly/3O3ucJb