مفاوضات طهران وواشنطن ماذا وراء الخلاف على كونها "مباشرة" أو "غير مباشرة"؟

10 April 2025
عباس عراقجي: مفاوضات عُمان ستكون اختبارا (الفرنسية)

يقول ترامب وإدارته: إن الولايات المتحدة تُجري مفاوضات مباشرة وتصر إيران على أنها غير مباشرة مما يجعل السؤال حاضرًا أمام إصرار الطرفين: ما الفرق الحقيقي بين أن تكون المفاوضات مباشرة أو غير مباشرة؟
في رسالته إلى إيران والتي نقلتها الإمارات وردَّت عليها طهران من خلال عُمان لوح ترامب بالعصا وقدم الجزرة، فقد عرض عليها طريقين (الحرب أو المفاوضات)، لكن إيران أدخلت خيارًا ثالثًا، فلا هي رفضت التفاوض ولا هي قبلت بالشكل التفاوضي الذي يريده ترامب. 
بحذر، قرأت إيران رسالة ترامب، ووصلت إلى نتيجة مفادها أن الرئيس الأميركي مؤمن بأن أي خيار تتخذه إيران سوف يلحق بها الضرر، فإن قبلت بالمفاوضات، فهي بذلك ترسخ مقولة: إنها خائفة، وإن نفوذها وعلاقاتها الإقليمية وعلاقتها مع محور المقاومة قد تراجعت. وإذا اختارت خيار الحرب (الضربة العسكرية) فذلك سيضاعف من حالة عدم الرضى داخل إيران وسيزيد من ضغط الرأي العام ضد الحكومة، ويقدم وصفة جيدة لحالة احتجاجية قد تمتد على مستوى إيران بسبب ما آلت إليه الأوضاع الاقتصادية بفعل العقوبات وسياسة الضغط الأقصى التي مارستها الولايات المتحدة على مدى سنوات ضد إيران.
ولذلك، فإن قضية المفاوضات غير المباشرة، لا تبدو قضية شكلية بالنسبة للإيرانيين كما أنها ليست كذلك بالنسبة للأميركيين، فإيران تسعى إلى الحفاظ على أدوات قوتها الناعمة والصلبة، وإرسال رسالة داخليًّا وخارجيًّا بأنها منفتحة على الحوار، وتقطع الطريق على إذكاء نار الاحتجاج في الداخل في مجتمع اختبر مآسي الحرب سابقًا. أما الطرف الأميركي فيميل إلى محادثات مباشرة لمنع إيران من كسب مزيد من الوقت ولأنه يرى أنها الطريق الأسلم لإنجاز اتفاق سريع يستجيب للشروط الأميركية.
قبل أيام من الإعلان عن محتوى الرد الإيراني اختار القائد العام للجيش الإيراني، محمد باقري، أن يخاطب العالم بلباس مدني ومن جانب معلم تاريخي (تخت جمشيد) برسالة فحواها أن إيران لا تريد حربًا. ولاحقًا، كشف رسميًّا عن النقاط التي تضمنها الرد الإيراني على رسالة ترامب مرتديًا زيه العسكري. أما الرد الإيراني والذي وضع نقاطه الأساسية آية الله خامنئي ونقله وزير الخارجية، عراقجي، ووصل الطرف الأميركي بواسطة عُمان فقد تضمن النقاط التالية:
-    إيران تسعى لإرساء الاستقرار في المنطقة، ولا تسعى لامتلاك سلاح نووي، بل توظف التقنية النووية تلبية لاحتياجات إيران من الطاقة السلمية.
-     لن تجري إيران مفاوضات مباشرة، ولكنها تقبل بالمفاوضات غير المباشرة وتُبقي الباب مفتوحًا لذلك.
-    -طهران لا تثق بواشنطن فهي التي نكثت بالعهود التي جاءت في المفاوضات السابقة.
-    الجمهورية الإسلامية الإيرانية لا تسعى للحرب، لكنها لن تقبل بالبلطجة والهيمنة، وستتصدى لهما.
-    سترد على أي استهداف لسيادة الجمهورية الإسلامية ومصالحها ردًّا قاسيًا لن يكون ممكنًا تجاوز تبعاته.

ما وراء تصريح ترامب

تحدث ترامب وكذلك مسؤولون أميركيون عن محادثات مباشرة تجري مع إيران وستتواصل السبت، الـ12 من أبريل/نيسان 2025، فيما كانت إيران وفي ردها الرسمي قد رفضت التفاوض المباشر وفتحت الباب أمام تفاوض غير مباشر يتم في عُمان. وسارع وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، إلى نفي أن تكون المحادثات قد بدأت بعد، وأعاد التأكيد على الموقف الإيراني الذي يقبل بمحادثات غير مباشرة وبدا حريصًا في تصريحاته على ترجيح الخيار الدبلوماسي بالنسبة لإيران.
ورغم النفي الإيراني لا يمكن تجاهل الإصرار الأميركي على وصف المحادثات بـ"المباشرة":
-    على افتراض أن حديث ترامب كان صحيحًا فهذا قد يعني أن فريقًا في إيران بدأ يتصرف بغير إرادة القائد الأعلى في إيران، اية الله علي خامنئي، والذي سبق ووصف التفاوض مع أميركا بأنه "غير عاقل، وغير حكيم، وغير شريف"، وإن صحَّ ذلك بأن فريقًا في إيران قد جلس سريًّا مع الطرف الأميركي فسيكون ذلك مقامرة سياسية لها تبعاتها داخل إيران. وسبق أن تحدثت تسريبات على لقاء جمع ايلون ماسك مع مسؤولين إيرانيين.   
-     قد لا تكون المحادثات وقعت، وهذه ليست المرة الأولى التي يتحدث فيها ترامب عن أمور تفتقد إلى المصداقية، مما يوجب البحث عن الأغراض من وراء ذلك، وقد يكون من بينها ممارسة مزيد من الضغط على إيران ودعم تيار داخل إيران (يتكون من سياسيين وإعلاميين وكتَّاب) ينادي بضرورة التفاوض المباشر ويعبر عن ذلك بصورة علنية، حتى بعد الرد الرسمي الذي نقلته عُمان ووضعت خطوطه العريضة القيادة العليا في إيران. وهنا يحضر ما نشرته صحيفة شرق عن اجتماع سري رجح التفاوض المباشر، ثم عادت واعتذرت عنه وقدمت اعتذارًا لمكتب خامنئي وأعلنت التوقف عن الصدور لأيام. ونشرت وكالة الأنباء الرسمية "إيرنا" اعتذار الصحيفة المحسوبة على التيار الإصلاحي عن نشرها تقريرًا حمل عنوان: "دبلوماسية ظريف .. السكوت الذي سمع صوته" أرجعته إلى بعض المصادر دون أن تذكرها تحدَّث حول اجتماع سري جمع بين رئيس مجلس الشورى، محمد باقر قاليباف، ورئيس لجنة التخطيط والميزانية، حميد رضا حاجي بابايي، مع آية الله خامنئي، تضمن دعم فكرة المفاوضات المباشرة مع واشنطن. وتحدث التقرير عن دور لظريف في المفاوضات.
-    هناك ما يثير الاهتمام في الداخل الإيراني؛ فالرئيس الإيراني، مسعود پزشكيان، ورغم تصريحاته بأنه سيمتثل لقرارات القيادة العليا، فهو يميل للتفاوض المباشر، وبالرغم من عباراته المبجِّلة لخامنئي والتي لا يتوقف عن التصريح بها، إلا أنه يتحرك في اتجاه لا يرضخ للشرط الذي سبق ووضعه خامنئي لدعم حكومته وهو إكمال المسار الذي بدأته حكومة الراحل، رئيسي. ولذلك مؤشرات عدة أهمها أن پزشكيان عارض في مجلس الأمن القومي تنفيذ (الوعد الصادق 3) وهو الرد على الهجوم الإسرائيلي الأخير الذي استهدف إيران، وذلك وفق ما أكده وزير الثقافة في حكومة روحاني، علي جنتي، الذي قال: إن بزشكيان كان المعارض الوحيد لذلك في مجلس الأمن القومي. ولم يكن راضيًا عن تنفيذ الهجوم الذي سبقه (الوعد الصادق 2) رغم الفيديو الذي بثه الحرس وبدا فيه قائده، حسين سلامي، يبلغ الرئيس بنجاح الضربة لإعطاء صورة بأن الرئيس يباركها.
-     يحاول تيار الرئيس الإيراني إيجاد معادلة جديدة في إيران وصناعة رأي عام ضاغط مستفيدًا من ضغط الحالة الاقتصادية والتطورات الذي شهدها الإقليم، وكان لوزير الخارجية السابق ومستشار الرئيس، جواد ظريف، دور مهم في رسم ملامح هذا التوجه قبل أن يُجبَر على الاستقالة بفعل ضغوط داخلية، ولا يمكن قراءة تقديم قائد الجيش الإيراني باقري (وليس الحرس الثوري) ليعلن عن محتوى الرد الإيراني على رسالة ترامب بعيدًا عن هذا التوجه.

خلاصة 

تريد واشنطن تفاوضًا مباشرًا مع إيران يجبرها على توقيع اتفاق سريع يتسق مع ما يصفه ترامب بـ"الاتفاق الجيد"، وتسعى إيران إلى التصرف بحذر لتنزع فتيل التهديد الذي بات يطوقها، لكن لن تقبل بـ"تفاوض مذل"، وإصرارها على التفاوض غير المباشر يأتي في إطار ما تسميه بالتصدي لـ"البلطجة السياسية". 
لن يكون مسار التفاوض سهلًا، لكن إنجاز اتفاق جديد ليس بالأمر المستحيل، وسيكون اتفاقًا جزئيًّا، فالصفقة الشاملة مع طهران أمر غير متاح ضمن التركيبة القائمة لكل طرف، فضلًا عن حالة العداء البنيوية، وقد سبق لعراقجي أن تحدث عن ذلك بالقول: إن "حل جميع المشكلات مع واشنطن أمر غير وارد في ظل الخلافات الجذرية مع الولايات المتحدة الأميركية لكن الفرصة قائمة لإدارة هذه الخلافات". وقد تقود هذه الخلافات إلى صفقة جزئية، وإن كان من المبكر الحديث عما تتضمنه إلا أنها لن تتضمن إدخال ملفات مهمة، وفي مقدمتها البرنامج الصاروخي، في عملية التفاوض وهو ما تريده واشنطن، فلا خامئني ولا الحرس الثوري سيقبلان بوضع هذا الملف على طاولة التفاوض، ووضعه من قِبل الحكومة الإيرانية يعني الإطاحة بها، كما أن "الحل الليبي" الذي يتمناه نتنياهو لن يكون من الممكن القبول به في طهران. 

 

ABOUT THE AUTHOR