خصوصية التحول الديمقراطي العربي الإسلامي: دراسة في الموروث التاريخي لإعادة تشكيل المفهوم

(الجزيرة)

المقدمة

تأتي هذه الدراسة في سياق بحث مسألة الديمقراطية بوصفها إحدى أكثر القضايا تداولًا وجدلاً في الفكر السياسي الحديث والمعاصر، لاسيما في القرنين الأخيرين. وقد ارتبطت هذه الفكرة لدى بعض الاتجاهات الفكرية بكونها حلًّا شاملًا للأزمات التي تشهدها الأنظمة السياسية العربية، في حين انصرفت دراسات أخرى إلى مقاربتها إما من خلال استنساخ نموذجها الغربي المعاصر دون مراعاة الخصوصيات الحضارية، أو من خلال رفضها لصالح استدعاء مفهوم الشورى بوصفه بديلًا إسلاميًا أصيلًا.

تنطلق الأطروحة من فرضية تجديد الفكر السياسي الإسلامي عبر تفعيل قيمة الشورى، لا من خلال إحلالها بقيمة مستحدثة، وإنما عبر تطويرها في إطار تفاعل حيوي بين الموروث التاريخي والمقتضيات الراهنة، بما ينسجم مع السياقات الزمانية والمكانية المعاصرة. ويرتكز هذا التوجه على ثلاثة أسس: أولًا، الانطلاق من مقاصد الشريعة الإسلامية وأهدافها الكلية؛ ثانيًا، استلهام النماذج النظرية والعملية من سيرة النبي ﷺ وخلفائه الراشدين؛ ثالثًا، تطوير آليات الشورى من خلال اعتماد أنظمة مؤسسية معاصرة، مستفادة من التجربة الإسلامية وتجارب الأمم الأخرى.

الإطار النظري والفرضيات

ترى الدراسة أن المقارنة المباشرة بين الشورى والديمقراطية، والتي شغلت مساحة واسعة من الفكر العربي والإسلامي الحديث، لم تُنتج صيغة جامعة، إذ انقسمت المواقف بين الإقصاء أو الاستبدال. لذا تقترح الأطروحة تجاوز هذا الجدل عبر صياغة تصور إجرائي يقوم على مأسسة الشورى باستخدام أدوات ديمقراطية حديثة، مع إضفاء طابع عربي–إسلامي على هذه الآليات. ويقوم هذا التصور على إعادة تفعيل دور "هيئة أهل الحلّ والعقد" ضمن إطار مؤسسي معاصر، على غرار النموذج الأميركي للمجمع الانتخابي، مع مراعاة الخصوصيات الحضارية.

تتبنى الدراسة فرضية رئيسة مفادها وجود علاقة تقاطعية بين الديمقراطية والإسلام في السياقات العربية، وتتفرع عنها ثلاث فرضيات:

* غياب نموذج ثابت وموحد للديمقراطية وقابل للتطبيق في جميع البيئات.

* إمكانية إعادة تعريف مفهوم السيادة في النظام السياسي الإسلامي بما ينسجم مع الأدوات الديمقراطية الحديثة.

* ضرورة تقنين وتحديث هيئة أهل الحلّ والعقد، بالاستفادة من التجارب السياسية التمثيلية المعاصرة.

البنية والمنهجية

اعتمدت الدراسة المنهج التاريخي، مستفيدة من مقاربة فرناند بروديل القائمة على تحليل المدة الطويلة، إلى جانب المنهج البنيوي-النسقي، الذي ينظر إلى الشورى والديمقراطية بوصفهما منظومتين لهما خصائص تركيبية ووظائفية محددة.

جاء هيكل الأطروحة في قسمين رئيسين:

القسم الأول: الحدود النظرية لمقاربة الديمقراطية والشورى. يتناول هذا القسم التطور التاريخي لفكرة الديمقراطية منذ نشأتها في الحضارات الشرقية القديمة، وتأثير هذه النماذج على الفكر السياسي اليوناني، وصولًا إلى صعود الديمقراطية في الغرب الحديث. كما يناقش هذا القسم قيمة الشورى في الإسلام، التي عززت المشاركة السياسية منذ البيعتين الأولى والثانية، ورسخت مبدأ العقد الاجتماعي في النظام السياسي الإسلامي.

القسم الثاني: إعادة تأويل العقد الاجتماعي العربي-الإسلامي. يطرح هذا القسم صيغة محدثة للعقد الاجتماعي تراعي الخصوصية الحضارية، مع إعادة قراءة دور هيئة أهل الحلّ والعقد في ضوء النماذج المؤسسية الحديثة، خصوصًا المجمع الانتخابي الأميركي، للخروج بصيغة عملية قابلة للتطبيق.

النتائج والاستنتاجات

خلصت الدراسة إلى أن الشورى تمثل قيمة سياسية مرنة قابلة للاجتهاد المستمر، بما يسمح بإيجاد صيغ معاصرة لممارستها في ضوء التحولات الاجتماعية والسياسية. كما تبين أن غياب ثقافة الديمقراطية في العديد من البلدان العربية، وحصرها في أطر انتخابية شكلية، حال دون ترسيخها كممارسة سياسية مؤسسية.

وترى الدراسة أن معالجة أزمة الشرعية السياسية في العالم العربي تقتضي إعادة قراءة البنية الوظيفية لهيئة أهل الحلّ والعقد، ودمجها بآليات سياسية حديثة، بما يعيد تعريف مفاهيم مثل البيعة والسيادة والاختيار وفق منظور عربي-إسلامي معاصر. وتؤكد أن تطوير القيم السياسية المستمدة من النصوص الإسلامية يتطلب تحويلها إلى أطر دستورية قابلة للتطبيق والقياس، بما يضمن مساءلة النظام السياسي ومراقبته.

الخاتمة

تشير الأطروحة إلى أن مشروع بناء صيغة ديمقراطية عربية-إسلامية متجذرة في الموروث وقادرة على التكيف مع العصر، يواجه تحديات فقهية وسياسية عميقة. ومع ذلك، فإنه يوفر إطارًا نظريًّا وعمليًّا لإعادة صياغة العلاقة بين الإسلام كنص وتجربة، والسياسة كممارسة بشرية، من خلال تطوير الأصل بدل البحث عن بدائل خارجية أو الاكتفاء بإعادة إنتاج النماذج التاريخية.

تنويه:

  • الآراء الواردة في هذه الدراسة تُعبِّر عن كاتبها فقط، ولا تعبر بالضرورة عن رأي مركز الجزيرة للدراسات
  • للاطلاع على النص الكامل للدراسة (اضغط هنا)
  • يمكن للباحثين الراغبين في نشر رسائلهم وأطروحاتهم مراسلتنا على العنوان التالي: ajcs-publications@aljazeera.net