
مقدمة
أثارت الحرب التي تَشنُّها إسرائيل على قطاع غزة، منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2003، وانعطافها نحو الإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني، أسئلةً وجدلًا كبيرين بشأن مسؤولية الفاعلين السياسيين ومؤسسات النظام الرسمي العربي، ودور منظمات المجتمع المدني والهيئات الحزبية وقادة الفكر والرأي، والنخبة العربية خصوصًا، في المبادرة لمواجهة آثار هذه الإبادة، والمسارعة لاحتواء تداعياتها الإنسانية والحقوقية والاقتصادية والسياسية والإعلامية، وتعزيز صمود الفلسطينيين. ويتعاظم هذا الدور في ظل سياسة الحصار الشامل الذي تفرضه إسرائيل على القطاع، وتدمير جميع المرافق ومقومات الحياة الإنسانية، وإقرار سياسات علنية للتهجير القسري للسكان ("وكالة الهجرة الطوعية") خارج غزة، لاسيما بعد فشل المجتمع الدولي بمؤسساته المختلفة في إيقاف الحرب والإبادة الجماعية. فقد ظلت إسرائيل تحظى بالدعم الغربي العسكري والمالي والسياسي والدبلوماسي والإعلامي طوال فترة الحرب، بل وفي جميع مراحل الإبادة الجماعية التي بلغت ذروتها باستخدام سلاح التجويع والتعطيش والحرمان من العلاج، والذي يؤدي إلى قتل المواطنين ويُسبِّب أذى جسديًّا ونفسيًّا لفئات واسعة من الشعب الفلسطيني.
وفي ظل ظروف الحرب والإبادة التي تشتد فيها الأزمات المختلفة (الإنسانية والنفسية والخدماتية والأمنية...)، يصبح دور النخبة ومسؤوليتها أكثر أهمية ليس فقط في التنوير وتشكيل الآراء إزاء التهديدات الوجودية، من خلال كشف جرائم الحرب والإبادة وتوثيقها، وإنما بالانخراط في إنتاج مبادرات قد تُسهِم في الضغط على صناع القرار السياسي باتجاه تغيير مسارات الحرب، وأيضًا الاندماج الفاعل في النسيج المجتمعي لقيادة تطلعات الجمهور في التحرُّر من الهيمنة الإسرائيلية ومحاولات صَهْيَنَة المنطقة العربية. ويبدو أن هذا الدور والمسؤولية يواجهان اليوم تحديات كثيرة تُجسِّدها طبيعة المرحلة السياسية الراهنة التي تعيشها دول المنطقة، خاصة بعد نكوص تجارب الانتقال الديمقراطي إثر الثورات المضادة للربيع العربي، منذ منتصف العام 2013، والتي أدت إلى ترسيخ السلطوية وأَمْنَنَة المجال العام والحياة السياسية بدل إرساء مؤسسات النظام الديمقراطي. وقد ألقت هذه الحالة السياسية بتأثيراتها على فاعلية أدوار النخبة العربية التي باتت فئة منها تعيش إما حالة انصهار مع البنية السلطوية للدولة وتكريس أطروحة "الشأن المحلي أولًا"، وإما حالة الانكفاء على الذات والانعزال عن المجتمع والنأي بالنفس عن القضايا التي تمسُّ شعوره الوطني والقومي والديني، وإما حالة النشاط الرقمي والحراك الميداني التي قد تؤدي بالفاعل النخبوي إلى الإقصاء والتهميش أو العقوبة السجنية.
وعلى الرغم من تأثيرات هذه الحالة في دور النخبة العربية وموقعها خلال الأزمات، والجدل الذي أثاره البعض حول الجدوى من هجوم "طوفان الأقصى"، في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، على مستوطنات إسرائيلية بغلاف غزة، وكذلك كُلْفَتِه الإنسانية وتداعياته الجيوستراتيجية، فإن الإبادة الجماعية التي ارتكبها الجيش الإسرائيلي في غزة أظهرت تفاعل فئات واسعة من النخبة العربية مع تداعيات الحرب عبر إجراءات ومبادرات مختلفة. وفي هذا السياق، تحاول الدراسة استكشاف أشكال هذا التفاعل ومستوياته وأبعاده، ودور الفئات النخبوية المؤثرة في مبادراته، خاصة في ظل اتساع حركة الاحتجاجات الشعبية في البيئة الرقمية وعلى أرض الواقع في عدة بلدان عربية وأجنبية.
1. اعتبارات منهجية ونظرية
إشكالية الدراسة وفرضياتها
تستقصي الدراسة، من خلال استطلاع للرأي، الأدوار التي اضطلعت بها النخبة العربية وفاعليتها، خلال الحرب التي تَشنُّها إسرائيل على قطاع غزة، منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، وترصد الإجراءات والمبادرات التي سارعت إليها هذه الفئة المجتمعية لمواجهة الإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني، وجرائم الحرب المختلفة بدءًا بالحصار، ثم القتل الواسع والممنهج للمدنيين. وقد توسَّعت هذه الجرائم لتشمل تدمير البنية التحتية (الاقتصادية والصحية والتعليمية والثقافية والدينية وجميع المرافق الضرورية لاستمرار الحياة الإنسانية)، وكذلك تدمير المساكن وحرق خيام النازحين، وانتهت بسياسة التجويع والتعطيش والحرمان من العلاج والدواء، ثم التشريد والتهجير القسري للسكان. وقد أثارت هذه الجرائم، التي تنتهك قوانين الحرب والنزاع وما يُعرَف بالقانون الدولي الإنساني، احتجاجات واسعة في أوساط مختلفة من الرأي العام المحلي والدولي، خاصة من قِبَل طلاب الجامعات والمعاهد الدولية، وكذلك المنظمات الحقوقية والهيئات الحزبية، وشعوب بلدان عربية وأجنبية.
وتفترض الدراسة في سياق استكشاف فاعلية أدوار النخبة العربية خلال مجريات وتطورات الحرب، واستقصاء المبادرات التي أقدمت عليها لمواجهة الإبادة الجماعية، أن هذه النخبة:
1- قامت بأداء أدوارها في المجالات الإعلامية والثقافية والحقوقية بفاعلية في دعم السردية الفلسطينية، وتعرية السردية الصهيونية ورصد مخاطرها وكشف جرائم الجيش الإسرائيلي في الحرب على غزة.
2- أدت أدوارًا متميزة في تفسير وتحليل الأحداث خلال الحرب، في مقابل ضعفها في اقتراح إجراءات عملية يستفيد منها الشعب الفلسطيني والمقاومة ميدانيًّا.
3- انقسمت مواقفها وأدوارها خلال الحرب على غزة بسبب اختلاف المرجعيات الفكرية والأيديولوجية لأفرادها، وكذلك بالنظر لاختلاف مواقف دولهم من المقاومة وسياسة التطبيع.
4- لم تستغل جرائم الحرب، والإبادة الجماعية التي يرتكبها الجيش الإسرائيلي، في إبداع إستراتيجية جديدة تُعزِّز الوحدة الفلسطينية وتبني تيارًا أمميًّا يُدافع عن عدالة القضية الفلسطينية.
أهداف الدراسة
تهدف الدارسة، التي تستطلع آراء عينة من أفراد النخبة العربية بشأن فاعلية أدوار هذه الفئة المجتمعية في الحرب على غزة، إلى:
- التعرف على طبيعة وأنواع الأدوار والمهام والمبادرات التي قامت بها النخبة العربية، خلال مسارات الحرب والإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني، ومستوى فاعلية هذه الأدوار.
- تقديم النخبة العربية "تقييمًا ذاتيًّا"، من خلال أفراد عينة الدراسة أنفسهم، حول الأدوار والأعمال التي لم تؤدها هذه الفئة المجتمعية، أو لم تقم بها خلال الحرب على غزة.
- التعرف على أسباب اختلاف النخبة العربية في أداء أدوارها.
- كشف مواطن القوة لدى النخبة العربية في أداء أدوراها ومسؤولياتها تجاه القضية الفلسطينية، ورصد مواطن الضعف من أجل تعزيز الأولى (مواطن القوة)، وتدارك نقائص الثانية (مواطن الضعف).
الإستراتيجية المنهجية
تنتمي الدراسة إلى البحوث الوصفية المسحية التي تتميَّز بالعمق والسعة من خلال الإجابة على الأسئلة الخمسة: من وماذا وأين ومتى وكيف؟ ويسمح هذا المنظور المنهجي للباحث بالحصول على معلومات تُمكِّنه من جمع وتصنيف البيانات وتعليلها وتفسيرها، وكشف العلاقات بينها، واستخلاص النتائج منها(1)، لتحديد حالة النخبة العربية وأدوارها وموقعها خلال الحرب على غزة، وقياس فاعلية أدائها في مواجهة الإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني. ويستند هذا المنظور المنهجي أيضًا إلى التحليل الإحصائي (SPSS) الذي يسمح بتحليل سمات مفردات العينة وخصائصها ودراسة العلاقة الارتباطية بين المتغيرات. وهذا يقتضي خطوة منهجية أخرى تتمثَّل في أداة الاستبيان التي تُعَد من أكثر أدوات جمع البيانات استخدامًا في المنهج المسحي؛ إذ تسمح بانتقاء المعطيات من فئة في المجتمع، واستثارتهم بطريقة منهجية ومُقَنَّنَة لاستخلاص معلومات وحقائق وآراء حول الظاهرة المدروسة من خلال مجموعة من الأسئلة المرتبطة بإشكالية الدراسة(2). كما يُمثِّل الاستبيان، ومنهجيته في بناء هذه الأسئلة، الوسيلةَ التي تفرض التقيد بموضوع البحث وعدم الخروج على أُطُرِه ومضامينه(3). واعتمد الباحث أيضًا الملاحظة، والمقابلات المعمقة التي أجراها مع عدد من أفراد النخبة والمفكرين العرب(4)، خلال فترة الحرب على غزة. وتُعَد المقابلة إحدى أهم أدوات البحث العلمي، التي تسمح بالحصول على بيانات ومعلومات أكثر عمقًا وثراءً من النخبة، وكذلك تُعَد أكثر فاعلية في بحث الموضوعات المعقدة والمتشابكة الأبعاد أو القضايا الحساسة(5)، مثل القضية الفلسطينية، وحرب الإبادة الجماعية التي تستهدف وجود الشعب الفلسطيني.
مجتمع الدارسة وعينته
يتمثَّل مجتمع الدراسة في 414 مبحوثًا من النخبة العربية(6)، بينهم مفكرون وأكاديميون وباحثون وسياسيون وإعلاميون وعلماء دين وفنانون وغيرهم، وهؤلاء لهم دراية بمطالب وآمال المجتمع العربي، وأيضًا معرفة وخبرة بالقضايا التي تشغل الجمهور أو الرأي العام(7). كما يُمثِّل أفرادُ النخبة القاطرةَ التي تُوجِّه حركة المجتمع بأسره، والركيزةَ التي يستند إليها الجمهور العريض في تكوين آرائه في مختلف مجالات الحياة(8) والقيام بمواقف وأدوار محددة.
واعتمد الباحث العينة العمدية (القصدية) التي يتم اختيار أفرادها من طبقة أو شريحة أو فئة اجتماعية محددة، مثل النخبة، ويسمح هذا النوع بتحديد مفردات العينة التي تتناسب مع أهداف البحث بما يتطابق مع سمات معينة لهذه الفئة، ويتم استبعاد أولئك الذين لا تتوافر فيهم تلك السمات(9). وشارك في الإجابة على أسئلة ومحاور الاستبيان 94% من فئات المتعلمين والمثقفين، بينهم 67% ينتمون إلى فئات ذات تعليم وثقافة عاليين (مفكر، أكاديمي، عالم دين)؛ مما يُقدِّم غنى وتنويعًا في المعلومات، والحصول على بيانات إضافية وميدانية، ويُسهِم أيضًا في فهم وتحليل النتائج وتفسيرها، واستخلاص معطيات جديدة من مجتمع النخبة نفسه وأفراد عينته. وقد أُجري استطلاع الرأي خلال الفترة الممتدة من 28 يناير/كانون الثاني إلى 28 مارس/آذار 2025.
الصدق والثبات
تحرَّى الباحث من صدق أداة الاستبيان وصلاحيتها في جمع البيانات وقياس المتغيرات بدرجة عالية من الكفاءة والدقة، من خلال عرض صحيفة الاستبيان على مُحَكَّمَيْن متخصصيْن في علوم الاتصال والإعلام للتثبت من صدق المحتوى(10). وقد أجرى المحكَّمان تعديلات على بعض المتغيرات واقترحا بعضها الآخر؛ مما منح الاستبيان الاتساق الداخلي والتوازن في محاوره والتركيز على أهم العناصر المطلوب قياسها. كما حقَّق الاستبيان الصدق الظاهري عبر مشاركة كبيرة من الفئات المتعلمة والمثقفة في الاستبيان الذي يُعد صادقًا إذا استُعمِل للغرض الذي استُخدِم من أجله واسْتَهْدَف العينة المحددة له(11).
وتمَّ قياس ثبات الاستبيان من خلال الاتساق الداخلي الذي يقوم على مقارنة التباين في أداء المبحوثين على الاستبيان كله، الذي يُجَزَّأ إلى اختبارات تساوي عدد الفقرات التي تُشكِّل الاختبار الكلي عبر الاستعانة بمعادلة "كرونباخ ألفا" التي تستعمل في الاستبيان الذي يتبنَّى سلم ليكرت(12). وقد بلغ التحقق من صدق ثبات الأداة ما بين 0.83 و0.87، وهي قيمة ذات دلالة إحصائية مرتفعة جدًّا(13).
مدخل نظري
أولًا: إشكاليات مصطلح النخبة
أ- تعريف النخبة
في الاستعمال اللغوي، تدور معاني لفظ النخبة حول خيار القوم وأفضلهم والمختارين والمنتقين والمنتخبين في مجال من مجالات الحياة، أو علم من العلوم، أو فن من الفنون. فقد جاء في المعاجم التراثية أن الانتخاب هو الانتزاع والاختيار والانتقاء، والنخبة جمع نخب، أي خيارهم(14)، و"يُقال انْتَخَبْتُ أَفْضَلَهُم نُخْبَةً، وانْتَخَبْتُ نُخْبَتَهُم. والانتخاب هو الاختيارُ والانتقاءُ؛ ومنه النُّخْبَةُ، وهم الجماعة تُخْتارُ من الرجال، فتُنْتَزَعُ مِنْهُمْ، والنُّخْبَة المُنْتَخَبُون من الناس، المُنْتَقَوْن"(15)، و"في حديث علي، وقيل: عُمر، رضي اللَّه عنهما: (وخَرَجْنا في النُّخْبَة)، وهم المُنْتَخَبُون من الناس المُنْتقَوْنَ"(16).
وفي المعاجم الحديثة، "نخَب الشيء: أخذ أحسنه وأفضله، وانتخب الشيء: نخبَه، واختاره، وانتقاه، ومنه انتخب الحبوب واللاعبين وروائعَ الشعر، ومنه انتخب مُنْتَخَبًا، والمنتخب، أي المنتقى والمختار من كل شيء (مقالات منتخبة، منتخبات شعرية، منتخبات أدبية، والمنتخب الرياضي)"(17) و"نخب نخبًا أخذ نخبة الشيء.. وانتخبه اختاره وانتقاه بإعطائه صوته في الانتخاب (محدثة) وانتزعه"(18).
ويُلاحظ هنا أن المعاجم الحديثة العربية لم تُوسِّع معاني النخبة لتشمل هيئات، أو منظمات، أو مؤسسات جديدة، تقوم بأدوار مهمة في العديد من مجالات حياة الناس. لكن المعاجم الغربية وسَّعت معاني كلمة النخبة إلى المجموعة، أو المنظمة، أو الشركة الأغنى والأقوى والأفضل تعليمًا، أو تدريبًا في مجال معين، مثل قوات النخبة العسكرية(19). ففي اللغة الفرنسية، استعملت كلمة (élite) لأول مرة في العام 1738، ويعود أصلها إلى اللغة اللاتينية (eligere)(20)، ثم توسَّع مفهوم هذه اللفظة في الاستعمال اللاهوتي الغربي ليُشِير إلى النخبة بوصفهم من اختارهم الله(21). والنخبة هم مجموعة قليلة من الناس لديهم مكانة بارزة في المجتمع لما يمتلكونه من صفات ذات قيمة اجتماعية(22). أما في اللغة الإنجليزية (elite)، فتعني مجموعة قليلة العدد في المجتمع، لكنها ذات قوة أو نفوذ كبيرين. وتتميز النخبة بالغنى أو الذكاء أو غيرهما من الصفات، ومنهم نخبة من كبار المسؤولين، أو نخبة عسكرية، أو غيرهم(23).
ولئن كان المفهوم اللغوي لكلمة النخبة متقاربًا ومستقرًّا على مدى قرون، فإن الجانب الاصطلاحي للنخبة يحفل بإشكاليات عدة تحتاج إلى معالجة علمية تجمع شتاتها وشتات الباحثين أيضًا؛ إذ تُشير الدراسات إلى أن ثمة آراء مختلفة بشأن بدايات انتشار مصطلح النخبة، لكن ثمة شبه اتفاق على أن النظر العلمي إلى النخبة بدأ في المجال السياسي، من خلال العلوم السياسية، ثم انتقل إلى العلوم الاجتماعية فالإنسانية، ولكل علم مجال اشتغاله وزاويا نظره وبحثه. كما تنوَّعت دراسات العلماء بتعدد نظرياتهم واتجاهاتهم في بحث النخبة بين الاتجاه التنظيمي الذي يُمثِّله عالم الاجتماع، غايتانو موسكا (Geatano Mosca)، وكذلك روبرت ميشيلز (Robert Michels)، والاتجاه السيكولوجي الذي يُعَد فلفريدو باريتو (Vilfredo Pareto) أحد رواده، والاتجاه الاقتصادي الذي يُمثِّله جيمس بيرنهام (James Burnham)، والاتجاه النظامي أو المؤسساتي ويُمثِّله عالم الاجتماع، شارل رايت ميلز (Charles Wright Mills)(24). وهذا التعدُّد نابع من التغيرات التي حدثت في طبيعة المجتمعات عامة، وفئات النخبة خاصة، خلال حقب تاريخية متنوعة بحسب تطور حياة الناس وأفكارهم ووسائل عيشهم.
ويُعَد مفهوم النخبة مفهومًا وصفيًّا تقريبيًّا يُشير إلى الفئات التي تحظى بنوع من التميُّز والريادة داخل حقل اجتماعي معين، ويكتسب أفراد النخبة بعض سماتهم إما عبر التوارث، وإما بالاكتساب، وإما عبر مجهود أو سياق تنافسي أو صراعي معين(25). وتمتلك النخبة إما قوة السلطة، وإما قوة الأفكار، وإما قوة المجال، ولها الصفات التي تُؤَهِّلها للتأثير في حياة الناس على كل المستويات(26). وإجمالًا تُمثِّل النخبة "مجموعة من الأفراد أو فئة يُعترَف بعظمتها في التأثير والسيطرة على شؤون المجتمع (..) ويُعتَبر جزءًا من النخبة أولئك الذين يُحقِّقون بمواهبهم الطبيعية نجاحًا في عملهم أسمى من معدل نجاح الآخرين"(27).
ويمكن التمييز بين النخب السياسية التي تُمكِّنهم مواقعهم في المؤسسات والمنظمات والحركات القوية من تشكيل النتائج السياسية أو التأثير عليها، والنخب الثقافية التي تتمتع بمكانة وتأثير رفيعين في الفنون والآداب والجمعيات المدنية وغيرها من المجالات غير السياسية التي تُعد ذات أهمية في المجتمع(28). فهم إذن جماعة، أو صنف من الناس، أو مجموعة من الأفراد يمتلكون بعض الصفات والقدرات والقابليات التي يُثمِّنُها المجتمع، مثل القابلية العقلية، والمراكز الإدارية الحساسة، والقوة العسكرية، والسلطة الأخلاقية، أو السمعة العالية، والتأثير الكبير. وقد يتميَّز هؤلاء بالتماسك أو الفرقة والانقسام، لكن قدراتهم على التأثير في الجمهور تفوق قدراتهم في حُكْمِه، وهذه هي الميزة الأساسية للنخبة مهما كان نوع المجتمع الذي تعيش فيه(29).
وفي ظل العصر الرقمي، تغيَّر تعريف مفهوم النخبة؛ إذ لم يُعَد أفراد هذه الفئة أفضل من بقية الناس، ولا أكثر جدًّا في العمل، أو أكثر ذكاء، أو أكثر موهبة، فهم ببساطة أولئك الذين يتمتعون بقدر أكبر من السلطة الاجتماعية، أي القدرة على التأثير في الآخرين، وهم "أصحاب السلطة"(30) الذين يقودهم أصحاب الشركات الرقمية حاليًّا بعد أن كانوا في وقت أول مزارعين كبارًا، ثم ظهر صناعيون كبار، ثم أصحاب الشركات الكبرى التي تبحث عن النفط، والآن صاروا هم الشركات الرقمية(31). فهل تطورات الحياة تُشكِّل العامل الأساسي في ظهور نخبة جديدة دون مفاهيم مغايرة؟
ب- مفاهيم النخبة
أولى الإشكاليات التي أسهمت في تعدُّد مفاهيم النخبة هي الاختلاف في ترجمة مصطلح "Elite"، فثمة من يترجمها إلى الصفوة أو الخاصة(32) وآخرون يترجمونها إلى النخبة(33)، مما يُشير إلى دور الترجمة في تعدُّد المسميات والمصطلحات، ومن ثم تنوع المفاهيم. كما أن ثمة عوامل أخرى أسهمت في تعميق هذه الإشكاليات. فقد استعمل العرب مصطلحات أخرى تُحيل على المعنى ذاته للنخبة، مثل: الطليعة، والملأ، والسراة، والخاصة، والصفوة، والأعيان والوجهاء وغيرها، وهي أسماء لمعنى واحد يُفيد التميُّز والاختلاف عن العامة أو العوام(34). كما أن العلماء والباحثين المعاصرين يُسهِمون في تعدُّد الأسماء من خلال إطلاق تسميات، مثل: المثقف، والعالم، والأكاديمي، والإنتلجنسيا، والقادة، وأهل الحل والعقد، والخبراء، وغيرها، بل إن بعضهم يُطلِقون اسمًا مركبًا، مثل النخبة الفكرية، والنخبة المثقفة(35)، والنخبة العسكرية، والنخبة المالية والإدارية، ونخبة السلطة وغيرها.
ويُلاحظ هنا تقاطع مفهوم النخبة مع مفهوم الصفوة، وكذلك الرأي العام النوعي، أو قادة الرأي العام، ومع مفهوم المفكر، ومفهوم الإنتلجنسيا(36) وغيرها؛ إذ تُشير جميع هذه المفاهيم إلى فئة ذات ميزات وصفات خاصة تُميِّزها عن باقي فئات المجتمع. ولعل هذا الإشكال يُعزِّز أهمية وضع دليل اصطلاحي يُحدِّد الفروق بين هذه الألفاظ والمصطلحات.
وإجمالًا، ارتبطت مفاهيم النخبة باختلاف النظريات التي درست هذه الفئة المجتمعية وتحديد أنواعها وسماتها ووظائفها، أو الواجبات التي يجب أن تقوم بها، والامتيازات التي يجب أن تُمْنَح لأفرادها. وتختلف النظريات في التحديد الدقيق للخصائص والسمات الضرورية للنخبة (الميلاد، الثقافة، المعرفة الخاصة..)، وكذلك القيم الاجتماعية التي يتضمنها أداء أدوارها (النظام، التقدُّم، التفوق الاقتصادي أو العسكري أو السياسي..).
وقد ركز الباحثون الأوائل على أن حكم النخبة أمر لابد منه في أي مجتمع، وميَّزوا بين الحكام والمحكومين، أو بين الأقلية ذات السلطة (النخب الحاكمة)، والأكثرية التي لا تتمتع بالسلطة (البقية غير الحاكمة أو الجمهور أو العامة)، في حين ركز آخرون على الطابع الجماعي للنخبة أو التنظيم والتماسك من أجل تحقيق الأهداف(37). ثم انتقل العلماء لبحث جماعات مهنية ووظيفية في المجتمع المحلي وتنوعها داخل نسيجه مثلما فعل عالم الاجتماع، توم بوتومير (Tom Bottomore)، في كتابه: "النخبة والمجتمع"، والأنثروبولوجي، سيغفريد فريدريك نادل (Siegfried Frederick Nadel)، في مقالة بعنوان: "مفهوم النخبة الاجتماعية"؛ مما جعل النخبة ليست جماعة واحدة في المجتمع، بل يمكن أن تكون متعددة ومتنوعة، وهو ما يخلق فرصًا للتنافس والتكيُّف بينها. وهذا وسَّع من تعريف النخبة ليتجاوز مفهوم الضبط والسيطرة السياسية ويشمل أي جماعة من الأفراد معروفة اجتماعيًّا وذات خصائص محددة، مثل القدرة العقلية، والوضع الإداري العالي، والقوة العسكرية، أو القوة الأخلاقية، التي تجلب درجة عالية من الهيبة والنفوذ الواسع(38).
وثمة من ينظر للنخبة من منظور ومدخل معياري، أو مدخل إمبريقي، يبحث إما الجانب السيكولوجي للنخبة، وإما الجانب التنظيمي، أو غيرهما. ويعكس هذا التنوع في المداخل تاريخ نظريات النخبة وطابعها المتقلب، وعجز أي منها عن اكتساب قبول دائم. وإذا كانت النخبة ضرورة اجتماعية ولا مفر منها، فإن قضية صفات أعضائها تصبح ذات اهتمام دوري(39). ويختلف مفهوم النخب أيضًا باختلاف الأدوار التي تَتَصَوَّرُها النخبة عن نفسها، والأدوار التي يَتَصَوَّرُها بقية فئات المجتمع عن أفراد النخبة، ومن ثم تتعدَّد الصفات والسمات والتوقعات لهذه الفئة من قِبَل المجتمع.
ويرى الأكاديمي، عبد المالك التميمي، أن مفهوم النخبة كان واضحًا في المجتمعات التقليدية، لكنه صار الآن ملتبسًا بسبب التحولات التي أحدثتها التكنولوجيا والتقنيات الرقمية؛ مما جعل التعرف على النخبة يحتاج إلى البحث في الكم الكبير من المتعلمين وغير المتعلمين، والإنتاج الهائل من المعرفة وتنوعها. ولهذا لا يهم الانشغال بتعريف النخبة؛ لأنها ستُعرَّف من خلال الإنتاج والإبداع وطبيعة الأدوار التي تقوم بها في المجتمع. ورغم ذلك يُحدِّد التميمي النخبة باعتبارها جماعة حصلت على قدر من الثقافة (أو المعرفة أو العلم أو الممارسة المهنية أو كلها) تُؤَهِّلُها لأن تكون متميزة ومستقلة في رأيها، وقادرة على التفكير والإبداع، و"هدفها هو المصلحة العامة"(40).
لقد أدى تغيُّر النخب إلى تحوُّلٍ في بعض أدوارها من فترة تاريخية إلى أخرى، ومن مجتمع إلى آخر، ومن مجال إلى آخر، ويرى عالم الاجتماع، فلفريدو باريتو، أن تغيُّر النخب ليس مُضِرًّا، بل مفيد للهيئة الاجتماعية؛ لأن دور النخب هو المساهمة في الحفاظ على توازن النظام الاجتماعي، مما يضمن صعود العناصر الأفضل في المجتمع، ويُسهِم في التغيير الاجتماعي؛ لأن "دورة النخب تؤدي إلى دورة في الأفكار"(41). وتميل كل نخبة في فترة معينة إلى التلاشي لتحلَّ محلَّها نخبة أخرى، وتَحْدُث هذه العملية على مرِّ التاريخ وفق ما يُسمَّى "تعاقب النخب"(42).
واختلاف أدوار النخبة يحدث بفعل الفهم والتوقع، فما يَتَصَوَّرُه هذا النخبوي عن أدوار النخبة قد يختلف عن تَصَوُّر آخر، وما تراه نخبة من أدوار في مجال معين قد يختلف عن تصورات نخبة في مجال آخر. وقد يقوم النخبوي بأكثر من دور، فهناك دور موروث في جماعة عرقية أو إثنية أو غيرهما، ودور مكتسب سواء تعلَّمه أو اكتسبه، ودور مُلْزِم يفرض نفسه على النخبوي في مجال معين أو جماعة محددة، ودور مركب أو مجموعة أدوار تتطلبها مكانة اجتماعية ما، مثل الأستاذ الجامعي الذي يجمع بين أدوار التعليم والبحث والمرشد والمستشار -لهيئات خاصة وعامة- والتأليف والمتخصص في فرع من فروع علم ما. وثمة دور مستدمج، وهو دور يتبنَّاه النخبوي من أدوار أخرى، أو يجعله ملكًا له ونابعًا من مفهومه الذاتي أو صورته الذاتية، وهناك دور متوقع من النخبة لما يجب عليها القيام به تجاه نفسها وتجاه الجمهور، وأيضًا مما يتوقعه الجمهور من النخبة وأدوارها.
كما أن عدم اتساق دورين أو أكثر يُتَوقَّع أن يقوم بها فرد نخبوي قد يتداخل مع دور أو أدوار أخرى يقوم بها أفراد آخرون من النخبة؛ مما قد يؤدي إلى "صراع الأدوار"، لكن هذا الصراع قد يكون أمده قصيرًا أو طويلًا(43). وفي عصرنا الرقمي، بدأنا نُعاين بعضًا من الصراع بين "النخب التقليدية" و"النخب الجديدة"، وصراعًا بين نخب تقنية جديدة مثلما يحدث حاليًّا بين القوى العظمى (أميركا والصين تحديدًا) أو بين الشركات الكبرى (غوغل، ومايكروسوفت، وأمازون، وميتا، وتيك توك، وعلي بابا..) من أجل السيطرة على الخدمات الرقمية بما في ذلك مواقع التواصل الاجتماعي والذكاء الاصطناعي. فقد صارت الشركات الرقمية نخبة جديدة لها قوة المال وقوة الانتشار وقوة النفوذ، تفرض وسائلها وشروطها وسياساتها على النخب التقليدية من حكومات وتنظيمات وشركات وأفراد في الدول النامية، أو المتخلفة خاصة، وفي الدول الغربية، وتحوَّلت إلى صانع مهم لنخب تقليدية (التدخل في الانتخابات) وجديدة، مثل "المؤثرين" و"المشاهير" و"اليوتيوبرز" وغيرهم.
وتستغل هذه الشركات مواقع التواصل الاجتماعي والخوارزميات والذكاء الاصطناعي وغيرها من الأدوات الرقمية من أجل خلق نخبة ذات قوة ونفوذ وسيطرة من خلال آليات عدة، أبرزها تكوين صورة إيجابية عن نفسها وأدوارها في مجالات الحياة العامة والخاصة، ومن أجل الترويج لمنتجاتها وجذب عملاء جدد. كما تستخدم الدول والأحزاب السياسية وجماعات الضغط والأفراد وبعض هذه النخب الجديدة أيضًا الأدوات الرقمية، من أجل التأثير في الرأي العام، ونشر رؤاهم وأفكارهم الفكرية والسياسية، أو من أجل زيادة الوعي بقضايا محددة سياسية، أو اقتصادية، أو اجتماعية، أو غيرها. لكن تلك النخب الجديدة قد تجد نفسها متورطة في برامج وأجندة معينة؛ مما يُقلِّل من استقلالها وقدرتها على الدفاع عن مصالح وقضايا المجتمع الحقيقية، بالإضافة إلى ما تتعرض له من ضغط كبير من أجل تحقيق مستوى عال من التفاعل والمشاركة. و"تبقى النخب التي تُصْنَع عبر وسائل التواصل الاجتماعي جزءًا من منظومة معقدة تتداخل فيها المصالح التجارية والسياسية والثقافية"(44).
ويتحدث الأكاديمي، عبد الله الغذامي، عن التحولات التي أحدثتها أدوات الاتصال الجديدة، مثل الإنترنت والهاتف المحمول، والتي سمحت للجمهور أو الرأي العام أن يمتلك وسيلة للاتصال والتعبير، ومصادر المعرفة التي كانت حكرًا على النخبة التقليدية. ويرى أن التقسيم التقليدي (فوق-تحت أو الخاصة-العامة) يُعبِّر عن نسق ثقافي قديم، لكنه متجدد في عالمنا، في مقابل نسق ثقافي جديد يأتي من تحت فيبدأ الصراع بين الأنساق والأجيال. ويُشير الغذامي إلى أن ما يجري اليوم مختلف اختلافًا نوعيًّا، فالصراع ليس صراعًا بين قديم محافظ وجديد مغاير، ولكن ما يحدث اليوم هو صراع بين نسقين نرى ونعرف أحدهما ونميِّزه مثلما نعهده، والآخر غير مميز وغير معهود وليس بالمقدور تحديد زعاماته ولا ممثليه(45). غير أن الباحث خالد حاجي يُذكِّر بأن التقنيات الرقمية جعلت الفرد في المجتمعات العربية والإسلامية يعيش تحت وابل من المعلومات التي لا تنضب ولا تنقطع، مما صَرَفَه عن التفاعل مع كل أشكال التركيب النظري، وأَوْهَمَتْهُ مواقع التواصل بأن بمقدوره أن يُسهِم في إعادة تشكيل الواقع الكوني، ويُعيد ترتيب العلاقات مع الناس على شرطه، لا على شرط غيره. وهذا ما أورثه حالة شعورية جديدة جعلت صدره أضيق من أن يتَّسع للأفكار الكبرى. ويُضيف حاجي أن كثيرًا من رجال الثقافة والفكر في العالم العربي الإسلامي لم يَسْلَمُوا من سطوة شبكات التواصل الاجتماعي، وانصرفت هِمَمُهُم إلى منافسة العامة في تحقيق الذات بالصور عوض عرض أفكارهم، بل إن النخب المثقفة والمُفَكِّرة كشفت عن ضروب أخرى من العجر، لعل أهمها عدم تَمَثُّل واقع العصر تَمَثُّلًا صحيحًا، وإنتاج مشاريع نظرية تُعَد انعكاسًا لمنظومة ثقافية يسود فيها الفكر الشمولي؛ لأن الواقع اليوم أعقد من أن يتم الغوص فيه بعقلية شمولية تتوخى القول الفصل في الأمور(46).
لكن ما طرحه الباحث حاجي يُبرِز إشكاليات عدة، لعل أبرزها أن تصنيف من يوجد خارج النخبة بالجمهور العام يتضمن انتقاصًا وتمييزًا طبقيًّا بين طبقة عليا متعلمة ومتحضرة وأخرى دنيا(47). فالواقع الجديد كشف عن نخبة جديدة ماهرة في استعمال التقنيات الجديدة، وفي تقديم أفكار جديدة وإن كانت قليلة، كما يكشف عن وجود نخبة مغمورة لا تعرفها نخب كثيرة، أو لم تجد فرصة للظهور أو سندًا من النخبة نفسها.
ومن الأمور التي عقَّدت من إشكالية النخبة أن اختلاف المفاهيم يعود أيضًا إلى اختلاف الباحثين في تحديد المهام والأدوار التي يجب أن تقوم بها النخبة، وما إذا كانت تلك الأدوار تتصل بالصفات الذاتية من مهارة وحذاقة وغيرهما، أم بدور النخبة المجتمعي واهتمامها بقضاياه(48). لذلك يرى بعض الباحثين أنه لا يمكن تقديم تعريف للنخبة صالح لكل زمان ومكان؛ إذ قامت النخبة خلال مراحل تاريخية بدور كبير في توعية المواطن والمجتمع والأمة، ولم يكن ذلك الدور نابعًا ممن يُفكِّر في الثقافة بوصفها مشروع سلطة، بل نابعًا من إدراك للدور النقدي للسلطة(49). وقد أدى ذلك إلى تعدد التعريفات والمفاهيم، وتداخلها وتقاطعها في عناصر دون أخرى؛ مما أسهم في استمرار عدم وجود تعريف أو مفهوم شامل للنخبة في البيئة الأكاديمية على الأقل.
وبعد الوقوف على المفاهيم التي صاغتها بعض المعاجم والقواميس، وبعض البحوث في العلوم الإنسانية والإعلامية الاتصالية، يُلاحظ الباحث أن هذا التنوع يعود إلى:
- التمييز بين فئة/فئات من الناس عن باقي أفراد المجتمع أو الجمهور العام؛ إذ إن هناك نخبة مقابل غير النخبة أو الجمهور، وحكامًا مقابل محكومين، وفئة ذات تعليم عال وصفات متميزة مقابل فئات من المتعلمين والناس. كما أن هذا الجمهور قد يضم نخبة متنوعة فاعلة في مجالات عدة، سياسية أو اقتصادية أو فكرية أو دينية أو غيرها، لكنها إما في طريقها نحو القيادة الفكرية أو السياسية أو الاقتصادية، وإما محاصرة سياسيًّا وإعلاميًّا أو غيرهما.
- ظاهرة النخبة ترتبط في الواقع العربي المعاصر بالانغلاق الذي تعيشه الفئات المتعلمة والمثقفة والتقنية، سواء بفعل ذاتي من خلال إعادة إنتاج الفكر الغربي دون ابتكار أنموذج جديد مستلهم من التجربة الغربية ويستجيب للحاجات المحلية، أو بفعل موضوعي عبر تبعية النخبة للسلطة الحاكمة في ظل غياب الدولة الحامية لمواطنيها. كما ترتبط بالدخول الكثيف لجمهور واسع يبحث عن لقب أو مهنة في نادي المثقفين والعلماء والمجتمع المدني، في وقت يقتصر فيه ذلك اللقب على القيام بدور أكثر من اتخاذ موقف، وهو دور مرتبط بالمصلحة الذاتية أكثر من ارتباطه بالمصلحة العامة(50).
- اختلاف المجال الذي اتخذه الباحثون عينة لدراساتهم التطبيقية حول النخبة، بل حتى بعض المعاجم الاصطلاحية تركز إما على المجال السياسي(51)، أو الاقتصادي، أو الثقافي/الفكري دون غيرها من المجالات؛ مما أسهم في تعدد صفات وحدود ومفاهيم النخبة.
- تنوع خلفيات العلماء والباحثين باختلاف مرجعياتهم العلمية والأيديولوجية وحتى تعدد الأحداث والتحديات والمستجدات التي واجهت مجتمعاتهم؛ مما أدى إلى استحداث وظائف ومهام وأدوار وصفات جديدة للنخبة وغيرها من فئات المجتمع. وفي العصر الرقمي، برزت نخبة جديدة بأسماء جديدة: المؤثرون، واليوتيوبرز، والمشاهير، وغيرهم، وبينهم نخبة "تقليديون" انخرطوا في شبكات التواصل الاجتماعي.
ثانيًا: أدوار النخبة بين النظرية والتطبيق
لا تزال الدول العربية تُواجه أزمات ومخاطر في بيئة إقليمية ودولية معقدة، وتحتاج إلى من يقوم بدور فاعل في تنوير الجمهور بتداعياتها، وإرشادهم إلى طرق وحلول تُخرِجهم من نفق تلك الأزمات. وقد أظهرت انتفاضات الربيع العربي أهمية وجود نخبة أو نخب تعمل على استثمار تلك الانتفاضات من أجل الخروج من التخلف السياسي والاقتصادي والعسكري وغيره بعدما انتكس الربيع العربي وتحوَّل إلى خريف عربي(52). وأعادت الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة والضفة طرح السؤال ليس عن أهمية النخبة فقط، بل عن أدوارها وفاعليتها أيضًا. وقد كشفت هذه الحرب الأدوار التي قامت بها النخبة السياسية والعسكرية والأمنية والإعلامية والطبية وغيرها في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وأيضًا في إسرائيل، وحتى في بقية دول العالم.
فقد كانت فيديوهات أبو عبيدة، الناطق العسكري باسم كتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، تحظى بمتابعة كبيرة من المشاهدين ومستخدمي شبكات التواصل الاجتماعي حول العالم. كما قادت النخبة السياسية والإعلامية للمقاومة الفلسطينية معركة موازية لما تقوم به نخبة المقاومة الفلسطينية في ميدان المعركة(53).
في المقابل، كثفت النخبة الإسرائيلية السياسية والعسكرية والإعلامية أنشطتها وأعمالها بشكل يومي في معركة موازية للإبادة الجماعية التي يرتكبها الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة. كما شاركت مؤسسات الأمم المتحدة والمحاكم الدولية ومنظمات حقوق الإنسان والجامعات وأحزاب ودول أجنبية بأدوار متعددة جعلت الشارع يتحرك بشكل شبه يومي ضد حرب الإبادة الجماعية في أكثر من بلد حول العالم.
أ- مفهوم الدور وأنواعه
غالبًا ما يُعْزَى مصطلح الدور إلى الأنثروبولوجي رالف لينتون (Ralph Linton)، رغم أن الفيلسوف فريدريش نيتشه (Friedrich Nietzsche) هو أول من استعمل هذه الكلمة بهذا المعنى في كتابه "العلم البهيج"(54). ويُستعمل هذا المصطلح في علم الاجتماع وعلم النفس الاجتماعي وغيرهما بمعان مختلفة؛ إذ يُعرَّف الدور بوصفه مظهرًا لبناء اجتماعي يتميز بصفات خاصة وأنشطة محدَّدة تخضع لتقويم معياري من النخبة أو الآخرين. كما يُعرَّف الدور باعتباره عنصرًا من التفاعل الاجتماعي؛ إذ يأتي شخص بأفعال مكتسبة يُؤدِّيها في موقف تفاعل معين. وقد سيطر منذ الثلاثينات وحتى الستينات مدخلان أساسيان في دراسة الدور: مدخل أنثروبولوجي يركز على الحقوق والواجبات، أي على التوقعات المعيارية المرتبطة بالأوضاع السائدة في بية اجتماعية، أو نظام اجتماعي ما، غير أن هذا المدخل تم انتقاده؛ إذ يفترض أن التوقعات واضحة ومحلُّ إجماع. وهناك مدخل تفاعلي يركز على الأفعال التي يقوم بها الأفراد ويُنفِّذون بها الأدوار التي تخصُّهم(55).
ويتحدَّد دور الشخص في أي موقف عن طريق مجموعة توقعات يعتنقها الآخرون كما يعتنقها الشخص ذاته. ولما كان لكل فرد أوضاع متعددة داخل المجتمع، فإنه سيؤدي أدوارًا مختلفة، غير أن الشخص يميل إلى التأثير في طريقة أداء أدواره المتعددة؛ مما يجعل أداءه غير متطابق مع توقعات الآخرين. كما أنه لن يتمكن من أداء كل التوقعات التي يُكَوِّنها لذاته(56). وهذا ما يؤدي إلى ما يُسمِّيه علماء الاجتماع صراع أو توترات الأدوار(57).
ويُمثِّل الدورُ السلوكَ المتوقع من فاعل أو شاغل مركز اجتماعي معين أو منصب؛ ما يُحدِّد واجبات صاحب الدور وحقوقه وحتى صفاته. وتُعَد واجبات الدور مجموعة التصرفات التي يقوم بها لاعب الدور من خلال سلوكياته وعلاقاته مع الآخرين، أما حقوق الدور فهي الامتيازات والمكافآت التي ينالها لاعب الدور بأدائه أدواره. غير أن هناك اختلافًا وتناقضات بين السلوك المتوقع للدور الذي يقوم به فرد والسلوك الحقيقي، ومن أسباب ذلك: وضوح أو غموض الضوابط والنظم التي تُحدِّد الوظائف والأدوار، ومدى فهم لاعب الدور لتلك الضوابط والنُّظُم التي تُحدِّد الواجبات والحقوق والأدوار المطلوبة منه، ومدى قابليته لتنفيذ تلك الواجبات والمهام والأدوار التي تقع ضمن حدود عمله(58).
فالدور هو مجموعة أنماط السلوك المتعارف عليها والمصاحبة لمركز محدَّد، وبما أن المركز هو الوضع الاجتماعي لفرد ما بالنسبة لغيره من أفراد المجتمع من جهة، وبما أن الفرد يحتلُّ مراكز عدة في المجتمع من جهة أخرى، فإنه يقوم بأدوار عديدة، غير أنه في حالة قيامه بالدور المصاحب للأب -مثلًا- تكون هناك أدوار أخرى مصاحبة لمراكز الزوج والمُدَرِّس وغيرها في حالة كُمُونٍ(59). ومن زاوية اتصالية، يشمل مفهوم الدور ما تقوم به النخبة من جمع المعلومات ومعالجتها بشأن قضية معينة، وتفسيرها وتحليلها من أجل فهم الظروف المحيطة بالأحداث للوصول إلى وضع يُمكِّن الشعوب من اتخاذ القرارات المناسبة فيما يتعلق بتلك القضية، وتلبية حاجات المتلقي أو الجمهور ومعرفة الأدوار التي سيؤديها(60).
ويقصد الباحث بالدور هنا المهام والوظائف التي يقوم بها أفراد النخبة العربية (مفكرون ومثقفون وأكاديميون وسياسيون واقتصاديون وإعلاميون وعلماء دين وغيرهم) إزاء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، وهي مهام وأعمال ومبادرات يمكن أن يقوم بها الجمهور عمومًا.
ب- نظرية الدور
لم تكن نظرية الدور (Role Theory) حكرًا على علماء الاجتماع، بل شملت حقولًا علمية كثيرة استخدمت هذه النظرية إطارًا تحليليًّا. وعلى الرغم من غياب تعريف محدَّد متفق عليه لمفهوم الدور(61)، فإنه لا يزال يُمثِّل أداة أساسية للفهم. وهناك اتجاهان كبيران مختلفان في نظرية الدور:
- الأول صاغه الأنثروبولوجي لينتون في إطار الأنثروبولوجيا الاجتماعية، وهو يُولي أهمية للأدوار داخل النظام الاجتماعي؛ حيث تصبح الأدوار مترابطة من حقوق وواجبات معيارية.
- الاتجاه الثاني ينتمي إلى التفاعلية الرمزية وعلم النفس الاجتماعي، ويركز على الجوانب الديناميكية في صنع الأدوار وممارستها. فهو يدرس التفاعلات التي يُمارِس الناس من خلالها أدوارهم، والطرق التي تسمح لهم بالقيام بأدوار الآخرين (تولي الأدوار) وتشكيل أدوارهم الخاصة (صنع الأدوار)، ويتنبَّؤون باستجابات الآخرين لأدوارهم (توقع الاستجابات)، وممارسة أدوراهم الخاصة (أداء الأدوار).
ومن خلال هذه النظرية، قد يتم التركيز على الطرق التي تُمارَس من خلالها الأدوار، فأحيانًا يحب الناس أدوارهم ويتوافقون معها (تقبُّل الأدوار)، وأحيانًا أخرى قد يُمارسونها بلا حماس ولا حب (مسافة الأدوار). وفي كل هذه السياقات يبقى الاهتمام منصبًّا على ديناميات ممارسة الأدوار؛ إذ لا تكون المهام والأدوار مجرد توقعات ثابتة، بل هي نتائج ومخرجات متجدِّدة باستمرار(62).
ويُشير الدور إلى السلوك أكثر مما يُشير إلى حالة الفرد أو مركزه، وتتم صناعة الدور وفقًا للمعايير التي من المفترض أن يُطبِّقها شخص معين في موقف محدَّد. واستنادًا لنظرية الدور، فإن كلًّا من المركز والمعايير والتوقعات ترتبط بتأثير الآخر على أحد المراكز. وتقوم النظرية على افتراض التفاعل بين قاعدة الدور (المرتبطة بالآخرين) وأداء الدور (المرتبط بالشخص أو المركز)(63).
وقبل التعرُّف على الأدوار التي قامت بها النخبة العربية وفاعليتها، في سياق الحرب على غزة، من خلال تحديد النخبة لهذه الأدوار بنفسها، يظهر -انطلاقًا من استقراء عام لبعض الأبحاث والكتابات- غياب تحديد واضح لهذه الأدوار حسب مجالات كبرى، بل ثمة تداخل وتشابك بين أدوار النخب السياسية والاقتصادية والعسكرية والثقافية والعلمية وغيرها، وكذلك تداخل بين أدوار الأفراد، وأدوار النخبة الحاكمة ووظائف النخب التنظيمية والجمعوية وغيرها.
2. أدوار النخبة العربية خلال الحرب على غزة
توزيع عينة الدراسة وفقًا للفئة العمرية
تتكوَّن عينة الدراسة من 414 مبحوثًا يُمثِّلون مجتمع النخبة العربية، بينهم مفكرون وأكاديميون وباحثون وسياسيون وإعلاميون وحقوقيون وعلماء دين وفنانون غيرهم. وتُظهِر بيانات الشكل رقم (1) أن فئة المبحوثين من النخبة العربية، الذين تتجاوز أعمارهم 60 عامًا، بلغ عددهم 124 مبحوثًا بنسبة 29.95%، يليهم 113 مبحوثًا تتراوح أعمارهم بين 51 و60 عامًا بنسبة 27.29%. أما فئة المبحوثين من أفراد النخبة الذين تتراوح أعمارهم بين 41 و50 عامًا فبلغ عددهم 99 مبحوثًا بنسبة 23.91%، ورابعًا المبحوثون الذين تتراوح أعمارهم بين 30 و40 عامًا بمعدل 78 مبحوثًا وبنسبة 18.84%.
وتُبيِّن نتائج الدراسة أن فئة كبار السن من النخبة العربية تُمثِّل العدد الأكبر بمعدل 336 مبحوثًا وبنسبة 81.15%، مقارنة بعدد الفئات العمرية الأخرى؛ إذ كانت نسبة الشباب قليلة نسبيًّا ولم تتجاوز 18.85% بمعدل 78 مبحوثًا. ويُشير ذلك إلى أن مسار البناء الاجتماعي والتكوين السياسي لفئة النخبة في المنطقة العربية لا يخلو من تعقيدات اجتماعية وسياسية، ويُنبئ أيضًا بالتحديات التي قد تواجه تأثيرها في المجال العام.
شكل (1): توزيع نسب عينة الدراسة وفقًا للفئة العمرية
توزيع عينة الدراسة وفقًا للتخصص
تُبرِز نتائج الدراسة أن أفراد النخبة العربية من الفئة التي صُنِّفَت بـ"أكاديمي/باحث" بلغ عددهم 238 مبحوثًا بنسبة 57.48% من مجموع العينة، ووردت في المرتبة الثانية فئة "صحفي/إعلامي" بمعدل 51 مبحوثًا بنسبة 12.31%، وثالثةً فئة "مفكر/مثقف" بمعدل 39 مبحوثًا بنسبة 9.42%، ورابعة فئة "سياسي" بمعدل 25 مبحوثًا بنسبة 6.03%، تليها فئة "أخرى" بمعدل 22 مبحوثًا بنسبة 5.31%. وجاءت فئة "رجل أعمال" سادسةً بمعدل 18 مبحوثًا وبنسبة 4.34%، وسابعةً فئة "حقوقي" بمعدل 15 مبحوثًا وبنسبة 3.62%، وثامنةً فئة "عالم دين" بمعدل 4 مبحوثين وبنسبة 0.96%. وأخيرًا، فئة "فنان" بمعدل مبحوثين اثنين من مجموع أفراد العينة وبنسبة 0.5%، كما يظهر في بيانات الشكل رقم (2).
وتكشف هذه النتائج غلبة فئات المتعلمين والمثقفين عمومًا بمعدل 389 مبحوثًا بنسبة 94%، تليهم الفئات ذات التعليم والثقافة العاليين، خصوصًا ممن يحملون صفة المفكر والأكاديمي وعالم دين بنسبة 67%. كما تُبيِّن النتائج أن نسبة 6% من النخبة (25 مبحوثًا) لم تُحدِّد تخصصها، وهذا ما يُشير إلى أن أفراد العينة يحملون صفات عدة من الصفات المميزة للنخبة، ويوضح تنوُّع فئات النخبة وتَعدُّد تخصصاتها؛ مما يتوافق مع مجالات الحياة المتعددة.
شكل (2): توزيع نسب عينة الدراسة وفقًا للتخصص
نمط تفاعل النخبة العربية مع الحرب على غزة
تُبيِّن نتائج الدراسة، من خلال الشكل رقم (3)، أن نصف أفراد العينة من النخبة العربية يوافقون بنسبة 50% على أن "تفاعل النخبة مع الحرب كان تفاعلًا ثقافيًّا وإعلاميًّا وحقوقيًّا متميزًا"، بينما لا يوافق 19% من المبحوثين على أن "تفاعل النخبة العربية مع الحرب كان تفاعلًا ثقافيًّا وإعلاميًّا وحقوقيًّا متميزًا". وبلغت نسبة أفراد العينة الذين يوافقون بشدة على تفاعل النخبة مع الحرب 14%، كما بلغت نسبة فئة "محايد" ممن لم يُقدِّم جوابًا محددًا 12%. ولم تتجاوز نسبة المبحوثين الذين لا يوافقون بشدة على أن "تفاعل النخبة كان تفاعلًا ثقافيًّا وإعلاميًّا وحقوقيًّا متميزًا" 5% من مجموع أفراد عينة الدراسة.
وتوضح هذه النتائج أن 64% من أفراد العينة يوافقون على أن النخبة العربية تفاعلت تفاعلًا ثقافيًّا وإعلاميًّا وحقوقيًّا متميزًا مع الحرب، في مقابل 24% لا يوافقون على ذلك. ويُشير ذلك إلى قيام النخبة بأدوار ثقافية وإعلامية عالية المستوى خلال الحرب على غزة. وتنسجم هذه النتيجة مع طبيعة تخصصات العينة التي يغلب عليها الفئات ذات التعليم والثقافة العاليين (مفكر، أكاديمي، عالم دين)؛ إذ بلغت نسبة أفرادها 67%.
ويُلاحَظ هنا أن ثمة رضًى عاليًا من المبحوثين عن أداء النخبة العربية لأدوارها الثقافية والإعلامية والحقوقية خلال الحرب على غزة. وقد أسهمت هذه المشاركة التي اتسمت بالبعد التنويري للرأي العام -من بين متغيرات أخرى- في كشـف حقيقة الاحتلال الإسرائيلي، وزيـف معظم السرديات الغربية التي تمت مواجهتها بالنقد والدحض والرفض بعدما شاركت أصوات فلسـطينية وعربية وحتى غربية في النقاش العام كتابةً وتحليلًا ونقدًا لتوضيح حقيقـة ما يقع وما وقع سابقًا قبل 75 عامًا من الاحتلال الإسرائيلي(64). وتؤكد هذه النتيجة المتغير الأول من الفرضية الثانية الذي يُشير إلى أداء النخبة العربية لدورها في تفسير وتحليل أحداث الحرب على غزة.
شكل (3): توزيع نسب آراء عينة الدراسة حول تفاعل النخبة العربية مع الحرب تفاعلًا ثقافيًّا وإعلاميًّا وحقوقيًّا متميزًا
أدوار متنوعة للنخبة العربية خلال الحرب
تُظهِر نتائج الدراسة أن نسبة المبحوثين الذين يوافقون على أن "النخبة العربية قامت بأدوار متنوعة مهمة خلال الحرب على غزة" بلغت 46% من مجموع أفراد العينة، بينما لا يوافق 21% من المبحوثين على أن النخبة العربية قامت بأدوار مهمة خلال الحرب، ولم يُحدِّد 18% منهم جوابًا محددًا إزاء هذا المتغير. أما المبحوثون الذين يوافقون بشدة على أن "النخبة العربية قامت بأدوار متنوعة مهمة خلال الحرب على غزة" فبلغت نسبتهم 9%، وكانت نسبة أفراد العينة الذين لا يوافقون بشدة على ذلك 6%، كما توضح بيانات الشكل رقم (4).
إذن، يرى المبحوثون بنسبة 55% أن النخبة العربية قامت بأدوار متنوعة مهمة خلال الحرب على غزة؛ مما يعني أن رضاهم عن النخبة العربية يتجاوز المتوسط بقليل. في المقابل، كان ربع العينة (27%) غير راضٍ عن أداء النخبة. وتدلُّ هذه النتيجة على أمور، إما أن تصورات أفراد العينة عن أدوار النخبة كانت تصورات معيارية، وإما أن ثمة نقصًا في أداء بعض الأدوار لم تُذْكَر بعد، وإما أن أفراد النخبة يُقيِّمون أداءهم لأدوارهم بالمستوى المتوسط، رغم أن 67% من العينة مفكرون وأكاديميون وعلماء دين. ويُشير ذلك إلى أن ثمة دورًا متوقعًا من النخبة العربية لما يجب أن تقوم به تجاه نفسها والجمهور، وأيضًا لما يتوقُّعه الرأي العام من النخبة وأدوارها خلال الأزمات خاصة. ويمكن تفسير هذه النتيجة بحسب الباحث عبد الكريم بكار بالوضع العربي المتخلف؛ حيث إن الإنسان العربي عامة، والنخبوي خاصة، "يشعر بالخوف من الكلام والتحرُّك الاحتجاجي، ولديه ظروف صعبة تشغله عن التفكير في القضايا العامة. كما أن المؤسسات والمنظمات التي تعمل في مجال الحريات وحقوق الإنسان قليلة جدًّا، والموجود منها مُقيَّد"(65).
شكل (4): توزيع نسب آراء عينة الدراسة حول الأدوار المتنوعة للنخبة العربية خلال الحرب على غزة
دور النخبة العربية في تعزيز السردية الفلسطينية وإبطال السردية الصهيونية
تُبيِّن نتائج الدراسة أن أفراد العينة يوافقون بنسبة 46% على أن "النخبة استطاعت أن تُعزِّز السردية الفلسطينية في مواجهة السردية الصهيونية في المجال العام الغربي"، بينما لا يوافق 23% من المبحوثين على أن النخبة تمكَّنت من تعزيز السردية الفلسطينية. ولم يُقدِّم 16% من أفراد العينة جوابًا محددًا على ذلك كما يوضح الشكل رقم (5). ولوحظ أن 11% من أفراد العينة يوافقون بشدة على "دور النخبة في تعزيز السردية الفلسطينية في مواجهة السردية الصهيونية في المجال العام الغربي"، في حين لا يوافق بشدة 4% من المبحوثين على قيام النخبة بدورها في تعزيز السردية الفلسطينية.
وتُظهِر النتائج أن 57% من أفراد العينة يوافقون على أن النخبة العربية عزَّزت السردية الفلسطينية في مواجهة السردية الإسرائيلية وسط الرأي العام الغربي، مقابل 27% لا يوافقون على ذلك. وتتوافق هذه النتيجة مع النتائج التي سبقتها؛ إذ وافق 64% من المبحوثين بشأن تفاعل النخبة مع الحرب تفاعلًا ثقافيًّا وإعلاميًّا وحقوقيًّا متميزًا، في مقابل 24% لا يوافقون على هذا المتغير التفاعلي للنخبة مع الحرب. كما أن 55% يوافقون على قيام النخبة بأدوار متنوعة مهمة خلال الحرب على غزة، مقابل ربع العينة (27%) غير راضٍ عن أداء النخبة. وتُشير هذه النتيجة إلى الدور المتوقع من النخبة العربية، وما يجب أن تقوم به تجاه نفسها والجمهور أيضًا، خلال الأزمات والحروب خاصة.
فقد أسهمت الحرب على غزة في انكشاف الاحتلال الإسرائيلي أمام الرأي العام العالمي، والذي كان يدِّعي تعرُّضه لـ"الظلم" و"الإرهاب"؛ إذ ظهرت حقيقته في ارتكاب جرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية، وهو يقف اليوم مدانًا أمام المحاكم الدولية. كما أعادت الحربُ على غزة القضيةَ الفلسطينية إلى طاولة البحث بوصفها القضية المحورية للعرب؛ مما أدى إلى بروز رأي عام عالمي -بعض نخبته وقادته من الطلاب والأساتذة الأكاديميين في جامعات عالمية- يؤمن بأحقية القضية الفلسطينية بعد انكشاف زيف السرديات الإسرائيلية(66).
شكل (5): توزيع نسب آراء المبحوثين بشأن تعزيز النخبة العربية للسردية الفلسطينية وإبطال السردية الصهيونية
تنوع أشكال إنتاجات النخبة وتعدد مجالاتها
تكشف نتائج الدراسة أن أفراد العينة يوافقون بنسبة 48% على أن "إنتاجات النخبة العربية كانت متنوعة الأشكال (توزَّعت بين كتب، ودراسات علمية، ومقالات رأي، وحوارات، ومحاضرات)، ومتعددة المجالات (فكرية، وتاريخية، وفنية، وسياسية..)"، ولم يُقدِّم المبحوثون بنسبة 21%جوابًا محددًا إزاء هذا المتغير، كما لا يوافق 18% من أفراد العينة على أن "النخبة قدَّمت إنتاجات متنوعة الأشكال ومتعددة المجالات". أما نسبة المبحوثين الذين يوافقون بشدة على أن "النخبة العربية قدَّمت إنتاجات متنوعة الأشكال ومتعددة المجالات"، فبلغت 11%، ولم تتجاوز نسبة المبحوثين الذين لا يوافقون بشدة على ذلك 2% من مجموع أفراد العينة، كما يظهر من خلال الشكل رقم (6).
إذن، تُبرِز هذه النتائج أن نسبة المبحوثين الذين يوافقون على أن "النخبة العربية قدَّمت إنتاجًا متنوع الأشكال والتخصصات أو المجالات" بلغت 59%، وهي نسبة تتقارب مع نسب الموافقة على المتغيرات السابقة؛ إذ يرى 64% من أفراد العينة أن "النخبة العربية تفاعلت تفاعلًا ثقافيًّا وإعلاميًّا وحقوقيًّا متميزًا مع الحرب على غزة"، كما يوافق 55% على أن "النخبة العربية قامت بأدوار متنوعة مهمة خلال الحرب على غزة". وهذا يوضح انسجام عينة الدراسة مع آرائها السابقة، وإِنْ كانت نسبة الرفض بلغت نحو 20%، والحياد ما يقرب أيضًا من 21%.
وهنا، يبدو أن عينة الدراسة -وهي فئة نخبوية- تتصوَّر للنخبة العربية أدوارًا متوقعة يجب أن تقوم بها تجاه نفسها والجمهور أيضًا، وتجاه القضايا التي تطرحها الأزمات عامة، والقضية الفلسطينية خاصة. ويُفسِّر الباحث والأكاديمي، وليد سيف، ذلك بأن الحرب على غزة كشفت "العلاقة الشرطية بين مطلب التحرُّر الفلسطيني ومطلب التحرُّر والنهوض العربيين، وبذلك أُعِيد الاعتبار لفكرة العمق العربي الإسلامي للقضية الفلسطينية بوصفها القضية المركزية التي تَأْتَلِف عليها المطالب العربية الأخرى"(67).
شكل (6): توزيع نسب آراء عينة الدراسة حول تنوع أشكال إنتاجات النخبة العربية وتعدد مجالاتها
مشاركة النخبة في تفسير وتحليل تطورات الحرب على غزة
تُظهِر بيانات الشكل رقم (7) أن المبحوثين يوافقون بنسبة 53% من مجموع أفراد العينة على أن "النخبة العربية أسهمت في تفسير وتحليل تطورات الحرب على غزة"، بينما لا يوافق 18% على ذلك، ولم يُقدِّم 14% من المبحوثين جوابًا محددًا بشأن هذا المتغير. ويوافق بشدة 12% من أفراد العينة على أن "النخبة العربية أسهمت في تفسير وتحليل تطورات الحرب على غزة"، بينما لا يوافق بشدة 3% من مجموع عينة المبحوثين.
وتُظهِر النتائج أيضًا أن المبحوثين يوافقون بنسبة 65% على أن النخبة العربية أسهمت في تفسير وتحليل الحرب على غزة، في مقابل معارضة حوالي الربع تقريبًا (21%) من المبحوثين. ويُشير ذلك إلى مجموعة الأدوار أو الدور المركَّب الذي فرض نفسه على النخبوي العربي، سواء كان مفكرًا أو أكاديميًّا أو باحثًا، فهو يتابع الحرب على غزة ويقوم بأدوار المحلِّل والمُفَسِّر والباحث والمفكر والمؤلِّف، بالإضافة إلى الدور الملزم الذي يفرضه عليه تخصصه العلمي والمهني أو المجتمعي. وقد كشفت دراسة أُنْجِزَت حول كتابات 13 باحثًا من نخبة الباحثين المتخصصين في حقل علم السياسة والعلاقات الدولية عن تزايد الاهتمام بالقضية الفلسطينية، من خلال ارتفاع عدد الكتابات عن القضية من 29 مقالًا قبل معركة طوفان الأقصى إلى 170 مقالًا بعدها، وعن تراجع دعم مسار التطبيع وزيادة التشكيك في مخرجات مسار أوسلو التفاوضي، وتعاظم التأكيد على الحق في المقاومة وفي تقرير المصير(68) للشعب الفلسطيني.
شكل (7): توزيع نسب آراء المبحوثين بشأن مساهمة النخبة في تفسير وتحليل تطورات الحرب على غزة
مساهمة النخبة العربية بأفكار عملية خلال تطورات الحرب
أبرزت نتائج الدراسة أن 34% من أفراد العينة لا يوافقون على أن "النخبة قدَّمت أفكارًا عملية وإجرائية خلال تطورات الحرب على غزة"، في حين يوافق 31% من المبحوثين على ذلك، ولم يُقدِّم 25% من المبحوثين جوابًا محددًا. ويوافق بشدة 5% من مجموع أفراد العينة على أن "النخبة قدَّمت أفكارًا عملية وإجرائية خلال تطورات الحرب على غزة"، بينما لا يوافق بشدة 5% على ذلك.
وتوضح النتائج، من خلال الشكل رقم (8)، أن نسبتي الموافقة (36%) والرفض (39%) كانتا متقاربتين بشأن ما قدَّمته النخبة من أفكار عملية وإجرائية خلال تطورات الحرب، وهي نتائج لا تتوافق مع نسب المتغيرات السابقة، في مقابل ثبات نسبة المحايدين في الربع (25%)؛ مما يُشير إلى أن نسبة مهمة تتجاوز الثلث من المبحوثين غير راضين عن الأفكار العملية والإجرائية التي اقترحتها، أو قدَّمتها، النخبة العربية خلال الحرب على غزة، في مقابل رضا يفوق أيضًا الثلث.
ومن خلال مقارنة هذه النتائج حول مساهمة النخبة بأفكار عملية خلال الحرب مع نتيجة سابقة عن موافقة المبحوثين (65%) على دور النخبة في تفسير وتحليل أحداث الحرب على غزة، يبدو أن النخبة العربية تفضل أدوارًا معينة، مثل دور المحلِّل والمُفَسِّر، وهو ما يُسمِّيه علماء الاجتماع بـ"تقبل الأدوار"، لكنها لم تقم بأدوار أخرى، مثل إنتاج أفكار عملية وإجرائية خلال الحرب على غزة، أو لا يمارسونها علنًا؛ مما يُشير إلى وجود "مسافة في الأدوار". وتؤكد هذه النتائج صحة الفرضية الثانية للدراسة، كما تُشير إلى حاجة النخبة العربية لتطوير أفكارها حتى تواكب الأحداث والقضايا المطروحة على العالم العربي عامة، وفلسطين خاصة.
شكل (8): توزيع نسب آراء المبحوثين حول مساهمة النخبة في تقديم أفكار عملية خلال تطورات الحرب على غزة
دور الجامعات والمراكز البحثية في تشكيل وعي عربي تجاه القضية الفلسطينية
تُظهِر نتائج الدراسة أن 39% من المبحوثين لا يوافقون على أن "الجامعات والمراكز البحثية العربية أسهمت في تشكيل وعي عربي تجاه القضية الفلسطينية والحرب على غزة"، بينما يوافق 24% من مجموع أفراد العينة على ذلك، ولم يُقدِّم 24% جوابًا محددًا. وبيَّنت النتائج أيضًا أن 7% من المبحوثين لا يوافقون بشدة على أن "الجامعات والمراكز البحثية العربية أسهمت في تشكيل وعي عربي تجاه القضية الفلسطينية والحرب على غزة"، بينما يوافق بشدة 6% على قيام الجامعات بهذا الدور.
وهنا، نستنتج أن أفراد النخبة المشاركين في استطلاع الرأي يُميِّزون بين أدوار الفرد النخبوي، وأدوار الهيئات والمؤسسات النخبوية. ويُلاحظ الباحث، من خلال متابعته لمسار الحرب على غزة، أن الجامعات العربية تأخرت في القيام بأدوارها في المجال الثقافي، والحقوقي، والعلمي، والاجتماعي، لمساندة المظاهرات مثلما حدث في الجامعات الأميركية خاصة، والغربية عامة. كما أن المجلات العلمية الأكاديمية الغربية أصدرت 17900 دراسة أكاديمية علمية حول غزة في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والإنسانية والسلوكية والصحية وغيرها، خلال عامي 2023 و2024(69). في المقابل، لا توجد إحصائيات عربية شاملة ترصد ما أنتجه الأكاديميون والباحثون في العالم العربي حول الحرب على غزة، ولا ما أنتجته الجامعات العربية والمراكز البحثية العربية في هذا الشأن.
شكل (9): توزيع نسب آراء عينة الدراسة بشأن مساهمة الجامعات والمراكز البحثية
العربية في تشكيل وعي عربي تجاه القضية الفلسطينية
3. فاعلية النخبة ورؤيتها لدعم القضية الفلسطينية عربيًّا وعالميًّا خلال الحرب
دور النخبة العربية في صياغة إستراتيجيات لخدمة القضية الفلسطينية
تُبيِّن نتائج الدراسة أن المبحوثين لا يوافقون بنسبة 33% من مجموع أفراد العينة على أن "النخبة العربية أسهمت في طرح أفكار لصياغة إستراتيجية قريبة المدى وبعيدة المدى لتوحيد جهودها بما يخدم القضية الفلسطينية"، كما لم يُحدِّد 32% من أفراد العينة رأيًا أو جوابًا تجاه هذا المتغير. ويوافق 24% من المبحوثين على أن النخبة العربية أسهمت في طرح أفكار لصياغة هاتين الإستراتيجيتين، بينما لا يوافق بشدة 7% على ذلك. أما نسبة أفراد النخبة الذين يوافقون بشدة على إسهام النخبة العربية في صياغة الإستراتيجيتين المذكورتين فبلغت 4% من مجموع عينة الدراسة.
ورغم النتائج التي كشفتها دراسة حول كتابات نخبة من الباحثين المتخصصين في حقل علم السياسة والعلاقات الدولية عن تزايد الاهتمام بالقضية الفلسطينية من خلال ارتفاع عدد الكتابات حولها من 29 مقالًا قبل معركة طوفان الأقصى إلى 170 مقالًا بعدها(77)، فإن هذه النتيجة تدلُّ على رضا أقل من المتوسط لما تقوم به النخبة في الدورين البحثي والإعلامي. وهذا ما يتقاطع مع نتائج متغيرات سابقة؛ إذ عبَّر 38% من العينة عن رضا أقل من المتوسط بشأن تفاعل النخبة العربية مع الحرب على غزة وأدائها لأدوار متكاملة تجمع بين العمل الفكري والثقافي والإعلامي والعمل الميداني المدني الحقوقي والشعبي.
ويرى الأكاديمي، مصطفى حجازي، أن علماء الاجتماع العرب وغيرهم "لا يدرسون الشعب الفلسطيني من الداخل وصولًا إلى اكتشاف قواه الحية الكامنة، بل يُلامسون سطح الواقع وينخرطون هم والمثقفون في دراسة الفكر الغربي وقضاياه وأطروحاته وكأنَّه اليقين العلمي الكوني، مع أن هذا الفكر قد تمَّ تطويره لفهم واقع الإنسان الغربي، وغاب عن بالهم أنهم بحاجة إلى أدوات معرفية ومقاربات خاصة بإنساننا العربي والفلسطيني، وهو ما لم يفعلوه إلى الآن، ويأتي طوفان الأقصى كي يُفاجِئَهم ويكشف لهم ما غفلوا عنه"(70). ويتطلب هذا الضعف من النخبة العربية أن تقوم بأحد أهم أدوارها متمثلًا في توليد وابتكار أفكار إستراتيجية قريبة وبعيد المدى للقضايا المطروحة مثلما فعلت وتفعل نخب الاحتلال الإسرائيلي منذ أكثر من 75 سنة وخلال الحرب على غزة(71).
شكل (10): توزيع نسب آراء المبحوثين حول مساهمة النخبة العربية في صياغة إستراتيجيات لخدمة القضية الفلسطينية
أهداف الأيديولوجيات والتيارات الفكرية تجاه القضية الفلسطينية
تكشف نتائج الدراسة أن أفراد العينة من النخبة العربية لا يوافقون بنسبة 38% على أن "جميع الأيديولوجيات والتيارات الفكرية تركز على أهداف واضحة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية"، بينما لم يُقدِّم 31% من مجموع المبحوثين رأيًا محددًا بشأن هذا المتغير. ويوافق 19% من مجموع أفراد العينة على أن "جميع الأيديولوجيات والتيارات الفكرية تركز على أهداف واضحة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية"، كما يوافق بشدة 8% من المبحوثين على ذلك. وبلغت نسبة المبحوثين الذين لا يوافقون بشدة على أن "جميع الأيديولوجيات والتيارات الفكرية تركز على أهداف واضحة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية" 4% من مجموع أفراد العينة، كما توضح بيانات الشكل رقم (11).
وتؤكد هذه النتيجة صحة الفرضية الثانية للدراسة: "انقسمت مواقف وأدوار النخب العربية خلال الحرب الإسرائيلية على غزة بسبب اختلاف مرجعياتهم وأيديولوجياتهم السياسية، واختلاف مواقف دولهم من المقاومة والتطبيع". ويُفسِّر الباحث عبد الكريم بكار ذلك بأن "العرب والمسلمين كانت لهم مواقف مشتتة ومتفاوتة إلى حدٍّ بعيد، وهذه المواقف من طوفان الأقصى لم تكن سوى عنوان للشتات والضياع الأكبر الذي يعيش فيه العالم العربي؛ حيث لا أحلاف، ولا منظمات جامعة، ولا مؤسسات للتنسيق والتواصل، ولا مشروعات مشتركة ذات قيمة"(72). ولهذا يرى الباحث بلال التليدي أن على النخبة أن تقوم بدور تنوير المجتمع ونشر المعرفة والفكر في أوساط الناس، لكن بعيدًا عن قضايا التجييش السياسي والتحريض الطبقي(73).
شكل (11): توزيع نسب آراء عينة الدراسة حول خصائص أهداف الأيديولوجيات والتيارات الفكرية تجاه القضية الفلسطينية
التكامل بين العمل الفكري والإعلامي والعمل الميداني المدني والشعبي
تُظهِر نتائج الدراسة، من خلال الشكل رقم (12)، أن أفراد العينة يوافقون بنسبة 32% على أن "تفاعلَ النخبة مع الحدث تميَّز بالتكامل بين العمل الفكري والثقافي والإعلامي والعمل المدني الحقوقي والشعبي"، بينما لا يوافق المبحوثون بنسبة 29% على ذلك، كما لم يُقدِّم 27% من المبحوثين جوابًا محددًا. وبيَّنت النتائج أن 6% من مجموع أفراد عينة الدراسة لا يوافقون بشدة على أن "تفاعلَ النخبة مع الحدث تميَّز بالتكامل بين العمل الفكري والثقافي والإعلامي والعمل المدني الحقوقي والشعبي". وهي النسبة ذاتها (6%) لفئة المبحوثين الذين يوافقون بشدة على هذا التفاعل.
ومن العوامل التي تُسهم في تكريس عدم التكامل في أداء النخبة العربية لأدوارها هو استمرار الاختلاف بين أكبر خيارين أيديولوجيين أو سياسيين في المنطقة العربية؛ حيث بيَّنت ثورات الربيع العربي أن النخبة الليبيرالية انقلبت على أيديولوجيتها بعدما صعد الإسلاميون إلى السلطة في عدد من البلدان العربية، في المقابل انبرت نخبة الإسلاميين إلى شَيْطَنَة النخبة العلمانية والحداثية ووضعتها في خانة واحدة(74).
شكل (12): توزيع نسب آراء المبحوثين حول التكامل بين العمل الفكري والعمل المدني والشعبي خلال الحرب
توثيق الإبادة الجماعية والتعريف بالانتهاكات الإسرائيلية للقانون الدولي الإنساني
تكشف نتائج الدراسة أن أفراد العينة يوافقون بنسبة 49% على أن "النخبة قامت بتوثيق جرائم الحرب والإبادة الجماعية في غزة للتعريف بالانتهاكات الإسرائيلية للقانون الدولي الإنساني"، بينما لم يُحدِّد 23% منهم جوابًا محددًا. أما نسبة المبحوثين الذين لا يوافقون على قيام النخبة بدورها في توثيق الجرائم فبلغت 15%، في حين يوافق بشدة أفراد العينة على قيام النخبة بدورها في هذا المجال بنسبة 11%، ولم تتجاوز نسبة أفراد العينة الذين لا يوافقون بشدة على ذلك 2%. وتُظهِر النتائج، من خلال الشكل رقم (13)، أن ما يُقارب ثلثي المبحوثين (60%) يوافقون على الدور الذي قامت به النخبة العربية في توثيق الإبادة الجماعية، مقابل 17% لا يوافقون على ذلك، وهو ما يُشير إلى رضى المبحوثين عن دور النخبة العربية في المجال الحقوقي من خلال توثيقهم لجرائم الحرب والإبادة الجماعية التي ارتكبها الاحتلال الإسرائيلي وانتهاكه القانون الدولي الإنساني في قطاع غزة.
وتدلُّ هذه النتيجة على فاعلية النخبة العربية ميدانيًّا وقيامها بمهامها وأدوارها في مجال حقوق الإنسان والقانون الدولي(75)، ويُصنَّف ذلك في إطار ما يُسمَّى بـ"تقبل الأدوار"، وهو دور مهم في الدفاع عن القضية الفلسطينية حاضرًا ومستقبلًا. وقد استفادت النخبة العربية من وجود بعض أفرادها في البلدان الغربية لإنشاء مؤسسات حقوقية(76) والقيام بهذا الدور لمتابعة ساسة الاحتلال الإسرائيلي وجنوده بجرائم الحرب في أرجاء العالم، وفي الغرب خاصة. لكن في المقابل، يرى 40% من أفراد العينة أن فاعلية النخبة العربية ضعيفة في أداء أدورها، لاسيما "في طرح وإبداع أفكار إستراتيجية لتوحيد جهود النخبة بما يخدم قضية فلسطين" (انظر الشكل رقم (8))؛ مما قد يُشير إلى دور مهم للنخبة السياسية في الفاعلية الميدانية في المجال الحقوقي.
شكل (13): توزيع نسب آراء عينة الدراسة حول دور النخبة في
توثيق الإبادة الجماعية والانتهاكات الإسرائيلية للقانون الدولي الإنساني
التأليف البحثي والإنتاج الإعلامي حول الاحتلال الإسرائيلي
تُبيِّن نتائج الدراسة، من خلال الشكل (14)، أن أفراد العيِّنة يوافقون بنسبة 35% على أن "النخبة العربية كثَّفت من التأليف البحثي والعلمي والإنتاج الإعلامي حول الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية في قضايا تاريخية ومعاصرة ومستقبلية"، بينما لم يُقدِّم 34% من مجموع أفراد العينة جوابًا محددًا. وبلغت نسبة المبحوثين الذين لا يوافقون على قيام النخبة بدورها في "تكثيف التأليف البحثي حول الاحتلال الإسرائيلي في قضايا تاريخية ومعاصرة ومستقبلية" 22%، في حين يوافق بشدة 6% من مجموع أفراد العينة على قيام النخبة بهذا الدور، بينما لم تتجاوز نسبة الذين لا يوافقون بشدة على ذلك 3%.
ورغم النتائج التي كشفتها دراسة حول كتابات نخبة من الباحثين المتخصصين في حقل علم السياسة والعلاقات الدولية عن تزايد الاهتمام بالقضية الفلسطينية من خلال ارتفاع عدد الكتابات حولها من 29 مقالًا قبل معركة طوفان الأقصى إلى 170 مقالًا بعدها(77)، فإن هذه النتيجة تدلُّ على رضا أقل من المتوسط لما تقوم به النخبة في الدورين البحثي والإعلامي. وهذا ما يتقاطع مع نتائج متغيرات سابقة؛ إذ عبَّر 38% من العينة عن رضا أقل من المتوسط بشأن تفاعل النخبة العربية مع الحرب على غزة وأدائها لأدوار متكاملة تجمع بين العمل الفكري والثقافي والإعلامي والعمل الميداني المدني الحقوقي والشعبي.
وتُشير هذه النتيجة إلى صحة الفرضية الثانية (ضعف النخبة في اقتراح إجراءات عملية يستفيد منها الشعب الفلسطيني والمقاومة ميدانيًّا)، وإلى وجود "تقبل الأدوار" من قِبَل النخبة العربية في مجالات العمل الفكري والثقافي والإعلامي والحقوقي والشعبي، ووجود "مسافة الأدوار" في ميادين أخرى.
شكل (14): توزيع نسب آراء المبحوثين حول دور النخبة في التأليف البحثي والإنتاج الإعلامي
جهود النخبة العربية في بناء تصور تحرري فلسطيني
تُظهِر نتائج الدراسة، من خلال الشكل رقم (15)، أن 39% من مجموع أفراد العينة لم يُقدِّموا جوابًا محددًا عن "سعي النخبة العربية لبناء تصور تحرُّري فلسطيني بالتعاون مع فلسطينيي الداخل والخارج وغيرهم"، بينما لا يوافق 25% من المبحوثين على أن النخبة العربية سعت لبناء هذا التصور التحرُّري الفلسطيني. أما نسبة المبحوثين الذين يوافقون على ذلك فبلغت 24% من مجموع أفراد العينة، في حين لا يوافق بشدة 6% من المبحوثين على أي دور قامت به النخبة العربية في بناء تصور تحرُّري فلسطيني. لكن في المقابل يوافق بشدة 6% من المبحوثين على أدائها لهذا الدور. وهذا يؤكد مرة أخرى صحة الفرضية الرابعة (لم تستغل النخبة جرائم الحرب، والإبادة الجماعية التي يرتكبها الجيش الإسرائيلي، في إبداع إستراتيجية جديدة تُعزِّز الوحدة الفلسطينية وتبني تيارًا أمميًّا يُدافع عن عدالة القضية الفلسطينية).
ويُفسِّر المفكر محمد سليم العوا ضعف الإنتاج الإستراتيجي لدى النخبة العربية بأن "المفكرين والمثقفين وعلماء الدين في العالم العربي فاقدون منذ زمن بعيد -ربما عقب اتفاقيات كامب ديفيد مباشرة- لأي أمل في مشروع فكري أو سياسي لحلِّ القضية الفلسطينية"(78)، في حين يرى عالم الاجتماع، الطاهر لبيب، أن تراجع الإنتاج الفكري حول قضية فلسطين يرتبط بالإحباط الناتج عن اتفاق أوسلو، عام 1993، وأن ما حدث في فلسطين أعاد الاهتمام بالقضية الفلسطينية، لكنه اهتمام قليل الفكر، في مجمله، وارتجالي. ويُشير إلى أن الحرب على غزة ستُعزِّز فكرة المقاومة أو المقاومة باعتبارها فكرة. "وما يترسَّب هو أن المقاومة، مهما لحق بها ومهما كان الثمن، هي فكرة لا تموت. هذه الفكرة ما هي؟ مَنْ سينقلها من القوة إلى الفعل؟ هذا النوع من الأسئلة مطروح على جيل قادم يتناوله برؤيته وبوسائل فكرية وعملية لا نعرفها، في عالم لن يكون كما عرفناه"(79).
شكل (15): توزيع نسب آراء عينة الدراسة حول جهود النخبة العربية في بناء تصور تحرري فلسطيني
دور النخبة العربية في الدفاع عن القضية الفلسطينية وتجاوز الانقسام الداخلي
تكشف نتائج الدراسة أن المبحوثين يوافقون بنسبة 33% من مجموع أفراد العينة على أن "النخبة قامت بدور فاعل في الدفاع عن القضية الفلسطينية عامة، وتجاوز الانقسام الفلسطيني خاصة"، ولم يُقدِّم 30% من المبحوثين رأيًا محددًا، بينما لا يوافق 24% من أفراد العينة على قيام النخبة العربية بأي دور في الدفاع عن القضية الفلسطينية وحلِّ مسألة الانقسام الداخلي. ولم تتجاوز نسبة المبحوثين الذين يؤيدون بشدة هذا الدور 7%، كما توضح بيانات الشكل رقم (16). في المقابل، لا يوافق بشدة أفراد العينة بنسبة 6% على أن النخبة قامت بدور فاعل في الدفاع عن القضية الفلسطينية. وتتقاطع هذه النتيجة مع نتيجة المتغير الخامس عشر (جهود النخبة في بناء تصور تحرُّري فلسطيني، انظر الشكل رقم (15))؛ إذ لم يؤيد نحو ثلث المبحوثين (31%) أطروحة قيام النخبة العربية بدورها في بناء تصور تحرُّري فلسطيني بالتعاون مع فلسطينيي الداخل والخارج وغيرهم، بينما يوافق نحو الثلث (30%) أيضًا على قيام النخبة بهذا الدور.
ويُمثِّل الانقسام الفلسطيني أحد العوامل التي تُعمِّق أزمة القضية الفلسطينية؛ مما يُشير إلى أهمية قيام النخبة العربية عمومًا، والفلسطينية خصوصًا، بنقد ذاتي، ومراجعة الأيديولوجيات التي ظهرت في سياق مغاير(80) لسياق ما بعد "طوفان الأقصى"، في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023. كما يؤكد أهمية تجديد الأفكار والتصورات وتحديد أدوار الجانب فلسطيني من جهة، وأدوار النخبة العربية والإسلامية من جهة أخرى.
ويقترح الأكاديمي أشرف عثمان بدر أن تُعالج النخبة الفلسطينية والعربية أيضًا أسباب الانقسام الفلسطيني، وأن تتجنَّب إضاعة الوقت في طرح حلول جزئية، وأن تضع خارطة طريق فلسطينية تقوم على أُسُس واضحة مُؤَسَّسِية واجتماعية مع وضع حدٍّ للتدخل الإسرائيلي والأجنبي في الشأن الفلسطيني. ويكون "على رأس الأولويات إعادة تعريف المشروع الوطني الفلسطيني بحيث تتم صياغة ميثاق وطني جديد مبني على التمسك بالحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني، وفي مقدمتها حق العودة وحق تقرير المصير، مع المحافظة على الرواية التاريخية الفلسطينية، بالإضافة إلى إعادة تعريف العلاقة مع إسرائيل كعلاقة صراع مع عدو وليس علاقة شراكة"(81).
شكل (16): توزيع نسب آراء المبحوثين حول دور النخبة العربية في الدفاع عن القضية الفلسطينية وتجاوز الانقسام الداخلي
4. النخبة العربية وتداعيات الاختلاف السياسي والأيديولوجي خلال الحرب
تأثير الاختلاف السياسي بين الدول العربية في رؤية النخبة للحرب
تكشف نتائج الدراسة أن أفراد العينة يوافقون بشدة وبنسبة 47% على أن "الاختلاف السياسي بين الدول العربية يؤثر في قراءة ورؤية النخبة للحرب على غزة"، كما يوافق المبحوثون على مكونات هذا المتغير بنسبة 46%، بينما لا يوافق أفراد العينة بنسبة 4% على أن "الاختلاف بين الدول العربية يؤثر في قراءة ورؤية النخبة للحرب على غزة". ولم يُقدِّم 2% من المبحوثين رأيًا محددًا إزاء هذا المتغير، في حين لا يوافق بشدة أفراد العينة على ذلك بنسبة 1%. وتُظهِر النتائج، من خلال الشكل رقم (17)، أن ثمة ما يُشبه الإجماع (93%) بين المبحوثين حول تأثير الاختلاف السياسي بين الدول العربية في قراءة ورؤية النخبة العربية للحرب على غزة"، ولأول مرة في هذا الاستطلاع يكاد يغيب حياد المبحوثين، والذي ظل يتراوح بين 14% و39% في نتائج المتغيرات السابقة. وتُشير النتائج أيضًا إلى صحة الفرضية الثالثة (انقسام مواقف النخبة العربية وأدوارها خلال الحرب على غزة بسبب اختلاف المرجعيات الفكرية والأيديولوجية لأفرادها). كما توضح "صراع الأدوار" في العالم العربي، وهو صراع مستمر منذ مدة؛ مما يؤدي إلى تداخل في دور أو أكثر يُتَوقَّع أن تقوم به نخبة مع دور أو أدوار تقوم بها نخبة أخرى قد تكون حاكمة أو سياسية أو اقتصادية أو عسكرية أو غيرها، لكن يجمع بينها وجود بيئة عربية مغلقة.
ويُشير هذا الإجماع إلى أن داء الاستبداد السياسي لا يزال منتشرًا في أجساد جميع فئات المجتمع، بمن فيهم النخبة؛ إذ نجحت النخب السياسية الحاكمة في مختلف البلدان العربية في تدجين العديد من النخب (الثقافية والاقتصادية والدينية والعسكرية والحزبية والحكومية..) تارة بالتهديد والوعيد، وتارة أخرى بالإغراء والترغيب، كما ضيَّقت من الهامش القانوني لتحركها وفاعليتها. وقد أسهم هذا الأمر في خلق فجوة بين السلطة السياسية وأفراد المجتمع، واستمرار الأوضاع السياسية على حالها. وإذا كان الدور القيادي للنخبة على مستوى الإصلاح والتغيير ينطوي على أهمية كبرى في مختلف المجتمعات البشرية، فإن هذا الدور يصبح أكثر أهمية وحيوية وإلحاحًا في المنطقة العربية(82). ويرى الباحث، الطاهر لبيب، أن هذا الاستبداد الذي صنع "ما يُسمَّى صمتًا عربيًّا، هو، في الحقيقة، قناع المصالح العليا والسفلى إذا خافت. هذا الخوف مستبطن في السياسة، وتُجيد قوى الهيمنة تضخيمه واستثماره في تخويف السياسيين الذين يُمرِّرون خوفهم إلى شعوبهم. استبطان الخوف هذا ليس، بالضرورة، لقلَّة الشجاعة، فهذه تحضر وتغيب، وإنما هو من أعراض تبعية بنيوية(83)، مما يُشير إلى أهمية السعي المتواصل لتغيير الواقع الاستبدادي في المجتمعات العربية، وكسر التفرُّد بالسلطة وإشراك المواطنين في الاختيار والمسؤوليات العامة(84).
شكل (17): توزيع نسب آراء المبحوثين حول تأثير الاختلاف السياسي في رؤية النخبة العربية للحرب على غزة
الاختلاف الأيديولوجي بين النخب العربية وتأثيره في مسار القضية الفلسطينية
تُظهِر نتائج الدراسة، من خلال الشكل رقم (18)، أن المبحوثين يوافقون بنسبة 47% من مجموع أفراد العينة على أن "الاختلاف الأيديولوجي بين النخب يؤثر تأثيرًا سلبيًّا في مسار القضية الفلسطينية"، كما يوافق بشدة على ذلك 43% من أفراد العينة، بينما لا يوافق 6% من المبحوثين على هذا المتغير. ولم يُحدِّد 4% من المبحوثين رأيًا محددًا إزاء الاختلاف الأيديولوجي بين النخب وتأثيره في مسار القضية الفلسطينية. وتُعزِّز هذه النتيجة صحة الفرضية الثالثة (انقسام مواقف النخبة وأدوارها خلال الحرب على غزة بسبب اختلاف المرجعيات الفكرية والأيديولوجية لأفرادها..)، ووجود صراع الأدوار بين النخب المفكرة والأكاديمية والمثقفة والإعلامية وبين النخب السياسية والحاكمة.
ويرى الأكاديمي، الصادق الفقيه، أن الخلافات الأيديولوجية تنشأ في الواقع داخل مختلف التنظيمات والتيارات الثيوصوفية والأيديولوجية، وبين القادة السياسيين والمجتمعيين الذين يتفاعلون بشكل متكرر وأقلَّ انفتاحًا مما هو مرئي في الشارع العربي. ويمكن أن يكون للتعددية الأيديولوجية آثار سياسية إيجابية تسمح بالتكيُّف التدريجي لمختلف المجتمعات في الوطن العربي مع التغيرات العميقة. لذلك يجب دعم الجهود والإصلاحات الرامية إلى إصلاح المجتمعات العربية من قِبَل إدارات الدولة المستعدة للتحلِّي بالمرونة. وبمجرد النظر إلى هذه الاختلافات الأيديولوجية مصدرًا للتنمية، فإنها يمكن أن تُعزِّز هوية كل شخص وبلد عربي، ثم تتحوَّل من مصادر للمأساة والصراع إلى مصادر للحوار والإبداع الأيديولوجي(85).
ويقتضي هذا الأمر من النخبة أن تنفتح على تجارب الآخرين ورؤاهم في حلِّ المشكلات وصناعة التقدُّم، وقد أسهم بعض النخبة مساهمة فعَّالة في التعاطي حتى مع الحضارة الغربية، وأخذوا منها إيجابياتها وتركوا سلبياتها حينًا، وقاموا بمواجهة الاستعمار وممارسة النضال الوطني في شتى صوره ومجالاته(86).
شكل (18): توزيع نسب آراء عينة الدراسة حول تأثير الاختلاف الأيديولوجي بين النخب في مسار القضية الفلسطينية
تعامل النخبة العربية مع مسألة الطائفية خلال الحرب على غزة
تكشف نتائج الدراسة -كما يظهر من خلال الشكل رقم (19)- أن أفراد العينة يوافقون بنسبة 44% على أن "النخبة العربية أخفقت في التعامل مع مسألة الطائفية خلال الحرب على غزة"، بينما لم يُقدِّم المبحوثون جوابًا محددًا إزاء مقتضيات هذا المتغير بنسبة 24%. ويوافق بشدة أفراد عينة الدراسة وبنسبة 22% على أن "النخبة العربية أخفقت في التعامل مع مسألة الطائفية"، بينما لا يوافق المبحوثون بنسبة 9% من مجموع أفراد العينة على ذلك، كما لا يوافقون بشدة على مقتضيات هذا المتغير بنسبة 1%.
ويُلاحظ أن مسألة الطائفية ذات امتداد حضاري ديني وسياسي للمجتمعات الإنسانية عامة، والمجتمعات العربية والمسلمة خاصة؛ إذ لا تزال تثير التوترات والتحفظات والريبة، وتُحقِّق مصالح أطراف عدة أيضًا، ويمكن القول تاريخيًّا: "إن أي شكل من أشكال الاهتزازات السياسية، أو الاضطرابات الاجتماعية، كان يترافق مع انفجار المسألة الطائفية، ولاسيما في حالات الحراك الاجتماعي أو الثورات الاجتماعية"(87).
ورغم أن الأحداث الدامية في سوريا وليبيا والعراق ولبنان كشفت -كما يرى الأكاديمي، علي أسعد وطفة- أن أغلب المثقفين الكبار -ومن ضمنهم نخب دينية وسياسية وثقافية وإعلامية يُعوَّل على علمهم وثقافتهم وحكمتهم وتَعَقُّلِهم خلال الأزمات والمنعطفات التاريخية- قد انحدروا إلى السلوك الطائفي والعرقي والمذهبي، فإنه يرفض التعميم المطلق ويُقِرُّ بوجود نخبة قليلة جدًّا واجهت هذا المدَّ الطائفي بدرجة عالية من المسؤولية. لكنه يقول: إن "الغالبية العظمى من المثقفين مارسوا الطائفية بطريقة شعبوية لا تتناسب أبدًا مع دور الثقافة ومعناها الإنساني"(88).
ويُبدي الباحث بلال التليدي تفهُّمَه لمعارك السنَّة والشيعة في كل من العراق وسوريا(89) وتأثيراتها الراسخة في مخيلة أصحابها، لكنه لا يُبدي تفهُّمًا للخطاب الطائفي الذي شنَّ حملات إعلامية على "المشروع الإيراني" في المنطقة؛ حيث ينسى أصحاب هذا الخطاب طرح أسئلة على المشروع الذي تحمله الدول العربية في وجه المشروع الصهيوني المتمدد الذي اختار بدعم أميركي أن يجعل من "صفقة القرن" رهانًا لتيسير "اندماج إسرائيل في محيطها" وابتلاعها لهذا المحيط برمته(90).
إن أي مجتمع مشتت وممزق سياسيًّا واجتماعيًّا وطائفيًّا سيكون بعيدًا عن الوطنية، وليس سهلًا رَدْم الفجوة بين مكوناته المتعددة إلا بالعمل الجاد والموحد، وأن تكون الوطنية هي الهدف الجامع لكل المكونات(91).
شكل (19): توزيع نسب آراء المبحوثين حول إخفاق النخبة العربية في التعامل مع مسألة الطائفية خلال الحرب على غزة
علاقات النخبة بالأنظمة ومراكز النفوذ ودورها في تكريس الاختلاف بين النخب
تكشف نتائج الدراسة أن المبحوثين يوافقون بنسبة 53% من مجموع أفراد العينة على أن "علاقات النخبة بالأنظمة الحاكمة ومراكز النفوذ والإعلام تُكرِّس الاختلاف بين النخب"، كما يوافق بشدة المبحوثون بنسبة 34% على ذلك. ولم يُقدِّم أفراد العينة جوابًا محددًا بنسبة 11%، في حين لا يوافق المبحوثون بنسبة 2% على أن "علاقات النخبة بالأنظمة ومراكز النفوذ والإعلام تُكرِّس الاختلاف بين النخب".
وتوضح هذه النتائج، من خلال الشكل رقم (20)، أن غالبية المبحوثين (87%) يوافقون على أن علاقات النخبة بالأنظمة الحاكمة وبالهيئات ومراكز النفوذ والإعلام تُعزِّز الاختلاف بين النخب. ويُفسِّر الفيلسوف طه عبد الرحمن ذلك بأن النظام العربي، في جملته، أضحى مانعًا للفعل المُقَاوِم إلى حدٍّ أن هذا المنع أَشْبَه المنع الذي يقع من المحتلِّ، حتى كأنَّ هذا النظام "احتلال داخلي". وأشار إلى وجود أسباب عدة تجعل النظام العربي مانعًا للفعل المُقَاوِم، من ذلك: "الهوة السياسية بين الحاكم والمحكوم"، و"النخبة العسكرية المستولية على السلطة بالقوة والمشتركة في المصالح مع الجهات الاستعمارية"، و"النخبة المدنية التي اسْتُلِبَت بقيم الثقافة الأجنبية، وأُسْنِدَت إليها إدارة المؤسسات بتوجيه من هذه الجهات الاستعمارية"، وأخيرًا، "مسلسل التطبيع".
ودعا طه عبد الرحمن "مثقفي العهد الجديد الذي فتحه طوفان الأقصى إلى إعادة التفكير في مفهوم المقاومة، وأن يُؤَسِّسُوه على أصول جديدة، وأن يُنْشِئُوا من المفاهيم ما يُعَضِّدُه، ويستخرجوا من حقائقه ما لم يكن يخطر على البال، ويَبْنُوا من النظريات والأنساق الفكرية والسياسية ما يكون على قدره"(92).
وقد أثبتت مجمل الأحداث التي عرفتها المنطقة العربية منذ بداية الألفية الثالثة أن النخبة العربية لا تزال بعيدة عن صنع القرار ومراكزه الفعلية، بل تُعاني في بنيتها وتكوينها من الهشاشة وفقدانها الاستقلالية في مختلف المستويات، وتغلب عليها صفة الولاء وسمة الاحتواء في مختلف مواقفها وأدوارها. كما أن ثمة فئة من النخبة رسمت بصمتها شكلًا من أشكال التبعية مما أكسبها حالة من السلبية والضعف وانعدام الفاعلية، وأثَّر في مكانتها واضطلاعها بأدوارها في البلدان العربية، التي تطمح منذ عقود إلى حدوث تغيير حقيقي وفعلي، تكون النخبة فيه أداة أساسية(93).
شكل (20): توزيع نسب آراء المبحوثين حول علاقات النخبة العربية
بالأنظمة الحاكمة ومراكز النفوذ ودورها في تكريس الاختلاف بين أفرادها
تقييم النخبة العربية لمسار القضية الفلسطينية خلال الأعوام الـ75 الماضية
تُبيِّن نتائج الدراسة أن أفراد العينة يوافقون بنسبة 48% على أن "النخبة العربية لم تُقدِّم تقييمًا منصفًا وبنَّاءً لمسار القضية الفلسطينية خلال الأعوام الـ75 الماضية"، ولم يُبرِز المبحوثون رأيًا أو جوابًا محددًا بنسبة 18%. ويوافق بشدة أفراد العينة بنسبة بلغت 17% على تقديم النخبة لتقييم منصف وبناء لمسار القضية الفلسطينية، في حين لا يوافق المبحوثون على ذلك بنسبة 16%، كما لا يوافق بشدة أفراد العينة بنسبة 1% على مقتضيات هذا المتغير، مثلما تُظهِر بيانات الشكل رقم (21). وتؤكد هذه النتائج صحة الفرضية الرابعة؛ إذ "لم تستغل النخبة العربية الحرب الإسرائيلية على غزة في إبداع إستراتيجية جديدة تُعزِّز الوحدة الفلسطينية على الأقل".
ويمكن تفسير هذه النتائج بارتباط النخبة العربية بالأنظمة الحاكمة ومراكز النفوذ والإعلام، وهو ما لا يسمح لها بأداء دورها المنصف في تقييم مسار القضية الفلسطينية تقييمًا منصفًا وموضوعيًّا؛ إذ أكد معظم المبحوثين (87%) أن علاقات النخبة بهذه الأنظمة ومراكز النفوذ تُعزِّز الاختلاف بين النخب؛ مما يُسهِم في إنتاج قراءة غير موضوعية. ويرى الأكاديمي الصادق الفقيه أنه "لا توجد تقنية قياسية لمنع أو حلِّ النزاعات الداخلية إلا من خلال أطر فكرية مشتركة. لذلك يُعَد التعاون الفكري مفتاح الفكر السياسي وصنع القرار، وهو وسيلة للتأثير المتبادل وتعزيز العلاقات بين الأفراد المسؤولين عن واجبات التخطيط والتنفيذ. ومن ثم، فإن تهيئة المناخ الفكري لخلق فضاء اقتصادي موحد أداةٌ يمكن للباحثين والخبراء وصنَّاع القرار في المستقبل توظيفها من أجل صياغة سياسات تعتمد على المبادئ الإيجابية لكل من التجربة والنظرية(94).
شكل (21): توزيع نسب آراء المبحوثين في تقييم النخبة العربية لمسار القضية الفلسطينية
بديل جديد لخياري المقاومة والتفاوض لتحرير فلسطين
تُبيِّن نتائج الدراسة أن المبحوثين يوافقون بنسبة 52% من مجموع أفراد العينة على أن "النخبة لم تُقدِّم بديلًا جديدًا لخياري المقاومة والتفاوض لتحرير فلسطين من الاحتلال الإسرائيلي"، كما يوافق المبحوثون بشدة وبنسبة 27% على ذلك، بينما لم يُقدِّم أفراد عينة الدراسة بنسبة 13% جوابًا محددًا بشأن مقتضيات هذا المتغير. في المقابل، لا يوافق المبحوثون بنسبة 7% على أن "النخبة لم تُقدِّم بديلًا جديدًا لخياري المقاومة والتفاوض لتحرير فلسطين"، بل يؤكدون دورها في أداء مسؤوليتها تجاه القضية الفلسطينية، كما لا يوافق بشدة المبحوثون على هذا المتغير وإِنْ كان ذلك بنسبة ضئيلة لم تتجاوز 1%، مثلما يظهر من خلال الشكل رقم (22).
وبالموازاة مع هذه النتيجة (79%) التي يوافق من خلالها المبحوثون على أن النخبة لم تُقدِّم جديدًا لخياري المقاومة والتفاوض في تحرير فلسطين، يُلاحظ أيضًا أن أفراد العينة لا يوافقون بنسبة 40% على أن "النخبة العربية قامت بدورها في طرح أفكار لصياغة إستراتيجية بعيدة المدى لتوحيد جهود النخبة بما يخدم قضية فلسطين". ويُشير ذلك إلى أن المبحوثين يُميِّزون بين أدوار النخبة في الإنتاج العلمي والثقافي والإعلامي الآني، الذي يواكب أحداث الحرب على غزة، وبين أدوار النخبة عميقة التأثير، مثل صياغة وإبداع رؤى وحلول بعيدة المدى تؤدي إلى تحرير فلسطين من الاحتلال الإسرائيلي.
ويُفسِّر الأكاديمي وائل حلاق الوضع الحالي بأن ما نعيشه من أحداث خلال العقود الماضية له أبعاد فكرية وسياسية واقتصادية وأخلاقية، لذلك "ينبغي أن نبدأ التفكير في هذه المسائل كلها معًا باعتبار أنها مترابطة بنيويًّا، ففلسطين جوهريًّا مشكلة معرفة، وعلى هذا النحو، هي مشكلة أخلاقية، وليست مشكلة سياسية وعسكرية فقط. ولن نستطيع فهم المشكلة السياسية إطلاقًا، إلا إذا فهمناها في هذا الإطار. ففي التجربة الفلسطينية للحياة والموت تكمن خلاصة المشكلة العالمية للأخلاق والمعرفة"(95).
شكل (22): توزيع نسب آراء المبحوثين حول تقديم النخبة العربية لبديل جديد لتحرير فلسطين من الاحتلال الإسرائيلي
سمات مشاركة المحللين في التغطية الإعلامية للحرب على غزة
تكشف نتائج الدراسة، من خلال الشكل رقم (23)، أن المبحوثين لا يوافقون بنسبة 34% على أن "مشاركة المحلِّلين في التغطية الإعلامية للحرب على غزة تميَّزت بالسطحية وعدم القدرة على التنبؤ"، بينما يوافق 31% من مجموع أفراد العينة على ذلك. ولم يُقدِّم 20% من المبحوثين جوابًا محددًا إزاء هذا المتغير. في المقابل، يوافق بشدة أفراد عينة الدراسة بنسبة 11% على أن "مشاركة المحلِّلين في التغطية الإعلامية لحرب على غزة تميَّزت بالسطحية وعدم القدرة على التنبؤ"، بينما لا يوافق بشدة المبحوثون على ذلك بنسبة 4%.
وأشارت دراسة مقارنة بين قناتي "الجزيرة" و"الحرة" إلى أن المحلِّلين والخبراء تصدَّروا النخبة التي أسهمت في تحليل وتفسير أحداث الحرب على غزة بنسبة 24.3%، يليهم الجمهور العام بنسبة 12.5%، ثم أعضاء ورؤساء مؤسسات وحركات مدنية حقوقية بنسبة 11.8%، ثم الصحفيون بنسبة 10%، وأخيرًا أعضاء ورؤساء أحزاب سياسية بنسبة 7%. وبيَّنت الدراسة أن "الجزيرة" كانت الأكثر تفسيرًا لأحداث الحرب على غزة (60.1%) مقارنة بقناة "الحرة" الأميركية (55.5%)، كما عرضت القناتان وجهتي النظر المؤيدة والمعارضة بنسبة 54.7%(96).
شكل (23): توزيع نسب آراء عينة الدراسة حول خصائص مشاركة المحللين في التغطية الإعلامية للحرب على غزة
5. أدوار وأولويات النخبة العربية بعد الحرب على غزة
تهتم الدراسة في هذا المحور البحثي بالرؤى المستقبلية لأفراد العينة وتصوراتهم للأدوار والأولويات التي تُؤَطِّر علاقتهم بالقضية الفلسطينية بعد الحرب على غزة، وتستقصي تطلعات المبحوثين ومقترحاتهم لما يمكن أن تقوم به النخبة العربية، من خلال تحليل إجاباتهم على هذا السؤال المفتوح: ما الأدوار والأولويات التي يجب أن تركز عليها النخبة العربية بعد الحرب على غزة؟ وقد شارك في التفاعل والإجابة على هذا السؤال 273 مبحوثًا بنسبة 66% من مجموع العيِّنة، ولم يُقدِّم 141 مبحوثًا بنسبة 34% أية إجابة. وتُظهِر هذه النتيجة مشاركة ثلثي المبحوثين في استشراف أدوار النخبة العربية وأولوياتها بعد الحرب على غزة؛ مما يُشير إلى انتشار ثقافة التفاعل والتواصل لدى أفراد عينة الدارسة؛ إذ شارك في الاستبيان 94% من فئات المتعلمين والمثقفين، بينهم 67% يُمثِّلون الفئة ذات التعليم والثقافة العاليين. وتُعَد نسبة الثلثين مهمة جدًّا، وتُعبِّر عن قيام النخبة بدورها في إبداء الرأي والتعبير، وهذا من الأدوار والوظائف المهمة لهذه الفئة المجتمعية، خاصة في ظل انتشار ثقافة التواصل التي عزَّزتها الشبكات الاجتماعية والمنصات الرقمية؛ إذ يتنافس المستخدمون والجمهور والنخبة والشركات والدول وغيرها على استغلال هذه المنصات من أجل نشر الآراء والأفكار والترويج لها.
ويُلاحظ الباحث، بعد عملية فحص وتصنيف أجوبة المبحوثين، أن آراءهم ومقترحاتهم تمحورت حول 10 مجالات كبرى، ويتضمن كل مجال أدوارًا وعناصر خاصة، ويرى المبحوثون أن النخبة العربية مطالبة بالقيام بهذه الأدوار. وتشمل هذه المجالات: الدعم المعنوي والمادي (6 عناصر)، والعمل الاجتماعي (7 عناصر)، والعمل الإستراتيجي (12 عنصرًا)، والمجال الإعلامي (8 عناصر)، والعمل السياسي (6 عناصر)، والعمل الوحدوي (15 عنصرًا)، والمجال العلمي والثقافي (13 عنصرًا)، والمجال الفردي (12 عنصرًا)، والمجال الحقوقي والقانوني (10 عناصر)، ونشر الوعي (11 عنصرًا).
وتُشير هذه المجالات إلى أولويات أفراد النخبة العربية، الذين يهتمون في المرتبة الأولى بـ"العمل الوحدوي"، ثم "المجال العلمي والثقافي" في المرتبة الثانية، ثم "المجال الفردي" و"العمل الإستراتيجي" في المرتبة الثالثة. وفي المرتبة الرابعة "نشر الوعي"، ثم "المجال الحقوقي والقانوني" في المرتبة الخامسة، ثم "المجال الإعلامي" في المرتبة السادسة. وفي المرتبة السابعة "العمل الاجتماعي"، وفي المرتبة الأخيرة "الدعم المعنوي والمادي" و"العمل السياسي".
وتوضح هذه النتائج أن المبحوثين يرون أن النخبة العربية يجب أن تركز على الأدوار والمهام الكبرى التي تؤدي إلى توحيد جهودها وصفوفها مؤسساتيًّا وعمليًّا، ثم علميًّا وثقافيًّا وإستراتيجيًّا، وضرورة التخلص من الفردانية والمصلحة الفردية والانعزال، وكذلك التخلص من التبعية السياسية للنخب الحاكمة والاقتصادية والإعلامية، وضرورة اهتمام النخبة العربية بتعزيز بنائها العلمي والفكري.
ويرى المبحوثون أن النخبة العربية يمكنها -بعد أداء أدوارها الوحدوية والعلمية والثقافية والإستراتيجية والذاتية (أي بناء الذات)- أن تقوم بوظائفها في "نشر الوعي" في المجتمعات العربية وبين الأجيال الصاعدة والشباب خاصة، وتعزيز الوعي بالقضية الفلسطينية عالميًّا من خلال أداء أدوار تتصل بـ"المجال الحقوقي"، مثل: توثيق جرائم الحرب والإبادة الجماعية، التي ارتكبها الاحتلال خلال الحرب على غزة، وتنسيق العمل بين الهيئات الحقوقية المحلية والعربية والدولية، ثم تُكَثِّف النخبة أداء أدوارها الإعلامية.
وتُشير النتائج أيضًا إلى أن المبحوثين يضعون الأدوار الاجتماعية للنخبة في المرتبة السابعة، تليها أدوار الدعم المعنوي والمادي/الإغاثي، ثم أدوار العمل السياسي. ويمكن تفسير هذه النتائج من خلال تخصصات أفراد العينة؛ إذ شارك في الاستبيان 94% من فئات المتعلمين والمثقفين، بينهم 67% يُمثِّلون الفئة ذات التعليم والثقافة العاليين، ممن يحملون صفة مفكر وأكاديمي وعلماء دين. هؤلاء يُفكِّرون في أدوار تُناسِب تكوينهم العلمي والثقافي وتخصصهم المهني، مما يدلُّ على تجانس نتائج الدراسة.
وتُثِير هذه النتائج مجموعة من الملاحظات، من أهمها:
- المبحوثون يدركون أن هناك تنوعًا في مجالات العمل أمام النخبة العربية؛ مما يعني أن ثمة تعدُّدًا في الأدوار التي قامت بها النخبة خلال الحرب على غزة. ويُشير ذلك إلى أهمية نظرية الدور في فهم الوظائف والمهام المطلوبة من فئات المجتمع عامة، والنخبة خاصة.
- تعطي النخبة الأولوية للأدوار العلمية والفكرية والثقافية على الأدوار الاجتماعية (أو المجتمعية) والسياسية والعمل الإنساني، أو الدعم الإغاثي. ويمكن تفسير ذلك بأن غالبية أفراد العينة ينتمون للوسط الأكاديمي ومجال العمل الإعلامي ومن المثقفين والمفكرين. كما أن هؤلاء المبحوثين من فئات ذات دخل متوسط، والتي قد لا تكون مساهمتها مؤثرة في أدوار وأعمال الإغاثة.
- مكاشفة المبحوثين لواقع النخبة العربية التي تُعاني من تضخم الذات والانعزال والتبعية الأيديولوجية أو التبعية السياسية للأنظمة، والتأكيد على أهمية مواصلة النخبة تعليمها الذاتي.
- وضع الأدوار الإعلامية في المرتبة السادسة يُشير إلى أن المبحوثين لا يعطون الأولوية لهذا المجال، إما بسبب المشاركة المكثفة من النخب العربية في تفسير وتحليل الحرب كما بيَّنت النتائج، وإما بسبب سيطرة الأنظمة ومراقبتها لوسائل الإعلام، وإما أن الأكاديميين الذين يُمثِّلون الثلثين مطالبون بأداء أدوار النخبة في نشر الوعي والتفكير الإستراتيجي بشأن القضية الفلسطينية.
استنتاجات
خلصت الدراسة إلى عدد من النتائج التي تجيب على المشكلة البحثية وفرضيات الدراسة بشأن فاعلية أدوار النخبة العربية في سياق مواجهة الإبادة الجماعية التي يرتكبها الجيش الإسرائيلي في غزة، منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023. ومن أهم هذه النتائج:
- لا تزال نظرية الدور مهمة في فهم الظواهر الإنسانية، ودراسة وتحليل وتفسير الإشكاليات البحثية المتصلة بأدوار الأفراد والهيئات والمجتمعات والدول، والكيفية التي يقوم بها كل طرف أو جهة بأدوارهما في معالجة القضايا التي تتعلق بالحرب على قطاع غزة عمومًا، والقضية الفلسطينية خاصة.
- ثمة تجانس بين نتائج محاور الاستبيان ومحور السؤال المفتوح؛ إذ ترتفع نسبة الموافقة والتأييد إلى الثلثين فأكثر كلما تعلق الأمر بأدوار النخبة العلمية والثقافية والإعلامية والحقوقية. وكلما ارتبطت أدوار أفراد النخبة بمجالهم الفردي ورؤيتهم الإستراتيجية وأداء أدوارهم في المجال الاجتماعي (أو في المجتمع)، ودورهم السياسي وعلاقتهم بالأيديولوجيات أو بالنخب الحاكمة تحديدًا، انخفضت نسبة الموافقة إلى أقل من المتوسط.
فقد أكد 64% من أفراد العينة أن النخبة العربية تفاعلت تفاعلًا ثقافيًّا وإعلاميًّا وحقوقيًّا متميزًا مع الحرب، كما وافق 59% من المبحوثين على أن النخبة أنتجت إنتاجًا متنوع الأشكال والتخصصات أو المجالات، ووافق أيضًا 65% من مجموع أفراد العينة على أن النخبة العربية أسهمت في تفسير وتحليل الحرب على غزة. في المقابل، توضح النتائج أن 36% فقط من المبحوثين يوافقون على قيام النخبة بأدوارها في إبداع أفكار عملية وإجرائية خلال تطورات الحرب، وأن ثمة رضًا أقل من المتوسط عن جهود النخبة العربية في تنظيم أعمالها وتنسيق جهودها، واستغلال طاقاتها من أجل التخطيط الإستراتيجي الذي يسمح لها بالقيام بأدوارها وتوحيد آرائها وموافقها بشأن القضايا المطروحة على المجتمعات العربية عامة وقضية فلسطين خاصة.
- ثمة رضا عال إلى متوسط عن فاعلية النخبة في أداء أدوارها في المجال العلمي والثقافي والإعلامي والحقوقي، وهذا ما دفع المبحوثين، الذين أجابوا على السؤال المفتوح، إلى وضع أدوار النخبة في المجالات الثقافية والعلمية والإعلامية في مطالبهم الأقل أهمية.
- هناك ضعف في أداء النخبة العربية لأدوارها في بناء تصور تحرُّري فلسطيني بالتعاون مع الفلسطينيين، وكذلك ضعف في أداء النخبة لدورها في نشر الوعي بالقضية الفلسطينية عربيًّا وعالميًّا، وأيضًا في حلِّ مسألة الانقسام الفلسطيني.
وتُعَد هذه المهام والأدوار جوهرية وعميقة وتحتاج إلى تفكير إستراتيجي؛ مما دفع المبحوثين إلى اختيار "العمل الوحدوي" في المرتبة الأولى، و"المجال العلمي والثقافي" في المرتبة الثانية، ثم "المجال الفردي" و"العمل الإستراتيجي" في المرتبة الثالثة، و"نشر الوعي" في المرتبة الرابعة.
أما فيما يتصل برؤية النخبة لدعم القضية الفلسطينية عربيًّا وعالميًّا خلال الحرب على غزة، فكان رضا المبحوثين أقل من الثلث (30%) إزاء أداء النخبة دورها في بناء تصور تحرُّري فلسطيني بالتعاون مع الفلسطينيين، وأقل من المتوسط (46%) في نشر الوعي عربيًّا وعالميًّا بشأن الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، وأكثر من الثلث (40%) في الدفاع عن القضية الفلسطينية عامة ومواجهة مسألة الانقسام الفلسطيني خاصة.
- ثمة شبه إجماع من المبحوثين (93%) على تأثير الاختلاف السياسي بين الدول العربية في قراءة ورؤية النخبة العربية للحرب الإسرائيلية على غزة، كما أن غالبية المبحوثين (87%) يوافقون على أن علاقات النخبة بالأنظمة الحاكمة وبالهيئات والجهات ذات النفوذ والإعلام تُعزِّز الاختلاف بين أفراد النخبة. كما أن غالبية المبحوثين (77%) يرون أن النخبة العربية لم تقم بدورها في تقديم وإبداع بديل جديد لخياري المقاومة والتفاوض لتحرير فلسطين من الاحتلال الإسرائيلي.
نُشِرت هذه الدراسة في العدد السادس من مجلة الجزيرة لدراسات الاتصال والإعلام، للاطلاع على العدد كاملًا (اضغط هنا)
(1) حسان حلاق، مقدمة في مناهج البحث العلمي، (بيروت، دار النهضة العربية، 2014)، ص 74.
(2) محمد عبد الحميد، البحث العلمي في الدراسات الإعلامية، ط 5 (القاهرة، دار عالم الكتب، 2015)، ص 517.
(3) محمد جمال الفار، معجم المصطلحات الإعلامية، ط 1 (الأردن، دار أسامة للنشر والتوزيع، 2010)، ص 20-21.
(4) أجرى الباحث العديد من المقابلات الصحفية المعمقة مع كبار المفكرين والنخبة العربية، منهم الفيلسوف، طه عبد الرحمن، وعالم الاجتماع اللبناني، مصطفى حجازي، والمفكر التونسي، طاهر لبيب، والمفكر السوداني، الصادق الفقيه، والمثقف الفلسطيني، وليد سيف، والمفكر المصري، محمد سليم العوا، وغيرهم. للاستزادة، انظر: عبد الحكيم أحمين، الجزيرة نت، (تاريخ الدخول: 13 أبريل/نيسان 2025)، https://tinyurl.com/ftrb7ynw.
(5) منال هلال المزاهرة، مناهج البحث الإعلامي، ط 1 (عَمَّان، دار المسيرة للنشر والتوزيع، 2014)، ص 187-190.
(6) شارك في الاستبيان 423 مبحوثًا، لكن 9 منهم لم يجيبوا على بعض محاور وأسئلة صحيفة الاستبيان فتم إلغاء مشاركتهم. من جهة أخرى، ونظرًا لعدم وجود إحصاء رسمي وموثوق به لعدد النخبة العربية، ووفق الجدول الإحصائي الذي وضعه الإحصائيون لأحجام العينات المطلوبة في الدراسات الإعلامية، ويُحدِّد عدد مفردات العينة المطلوبة في أي دراسة، فإن مجتمع الدراسة المتكون من مليون مفردة فأكثر يكون الحدُّ الأدنى لحجم العينة عند مستوى الثقة 0.95 هو 384 مفردة، وحدُّ العينة ذات مستوى الثقة 0.98 هو 2295 مفردة؛ مما يعني أن عينة هذه الدراسة تحظى بمستوى الثقة المطلوب. للاستزادة، انظر:
Robert Krejcie, Daryle Morgan, "Determining Sample Size for Research Activities", Educational and Psychological Measurement, Vol. 30, No. 3, (Autumn 1970): 608.
(7) مي العبد الله، عبد الكريم شين، المعجم في المفاهيم الحديثة للإعلام والاتصال: المشروع العربي لتوحيد المصطلحات، ط 1 (بيروت، دار النهضة العربية، 2014)، ص 172.
(8) دعاء فتحي سالم، "اتجاهات الصفوة المصرية نحو معالجة المواقع الإلكترونية الإخبارية لأحداث ما بعد ثورة 25 يناير: دارسة في إطار نظرية التماس المعلومات"، (دراسة منشورة ضمن أبحاث المؤتمر العلمي الدولي الثامن عشر لكلية الإعلام بجامعة القاهرة: "الإعلام وبناء الدولة الحديثة"، يومي 1 و2 يوليو/تموز 2012)، ص 158.
(9) وليدة حدادي، الإعلام والنخبة المثقفة في عصر الميديا الجديدة، ط 1 (عمان، مركز الكتاب العربي، 2020)، ص 177.
(10) قام بتحكيم صحيفة الاستبيان الأكاديمي، معتصم بابكر مصطفى، العميد الأسبق لكلية الإعلام بجامعة أم درمان الإسلامية بالسودان، والدكتورة أسماء حسين ملكاوي، أستاذة باحثة في علم الاجتماع والمجتمعات الرقمية بمركز ابن خلدون للعلوم الإنسانية والاجتماعية، جامعة قطر.
(11) سعيد التل، مناهج البحث العلمي: تصميم البحث والتحليل الإحصائي، ط 1 (عمان، دار الميسرة، 2007)، ص 127.
(12) المرجع السابق، ص 140.
(13) أحمد عبد الرحمن إبراهيم، محمد أبو هاشم، الإحصاء الوصفي والاستدلالي باستخدام البرنامج الإحصائي SPSS، ط 1 (الرياض، مكتبة الرشد للنشر والتوزيع، 2012)، ص 316.
(14) انظر:
- أبو نصر الجوهري، تجديد الصحاح، ص 5114، نقلًا عن موسوعة المكتبة الشاملة، (تاريخ الدخول: 14 أبريل/نيسان 2025)، https://tinyurl.com/mr3jkxwp.
- زين الدين الرازي، مختار الصحاح، ص 306، نقلًا عن موسوعة المكتبة الشاملة، (تاريخ الدخول: 14 أبريل/نيسان 2025)، https://tinyurl.com/35zrf4u9.
- أبو نصر إسماعيل بن حماد الجوهري الفارابي، الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية، نقلًا عن موسوعة المكتبة الشاملة، (تاريخ الدخول: 14 أبريل/نيسان 2025)، https://tinyurl.com/3xtp8pr7.
(15) ابن منظور، "لسان العرب"، ج 1، ص 752، نقلًا عن موسوعة المكتبة الشاملة، (تاريخ الدخول: 14 أبريل/نيسان 2025)، https://tinyurl.com/yurzt4vz.
(16) محمد مرتضى الزبيدي، تاج العروس من جواهر القاموس، ج 4، ص 246، نقلًا عن موسوعة المكتبة الشاملة، (تاريخ الدخول: 14 أبريل/نيسان 2025)، https://tinyurl.com/mrx5mtyv.
(17) أحمد مختار عمر وآخرون، معجم اللغة العربية المعاصرة، ج 3، ص 2181، نقلًا عن موسوعة المكتبة الشاملة، (تاريخ الدخول: 14 أبريل/نيسان 2025)، https://tinyurl.com/4ydzzrts.
(18) نخبة من اللغويين بمجمع اللغة العربية بالقاهرة، المعجم الوسيط، ج 2، ص 908، نقلًا عن موسوعة المكتبة الشاملة، (تاريخ الدخول: 14 أبريل/نيسان 2025)، https://tinyurl.com/w2nscynx.
(19) "elite", cambridge.org, "accessed April 16, 2025". https://tinyurl.com/2ewvjzar.
(20) "elite", merriam-webster.com, "accessed April 16, 2025". https://tinyurl.com/45w2zc7e.
(21) طوني بينيت وآخرون، مفاتيح اصطلاحية جديدة، ترجمة سعيد الغانمي، ط 1 (بيروت، المنظمة العربية للترجمة، 2010)، ص 671.
(22) "élite", larousse.fr, "accessed April 16, 2025". https://tinyurl.com/y65x8man.
(23) "elite", oxfordlearnersdictionaries, "accessed April 16, 2025". https://tinyurl.com/yeywk6cs.
(24) تجنبًا لتكرار الحديث عن هذه الاتجاهات، انظر: توماس بوتومور، الصفوة والمجتمع: دراسة في علم الاجتماع السياسي، ترجمة محمد الجوهري وآخرون، ط 1 (مصر، دار المعرفة الجامعية، سلسلة علم الاجتماع المعاصر، الكتاب السادس، 1988)، ص 5-12.
(25) حدادي، الإعلام والنخبة المثقفة في عصر الميديا الجديدة، مرجع سابق، ص 74.
(26) حسين العودات، المثقف العربي والحاكم، ط 1 (بيروت، دار الساقي، 2012)، ص 55.
(27) انظر:
- دينكن ميتشيل، معجم علم الاجتماع، ترجمة إحسان محمد الحسن، ط 1 (بيروت، دار الطليعة، 1981)، ص 83.
- ناظم عبد الواحد الجاسور، موسوعة المصطلحات السياسية والفلسفية والدولية، ط 2 (بيروت، دار النهضة العربية، 2011)، ص 631-632.
(28) John Higley, "elites", britannica.com, "accessed April 16, 2025". https://tinyurl.com/26vdz2zv.
(29) ميتشيل، معجم علم الاجتماع، مرجع سابق، ص 84-85.
(30) بيتر تيرشن، زمن النهاية: النخب والنخب المضادة والمسار المفضي إلى التفكك، ترجمة نايف الياسين، ط 1 (دمشق، الهيئة العامة السورية للكتاب، 2024)، ص 15.
(31) المرجع السابق، ص 18-33.
(32) انظر:
- خليل أحمد خليل، معجم المصطلحات الاجتماعية، (بيروت، دار الفكر اللبناني، 1995)، ص 385.
- محمد عاطف غيث، قاموس علم الاجتماع، (الإسكندرية، دار المعرفة الجامعية، 2006)، ص 138.
(33) انظر:
- ميتشيل، معجم علم الاجتماع، مرجع سابق، ص 83.
- الجاسور، موسوعة المصطلحات السياسية والفلسفية والدولية، مرجع سابق، ص 631.
(34) محمد سبيلا، نوح الهرموزي، موسوعة المفاهيم الأساسية في العلوم الإنسانية والفلسفة، ط 1 (إيطاليا، منشورات المتوسط، 2017)، ص 490-491.
(35) انظر:
- حدادي، الإعلام والنخبة المثقفة في عصر الميديا الجديدة، مرجع سابق، ص 72.
- مثنى فائق مرعي، المثقف العربي والقضايا الراهنة: المواقف والأدوار"، ط 1 (العراق، دار الإبداع، 2022)، ص 1.
(36) تُرْجِم هذا المصطلح (الإنتلجنسيا) إلى "النخبة المثقفة". انظر: كريغ كالهون، معجم العلوم الاجتماعية، ترجمة معين رومية، ط 1 (لبنان، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2021)، ص 618.
(37) "Elite", sociology.plus, "accessed April 16, 2025". https://tinyurl.com/mvaekn7v.
(38) غيث، قاموس علم الاجتماع، مرجع سابق، ص 139-140.
(39) عادل مختار الهواري، سعد عبد العزيز مصلوح، موسوعة العلوم الاجتماعية، ط 1 (الإمارات، مكتبة الفلاح للنشر والتوزيع، 1994)، ص 223-224.
(40) عبد المالك التميمي، "بعض إشكاليات الثقافة والنخبة المثقفة في مجتمع الخليج العربي المعاصر"، المستقبل العربي (مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، المجلد 12، العدد 134، 1990)، ص 24-38.
(41) الجاسور، موسوعة المصطلحات السياسية والفلسفية والدولية، مرجع سابق، ص 632.
(42) غيث، قاموس علم الاجتماع، مرجع سابق، ص 140.
(43) للاستزادة حول هذه الأدوار، انظر: غيث، قاموس علم الاجتماع، مرجع سابق، ص 359-360.
(44) موليم العروسي، "صناعة النخب وآلياتها"، مجلة الفيصل، 1 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، (تاريخ الدخول: 25 فبراير/شباط 2025)، https://tinyurl.com/yc7bz3h4.
(45) عبد الله الغذامي، الثقافة التليفزيونية وسقوط النخبة وبروز الشعبي، ط 1 (الدار البيضاء، المركز الثقافي العربي، 2005)، ص 54-56.
(46) خالد حاجي، المثقف-المثقف: من ضيق فضاءات التواصل الاجتماعي إلى رحابة الأرض وسعة الكلام، (المغرب، دار الإحياء للنشر والتوزيع، 2022)، ص 9-10.
(47) بينيت وآخرون، مفاتيح اصطلاحية جديدة، ص 445.
(48) العودات، المثقف العربي والحاكم، مرجع سابق، ص 49.
(49) شيركو جبار محمد، الإعلام والنخبة: جدلية التأثير والتأثر في صنع القرار، ط 1 (الأردن، دار أمجد للنشر والتوزيع، 2019)، ص 25.
(50) حدادي، الإعلام والنخبة المثقفة في عصر الميديا الجديدة، مرجع سابق، ص 126-127.
(51) جون سكوت، علم الاجتماع: المفاهيم الأساسية، ترجمة محمد عثمان، ط 1 (لبنان، الشبكة العربية للأبحاث والنشر، 2009)، ص 362-364.
(52) حاتم الطائي، "الخريف العربي"، الرؤية، 27 ديسمبر/كانون الأول 2015، (تاريخ الدخول: 16 أبريل/نيسان 2025)، https://tinyurl.com/46yau2mw.
(53) للاستزادة، انظر: ياسر فتحي، "خطاب قادة طوفان الأقصى: الثورة المرجوة والفجوة الخطابية"، academia.edu، 2023، (تاريخ الدخول: 16 أبريل/نيسان 2025)، https://2u.pw/2HdF7.
(54) خليل، معجم المصطلحات الاجتماعية، مرجع سابق، ص 207-208.
(55) الهواري، مصلوح، موسوعة العلوم الاجتماعية، مرجع سابق، ص 610-611.
(56) غيث، قاموس علم الاجتماع، مرجع سابق، ص 358-359.
(57) جون سكوت، جوردون مارشال، موسوعة علم الاجتماع، ترجمة مجموعة باحثين، ط 2 (مصر، المركز القومي للترجمة، 2022)، ص 125.
(58) انظر:
- إحسان محمد الحسن، موسوعة علم الاجتماع، ط 1 (بيروت، الدار العربية للموسوعات، 1999)، ص 289-290.
- ميتشيل، معجم علم الاجتماع، مرجع سابق، ص 177.
(59) كريمة صافر، مقدمة في عالم الاجتماع، ط 1 (الجزائر، دار النشر الجامعي الجديد، 2017)، ص 195.
(60) محمد خليل الرفاعي، "دور الإعلام الرقمي في تشكيل قيم الأسرة العربية: دراسة تحليلية"، مجلة جامعة دمشق (المجلد 27، العدد 1 و2، 2011)، ص 691.
(61) جهاد عبد الملك عودة، سمير رمزي، "نظرية الدور وتحليل السياسة الخارجية"، المجلة العلمية للبحوث والدراسات التجارية (المجلد 31، العدد 3، سبتمبر/أيلول 2017)، ص 584.
(62) سكوت، مارشال، موسوعة علم الاجتماع، مرجع سابق، ص 124-126.
(63) عودة، رمزي، "نظرية الدور وتحليل السياسة الخارجية"، مرجع سابق، ص 585.
(64) المصطفى عمراني، "سيرورة التأطير الإخباري للحرب على غزة في الخطاب الإعلامي الغربي (أكتوبر/تشرين الأول 2023- أبريل/نيسان 2024)"، مجلة الجزيرة لدراسات الاتصال والإعلام، (مركز الجزيرة للدراسات، الدوحة، العدد 4، يوليو/تموز 2024)، ص 108.
(65) "عبد الكريم بكار: التحرر الوطني وتفكيك إسرائيل ممكن وأدعو لإحياء ثقافة الوقف"، الجزيرة نت، 1 أغسطس/آب 2024، (تاريخ الدخول: 24 أبريل/نيسان 2025)، https://tinyurl.com/3de8zpt5.
(66) "الأكاديمي اللبناني نديم منصوري: الصورة البراقة للنموذج الغربي سقطت"، الجزيرة نت، 23 مايو/أيار 2024، (تاريخ الدخول: 25 أبريل/نيسان 2025)، https://tinyurl.com/3amaz5bu.
(67) "وليد سيف: كفاح الفلسطيني مستمر منذ النكبة، وصمود المقاومة كسر سردية إسرائيل"، 10 فبراير/شباط 2024، (تاريخ الدخول: 25 أبريل/نيسان 2025)، https://tinyurl.com/3e384bm8.
(68) مصطفى بخوش، "تأثير معركة طوفان الأقصى على الاهتمامات البحثية العربية في حقل العلوم السياسية والعلاقات الدولية" في: غزة والعلوم الاجتماعية، ط 1 (الدوحة، جامعة قطر، مركز ابن خلدون للعلوم الإنسانية والاجتماعية، 2024)، ص 147.
(69) "طفرة الدراسات حول القضية الفلسطينية في الجامعات العالمية"، الخنادق، 2 يوليو/تموز 2024، (تاريخ الدخول: 20 أبريل/نيسان 2025)، https://tinyurl.com/4mbhr4z7.
(70) "المفكر اللبناني مصطفى حجازي: طوفان الأقصى قلب المعادلات وغيَّر قواعد اللعبة"، الجزيرة نت، 8 مارس/آذار 2024، (تاريخ الدخول: 26 أبريل/نيسان 2025)، https://tinyurl.com/4ekdpcwe.
(71) تتعاون الجامعات والمراكز البحثية في إسرائيل في وضع تصورات وحلول ومقترحات إستراتيجية، بل إن باقي النخب يؤدون أدوارًا مشابهة مثلما فعل الجنرال احتياط، غيورا آيلان، رئيس شعبة العمليات الأسبق في الجيش الإسرائيلي باقتراحه "خطة الجنرالات" لإعادة احتلال قطاع غزة. للاستزادة، انظر:
"خطة الجنرالات الإسرائيلية في شمال غزة: الأهداف والخلفيات والتحديات"، الشارع السياسي، 7 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، (تاريخ الدخول: 20 أبريل/نيسان 2025)، https://politicalstreet.org/6929.
(72) "عبد الكريم بكار: التحرر الوطني وتفكيك إسرائيل ممكن وأدعو لإحياء ثقافة الوقف"، مرجع سابق.
(73) بلال التليدي، "نهاية المثقف.. من حلم التغيير إلى مجرد البحث عن دور"، عربي 21، 13 فبراير/شباط 2025، (تاريخ الدخول: 13 فبراير/شباط 2025)، https://tinyurl.com/u8e38u52.
(74) عصام العدوني، "المثقفون وحلم التغيير: إضاعة الفرص أم تحول في الأدوار؟"، مؤسسة الفكر العربي، 23 مارس/آذار 2017، (تاريخ الدخول: 10 مارس/آذار 2025)، https://2u.pw/j9Ehr.
(75) هناك أبحاث كثرة في هذا المجال، انظر مثلًا: "الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة: قراءة في موقف القانون الدولي الإنساني"، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 1 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، (تاريخ الدخول: 25 أبريل/نيسان 2025)، https://tinyurl.com/55crnwhv.
(76) انظر مثلًا "مؤسسة هند رجب.. منظمة حقوقية على اسم طفلة فلسطينية شهيدة"، الجزيرة نت، (ب.ت)، (تاريخ الدخول: 7 يناير/كانون الثاني 2025)، https://2u.pw/8AQEG.
(77) مصطفى بخوش، "تأثير معركة طوفان الأقصى على الاهتمامات البحثية العربية في حقل العلوم السياسية والعلاقات الدولية" في "غزة والعلوم الاجتماعية"، مرجع سابق، ص 147.
(78) "المفكر محمد سليم العوا: طوفان الأقصى محرك للشعوب والمجتمعات تغيرت نظرتها للقيم الغربية"، الجزيرة نت، 1 فبراير/شباط 2024، (تاريخ الدخول: 26 أبريل/نيسان 2025)، https://tinyurl.com/3a6kr99n.
(79) "المفكر التونسي الطاهر لبيب: سيقول العرب يومًا: أُكِلنا يوم أُكِلت غزة"، الجزيرة نت، 17 فبراير/شباط 2025، (تاريخ الدخول: 26 أبريل/شباط 2025)، https://tinyurl.com/pebe8ywz.
(80) عصام العدوني، "المثقفون وحلم التغيير: إضاعة الفرص أم تحول في الأدوار"، دورية أفق، 23 مارس/آذار 2017، (تاريخ الدخول: 10 مارس/آذار 2025)، https://2u.pw/j9Ehr.
(81) أشرف عثمان بدر، "إنهاء الانقسام الفلسطيني بين الفشل والأمل"، مركز الدراسات الوحدة العربية، 21 أغسطس/آب 2020، (تاريخ الدخول: 25 أبريل/نيسان 2025)، https://2u.pw/KwL83o8.
(82) إدريس لكريني، "النخب السياسية العربية: شرعنة الأوضاع أم انتصار للتغيير؟"، مركز الجزيرة للدراسات، 30 أغسطس/آب 2009، (تاريخ الدخول: 25 أبريل/نيسان 2025)، https://tinyurl.com/223mjxzn.
(83) "المفكر التونسي الطاهر لبيب: سيقول العرب يومًا: أكلنا يوم أكلت غزة"، مرجع سابق.
(84) مرعي، "المثقف العربي والقضايا الراهنة: المواقف والأدوار"، مرجع سابق، ص 70.
(85) "المفكر الصادق الفقيه: على العرب استكشاف إستراتيجيات للتغلب على التبعية والتخلف"، الجزيرة نت، 18 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، (تاريخ الدخول: 26 أبريل/نيسان 2025)، https://tinyurl.com/544xuvyh.
(86) مرعي، "المثقف العربي والقضايا الراهنة"، مرجع سابق، ص 50-51.
(87) علي أسعد وطفة، "بنية الوعي الطائفي: من الطائفة إلى الطائفية؟"، مركز نقد وتنوير للدراسات الإنسانية، 27 أبريل/نيسان 2023، (تاريخ الدخول: 26 أبريل/نيسان 2025)، https://tinyurl.com/4hhhenpk.
(88) المرجع السابق.
(89) انظر مثلًا: نضال ماجد أبو عيشة، الطائفية السياسية ودورها في إجهاض الربيع العربي: سوريا نموذجًا (رسالة ماجستير، جامعة النجاح الوطنية، 2018)، https://tinyurl.com/5n7365fu.
(90) بلال التليدي، "كيف تتفجر الطائفية في عز المعركة ضد المشروع الصهيوني؟"، القدس العربي، 26 سبتمبر/أيلول 2024، (تاريخ الدخول: 25 أبريل/نيسان 2025)، https://2u.pw/IgKSQ.
(91) خالد الحمد، "الطائفية في ظل الصراع السياسي الاجتماعي"، المركز العربي الديمقراطي، 21 مايو/أيار 2020، (تاريخ الدخول: 25 أبريل/نيسان 2025)، https://tinyurl.com/mr2t9z88.
(92) "الفيلسوف المغربي طه عبد الرحمن: "المقاومة الطوفانية" حركة تحرر للإنسان والعالم"، الجزيرة نت، 16 ديسمبر/كانون الأول 2023، (تاريخ الدخول: 27 أبريل/نيسان 2025)، https://tinyurl.com/nhz25f4b.
(93) حسام الدين بوعيسى، "النخبة في المنطقة العربية بين التبعية والصمت"، مجلة الأستاذ الباحث للدراسات القانونية والسياسية (المجلد 5، العدد 1، 2020)، ص 599-611.
(94) "المفكر الصادق الفقيه: على العرب استكشاف إستراتيجيات للتغلب على التبعية والتخلف"، مرجع سابق.
(95) المفكر وائل حلاق: "طوفان الأقصى" دليل على نفاق وعنصرية الحداثة الغربية"، الجزيرة نت، 17 يناير/كانون الثاني 2024، (تاريخ الدخول: 27 أبريل/نيسان 2025)، https://tinyurl.com/ymtrhyx5.
(96) إمام شكري القطان، "أطر معالجة نشرات الأخبار للحرب الإسرائيلية على غزة: دراسة تحليلية مقارنة بين قناتي الجزيرة والحرة الأمريكية، المجلة العلمية لكلية التربية النوعية (جامعة المنوفية، مصر، العدد 39، يوليو/تموز 2024)، ص 843-844.