
مقدمة
يشير فوز الرئيس دونالد ترامب في الانتخابات الأميركية الأخيرة إلى فترة جديدة من عدم اليقين والتقلبات السياسية في علاقات واشنطن مع العواصم الإفريقية. فبالرغم من اعتراف كل من الديمقراطيين والجمهوريين بالأهمية الإستراتيجية المتزايدة لإفريقيا في المشهد الجيوسياسي العالمي، فإن المقاربات المختلفة للطرفين تؤثر بشكل كبير على كيفية النظر للأفارقة.
بينما تشرع الإدارة الجديدة للرئيس ترامب في الوفاء بوعود حملته الانتخابية في الداخل وتأكيد القيادة الأميركية في الخارج، لم يعد يمكن لواشنطن أن تتجاهل إفريقيا. ويشير العديد من المؤشرات إلى أنها ستسعى إلى تحقيق المصالح الأميركية في إفريقيا من خلال نهج جديد لاسيما أن دورها على المسرح العالمي مستمر في الاتساع سواء كهدف للمصالح الأجنبية في سياق منافسة القوى الكبرى كالصين وروسيا التي تسعى إلى الوصول إلى مواردها الطبيعية والبشرية الهائلة، أو الاستفادة من موقعها الإستراتيجي، أو ككتلة تصويت مهمة في الأمم المتحدة.
فالمرحلة القادمة توحي ببداية فصل جديد في العلاقات الأميركية-الإفريقية، محفوف بالشكوك والمخاوف ولكنه أيضًا يحمل في طياته بوادر وفرصًا للأفارقة.
تناقش هذه الورقة سؤالًا مركزيًّا يدور حول مدى احتمالية أن يدشن الرئيس دونالد ترامب مرحلة جديدة في العلاقات الأميركية-الإفريقية وأن يُحدث قطيعة مع ولايته السابقة في سياسته المقبلة تجاه إفريقيا.
اتجاهات متباينة من الاهتمام بإفريقيا
تاريخيًّا، يمكن تصنيف نهج السياسة الخارجية الأميركية في التعامل مع إفريقيا على أنه تميز بعدم الاهتمام العام بالقارة منذ حقبة ما قبل الحرب العالمية الثانية. بعد هذه الفترة، تضمنت سياسة الولايات المتحدة الانخراط أو فك الارتباط مع الدول الإفريقية، والتي تم النظر اليها في الغالب من خلال مواجهة محاولة الاتحاد السوفيتي لاكتساب النفوذ في المنطقة.
بعد ذلك، بدأت مشاركة جادة ومستدامة بين الولايات المتحدة وإفريقيا في عهد إدارة كلينتون تعمقت بعد ذلك بدعم كبير من الحزبين الديمقراطي والجمهوري. والواقع أن إدارات كلينتون وبوش وأوباما شهدت استمرارية ملحوظة في كل من الكونغرس والبيت الأبيض على أجندة واشنطن في إفريقيا.
زادت حصة إفريقيا من التمويل السنوي للمساعدات الخارجية الأميركية على مدى العقدين الماضيين. ورغم نمو المساعدات الإنمائية والأمنية الأميركية لإفريقيا، فإن جزءًا من الزيادة كان لدعم خطة الرئيس بوش للإغاثة من الإيدز، في عام 2003. في عهد الرئيس أوباما، تذبذبت المساعدات الأميركية المخصصة لإفريقيا بين 7 و8 مليارات دولار سنويًّا. لكن انتخاب ترامب كان مؤشرًا على انفصال جذري عن هذا الإجماع؛ حيث مثَّل نهجه، عودة إلى الوراء(1).
في الفترة بين عامي 2017 و2021، اتسمت العلاقات بين واشنطن والعواصم الإفريقية بشكل عام بانعدام الثقة والعداء والإهمال. رأت النظرة العالمية الأكثر انعزالية للرئيس أن إفريقيا غائبة تمامًا عن أولويات سياستها الخارجية. لم يكن هذا، بالطبع، شيئًا جديدًا في ذلك الوقت؛ حيث لم تظهر القارة أبدًا كأولوية إستراتيجية لواشنطن عبر الإدارات الديمقراطية أو الجمهورية السابقة. ومع ذلك، يمكن القول: إن العلاقات مع القارة وصلت بشكل تراكمي إلى مستويات منخفضة جدًّا خلال إدارة ترامب الأولى بسبب ثلاث قضايا رئيسية.
أولًا: أن الإدارة الأميركية أظهرت ازدراء للمنظمات الدولية، عبر تخفيضات في مساهماتها ببعثات حفظ السلام؛ مما أضعف الثقة في التزام الولايات المتحدة تجاه الأمن والحوكمة العالمية، خاصة في إفريقيا.
ثانيًا: سياسة ترامب الخارجية تجاه إفريقيا اتسمت بتجاهل واضح، مع نقص وغياب الدبلوماسيين وتراجع المبادرات؛ ما أدى إلى انخفاض التجارة الثنائية وتصورات عن انعدام الشراكة.
ثالثًا: تصريحات ترامب المهينة، وحظر السفر على مواطني بعض الدول، عززت الصورة السلبية عن إفريقيا كمكان لانعدام الأمن والخطر وأضرت بعلاقاتها بواشنطن، وأظهرت أن ترامب لا يُكنُّ احترامًا للأفارقة.
في المقابل، عملت إدارة بايدن منذ عام 2021 على تصحيح مسار العلاقات مع إفريقيا من خلال إعادة بناء الثقة والنوايا الحسنة، مع إظهار التزامها بإعطاء الأولوية للمخاوف الإفريقية على المسرح العالمي.
وقد تحقق ذلك من خلال توفير رؤية أكثر وضوحًا؛ تمثلت في "إستراتيجية الولايات المتحدة تجاه إفريقيا جنوب الصحراء" لعام 2022. تحدد الإستراتيجية أربعة أهداف أساسية لتوجيه علاقات واشنطن الثنائية مع العواصم الإفريقية: الإشارة إلى الحاجة إلى تعزيز المجتمعات المنفتحة، وتحقيق المكاسب الديمقراطية والأمنية، وتعزيز الفرص الاقتصادية، ودعم التكيف مع المناخ. واعترفت رسميًّا بالوزن الجيوسياسي المتزايد للدول الإفريقية على المسرح العالمي، والحاجة إلى استثمارات أميركية أكبر لبناء وتعزيز الروابط الإستراتيجية مع القارة عبر مجموعة واسعة من المجالات التي تشمل الديمقراطية وتطوير التجارة وحقوق الإنسان وتمكين المرأة والحريات الفردية ومكافحة التطرف(2).
وبينما لم يقم بايدن سوى بزيارة وحيدة لإفريقيا في آخر ولايته، إلا أن جهوده تجاه إفريقيا تعززت من خلال العديد من زيارات العمل الأخرى رفيعة المستوى، ودعوته لانضمام الاتحاد الإفريقي إلى مجموعة العشرين -التي أصبحت عضوًا في عام 2023- وإلى تمثيل إفريقي أكبر في مجلس الأمن، بالإضافة إلى عقد قمة قادة الولايات المتحدة وإفريقيا، في ديسمبر/كانون الأول 2022.
على الجانب التجاري، أبرمت الشركات الأميركية خلال عهده أكثر من 500 صفقة في إفريقيا تقدر قيمتها بأكثر من 14 مليار دولار. وكان أكبر إنجاز للرئيس هو حزمة التمويل البالغة 250 مليون دولار التي قدمتها واشنطن لتطوير سكة حديد "لوبيتو أتلانتيك" التي تربط الأجزاء الغنية بالمعادن في جمهورية الكونغو الديمقراطية وزامبيا بميناء لوبيتو في أنغولا(3).
ولكن حتى مع نمو العلاقات في السنوات الأخيرة لا تزال مؤسسة السياسة الخارجية في واشنطن تعتبر إفريقيا منطقة إستراتيجية ذات أهمية قليلة؛ حيث لا تزال السفارات الأميركية في المنطقة تعاني من نقص في الموظفين ونقص الموارد. ومن شأن المزيد من التخفيضات، كما اقترح فريق ترامب الانتقالي، أن يفرِّغ فريق إفريقيا الذي يعاني بالفعل من إعاقة شديدة في وزارة الخارجية والوكالات الأخرى.
ترث إدارة ترامب الثانية هذه الاتجاهات المتباينة من الاهتمام. وتشير بعض المؤشرات إلى أنها ستسعى إلى تحقيق المصالح الأميركية في إفريقيا من خلال نهج جديد.
هل يُحدِث ترامب تغييرًا جذريًّا في علاقاته مع إفريقيا؟
استنادًا إلى تقرير مشروع 2025 الذي أعدَّه عدد من مراكز الفكر اليمينية الكبرى وجماعات الضغط تحت قيادة "مؤسسة التراث" إلى جانب التصريحات التي أدلى بها كبار صانعي السياسة الخارجية الجمهوريين ومعلومات من وسائل الإعلام، فإن أجندة السياسة الخارجية المرتقبة للرئيس دونالد ترامب تجاه إفريقيا تدعو إلى تغييرات جذرية(4). من أهم توجهاتها ما يلي:
أولًا: تعزيز التعاون العسكري والأمني من خلال التركيز على تقديم مساعدات أمنية وعسكرية أكبر للدول الإفريقية الحليفة، مثل التدريب العسكري لمواجهة الجماعات الإرهابية، مثل بوكو حرام، التي قد تهدد المصالح الأميركية في القارة وحول العالم. بالإضافة إلى الاعتماد على فرنسا في شمال إفريقيا لمكافحة التهديدات الإرهابية ومواجهة النفوذ الروسي المتزايد.
ثانيًا: تقليل منح المساعدات التنموية التقليدية؛ حيث سيتم تحويلها إلى قروض تُخصَّص لتشجيع القطاع الخاص الأميركي.
بالإضافة إلى إلغاء أو تقليص برامج الدعم الإنساني والتنموي لصالح تعزيز النمو الاقتصادي عبر الاستثمارات الخاصة.
ثالثًا: مواجهة النفوذ الصيني والروسي من خلال دعم الشركات الأميركية لمنافسة النفوذ الصيني في القطاعات الإستراتيجية داخل إفريقيا، والتركيز على احتواء أنشطة روسيا العسكرية والسياسية، عبر تعزيز وجود الولايات المتحدة في المناطق الإستراتيجية.
رابعًا: تركيز الجهود والموارد الأميركية على الدول التي تربطها علاقات وثيقة مع الولايات المتحدة، عوضًا عن توزيع الدعم على كل دول القارة. بالإضافة إلى الاعتراف بدولة "أرض الصومال" واستخدام هذا الاعتراف أداة لتعزيز النفوذ الجيوسياسي الأميركي في منطقة القرن الإفريقي.
خامسًا: التوقف عن فرض الأجندات الثقافية المثيرة للجدل وتجنب الضغط على الحكومات الإفريقية لتبني سياسات مثل حقوق مجتمع الميم والإجهاض، والتركيز بدلًا من ذلك على إعطاء الأولوية للقضايا الاقتصادية والأمنية.
بالتالي، فإن سياسات ترامب المتوقعة تجاه إفريقيا ترتكز على تعزيز الدور العسكري والأمني، وتقليص المساعدات التنموية وتحويلها لقروض استثمارية، ومواجهة النفوذ الصيني والروسي، مع التركيز على الدول ذات الأهمية بالنسبة للولايات المتحدة ومصالح اقتصادية وجيوسياسية واضحة.
هذه التوجهات أصبحت تثير شكوكًا ومخاوف لدى الأفارقة حتى قبل تنفيذها؛ إذ تطرح تساؤلات حول مصير المبادرات والاتفاقات والقرارات المتخذة سابقًا، وهل سيتم منحها الدعم السياسي والمالي اللازمين لتنفيذها بالكامل، أم أن الإدارة الجديدة ستقوم بتقديم رؤيتها الجديدة التي تقطع تمامًا مع ما سبقها؟
ولاية ثانية تزيد من مخاوف الأفارقة
في حين يُتوقع أن يقوم دونالد ترامب بإحداث تحولات جذرية في السياسة الخارجية، هناك شكوك كثيرة حول إذا ما كان ترامب سيُحدث قطيعة مع ولايته السابقة فيما يخص العلاقات مع إفريقيا.
إن عدم اليقين الذي أصبح من الصعب معه التنبؤ بالسياسات والقرارات والصفقات التي سيتخذها دونالد ترامب بخصوص إفريقيا وسيناريو الاستمرارية الذي ما زال مطروحًا بقوة حتى الآن، أصبح يخلق مخاوف حقيقية للأفارقة بخصوص العديد من القضايا، أبرزها:
سياسة أميركا أولًا
معناها أن المصالح والالتزامات تجاه البلدان الأخرى والشؤون الدولية ثانوية، وتستند إلى فوائدها للولايات المتحدة. وبالتالي، فإن مصالح واشنطن والتزاماتها ستكون مرتبطة بالمتطلبات الأمنية والاقتصادية الإستراتيجية.
هذا تحدٍّ للدول الإفريقية ذات الأهمية الإستراتيجية المحدودة بالنسبة لواشنطن. على سبيل المثال، خلال فترة ولاية ترامب الأولى (2017-2021)، أبدت الولايات المتحدة اهتمامًا بالصفقات التجارية الثنائية بدلًا من قانون النمو والفرص الإفريقية (أغوا)، الذي جاءت به إدارة كلينتون عام 2000، ويمنح الوصول المعفى من الرسوم الجمركية إلى سوق الولايات المتحدة لبعض المنتجات من الدول الإفريقية المؤهلة.
وإذا كان ذلك سيؤثر سلبيًّا على البلدان المستفيدة من هذا القانون، فإنه قد يفيد أولئك الذين تمكنوا من تأمين صفقات ثنائية مع إدارته. ولكن قد يؤدي أيضًا إلى تشرذم العلاقات التجارية بين واشنطن وعموم إفريقيا؛ مما يضر بالاقتصادات الأصغر ذات القدرة التفاوضية الأقل(5).
المساعدات
قدمت الولايات المتحدة نحو 3.7 مليارات دولار من المساعدات لإفريقيا في سنة 2024، لكن إدارة السيد ترامب الأولى اقترحت مرارًا توقيف أو تخفيض المساعدات الخارجية في جميع أنحاء العالم(6). هناك مخاوف من أن يتم تنفيذ هذا التوقيف في الفترة القادمة لاسيما مع حصول الجمهوريين على الأغلبية في الكونغرس.
وفيما يتعلق بالأمن، من غير المرجح أن يتم تخفيض الميزانيات العسكرية، لكن يمكن لترامب أن ينهي المهام وأن يسحب المزيد من القوات الأميركية من القارة؛ حيث سيدعم فقط العمليات الفعالة، كما فعل خلال ولايته الأولى حين قام بإنهاء المهمة في دارفور، وأمر بانسحاب 700 جندي أميركي من الصومال(7).
الديمقراطية وحقوق الإنسان
هناك عدم يقين بشأن كيفية تعامل ترامب مع الديمقراطية وتعزيز حقوق الإنسان في إفريقيا. لقد أظهر حبه للاستبداد وأشاد بالديكتاتوريين. وهذا الاتجاه يعرِّض للخطر الديمقراطيات المتعثرة ومسار حقوق الإنسان في القارة. قد يرحب بعض القادة بتقليل التدخل الخارجي، لكن هذا يمكن أن يشجع الأنظمة الاستبدادية، ويضعف المساءلة السياسية، ويؤثر على الاستقرار السياسي.
التجارة والاستثمار
إن إدارة بايدن عملت بجد لإعطاء الانطباع بأن إفريقيا شريك مهم، لكن بايدن فشل في ترجمة هذا الحماس إلى اتفاقيات وشراكات كبيرة، لكن هذا لا يعني أن إستراتيجيته في إفريقيا لم تنجح.
على سبيل المثال في عام 2023، قالت الولايات المتحدة إنها استثمرت أكثر من 22 مليار دولار منذ تولي بايدن الرئاسة(8). لكن البعض يخشى أن يعكس دونالد ترامب الذي يملك رؤية حمائية وانعزالية هذه الاستثمارات والمبادلات تماشيًا مع شعاره "أميركا أولًا". ويشكِّل قانون النمو والفرص في إفريقيا، الذي مدَّده أوباما في عام 2015 لمدة عشر سنوات، وينتهي في سبتمبر/أيلول 2025، مصدر قلق كبير.
حيث يمكن أن يقرر دونالد ترامب ببساطة عدم تجديده كما عبَّر عن ذلك خلال إدارته السابقة، من أجل فرض خطته على أعضاء البرنامج لفرض تعريفة جمركية شاملة تتراوح بين 10 و25٪ على الواردات من الخارج كما تعهد خلال حملته لعام 2024(9).
كما يمكنه بدلًا من ذلك أن يقرر الحفاظ على هذا البرنامج واستخدامه أداة للضغط.
من ناحية أخرى، في حين أن ترامب لا يدعم قانون "أغوا" بشكل كبير، فقد أقر بأنه إذا أرادت الولايات المتحدة مواجهة النفوذ الاقتصادي المتزايد للصين في إفريقيا، فيجب عليها الحفاظ على مستوى معين من الشراكة.
في عام 2018، كشفت إدارة ترامب النقاب عن مبادرة "ازدهار إفريقيا" -وهي مبادرة تساعد الشركات الأميركية التي تتطلع إلى الاستثمار في إفريقيا- و"مؤسسة تمويل التنمية"، التي تمول مشاريع التنمية في إفريقيا وحول العالم. أبقى بايدن كلا الكيانين يعملان، وتقول المؤسسة إنها استثمرت أكثر من 10 مليارات في إفريقيا(10).
بالنظر إلى أن الصين لا تزال قوة رئيسية في إفريقيا وأن ترامب نفسه قدَّم هذه السياسات بديلًا لعرض التمويل الصيني في إفريقيا، فمن المحتمل أنه سيفكر مرتين قبل إزالتها.
إن منهج ترامب القائم على الصفقات يمكن أن يشكل فرصة لبعض الدول الإفريقية التي تنظر لوصوله للرئاسة مرة أخرى بشكل إيجابي، خاصة في عدد قليل من القطاعات التي تمثل أولويات لدى إدارة ترامب: النفط والمعادن الإستراتيجية، وهو أمر يمكن أن يشجعه على الاهتمام بشكل أكبر بهذه الدول.
لكن هناك مخاوف من أن هذه النظرة المحدودة لإفريقيا ستضر بشكل كبير بمبدأ الربح المتبادل وبالشراكة المتساوية مع دول القارة.
وقد يعني ذلك ارتباطات مواتية فقط مع بعض الشركاء الأفارقة الإستراتيجيين، والقليل مع إفريقيا بشكل جماعي، والدليل على ذلك، أن ترامب لم ينظم قمة قادة الولايات المتحدة وإفريقيا في فترة رئاسته الأولى عكس كل من أوباما وبايدن.
الهجرة
مجال آخر يثير قلق الكثيرين هو سياسة الهجرة الصارمة التي اقترحها ترامب. سيؤدي ذلك إلى تشديد الحدود وترحيل المهاجرين غير الشرعيين؛ وهذا من شأنه أن يجعل الهجرة الإفريقية المشروعة إلى الولايات المتحدة صعبة. على الرغم من أن إفريقيا هي واحدة من أصغر المساهمين في السكان المهاجرين غير المصرح لهم في الولايات المتحدة، إلا أن سياسة ترامب ستؤثر سلبيًّا على علاقة الشتات بين الولايات المتحدة وإفريقيا، وقد يواجه مئات الآلاف من الأفارقة الترحيل؛ مما يؤثر على تحويلاتهم المالية التي بلغت 13 مليار دولار في عام 2023(11).
تغير المناخ
يعتقد ترامب أن تغير المناخ خدعة وهو ما دفعه للانسحاب مرة أخرى من اتفاقية باريس.
عودته تعني التوسع في الوقود الأحفوري وتراجع السياسة البيئية وخفض التمويل لمشاريع التكيف مع المناخ الإفريقية واستثمارات الطاقة النظيفة. ونظرًا لاعتماد القارة الكبير على الزراعة، فإن مثل هذه المواقف يمكن أن تؤدي إلى تفاقم مواطن الضعف المناخية في إفريقيا(12).
توسيع عضوية إفريقيا بمجلس الأمن
إن دعم الولايات المتحدة لمقعدين إفريقيين دائمين في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، والذي تقدمت به إدارة بايدن، أصبح غير مؤكد في عهد ترامب.
تحديات واشنطن وسط المنافسة الإستراتيجية العالمية
مع انضمام العديد من صقور الحزب الجمهوري إلى حكومة ترامب، بمن في ذلك وزير الخارجية، ماركو روبيو، ستواصل إدارته النظر إلى السياسة الخارجية من خلال عدسة المحصلة الصفرية لمنافسة القوى العظمى في إفريقيا؛ حيث لا تزال بكين وموسكو نشطتين للغاية.
وهو ما يضعها أمام ثلاثة تحديات كبرى ستشكل أولويات لسياسة واشنطن في إفريقيا وسط المنافسة الإستراتيجية العالمية:
1. المنافسة الجيواقتصادية مع الصين: هنا، ستواجه حقيقة عدم قدرة واشنطن على التنافس مع الصين في المجالات التي تهم الأفارقة؛ حيث تحافظ الصين على علاقات رفيعة المستوى تقوم على التضامن مع الجنوب العالمي، وقد ساعدت استثماراتها التجارية والبنية التحتية في دعم النمو الاقتصادي الإقليمي على مدى السنوات العشرين الماضية. الولايات المتحدة متخلفة كثيرًا في كلا المجالين. في حين ستظل التجارة بين الولايات المتحدة والدول الإفريقية عند ما يزيد قليلًا عن سدس حجم التجارة بين الصين والدول الإفريقية. يمكن أن يؤدي استخدام واشنطن للعقوبات إلى زيادة هذا التفاوت في أحجام التجارة(13).
لقد تحدث ترامب بشدة عن الصين خلال حملته الانتخابية، متعهدًا بفرض رسوم جمركية أعلى على صادراتها. يختلف الخبراء حول ما تعنيه ولاية ترامب الثانية لطموحات بكين في القارة؛ حيث يقول البعض: إنها قد تكون نعمة للصين إذا اتبعت واشنطن أجندة أكثر انعزالية تتجاهل المنطقة. لكن من الواضح أن ترامب مدرك لمدى قوة الصين والتهديد الذي تشكله في القارة. لذلك من غير المرجح أن الإدارة الجمهورية ستهمل إفريقيا أكثر من ذي قبل لأنها ترى الصين تهديدًا لمصالح الولايات المتحدة في العالم، ولأن ذلك من شأنه أن يمنح الصين مجالًا أكبر للمناورة وزيادة نفوذها بطرق مختلفة.
لكن، من المرجح أن يحظى عدد قليل فقط من البلدان بالاهتمام خلال الولاية الثانية -الدول التي تكون مواردها أو مواقفها تتماشى مع مصالح الأمن القومي للولايات المتحدة-.
مثلًا تعتبر المعادن المهمة مثل الكوبالت والليثيوم ضرورية لكل من التقنيات الخضراء والمعالجات الدقيقة التي تشغِّل البطاريات من السيارات إلى الهواتف المحمولة. على الرغم من نفور الرئيس ترامب من الطاقة الخضراء، إلا أنه سيحتاج إلى التنافس في هذا القطاع لمنع الولايات المتحدة من التخلف عن الصين أكثر في وصولها إلى هذه المواد؛ حيث يمكن أن يعكس هذا التوجه سياسات ترامب الأوسع نطاقًا للمنافسة مع الصين ويمكن أن يوفر موردًا رئيسيًّا في حالة نشوب حرب تجارية معها(14).
2 . تعزيز النفوذ الجيوسياسي للولايات المتحدة: في حين أن الحزبين يتشاركان في الالتزام بتعزيز المصالح الجيوسياسية الأميركية في القارة، فقد تختلف وجهات نظرهم بشأن المنافسة مع الصين وروسيا. واصلت إدارة بايدن نهج ترامب تجاه الصين لكنها لم تتطور لتصبح إستراتيجية واضحة وشاملة في حين أن ترامب صاغ علنًا مشاركة الولايات المتحدة في إفريقيا على أنها تنافس مع الصين، تجنب بايدن مثل هذه المنافسة المباشرة(15). في الجانب الآخر، بينما لم يكن ترامب رئيسًا، عززت روسيا من وجودها في إفريقيا. وعلى وجه الخصوص، من خلال الأسلحة وانتشار قوات الفيلق الإفريقي -قوات فاغنر سابقًا- كما أن الحرب الروسية-الأوكرانية امتدت بالفعل إلى إفريقيا؛ إذ تُطرح تساؤلات حول مدى الدعم الذي سيقدمه ترامب للدول الإفريقية في محاولة لدفع روسيا إلى الوراء؟ على الرغم من أن هيكل الأمن القومي للولايات المتحدة ينظر إلى روسيا على أنها تهديد، إلا أن ترامب لم يتصرف كما لو كان ينظر إلى روسيا على أنها كذلك(16). لاسيما أن لديه علاقة أوثق مع الرئيس فلاديمير بوتين.
حماية المصالح الأميركية في منطقة الساحل والقرن الإفريقي: حيث كشف عدم الاستقرار في منطقة الساحل، الذي يجمع بين عنف المتمردين المتفاقم والانقلابات المتكررة، عن الافتقار إلى الوضوح الإستراتيجي في سياسة واشنطن، بسبب وجود قوى أخرى لديها مصالح ورؤى متضاربة، وبسبب الانتقائية المتزايدة للقادة الأفارقة عند اختيار الشركاء(17).
أمام هذا الوضع، إذا قررت إدارة ترامب الدخول بقوة في منافسة إستراتيجية مع بكين وموسكو، فقد تجد نفسها مشاركة بشكل أكبر في النزاعات والاختيار بين الأطراف بناء على الفوائد التي تقدم لها في مواجهة خصومها ومنافسيها(18).
كما ستتشكل مشاركتها في أزمات القرن الإفريقي -بما في ذلك الحرب الأهلية في السودان والصراع في إثيوبيا وعدم الاستقرار في الصومال وغيرها- من خلال مصالحها الأوسع في الشرق الأوسط، التي تهيمن عليها الرغبة في ترسيخ اتفاقيات التطبيع مع إسرائيل(19).
خاتمة
لا شك أن إدارة ترامب القادمة تجلب درجة أكبر بكثير من عدم اليقين وعدم القدرة على التنبؤ بعلاقات الدول الإفريقية مع واشنطن. ومع ذلك، فإن التحديات والفرص كثيرة بنفس القدر. الأمر متروك لصانعي السياسات في واشنطن والعواصم الإفريقية للعب أوراقهم بشكل صحيح لضمان التوصل إلى ترتيبات جديدة لتحقيق المنفعة المتبادلة، مع عدم السماح لإرث ترامب في الإدارة السابقة بالتأثير بشكل غير ملائم على ما قد يحدث مستقبلًا؛ حيث إن عودة ترامب للرئاسة يمكن أن تجلب معها بعض الفرص على غرار:
أولًا: على الرغم من تصريحاته المهينة تجاه الدول الإفريقية، والتهديدات بطرد المهاجرين، فإن أيديولوجية ترامب تجد صدى إيجابيًّا في إفريقيا. فمع عودة ترامب ستتوقف واشنطن عن الترويج والضغط على الحكومات الإفريقية لاحترام حقوق الإنسان وحقوق المثليين والحقوق السياسية والمدنية والديمقراطية، التي لا تتقبلها الحكومات، باعتبارها تدخلًا في شؤونها الداخلية، وتقويضًا لسيادتها، أو تتنافى مع قيمها. والتركيز بدلًا من ذلك على الأمن الأساسي والتجارة والاستثمار والشراكة الاقتصادية.
ثانيًا: من غير المرجح أن يتم تجاهل الطبيعة التنافسية المتزايدة للعلاقات الدولية، وعلاقات إفريقيا المتنامية مع الصين وروسيا والمنافسين الآخرين. في عالم متعدد الأقطاب يتميز بقوى متعددة تتحدى هيمنة الولايات المتحدة، فإن الدول الإفريقية لديها فرصة للسعي لإنشاء تحالفات متنوعة، وأن تلعب وتوازن بذكاء بين التأثيرات الأميركية والصينية والروسية وغيرها من التأثيرات الدولية بطرق تصب في مصلحة الأفارقة.
ثالثًا: أعطى ترامب في ولايته الأولى الأولوية للاستثمار على نماذج المساعدات التقليدية، بحجة الازدهار من خلال الشراكة. ويمكن أن يؤدي الاستمرار على نفس النهج إلى خفض أو توقيف المساعدات الإنسانية والإنمائية المقدمة إلى إفريقيا؛ مما يؤثر على مشاريع الصحة والتعليم والبنية التحتية التي تعتمد على المعونات. ومع ذلك، يمكن أن يحفز الأفارقة على النظر إلى الداخل ومساعدة أنفسهم كما يمنحهم فرصًا للتطوير الذاتي. وقد يكون هذا هو بالضبط ما تحتاجه القارة لوقف اعتمادها على الآخرين، وأن تتطلع إلى تسخير مواردها البشرية والطبيعية الهائلة من أجل تنميتها، وأخذ مبادرة منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية، على سبيل المثال، على محمل الجد.
(1) F. Owusu and P. Carmody, “Trump’s legacy in Africa and what to expect from Biden,” The Conversation, November. 25, 2020. (accessed January. 23, 2025).
(2) Amandine Gnanguenon, “US Interests and African Agendas: Africa Policy After the 2024 Elections“, German Marchall Fund, September 27, 2024, (accessed January. 23, 2025). https://tinyurl.com/yj5skunr
(3) Ibid.
(4) Daniel Volman, “Africa Policy in Trump’s Second Term,” Foreign Policy In Focus, January. 13, 2024. (accessed January. 23, 2025). https://tinyurl.com/4cr84s2t
(5) C. Isike and S. Oyewole, “Donald Trump will put America first: what does that mean for Africa?” ,The Conversation, November. 22, 2024. (accessed January. 23, 2025) https://tinyurl.com/yck4vk2n
(6) Wedaeli Chibelushi, “Commerce, aide, sécurité: Que signifie la victoire de Trump pour l'Afrique ?” BBC News Afrique, November. 07, 2024. (accessed January. 23, 2025) https://tinyurl.com/zpvkyary
(7) Golnouche Barzegar et Yoanna Herrera, “Investiture de Donald Trump: quelle sera la politique africaine du nouveau président américain ?,” TV5MONDE - Informations, January. 20, 2025. (accessed January. 23, 2025) https://tinyurl.com/3eyhv7x9
(8) “Commerce, aide, sécurité : Que signifie la victoire de Trump pour l'Afrique ?”, Ibid.
(9) David RICH, “Avec Trump de retour à la Maison Blanche, quelles perspectives économiques pour l’Afrique ?,” France 24, January. 21, 2025. (accessed January. 23, 2025) https://tinyurl.com/mr38svap
(10) “Commerce, aide, sécurité: Que signifie la victoire de Trump pour l'Afrique ?” , Ibid.
(11) “Donald Trump will put America first: what does that mean for Africa?” , Ibid.
(12) Ibid.
(13) Ken Opalo, “A Trumpian Policy for Africa,” Foreign Affairs, December. 04, 2024. (accessed January. 23, 2025) https://tinyurl.com/r7k9fynd
(14) R. Parens and C. P. Clarke, “How might Trump 2.0 approach Sub-Saharan Africa policy?,” Defense One, November. 26, 2024. (accessed January. 23, 2025) https://tinyurl.com/bdh6ktnm
(15) “US Interests and African Agendas: Africa Policy After the 2024 Elections“, Ibid.
(16) “Commerce, aide, sécurité: Que signifie la victoire de Trump pour l'Afrique ?”, Ibid.
(17) “US Interests and African Agendas: Africa Policy After the 2024 Elections“, Ibid.
(18) “How might Trump 2.0 approach Sub-Saharan Africa policy?”, Ibid.
(19) Ibid.