من الموصل إلى بونتلاند: الحرب على تنظيم الدولة.. الأجندات والأبعاد والسيناريوهات

يتناول التقرير خلفيات نشأة تنظيم الدولة بالصومال وأسباب صعوده إلى جانب استشراف الدوافع والأسباب الكامنة وراء الحملة التي تخوضها بونتلاند ضد هذا التنظيم، بالإضافة إلى رصد الجهود الدولية في المساهمة في القضاء على داعش وتحديد السيناريوهات المستقبلية لتفكيك مصير تنظيم الدولة في شمال شرق الصومال.
تأسس تنظيم الدولة (فرع الصومال) بيد القيادي المنشق عن حركة الشباب الموالية للقاعدة، عبد القادر مؤمن في أكتوبر 2015. (الجزيرة).

مقدمة

أثار هجوم تنظيم الدولة (داعش) على قاعدة عسكرية للقوات المحلية في ولاية بونتلاند الفيدرالية، في 31 ديسمبر/كانون الأول الماضي، والذي وُصف بـ"النوعي"؛ حيث نفَّذته مجموعة مقاتلين مؤلَّفة من 12 عنصرًا ينتمون إلى جنسيات عربية وإفريقية وآسيوية. أثار هذا الهجوم قلقًا محليًّا وإقليميًّا حول قدرة التنظيم على المواجهة والصمود والانتشار في منطقة معزولة جغرافيًّا في إقليم بري (أكبر إقليم مساحة في الصومال)، وعُدَّ أعنف هجوم للتنظيم ما أدى إلى مقتل نحو 20 من القوات المحلية وتدمير جزئي للقاعدة العسكرية في منطقة طرجالي في مديرية إسكوشوبان التي انطلقت منها العمليات القتالية ضد تنظيم الدولة بعد عقد من ولادته(1).

كما أعاد هذا الهجوم المخاوف المحتملة من تنامي نفوذ تنظيم الدولة، والسيطرة على المناطق الحيوية في بونتلاند، تمهيدًا للوصول إلى منافذ بحرية في هذا الإقليم؛ ما يمكن أن يهدد الملاحة الدولية، ويترك تداعيات جيوسياسية إقليمية في حال تعاظم نفوذه، وتوسع نشاطه ونفوذه العسكري والميداني إلى بقية المناطق في بونتلاند وصومالي لاند وإثيوبيا.

ويتناول التقرير التالي، خلفيات نشأة تنظيم الدولة وأسباب صعوده الميداني منذ عام 2015، إلى جانب استشراف الدوافع والأسباب الكامنة وراء الحملة التي تخوضها بونتلاند ضد هذا التنظيم، هذا بالإضافة إلى رصد الجهود الدولية سيما الأميركية في المساهمة في جهود القضاء على داعش والأجندات الأميركية، وتحديد السيناريوهات المستقبلية لتفكيك مصير تنظيم الدولة في شمال شرق الصومال.

تنظيم الدولة في الصومال: النشأة والصعود المفاجئ

تأسس تنظيم الدولة (فرع الصومال) بيد القيادي المنشق عن حركة الشباب الموالية للقاعدة، عبد القادر مؤمن(2)، في أكتوبر/تشرين الأول 2015، معلنًا ولاءه لتنظيم الدولة الإسلامية، مع نفر من مقاتلي الحركة لا يزيد عددهم عن 30 مسلحًا، في خطوة حملت نواة تشكُّل تنظيم جهادي مسلَّح جديد في الصومال. وكان هذا الإعلان أول خطوة من نوعها، منذ تردَّد في الأوساط الإعلامية، في بداية العام 2016، اعتزام الحركة إعلان بيعتها لتنظيم داعش، على غرار ما قامت به "بوكو حرام" النيجيرية، إلا أن القيادة العليا للحركة كما يبدو، بقيت مصمِّمةً على بقائها في عباءة تنظيم القاعدة، الذي أعلنت الولاء له عام 2012(3).

ولقد ساعدت عدة عوامل في إيجاد هذا التنظيم موطئ قدم في مناطق بونتلاند، وهي:

  • الجغرافيا "الصعبة": اختار زعيم تنظيم الدولة، عبد القادر مؤمن، إقليم بري في ولاية بونتلاند نواة ومقرًّا لتأسيس الولاية. في 26 أكتوبر/تشرين الأول 2016، استولى التنظيم لمدة وجيزة على بلدة "قندلة" (Qandala) الساحلية، على بُعد نحو 75 كيلومترًا شرق مدينة بوصاصو (العاصمة التجارية لولاية بونتلاند)، معلنًا إياها مقرًّا لفرع تنظيم الدولة في الصومال، قبل أن يُطرَد منها على يد القوات الإقليمية في الولاية، في ديسمبر/ كانون الأول من نفس العام. وانتقل التنظيم بعدها إلى جبال عليمسكاد وهي سلسلة جبال تمتد لنحو أربعين كيلومترًا، وهو تموضع جغرافي من الصعب اختراقه بريًّا ويطل على البحر الأحمر، مكَّن التنظيم من التأسيس من خلال بناء مراكز تدريب عسكرية ومقار إدارية لاستقطاب المقاتلين الأجانب(4).
  • ديناميات المكون العشائري: في الصومال تلعب القبيلة دورًا فاعلًا في خلط الأوراق، فالنظام السياسي للولايات الفيدرالية المعمول بالمحاصصة العشائرية أو ضمن لوائح قبلية بُنيت على منطق القوة والغلبة أفرز نموذجًا لأنظمة عشائرية همَّشت دور بعض القبائل؛ ما يدفع تلك القبائل للانقضاض على هذا النظام أو لإضعافه في حال وجدت فرصة مواتية. ذلك هو أحد أسباب تمظهر تنظيم الدولة في ولاية بونتلاند الفيدرالية؛ حيث ينتمي زعيم التنظيم، عبد القادر مؤمن، إلى عشيرة علي سليبان المتمركزة في إقليم بري، إلى جانب بقية عشائر أخرى (دشيشي) والتي تشعر بالاسيتاء وعدم الرضا من الأساس العشائري الذي يعد الهيكل الصلب لولاية بونتلاند؛ ما أعطى التنظيم ساحة للاختباء والمناورة ومن ثم الانتشار والصعود الميداني(5).
  • الخلافات بين بونتلاند والحكومة الفيدرالية: يعد هذا العامل من أبرز عوامل انتشار وصعود تنظيم الدولة، مستغلًّا غياب التنسيق بين الأجهزة الأمنية الصومالية وولاية بونتلاند، نتيجة الخلافات المتكررة حول تقاسم السلطة والنفوذ؛ ما يمكن أن يشل قدرات الولاية ويضعف جهود العمليات العسكرية التي تخوضها للقضاء على هذا التنظيم مستقبلًا.

ويمكن ملاحظة صعود تنظيم الدولة في الصومال من خلال المحاور التالية:

  • الصعود العسكري: في البداية، كان عدد أعضاء تنظيم الدولة في الصومال الذين شكَّلوا النواة الأساسية له لا يتجاوز 30 مقاتلًا. وبحلول عام 2016، ارتفع هذا العدد إلى ما بين 100 و200 مقاتل. واستمر هذا العدد في التذبذب حتى عام 2019، حيث تراوح بين 100 و300 مقاتل. وفي عام 2024، قفز العدد إلى نحو 700 مقاتل، وتقدر مراكز الأبحاث الأمنية المحلية أن مسلحي التنظيم يتراوح عددهم مابين 800 إلى 1500 مقاتل(6).

الرسم البياني من إعداد وجمع الباحث
يوضح الرسم البياني التالي تنامي عدد مقاتلي تنظيم الدولة من 2015 إلى 2024. 

 الرسم البياني من إعداد وجمع الباحث

  • إيرادات مالية ضخمة: كان التنظيم في الصومال يكافح من أجل إيجاد مصادر تمويل محلية، وتمكَّن من فرض الإتاوات وجمع الضرائب من التجار في عموم الصومال، تحت تهديد السلاح، ونفذ هجمات بالقنابل وبأسلحة نارية ضد رافضي دفع الأتاوات؛ ما بثَّ الرعب في أوساط التجار في ولاية بونتلاند؛ الأمر الذي أدى إلى نمو إيرادات "داعش" الصومالي من حوالي 70 ألف دولار شهريًّا في عام 2018، إلى 2.5 مليون دولار عام 2021، وأكثر من مليونَي دولار في النصف الأول من عام 2022. وبحسب تقرير صادر من فريق المراقبة الأممي، في فبراير/شباط 2023، كان مكتب الكرار للتنسيق الإقليمي لتنظيم الدولة في إفريقيا، الذي يتخذ الصومال مقرًّا له، يُرسل أموالًا إلى "ولاية خراسان" الإسلامية في أفغانستان، بقيمة 25 ألف دولار شهريًّا بالعملة المشفَّرة(7).

 

  • من المحلية إلى الجهادية العالمية: ووفقًا لمصادر أمنية، فإن فرع تنظيم الدولة في الصومال أصبح يستقطب المقاتلين والقياديين الكبار في التنظيم، من بينهم أمير التنظيم، أبو حفص القرشي. وأفادت مصادر أمنية أن زعيم التنظيم المحلي، عبد القادر مؤمن، يرجَّح أن يكون هو الأمير المحتمل للتنظيم، ومن الممكن أن يشكِّل تنظيم الدولة تهديدًا في المستقبل يمتد الى خارج الصومال ليشمل معظم منطقة شرق إفريقيا، رغم أنه اختار مسارًا مختلفًا عما حدث للتنظيم في كل من سوريا والعراق؛ حيث ينتظر بصبر في وقت يجمع فيه الإيرادات ويبني قوته العسكرية، حسب تقرير لمجموعات الأزمات الدولية(8).

الحرب على تنظيم الدولة في الصومال: الدوافع المحلية والحسابات الإقليمية

أولًا: تأثير الضربات العسكرية المحلية على تنظيم الدولة

دشنت ولاية بونتلاند المحلية بمفردها حملة عسكرية واسعة النطاق هي الأولى من نوعها منذ عشر سنوات لاجتثاث جذور تنظيم الدولة في إقليم بري، وهي الحملة التي سُميت بـ"حملة البرق" ولقيت ترحيبًا كبيرًا واصطفافًا جماهيريًّا من أجل كبح جماح هذا التنظيم، وتستمر الحملة العسكرية ضد التنظيم في شهرها الرابع على التوالي، وحققت تقدمًا كبيرًا بتحرير عشرات البلدات من قبضة التنظيم، من بينها مقار عسكرية وإدارية ومنازل تابعة لقيادات من التنظيم، إلى جانب تحييد أكثر من 60 مقاتلًا من تنظيم الدولة معظمهم ينتمون لجنسيات إفريقية وآسيوية؛ ما يعكس أن الأجانب يشكلون الأكثرية في التنظيم في مقابل أعداد قليلة من السكان المحليين، ويفسر هذا أيضًا أن عامل التجنيد القسري أو الطوعي لم يكن مقنعًا أو ممكنًا محليًّا ولم يؤدِّ دوره كما كان ينبغي في تجنيد عدد كبير من السكان وخاصة من عشيرة زعيم التنظيم والقيادات المحلية الأخرى(9).

وأطلق رئيس ولاية بونتلاند، أواخر فبراير/شباط 2025، المرحلة الثالثة لاستمرار العمليات العسكرية ضد تنظيم الدولة الذي فقد الكثير من مسلحيه وخسر أيضًا مناطق شاسعة، والتي تفوق نحو أكثر من 60 موقعًا في سلسلة جبال عليمسكاد، وأعلن الجنرال يوسف يولح في تصريح لوسائل الإعلام المحلية عن مواجهة مسلحين من 32 دولة حول العالم ينتمون لتنظيم الدولة، وأن القوات المحلية تحقق انتصارات كبيرة، بعد القضاء على نحو 300 مقاتل من جنسيات مختلفة من بينها المغرب وسوريا والسعودية وإثيوبيا والسودان ومالي، دون وجود مقاتلين صوماليين للتنظيم سقطوا في المواجهات الأخيرة، كما أن القوات المحلية تقترب شيئًا فشيئًا نحو المعقل الرئيس للتنظيم للقضاء عليه تمامًا(10).

وتكمن عدة أسباب وراء الحملة الأمنية التي تشنها ولاية بونتلاند منفردة ضد تنظيم الدولة، وتتمحور في الآتي:

  1. احتواء خطر تنظيم الدولة في بونتلاند: بعد أن تنامى نفوذه وأصبح نواة التنظيم الأم في الساحل والصحراء، ونقطة عبور المهاجرين إلى وسط إفريقيا، كونها مطلة على منافذ بحرية لا تتوافر فيها مراقبة أمنية. كما أن تقرير مجموعة الأزمات الدولية سلَّط الضوء على خطر تصاعد "داعش" في بونتلاند؛ ما دفع القيادات المحلية إلى التفكير جديًّا لمواجهة التنظيم، والحد من نفوذه الآخذ في الاتساع طولًا وعرضًا(11).
  2. مخاوف تهديد الملاحة الدولية في البحر الأحمر: إذ كان التنظيم يسيطر على مناطق حيوية يمكن من خلالها أن يهدد الملاحة الإقليمية والدولية لقربها من الممرات الإستراتيجية، وكونها متاخمة لليمن مع إمكانية تحالفه مع الحوثيين. هذا إلى جانب أنهم يسيطرون على مناطق غنية بالذهب والمعادن الثمينة، وفعلًا قد بدؤوا بالمتاجرة، واستطاعوا التنقيب عن الذهب وإرساله الى الأسواق العالمية(12).
  3. توحيد الجبهة الداخلية في بونتلاند لمكافحة التنظيمات الإرهابية: وهي سياسة يبني عليها الرئيس الحالي لولاية بونتلاند، سعيد عبد الله دني، آمالًا كبيرة لرفع مكانته الشعبية في أوساط المجتمع، وتحويلُ الأنظار من الصراعات السياسية الداخلية إلى مكافحة داعش الصومالي، أمر من شأنه أن يكتسب تأييد القاعدة الشعبية في بونتلاند، واستقطاب العشائر في المنطقة، للاصطفاف وراءه في القضايا السياسية والأمنية.

من جانبها، رأت الحكومة الفيدرالية حملة ولاية بونتلاند لمكافحة التنظيم خطوة تعزز جهود القضاء على التنظيمات الإرهابية، ولقيت هذه الخطوة تشجيعًا وتأييدًا من حكومة مقديشو، برغم الخلافات السياسية بين الجانبين، وفي هذا الصدد شدَّد الرئيس الصومالي، حسن شيخ محمود، في كلمة له أمام البرلمان الفيدرالي، على أهمية دعم جهود الولاية من خلال تشكيل لجنة دعم في حربها ضد هذا التنظيم، مشيرًا إلى أن حكومته ستقف إلى جانب ولاية بونتلاند لمواجهة "داعش" الذي يحاول تهديد أمن وسلامة الممرات العالمية الواقعة قبالة سواحل الصومال. وحثَّ سكان بونتلاند على التكاتف معًا، قائلًا: إن دعم القوات المحلية واجب، من خلال الوحدة ولم الشمل لجميع فئات وشرائح المجتمع في الداخل والخارج للقضاء على هذا التنظيم(13).

ثانيًا: الأجندات الأميركية وتأثير الضربات الجوية على تنظيم الدولة

دوليًّا، تشن القيادة الأميركية في إفريقيا (أفريكوم) سلسلة غارات عنيفة ضد التنظيم منذ فبراير/شباط الماضي، وذلك بتوجيه من الرئيس الأميركي، دونالد ترامب(14)، وذلك بهدف إضعاف قدرات التنظيم ودعم جهود العمليات الأمنية للقوات المحلية، وثمة دوافع أميركية لمنع تصاعد خطر تنظيم الدولة في منطقة ذات أهمية إستراتيجية في المياه الإقليمية للصومال. ويمكن حصر تلك الدوافع في الآتي:

  • تقليم أظافر تنظيم الدولة: من خلال استباق مخاطر نشوء تنظيم أيديولوجي متطرف شمال شرق الصومال يكون نسخة مكررة من جماعة الحوثي في اليمن، وما يعزز هذه الفرضية احتمال وجود تقارب في المصالح بين داعش الصومال ونظيرتها في اليمن والتحالف مع ميليشيا الحوثي قد يكون محتملًا وليس مؤكدًا في ظل تصاعد الصراع ومحاولات القوى الدولية تجفيف مصادر التمويل، وأجنحة التنظيم، ليشكِّلا مخاوف أمنية حقيقية تهدد المصالح الغربية والأميركية في المنطقة، على الرغم من الضربات الأميركية ضد تنظيم الدولة والحوثيين في الفترة الأخيرة(15).
  • تعزيز الإستراتيجية الأميركية في المنطقة: وهو ما يفسر عودة الضربات الأميركية بشكل عنيف إلى مناطق في الصومال، خاصة تلك التي تستهدف تنظيم داعش. ففي السابق كان الاستهداف محصورًا بقيادات التنظيم، ولم تكن عشوائية، لكن الضربات الأخيرة ضد التنظيم وضعت تنظيم الدولة في مأزق حقيقي، وعطلت تحركاته وتنقلاته أثناء العمليات الأمنية التي تخوضها القوات المحلية في بونتلاند، ففي غضون شهرين نفذت الولايات المتحدة سبع غارات جوية عنيفة بمعدل غارة أسبوعيًّا تقريبًا؛ ما يعكس حجم الاهتمام الأميركي لحماية مصالحها في المنطقة، خاصة قواعدها المنتشرة في الصومال وجيبوتي وكينيا.
  • مواجهة النفوذ الصيني والروسي: لا شك أن منطقة القرن الإفريقي واحدة من أهم المواقع الإستراتيجية جاذبية للاهتمام الدولي في القارة من القوة السائدة والصاعدة؛ ما يضع واشنطن في حلبة صراع وعرة أمام الصين وروسيا وإيران للحفاظ على وجودها وحماية نفوذها في المنطقة، لكن تراجع الدعم الأميركي لدول المنطقة والذي كان يتم عبر الوكالة الأميركية للتنمية USAID (16) يمكن أن يعطي ضوءًا أخضر للتنين الصيني لسد هذه الثغرة وتوفير الدعم لهذه الدول، كما أن عرض الصومال للولايات المتحدة لمنحها قاعدتين (قاعدة بلدوجلي الجوية وقاعدة بربرة) وميناءين حيويين (ميناء بوصاصو وميناء بربرة)(17) قد يغري واشنطن بلا شك ويدفعها للحفاظ على مصالحها والتنسيق أكثر مع الحكومة الصومالية، لمواجهة الحركات الانفصالية والأخطار الأمنية المتنامية وتكثيف هجماتها ضد تنظيم الدولة وحركة الشباب الموالية لتنظيم القاعدة.

الرابحون والخاسرون في الحرب المعلنة على تنظيم الدولة

لا شك أن العملية الأمنية التي جاءت بمبادرة جريئة من رئيس ولاية بونتلاند، سعيد عبد الله دني، أتت بنتائج إيجابية، وأثبتت دور القوات المحلية في مكافحة التنظيمات المسلحة ذات النزعة المتطرفة؛ حيث لا تزال تلك القوات تتقدم شيئًا فشيئًا نحو وضع نهاية محتومة للتنظيم ميدانيًّا، ووسَّعت من دائرة استهدافها والأحراش التي ينتشر فيها التنظيم بشكل يومي، ما دفع تنظيم الدولة الإسلامية إلى التراجع، وأضحى بين سندان الضربات الجوية الأميركية ومطرقة القوات المحلية في بونتلاند؛ ما يعطي الأفضلية حاليًّا للتنظيم الذي يبدو أنه لم يُجْرِ سابقًا معارك حقيقية على أرض الواقع منذ نشأته عام 2015 نظرًا للتقهقر العسكري والميداني الذي يعاني منه حاليًّا.

في ميزان الربح والخسارة، هناك قوى ضالعة ومتنفذة فيما يخص بالعمليات الأمنية ضد التنظيم وأخرى متربصة لتضمن مشاركتها في نهاية المطاف، للمشاركة في الإعلان الأخير للقضاء على التنظيم، ويمكن تفصيلها كالآتي:

أولًا: الرابحون

  • ولاية بونتلاند (سياسيًّا وأمنيًّا): تُعد بونتلاند ورئيسها، سعيد عبد الله دني، الرابح الأول في تفكيك خلايا تنظيم الدولة في الصومال، سواء تمت بنجاح جهود إضعافه عسكريًّا وميدانيًّا، لأن ذلك يعود بالنفع لسكان بونتلاند خاصة مدينة بوصاصو (العاصمة التجارية لـ"بونتلاند")، حيث كان تجارها يدفعون إتاوات مالية ضخمة للتنظيم خشية الابتزاز والاغتيالات التي استهدفت العشرات من التجار على يد أتباع التنظيم، كما أن نهاية هذا التنظيم على يد رئيس الولاية تمكِّنه من توظيف هذا النصر سياسيًّا لاحقًا في الترشح للانتخابات الرئاسية، عام 2026، أو تعزيز رصيده المحلي ومكاسبه السياسية داخل الولاية، ويمكن أن يوحد الجبهة الداخلية في بونتلاند في صراعه السياسي المرير مع حكومة مقديشو.  
  • الحكومة الفيدرالية: على الجانب الآخر، تقف الحكومة الفيدرالية موقف المتفرج على العمليات التي تخوضها ولاية بونتلاند، لكنها عبَّرت عن تأييدها لهذه العملية ورحَّب بها الرئيس الصومالي، حسن شيخ محمود، باعتبارها خطوة أساسية لمكافحة التنظيمات المسلحة خارج إطار القانون التي تمثل تهديدًا للجمهورية الصومالية الثالثة، إيمانًا منه بأن الصراع السياسي مع الولاية يمكن تجاوزه لكن معضلة الأمن والتهديدات التي تشكلها التنظيمات المسلحة هي الخطر الرئيس المهدِّد لبناء الدولة ولابد من مواجهته سواء بالتنسيق مع الحكومة الفيدرالية أو من دونها، ولهذا فإن القضاء على التنظيم يعد مكسبًا كبيرًا بالنسبة للحكومة الصومالية، ويعطيها خيارات أكثر وفرصة كبيرة للتفرد في مواجهة حركة الشباب النشطة في الجنوب ووسط البلاد. ويمكن الإشارة هنا إلى أن سلطات بونتلاند رفضت مشاركة مقديشو في العمليات الأمنية الجارية نتيجة خلافها السياسي مع الحكومة الفيدرالية، وآثرت مجابهة التنظيم لوحدها.
  • حركة الشباب المسلحة: في السياق أيضًا، فإن حركة الشباب التي تحافظ على وجودها في بعض المناطق في ولاية بونتلاند خاصة في جبال علي مدو بإقليم بري شمال شرق الصومال ترى فرصة ثمينة للانتشار إذا تم القضاء على غريمها الأساسي والأيديولوجي الأخطر بالنسبة لها؛ إذ كان التنظيم يشكل خطرًا كبيرًا على وجودها، نظرًا لأنه يستمد قوته من القوى العشائرية المحلية في بونتلاند، وحقق التنظيم في جولات المعارك التي خاضها ضد حركة الشباب نصرًا عسكريًّا وتمكن من طردها من مناطق عدة في سلسلة جبال عليمسكاد، ولهذا فإن خروج التنظيم من هذه المناطق الإستراتيجية يعطي فرصة للتمدد والانتشار لحركة الشباب في بونتلاند(18).

ثانيًا: الخاسرون

  • تنظيم الدولة في الصومال: يخشى التنظيم راهنًا من أن يتكرر سيناريو هزيمته في الموصل عام 2017 مرة أخرى في بونتلاند؛ وذلك بعد أن فقد جُل معاقله ومواقعه الرئيسة في سلسلة جبال عليمسكاد وشيوع أنباء عن هروب الكثير من عناصره إلى الخارج، لأن معظم أفراده من المقاتلين ينتمون إلى جنسيات آسيوية وإفريقية أخرى؛ ما يعيق فرضية التعافي سريعًا ومحاكاة نموذج "القاعدة" في التكيف مع البيئة ومعاودة نشاطها الهجومي على غرار حركة الشباب في الجنوب. ولهذا فإن خسارة التنظيم لهذه المواقع الإستراتيجية تهدد وجوده وانتشاره في غرب ووسط إفريقيا، باعتبار أن شمال شرق الصومال كانت بوابة التنظيم لقلب إفريقيا؛ ما يشل وجوده إفريقيًّا لاحقًا(19).
  • عصابات تهريب الأسلحة والبشر: لا شك أن ارتباطات التنظيم مع عصابات التهريب (الأسلحة والمهاجرين) كانت نقطة ارتكاز بالنسبة لانتشاره في شمال شرق الصومال، ولهذا فإن ضرب التنظيم من الداخل يصدِّع جداره الخلفي ويكشف مزيدًا من التفاصيل والغموض حول الجهات المتعاونة معه والتي تمده بالقوة، علمًا بأن المياه الصومالية أضحت بيئة جاذبة للقراصنة من جهة وعصابات التهريب من جهة أخرى منذ العداون الإسرائيلي على غزة أواخر عام 2023(20).
  • قوى إقليمية متنفذة: تزداد الشكوك المحلية حول وجود دول إقليمية وجماعات مسلحة لها تأثير مباشر في تغذية الإرهاب والتطرف في الصومال منذ عام 2000، شكوك بدت جلية بعد كشف جوازات سفر أجنبية للمقاتلين الأجانب بعضها حديث يحمل بيانات دول عربية وإفريقية، فخسارة التنظيم يمكن أن تشكل ضربة عسكرية لتلك القوى النافذة والتي تمثل الحديقة الخلفية لهذا التنظيم، ولم تتجرأ السلطات الصومالية والولائية أيضًا في بونتلاند على كشف تلك الدول وهذه الجماعات، وهو ما يزيد الشكوك حول دور تلك القوى الضالعة في تقويض جهود انتشال الصومال من النفق المظلم منذ عقود.

مآلات ومستقبل تنظيم الدولة في الصومال

تحدد ثلاثة سيناريوهات مستقبل تنظيم الدولة في الصومال بعد نحو عقد من الزمن اشتد فيه عوده ونفوذه العسكري والميداني واستطاع أن يشكِّل مقطورة التنظيم في إفريقيا، ويمكن تحديد تلك السيناريوهات في الآتي:

  • السيناريو الأول: استمرار العمليات العسكرية ضد تنظيم الدولة. يعد هذا السيناريو هو المتوقع، نظرًا للعمليات الأمنية المستمرة، ويمكن ألا تتوقف هذه المعركة ضد التنظيم، وتأخذ بعض الوقت، نظرًا لقلة الدعم العسكري واللوجستي للقوات المحلية في بونتلاند، واحتمال أن تنشأ مخاوف محتملة من أن التنظيم يمارس لعبة الاستنزاف البشري واللوجستي لإدارة بونتلاند، ليعاود نشاطه بشكل عنيف ويفاجئ القوات المحلية بمواجهات شرسة كما حصل في بداية المعارك في شهر يناير/كانون الثاني الماضي. ومما لا شك فيه أن استمرار المعارك ضد التنظيم يشهد فترات خفوت وصعود، نظرًا لطبيعة المعارك ومحددات الجغرافيا الصعبة التي تدور فيها الاشتباكات في جبال عليمسكاد شمال شرق البلاد.
  • السيناريو الثاني: إضعاف تنظيم الدولة، ويعد هذا السيناريو هو الأرجح إذا استطاعت القوات المحلية تضيق الخناق أكثر وعدم تسييس العمليات الأمنية ضد هذا التنظيم، وهذا ما يميز العملية الأمنية الراهنة ضد هذا التنظيم، وسر تفوق القوات المحلية، لكن إذا توقفت العمليات يمكن أن يؤدي هذا إلى إضعاف التنظيم فقط دون نهاية محتومة له في نهاية المطاف.
  • السيناريو الثالث: القضاء على تنظيم الدولة؛ إذ تأمل السلطات المحلية مكافحة التنظيم حتى القضاء عليه، وعدم وقف حملتها الأمنية حتى تحقيق هذا النصر الكامل، لكن يعتبر هذا السيناريو الأقل احتمالًا في المرحلة القادمة من العمليات التي دخلت شهرها الرابع على التوالي، دون أن تتمكن القوات المحلية من القضاء عليه نهائيًّا، وهذا ما سيحيل المعارك إلى سيناريو استمرار الوضع على ما هو عليه عندما يبلغ اليأس مداه أخيرًا وتُستنزف مقدرات الولاية البشرية والمالية.

ABOUT THE AUTHOR

References

1)- Scores dead as Islamic State attacks military base in Somalia, VOAsomali, February 11, 2025, (Accessed: March 20, 2025), http://bit.ly/4jlcKxa

2) عبد القادر مؤمن: عاش في السويد خلال التسعينات وأوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، ثم انتقل بعد ذلك إلى المملكة المتحدة، وعندما عاد إلى الصومال، انضم إلى حركة الشباب وأصبح شخصية بارزة في مقاطع الفيديو الجهادية. انشق عن الحركة، عام 2015، بعد عاصفة انشقاقات شهدتها الحركة بعد رحيل زعيمها الروحي ومؤسسها الفعلي، أحمد عبدي جودني، في غارة جوية أميركية، أواخر عام 2014، بعدها أسس مؤمن مع مجموعة من المسلحين لا يتجاوز عددهم 30 فردًا فرع تنظيم الدولة في شمال شرق الصومال، وأعلنوا البيعة لأبي بكر البغدادي.

3)- The Islamic State in Somalia: Responding to an Evolving Threat, Crisis Group, 12 September 2024, (Accessed: Mrach 20, 2025), https://bit.ly/42xYwn3

4)- ISIS faction raises black flag over Somali port town, CBSNEWS, October 27, 2016, (Accessed: March 25, 2025), https://bit.ly/4lCf8BV

5)- Islamic State in Somalia: the terrorist group’s origins, theconversation, March 20, 2025, (Accessed: 28 March 2025), https://bit.ly/3RBJxlN

6) هل يعكس التواجد الداعشي في الصومال مزيدًا من القلق والتهديد الدولي، مركز شاف للدراسات المستقبلية، 29 سبتمبر/أيلول 2024، (تاريخ الدخول: 30 مارس/آذار 2025)، https://bit.ly/3XMxp53

7) نفس المرجع.

8)- Global Terrorism Index 2025 Report 2025, institute for economic and peace, (Accessed: 30 March 2025), http://bit.ly/43DfotJ

9)- Somali security forces kill more than 60 ISIS fighters, Anadoul, 11 February 2025, (Accessed: 30 March 2025), https://bit.ly/3DXX0RZ

10) الصومال.. القوات المحلية في بونتلاند تسيطر على مواقع جديدة لـ"داعش"، العربي الجديد، 2 مارس/آذار 2025 (تاريخ الدخول: 30 مارس/آذار 2025)، https://bit.ly/4lbo1BY

11) الشافعي أبتدون، الحرب على "داعش" في الصومال... الخلفيات والنتائج، العربي الجديد، قضايا، 3 فبراير/شباط 2025، (تاريخ الدخول: 30 مارس/آذار 2025)، https://bit.ly/4clrB8F

12) فهد ياسين، مدير المخابرات الصومالي السابق، أهمية الحرب على تنظيم الدولة في الصومال، منصة إكس، 8 فبراير/شباط 2025 (تاريخ الدخول: 2 أبريل/نيسان 2025)، https://bit.ly/4jjq991

13) راجع خطاب الرئيس الصومالي، حسن شيخ محمود، في افتتاح الدورة الجديدة للبرلمان الصومالي، http://bit.ly/4jscIE2

14)- U.S. Forces Strike ISIS-Somalia, AFRICOM, Feb 16, 2025, (Accessed: 2 April 2025), https://bit.ly/43DXNBT

15) "ترامب" والضربات الأميركية في الصومال.. لماذا الآن؟، المرصد المصري، 2 فبراير/شباط 2025 (تاريخ الدخول: 3 أبريل/نيسان 2025)، https://bit.ly/4jiA66x

16)- US aid freeze paralyzes NGOs working to help millions of internally displaced people in Somalia, AP, February 12, 2025, (Accessed: 3 April, 2025), https://bit.ly/3XS4Gf7

17)- Somalia offers US exclusive control of air bases, ports, REUTRES, March 28, 2025, (Accessed: 3April, 2025), https://bit.ly/3GeaXM0

18)- Al-Shabaab Versus the Islamic State in Somalia Province, JSTOR, March 2023, (Accessed: 3April, 2025), http://bit.ly/3GbsK6x

19) سمية شيخ محمود، بونتلاند: الحرب على الدولة الإسلامية والسيناريوهات المستقبلية، مركز الجزيرة للدراسات، 23 مارس/آذار 2025 (تاريخ الدخول: 8 أبريل/نيسان 2025)، https://bit.ly/4i6PP7I

20)- Puntland claims it uncovered ISIS treatment sites, business links in Somaliland, Hiiranonline, March 3, 2025, (Accessed: 8April, 2025), https://bit.ly/42eCVAd