التباعد المتزايد: الخليج يعمق الشرخ الأميركي الإسرائيلي

14 May 2025
ترامب وبن سلمان يوثقان حلف البلدين (غيتي)

عززت زيارة ترامب الخليجية سلوكًا أميركيًّا جديدًا ظهرت ملامحه مؤخرًا في توجهات ترامب وإدارته؛ وهو فصل الارتباط بين الحسابات الأميركية والحسابات الإسرائيلية. فلقد انحصرت زيارة ترامب بثلاث دول خليجية، وهي: السعودية وقطر والإمارات، ولم تشمل إسرائيل. وكذلك اكتفى ترامب بالصفقات الاقتصادية بين السعودية والولايات المتحدة، ولم يضع التطبيع بين السعودية وإسرائيل ضمن أجندته، وإن كان عبَّر عن رغبته في توسيع الاتفاق الإبراهيمي لكنه لم يضعه شرطًا للتعاون الأميركي-السعودي والخليجي، ووافق على رفع العقوبات الأميركية عن سوريا استجابة -كما قال- لطلب ولي العهد، الأمير محمد بن سلمان، رغم أن إسرائيل ترى القيادة السورية الجديدة عقبة أمام إقامة كيان درزي سوري يكون حزامًا يحجز بينها وبقية الإقليم السوري بقيادة الشرع.

كذلك في هذه الأثناء، أرسل ترامب مبعوثه للشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، إلى إسرائيل ليشارك في مسيرة لعائلات الأسرى احتجاجًا على سياسة بنيامين نتنياهو التي تعطي الأولوية لمواصلة القتال بدلًا من المفاوضات لإطلاق سراح من تبقى من الأسرى. علاوة على أن إدارة ترامب أعادت آدم بوهلر، المبعوث الأميركي لشؤون الرهائن، إلى منصبه، وقد خسر هذا المنصب من قبل -كما أوردت تقارير- بطلب إسرائيلي لأنه أدلى بتصريحات اعتبرتها إسرائيل إشادة بحماس في المفاوضات التي أجراها لإطلاق سراح الأسرى، وتعد عودته لنفس المنصب خسارة إسرائيلية، ومؤشرًا على تراجع نفوذها في إدارة ترامب.

يندرج في نفس النمط، نجاح المفاوضات الأميركية برعاية قطرية مع حماس من أجل إطلاق سراح الجندي الأميركي/الإسرائيلي، عيدان ألكسندر، دون تنسيق مع الحكومة الإسرائيلية، أو ربط هذه المفاوضات ببقية الموقوفين الإسرائيليين.

برزت مؤشرات هذا التوجه الأميركي في لقاء الرئيس ترامب مع نتنياهو في البيت الأبيض، لما أوردت التقارير، أن ترامب استدعى نتنياهو على عجل دون أن يكشف له عن سبب الاستدعاء، وأعلن ترامب خلال اللقاء الصحفي مع نتنياهو عن أمرين مهمين: فلقد ذكر أن سوريا ضمن النفوذ التركي، وأنه مستعد للتوسط لنتنياهو عند أردوغان لتسوية الخلاف بينهما، وهذا يتعارض مع رغبة نتنياهو في سعيه لتكون سوريا ضمن نفوذه والاستعانة بأميركا لتحجيم الدور التركي. ثانيًا: أعلن ترامب عن الشروع في مفاوضات مع إيران حول المشروع النووي، وهذا يتعارض مع مسعى نتنياهو لدفع الولايات المتحدة لضرب إيران عسكريًّا. 

أولوية الاقتصاد

هذا الفصل بين الحسابات الأميركية والحسابات الإسرائيلية هو الفارق بين عهدة ترامب الأولى والثانية. كان يضع إسرائيل في مركز رؤيته للشرق الأوسط في عهدته الأولى، وصمَّم مشروع الاتفاق الإبراهيمي على أساس الخوف الذي تشترك فيه إسرائيل والسعودية -كما قال- من إيران، ومصلحتهما في التعاون للتصدي للخطر الإيراني. لكن منظوره في عهدته الثانية يستند أساسًا إلى إنهاض الاقتصادي الأميركي بجلب الاستثمارات للشركات الأميركية، وإحياء القطاعات التي قضت عليها السوق المفتوحة. وتظهر معركته الرئيسية في هذا الشأن في الحرب التجارية التي يخوضها مع مختلف القوى الاقتصادية، وتقوم إستراتيجيته على فرض تعريفات جمركية على مختلف البضائع المنتجة في الخارج، ليحقق ثلاثة أهداف: أولًا: يجمع مبالغ مالية كبيرة، تقدر بنحو 100 إلى 200 مليار دولار خلال 2025، وتصل إلى 1.3 تريليون في 2034، يستثمرها في الصناعات الأميركية. ثانيًا: يرفع أسعار البضائع المستوردة لتكون أغلى من البضائع المماثلة المنتجة في أميركا. ثالثًا: إرغام الشركات الموجودة خارج أميركا على الاستثمار في الولايات المتحدة كي تتفادى التعريفات الجمركية. لكن تعاني هذه الإستراتيجية من نواقص عديدة، فهي ليست مؤكدة لأن الذي يدفع الزيادة الناتجة عن التعريفة الجمركية هو المستهلك الأميركي وليس المنتج الأجنبي. ثانيًا: ليس مؤكدًا أن الشركات الأجنبية ستظل تدفع منتجاتها للسوق الأميركية، بل ستبحث عن بدائل في أسواق أخرى. ثالثًا: لا يمكن إقامة صناعات أميركية بديلة عن المنتجات الأجنبية في ظرف قصير، بل يستغرق الأمر سنوات بعد رحيل ترامب. رابعًا: ستواجه الولايات المتحدة تعريفات جمركية مضادة تفرضها الدول ردًّا على التعريفات الأميركية المفروضة عليها، وبذلك تجد الولايات المتحدة صعوبة في بيع منتجاتها في الأسواق الخارجية.

يبرز من خلال كل ذلك، سعي ترامب إلى تحصيل استثمارات تنعش الاقتصاد الأميركي كأولوية قصوى في عهدته الثانية لكن دون أن يمتلك إستراتيجية ناجعة في وقت وجيز. لكن زيارته لدول الخليجية وفرت له المخرج من هذا المأزق، فلقد تعهدت السعودية باستثمار 600 مليار دولار وقد تصل تريليون دولار، والإمارات باستثمار 1.4 تريليون دولار، وقطر باستثمار نحو 300 مليار دولار، فيبلغ المجموع أكثر من اثنين تريليون، وهو ضعف المبلغ الذي كان ترامب يتطلع إلى جمعه من زيادة التعريفات الجمركية، فيضمن ترامب بذلك هدف إنهاض الصناعات الأميركية مجددًا.

في المقابل، تحقق دول الخليج عددًا من الأهداف المهمة، وهي: الاستثمار في أكبر اقتصاد دولي لتنويع اقتصاداتها. ثانيًا: تكوين شراكات مع أكثر الشركات تطورًا في مجالات الذكاء الاصطناعي والصناعات الحربية والبيانات، وغيرها. ثالثًا: تقوية الشراكة مع أكبر قوة عسكرية عالمية. رابعًا: تعزيز الشراكة مع أكبر سوق مالية عالمية. خامسًا: إضعاف مكانة إسرائيل في الإستراتيجية الأميركية، بل وتعزيز الفصل بين المصالح الأميركية والمصالح الإسرائيلية.

العقبة الإسرائيلية

تقف إسرائيل عقبة في هذا التشكيل الإقليمي، فهي تريد أن تواصل ضرب سوريا لتمنع وحدتها ونهوضها، لكن هذا يتعارض مع التوافق الإستراتيجي الجديد المدعوم أميركيًّا، وهو دعم القيادة السورية الجديدة لأنها نجحت في كسر النفوذ الإيراني في المنطقة، وعزل حزب الله عن إيران، وجعل سوريا سدًّا للنفوذ الإيراني في العراق، وقد تتحول إلى ضاغط عليه.

قد يتسع التباعد الأميركي-الإسرائيلي في ملفات المنطقة، وقد يمتد داخل إسرائيل، لأنه سينشئ قطبين: القطب الحريص على الاصطفاف مع الولايات المتحدة والقطب الذي يريد الاستغناء عنها، وقد يضاف هذا الاستقطاب إلى استقطابات أخرى مثل مكانة اليمين اليهودي المتطرف في الدولة الإسرائيلية، والمستوطنات وغيرها، ليعيد تشكيل المشهد التوازنات في المشهد الإسرائيلي.

ABOUT THE AUTHOR