
أقرَّت الحكومة الإسرائيلية اتفاق وقف إطلاق النار في غزة وهي غير متصالحة مع جميع مركباته، وجاء قبولها بضغط من إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، عشية تنصيبه رئيسًا للولايات المتحدة الأميركية. نجح الوسطاء في بلورة اتفاق يستجيب لمصالح الطرفين ومطالبهما، بحيث لا تتعهد إسرائيل بوقف الحرب من جهة في المرحلة الأولى، وإعطاء مساحة من جهة أخرى للتداول في مستقبل غزة في المرحلة الثالثة. ويبدو أن حماس حصلت على تعهدات من الوسطاء بأنه بعد الاتفاق لن يكون هناك استئناف للحرب، وستبدأ عملية إعادة الإعمار، والتوصل لصيغة متفق عليها لحكم غزة. قام الاتفاق الحالي على منطق أن الوصول إليه يكون باستجابته لمطالب الطرفين مع وجود نوع من الضبابية حول مخرجات الاتفاق النهائية، أو جعلها قابلة للتأويل. لأن الضبابية، في مخرجات الاتفاق، هي الإطار الذي يجعل الاتفاق مقبولًا من الطرفين. كانت مقاربة حماس للاتفاق بأنه سيفضى إلى إنهاء الحرب وإعادة الإعمار، في حين كانت مقاربة إسرائيل للاتفاق بأنه سينهي حكم حماس وينزع السلاح عن غزة من خلال ربط الإعمار بنزع السلاح. للتذكير في هذا الصدد، فإن الاتفاق الحالي هو مقترح الرئيس الأميركي السابق، جوزيف بايدن، وكانت إسرائيل قد عارضته وطالبت بتطبيق "المرحلة الأولى" منه، وذلك للحصول على أكبر عدد من المحتجزين الإسرائيليين الأحياء. وكان واضحًا لدى إدارة بايدن أن الانتقال من المرحلة الأولى لما بعدها والثانية لما بعدها سيُفشل الاتفاق(1).
تهدف هذه الورقة إلى تحليل تحديات المرحلة الثانية من الاتفاق في قطاع غزة، والرؤية الإسرائيلية للمرحلة الثانية، وخيارات استمرار تنفيذ الاتفاق بعد نهاية استحقاقات المرحلة الأولى من دفعات تبادل الأسرى.
لقاء نتنياهو-ترامب واتفاق وقف إطلاق النار
مثَّلت زيارة رئيس الحكومة الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، لواشنطن، نقطة تحول في المقاربة الإسرائيلية للاتفاق، فقد طرح ترامب خلال لقائه مع نتنياهو (4 فبراير/شباط 2025) تصورًا جديدًا لمستقبل قطاع غزة يتمثل بتهجير سكان القطاع. كان ترامب قد طرح فكرة التهجير قبل اجتماعه مع نتنياهو، لكنه طرحها مرة أخرى خلال البيان المشترك مع نتنياهو مع بعض التفصيل، ووعده بفحص ضم الضفة الغربية خلال أسابيع، ليصبح بهذا الموقف الإسرائيلي أكثر تشددًا من شروط الاتفاق الحالي الذي وقَّعت عليه إسرائيل. عمليًّا هذا البيان يتناقض مع الوعود والضمانات التي قُدِّمت لحركة حماس حول مستقبل قطاع غزة، بغض النظر عن مكانة حماس نفسها في مستقبل القطاع.
سياسيًّا، تعني هذه الخطة، أن الاتفاق كما يراه الطرفان، الأميركي والإسرائيلي، هو اتفاق لتبادل الأسرى فقط، وجاء تصريح ترامب الثاني (10 فبراير/شباط 2025) الذي دعا فيه الحكومة الإسرائيلية إلى إلغاء اتفاق وقف إطلاق النار في حال لم تلتزم حماس بتحرير جميع المحتجزين الإسرائيليين دفعة واحدة حتى السبت، أي موعد تبادل الدفعة السادسة من المرحلة الأولى حينها، ليزيد التعقيد في العلاقة بين حماس وإسرائيل. بعدها تبنى المجلس الوزاري-الأمني المصغر "الكابينت" الإسرائيلي في اجتماعه، الثلاثاء 11 فبراير/شباط، خطة ترامب لمستقبل قطاع غزة، وهدد نتنياهو بإيحاء من كلام ترامب، حركة حماس بأنها إذا لم تفرج عن المحتجزين الإسرائيليين يوم السبت، فإن إسرائيل سوف تستأنف الحرب على قطاع غزة. لم يوضح قرار "الكابينت" الذي ألقاه نتنياهو ما المقصود بالمحتجزين الإسرائيليين، هل المقصود الدفعة السادسة (3 محتجزين) أم الأحياء التسعة من المرحلة الأولى، أم جميعهم كما طالب ترامب؟ ولكن التصريح عبَّر عن تشدد الموقف الإسرائيلي من استحقاقات الاتفاق كما تم الاتفاق عليها.
يحمل تصريح ترامب وتهديده تجاوزًا للاتفاق من حيث الشكل والمضمون، فضلًا عن أن مشروع التهجير أنتج منطقًا جديدًا في مخرجات الاتفاق عند الطرف الإسرائيلي.
انقسم السجال الإسرائيلي حول خطة ترامب بين ثلاث تيارات: بين من يعارضها أخلاقيًّا، وهي الأقلية في المشهد الإسرائيلي. وبين من يؤيدها رغم أنها غير قابلة للتنفيذ بحسب رأيه، لكن يمكن توظيفها للضغط على الأطراف الفاعلة إقليميًّا لتحقيق مصالح إسرائيلية. وبين تيار ثالث يؤيدها ويعتقد أنها قابلة للتنفيذ وتحديدًا إذا كانت الولايات المتحدة جادة في هذا الشأن. على مستوى المجتمع اليهودي الإسرائيلي، ففي استطلاع أجراه معهد سياسات الشعب اليهودي، تبين أن 53% من اليهود الإسرائيليين يؤيدون المقترح وإمكانية تنفيذه، في حين أن 30% يؤيدونه ولكنهم يعتقدون أنه غير قابل للتنفيذ وغير عملي أما الباقي فيعارضون المقترح لأسباب مختلفة(2).
في متابعة للسجال الإسرائيلي وخاصة الخطاب الرسمي، يلاحظ تراجع الحديث عن مقترح ترامب سريعًا، ويرتبط هذا التراجع بتراجع الحديث عن الموضوع داخل الإدارة الأميركية، وخاصة لدى الرئيس ترامب الذي قال إن خطته رائعة لكنه لن يفرضها بل يوصي بها. وهو تراجع واضح في حدة الخطاب وجديته بالمقارنة مع ما كان في بداية طرح الخطة وخاصة في البيان المشترك مع نتنياهو، وبدا أن المسؤولين الأميركيين يتراجعون عنه ومنهم وزير الخارجية الأميركي، ماركو روبيو، الذي رأى أن مقترح ترامب لا يزال مطروحًا إلا إذا اقترح العرب بديلًا عنه. وهذا مما يشي بأن الإدارة الأميركية تراجعت عن المقترح بوصفه أداة للضغط على الفاعلين الإقليميين لتقديم تصور سياسي لمستقبل قطاع غزة، ينسجم مع الهدف الأميركي المتمثل في إنهاء حكم حماس في قطاع غزة مقابل إعادة الإعمار بدون التهجير(3).
أما التشدد الإسرائيلي فقد ظهر في عدم الالتزام بالبروتوكول الإنساني بشكل كامل، وعدم بدء مباحثات المرحلة الثانية في اليوم الـ16 من المرحلة الأولى، وتعليق عملية إطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين (602) من الأسرى في أعقاب الدفعة السابعة من عملية تبادل الأسرى، وطرح شروط سياسية لمباحثات المرحلة الثانية متمثلة في نزع سلاح قطاع غزة. عمليًّا، بعثرت إسرائيل أوراق الاتفاق. ومع اقتراب انتهاء المرحلة الأولى منه في الأول من مارس/آذار لم تبدأ مباحثات المرحلة الثانية التي يتفق الجميع على أنها معقدة جدًّا.
مباحثات المرحلة الثانية
مع اقتراب انتهاء المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، بدأت الضغوط على الجانب الإسرائيلي للبدء بمباحثات المرحلة الثانية من الاتفاق(4). ماطلت إسرائيل في بدء المباحثات التي كان من المفروض أن تبدأ في اليوم الـ16 من المرحلة الأولى وتنتهي في اليوم الـ35 من نفس المرحلة. بدأت المماطلة عشية لقاء الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، مع رئيس الحكومة الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو.
ظهرت هشاشة الاتفاق في المرحلة الأولى من الاتفاق، بامتناع إسرائيل ببساطة عن الالتزام باستحقاقات المرحلة الأولى، دون أن يكون لدى حركة حماس بالمقابل، أي وسيلة لتدفيع إسرائيل ثمن عدم التزامها. وكانت حماس قد حاولت تعليق تسليم الدفعة السادسة من عملية التبادل، لكنها سرعان ما تراجعت عن ذلك بسبب ضمان الوسطاء النابع من وعود إسرائيل بتنفيذ التزاماتها من الاتفاق، ولم تفعل إسرائيل ذلك بعد تنفيذ الدفعة السادسة.
وضعت إسرائيل شروطًا سياسية لمباحثات المرحلة الثانية، على رأسها نزع السلاح في قطاع غزة، والذي يعني تحقيق أهداف الحرب السياسية المتمثلة في إنهاء حكم حماس السياسي للقطاع، وتفكيك بنيتها العسكرية في القطاع. جاءت الشروط الإسرائيلية للضغط على الأطراف الإقليمية المعنية كي تعمل على تحقيق هذه الأهداف من خلال المسار السياسي. أي إنهاء المرحلة الثانية بتحقيق هدف الحرب الإسرائيلية الأساسي ألا وهو إنهاء حكم حماس. وكان نتنياهو قد صرَّح لأول مرة منذ اندلاع الحرب على غزة، بأن إسرائيل متمسكة بهدف إنهاء حركة حماس، وغير مستبعد أن يكون ذلك بالطرق السياسية الدبلوماسية، وليس بالضرورة بالأداة العسكرية(5). كانت هذه المرة الأولى التي لا يستثني فيها نتنياهو المسار السياسي، لتحقيق أهداف الحرب. وواضح أن ذلك نابع من طلب أميركي بدخول مباحثات المرحلة الثانية، وينسجم مع تصريحات ويتكوف بأن حماس لن تكون حاكمة في غزة مع نهاية تطبيق الاتفاق، مع تأكيده الحاجة لتمديد المرحلة الأولى(6).
يمكن هنا التأكيد على التباين الأميركي-الإسرائيلي، ففي حين يتفق ويتكوف على تمديد المرحلة الأولى، ولكن للتحضير لمباحثات المرحلة الثانية المتأخرة أصلًا، فإن نتنياهو يريد تمديد المرحلة الأولى دون أن يكون لها أي علاقة بالمرحلة الثانية، وربما إلغاءها إذا استطاع ذلك.
يعد تعيين وزير الشؤون الإستراتيجية، رون ديرمر، جزءًا من التوجه الإسرائيلي لمباحثات المرحلة الثانية. ارتبط اتفاق وقف إطلاق النار مع رئيسي الموساد والشاباك، وهما موظفان، وقد قادا المرحلة الأولى من الاتفاق التي اتسمت بطابعها الإنساني من تبادل الأسرى، ودخول المساعدات الإنسانية وانسحاب القوات الإسرائيلية وعودة النازحين، فضلًا عن كونها مرحلة تمهيدية للمرحلة الثانية من الاتفاق.
تعد المرحلة الثانية هي المرحلة الأهم في الاتفاق. فمنطق الاتفاق برمته قائم على المرحلة الثانية التي من المفروض أن تؤدي إلى وقف مستدام للقتال، وانسحاب القوات الإسرائيلية من محور فيلادلفيا، وتحرير جميع المحتجزين الإسرائيليين، لاسيما الأحياء منهم، بحيث يُحقق الطرفان مرادهما: حماس بوقف الحرب، وإسرائيل باستعادة جميع أسراها من قطاع غزة، والتمهيد لبدء مباحثات المرحلة الثالثة حول مستقبل قطاع غزة وإعادة الإعمار. بمعنى أن المرحلة الثانية هي التي ستحدد مستقبل الحرب، لكنها لن تحدد مستقبل قطاع غزة.
لا يرغب نتنياهو بهذا المسار للمرحلة الثانية، ويعتقد أن الثمن التي ستدفعه إسرائيل كبيرًا قياسًا بالنتائج. فهي عمليًّا سوف تُحقق هدفًا واحدًا من أهداف الحرب: إغلاق ملف الأسرى والرهائن الإسرائيليين دون ضمان تحقيق باقي الأهداف، مع التأكيد على أن هدف استعادة الأسرى والرهائن، لم يكن يومًا يحتل الأولوية لدى الحكومة الإسرائيلية الحالية، بل كان الهدف الأخير.
يتميز ديرمر الذي يتحدث العبرية بلكنة أميركية وليست إسرائيلية، بعدم انتمائه للتجربة الإسرائيلية، وربما لا يفهم هذا الشغف الإسرائيلي بموضوع الأسرى والرهائن؛ فهو تربى في مناخ اليمين المحافظ الأميركي والسياسة الأميركية، وهو سياسي أميركي أكثر من كونه سياسيًّا إسرائيليًّا، ولا يتحدث لوسائل الإعلام الإسرائيلية. وعندما أُجبر على الظهور في الكنيست، في يناير/كانون الثاني 2025، للإجابة على أسئلة أعضاء الكنيست كما هو متبع في النظام البرلماني الإسرائيلي، وكانت هذه هي المرة الأولى التي يجيب فيها على أسئلة منذ توليه لمنصبه قبل عامين، قال إنه يحب التحدث قليلًا والعمل كثيرًا(7)، وهي مقولة لموظف بيروقراطي أكثر من كونه سياسيًّا، على الرغم من أنه سياسي ووزير، والحديث أمام الكنيست هو جزء من المحاسبة والمكاشفة حول عمله أمام الجمهور.
تعيين ديرمر ينبئ بأن إسرائيل تريد لمباحثات المرحلة الثانية، إذا حدثت، أن تنتهي بتحقيق أهداف الحرب من خلال مسار سياسي لا ينحصر بالتباحث مع حماس مع خلال الوسطاء، بل بالتواصل مع الفاعلين الإقليميين والإدارة الأميركية للضغط على حركة حماس في هذا الاتجاه(8). في هذا السياق، تعمل إسرائيل من خلال مسارين، مسار الاتفاق الحالي أمام المبعوث الأميركي، ستيف ويتكوف، حول مباحثات المرحلة الثانية. ومسار مع الوسطاء وقوى إقليمية من خلال الإدارة الأميركية من أجل التوصل إلى صيغة يمكن من خلالها إنهاء حكم حماس في غزة، أو هكذا تتوقع إسرائيل أن تكون النتيجة(9).
في المقابل، ومع إدراك حركة حماس للتوجه الإسرائيلي من مباحثات المرحلة الثانية، أعلنت الحركة أنها مستعدة لمباحثات المرحلة الثانية وإطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين دفعة واحدة، بشرط أن تؤدي المرحلة الثانية إلى إنهاء الحرب وانسحاب القوات الإسرائيلية من قطاع غزة. ينسجم موقف حماس مع رغبة الشارع الإسرائيلي الذي يطالب بتبادل مرة واحدة للمحتجزين الإسرائيليين من المرحلة الثانية، والذين يصل عددهم إلى 59 أسيرًا، 24 منهم أحياء حسب التقديرات الإسرائيلية. الجدير بالذكر أن جميع استطلاعات الرأي الإسرائيلية تُبين أن أغلب الإسرائيليين مع استمرار تطبيق الاتفاق وعملية تبادل لمرة واحدة. ويشير استطلاع لمعهد سياسات الشعب اليهودي، نُشر في بداية شهر فبراير/شباط، أن 70% من الإسرائيليين يؤيدون الاستمرار بالاتفاق الحالي، في حين أن 20% يؤيدون وقف الاتفاق والعودة للقتال(10).
الأمر المهم والضاغط على نتنياهو هو موقف الجمهور المؤيد للحكومة من الاتفاق. ففي صفوف مؤيدي حزب الليكود الحاكم، فإن 43% يؤيدون إكمال الاتفاق، في حين أن 40% يعارضون ذلك. أما في صفوف مؤيدي حزب الصهيونية الدينية برئاسة وزير المالية، بتسلئيل سموتريتش، فإن 70% منهم يؤيدون العودة للقتال، ويؤيد 60% من مؤيدي حزب "قوة يهودية" برئاسة إيتمار بن غفير العودة للقتال أيضًا(11).
خيارات إسرائيلية
بعد التعقيدات في تنفيذ المرحلة الأولى من الاتفاق، تغيرت نظرة الطرفين للاتفاق. كلاهما يريد تثبيت مطالب سياسية في الاتفاق بشكل واضح، وعدم الاكتفاء بضمانات شفوية. إسرائيل تريد استمرار المرحلة الأولى كصفقة جزئية، في حين تريد المرحلة الثانية إطارًا سياسيًّا يفضي لتحقيق مصالحها وأهدافها. في المقابل، تطالب حماس في مباحثات المرحلة الثانية بالتزام إسرائيلي بوقف الحرب، وبدء إعادة الإعمار، وبمباحثات تعقب ذلك حول مستقبل غزة السياسي بمعزل عن التهجير بطبيعة الحال. وقد أوضحت حركة حماس أنها لن تقبل بالشرط السياسي الإسرائيلي المتمثل بالتباحث حول نزع سلاح قطاع غزة.
ويمكن في هذا السياق الإشارة إلى مجموعة من الخيارات المتعلقة بالمرحلة الثانية من المباحثات، من وجهة النظر الإسرائيلية.
الخيار الأول: إطالة أمد المرحلة الأولى من الاتفاق، بحيث تقترح إسرائيل استمرار عملية تبادل الأسرى مع حركة حماس مقابل استمرار وقف إطلاق النار. يندرج هذا الخيار مع طلب الرئيس الأميركي بتحرير جميع المحتجزين الإسرائيليين، والتصور العام الإسرائيلي-الأميركي الذي يعتبر أن الاتفاق هو "اتفاق تبادل" من أجل تحرير المحتجزين الإسرائيليين لدى الفصائل الفلسطينية. بالإضافة إلى ذلك، فإن هذا الخيار يمنح نتنياهو إمكانية الحفاظ على حكومته واستقرارها، لأن الانتقال للمرحلة الثانية قد يُهدد حكومته بالسقوط، بالذات بعد تراجع فكرة التهجير في الخطاب الأميركي.
الخيار الثاني: الانخراط في المرحلة الثانية من المباحثات، ويشمل التفاوض على الشروط السياسية الإسرائيلية، بحيث لا تتحول المرحلة الثانية إلى مرحلة تفاوض حول كيفية تبادل الأسرى والانسحاب من قطاع غزة، بل إلى التباحث حول مستقبل قطاع غزة السياسي، وبهذا توسع إسرائيل مساحة المناورة والخيارات السياسية والعسكرية لديها، وتضغط على الوسطاء وباقي الأطراف الإقليمية للقبول بالشروط الإسرائيلية لمنع استئناف الحرب على القطاع. بدون وضع شروط سياسية للمباحثات فإن الحكومة الإسرائيلية قد تفقد أغلبيتها البرلمانية بخروج حزب الصهيونية الدينية من الائتلاف الحكومي، وقد تفضي المباحثات لإنهاء الحرب، حسب مخرجات الاتفاق الأصلي، بدون تحقيق الأهداف السياسية من الحرب على غزة، وهو ما يعني سقوط الحكومة ونتنياهو معها بعد مدة قصيرة.
الخيار الثالث: استئناف الحرب: استغلت الحكومة الإسرائيلية الأحداث الأخيرة من أجل تعزيز فكرة الانتقام من الفلسطينيين، ومنها ما حدث لعائلة بيباس. أشار تقرير معهد الطب الشرعي إلى أن العائلة قُتلت في الأسر "بطريقة بشعة" ولم يكن ذلك بسبب القصف الإسرائيلي، وما حدث مع جثمان الأسيرة، شيري بيباس، والخطأ بإرسال جثة امرأة فلسطينية من غزة، وتفجير الحافلات الخمس في منطقة تل أبيب الكبرى، ومراسيم الإفراج عن الأسرى الفلسطينيين التي تثير غضب الحكومة والشارع الإسرائيلي، كل هذه الأحداث قد تدفع الحكومة لاستغلال هذا الشعور بالانتقام في المجتمع الإسرائيلي لاستئناف الحرب؛ إذ لم يشعر الإسرائيليون بمشاعر الانتقام في هذه المرحلة منذ السابع من أكتوبر(12).
تفضِّل الإدارة الأميركية تحقيق أهداف إسرائيل من الحرب من خلال مسار سياسي إقليمي أوسع من اتفاق وقف إطلاق النار في غزة. وهو ما تتحفظ عليه إسرائيل وتريد ضمانات فورية وسريعة بتحقيق ذلك، وذلك قبل نقاش الموقف الإسرائيلي من شكل وجوهر التصور السياسي المقترح عربيًّا لمستقبل قطاع غزة، والذي سيُشكل مرحلة أخرى من تعقيدات الأزمة الحالية في قطاع غزة.
على الرغم من أن المسار السياسي الواسع يفضي بالنهاية إلى إنهاء حكم حماس ضمن توافق عربي-فلسطيني وبموافقة أميركية، فإنه يعد مسارًا ضاغطًا على إسرائيل التي تريد تحقيق ذلك بنفسها من خلال مسار تكون هي مشاركة وفاعلة مؤثرة فيه. لذلك طرحت إسرائيل شروطها لمباحثات المرحلة الثانية من الاتفاق وخاصة نزع السلاح في قطاع غزة. فالمقترح العربي الذي يمنع التهجير يضع حكومة نتنياهو في معضلة، فهو ينطلق من حكم فلسطيني مهني، يكون مستقلًّا عن السلطة الفلسطينية وبدون مشاركة حماس، لكنه يفضي بالنهاية وعلى المدى البعيد إلى عودة السلطة الفلسطينية كمرجعية لهذا الحكم. وهو ما لا تريده إسرائيل التي تؤكد أنها تريد حكمًا بدون حماس والسلطة الفلسطينية معًا.
- أمير طيبون وآخرون، إدارة بايدن تزيد من ضغطها على إسرائيل وحماس، والخوف من أن الانتقال بين المراحل سوف يُفشل الاتفاق، هآرتس، 4 يونيو/حزيران 2024، (تاريخ الدخول: 24 فبراير/شباط 2024)، https://shorturl.at/XkU92
- مهند مصطفى، تراجع ترامب عن خطاب التهجير، ما الذي حدث؟، الجزيرة نت، 23 فبراير/شباط 2025، (تاريخ الدخول: 25 فبراير/شباط 2024)، https://shorturl.at/em4ak
- المصدر السابق.
- بن صمواليس، ويتكوف: سأصل المنطقة الأربعاء، علينا إطالة المرحلة الأولى، ونتوقع بدء المرحلة الثانية، هآرتس، 23 فبراير/شباط 2025، (تاريخ الدخول: 25 فبراير/شباط 2024)، https://shorturl.at/MlO7X
- بار بيلغ، نتنياهو: لن نسمح لقوات النظام الجديد في سوريا بالدخول لمناطق جنوب دمشق، هآرتس، 23 فبراير/شباط 2025، (تاريخ الدخول: 25 فبراير/شباط 2024)، https://shorturl.at/sOgOt
- بن صمواليس، ويتكوف: سأصل المنطقة الأربعاء، علينا إطالة المرحلة الأولى، ونتوقع بدء المرحلة الثانية، مصدر سبق ذكره.
- شيلا فريد وسيفان أزولاي، الوزير المقرب لنتنياهو في ظهور نادر: لا يوجد وعد بإقامة دولة فلسطينية في المباحثات مع السعودية، موقع ynet، 22 يناير/كانون الثاني 2025، (تاريخ الدخول: 25 فبراير/شباط 2024)، https://www.ynet.co.il/news/article/rkaa74apjx
- يوسي ملمان، ديرمر، حامل توجه نتنياهو للمباحثات، هآرتس، 20 فبراير/شباط 2025، (تاريخ الدخول: 25 فبراير/شباط 2024)، ص: 11.
- رون بن يشاي، الجهاديون في غزة والسامرة يستقون من داعش، ممنوع أن تسكت إسرائيل، ولكن عليها التصرف بمسؤولية، موقع ynet، 21 فبراير/شباط 2025، (تاريخ الدخول: 25 فبراير/شباط 2024)، https://www.ynet.co.il/news/article/b1nktjrqye#autoplay
- سيريت أبيطن كوهن، استطلاع: أكثر من 70% من الجمهور يؤيدون إكمال صفقة المخطوفين، يسرائيل هيوم، 4 فبراير/شباط 2025، (تاريخ الدخول: 25 فبراير/شباط 2024)، https://www.israelhayom.co.il/news/politics/article/17293337
- المصدر السابق.
- عاموس هرئيل، أحداث الأيام الأخيرة قد تعطي نتنياهو تبريرًا لوقف الصفقة، هآرتس، 23 فبراير/شباط 2025، (تاريخ الدخول: 25 فبراير/شباط 2024)، https://shorturl.at/KixY8